المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وما في حَيِّزها سادَّةٌ مَسَدَّ مفعولَيْ الظَّنِّ، والمسألةُ من بابِ - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - جـ ١٠

[السمين الحلبي]

الفصل: وما في حَيِّزها سادَّةٌ مَسَدَّ مفعولَيْ الظَّنِّ، والمسألةُ من بابِ

وما في حَيِّزها سادَّةٌ مَسَدَّ مفعولَيْ الظَّنِّ، والمسألةُ من بابِ الإِعمال لأنَّ «ظنُّوا» يَطْلُبُ مفعولَيْن، و «ظَنَنْتُم» كذلك، وهو إعمال الثاني للحذفِ مِنْ الأولِ، والضمير في «أنهم ظَنُّوا» للإِنسِ، وفي «ظَنَنْتُم» للجنِّ، ويجوزُ العكسُ. وبكلٍ قد قيل.

ص: 489

قوله: {فَوَجَدْنَاهَا} : فيها وجهان، أظهرُهما: أنَّها متعدِّيَةٌ لواحدٍ؛ لأنَّ معناها أصَبْنا، وصادَفْنا، وعلى هذا فالجملةُ مِنْ قولِه «مُلِئَتْ» في موضعِ نصبٍ على الحال. والثاني: أنَّها متعدِّيةٌ لاثنينِ، فتكونُ الجملةُ في موضعِ المفعولِ الثاني.

«وحَرَساً» منصوبٌ على التمييزِ نحو: «امتلأ الإِناءُ ماءً» . والحَرَسُ اسمُ جمع ل حارِس نحو: خَدَم لخادِم، وغَيَب/ لغائِب، ويُجْمَعُ تكسيراً على أحْراس، كقولِ امرىء القيس:

434‌

‌8

- تجاوَزْتُ أَحْراساً وأهوالَ مَعْشَرٍ

عليَّ حِراصٍ لو يُشِرُّون مَقْتلي

والحارس: الحافظُ الرقيبُ، والمصدرُ الحِراسةُ. و «شديداً» صفةٌ ل حَرَس على اللفظِ، كقوله:

4349 -

أخشى رُجَيْلاً ورُكَيْباً عادِياً

ص: 489

ولو جاءَ على المعنى لقيل: شِداداً بالجمع.

وقوله: {وَشُهُباً} جمعُ شِهاب ك كِتاب وكُتُب. وهل المرادُ النجومُ أو الحَرَسُ أنفسُهم؟ وإنما عَطَفَ بعضَ الصفاتِ على بعضٍ عند تغايُرِ اللفظِ كقولِه:

4350 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . أتى مِنْ دُونِها النَّأْيُ والبُعْدُ

وقرأ الأعرج «مُلِيَتْ» بياءٍ صريحةٍ دونَ همزةٍ. ومقاعِد جمعُ مَقْعَد اسمَ مكان.

ص: 490

قوله: {الآن} : هو ظرفٌ حاليٌّ. واستعير هنا للاستقبال كقوله:

4351 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . ولكنْ

سأسْعى الآن إذ بلغَتْ أناها

فاقترنَ بحرفِ التنفيس، وقد تقدَّم هذا في البقرة عند قوله {فالآن بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] ورَصَداً: إمَّا مفعولٌ له، وإمَّا صفة لشِهاباً، أي: ذا رَصَد. وجعل الزمخشريُّ الرَّصَد اسمَ جمعٍ كَحَرَس، فقال: «والرَّصدُ: اسمُ جَمْعٍ للراصِد ك حَرَس على معنى: ذوي شِهابٍ راصِدين بالرَّجْم، وهم الملائكةُ. ويجوزُ أَنْ يكونَ صفةً للشِّهاب، بمعنى الراصِد، أو كقولِه:

4352 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 490

ومِعَىً جِياعاً

ص: 491

قوله: {أَشَرٌّ أُرِيدَ} : يجوزُ فيه وجهان، أحسنُهما، الرفعُ بفعلٍ مضمرٍ على الاشتغالِ، وإنما كان أحسنَ لتقدُّمِ طالبِ الفعلِ، وهو أداةُ الاستفهامِ. والثاني: الرفعُ على الابتداءِ. ولقائلٍ أَنْ يقولَ: يتعيَّنُ هنا الرفعُ بإضمارِ فعلٍ لمَدْركٍ آخر: وهو أنَّه قد عُطِفَ ب «أم» فِعْلٌ، فإذا أَضْمَرْنا الفعلَ رافِعاً كُنَّا قد عَطَفْنا جملةً فعليةً على مِثْلِها بخلافِ رفعِه بالابتداءِ، فإنَّه حينئذٍ يُخْرِجُ «أم» عن كونِها عاطفةً إلى كونِها منقطعةً، إلَاّ بتأويلٍ بعيدٍ: وهو أنَّ الأصلَ: أشرٌّ أُريد بهم أم خيرٌ، فوَضَعَ قولَه {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ} موضعَ «خيرٌ» وقولَه «أشرٌ» سادٌّ مَسَدَّ مفعولَيْ «ندري» بمعنى أنه مُعَلِّقٌ له، وراعى معنى «مَنْ» في قولِه {بِهِمْ رَبُّهُمْ} فجَمَعَ.

ص: 491

قوله: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} : فيه وجهان، أحدُهما: أنَّ «دونَ» بمعنى «غير» ، أي: ومِنَّا غيرُ الصالحين، وهو مبتدأٌ، وإنما فُتِحَ لإِضافتِه إلى غيرِ متمكِّنٍِ، كقوله:{لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] فيمَنْ نَصَبَ على أحدِ الأقوالِ، وإلى هذا نحا الأخفشُ. والثاني: أنَّ «دونَ» على بابِها من الظرفية، وأنها صفةٌ لمحذوفٍ تقديرُه: ومنا فريقٌ أو فوجٌ دونَ ذلك وحَذْفُ الموصوفِ مع «مِنْ» التبعيضيَّةِ يَكْثرُ كقولِهم: منا ظَعَنَ ومنَّا أقام، أي: مِنَّا فريقٌ. والمعنى: ومِنَّا صالحون دونَ أولئك في الصَّلاح.

ص: 491

قوله: {كُنَّا طَرَآئِقَ} فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّ التقديرَ: كنَّا ذوي طرائقَ، أي: ذوي مذاهبَ مختلفةٍ. الثاني: أنَّ التقدير: كُنَّا في اختلاف أحوالِنا مثلَ الطرائقِ المختلفةِ. الثالث: أنَّ التقدير: كُنَّا في طرائقَ مختلفةٍ كقولِه:

4353 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كما عَسَل الطريقَ الثَّعْلَبُ

الرابع: أنَّ التقديرَ: كانَتْ طرائقُنا قِدَداً، على حَذْفِ المضاف الذي هو الطرائقُ، وإقامةِ الضميرِ المضافِ إليه مُقامَه، قاله الزمخشري، فقد جَعَلَ في ثلاثة أوجهٍ مضافاً محذوفاً؛ لأنَّه قَدَّرَ في الأول: ذوي، وفي الثاني: مِثْلَ، وفي الثالث: طرائقنا. ورَدَّ عليه الشيخ قولَه: كُنَّا في طرائق كقولِه:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كما عَسَلَ الطريقَ الثعلبُ

بأنَّ هذا لا يجوزُ إلَاّ في ضرورةٍ أو نُدورٍ، فلا يُخْرَّج القرآن عليه، يعني تَعَدِّيَ الفعلِ بنفسِه إلى ظرفِ المكانِ المختصِّ.

والقِدَدُ: جمعُ قِدَّة، والمرادُ بها الطريقة، وأصلُها السيرةُ يقال: قِدَّةُ فلانٍ حسنةٌ أي: سِيرتُه وهو مِنْ قَدَّ السَّيْرَ أي: قَطَعَه على استواءٍ/ فاسْتُعير للسِّيرةِ المعتدلةِ قال:

ص: 492

4354 -

القابِضُ الباسِطُ الهادِيْ بطاعتِه

في فِتْنة الناسِ إذا أهواؤُهم قِدَدُ

وقال آخر:

4355 -

جَمَعْتَ بالرأيِ مِنهم كلَّ رافضةٍ

إذ هم طرائقُ في أهوائِهم قِدَدُ

ص: 493

قوله: {فِي الأرض} : حالٌ، وكذلك «هَرَباً» مصدرٌ في موضع الحال تقديرُه: لن نُعْجِزه كائنين في الأرض أينما كُنَّا فيها، ولن نُعْجزه هاربين منها إلى السماءِ.

ص: 493

قوله: {فَلَا يَخَافُ} : أي: فهو لا يخافُ، أي فهو غيرُ خائف؛ ولأنَّ الكلامَ في تقديرِ مبتدأٍ وخبرٍ، دَخَلَتِ الفاءُ، ولولا ذلك لقيلَ: لا يَخَفْ، قاله الزمخشري، ثم قال:«فإنْ قلتَ: أيُّ فائدةٍ في رفعِ الفعلِ وتقديرِ مبتدأ قبلَه، حتى يقعَ خبراً له، ووجوبِ إدخالِ الفاءِ، وكان كلُّ لك مستغنىً عنه بأَنْ يُقالَ لا يَخَفْ؟ قلت: الفائدةُ أنه إذا فَعَلَ ذلك فكأنَّه قيل: فهو لا يَخافُ، فكان دالاًّ على تحقيقِ أنَّ المؤمِنَ ناجٍ لا مَحالةَ، وأنه هو المختصُّ بذلك دونَ غيره» . قلت: سببُ ذلك أنَّ الجملةَ تكونُ اسميةً حينئذٍ، والاسميةُ أدلُّ على التحقيقِ والثبوتِ من الفعلِيَّةِ. وقرأ ابن وثاب والأعمش «فلا يَخَفْ» بالجزمِ، وفيها وجهان، أحدُهما: ولم يَذْكُرِ الزمخشريُّ غيرَه أنَّ «لا» ناهيةٌ، والفاءُ حينئذٍ

ص: 493

واجبةٌ. والثاني: أنها نافيةٌ، والفاءُ حينئذٍ زائدةٍ، وهذا ضعيفٌ.

وقوله: {بَخْساً} فيه حَذْفُ مضافٍ أي: جزاءُ بَخْسٍ، كذا قدَّره الزمخشريُّ، وهو مُسْتَغْنَى عنه. وقرأ ابن وثاب «بَخَساً» بفتح الخاء.

ص: 494

قوله: {القاسطون} : قد تقدَّم في أول النساء: أنَّ قَسَط الثلاثيَّ بمعنى جار، وأَقْسَط الرباعيَّ بمعنى عَدَل، وأنَّ الحَجَّاجَ قال لسعيد بن جبير: ما تقولُ فِيّ قال: إنك قاسِطٌ عادِلٌ. فقال الحاضرون: ما أحسنَ ما قال!! فقال: يا جهلةُ جَعَلني جائراً كافراً، وتلا {وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً} [الجن: 15] {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] .

قوله: {تَحَرَّوْاْ رَشَداً} أي: قَصَدوا ذلك، وطَلَبوه باجتهادٍ، ومنه: التحرِّي في الشيءِ. قال الراغب: «حَرَى الشيءَ يَحْريه أي: قَصَدَ حَراه أي جانبَه، وتَحَرَّاه كذلك، وحَرَى الشيءُ يَحْرِي: نَقَصَ، كأنه لَزِمَ الحَرَى ولم يَمْتَدَّ قال:

4356 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 494