المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قد تقدَّم في أولِ النساء. وجَوَّز الزمخشريُّ فيه هنا أن - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - جـ ١٠

[السمين الحلبي]

الفصل: قد تقدَّم في أولِ النساء. وجَوَّز الزمخشريُّ فيه هنا أن

قد تقدَّم في أولِ النساء. وجَوَّز الزمخشريُّ فيه هنا أن ينتصِبَ نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ أي: أَكْلاً هَنيئاً، وشُرْباً هنيئاً، وأَنْ ينتصِبَ على المصدرِ بعاملٍ مِنْ لفظِه مقدرٍ أي: هَنِئْتُمْ بذلك هَنيئاً. و «بما أَسْلَفْتُم» الباءُ سببيةٌ، و «ما» مصدريةٌ أو اسميةٌ.

ص: 435

قوله: {مَآ أغنى} : يجوز أَنْ يكونَ نفياً، وأَنْ يكونَ استفهامَ توبيخٍ لنفسِه.

ص: 435

وقوله: {خُذُوهُ} كقولِه: {كُلُواْ} [الحاقة: 24] في إضمار القولِ. وقوله: {ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ} تقديمُ المفعولِ يُفيد الاختصاصَ عند بعضهم؛ ولذلك قال الزمخشري: «ثم لا تَصْلُوه إلَاّ الجحيمَ» . قال الشيخ: «وليس ما قاله مَذْهَباً لسيبويه ولا لحُذَّاقِ النحاة» . قلت: قد تقدَّمَتْ هذه المسألةُ مُتْقَنَةً، وأنَّ كلامَ النحاةِ لا يأبى ما قاله.

ص: 435

قوله: {ذَرْعُهَا سَبْعُونَ} : في محلِّ جر صفةً ل «سِلْسِلَةٍ» و «في سِلْسِلَة» متعلِّقٌ ب «اسْلُكوه» والفاءُ لا تَمْنع من ذلك. والذِّراعُ مؤنثٌ، ولذلك يُجْمَعُ على أفْعُل وسَقَطَتْ التاءُ مِنْ عددِه قال:

4‌

‌32

- 2-

ص: 435

أَرْمي عليها وهي فَرْعٌ أَجْمَعُ

وهي ثلاثُ أَذْرُعٍ وإصبعُ

وزعم بعضُم أنَّ في قولِه: «في سِلْسلة» «فاسلكوه» قلباً، قال: لأنه نُقِلَ في التفسير أنَّ السِّلسلةَ تَدْخُل مِنْ فيه، وتخرجُ مِنْ دُبُرِه، فهي المَسْلُوْكة فيه، لا هو مَسْلوكٌ فيها. والظاهرُ أنه لا يُحتاج إلى ذلك لأنه رُوي أنَّها لطولِها تُجْعَلُ في عنقِه وتَلتَوي عليه، حتى تُحيطَ به مِنْ جميعِ جهاتِه، فهو المَسْلوكُ فيها لإِحاطتِها به.

وقال الزمخشري: «والمعنى في تقديم السِّلسلةِ على السَّلْك مثلُه في تقديمِ الجحيمِ على التَّصْليةِ أي: لا تَسْلُكوه إلَاّ في هذه السلسلةِ و» ثُمَّ «للدلالةِ على التفاوُتِ لِما بين الغَلِّ والتَّصْليةِ بالجَحيم، وما قبلَها، وبينَ السَّلْكِ في السِّلسلة لا على تراخي المُدَّة» . ونازعه الشيخُ في إفادةِ التقديم الاختصاصَ كعادتِه، وجوابُه ما تقدَّم، ونازَعه أيضاً في أنَّ «ثُمَّ» للدلالة على تراخي الرتبة. وقال:«يمكنُ التراخي الزماني: بأَنْ يَصْلَى بعد أن يُسْلَكَ، ويُسْلَكَ بعد أَنْ يُؤْخَذَ ويُغَلَّ بمهلةٍ بين هذه الأشياءِ» . انتهى. وفيه نظرٌ: من حيث إن التوعُّدَ بتوالي العذابِ آكَدُ وأقطعُ مِنْ التوعُّدِ بتَفْريقه.

ص: 436

وقله: {وَلَا يَحُضُّ} : الحضُّ: البَعْثُ على الفعلِ والحِرْصُ على وقوعِه، ومنه حروفُ التحضيض المُبَوَّبُ لها في النحوِ؛ لأنه يُطْلَبُ بها وقوعُ الفعلِ وإيجادُه.

ص: 436

ليس» وجهان، أحدهما:«له» ، والثاني:«ههنا» ، وأيُّهما كان خبراً تعلَّق به الآخَرُ، أو كان حالاً مِنْ «حميمٌ» . ولا يجوزُ أَنْ يكونَ «اليومَ» خبراً البتة لأنه زمانٌ، والمُخْبَرُ عنه جثةٌ. ومنع المهدويُّ أَنْ يكونَ «ههنا» خبراً، ولم يَذْكُرِ المانعَ. وقد ذكره القرطبي فقال:«لأنه يَصيرُ المعنى: ليس ههنا طعامٌ إلَاّ مِنْ غسْلين/ ولا يَصِحُّ ذلك لأنَّ ثَمَّ طعاماً غيرَه» . انتهى. وفي هذا نظرِ؛ لأنَّا لا نُسَلِّم أولاً أنَّ ثَمَّ طعاماً غيرَه. فإنْ أَْرَدَ قولَه: {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَاّ مِن ضَرِيعٍ} [الغاشية: 6] فهذا طعامٌ آخرُ غيرُ الغِسْلين. فالجوابُ: أنَّ بعضَهم ذهب إلى أن الغِسْلينَ هو الضَّريعُ بعينِه فسمَّاه في آيةٍ غِسْليناً، وفي أخرى ضَريعاً. ولَئِنْ سَلَّمْنا أنهما طعامان فالحَصْرُ باعتبارِ الآكلين. يعني أنَّ هذا الآكلَ انحصَر طعامُه في الغِسْلِيْنِ، فلا يُنافي أَنْ يكونَ في النار طعامٌ آخر. وإذا قُلْنا: إنَّ «له» الخبر، وإن «اليوم» و «ههنا» متعلِّقان بما تعلَّقَ هو به فلا إشكال. وكذاك إذا جَعَلْنا «ههنا» هو الخبرَ، وعَلَّقْنا به الجارَّ والظرفَ ولا يَضُرُّ كونُ العاملِ معنوياً للاتساع في الظروفِ وحروف الجرِّ.

ص: 437

قوله: {إِلَاّ مِنْ غِسْلِينٍ} : صفةٌ ل «طعامٌ» دَخَلَ الحصرُ على الصفةِ، كقولك:«ليس عندي رجلٌ إلَاّ من بني تميمٍ» والمرادُ بالحميم الصديقُ، فعلى هذا الصفةُ مختصَّةٌ بالطعامِ أي: ليس له صديق ينفعُه ولا طعامٌ إلَاّ مِنْ كذا. وقيل: التقديرُ: ليس له حميمٌ إلَاّ مِنْ غِسْلين ولا طعامٌ، قاله أبو البقاء، فجعل «مِنْ غِسْلين» صفةً للحميم،

ص: 437

كأنَّه أرادَ به الشيءَ الذي يُحَمُّ به البدنُ مِن صديدِ النارِ. ثم قال: «وقيل: من الطعامِ والشرابِ؛ لأنَّ الجميعَ يُطْعَمُ بدليله قولِه: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ} [البقرة: 249] فعلى هذا يكونُ {إِلَاّ مِنْ غِسْلِينٍ} صفةً ل» حميم «ول» طعام «، والمرادُ بالحَميم ما يُشْرَبُ. والظاهرُ أنَّ خبرَ» ليس «هو قوله:» مِنْ غِسْلين «إذا أُرِيد بالحميم ما يُشْرَبُ أي: ليس له شرابٌ ولا طعامٌ إلَاّ غِسْليناً. أمَّا إذا أُريد بالحميمِ الصديقُ فلا يتأتَّى ذلك. وعلى هذا الذي ذكَرْتُه فيُسْألُ عمَّا يُعَلَّقُ به الجارُّ والظرفان؟ والجوابُ: أنها تتعلَّقُ بما تعلَّقَ به الخبرُ، أو يُجْعَلُ» له «أو» ههنا «حالاً مِنْ» حميم «، ويتعلَّقُ» اليوم «بما تَعَلَّق به الحالُ. ولا يجوزُ أَنْ يكونَ» اليومَ «حالاً مِنْ» حميم «، و» له «و» ههنا «متعلِّقان بما تعلَّق به الحالُ؛ لأنه ظرفُ زمانٍ، وصاحبُ الحالِ جثةٌ. وهذا الموضِعُ موضِعٌ حَسَنٌ مفيدٌ فتأمّلْه.

والغِسْلِين: فِعْلِيْن مِن الغُسالةِ، فنونُه وياؤُه زائدتان. قال أهلُ اللغة: هو ما يَجْري من الجِراح إذا غُسِلَتْ. وفي التفسير: هو صَديدُ أهلِ النار. وقيل: شجرٌ يأكلونه.

ص: 438

قوله: {لَاّ يَأْكُلُهُ إِلَاّ الخاطئون} : صفةٌ ل «غِسْلين» . والعامَّةُ يَهْمِزُون «الخاطِئُون» وهو اسمُ فاعلٍ مِنْ خَطِىءَ يَخْطأ، إذا فَعَلَ غيرَ الصوابِ متعمِّداً، والمُخْطِىءُ مَنْ يفعلُه غيرَ متعمِّدٍ.

وقرأ الزُّهريُّ والعَتكِيُّ وطلحة والحسن «الخاطِيُون» بياءٍ مضمومةٍ

ص: 438

بدلَ الهمزة. وقد تقدَّم مثلُه في «مُسْتَهْزِيُون» أولَ هذا الموضوع. وقرأ نافعٌ في روايةٍ، وشيخُه وشَيْبَةُ بطاءٍ مضمومةٍ دونَ همزِ. وفيها وجهان، أحدُهما: أنَّه كقراءةِ الجماعةِ، إلَاّ أنه خُفِّفَ بالحَذْفِ. والثاني: أنه اسمُ فاعلٍ مِن خطا يخطو إذا اتَّبع خطواتِ غيرِه. فيكونُ مِنْ قولِه: {لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان} [النور: 21] قاله الزمخشري، وقد مَرَّ في أول هذا الموضوع أنَّ نافعاً يَقْرأ «الصابِييْنَ» بدونِ همزٍ، وتقدَّم ما نَقَلَ الناسُ فيها، وعن ابن عباس: ما الخاطُون كلُّنا نَخْطُو. ورَوى عنه أبو الأسودِ الدؤليُّ: «ما الخاطُون، إنما هو الخاطئُون وما الصابُون، إنما هو الصابِئُون» .

ص: 439

وقوله: {فَلَا أُقْسِمُ} : قد تقدَّم مثلُه في آخرِ الواقعة، وأَشْبَعْتُ القولَ ثَمَّةَ إلَاّ أنَّه قيل ههنا: إنَّ «لا» نافيةٌ لفعلِ القسم، وكأنَّه قيل: لا أَحْتاجُ أَنْ أُقْسِمَ على هذا؛ لأنه حقٌّ ظاهرٌ مُسْتَغْنٍ عن القسمِ، ولو قيل به في الواقعة لكان حَسَناً.

ص: 439

قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ} : هو جواب القسمِ.

ص: 439

قوله: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ} : معطوفٌ على الجوابِ فهو جواب. أَقْسَمَ على شيئين، أحدُهما مُثْبَتٌ، والآخرُ منفيٌّ وهو من البلاغةِ الرائعة.

ص: 439

قوله: {قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ} {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} انتصبَ «قليلاً» في الموضعَيْنِ نعتاً لمصدرٍ أو زمانٍ محذوفٍ أي: إيماناً قليلاً أو زماناً قليلاً. والناصب تُؤْمِنون وتَذَكَّرون، و «ما» مزيدةٌ/ للتوكيدِ. وقال ابنُ عطيةَ:«ونُصِبَ» قليلاً «بفعلٍ مضمرٍ، يَدُلُّ عليه» تُؤْمِنون «. وما يُحتمل أَنْ تكونَ نافيةً فيَنْتَفِيَ إيمانُهم البتةَ، ويُحتمل أَنْ تكونَ مصدريةً، ويتصفَ بالقلَّةِ، فهو الإِيمانُ اللغويُّ؛ لأنَّهم قد صَدَّقوا بأشياءَ يسيرةٍ، لا تُغْني عنهم شيئاً؛ إذ كانوا يُصَدِّقون بأنَّ الخيرَ والصِّلةَ والعفافَ الذي يأمرُ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو حقٌّ وصوابٌ» . قال الشيخ: «أمَّا قولُه:» قليلاً «نُصِبَ بفعلٍ إلى آخره فلا يَصِحُّ؛ لأن ذلك الفعلَ الدالَّ عليه» تُؤْمنون «: إمَّا أن تكونَ» ما «نافيةً [أو مصدريةً] كما ذَهَب إليه. فإنْ كانَتْ نافيةً فذلك الفعلُ المضمرُ الدالُّ عليه» تُؤْمِنون «المنفيُّ ب» ما «يكونُ منفيّاً، فيكون التقدير: ما تُؤْمِنون قليلاً ما تؤمنون، والفعلُ المنفيُّ ب» ما «لا يجوزُ حَذْفُه ولا حَذْفُ» ما «، لا يجوز:» زيداً ما أَضْرِبُه «على تقدير: ما أضربُ زيداً ما أَضْرِبُه. وإنْ كانَتْ مصدريةً كانَتْ: إمَّا في موضع رفعٍ ب» قليلاً «على الفاعلية، أي: قليلاً إيمانُكم، ويبقى» قليلاً «لا يتقدَّمه مَا يَعْتمد عليه حتى يعملَ، ولا ناصبَ له، وإمَّا في موضعِ رفعٍ على الابتداءِ فيكونُ مبتدأً لا خبرَ له، لأنَّ ما قبلَه منصوبٌ» .

قلت: لا يريدُ ابنُ عطيةَ بدلالةِ «تُؤْمنون» على الفعلِ المحذوفِ الدلالةَ المذكورةَ في بابِ الاشتغالِ، حتى يكونَ العاملُ الظاهر مفسِّراً

ص: 440

للعاملِ المضمرِ، بل يريدُ مجرَّدَ الدلالةِ اللفظيةِ، فليس ما أوردَه الشيخُ عليه مِنْ تمثيلِه بقولِه:«زيداً ما أَضْرِبُه» أي: ما أضربُ زيداً ما أضربه بواردٍ.

وأمَّا الردُّ الثاني فظاهرٌ. وقد تقدَّم لابنِ عطيةَ هذا القولُ في أول سورةِ الأعراف وتكلَّمْتُ معه ثَمَّة. وقال الزمشخريُّ: «والقلَّةُ في معنى العَدَمِ أي: لا تُؤْمنون ولا تَذَكَّرون البتة» . قال الشيخ: «ولا يُرادُ ب» قليلاً «هنا النفيُ المَحْض، كما زعم، وذلك لا يكونُ إلَاّ في» أقَلَّ «نحو:» أقَلُّ رجلٍ يقولُ ذلك إلَاّ زيدٌ «وفي» قَلَّ «نحو:» قَلَّ رجلٌ يقولُ ذلك إلَاّ زيدٌ «وقد يُستعمل في قليل وقليلة، أمَّا إذا كانا مرفوعَيْنِ، نحوُ ما جَوَّزوا في قولِه:

4323 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قليلٌ بها الأصواتُ إلَاّ بُغامُها

أمَّا إذا كان منصوباً نحو: «قليلاً ضَرَبْتُ» أو «قليلاً ما ضَرَبْتُ» على أَنْ تكونَ «ما» مصدريةً فإنَّ ذلك لا يجوزُ؛ لأنَّه في «قليلاً ضربْتُ» منصوبٌ ب «ضربْتُ» . ولم تَستعمل العربُ «قليلاً» إذا انتصَبَ بالفعلِ نفياً، بل مقابلاً لكثير، وأمَّا في «قليلاً ما ضربْتُ» على أَنْ تكونَ «ما» مصدريةً فتحتاج إلى رفع «قليل» لأنَّ «ما» المصدريةَ في موضعِ رفع على الابتداء «انتهى ما رَدَّ به، وهو مجردُ دَعْوى.

ص: 441

وقرأ ابن كثير وابن عامر بخلافٍ عن ابن ذكوان بالغَيْبة في» يؤمنون «و» يَذَّكَّرون «حَمْلاً على قولِه:» الخاطِئون «، والباقون بالخطاب حَمْلاً على» بما تُبْصِرون وما لا تُبْصرون «. وأُبَيٌّ» تتذكَّرون «بتاءين.

ص: 442

قوله: {تَنزِيلٌ} : هذه قراءةُ العامَّة، أعني الرفعَ على إضمارِ مبتدأ، أي: هو تنزيلٌ، وتقدَّم مثلُه. وأبو السَّمَّال «تَنْزيلاً» بالنصبِ على إضمارِ فعل أي: نَزَّل تنزيلاً.

ص: 442

قوله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ} : هذه قراءةُ العامَّةِ. تَفَعَّل من القولِ مبنيّاً للفاعلِ. وقال الزمخشري: «التقوُّلُ افعتالُ القولِ؛ لأن فيه تكلُّفاً من المُفْتَعِل» . وقرأ بعضُهم «تُقُوِّل» مبنياً للمفعول. فإن كان هذا القارىءُ رفع «بعضُ الأقاويل» فذاك، وإلَاّ فالقائمُ مَقامَ الفاعلِ الجارُّ، وهذا عند مَنْ يرى قيامَ غيرِ المفعول به مع وجودِه. وقرأ ذكوان وابنه محمد «يقولُ» مضارعُ «قال» . والأقاويلُ: جمعُ أقوالٍ، وأقوالٌ جمع قَوْل، فهو نظير «أباييت» جمعُ أَبْيات جمعُ بَيْت. وقال الزمخشري: «

ص: 442

وسَمَّى الأقوالَ المتقوَّلةَ أقاويلَ تصغيراً لها وتحقيراً، كقولك: أعاجيب، وأضاحيك، كأنها جمع أُفْعُولة من القَوْل» .

ص: 443

قوله: {باليمين} : يجوزُ أَنْ تكونَ الباءُ على أصلِها غيرَ مزيدةٍ والمعنى: لأَخَذْناه بقوةٍ مِنَّا، فالباءُ حاليةٌ، والحالُ من الفاعلِ، وتكون في حكم الزائدةِ. واليمينُ هنا مَجازٌ عن القوةِ والغَلَبة، وأَنْ تكونَ مزيدةً، والمعنى: لأَخَذْنا منه يمينَه، والمرادُ باليمين الجارِحَةُ، كما يُفْعَلُ بالمقتول صَبْراً يُؤْخَذُ بيميِنه، ويُضرب بالسيفِ في جيده مواجهةً، وهو أشَدُّ عليه. والوتينُ نِياطُ القلبِ، إذا انقطعَ ماتَ صاحبُه. وقال الكلبي:«هو عِرْقٌ بين العِلْباء والحُلْقوم، وهما عِلْباوان، بينهما العِرْقُ، والعِلْباءُ: / عَصَبُ العُنُق» . وقيل: عِرْقٌ غليظٌ تصادِفُه شَفْرة الناحِرِ. قال الشمّاخ:

4324 -

إذا بَلَّغْتِني وحَملْتِ رَحْلِي

عَرابةَ فاشْرَقي بدمِ الوتينِ

ص: 443

قوله: {حَاجِزِينَ} : فيه وجهان، أحدُهما: أنه نعتٌ ل «أحد» على اللفظِ، وإنما جُمع على المعنى؛ لأنَّ «أحداً» يَعُمُّ في سياقِ النفي كسائرِ النكراتِ الواقعة في سياقِ النفي، قاله الزمخشريُّ والحوفيُّ، وعلى هذا فيكون «منكم» خبراً للمبتدأ، والمبتدأ «مِنْ أحدٍ»

ص: 443

زِيْدَتْ فيه «مِنْ» لوجود شرطَيْها. وضَعَّفه الشيخُ: بأنَّ النفيَ يتسَلَّطُ على كَيْنونتِه منكم، والمعنى إنما هو على نفي الحَجْزِ عَمَّا يُراد به. والثاني: أَنْ يكونَ خبراً ل «ما» الحجازية و «مِنْ أحد» اسمُها، وإنما جُمعَ الخبرُ لِما تقدَّم، و «منكم» على هذا حالٌ؛ لأنه في الأصلِ صفةٌ ل «أحد» أو يتعلَّقُ ب «حاجِزين» . ولا يَضُرُّ ذلك؛ لكونِ معمولِ الخبرِ جارّاً، ولو كان مفعولاً صريحاً لامتنع. لا يجوز:«ما طعامَك زيدٌ آكلاً» أو يتعلَّقُ بمحذوفٍ على سبيل البيان. و «عنه» متعلِّقٌ ب «حاجزين» على القولَيْن، والضميرُ للمتقوِّلِ أو للقَتْلِ المدلولِ عليه بقولِه:«لأَخَذْنا» ، «لَقَطَعْنا» .

ص: 444

قوله: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ} : أي: القرآن، وكذلك «إنه لحَسْرة» . وقيل: إنَّ التكذيبَ به، لدلالةِ «مكذِّبين» على المصدرِ دلالةَ السَّفيه عليه في قولِه:

4325 -

إذا نُهِي السَّفيهُ جرى إليه

وحالفَ والسَّفيهُ إلى خِلافِ

أي إلى السَّفَهِ.

ص: 444

قوله: {سَأَلَ} : قرأ نافع وابنُ عامر بألفٍ مَحْضَةٍ. والباقون بهمزةٍ مُحَقَّقةٍ، وهي الأصلُ، وهي اللغةُ الفاشيةُ. ثم لك في «سأل» وجهان أحدُهما: أنْ يكونَ قد ضُمِّنَ معنى دعا؛ فلذلك تعدَّى بالباء، كما تقول: دعوت بكذا. والمعنى: دعا داعٍ بعذابٍ. والثاني: أَنْ يكونَ على أصلِه. والباءُ بمعنى عن، كقوله:

4326 -

فإن تَسْألوني بالنساء. . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

«فأسْأل بن خبيرا» ، وقد تقدَّم تحقيقُه. والأولُ أَوْلَى؛ لأن التجوُّزَ في الفعل أَوْلَى منه في الحرف لقوتِه.

وأمَّا القراءةُ بالألفِ ففيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنها بمعنى قراءةِ الهمزة، وإنما خُفِّفَتْ بقَلْبِها ألفاً، وليس بقياسِ تخفيفِ مثِلها، بل قياسُ تخفيفِها جَعْلُها بينَ بينَ. والباءُ على هذا الوجهِ كما في الوجهِ الذي

ص: 445

تقدَّم. الثاني: أنها مِنْ سال يَسال مثلُ خاف يَخاف. وعينُ الكلمةِ واوٌ. قال الزمخشري: «وهي لغةُ قريش يقولون: سِلْتَ تَسالُ، وهما يتسايلان» . قال الشيخ: «وينبغي أَنْ يُتَثَبَّتَ في قوله:» إنها لغةُ قريشٍ، لأنَّ ما جاء في القرآنِ من باب السؤالِ هو مهموزٌ، أو أصلُه الهمزُ، كقراءةِ مَنْ قرأ «وسَلُوا اللهُ مِنْ فضلِه» [النساء: 32] إذ لا جائزٌ أَنْ يكونَ مِنْ «سال» التي عينُها واوٌ، إذ كان يكون ذلك «وسَالوا اللهَ» مثلَ «خافوا» ، فيَبْعُدُ أن يجيءَ ذلك كلُّه على لغةِ غيرِ قريشٍ، وهم الذين نَزَل القرآنُ بلغتِهم إلَاّ يسيراً، فيه لغةُ غيرِهم. ثم في كلامِ الزمخشريِّ «وهما يتسايَلان» بالياء، وهو وهمٌ من النسَّاخ، إنما الصوابُ: يتساوَلان بالواو، لأنه صَرَّحَ أولاً أنه من السُوال يعني بالواو الصريحةِ، وقد حكى أبو زيدٍ عن العربِ:«هما يتساولان» . الثالث: أنَّها مِنْ السَّيَلان. والمعنى: سالَ وادٍ في جهنم بعذابٍ، فالعينُ ياءٌ، ويؤيِّدُه قراءةُ ابن عباس «سالَ سَيْلٌ» . قال الزمخشريُّ:«والسَّيْلُ مصدرٌ في معنى السائلِ كالغَوْر بمعنى الغائر. والمعنى: اندفع عليهم وادي عذابٍ» انتهى. والظاهرُ الوجهُ الأولُ لثبوتِ ذلك لغةً مشهورةً قال:

4327 -

سالَتْ هُذَيْلٌ رسولَ اللهِ فاحشةً

ضَلَّتْ هُذَيلٌ بما سالَتْ ولم تُصِبِ

ص: 446

وقرأ أُبَيٌّ وعبد الله «سال سالٌ» مثلَ «مال» وتخريجُها: أنَّ الأصلَ «سائلٌ» فحُذِفَتْ عينُ الكلمةِ وهي الهمزةُ، واللامُ محلُّ الإِعرابِ وهذا كما قيل:«هذا شاكٌ» في شائِكِ السِّلاح وقد تقدَّم الكلامُ على مادةِ السؤالِ في أول البقرة، / فعليك باعتبارِه.

والباءُ تتعلَّق ب «سال» من السَّيَلان تعلُّقَها ب «سال الماءُ بزيدٍ» . وجَعَلَ بعضُهم الباءَ متعلقةً بمصدرٍ دَلَّ عليه فِعْلُ السؤال، كأنه قيل: ما سؤالُهم؟ فقيل: سؤالُهم بعذابٍ، كذا حكاهُ الشيخ عن الإِمام فخر الدين، ولم يَعْتَرِضْه. وهذا عَجَبٌ؛ فإنَّ قولَه أولاً «إنه متعلِّقٌ بمصدرٍ دَلَّ عليه فِعْلُ السؤال» يُنافي تقديرَه بقولِه:«سؤالُهم بعذاب» ؛ لأنَّ الباءَ في هذا التركيبِ المقدَّرِ تتعلَّق بمحذوفٍ لأنها خبرُ المبتدأ، لا بالسؤال.

وقال الزمخشري: «وعن قتادةَ: سأل سائلٌ عن عذابِ الله بمَنْ يَنْزِلُ وعلى مَنْ يقعُ؟ فَنَزَلَتْ، و» سأَل «على هذا الوجهِ مُضَمَّنٌ معنى عُنِيَ واهتمَّ» .

ص: 447

قوله: {لِلْكَافِرِينَ} : فيه أوجهٌ، أحدُها: أَنْ يتعلَّقَ ب «سأل» مضمَّناً معنى «دَعا» كما تقدَّم، أي: دعا لهم بعذابٍ واقع. الثاني: أَنْ يتعلَّقَ ب «واقعٍ» واللامُ للعلةِ، أي: نازلٌ لأجلِهم. الثالث: أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ صفةً ثانيةً ل «عذابٍ» ، أي: كائنٍ للكافرين. الرابع: أَنْ

ص: 447

يكونَ جواباً للسائلِ، فيكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ، أي: هو للكافرين. الخامس: أَنْ تكونَ اللامُ بمعنى على، أي: واقعٍ على الكافرين، ويؤيِّده قراءةُ أُبَيّ «على الكافرين» ، وعلى هذا فهي متعلِّقةٌ ب «واقعٍ» لا على الوجهِ الذي تقدَّم قبلَه.

وقال الزمخشريُّ: «فإنْ قلتَ: بم يتصِلُ قولُه» للكافرين «؟ قلت: هو على القولِ الأولِ متصلٌ بعذاب صفةً له، أي: بعذابٍ واقعٍ كائنٍ للكافرين، أو بالفعل، أي: دعا للكافرين بعذابٍ واقعٍ، أو بواقع، أي: بعذابٍ نازلٍ لأَجْلِهم. وعلى الثاني: هو كلامٌ مبتدأٌ، جواباً للسائل، أي: هو للكافرين» انتهى.

قال الشيخ: «وقال الزمشخريُّ:» أو بالفعلِ، أي: دعا للكافرين، ثم قال: وعلى الثاني وهو ثاني ما ذَكَرَ في توجيهِه للكافرين قال: هو كلامٌ مبتدأٌ جواباً للسائلِ، أي: هو للكافرين. وكان قد قَرَّر أنَّ «سَأَلَ» ضُمِّن معنى «دعا» فعُدِّيَ تعديتَه، كأنه قال: دعا داعٍ بعذابٍ، مِنْ قولِك: دعا بكذا إذا استدعاه وطَلَبه، ومنه قولُه تعالى:{يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ} [الدخان: 55] انتهى. فعلى ما قَرَّره أنه متعلِّقٌ ب «دعا» يعني ب «سأل» ،

ص: 448

فكيف يكونُ كلاماً مبتدأ جواباً للسائلِ، أي: هو للكافرين؟ هذا لا يَصِحُّ «.

هذا كلامُ الشيخِ برُمَّتِه، وقد غَلِط على أبي القاسم في فَهْمِه عنه قولَه:» وعلى الثاني إلى آخره «فمِنْ ثَمَّ جاء التَّخْبيطُ الذي ذكرَه. والزمخشريُّ إنما عنى بالثاني قولَه:» وعن قتادةَ سأل سائلٌ عن عذابِ الله على مَنْ يَنْزِلُ وبمَنْ يقع، فنزلَتْ، وسأَلَ على هذا الوجهِ مُضَمَّنٌ معنى عُنِيَ واهتم «فهذا هو الوجهُ الثاني المقابِلُ للوجهِ الأولِ: وهو أنَّ» سأَلَ «مضمَّنٌ معنى» دعا «، ولا أدري كيف تَخَبَّط على الشيخِ حتى وقع فيما وَقَعَ، ونَسَبَ الزمخشريَّ إلى الغَلَطِ، وأنه أخذ قولَ قتادةَ والحسنِ وأفسَده؟ والترتيبُ الذي رتَّبه الزمخشريُّ في تعلُّقِ اللامِ مِنْ أحسنِ ما يكونُ صناعةً ومعنى.

قوله: {لَيْسَ لهُ دافِعٌ} يجوزُ أَنْ يكونَ نعتاً آخر ل» عذابٍ «، وأَنْ يكونَ مستأنفاً، والأولُ أظهرُ، وأَنْ يكونَ حالاً مِنْ» عذاب «لتخصُّصه: إمَّا بالعملِ، وإمَّا بالصفة، وأَنْ يكونَ حالاً من الضميرِ في» للكافرين «إنْ جَعَلْناه نعتاً ل» عذابٍ «.

ص: 449

قوله: {مِّنَ الله} : يجوزُ أَنْ يتعلَّق ب «دافعٌ» بمعنى: ليس له دافعٌ مِنْ جهته إذا جاء وقتُه، وأَنْ يتعلَّقَ ب «واقع» وبه بَدَأَ الزمخشريُّ، أي: واقعٌ من عندِه. وقال أبو البقاء: «ولم يَمْنَعِ النفيُ من ذلك؛ لأنَّ» ليس «فعلٌ» ، كأنه استشعرَ أنَّ ما قبلَ النفيِ لَا يعملُ فيما بعدَه، فأجاب: بأنَّ النفيَ لَمَّا كان فِعْلاً ساغ ذلك.

ص: 449

وقال الشيخ: «والأجودُ أَنْ يكونَ» من الله «متعلقاً ب» واقعٍ «، و» ليس له دافعٌ «جملةُ اعتراضٍ بين العاملِ ومعمولِه» انتهى. وهذا إنما يأتي على القولِ بأنَّ الجملةَ مستأنفةٌ، لا صفةٌ ل «عذاب» وهو غيرُ الظاهرِ، كما تقدَّم لأَخْذِ الكلامِ بعضِه بحُجْزَةِ بعضٍ.

قوله: {ذِي} صفقةٌ ل «الله» . والعامَّةُ «تَعْرُج» بالتاء «منْ فوقُ. والكسائيُّ بالياءِ مِنْ تحتُ وهما كقراءتَيْ» فناداه الملائكةُ «، التاءِ، واسْتَضْعَفَها بعضهُم: من حيث إنَّ مَخْرَج الجيمَ بعيدٌ/ مِنْ مَخْرَجِ التاءِ. وأُجيب عن ذلك: بأنَّها قريبةٌ من الشينِ؛ لأنَّ النَّفَس الذي في الشينِ يُقَرِّبُها مِنْ مَخْرَجِ التاءِ، الجيمُ تُدْغَمُ في الشين لِما بينهما من التقاربِ في المَخْرَجِ والصفةِ، كما تقدَّم في {أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [الفتح: 29] فَحُمِل الإِدغامُ في التاءِ على الإِدغامِ في الشينِ؛ لِما بينَ الشينِ والتاءِ من التقاربِ. وأُجيب أيضاً: بأنَّ الإِدغامَ يكونُ لمجرَّدِ الصفاتِ، وإنْ لم يتقارَبَا في المَخْرَجِ، والجيمُ تُشارِكُ التاءَ في الاستفالِ والانفتاحِ والشِّدَّةِ. وتقدَّم الكلامُ على المعارجِ في الزخرف.

ص: 450

قوله: {والروح} : مِنْ بابِ عطفِ الخاصِّ على العامِّ، إنْ أُريد بالروح جبريلُ عليه السلام، أَو مَلَكٌ آخرُ مِنْ جِنسِهم، وأُخِّر هنا، وقُّدِّم في قولِه:{يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً} [النبأ: 38] لأنَّ المَقَامَ هنا يَقْتَضي تَقَدُّمَ الجمع على الواحدِ من حيث إنه مَقامُ تَخْويفٍ وتهويلٍ. و «وكان مِقْدارُه» صفةٌ ل «يومَ» ، والجملةُ مِنْ «تَعْرُجُ» مستأنفةٌ.

قوله: {فِي يَوْمٍ} فيه وجهان، أظهرُهما: تَعلُّقُه ب «تُعْرُجُ» . والثاني: أنه يتعلَّقُ ب «دافعٌ» وعلى هذا فالجملةُ مِنْ قولِه «تَعْرُجُ الملائكةُ» معترضةٌ، والضميرُ في «إليه» الظاهرُ عَوْدُه على الله تعالى. قيل: يعودُ على المكانِ لدلالةِ الحالِ والسياقِ عليه. والضميرُ في «يَرَوْنه» و «نَراه» لليومِ إنْ أُريد به يومُ القيامة. وقيل: للعذاب.

ص: 451

قوله: {يَوْمَ تَكُونُ} : فيه أوجهٌ، أحدُها: أَنَّه متعلِّقٌ ب «قريباً» ، وهذا إذا كان الضميرُ في «نراه» للعذاب ظاهرٌ. الثاني: أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ يَدُلُّ عليه «واقع» ، أي: يقعُ يومَ يكونُ. الثالث: [أن يتعلَّقَ] بمحذوفٍ مقدَّرٍ بعده، أي: يومَ يكونُ كان كيتَ وكيتَ. الرابع: أنه بدلٌ من الضميرِ في «نَراه» إذا كان عائداً على يومِ القيامة. الخامس: أنه بدلٌ مِنْ «في يومٍ» فيمَنْ عَلَّق ب «واقع» . قاله الزمخشريُّ. وإنما قال فيمَنْ عَلَّقَهُ ب «واقع» لأنه إذا عُلِّق ب «تَعْرُج» كما تقدَّم في أحدِ الوجَهْين استحال أَنْ يُبْدَلَ عنه هذا؛ لأنَّ عُروجَ الملائكةِ ليس هو في هذا اليومِ الذي تكونُ السماءُ فيه كالمُهْلِ والجِبالُ

ص: 451

كالعِهْنِ، ويَشْتَغِلُ كلُّ حميمٍ عن حميمِه. قال الشيخ:«ولا يجوزُ هذا» يعني إبداله مِنْ «في يوم» . قال: «لأنَّ في يوم» وإنْ كان في موضعِ نصبٍ لا يُبْدَلُ منه منصوبٌ؛ لأنَّ مثلَ هذا ليس بزائدٍ ولا محكومٍ له بحكمِ الزائدِ ك «رُبَّ» ، وإنما يجوزُ مراعاةُ الموضعِ في حرفِ الجرِّ الزائدِ كقولِه:

4328 -

أبَني لُبَيْنَى لَسْتُما بِيَدٍ

إلَاّ يَداً ليسَتْ لها عَضُدُ

وكذلك لا يجوزُ «مَرَرْتُ بزيدٍ الخياطَ» على موضع «بزيدٍ» ولا «مَرَرْتُ بزيدٍ وعمراً» ولا «غَضِبْتُ على زيد وجعفراً» ولا «مَرَرْتُ بعمروٍ أخاك» على مراعاةِ الموضع «. قلت: قد تقدَّم أنَّ قراءةَ {وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 4] من هذا البابِ فيمَنْ نصبَ الأرجل فيكُنْ هذا مثلَه، وقد تقدَّم فلا نُعيده.

ثم قال الشيخ:» فإنْ قلتَ: الحركةُ في «يومَ تكون» حركةُ بناءٍ لا حركةُ إعرابٍ فهو مجرورٌ مثلُ «في يومٍ» قلت: لا يجوزُ بِناؤُه على

ص: 452

مذهبِ البَصْريين؛ لأنه أُضيفَ إلى مُعْرَبٍ، لكنه يجوزُ على مذهب الكوفيين، فيتمشَّى كلامُ الزمخشريِّ على مذهبِهم إنْ كان استَحْضَره وقَصَده «. انتهى. قولُه:» إنْ كان اسْتَحْضره «فيه تحامُلٌ على الرجلِ. وأيُّ كبيرِ أَمرٍ في هذا حتى لا يَسْتَحْضِرَ مثلَ هذا؟ والتبجُّحُ بمثلِ هذا لا يليق ببعضِ الطلبةِ، فإنها من الخلافِيَّاتِ المشهورة شُهْرَةَ:

قِفا نَبْكِ. . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وتقدَّم الكلامُ على المُهْل في الدخان. وأمَّا العِهْنُ فقيل: الصوفُ مطلقاً. وقيل: بقَيْدِ كونِه أحمر. وقيل: بِقَيْدِ كونِه مَصْبوغاً. وقيل: بقَيْدِ كونِه مَصْبوغاً ألواناً، وهذا أَلْيَقُ بالتشبيه؛ لأنَّ الجبالَ متلوِّنةٌ، كما قال تعالى:{جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ} [فاطر: 27] .

ص: 453

قوله: {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ} : قرأ العامَّةُ «يَسْأَلُ» مبنياً للفاعل. والمفعولُ الثاني محذوفٌ فقيل: تقديرُه لا يَسْألُه نَصْرَهُ ولا شفاعتَه لعِلْمِه أنَّ ذلك مفقودٌ. وقيل: لا يَسْأله شيئاً مِنْ حَمْل أَوْزارِه. وقيل: «حميماً» منصوبٌ على إسقاطِ الخافض، أي: عن حميمٍ لشُغْلِهِ عنه. وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وشيبةٌ وابنُ كثير في روايةٍ «يُسْأل»

ص: 453

مبنياً للمفعول. فقيل: «حميماً» مفعولٌ ثانٍ، لا على إسقاطِ حرفٍ، والمعنى: لا يُسألُ إحضارَه. وقيل: بل هو على إسقاطِ «عن» ، أي: عن حميم.

ص: 454

قوله: {يُبَصَّرُونَهُمْ} : عُدِّي بالتضعيفِ إلى ثانٍ وقام الأولُ مَقامَ الفاعلِ. وفي محلِّ هذه الجملةِ وجهان، / أحدُهما: أنَّها في موضعِ الصفةِ لحَميم. والثاني: أنها مستأنفةٌ. قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: ما موقعُ» يُبَصَّرُونْهم «؟ قلت: هو كلامٌ مستأنفٌ، كأنَّه لَمَّا قال: لا يَسْأل حَميمٌ حَميماً قيل: لعلَّه لا يُبَصَّرُه. فقيل: يُبَصَّرُونهم» . ثم قال: «ويجوزُ أَنْ يكونَ» يُبَصَّرُونهم «صفةً، أي: حميماً مُبَصَّرين مُعَرِّفين إياهم» انتهى. وإنما جُمِع الضميران في «يُبَصَّرُونهم» وهما للحميمَيْن حَمْلاً على معنى العموم لأنهما نكرتان في سياقِ نَفْي. وقرأ قتادةُ «يُبْصِرُونهم» مبنياً للفاعل مِنْ أَبْصَرَ، أي: يُبْصِرُ المؤمنُ الكافرَ في النار. وتقدَّمَتْ القراءةُ في «يومئذٍ» فتحاً وجَرَّاً في هود. والعامَّةُ على إضافة «عذاب» ل «يَوْمِئذ» ، وأبو حيوةَ بتنوينِ العذاب، ونَصْبِ «يَوْمئذٍ» على الظرف. وقال الشيخ هنا:«الجمهورُ بكسرِها، أي: ميم يومِئذ، والأعرج وأبو حيوة بفتحِها» انتهى. وقد تقدَّم أنَّ الفتح قراءةُ نافعٍ والكسائيِّ.

ص: 454