المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله: {وَفَصِيلَتِهِ} : قال ثعلب: «الفَصيلةُ: الآباء الأَدْنَوْن» . وقال - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - جـ ١٠

[السمين الحلبي]

الفصل: قوله: {وَفَصِيلَتِهِ} : قال ثعلب: «الفَصيلةُ: الآباء الأَدْنَوْن» . وقال

قوله: {وَفَصِيلَتِهِ} : قال ثعلب: «الفَصيلةُ: الآباء الأَدْنَوْن» . وقال أبو عبيدة: «الفَخِذُ» . وقيل: عشيرتُه الأقربون. وقد تقدَّم ذِكْر ذلك عند قولِه: {شُعُوباً وَقَبَآئِلَ} [الحجرات:‌

‌ 13]

. و «تُؤْويه» لم يُبْدِلْه السوسيُّ عن أبي عمروٍ قالوا: لأنَّه يُؤَدِّي إلى لفظٍ هو أثقلُ منه، والإِبدالُ للتخفيفِ. وقرأ الزُّهريُّ «تُؤْوِيْهُ» و «تُنْجِيْهُ» بضمِّ هاءِ الكنايةِ، وهو الأصلُ و «ثم يُنْجِيه» عطفٌ على «يَفْتدي» فهو داخِلٌ في حَيِّز «لو» وتقدَّمَ الكلامُ فيها: هل هي مصدريةٌ أم شرطيةٌ في الماضي؟ ومفعولُ «يَوَدُّ» محذوفٌ، أي: يَوَدُّ النجاةَ. وقيل: إنها هنا بمعنى «إنْ» ، وليس بشيءٍ. وفاعلُ «يُنْجِيه» : إمَّا ضميرُ الافتداءِ الدالُّ عليه «يَفْتدي» ، أو ضميرُ مَنْ تقدَّم ذِكْرُهم، وهو قولُه {وَمَن فِي الأرض} . و «مَنْ [في الأرض] » مجرورٌ عطفاً على «بنيه» وما بعدَه، أي: يَوَدُّ الافتداءَ ب {مَن في الأرض} أيضاً. و «جميعاً» إمَّا حالٌ، وإمَّا تأكيدٌ، ووُحِّد باعتبارِ اللفظِ. و «كَلَاّ» رَدْعٌ وزَجْرٌ عن اعتقادِ ذلك.

ص: 455

قوله: {إِنَّهَا لظى نَزَّاعَةً} : في الضميرِ ثلاثةُ أوجُهٍ، أحدُها: أنه ضميرُ النار، وإنْ لم يَجْرِ لها ذِكْرٌ لدلالةِ لفظِ «عذاب» عليها. والثاني: أنه ضميرُ القصةِ. الثالث: أنه ضميرٌ مبهمٌ يُتَرْجِمُ عنه

ص: 455

الخبرُ، قاله الزمخشري. وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك في قوله تعالى:{إِنْ هِيَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدنيا} . فعلى الأولِ يجوزُ في {لظى نَزَّاعَةً} أوجهٌ: أَنْ يكونَ «لَظى» خبرَ «إنَّ» ، أي: إنَّ النارَ لَظى، و «نَزَّاعةٌ» خبرٌ ثانٍ، أو خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هي نَزَّاعةٌ، أو يكونُ «لَظَى» بدلاً من الضميرِ المنصوبِ، و «نَزَّاعةٌ» خبرُ إنَّ، وعلى الثاني يكونُ «لَظى نَزَّاعةٌ» جملةً من مبتدأ وخبرٍ، في محلِّ الرفعِ خبراً ل «إنَّ» مفسِّرةً لضمير القصة، وكذا على الوجهِ الثالثِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ «نَزَّاعةٌ» صفةً ل «لَظى» إذا لم تجعَلْها عَلَماً؛ بل بمعنى اللَّهَبِ، وإنما أُنِّث النعتُ فقيل:«نَزَّاعةٌ» لأنَّ اللهَبَ بمعنى النار، قاله الزمخشريُّ وفيه نظرٌ لأنَّ «لظى» ممنوعةٌ من الصَّرْفِ اتفاقاً.

قال الشيخ بعد حكايته الثالثَ عن الزمخشري: «ولا أدري ما هذا المضمرُ الذي تَرْجَمَ عنه الخبرُ؟ وليس هذا من المواضعِ التي يُفَسِّرُ فيها المفردُ الضميرَ، ولولا أنه ذَكَرَ بعد هذا» أو ضمير القصة «لَحَمَلْتُ كلامَه عليه» . قلت: متى جعله ضميراً مُبْهماً لَزِمَ أنَنْ يكونَ مفسَّراً بمفرد، وهو إمَّا «لظى» ، على أَنْ يكونَ «نزاعةٌ» خبرَ مبتدأ مضمرٍ، وإمَّا «نزاعةٌ» على أَنْ يكونَ «لظى» بدلاً من الضميرِ، وهذا أقربُ. ولا يجوزُ أَنْ يكونَ «لظى نَزَّاعةٌ» مبتدأ وخبراً، والجملةُ خبرٌ ل «إنَّ» على أَنْ يكونَ الضميرُ مبهماً لئلا يَتَّحِدَ القولان، أعني هذا القولَ وقولَ إنها ضميرُ القصة، ولم يُعْهَدُ ضميرٌ مُفَسَّرٌ بجملةٍ إلَاّ ضميرُ الشأنِ والقصةِ.

ص: 456

وقراءةُ الرفعِ في «نَزَّاعَةٌ» هي قراءةُ العامَّةِ. وقرأ حفص وأبو حيوة والزعفَرانيُّ واليزيديُّ وابنُ مقسم «نَزَّاعَةً» بالنصب. وفيها وجهان، أحدُهما: أَنْ ينتصبَ على الحالِ. وفي صاحبِها أوجهٌ، أحدُهما: أنه الضميرُ المُسْتَكِنُّ في «لَظَى» لأنَّها، وإنْ كانَتْ عَلَماً، فهي جارِيَةٌ مَجْرَى المشتقات كالحارثِ والعَبَّاس، وذلك لأنها بمعنى التَّلَظِّي «، وإذا عَمِلَ العَلَمُ الصريحُ والكُنْيَةُ في الظروف فلأَنْ يعملَ العَلَمُ الجاري مَجْرى المشتقاتِ في الأحوالِ أَوْلَى وأَحْرى. ومِنْ مجيء ذلك قولُه:

4330 -

أنا أبو المِنْهالِ بعضَ الأَحْيانْ

ضَمَّنه معنى» أنا المشهورُ في بعض الأحيان «. الثاني: أنه فاعلُ» تَدْعو «وقُدِّمَتْ حالُه عليه، أي: تدعو/ حالَ كونِها نَزَّاعةً.

ويجوز أَنْ تكونَ هذه الحالُ مؤكِّدةً، لأنَّ «لظى» هذا شأنُها، وهو معروفٌ مِنْ أمرِها، وأَنْ تكونَ منتقِلَةً؛ لأنه أمرٌ توقيفيٌّ. الثالث: أنه محذوفٌ هو والعاملُ، تقديرُه: تتلَظَّى نَزَّاعَةً. ودَلَّ عليه «لَظَى» .

الثاني من الوجهَيْن الأَوَّلَيْن: أنَّها منصوبةٌ على الاختصاصِ. وعَبَّر عنه الزمخشريُّ بالتَّهْويل، كما عَبَّر عن وجهِ رَفْعِها على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ، والتقدير: أعني نَزَّاعةً، وأخصُّها. وقد مَنَعَ المبِّردُ نصبَ «نَزَّاعة» قال:«لأنَّ الحالَ إنما يكونُ فيما يجوزُ أَنْ يكونَ وأَنْ لا يكونَ، و» لَظى «

ص: 457

لا تكونُ إلَاّ نَزَّاعةً، قاله عند مكي، ورَدَّ عليه بقولِه تعالى:{وَهُوَ الحق مُصَدِّقاً} [البقرة: 91]، {وهذا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً} [الأنعام: 126] قال:» فالحقُّ لا يكونُ إلاّ مصدِّقاً، وصراطُ ربِّكَ لا يكونُ إلَاّ مُسْتقيماً «. قلت: المبردُ بنى الأمرَ على الحالِ المبيِّنة، وليس ذلك بلازم؛ إذ قد وَرَدَتِ الحالُ مؤكِّدةً، كما أورده مكيٌّ وإنْ كان خلافَ الأصلِ.

واللَّظى في الأصلِ: اللَّهَبُ. ونُقل عَلَماً لجهنمَ، ولذلك مُنِعَ من الصَّرْفِ. والشَّوَى: الأطرافُ جمع شَواة كنَوى ونَواة. وقيل: الشَّوى: الأعضاءُ التي ليسَتْ بمَقْتَل، ومنه: رماه فأَشْواه، أي: لم يُصِبْ مَقْتَلَه. وقيل: الشَّوى: جمعُ شَواة، وهي جِلْدَةُ الرأسِ، وأُنْشد للأعشى:

433 -

1- قالت قُتَيْلَةُ مالَهُ

قد جُلِّلَتْ شَيْباً شَواتُهْ

وقيل: هو جِلْدُ الإِنسانِ. والشَّوى أيضاً: رُذالُ المالِ، والشيءُ اليسيرُ. و» تَدْعُو «يجوزُ أَنْ يكونَ خبراً لإِنَّ، أو خبراً لمبتدأ محذوفٍ، أو حالٌ من» لَظى «، أو مِنْ» نَزَّاعة «على القراءَتَيْن فيها؛ لأنها تتحمَّلُ ضميراً.

ص: 458

قوله: {هَلُوعاً} : حالٌ مقدرةٌ. والهَلَعُ مُفَسَّر بما

ص: 458

بعده، وهو قولُه:«إذا» و «إذا» قال ثعلب: «سألني محمد بنُ عبد الله ابن طاهر ما الهَلَعُ؟ فقلت: قد فسَّره اللهُ، ولا يكون أَبْيَنَ مِنْ تفسيرِه، وهو الذي إذا نالَه شرٌ أظهرَ شِدَّةَ الجَزَعِ، وإذا ناله خيرٌ بَخِلَ به ومَنَعَه الناس» انتهى. وأصلُه في اللغةِ على ما قال أبو عبيد أَشَدُّ الحِرْصِ وأسْوَأُ الجَزَع. وقيل: هو الفَزَعُ والاضطرابُ السريعُ عند مَسِّ المكروهِ، والمَنعُ السريعُ عند مَسِّ الخيرِ، مِنْ قولِهم: ناقةٌ هِلْواع، أي: سريعةُ السَّيْرِ.

ص: 459

قوله: {جَزُوعاً} : و «مَنوعاً» فيهما ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنهما منصوبان على الحال من الضمير في «هلُوعا» وهو العاملُ فيهما، والتقدير: هَلُوعاً حالَ كونِه جَزُوعاً وقتَ مَسِّ الشرِّ، ومنوعاً وقتَ مسِّ الخيرِ. والظرفان معمولان لهاتَيْنِ الحالَيْنِ. وعَبَّر أبو البقاء عن هذا الوجهِ بعبارةٍ مُوْهِمَةٍ. وهو يريدُ ما ذكَرْتُه فقال:«جَزوعاً حالٌ أخرى، والعاملُ فيها هَلُوعا» . فقولُه: «أخرى» يُوهم أنها حالٌ ثانية وليسَتْ متداخِلَةً، لولا قولُه:«والعاملُ فيها هَلُوعا» . الثاني: أَنْ يكونا خبَرَيْن ل كان أو صار مضمرةً، أي: إذا مَسَّه الشرُّ كان أو صار جزوعا، وإذا مَسَّه الخيرُ كان أو صار منوعاً قاله مكي. وعلى هذا فإذا شرطيةٌ، وعلى الأولِ ظرفٌ مَحْضٌ، العاملُ فيه ما بعدَه، كما تقدَّم. الثالث: أنهما نعتٌ ل «هَلُوعا» قاله مكي. إلَاّ أنَّه

ص: 459

قال: «وفيه بُعْدٌ؛ لأنك تَنْوي به التقديمَ قبل» إذا «انتهى. وهذا الاستبعادُ ليس بشيءٍ، فإنه غايةُ ما فيه تقديمُ الظرفِ على عاملِه، وإنما المحذورُ تقديمُ معمولِ النعتِ على المنعوتِ.

ص: 460

قوله: {إِلَاّ المصلين} : استثناءٌ من «الإِنسان» إذ المرادُ به الجنسُ. ومثلُه: {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلَاّ الذين آمَنُواْ} [العصر: 2-3] .

وقرأ حفص: «بشهاداتِهم» جمعاً، اعتباراً بتعدُّدِ الأنواعِ. والباقون بالإِفرادِ، إذ المرادُ الجنسُ.

ص: 460

قوله: {عِزِينَ} : حالٌ من «للذين كفروا» وقيل: حالٌ من الضمير في «مُهْطِعين» ، فتكون حالاً متداخلةً. و «عن اليمين» يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ ب «عِزين» لأنه بمعنى متفرِّقين، قاله أبو البقاء، وأَنْ يتعلَّقُ بمُهْطِعين، أي: مُسْرِعِين عن هاتَيْن الجهتَين، وأَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ، أي: كائنين عن اليمين، قاله أبو البقاء. وعِزِيْن جمعُ «عِزَة» والعِزَةُ: الجماعة، قال مكي: «وإنما جُمِع بالواوِ/ والنونِ لأنه مؤنثٌ لا يَعْقِلُ؛ لكونَ ذلك عِوَضاً مِمَّا حُذِفَ منه. قيل: إنَّ أصلَه

ص: 460

عِزْهَة، كما أنَّ أصلَ سَنَةَ سَنْهَة ثم حُذِفَتِ الهاءُ» انتهى. قوله:«لا يَعْقِلُ» سهوٌ لأنَّ الاعتبارَ بالمدلولِ، ومدلولُه بلا شك عقلاءُ.

واختلفوا في لام «عِزَة» على ثلاثةِ أقوالٍ، أحدُها: أنَّها واوٌ مِنْ عَزَوْتُه أَعْزُوْه، أي: نَسَبْتُه؛ وذلك أنَّ المنسوبَ مضمومٌ إلى المنسوبِ إليه، كما أنَّ كلَّ جماعةٍ مضمومٌ بعضُها إلى بعضٍ. الثاني: أنَّها ياءٌ، إذ يُقال: عَزَيْتُه بالياء، أَعْزِيْهِ بمعنى: عَزَوْته، فعلى هذا في لامِها لغتان، الثالث: أنها هاءٌ، ويُجْمَعُ تكسيراً على عِزَىً نحو: كِسْرة وكِسَر، واسْتُغْنِي بهذا التكسيرِ عن جمعِها بالألفِ والتاءِ، فلم يقولوا: عِزات كما لم يقولوا في شَفَة وأَمَة: شِفات ولا إمات استغناءً بشِفاهٍ وإماءٍ، وقد كَثُرَ ورودُه مجموعاً بالواوِ والنون. قال الراعي:

4332 -

أخليفةَ الرحمنِ إنَّ عَشيرتي

أَمسَوْا سَوامُهُمُ عِزِيْنَ فُلُوْلا

وقال الكميت:

4333 -

ونحن وجَنْدَلٌ باغٍ تَرَكْنا

كتائبَ جَنْدَلٍ شَتَّى عِزِيْنا

ص: 461

وقال عنترة:

4334 -

وقِرنٍ قد تَرَكْتُ لِذي وَلِيٍّ

عليه الطيرُ كالعُصَبِ العِزِيْن

وقال آخر:

4335 -

ترانا عنده والليلُ داجٍ

على أبوابِه حِلَقاً عِزِيْنا

وقال آخر:

4336 -

فلما أَنْ أَتَيْنَ على أُضاخٍ

تَرَكْنَ حَصاه أَشْتاتاً عِزينا

والعِزَةُ لغةً: الجماعةُ في تَفْرِقَةً. هذا قولُ أبي عبيدة. وقال الأصمعيُّ: «العِزُون: الأصناف. يقال: في الدار عِزُون، أي: أصناف» وقال غيرُه: الجماعةُ اليسيرةُ كالثلاثةِ والأربعةِ. وقال الراغب: «وقيل: هو مِنْ قولِهم: عَزِيَ عَزاءً فهو عَزٍ إذا صَبَرَ، وتَعَزَّى: تَصَبَّر، فكأنها اسمٌ للجماعة التي يتأسَّى بعضُهم ببعض.

ص: 462

قوله: {أَن يُدْخَلَ} : العامَّةُ على بنائِه للمفعول. وزيدُ بن علي والحسن وابن يعمر وأبو رجاء وعاصمٌ في روايةٍ على بنائِه للفاعلِ.

ص: 463

قوله: {فَلَا أُقْسِمُ} : قد تقدَّم غيرَ مرةٍ. وقرأ جماعة «فلأُقْسِمُ» دون ألفٍ. والعامَّةُ على جمعِ المَشارق والمغارب. والجحدريُّ وابنُ محيصن بإفرادِهِما.

و «إنَّا لَقادِرون» جوابُ القسمِ. وقرأ العامَّةُ «يُلاقُوا» ، وأبو جعفر وابن محيصن «يَلْقَوْا» مضارع لَقِيَ.

ص: 463

قوله: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ} : يجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ «يَوْمَهم» أو منصوباً بإضمار أَعني. ويجوزُ على رَأْيِ الكوفيين أن يكون خبرَ ابتداءٍ مضمرٍ، وبُنِي على الفتحِ، وإنْ أُضيفَ إلى مُعْربٍ، أي: هو يومَ يَخْرُجون، كقولِه:{هذا يَوْمُ يَنفَعُ} وقد مَرَّ الكلامُ فيه مُشْبعاً. والعامَّةُ على بناءِ «يَخْرُجون» للفاعلِ، ورُوي عن عاصمٍ

ص: 463

بناؤُه للمفعولِ.

قوله: {سِرَاعاً} حالٌ مِنْ فاعل «يَخْرُجون» جمعَ سريع كظِراف في ظَريف. و «كأنَّهم» حالٌ مِنْ ضميرِ الحالِ فتكونُ متداخلةً.

قوله: {إلى نُصُبٍ} متعلِّقٌ بالخبرِ. والعامَّةُ على «نَصْبٍ» بالفتح والإِسكان، وابنُ عامر وحفصٌ بضمتين، وأبو عمران الجوني ومجاهد بفتحتَيْن، والحسنُ وقتادةُ بضمةٍ وسكون. فالأُولى هو اسمٌ مفردٌ بمعنى العَلَم المنصوبِ الذي يُسْرِع الشخصُ نحوَه. وقال أبو عمروٍ:«هو شَبَكَةُ الصائدِ يُسْرِع إليها عند وقوعِِ الصيدِ فيها مخافةَ انفلاتِه» . وأمَّا الثانيةُ فتحتمل ثلاثَة أوجهٍ. أحدها: / أنه اسمٌ مفردٌ بمعنى الصَّنَمِ المنصوبِ للعبادة، وأنشد للأعشى:

4337 -

وذا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَعْبُدَنَّه

لعاقبةٍ واللَّهَ ربَّك فاعْبُدَا

الثاني: أنه جمعُ نِصاب ككُتُب في كِتاب. الثالث: أنه جمعُ نَصْبٍ نحو: رَهْن في رُهُن، وسَقْف في سُقُف، وهذا قولُ أبي الحسن. وجَمْعُ الجمعِ أَنْصاب. وأمَّا الثالثةُ فَفَعَل بمعنى مَفْعول، أي: مَنْصوب كالقَبَضِ والنَّقَضِ. والرابعةُ تخفيفٌ من الثانية

ص: 464

ويُوْفِضونَ، أي: يُسْرعون. وقيل: يَسْتَبْقون. وقيل: يَسْعَوْن. وقيل: يَنْطَلقون. وهي متقاربَةٌ. وأنشد:

4338 -

فوارِسُ ذُبْيانَ تحت الحَدِيْ

دِ كالجِنِّ تُوْفِضُ مِنْ عَبْقَرِ

وقال آخر:

4339 -

لأَنعتَنْ نَعامةً مِيفاضا

خَرْجاءَ [تَعْدُو] تَطْلُبُ الإِضاضا

أي مُسْرِعة.

ص: 465

قوله: {خَاشِعَةً} : حالٌ: إمَّا مِنْ فاعلِ «يُوْفِضون» ، وهو أقربُ أو مِنْ فاعل «يَخْرجُون» ، وفيه بُعْدٌ منه، وفيه تعدُّدُ الحالِ لذي حالٍ واحدة وفيه الخلافُ. و «أبْصارُهم» فاعلٌ. وقراءةُ العامَّةِ على تنوينِ «ذِلَّةٌ» والابتداءُ ب «ذلك اليومُ» ، وخبرُه «الذي كانوا» . وقرأ يعقوب والتمار بإضافة «ذِلَّةُ» إلى «ذلك» وجَرِّ «اليوم» لأنه صفةٌ ل «ذلك» . و «الذي» نعتٌ ل «اليوم» . و «تَرْهَقُهُم» : يجوزُ أَنْ يكونَ استئنافاً، وأَنْ يكونَ حالاً مِنْ فاعل «يُوْفِضون» ، أو «يَخْرُجون» ، ولم يَذْكُرْ مكيٌّ غيرَه.

ص: 465

قوله: {أَنْ أَنذِرْ} : يجوزُ أَنْ تكونَ المفسِّرَةَ، وأَنْ تكونَ المصدريةَ أي: أَرْسَلْناه بالإِنذار. وقال الزمخشري: «والمعنى: أَرْسَلْناه بأَنْ قُلْنا له: أَنْذِرْ أي: أَرْسَلْناه بالأمرِ بالإِنذار» انتهى. وهذا الذي قَدَّره حسنٌ جداً، وهو جوابٌ عن سؤالٍ قدَّمْتُه في هذا الموضوع: وهو أنَّ قولَهم: «إنَّ» أَنْ «المصدريةَ يجوزُ أَنْ تتوصَّلَ بالأمرِ» مُشْكِلٌ؛ لأنه يَنْسَبِكُ منها وممَّا بعدَها مصدرٌ، وحينئذٍ فتفوتُ الدلالةُ على الأمرِ. ألا ترى أنك إذا قَدَّرْت [في] كَتَبْتُ إليه بأَنْ قُمْ: كَتَبْتُ إليه القيامَ، تفوتُ الدلالةُ على الأمرِ حالَ التصريحِ بالأمر، فينبغي أَنْ يُقَدَّرَ كما قاله الزمخشريُّ أي: كتبتُ إليه بأَنْ قلتُ له: قُمْ، أي: كتبتُ إليه بالأمرِ بالقيام.

ص: 467

قوله: {أَنِ اعبدوا} : إمَّا أَنْ تكونَ تفسيريةً ل «نذير» ، أو مصدريةً، والكلامُ فيها كما تقدَّم في أختها.

ص: 467

قوله: {مِّن ذُنُوبِكُمْ} : في «مِنْ» هذه أوجهٌ، أحدُها: أنَّها تبعيضيةٌ. والثاني: أنها لابتداءِ الغايةِ. والثالث: أنها لبيانِ

ص: 467

الجنسِ وهو مردودٌ لعَدَمِ تَقَدُّمِ ما تبيِّنُه. الرابع: أنها مزيدةٌ. قال ابن عطية: «وهو مذهبٌ كوفيٌّ» قلت: ليس مذهبُهم ذلك؛ لأنهم يَشْتَرطون تنكيرَ مَجْرورِها ولا يَشْترطون غيرَه. والأخفشُ لا يَشْترط شيئاً، فزيادتُها هنا ماشٍ على قولِه، لا على قولِهم.

قوله: {وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ} قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: كيف قال:» ويُؤَخِّرْكم «مع إخبارِه بامتناعِ تأخيرِه؟ قلت: قضى اللَّهُ أنَّ قوم نوحٍ إنْ آمنوا عَمَّرَهم ألفَ سنةٍ، وإن بَقُوا على كُفْرِهم أَهْلكهم على رأس تسعمِئة. فقيل لهم: إن آمنتم أُخِّرْتم إلى الأجلِ الأطولِ، ثم أخبرهم أنَّه إذا جاء ذلك الأجلُ الأمَدُّ لا يُؤَخَّرُ» انتهى. وقد تَعَلَّق بهذه الآيةِ مَنْ يقولُ بالأَجَلَيْنِ. وتقدَّم جوابُه. وقوله: {لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} جوابُها محذوفٌ أي: لبادَرْتُمْ إلى ما أَمَرَكم به.

ص: 468

قوله: {لِتَغْفِرَ} : يجوزُ أَنْ تكونَ للتعليل، والمدعُوُّ إليه محذوفٌ أي: دَعَوْتُهم للإِيمان بك لأجلِ مغفرتِك لهم، وأَنْ تكونَ لامُ التعديةِ ويكونُ قد عبَّر عن السببِ بالمُسَبَّبِ الذين هو جَعْلُهم. والأصلُ: دَعَوْتُهم للتَّوْبةِ التي هي سبَبٌ في الغُفْران. و «جعلوا» هو العاملُ في «كلما» وهو خبر «إنِّي» .

قوله: {لَيْلاً وَنَهَاراً} ظرفان ل «دَعَوْت» والمرادُ الإِخبارُ باتصالِ

ص: 468

الدعاءِ، وأنه/ لا يَفْتُرُ عن ذلك. و «إلَاّ فِراراً» مفعولٌ ثانٍ وهو استثناءٌ مُفَرَّغٌ.

ص: 469

قوله: {جِهَاراً} : يجوزُ أَنْ يكونَ مصدراً من المعنى؛ لأنَّ الدعاءَ يكونُ جهاراً وغيرَه، فهو من باب: قَعَدَ القُرْفُصاءَ، وأَنْ يكونَ المرادُ ب «دَعَوْتُهم» : جاهَرْتُهم، وأَنْ يكونَ نعتَ مصدرٍ محذوفٍ أي: دعاءً جِهاراً، وأَنْ يكونَ مصدراً في موضعِ الحالِ أي: مُجاهِراً، أو ذا جِهارٍ، أو جُعِل نفسَ المصدرِ مبالغةً. قال الزمخشريُّ:«فإنْ قلتَ: ذَكَرَ أنَّه دعاهم ليلاً ونهاراً، ثم دعاهم جِهاراً، ثم دعاهم في السِّرِّ والعَلَنِ فيجب أَنْ تكونَ ثلاثَ دَعَوات مختلفات حتى يَصِحَّ العطفُ» قلت: قد فَعَلَ عليه السلام كما يَفْعَلُ الذي يَأْمُرُ بالمعروفِ ويَنْهى عن المنكر في الابتداءِ بالأَهْوَنِ، والترقِّي في الأشَدِّ فالأشُدِّ، فافتتح في المناصحةِ بالسِّرِّ، فلمَّا لم يَقْبلوا ثَنَّى بالمجاهرة، فلمَّا لم يَقْبلوا ثَلَّثَ بالجَمْعِ بين الإسرار والإِعلان. ومعنى «ثم» الدلالةُ على تباعُدِ الأحوالِ، لأنَ الجِهارَ أغلظُ من الإِسرارِ، والجمعُ بين الأمرَيْن أغلظُ مِنْ إفرادِ أحدِهما «. قال الشيخ:» وتكرَّرَ كثيراً له أنَّ «ثُمَّ» للاستبعادِ ولا نَعْلَمُه لغيرِه «. قلت: هذا القول بعدما سَمِعْتَ من ألفاظِ الزمخشريِّ تحامُلٌ عليه.

ص: 469

قوله: {مِّدْرَاراً} : يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً من «السماء» ، ولم يؤنَّثْ لأنَّ مِفْعالاً لا يُؤَنَّثُ. تقول: امرأةٌ مئِنْاثٌ ومِذْكار، ولا يُؤَنَّثُ بالتاءِ إلَاّ نادراً، وحينئذٍ يَستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ فتقول:

ص: 469

رجلٌ مِجْذامَةٌ ومِطْرابَةٌ، وامرأة مِجْذامَةٌ ومِطْرابَةٌ، وأَنْ تكونَ نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ أي: إرسالاً مِدْراراً. وتقدَّم الكلامُ عليه في الأنعام.

ص: 470

قوله: {وَقَاراً} : يجوزُ أَنْ يكونَ مفعولاً به على معانٍ، منها: ما لكم لا تَأْمُلُوْنَ له تَوْقيراً أي: تعظيماً. قال الزمخشري: «والمعنى: ما لكم لا تكونون على حال تأمُلُون فيها تعظيمَ اللَّهِ إياكم في دارِ الثواب؟ و» لله «بيانٌ للموَقَّرِ، ولو تأخَّر لكان صلةً» انتهى. أي: لو تأخِّر «لله» عن «وَقارا» لكان متعلِّقاً به، فيكونُ التوقيرُ منهم للَّهِ تعالى، وهو عكسُ المعنى الذي قصده. ومنها: لا تخافون للَّهِ حِلْماً وتَرْكَ معاجلةٍ بالعقابِ فتؤمنوا. ومنها: لا تخافون لله عظمةً. وعلى الأولِ يكون الرجاءُ على بابه، وقد تقدَّم أنَّ استعمالَه بمعنى الخوفِ مجازٌ أو مشتركٌ. وأن يكونَ حالاً مِنْ فاعل «تَرْجُون» أي: موقِّرين اللَّهَ تعالى، أي تُعَظِّمونه، ف «للَّهِ» متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ «وَقارا» ، أو تكون اللامُ زائدةً في المفعول به، وحَسَّنه هنا أمران: كوْنُ العاملِ فَرْعاً، وكونُ المعمولِ مقدَّماً، و «لا تَرْجُون» حالٌ وتقدَّم نظيرُه في المائدة.

ص: 470

قوله: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ} : جملةٌ حاليةٌ مِنْ فاعلِ «تَرْجُون» . والأَطْوارُ: الأحوالُ المختلفةُ. قال الشاعر:

4340 -

فإنْ أفاقَ قد طارَتْ عَمَايَتُه

والمَرْءُ يُخْلَقُ طَوْراً بعد أطوارِ

وانتصابُه على الحالِ أي: مُتَنَقِّلين من حالٍ إلى حالٍ، أو مختلِفين مِنْ بينِ مُسِيْءٍ ومُحْسِنٍ، وصالحٍ وطالحٍ.

ص: 471

قوله: {طِبَاقاً} : تقدَّم الكلامُ عليه في سورة المُلك. وقال مكي: «وأجاز الفراء في غيرِ القرآنِ جَرَّ» طباق «على النعت ل» سماوات «، يعني أنه يجوزُ أَنْ يكونَ صفةً للعددِ تارةً وللمعدودِ أخرى.

ص: 471

قوله: {فِيهِنَّ} : أي: في السماواتِ، والقمرُ إنما هو في سماءٍ واحدةٍ منهنَّ. قيل: هو في السماءِ الدنيا، وإنَّما جازَ ذلك؛ لأن بين السماواتِ ملابَسةً فصَحَّ ذلك. وتقولُ:«زيدٌ في المدينةِ» وإنما هو في زاويةٍ من زواياها.

وقوله: {وَجَعَلَ الشمس سِرَاجاً} يُحتمل أَنْ يكونَ التقديرُ: وجعل الشمسَ فيهِنَّ، كما تقدَّم. والشمس قيل: في الرابعةِ. وقيل: في الخامسةِ. وقيل: في الشتاءِ في الرابعة، وفي الصيف في السابعةِ. واللَّهُ أعلمُ: أيُّ ذلك صحيحٌ.

ص: 471

قوله: {نَبَاتاً} : إمَّا أَنْ يكونَ مصدراً ل أَنْبَتَ على حَذْفِ الزوائِد، ويُسَمَّى اسمَ/ مصدرٍ، وإمَّا ب «نَبَتُّمْ» مقدَّراً: أي: فَنَبَتُّمْ نباتاً فيكونُ منصوباً بالمُطاوِعِ المقدَّرِ. قال الزمخشري: «أو نُصِبَ ب» أَنْبَتكم «لتضمُّنِه معنى نَبَتُّمْ» قال الشيخ: «ولا أَعْقِلُ معنى هذا الوجهِ الثاني» . قلت: هذا الوجهُ هو الذي قدَّمْتُه. وهو أنه منصوبٌ ب «أَنْبَتكم» على حَذْفِ الزوائد. ومعنى قولِه: «لتضمُّنِه معنى نَبَتُّمْ» أي: إنه مُشتملٌ عليه، غايةُ ما فيه أنه حُذِفت زوائدُه، والإِنباتُ هنا استعارةٌ بليغةٌ.

ص: 472

قوله: {سُبُلاً فِجَاجاً} وفي الأنبياء تقدَّم الفِجاجُ لِتَناسُبِ الفواصِلِ هنا. وقد تقدَّم نَحْوٌ مِنْ هذا.

ص: 472

قوله: {وَوَلَدُهُ} : قد تقدَّم خِلافُ القُراء في «وَلَدِه» وتقدَّم أنهما لغتان كبُخْل وبَخَلَ. قال أبو حاتم: يمكن أَنْ يكونَ المضمومُ جمعَ المفتوحِ كخَشَبٍ وخُشْبِ. وأنشد لحسَّانَ رضي الله عنه:

4341 -

يا بِكرَ آمنةَ المباركَ وِلْدُها

مِنْ وُلْدِ مُحْصَنَةٍ بسَعْدٍ الأَسْعُدِ

ص: 472

قوله: {وَمَكَرُواْ} : عطفٌ على صلةِ «مَنْ» وإنما جُمِعَ الضميرُ حَمْلاً على المعنى، بعد حَمْلِه على لفظِها في {لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ} ، ويجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً إخباراً عن الكفارِ.

قوله: {كُبَّاراً} العامَّةُ على ضَمِّ الكافِ وتشديدِ الباء، وهو بناءُ مبالغةٍ أبلغُ مِنْ «كُبار» بالضمِّ والتخفيف، قال عيسى: هي لغةٌ يمانيةٌ، وأنشد:

4342 -

والمرءُ يُلْحِقُه بفِتيان النَّدى

خُلُقُ الكريمِ وليس بالوُضَّاء

وقول الآخر:

4343 -

بَيْضاءُ تصطادُ القلوبَ وتَسْتَبي

بالحسنِ قلبَ المسلمِ القُرَّاء

يقال: رجلٌ طُوَّالٌ وحُمَّالٌ وحُسَّانٌ. وقرأ عيسى وأبو السمال وابن محيصن بالضمِّ والتخفيف، وهو بناءُ مبالغةٍ أيضاً دونَ الأولِ، وقرأ زيدُ بنُ علي وابن محيصن أيضاً بكسر الكاف وتخفيفِ الباء. قال أبو بكر: وهو جمعُ «كبير» ، كأنه جعل «مَكْراً» مكانَ «ذنوب»

ص: 473

أو «أفاعيل» يعني فلذلك وصفَه بالجمع.

ص: 474

قوله: {وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً} : يجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ عَطْفِ الخاص على العام إنْ قيل: إنَّ هذه الأسماءَ لأصنامٍ، وأن لا يكونَ إنْ قيل: إنها أسماءُ رجالٍ صالحينَ على ما ذُكر في التفسير. وقرأ نافع «وُدّاً» بضم الواوِ، والباقون بفتحها، وأُنْشِدَ بالوَجْهَيْن قولُ الشاعر:

4344 -

حَيَّاكَ وَدٌّ فإنَّا لا يَحِلُّ لنا

لَهْوُ النساءِ وإنَّ الدين قد عزما

وقول الآخر:

4345 -

فحيَّاكِ وَدٌّ مِنْ هُداكِ لفِتْيَةٍ

وخُوْصٍ بأعلى ذي فُضالةَ مُنْجِدِ

قوله: {وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ} قرأهما العامَّةُ بغير تنوين. فإن كانا عربيَّيْن فالمنعُ من الصَرْف للعلميَّةِ والوزن، وإن كانا أعجميَّيْن فللعلميَّةِ والعُجْمة. وقرأ الأعمش:«ولا يَغُوْثاً ويَعُوْقاً» مصورفَيْن. قال ابن عطية: «وذلك وهمٌ: لأنَّ التعريفَ لازمٌ ووزنَ الفعل» انتهى.

ص: 474

وليس بوهمٍ لأمرَيْن، أحدهما: أنه صَرَفَهما للتناسُبِ، إذ قبله اسمان منصرفان، وبعده اسمٌ منصرفٌ، كما صُرِفَ «سلاسل» . والثاني: أنه جاء على لغةِ مَنْ يَصْرِفُ غيرَ المنصرِف مطلقاً. وهي لغةٌ حكاها الكسائيُّ.

ونقل أبو الفضل الصَّرْفَ فيهما عن الأشهبِ العُقَيْليِّ ثم قال: «جَعَلهما فَعُولاً؛ فلذلك صرفهما، فأمَّا في العامَّة فإنهما صفتان من الغَوْث والعَوْق» . قلت: وهذا كلامٌ مُشْكِلٌ. أمَّا قولُه: «فَعُولاً» فليس بصحيحٍ، إذ مادةُ «يغث» و «يعق» مفقودةٌ. وأمَّا قولُه:«صفتان من الغَوْث والعَوْق» فليس في الصفاتِ ولا في الأسماءِ «يَفْعُل» والصحيحُ ما قَدَّمْتُه. وقال الزمخشري: «وهذه قراءةٌ مُشْكِلة؛ لأنهما إنْ كانا عربيَّيْنِ أو أعجميَّيْنِ ففيهما مَنْعُ الصَّرْفِ، ولعله قَصَدَ الازدواجَ فصرَفهما. لمصادفتِه أخواتِهما منصرفاتٍ: وَدَّاً وسُوعاً ونَسْراً» . قال الشيخ: «كأنه لم يَطَّلعْ على أنَّ صَرْفَ ما لا ينصرفُ لغةٌ» .

ص: 475

قوله: {وَقَدْ أَضَلُّواْ} : أي الرؤساءُ أو الأصنامُ، / وجَمَعَهم جَمْعَ العقلاءِ معاملةً لهم معاملةً العقلاء.

ص: 475

قوله: {وَلَا تَزِدِ} عطفٌ على قولِه: {رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي} [نوح: 21] على حكايةِ كلامِ نوحٍ بعدَ «قال» وبعد الواوِ النائبةِ عنه، أي: قال: إنهم عَصَوْني، وقال: لا تَزِدْ، أي: قال هذَيْن القولَيْن، فهما في محلِّ النصب، قاله الزمخشريُّ. قال:«كقولك: قال زيدٌ: نوديَ للصلاة وصَلِّ في المسجدِ، تحكي قولَيْه معطوفاً أحدُهما على صاحبِه» . وقال الشيخ: «ولا تَزِدْ» معطوفٌ على «قد أَضَلُّوا» لأنها محكيَّةٌ ب «قال» مضمرةً، ولا يُشْترط التناسُبُ في الجملِ المتعاطفةِ، بل تَعْطِفُ خبراً على طلبٍ، وبالعكس، خلافاً لمَنْ اشترطه.

ص: 476

قوله: {مِّمَّا خطيائاتهم} : «ما» مزيدةٌ بين الجارِّ ومجرورِه توكيداً. ومَنْ لم يَرَ زيادتَها جَعَلها نكرةً، وجَعَلَ «خطيئاتِهم» بدلاً، وفيه تعسُّفٌ. وتقدَّم الخلافُ في قراءةِ «خَطِيْئاتِهم» في الأعراف. وقرأ أبو رجاء «خَطِيَّاتهم» جمعَ سلامةٍ، إلَاّ أنَّه أَدْغَمَ الياءَ في الياءِ المنقلبةِ عن الهمزةِ. والجحدريُّ وتُرْوى عن أُبَيّ «خطيئتِهم» بالإِفراد والهمز. وقرأ عبد الله «مِنْ خطيئاتِهم ما أُغْرِقوا» فجعلَ «ما» المزيدةَ بين الفعلِ وما يتعلَّق به. و «مِنْ» للسببيَّةِ تتعلَّقُ ب «أُغْرِقوا» . قال ابن عطية:«لابتداء الغاية» ، وليس بواضح. وقرأ العامَّةُ «أُغرِقوا» مِنْ

ص: 476

أَغْرق. وزيد بن علي «غُرِّقوا» بالتشديدِ، وكلاهما للنَّقْلِ. تقول: أغرَقْتُ زيداً في الماء، وغَرَّقْتُه فيه.

قوله: {فَأُدْخِلُواْ} يجوز أَنْ يكونَ من التعبيرِ عن المستقبلِ بالماضي، لتحقُّقِ وقوعِه، نحو:{أتى أَمْرُ الله} [النحل: 1] وأَنْ يكونَ على بابِه، والمرادُ عَرْضُهم على النار في قبورِهم، كقولِه في آلِ فرعونَ:{النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غافر: 46] .

ص: 477

قوله: {دَيَّاراً} : قال الزمخشري: «دَيَّار من الأسماءِ المستعملةِ في النفيِ العامِّ. يقال:» ما بالدار دَيَّارٌ ودَيُّورٌ «، كقَيَّام وقَيُّوم. وهو فَيْعال من الدُّور أو مِنْ الدار. أصلُه دَيْوار ففُعِل به ما يُفْعَلُ بأصلِ سَيِّد ومَيَّت، ولو كان فَعَّالاً لكان دَوَّاراً» انتهى. يعني أنه كان ينبغي أَنْ تَصِحَّ واوُه ولا تُقْلَبَ ياءً. وهذا نظيرُ ما تقدَّم له من البحثِ في «متحيِّز» ، وأنَّ أصلَه مُتَحَيْوِز مُتَفَيْعِل، لا مُتَفَعِّل، إذ كان يلزمُ أَنْ يكونَ مُتَحَوِّزاً، لأنه من الحَوْز. ويقال أيضاً. فيه دَوَّار نحو: قَيَّام وقَوَّام.

وقال مكي: «وأصلُه دَيْوار، ثم أَدْغَموا الواوَ في الياءِ مثلَ» مَيِّت «أصلُه مَيْوِت، ثم أَدْغموا الثاني في الأولِ. ويجوز أَنْ يكونَ أَبْدلوا من الواوِ ياءً، ثم أدغموا الياءَ الأولى في الثانية» . قلت: قولُه: «أدغموا الثاني في الأول» هذا لا يجوزُ؛ إذ القاعدةُ المستقرةُ في المتقارَبَيْنِ قَلْبُ

ص: 477

الأولِ للثاني، ولا يجوزُ العكسُ إلَاّ شذوذاً، أو لضرورةٍ صناعيةٍ. أمَّا الشذوذُ فكقراءةِ:«واذكر» [يوسف: 45] بالذالِ المعجمةِ و «فَهَلْ مِن مُّذَّكِرٍ» [القمر: 15] بالمعجمةِ أيضاً. وقد مَضَى تحقيقُه. وأمَّا الضرورةُ الصناعيةُ فنحو: «امدحْ هِلالاً» بقَلْبِ الهاءِ حاءً؛ لئلا يُدْغَمَ الأقوى في الأضعفِ، وهذا يَعْرِفُه مَنْ عانى التصريفَ.

ص: 478

قوله: {رَّبِّ اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ} : العامَّةُ على فتحِ الدال على أنه تثنيةُ «والِد» يريد أبوَيْه. وقرأ الحسن بن علي رضي الله عنهما ويحيى بن يعمر والنخعي «ولوَلَدَيَّ» تثنيةَ «وَلَد» يعني ابنَيْه ساماً وحاماً. وقرأ ابن جبير والجحدريُّ «ولوالِدِيْ» بكسر الدال يعني أباه، فيجوزُ أن يكونَ أرادَ أباه الأقربَ الذي وَلَدَه، وخصَّه بالذِّكْر لأنه أشرفُ من الأم، وأَنْ يريدَ جميعَ مَنْ وَلَدَه مِنْ لَدُنْ آدمَ عليه السلام إلى مَنْ وَلده. و «مؤمناً» حالٌ و «تَباراً» مفعولٌ ثانٍ، والاستثناءُ مفرغٌ. والتبار: الهَلاكُ، وأصلُه من التكسُّر والتفتُّتِ. وقد تقدَّم تحقيق ذلك وللَّهِ الحمدُ والمِنَّةُ. /

ص: 478

قوله: {أُوحِيَ} : هذه قراءةُ العامةِ أعني كونَها مِنْ أَوْحَى رباعياً. وقرأ العَتكِيُّ عن أبي عمروٍ وابنُ أبي عبلة وأبو إياس «وُحِيَ» ثلاثياً، وهما لغتان، يقال: وحى إليه كذا، وأَوْحاه إليه بمعنى واحدٍ. وأُنْشِد للعجاج:

4346 -

وَحَى لها القرارَ فاسْتَقَرَّت

وقرأ زيدُ بن علي والكسائيُّ في روايةٍ وابنُ أبي عبلةَ أيضاً «أُحِي» بهمزةٍ مضومة ولا واوَ بعدها. وخُرِّجَتْ على أنَّ الهمزةَ بدلٌ من الواوِ المضمومةِ نحو: «أُعِدَ» في «وُعِدَ» فهذه فَرْعُ قراءةِ «وُحِيَ» ثلاثياً. قال الزمخشري: «وهو من القَلْبِ المطلقِ جوازُه في كلِّ واوٍ مضمومةٍ، وقد أطلقَه المازنيُّ في المكسورةِ أيضاً كإشاح وإسادة و» إعَآءِ

ص: 479

أَخِيهِ « [يوسف: 76] ، قال الشيخ:» وليس كما ذَكَرَ، بل في ذلك تفصيلٌ. وذلك أنَّ الواوَ المضمومةَ قد تكونُ أولاً وحَشْواً وآخِراً، ولكلٍ منها أحكام. وفي بعضِ ذلك خلافٌ وتفصيلٌ مذكورٌ في النحو «. قلت: قد تقدَّم القولُ في ذلك مُشْبَعَاً في أولِ هذا الموضوعِ ولله الحمدُ. ثم قال الشيخ: بعد أن حكى عنه ما قَدَّمْتُه عن المازني» وهذا تكثيرٌ وتبجُّحٌ. وكان يَذْكُرُ ذلك في سورة يوسف عند قوله {وِعَآءِ أَخِيهِ} [يوسف: 76] . وعن المازنيِّ في ذلك قولان، أحدُهما: القياسُ كما ذكر، والثاني: قَصْرُ ذلك على السَّماع «. قلت: لم يَبْرَحِ العلماءُ يَذْكرون النظيرَ مع نظيرِه، ولَمَّا ذَكَرَ قَلْبَ الهمزةِ بأطِّرادٍ عند الجميعِ ذَكَرَ قَلْبَها بخلافٍ.

قوله: {أَنَّهُ استمع} هذا هو القائمُ مَقَامَ الفاعل؛ لأنَّه هو المفعولُ الصريحُ، وعند الكوفيين والأخفش يجوزُ أَنْ يكونَ القائمُ مَقامَه الجارَّ والمجرورَ، فيكونَ هذا باقياً على نصبِه. والتقدير: أُوْحي إليَّ استماعَ نَفَرٍ. و» مِنْ الجنِّ «صفةٌ ل» نَفَرٌ «ووَصْفُ القرآنِ بعَجَب: إمَّا على المبالغةِ، وإمَّا على حَذْفِ مضافٍ، أي: ذا عَجَبٍ، وأمَّا بمعنى اسم الفاعلِ، أي: مُعْجِب: و» يَهْدِي «صفةٌ أخرى.

ص: 480

وقرأ العامَّةُ: {الرشد} : بضمة وسكونٍ

ص: 480

وابن عمر بضمِّهما، وعنه أيضاً فَتْحُهما، وتَقَدَّم هذا في الأعراف.

ص: 481

قوله: {وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا} : قرأ الأخَوان وابن عامر وحفص بفتح «أنَّ» وما عُطِف عليها بالواو في اثنتي عشرة كلمةً، والباقون بالكسرة. وقرأ ابنُ عامر وأبو بكرٍ «وإنه لَمَّا قام» بالكسرة، والباقون بالفتح، واتفقوا على الفتحِ في قوله:{وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ} وتلخيص هذا: أن «أنَّ» المشددةَ في هذه السورةِ على ثلاثةِ أقسامٍ: قسمٍ ليس معه واوُ العطفِ، فهذا لا خلاف بين القُرَّاءِ في فتحِه أو كسرِه. على حسبِ ما جاءَتْ به التلاوةُ واقْتَضَتْه العربيةُ، كقولِه:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع} لا خلافَ في فتحِه لوقوعِه موقعَ المصدرِ وكقوله: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً} [الجن: 1] لا خلافَ في كسرِه لأنه محكيٌّ بالقول.

القسم الثاني أَن يقترنَ بالواوِ، وهو أربعَ عشرةَ كلمةً، إحداها: لا خلاف في فتحِها وهي: قولُه تعالى: {وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ} [الجن: 18] وهذا هو القسم الثالث والثانية: {وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ} [الجن: 19] كَسَرَها ابنُ عامرٍ وأبو بكر، وفتحها الباقون. والاثنتا عشرةَ الباقيةُ: فَتَحها الأخوان وابن عامرٍ

ص: 481

وحفص، وكسرها الباقون، كما تقدَّم تحريرُ ذلك كلِّه. والاثنتا عشرةَ هي قولُه:{وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا} ، {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ} [الجن: 4] {وَأَنَّا ظَنَنَّآ} [الجن: 5]{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ} [الجن: 6]{وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ} [الجن: 7]{وَأَنَّا لَمَسْنَا} [الجن: 8]{وَأَنَّا كُنَّا} [الجن: 9]{وَأَنَّا لَا ندري} [الجن: 10]{وَأَنَّا مِنَّا الصالحون} [الجن: 11]{وَأَنَّا ظَنَنَّآ} [الجن: 12]{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا} [الجن: 13]{وَأَنَّا مِنَّا المسلمون} [الجن: 14] . وإذا عَرَفْتَ ضَبْطَها من حيث القراءاتُ فالتفِتْ إلى توجيهِ ذلك.

وقد اختلف الناسُ/ في ذلك فقال أبو حاتم في الفتح: «هو معطوفٌ على مرفوعِ» أُوْحِيَ «فتكونُ كلُّها في موضعِ رفعٍ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُه» . وهذا الذي قاله قد رَدَّه الناسُ عليه: مِنْ حيث إنَّ أَكثرَها لا يَصِحُّ دخولُه تحت معمولِ «أُوْحِي» ألا ترى أنه لو قيل: أوُحي إليِّ أنَّا لَمَسْنا السماءَ، وأنَّا كُنَّا، وأنَّا لا نَدْري، وأنَّا منَّا الصالحون، وأنَّا لمَّا سَمِعْنا، وأنَّا مِنَّا المسلمون لم يَسْتَقِمْ معناه. وقال مكي:«وعَطْفُ» أنَّ «على {

ص: 482

آمَنَّا بِهِ} [الجن: 2] أتَمُّ في المعنى مِنْ العطفِ على» أنَّه استمعَ «لأنك لو عَطَفْتَ {وَأَنَّا ظَنَنَّآ} [الجن: 5]{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا} [الجن: 13]{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس} [الجن: 6]{وَأَنَّا لَمَسْنَا} [الجن: 8]، وشِبْهَ ذلك على {أَنَّهُ استمع} [الجن: 1] لم يَجُزْ؛ لأنه ليس مِمَّا أُوْحِي، إليه، إنما هو أمرٌ أو خبر، وأنه عن أنفسهم، والكسرُ في هذا أَبْينُ، وعليه جماعة مِنْ القُراءِ.

الثاني: أنَّ الفتحَ في ذلك عَطْفٌ على مَحَلِّ» به «مِنْ» آمَنَّا به «. قال الزمخشري:» كأنه قال: صَدَّقْناه وصَدَّقْناه أنه تعالى جَدُّ رَبَّنا، وأنَّه كان يقولُ سفيهُنا، وكذلك البواقي «، إلَاّ أنَّ مكيَّاً ضَعَّفَ هذا الوجهَ فقال: والفتحُ في ذلك على الحَمْلِ على معنى» آمَنَّا به «وفيه بُعْدٌ في المعنى؛ لأنهم لم يُخْبِروا أنهم آمنوا بأنَّهم لَمَّا سَمِعوا الهدى آمنوا به، ولم يُخْبِروا أنهم آمنوا أنه كان رجالٌ، إنما حكى اللَّهُ عنهم أنهم قالوا ذلك مُخْبِرين به عن أنفسِهم لأصحابِهم، فالكسرُ أَوْلى بذلك» وهذا الذي قاله غيرُ لازمٍ؛ فإنَّ المعنى على ذلك صحيحٌ.

ص: 483

وقد سَبَق الزمخشريَّ إلى هذا التخريجِ الفَرَّاءُ والزجَّاجُ. إلَاّ أنَّ الفَرَّاء استشعر إشكالاً وانفصل عنه، فإنه قال:«فُتِحَتْ» أنَّ «لوقوع الإِيمانِ عليها، وأنت تجدُ الإِيمانَ يَحْسُنُ في بعضِ ما فُتحَ دونَ بعضٍ، فلا يُمْنَعُ من إمضائِهنَّ على الفتح، فإنه يَحْسُنُ فيه ما يُوْجِبُ فَتْحَ» أنَّ «نحو: صَدَقْنا وشَهِدْنا، كما قالت العربُ:

4347 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وزَجَّجْنَ الحواجبَ والعُيونا

فنصَبَ» العيونَ «لإِتباعِها الحواجبَ، وهي لا تُزَجَّجُ. إنما تُكَحَّلُ، فأضمر لها الكُحْلَ» انتهى. فأشار إلى شيءٍ مِمَّا ذكرَه مكيٌّ وأجاب عنه. وقال الزجَّاج: «لكنَّ وجهَه أَنْ يكونَ محمولاً على معنى» آمنَّا به «؛ لأنَّ معنى» آمَنَّا به «صَدَّقْناه وعَلِمْناه، فيكون المعنى: صَدَّقْنا أنه تعالى جَدُّ ربِّنا» .

الثالث: أنه معطوفٌ على الهاء به «به» ، أي: آمنَّا به وبأنه تعالى جَدُّ ربِّنا، وبأنه كان يقولُ، إلى آخره، وهو مذهب الكوفيين. وهو وإن كان قوياً من حيث المعنى إلَاّ أنَّه ممنوعٌ مِنْ حيث الصناعةُ، لِما عَرَفْتَ مِنْ أنَّه لا يُعْطَفُ على الضميرِ المجرورِ إلَاّ بإعادةِ الجارِّ. وقد تقدَّم تحقيقُ هذَيْن القولَيْن مستوفىً في سورةِ البقرة عند قولِه: {وَكُفْرٌ بِهِ

ص: 484

والمسجد الحرام} [البقرة: 217] على أنَّ مكِّيَّاً قد قَوَّى هذا لمَدْرَكٍ آخرَ وهو حَسَنٌ جداً، قال رحمه الله:«وهو يعني العطفَ على الضميرِ المجرورِ دونَ إعادةِ الجارِّ في» أنَّ «أجوَدُ منه في غيرها، لكثرةِ حَذْفِ حرفِ الجرِّ مع» أنَّ «.

ووجهُ الكسرِ العطفُ على قوله: {إِنَّا سَمِعْنَا} [الجن: 1] فيكون الجميعُ معمولاً للقولِ، أي: فقالوا: إنَّا سَمِعْنا، وقالوا: إنَّه تعالى جَدُّ ربِّنا إلى آخرِه. وقال بعضُهم: الجملتان مِنْ قولِه تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ} [الجن: 6]{وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ} [الجن: 7] معترضتان بين قولِ الجنِّ، وهما مِنْ كلامِ الباري تعالى، والظاهرُ أنَّهما مِنْ كلامِهم، قاله بعضُهم لبعضٍ. ووجهُ الكسرِ والفتحِ في قولِه:{وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ الله} [الجن: 19] ما تقدَّم. ووَجْهُ إجماعِهم على فتح {وَأَنَّ المساجد} [الجن: 18] وجهان، أحدُهما: أنَّه معطوفٌ على {أَنَّهُ استمع} [الجن: 1] فيكونُ مُوْحى أيضاً. والثاني: أنه على حَذْفِ حرفِ الجرِّ، وذلك الحرفُ متعلِّقٌ بفعل النهي، أي: فلا تَدْعوا مع اللَّهِ أحداً؛ لأنَّ المساجدَ للَّهِ، ذكرهما أبو البقاء.

ص: 485

قال الزمخشري:» أنه استمع «بالفتح؛ لأنَّه فاعلُ» أُوْحي «

و {إِنَّا سَمِعْنَا} [الجن: 1] بالكسرِ؛ لأنَّه مبتدأٌ مَحْكِيٌّ بعد القولِ، ثم تحملُ عليهما البواقي، فما كان مِنَ الوحي فُتِحَ، وما كان مِنْ قَوْل الجِنِّ كُسِرَ، وكلُّهُنَّ مِنْ قولِهم إلَاّ/ الثِّنْتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ وهما:{وَأَنَّ المساجد} [الجن: 18]{وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ الله} [الجن: 19] . ومَنْ فتح كلَّهن فعَطْفاً على مَحَلِّ الجارِّ والمجرور في {آمَنَّا بِهِ} [الجن: 2]، أي: صَدَّقْناه، وصَدَّقْنا أنه «.

وقرأ العامَّةُ: {جَدُّ رَبِّنَا} بالفتح مضافاً ل» رَبِّنا «، والمرادُ به هنا العظمةُ. وقيل: قُدْرتُه وأمرُه. وقيل: ذِكْرُه. والجَدُّ أيضاً: الحَظُّ، ومنه قولُه عليه السلام:» ولا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ «والجَدُّ أيضاً: أبو الأبِ، والجِدُّ بالكسرِ ضِدُّ التَّواني في الأمر.

وقرأ عكرمةُ بضمِّ باءِ» رَبُّنا «وتنوينِ» جَدٌّ «على أَنْ يكون» ربُّنا «بدلاً مِنْ» جَدٌّ «، والجَدُّ: العظيم. كأنه قيل: وأنَّه تعالى عظيمٌ ربُّنا، فأبدل المعرفة من النكرةِ، وعنه أيضاً» جَدَّاً «منصوباً منوَّناً،» رَبُّنا «مرفوعٌ. ووجْهُ ذلك أَنْ ينتصِبَ» جَدَّاً «على التمييز، و» ورَبُّنا «فاعلٌ ب» تعالى «وهو

ص: 486

المنقولُ مِنْ الفاعليةِ، إذ التقديرُ: تعالى جَدُّ رَبِّنا، ثم صار تعالى ربُّنا جَدَّاً، أي: عَظَمةً نحو: تَصَبَّبَ زيدٌ عَرَقاً، أي: عَرَقُ زيدٍ. وعنه أيضاً وعن قتادةَ كذلك، إلَاّ أنَّه بكسرِ الجيم، وفيه وجهان، أحدُهما: أنَّه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، و» رَبُّنا «فاعلٌ ب» تعالى «والتقدير: تعالى ربُّنا تعالِياً جدَّاً، أي: حقاً لا باطلاً. والثاني: أنَّه مصنوبٌ على الحالِ، أي: تعالى ربُّنا حقيقةً ومتمكِّناً قاله ابنُ عطية.

وقرأ حميد بن قيس» جُدُّ ربِّنا «بضم الجيم مضافاً ل» ربِّنا «وهو بمعنى العظيم، حكاه سيبويه، وهو في الأصل من إضافةِ الصفةِ لموصوفِها؛ إذ الأصلُ: ربُّنا العظيمُ نحو:» جَرْدُ قَطِيفة «الأصل قطيفة جَرْدٌ، وهو مُؤَول عند البَصْريين وقرأ ابن السَّمَيْفَع» جَدَى رَبِّنا «بألفٍ بعد الدال مضافاً ل» ربِّنا «. والجَدى والجَدْوى: النَّفْعُ والعَطاء، أي: تعالى عَطاءُ ربِّنا ونَفْعُه.

والهاءُ في» أنَّه استمعَ «» وأنَّه تعالى «وما بعد ذلك ضميرُ الأمرِ والشأنِ، وما بعده خبرُ» أنَّ «وقوله {مَا اتخذ صَاحِبَةً} مستأنَفٌ فيه تقريرٌ لتعالِي جَدِّه.

ص: 487

قوله: {سَفِيهُنَا} : يجوزُ أَنْ يكونَ اسمَ كان، «ويقول» الخبرُ، ولو كان مثلُ هذه الجملةِ غيرَ واقعةٍ خبراً ل «كان» لامتنع تقديمُ حينئذٍ نحو: سفيهُنا يقول، لو قلت:«يقولُ سفيهُنا»

ص: 487