الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على» بمعنى «مِنْ» . يقال: اكْتَلْتُ عليه ومنه، بمعنىً، والأولُ أوضحُ. وقيل:«على» تتعلَّقُ ب «يَسْتَوْفُون» . قال الزمخشري: «لَمَّا كان اكْتِيالُهم اكتيالاً يَضُرُّهُمْ ويُتَحامَلُ فيه عليهم أبدلَ» على «مكانَ» مِنْ «للدلالة على ذلك. ويجوزُ أن تتعلَّقَ ب» يَسْتَوْفون «، وقدَّم المفعولَ على الفعل لإِفادةِ الخصوصيةِ، أي: يَسْتَوْفون على الناس خاصةً، فأمَّا أنفسُهم فَيَسْتَوْفون لها» انتهى. وهو حسنٌ.
قوله: {كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ} : رُسِمتا في المصحفِ بغير ألفٍ بعد الواوِ في الفعلَيْن، فمِنْ ثَمَّ اختلفَ الناسُ في «هم» على وجهين، أحدهما: هو ضميرُ نصبٍ، فيكونُ مفعولاً به، ويعودُ على الناس، أي: وإذا كالُوا الناسَ، أو وَزَنوا الناسَ. وعلى هذا فالأصلُ في هذَيْن الفعلَيْن التعدِّي لاثنين، لأحدِهما بنفسِه بلا خِلافٍ، وللآخرِ بحرفِ الجرِّ، ويجوزُ حَذْفُه. وهل كلٌّ منهما أصلٌ بنفسِه، أو أحدُهما أصلٌ للآخر؟ خلافٌ مشهورٌ. والتقدير: وإذا كالوا لهم طعاماً أو وَزَنُوه لهم، فحُذِف الحرفُ والمفعولُ المُسَرَّح. وأنشد الزمخشريُّ:
451
3
- ولقد جَنَيْتُكَ أَكْمُؤاً وعَساقِلاً
…
ولقد نَهْيْتُك عَن بناتِ الأَوْبَرِ
أي: جَنَيْتُ لك. والثاني: أنه ضميرُ رفعٍ مؤكِّدٍ للواو. والضميرُ عائدٌ على المطففينِ، ويكونُ على هذا قد حَذَفَ المَكيلَ والمَكيلَ له والموزونَ والموزونَ لهُ. إلَاّ أنَّ الزمخشريَّ رَدَّ هذا، فقال:«ولا يَصِحُّ أَنْ يكونَ ضميراً مرفوعاً للمطفِّفين؛ لأنَّ الكلامَ يَخْرُجُ به إلى نَظْم فاسدٍ، وذلك أنَّ المعنى: إذا أخذوا من الناسِ اسْتَوْفُوا، وإذا أعطَوْهم أَخْسَروا. فإنْ جَعَلْتَ الضميرَ للمطفِّفين انقلبَ إلى قولِك: إذا أخذوا من الناسِ اسْتَوْفَوْا، وإذا تَوَلَّوا الكيلَ أو الوزنَ هم على الخصوص أَخْسَروا، وهو كلامٌ مُتَنَافِرٌ؛ لأنَّ الحديثَ واقعٌ في الفعل لا في المباشر» .
قال الشيخ: «ولا تنافُرَ فيه بوجهٍ، ولا فرقَ بين أَنْ يؤكَّد الضميرُ أو لا يُؤَكَّد، والحديثُ واقعٌ في الفعل. غايةُ ما في هذا أنَّ متعلقَ الاستيفاء وهو على الناس مذكورٌ، وهو في {كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ} محذوفٌ للعلم به؛ لأنه من المعلوم أنهم لا يُخْسِرون ذلك لأنفسهم» . قلت: الزمخشريُّ يريدُ أَنْ يُحافظَ على أنَّ المعنى مرتبطٌ بشيئَيْن: إذا أخذوا مِنْ غيرِهم، وإذا أَعْطَوْا غيرَهم، وهذا إنما يَتِمُّ على تقديرِ أَنْ يكونَ الضميرُ منصوباً عائداً على الناس، لا على كونِه ضميرَ رفعٍ عائداً على المطفِّفين، ولا شكَّ أن هذا المعنى الذي ذكَره الزمخشريُّ وأرادَه أَتَمُّ وأَحسنُ مِنْ المعنى الثاني. ورجَّح الأوّلَ سقوطُ الألفِ بعد الواوِ، ولأنه دالٌّ على اتصالِ الضميرِ، إلَاّ أنَّ الزمخشري استدركه فقال: «والتعلُّقُ
في إبطالِه بخطِّ المصحفِ وأنَّ الألفَ التي تُكتب بعد واوِ الجمع غيرُ ثابتةٍ فيه، ركيكٌ لأنَّ خَطَّ المصحفِ لم يُراعِ في كثيرٍ منه حَدَّ المصطلحِ عليه في علمِ الخطِّ، على أني رأيْتُ في الكتب المخطوطةِ بأيدي الأئمة المُتْقِنين هذه الألفَ مرفوضةً لكونِها غيرَ ثابتةٍ في اللفظِ والمعنى جميعاً؛ لأنَّ الواوَ وحدَها مُعْطِيَةٌ معنى الجَمْع، وإنما كُتِبت هذه الألفُ تَفْرِقَةً بين واوِ الجمعِ وغيرِها في نحو قولِك:» هم [لم] يَدْعُوا «، و» هو يَدْعُو «، فمَنْ لم يُثْبِتْها قال: المعنى كافٍ في التفرقةِ بينهما، وعن عيسى بنِ عمرَ وحمزةَ أنَّها يرتكبان ذلك، أي: يجعلان الضميرَيْن للمطففين، ويقفان عند الواوَيْن وُقَيْفَةً يُبَيِّنان بها ما أرادا» .
ولم يَذْكُر فعلَ الوزنِ أولاً؛ بل اقتصر على الكيلِ، فقال:«إذا اكْتالوا» ولم يَقُلْ: أو اتَّزَنوا، كما قال ثانياً: أو وَزَنُوهم. قال الزمخشري: «كأنَّ المطفِّفين كانوا لا يأخذون ما يُكال ويُوْزَنُ إلَاّ بالمكاييلِ دون الموازينِ لتمكُّنهم بالاكتيالِ من الاستيفاءِ والسَّرِقَةِ؛ لأنَّهم يُدَعْدِعُون ويَحْتالون في المَلْء، وإذا أَعْطَوْا/ كالُوا ووزَنوا لتمكُّنِهم من البَخْسِ في النوعَيْن جميعاً» .
قولُه: «يُخْسِرون» جوابُ «إذا» وهو مُعَدَّىً بالهمزة. يقال: خَسِرَ الرجلُ، وأَخْسَرْتُه أنا، فمفعولُه محذوفٌ، أي: يُخْسِرون الناسَ مَتاعَهم.
قوله: {أَلا يَظُنُّ} : الظاهرُ أنَّها «ألا» التحضيضيةُ، حَضَّهم على ذلك، ويكونُ الظنُّ بمعنى اليقين. وقيل: هل لا النافيةُ دخَلَتْ عليها همزةُ الاستفهامِ.
قوله: {يَوْمَ يَقُومُ} : يجوزُ نصبُه ب «مَبْعُوثون» ، قاله الزمخشري: أو ب يُبْعَثون «مقدَّراً، أو على البدلِ مِنْ محلِّ» يوم «، أو بإضمارِ» أَعْني «، أو هو مرفوعُ المحلِّ خبراً لمبتدأ مضمرٍ، أو مجرورٌ بدلاً من» ليومٍ عظيمٍ «، وإنما بُني في هذَيْن الوجهَيْن على الفتحِ لإِضافتِه للفعل، وإن كان مضارعاً، كما هو رأي الكوفيين، ويَدُلُّ على صحة هذَيْن الوجهين قراءةُ زيدِ بنِ علي» يومُ يقومُ «بالرفعِ، وما حكاه أبو معاذٍ القارىءُ» يوم «بالجرِّ على ما تقدَّم.
قوله: {لَفِي سِجِّينٍ} : اختلفوا في نون «سِجِّين» . فقيل: هي أصليةٌ. اشتقاقهُ من السِّجْنِ وهو الحَبْسُ، وهو بناءُ مبالغةٍ، فسِجِّين من السَّجْنِّ كسِكِّير من السُّكْر. وقيل: بل هي بدلٌ من اللامِ، والأصلُ: سِجِّيْل، مشتقاً من السِّجِلِّ وهو الكتابُ. واختلفوا فيه أيضاً: هل هو اسمُ موضعٍ، أو اسمُ كتابٍ مخصوصٍ؟ وهل هو صفةٌ أو عَلَمٌ منقولٌ مِنْ وصفٍ كحاتِم. وهو مصروفٌ إذ ليس فيه إلَاّ سببٌ واحدٌ وهو العَلَمِيَّةُ، وإذا كان اسمَ مكانٍ، فقوله «كتابٌ مَرْقُوْمٌ» : إمَّا بدلٌ منه، أو خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، وهو ضميرٌ يعودُ عليه، وعلى التقديرَيْن فهو مُشْكِلٌ؛ لأنَّ الكتابَ ليس هو المكانَ فقيل: التقدير: هو مَحَلُّ كتابٍ، ثم حُذِفَ المضافُ. وقيل: التقديرُ: وما أدراك ما كتابُ سِجِّين؟ فالحذفُ، إمَّا مِنْ الأولِ، وإمَّا مِنْ الثاني: وأمَّا إذا قُلْنا: إنه اسمٌ ل «كتاب» فلا إشكال.
وقال ابن عطية: «مَنْ قال: إنَّ سِجِّيناً موضعٌ فكتابٌ مرفوعٌ، على أنه خبرُ» إنّ «والظرفُ الذي هو» لفي سِجِّين «مُلْغَى، ومَنْ جعله عبارةً عن الخَسارة، فكتابٌ خبرُ مبتدأ محذوفٍ، التقدير: هو كتابٌ، ويكونُ هذا الكلامُ مفسِّراً لِسِجِّين ما هو؟» انتهى، وهذا لا يَصِحُّ البتة؛ إذ دخولُ اللامِ يُعَيِّنُ كونَه خبراً فلا يكونُ مُلْغى. لا يقال: اللامُ تَدْخُلُ على معمولِ الخبرِ فهذا منه فيكونُ مُلْغى؛ لأنه لو فُرِضَ الخبرُ وهو «كتابٌ» عاملاً أو صفتُه عاملةٌ وهو «مرقوم» لامتنعَ ذلك. أمَّا مَنْعُ عملِ «كتابٌ» فلأنَّه موصوف، والمصدرُ الموصوفُ لا يعمل. وأمَّا امتناعُ عملِ «مرقومٌ» فلأنَّه صفةٌ، ومعمولُ الصفةِ لا يتقدَّمُ على موصوفِها. وأيضاً فاللامُ إنما تدخُلُ على معمولِ الخبر بشرطِه، وهذا ليس معمولاً للخبرِ، فتعيَّنَ أَنْ يكونَ الجارُّ هو الخبرَ، وليس بملغى. وأمَّا قولُه ثانياً «ويكون هذا الكلامُ مفسِّراً لسِجِّين ما هو» فمُشْكِلٌ؛ لأنَّ الكتابَ ليس هو الخسَارَ الذي جُعِلَ الضميرُ عائداً عليه مُخْبِراً عنه ب «كتابٌ» .
وقال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: قد أخبر الله تعالى عن كتاب الفجار بأنه في سِجِّين وفَسَّر سِجِّيناً ب» كتاب مرقوم «فكأنه قيل: إنَّ كتابَهم في كتابٍ مرقوم فما معناه؟ قلت:» سِجِّين «كتابٌ جامعٌ، هو ديوانُ الشرِّ دَوَّن الله فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفَرَةِ والفَسَقَةِ من الجنِّ والإِنسِ، وهو كتابٌ مَسْطورٌ بَيِّنُ الكِتابةِ، أو مَعْلَمٌ يَعْلَمُ مَنْ رآهُ أنه لا خَيْرَ فيه فالمعنى: أنَّ ما كُتِبَ مِن أعمالِ الفُجَّارِ مُثْبَتٌ في ذلك الديوانِ،
ويُسَمَّى سِجِّيلاً فِعِّيلاً من السَّجْلِ وهو الحَبْسُ والتضييق؛ لأنه سببُ الحِبْسِ والتضييق في جهنم» انتهى.
والرَّقْمُ: الخَطُّ. وقيل: الخَتْمُ بلغة حِمْيَرٍ، والصحيحُ الأولُ. قال: /
4514 -
سأَرْقُمُ في الماءِ القَراح إليكُمُ
…
على بُعْدِكُمْ إنْ كان للماءِ راقِمُ
وتقدَّمت هذه المادةُ في الكهف.
قوله: {الذين يُكَذِّبُونَ} : يجوزُ فيه الإِتباعُ نعتاً وبدلاً وبياناً، والقطعُ رفعاً ونصباً.
قوله: {إِذَا} : العامَّةُ على الخبر. والحسن «أإذا» على الاستفهامِ الإِنكاريِّ. والعامَّةُ «تُتْلى» بتَاءين مِنْ فوقُ، وأبو حيوة وابن مقسم بالياء مِنْ تحتُ؛ لأنَّ التأنيث مجازيٌّ.
قوله: {بَلْ رَانَ} : قد تقدَّم وَقْفُ حفص على «بل» في الكهف. والرَّيْنُ والرانُ الغِشاوة على القلبِ، كالصَّدأ على الشيءِ
الصقيلِ من سيفٍ ومِرْآة ونحوِهما. قال الشاعر:
4515 -
وكم رانَ مِنْ ذنبٍ على قلبِ فاجِرٍ
…
فتابَ مِن الذنبِ الذي ران وانْجَلَى
وأصلُ الرَّيْنِ: الغلبةُ، ومنه: رانَتِ الخمرُ على عقلِ شاربِها. وران الغَشْيُ على عقل المريض. قال:
4516 -
. . . . . . . . . . . . رانَتْ به الخَمْ
…
رُ. . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقال الزمخشري: «يقال: ران عليه الذنبُ وغان، رَيْناً وغَيْناً. والغَيْنُ الغَيْم. ويقال: ران فيه النومُ: رَسَخَ فيه، ورانَتْ به الخمرُ: ذهَبَتْ به» . وحكى أبو زيد: «رِيْنَ بالرَّجل رَيْناً: فجاء مصدرُه مفتوحَ العين وساكنَها. و» ما كانوا «هو الفاعلُ. و» ما «يُحتمل أَنْ تكونَ مصدريةً، وأَنْ تكونَ بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ. وأُمِيْلَتْ ألفُ» ران «وفُخِّمَتْ،
فأمالها الأخَوان وأبو بكر وفَخَّمها الباقون، وأُدغِم لامُ» بل «في الراء وأُظْهِرَتْ.
قوله: {عَن رَّبِّهِمْ} : متعلِّقٌ بالخبرِ، وكذلك «يومئذٍ» . والتنوينُ عوضٌ من جملةٍ تقديرُها، يومَ إذ يقومُ الناسُ؛ لأنه لم يناسِبْ إلَاّ تقديرُها.
قوله: {يُقَالُ} : يجوزُ أَنْ يكونَ القائمُ مقامَ الفاعلِ ما دلَّتْ عليه جملةُ قولِه {هذا الذي كُنتُمْ} . ويجوزُ أَنْ يكونَ الجملةَ نفسَها، ويجوزُ أَنْ يكونَ المصدرَ، وقد تقدَّم تحريرُه أولَ البقرة.
قوله: {لَفِي عِلِّيِّينَ} : هو خبر «إنَّ» . وقال ابنُ عطية هنا كما قال هناك، ويُرَدُّ عليه بما تقدَّم. وعِلِّيُّون جمع عِلِّيّ، أو هو اسمُ مكانٍ في أعلى الجنة، وجَرَى مَجْرَى جمع العقلاء فرُفع بالواوِ ونُصِبَ وجُرَّ بالياء مع فوات شرطِ العقل. وقال أبو البقاء:«واحدُهم عِلِّيّ وهو الملك. وقيل: هي صيغةُ الجمع مثلَ عشرين» ثم ذكر نحواً مِمَّا ذَكرَهُ في «سِجِّين» مِنْ الحَذْفِ المتقدِّم. وقال الزمخشري: «
عِلِّيُّون: عَلَمٌ لديوانِ الخبر الذي دُوِّن فيه كلُّ ما عَمِلَتْه الملائكةُ وصُلَحاءُ الثقلَيْنِ، منقولٌ مِنْ جَمْع» عِلِّيّ «فِعِّيل من العُلُو ك» سِجِّين «مِنْ السَّجْن» ، سُميِّ بذلك: إمَّا لأنه سببُ الارتفاعِ، وإمَّا لأنه مرفوعٌ في السماءِ السابعةِ «. قلت: وتلك الأقوالُ الماضيةُ في» سِجِّين «كلُّها عائدةٌ هنا.
قوله: {يَشْهَدُهُ} : جملةٌ يجوزُ أَنْ تكونَ صفةً ثانيةً، وأَنْ تكونَ مستأنفةً.
قوله: {تَعْرِفُ} : العامُّةُ على إسنادِ الفعلِ إلى المخاطب، أي: تَعْرِفُ أنت يا محمدُ، أو كلُّ مَنْ صَحَّ منه المعرفةُ.
وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق وشيبةُ وطلحةُ ويعقوبُ والزعفراني «تُعْرَفُ» مبنياً للمفعول، «نَضْرَةُ» رَفْعٌ على قيامِها مقَامَ الفاعلِ. وعلي بن زيد كذلك إلَاّ أنَّه بالياءِ أسفلَ لأنَّ التأنيثَ مجازي.
[وقوله: {يَنظُرُونَ} حالٌ من الضمير المستكنِّ في الخبر أو مستأنف][و «على الأرائك» متعلق ب «يَنْظرون» أو حال من ضميره، أو حال مِنْ ضمير المستكنّ في الخبر] .
قوله: {مِن رَّحِيقٍ} : الرحيق: الشرابُ الذي لا غِشَّ فيه، وقيل: أجودُ الخمر. وقال حسان:
4517 -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
…
بَرَدى يُصَفِّقُ بالرَّحيقِ السَّلْسَلِ
قوله: {خِتَامُهُ} : قرأ الكسائيُّ «خاتَمهُ» بفتح التاءِ بعد الألف. والباقون بتقديمِها على الأف، فوجهُ قراءةِ الكسائيِّ أنَّه جعله اسماً لِما تُخْتَمُ به الكأسُ بدليلِ قولِه «مَخْتوم» ، ثم بَيَّنَ الخاتَمَ ما هو؟ ورُوِيَ عن الكسائيِّ أيضاً كَسْرُ التاءِ، فيكونُ كقولِه تعالى:{وَخَاتَمَ النبيين} [الأحزاب: 40] والمعنى خاتَمٌ رائحتُهُ مِسْكٌ، ووجهُ قراءةِ الجماعةِ أنَّ الخِتامَ هو الطينُ الذي يُخْتَمُ به الشيءُ، فجُعِل بَدَلَه المِسْكُ. قال الشاعر:
4518 -
كأنَّ مُشَعْشَعاً مِنْ خَمْرِ بُصْرى
…
. . . . . . البُخْتُ مَسْدودَ الخِتامِ
وقيل: خَلْطُه ومِزاجُه. وقيل: خاتِمتُه، أي: مَقْطَعُ شُرْبِه يَجِدُ فيه الإِنسانُ ريحَ المِسْكِ. والتنافُسُ: المغالبة في الشيء النفيسِ. يقال: نَفِسْتُ به نَفاسَةً، أي: بَخِلْتُ به، وأصلُه مِنْ النَّفْس لعِزَّتها.
قوله: {مِن تَسْنِيمٍ} : التَّسْنيم اسمٌ لعَيْنٍ في الجنة. قال الزمخشري: «تَسْنْيم عَلَمٌ لَعْينٍ بعينها، سُمِّيت بالتَّسْنيم الذي هو مصدرُ سَنَمَه: إذا رفعه» . قلت: وفيه نظرٌ؛ لأنه كان مِنْ حَقِّه أن يُمْنَعَ الصرفَ للعَلَمِيَّة والتأنيث، وإنْ كان مجازياً. ولا يَقْدَحُ في ذلك كونُه مذكَّرَ الأصلِ؛ لأنَّ العِبْرَةَ بحالِ العَلَمَّيةِ. ألا ترى نَصَّهم على أنه لو سُمِّي بزيد امرأةٌ وَجَبَ المَنْعُ، وإن كان في «هِنْد» وجهان. اللهم إلَاّ أَنْ تقولَ: ذَهَبَ بها مَذْهَبَ الهِنْد ونحوِه، فيكونَ كواسِط ودابِق.
قوله: {عَيْناً} : فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّه حالٌ، قاله الزجاج، يعني مِنْ «تَسْنيم» لأنَّه عَلَمٌ لشيءٍ بعينِه، إلَاّ أنه يُشْكِل بكونه جامداً. الثاني: أنه منصوبٌ على المدح، قاله الزمخشري. الثالث: أنها منصوبةٌ ب يُسْقَونْ مقدراً، قاله الأخفش. وقوله:«يَشْرب» بها، أي: مِنْها، أو الباءُ زائدةٌ، أو ضُمِّن «يَشْربُ» معنى يَرْوي. وتقدَّم هذا مُشْبعاً في سورة الإِنسان.
قوله: {َمِنَ الذين آمَنُواْ} : متعلِّقٌ ب «يَضْحكون» ، أي: مِنْ أجلِهم، وقُدِّمَ لأجل الفواصلِ. والتغامُز: الرَّمْزُ بالعينِ.
قوله: {فَكِهِينَ} : قرأ حفص «فَكِهين» دون ألف. والباقون بها. فقيل: هما بمعنى. وقيل: فكهين: أَشِرين، وفاكهين: مِنْ التفكُّهِ. وقيل: فكِهين: فَرِحين، وفاكهين ناعمين. وقيل: فاكهين أصحابُ فاكهةٍ ومِزاج.
قوله: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ} : يجوزُ أَنْ يكونَ المرفوعُ للكفار، والمنصوبُ للمؤمنين، ويجوزُ العكسُ، وكذلك الضميران في «أُرْسِلوا عليهم» .
قوله: {فاليوم} : منصوبٌ ب «يَضْحَكون» . ولا يَضُرُّ تقديمُه على المبتدأ؛ لأنَّه لو تقدَّم العاملُ هنا لجاز؛ إذا لا لَبْسَ، بخلاف «زيدٌ قام في الدار» لا يجوز: في الدار زيدٌ قام.
قوله: {هَلْ ثُوِّبَ} : يجوزُ أَنْ تكونَ الجملةُ الاستفهاميةُ معلِّقةً للنظرِ قبلها، فتكونَ في محلِّ نصبٍ بعد إسقاطِ الخافض. ويجوز أَنْ تكونَ على إضمارِ القول، أي: يقولون: هل ثُوِّبَ. وثُوِّبَ، أي: جُوْزِيَ. يُقال: ثَوَّبه وأثابه. قال الشاعر:
4519 -
سَأَجْزِيك أو يَجْزيك عني مُثَوِّبٌ
…
وحَسْبُك أَنْ يُثْنَى عليك وتُحْمَدَا
وأدغم أبو عمروٍ والكسائيُّ وحمزةُ لامَ «هل» في الثاء. وقوله «ما كانوا» فيه حَذْفٌ، أي: ثوابَ ما كانوا. و «ما» موصولٌ اسميٌّ أو حرفيٌّ.