المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله: {إِذَا السمآء} : كقولِه: {إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} [التكوير:‌ ‌ 1] - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - جـ ١٠

[السمين الحلبي]

الفصل: قوله: {إِذَا السمآء} : كقولِه: {إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} [التكوير:‌ ‌ 1]

قوله: {إِذَا السمآء} : كقولِه: {إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} [التكوير:‌

‌ 1]

في إضمارِ الفعلِ وعَدَمِه. وفي «إذا» هذه احتمالان، أحدهما: أَنْ تكونَ شرطيةً. والثاني: أَنْ تكونَ غير شرطيةٍ. فعلى الأول في جوابها خمسةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه «أَذِنَتْ» ، والواوُ مزيدةٌ. الثاني: أنه «فَمُلاقِيه» ، أي: فأنت مُلاقِيْه. وإليه ذهب الأخفش. الثالث: أنَّه {ياأيها الإنسان} على حَذْفِ الفاء. الرابع: أنه {ياأيها الإنسان} أيضاً، ولكن على إضمارِ القولِ، أي: يقال: يا أيها الإِنسانُ. الخامس: أنه مقدرٌ تقديرُه: بُعِثْتُمِ. وقيل: تقديرُه: لاقى كلُّ إنسانٍ كَدْحَه. وقيل: هو ما صَرَّح به في سورتَيْ التكوير والانفطار، وهو قولُه:{عَلِمَتْ نَفْسٌ} [التكوير: 14]، [الانفطار: 5] قاله الزمخشري، وهو حسنٌ.

وعلى الاحتمال الثاني فيها وجهان، أحدُهما: أنها منصوبةٌ مفعولاً

ص: 729

بها، بإضمار اذكرْ. والثاني: أنها مبتدأٌ، وخبرُها «إذا» الثانية، والواوُ مزيدةٌ، تقديرُه: وقتُ انشقاقِ السماءِ وقتُ مَدِّ الأرض، أي: يقع الأمران في وقتٍ واحد، قاله الأخفشُ أيضاً. والعاملُ فيها إذا كانت ظرفاً عند الجمهور جوابُها: إمَّا الملفوظُ به، وإمَّا المقدَّرُ. وقال مكي:«وقيل: العاملُ» انْشَقَّتْ «. وقال ابن عطية:» قال بعضُ النحاة: العامل «انْشَقَّتْ» ، وأبى ذلك كثيرٌ من أئمتهم؛ لأنَّ «إذا» مضافةٌ إلى «انشَقَّتْ» ، ومَنْ يُجِزْ ذلك تَضْعُفْ عنده الإِضافةُ ويَقْوى معنى الجزاء.

وقرأ العامَّةُ «انشَقَّتْ» بتاءِ التأنيث ساكنةً، وكذلك ما بعده. وقرأ أبو عمرو في روايةِ عُبَيْد بن عقيل بإشمام الكسر في الوقف خاصة، وفي الوصل بالسكونِ المَحْض. قال أبو الفضل:«وهذا من التغييرات التي تلحق الرويَّ في القوافي. وفي هذا الإِشمام بيانُ أنَّ هذه التاءَ من علامةِ تأنيثِ الفعل للإِناث، وليسَتْ مِمَّا على ما في الأسماءِ، فصار ذلك فارقاً بين الاسمِ والفعل فيمَنْ وقَفَ على ما في الأسماء بالتاءِ، وذلك لغة طيِّىء، وقد حُمِل في المصاحف بعضُ التاءات على ذلك» .

ص: 730

وقال ابن عطية: «وقرأ أبو عمرو» انشَقَّتْ «يقف على التاء كأنه يُشِمُّها شيئاً من الجرِّ، وكذلك في أخواتها. قال أبو حاتم:» سمعتُ أعرابياً فصيحاً في بلادِ قيسٍ يكسِرُ هذه التاءات «. وقال ابن خالَويه:» انشَقَّت «بكسر التاء عُبَيْد عن أبي عمرو. قلت: كأنه يريدُ إشمامَ الكسرِ، وأنه في الوقفِ دونَ الوصل لأنه مُطْلَقٌ، وغيرُه مقيَّدٌ، والمقيَّدُ يَقْضي على المطلق. وقال الشيخ:» وذلك أنَّ الفواصلَ تجري مَجْرى القوافي، فكما أن هذه التاءَ تُكسر في القوافي تُكْسَرُ في الفواصل. ومثالُ كسرِها في القوافي قولُ كثيِّر عَزَّةَ:

4520 -

وما أنا بالدَّاعي لِعَزَّةَ بالرَّدى

ولا شامِتٍ إنْ نَعْلُ عَزَّةَ زلَّتِ

وكذلك باقي القصيدة، / وإجراءُ الفواصلِ في الوقف مُجْرى القوافي مَهْيَعٌ معروفٌ، كقولِه تعالى:{الظنونا} [الآية: 10]{الرسولا} [الآية: 66] في الأحزاب، وحَمْلُ الوصلِ على الوقفِ موجودٌ أيضاً.

ص: 731

قوله: {وَأَذِنَتْ} : عَطْفٌ على «انْشَقَّتْ» ، وقد تقدَّم أنه جوابٌ على زيادةِ الواوِ، ومعنى «أَذِنَتْ» ، أي: استمعَتْ أَمْرَه. يُقال:

ص: 731

أَذِنْتُ لك، أي: استمَعْتُ كلامَك. وفي الحديث: «ما أَذِن اللَّهُ لشيءٍ إذْنَه لنبيٍّ يتغَنَّى بالقرآن» وقال الشاعر:

4521 -

صُمٌّ إذا سَمِعوا خيراً ذُكِرْتُ به

وإن ذُكِرْتُ بسُوْءٍ عندهم أَذِنوا

وقال آخر:

4522 -

إنْ يَأْذَنُوا رِيْبةً طاروا بها فَرَحاً

وما هُمُ أَذِنُوا مِنْ صالحٍ دَفَنوا

وقال الجحَّافُ بنُ حكيم:

4523 -

أَذِنْتُ لكمْ لَمَّا سَمِعْتُ هريرَكُمْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والاستعارةُ المذكورةُ في قولِه تعالى: {قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} [فصلت: 11] أو الحقيقةُ عائدٌ ههنا.

ص: 732

قوله: {وَحُقَّتْ} الفاعلُ في الأصلِ هو اللَّهُ تعالى، أي: حَقَّ اللَّهُ عليها ذلك، أي: بسَمْعِه وطاعتِه. يُقال: هو حقيقٌ بكذا وتَحَقَّق به، والمعنى: وحُقَّ لها أَنْ تفعلَ.

ص: 733

قوله: {وَإِذَا الأرض مُدَّتْ} : كالأولِ، وقد تقدَّم أنه يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ «إذا» الأولى على زيادةِ الواوِ.

ص: 733

قوله: {كَادِحٌ} : الكَدْحُ: قال الزمخشري: «جَهْدُ النفس [في العمل] والكَدُّ فيه، حتى يُؤَثِّر فيها، ومنه كَدَح جِلِدَه إذا خَدَشَه. ومعنى» كادِحٌ «، أي: جاهِدٌ إلى لقاءِ ربِّك وهو الموتُ» . انتهى. وقال ابن مقبل:

4524 -

وما الدَّهْرُ إلَاّ تارتان فمِنْهما

أموتُ وأخرى أَبْتغي العيشَ أَكْدَحُ

وقال آخر:

4525 -

ومَضَتْ بَشاشَةُ كلِّ عيشٍ صالحٍ

وبَقِيْتُ أكْدَحُ للحياةِ وأَنْصَبُ

وقال الراغب: «وقد يُستعمل الكَدْحُ استعمالَ الكَدْمِ بالأسنان. قال الخليل: الكَدْحُ دونَ الكَدْم» .

ص: 733

قوله: {فَمُلَاقِيهِ} يجوزُ أَنْ يكونَ عطفاً على كادح. والتسبيبُ فيه ظاهرٌ. ويجوز أَنْ يكونَ خبر مبتدأ مضمرٍ، أي: فأنت مُلاقيه. وقد تقدَّم أنه يجوزُ أَنْ يكونَ جواباً للشرط. وقال ابنُ عطية: «فالفاءُ على هذا عاطفةٌ جملةَ الكلامِ على التي قبلها. والتقدير: فأنت مُلاقيه» يعني بقوله: «على هذا» ، أي: على عَوْدِ الضميرِ على كَدْحِك. قال الشيخ: «ولا يَتَعَيَّنُ ما قاله، بل يجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ عَطْف المفردات» . والضمير: إمَّا للربِّ، وإمَّا للكَدْح، أي: مُلاقٍ جزاءَ كَدْحِك.

ص: 734

قوله: {مَسْرُوراً} : حالٌ مِنْ فاعل «يَنْقَلِبُ» . وقرأ زيد بن علي «ويُقْلَبُ» مبنياً للمفعول مِنْ قَلَبه ثلاثياً.

ص: 734

قوله: {ويصلى} : قرأ أبو عمرو وحمزةُ وعاصمٌ بفتح الياء وسكونِ الصادِ وتخفيفِ اللام، والباقون بالضم والفتح والتثقيل. وقد تقدَّم تخريجُ القراءتَيْن في النساء عند قولِه:{وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء: 10] وأبو الأشهب ونافع وعاصم وأبو عمرو في روايةٍ عنهم «يُصْلى» بضمِّ الياء وسكونِ الصاد مِنْ «أَصْلى» .

ص: 734

قوله: {أَن لَّن} : هذه «أَنْ» المخففةُ كالتي في أول القيامة، وهي سادَّةٌ مَسَدَّ المفعولَيْن أو أحدِهما على الخلاف. و «يَحُوْرُ» معناه يَرْجِعُ. يقال: حار يَحُورُ حَوْراً. قال لبيد:

4526 -

وما المَرْءُ إلَاّ كالشِّهابِ وضَوْءُه

يَحُوْرُ رَماداً بعد إذ هو ساطعٌ

ويُسْتعمل بمعنى صار فيَرْفع الاسمَ ويَنْصِبُ الخبرَ عند بعضِهم، وبهذا البيتِ يَسْتَدِلُّ قائِلُه. ومَنْ منع نَصَبَ «رماداً» على الحال. وقال الراغب:«الحَوْرُ التردُّد: إمَّا بالذاتِ وإمَّا بالفكرة. وقولُه تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} ، أي: لن يُبْعَثَ. وحار الماءُ في الغَديرِ، تَرَدَّد فيه. وحار في أمْرِه وتَحَيَّر، ومنه» المِحْوَرُ «للعُوْدِ الذي تجري عليه البَكَرة لتردُّدِه. وقيل:» نعوذُ بالله من الحَوْرِ بعد الكَوْر «، أي: مِنْ التردُّد في الأمر بعد المُضِيِّ فيه، ومحاورةُ الكلام: مراجعتُه» .

ص: 735

قوله: {بلى} : جوابٌ للنفي في «لن» ، و «إنَّ» جوابُ قسمٍ مقدرٍ.

ص: 735

قوله: {بالشفق} : قال الراغب: «الشَّفَقُ: اختلاطُ ضوءِ النهارِ بسوادِ الليل عند غُروبِ الشمس. والإِشفاقُ: عنايةٌ

ص: 735

مختلِطَةٌ بخوفٍ؛ لأنَّ المُشْفِقَ يحبُّ المُشْفَقَ عليه، ويَخاف ما يلحقُه، فإذا عُدِّيَ ب» مِنْ «فمعنى الخوفِ فيه أظهرُ، وإذا عُدِّي ب» على «فمعنى العنايةِ فيه أظهرُ» . وقال الزمخشري: «الشَّفَقُ: الحُمْرَةُ التي تُرى في الغرب بعد سقوطِ الشمسِ، وبسقوطِه يخرُجُ وقتُ المغربِ ويَدْخُلُ وقتُ العَتَمَةِ عند عامَّةِ العلماء، إلَاّ ما يُرْوى عن أبي حنيفةَ في إحدى الروايتَيْن أنه البياضُ وروى أسدُ بن عمرو أنه رَجَعَ عنه. سُمِّي شَفَقاً لرِقَّته، ومنه الشَّفَقَةُ على الإِنسان: رِقَّةُ القلبِ عليه» . انتهى. والشَّفَقُ شفقان: الشَّفَقُ الأحمر، والآخر الأبيضُ، والشَّفَق والشَّفَقَةُ اسمان للإِشفاقِ. قال الشاعر:

4527 -

تَهْوَى حياتي وأَهْوَى مَوْتَها شَفَقا

والموتُ أكرَمُ نَزَّالٍ على الحُرَمِ

ص: 736

قوله: {وَمَا وَسَقَ} : يجوزُ أَنْ تكونَ موصولةً اسميةً أو حرفيةً، أو نكرةً. ووسَقَ، أي: جَمَعَ. ومنه «الوَسَقُ» لجماعة الآصُعِ وهو ستون صاعاً. والوِسْق بالكسر الاسمُ، وبالفتح المصدرُ وطعامٌ مَوْسوق، أي: مجموعٌ. يقال: وَسَقَه فاتَّسق واسْتَوْسَقَ. ونظيرُ

ص: 736

وقوعِ افتعل واستفعل مطاوعَيْن اتِّسَعَ واستَوْسَع. وقيل: وَسَق، أي: عَمِلَ فيه. قال الشاعر:

4528 -

فيَوْماً ترانا صالِحِيْنَ وتارةً

تقومُ بنا كالواسِق المُتَلَبِّبِ

وإبل مُسْتَوسِقَة. قال الراجز: /

4529 -

إنَّ لنا قَلائِصاً حَقائِقا

مُسْتَوْسِقاتٍ لو تَجِدْنَ سائَقا

قوله: {إِذَا اتسق} ، أي: امتلأ. قال الفراء: «وهو امتلاؤُه واستواؤُه لياليَ البدر» وهو افتعلَ من الوَسْقِ وهو الضمُّ والجَمْعُ كما تقدَّم. وأَمْرُ فلانٍ مُتِّسِقٌ، أي: مُجَتَمعُ على ما يَسْتُرُ.

ص: 737

قوله: {لَتَرْكَبُنَّ} : هذا جوابُ القسم. وقرأ الأخَوان وابن كثير بفتحِ التاءِ على خطابِ الواحد، والباقون بضمِّها على خطاب الجمع. وتقدَّم تصريفُ مثلِه. فالقراءةُ الأولى رُوْعي فيها: إمَّا خطابُ الإِنسانِ المتقدِّمِ الذِّكْرِ في قوله: {ياأيها الإنسان} [الانشقاق: 6] ، وإمَّا خطابُ

ص: 737

غيرِه. وقيل: هو خطابٌ للرسول، أي: لتركبَنَّ مع الكفارِ وجهادِهم. وقيل: التاءُ للتأنيثِ والفعلُ مسندٌ لضميرِ السماء، أي: لتركبَنَّ السماءَ حالاً بعد حال: تكون كالمُهْلِ وكالدِّهان، وتَنْفَطر وتَنشَقُّ. وهذا قولُ ابنِ مسعود. والقراءة الثانيةِ رُوْعِي فيها معنى الإِنسان إذ المرادُ به الجنسُ.

وقرأ عمر «لَيَرْكَبُنَّ» بياء الغَيْبة وضَمِّ الباء على الإِخبار عن الكفار. وقرأ عمر أيضاً وابن عباس بالغَيبة وفتحِ الباء، أي: لَيركبَنَّ الإِنسانُ. وقيل: ليركبَنَّ القمرُ أحوالاً مِنْ سَرار واستهلال وإبدار. وقرأ عبد الله وابن عباس «لَتِرْكَبنَّ» بكسر حَرْفِ المضارعة وقد تقدَّم تحقيقُه في الفاتحة. وقرأ بعضُهم بفتح حرف المضارعة وكسرِ الباء على إسناد الفعل للنفس، أي: لَتَرْكَبِنَّ أنت يا نفسُ.

قوله: {طَبَقاً} مفعولٌ به، أو حالٌ كما سيأتي بيانُه. والطَّبَقُ: قال الزمخشري: «ما طابَقَ غيرَه. يُقال: ما هذا بطَبَقٍ لذا، أي: لا يطابقُه. ومنه قيل للغِطاء: الطَّبَقُ. وأطباق الثرى: ما تَطابَقَ منه، ثم قيل للحال المطابقةِ لغيرِها: طَبَقٌ. ومنه قولُه تعالى: {طَبَقاً عَن طَبقٍ} ، أي: حالاً بعد حال، كلُّ واحدةٍ مطابقةٌ لأختها في الشدَّةِ والهَوْلِ. ويجوز أنْ يكونَ جمعَ» طبقة «وهي المرتبةُ، مِنْ قولهم: هم على طبقاتٍ، ومنه» طبَقات الظهر «لفِقارِه، الواحدةُ طبَقَة، على معنى: لَتَرْكَبُّنَّ أحوالاً بعد أحوالٍ هي طبقاتٌ في الشدَّة، بعضُها أرفعُ من بعض، وهي الموتُ

ص: 738

وما بعده من مواطنِ القيامة» انتهى. وقيل: المعنى: لتركبُنَّ هذه الأحوال أمةً بعد أمةٍ. ومنه قولُ العباس فيه عليه السلام:

4530 -

وأنتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الْ

أرضُ وضاءَتْ بنورِك الطُّرُقُ

تُنْقَلُ مِنْ صالِبٍ إلى رَحِمٍ

إذا مضى عالَمٌ بدا طَبَقُ

يريد: بدا عالَمٌ آخرُ: فعلى هذا التفسير يكون «طبقاً» حالاً لا مفعولاً به. كأنه قيل: متتابعِين أُمَّةً بعد أُمَّة. وأمَّا قولُ الأقرعِ:

4531 -

إنِّي امرُؤٌ قد حَلَبْتُ الدهرَ أَشْطُرَه

وساقَني طبَقاً منه إلى طَبَقِ

فيحتملُ الأمرين، أي: ساقَني مِنْ حالةٍ إلى أخرى، أو ساقني من أمةٍ وناس إلى أمةٍ وناسٍ آخرين، ويكون نصبُ «طَبَقاً» على المعنيَيْن على التشبيه بالظرف، أو الحال، أي: منتقلاً. والطَّبَقُ أيضاً: ما طابقَ الشيءَ، أي: ساواه، ومنه دَلالةُ المطابقةِ. وقال امرؤ القيس:

4532 -

دِيْمَةٌ هَطْلاءُ فيها وَطَفٌ

طَبَقُ الأرضِ تَحَرَّى وتَدُرّ

ص: 739

قوله: {عَن طَبقٍ} في «عن» وجهان، أحدُهما: أنها على بابها، والثاني: أنها بمعنى «بَعْدَ» .

وفي محلِّها وجهان، أحدهما: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ فال «تَرْكَبُنَّ» . والثاني: أنَّها صفةٌ ل «طَبقا» . قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: ما محلُّ» عن طبَق «؟ قلت: النصبُ على أنُّه صفةٌ ل» طبقا «، أي: طبقاً مجاوزاً لطبق، أو حالٌ من الضمير في» لتركبُنَّ «، أي: لتركبُنَّ طبقاً مجاوزِيْن لطبَق أو مجاوزاً أو مجاوزةً على حَسَبِ القراءة» .

وقال أبو البقاء: «وعن بمعنى بَعْدَ. والصحيح أنها على بابِها، وهي صفةٌ، أي: طبقاً حاصلاً عن طَبق، أي: حالاً عن حال. وقيل: جيلاً عن جيل» انتهى. يعني الخلافَ المتقدِّمَ في الطبق ما المرادُ به؟ هل هو الحالُ أو الجيلُ أو الأمةُ؟ كما تقدَّم نَقْلُه، وحينئذٍ فلا يُعْرَبُ «طَبَقاً» مفعولاً به بل حالاً، كما تقدَّم، لكنه لم يَذْكُرْ في «طبقاً» غيرَ المفعولِ به. وفيه نظرٌ لِما تقدَّم مِن استحالتِه معنى، إذ يصير التقديرُ: لتركَبُنَّ أمةً بعد أمَّةٍ، فتكون الأمةُ مركوبةً لهم، وإن كان يَصِحُّ على تأويلٍ بعيدٍ جداً وهو حَذْفُ مضافٍ، أي: لَتركبُنَّ سَنَنَ أو طريقةَ طبقٍ بعد طبقٍ.

ص: 740

قوله: {لَا يُؤْمِنُونَ} : حالٌ، وقد تقدَّم مثلُه.

ص: 740

قوله: {وَإِذَا قُرِىءَ} : شرطٌ، و «لا يَسْجُدون» . جوابُه. وهذه الجملةُ الشرطيةُ في محلِّ نصبٍ على الحالِ أيضاً نَسَقاً على ما قبلها، أي: فمالهم إذا قُرىء عليهم القرآن لا يَسْجُدون؟ .

ص: 740

قوله: {يُكَذِّبُونَ} : العامَّةُ على ضمِّ الياءِ وفتحِ الكافِ وتشديدِ الدال. والضحَّاك وابنُ أبي عبلة بالفتحِ والإِسكانِ والتخفيفِ/. وتقدَّمت هاتان القراءتان أولَ البقرة.

ص: 741

قوله: {يُوعُونَ} : هذه هي العامَّةُ مِنْ أَوْعى يُوْعي. وأبو رجاء «يَعُوْن» مِنْ وعى يَعِي.

ص: 741

قوله: {إِلَاّ الذين آمَنُواْ} : يجوزُ أَنْ يكونَ متصلاً، وأن يكون منقطعاً. هذا إذا كانت الجملةُ مِنْ قولِه:«لهم أَجْرٌ» مستأنفةً أو حاليةً. أمَّا إذا كان الموصولُ مبتدأً، والجملةُ خبرَه، فالاستثناء وليس مِنْ قبيلِ استثناءِ المفرداتِ، ويكونُ من قسمِ المنقطعِ، أي: لكِن الذين آمنوا لهم كيتَ وكيتَ. وتقدَّم معنى «المَمْنون» في حمِ السجدة.

ص: 741