الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: {هَلْ أَتَاكَ} : هو استفهامٌ على بابِه، ويُسَمِّيه أهلُ البيانِ «التشويق» . وقيل: / بمعنى قد، وقد تقدَّم شَرْحُ هذا في {هَلْ أتى عَلَى الإنسان} [الإِنسان:
1]
.
قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} : قد تقدَّم نظيرُه في القيامة وفي النازعات. والتنوينُ في «يومئذٍ» عوضٌ مِنْ جملةٍ مدلولٍ عليها باسمِ الفاعلِ من الغاشية تقديره: يومَ إذ غَشِيَتْ الناسَ؛ إذ لا تتقدَّمُ جملةٌ مُصَرَّحٌ بها. و «خاشعة» وما بعدَه صفةٌ، و «تَصْلى» هو الخبرُ. وقرأ أبو عمروٍ وأبو بكر بضمِّ التاء مِنْ «تَصْلَى» على ما لم يُسَمَّ فاعلُه. والباقون بالفتح على تسميةِ الفاعل. والضمير على كلتا القراءتين للوجوه. وقرأ أبو رجاءٍ بضمِّ التاءِ وفتح الصادِ وتشديدِ اللام. وقد تقدَّم معنى
ذلك كله في الانشاق والنساءَ.
وقرأ ابنُ كثير في روايةٍ وابنُ محيصن «عاملةً ناصبةً» بالنصب: إمَّا على الحالِ، وإمَّا على الذمِّ.
قوله: {آنِيَةٍ} : صفةٌ ل «عَيْنٍ» أي: حارَّة، أي: التي حَرُّها مُتناهٍ في الحرِّ كقولِه: {وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44] . وأمالها هشامٌ؛ لأنَّ الألفَ غيرُ منقلبةٍ عن غيرِها، بل هي أصلٌ بنفسِها، وهذا بخلافِ «آنِيَة» في سورة الإِنسان، فإنَّ الألفَ هناك بدلٌ مِنْ همزة، إذ هو جمعُ إناء، فوزنُها هنا فاعلِة، وهناك أَفْعِلَة، فاتَّحد اللفظُ واختلفَ التصريفُ، وهذا مِنْ محاسنِ علمِ التصريف.
قوله: {ضَرِيعٍ} : هو شجرٌ في النار. وقيل: حجارةٌ. وقيل: هو الزَّقُّوم. وقال أبو حنيفة: «هو الشِّبْرِقُ، وهو مَرْعى سَوْءٍ، لا تَعْقِدُ عليه السائمةُ شَحْماً ولا لَحْماً. قال الهذليُّ:
4553 -
وحُبِسْنَ في هَزْمِ الضَّريعِ فكلُّها
…
حَدْباءُ دامِيَةُ الضُّلوعِ حَرُوْدُ
وقال أبو ذؤيب:
4554 -
رَعَى الشِّبْرِقٌ الريَّانَ حتى إذا ذَوَى
…
وعادَ ضَريعاً نازَعَتْه النَّحائِصُ
وقيل: هو يَبيس العَرْفَجِ إذا تَحَطَّم. وقال الخليل:» نبتٌ أخضرُ مُنْتِنُ الريح يَرْمي به البحرُ. وقيل: نبتٌ يُشبه العَوْسَج. والضَّراعةُ: الذِّلَّةُ والاستكانةُ مِنْ ذلك.
قوله: {لَاّ يُسْمِنُ} : قال الزمخشري: «مرفوعُ المحلِّ أو مجرورهُ على وصفِ طعامٍ أو ضَريع» . قال الشيخ: «إمَّا وَصْفُه ل ضريعٍ، فيصِحُّ؛ لأنه مثبتٌ نفى عنه السِّمَنَ والإِغناءَ من الجوع. وأمَّا رفعُه على وصفِه لطعام فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ الطعامَ منفيٌّ و» يُسْمِنُ «منفيٌّ فلا يَصِحُّ تركيبُه؛ لأنه يَصيرُ التقدير: ليس لهم طعامٌ لا يُسْمِنُ ولا يُغني مِنْ جمعٍ إلَاّ مِنْ ضريع، فيصير المعنى: أنَّ لهم طعاماً يُسْمِنُ ويُغْني من جوعٍ إلَاّ مِنْ غيرِ الضَّريع، كما تقول:» ليس لزيدٍ مالٌ لا يُنتفع به إلَاّ مِنْ مال عمروٍ «فمعناه: أنَّ له مالاً يُنتفع به مِنْ غيرِ مالِ عمروٍ» . قلت: وهذا لا يَرِدُ لأنه على تقدير تَسْليم القول بالمفهوم مَنَعَ منه مانعٌ وهو السياقُ، وليس كلُّ مفهوم معمولاً به. وأمَّا المثالُ الذي نظَّر به فصحيحٌ، لكنه
لا يمنع منه مانعٌ كالسِّياق في الآيةِ الكريمة. ثم قال الشيخ: «ولو قيل: الجملةُ في موضعِ رفع صفةً للمحذوفِ المقدَّرِ في» إلَاّ مِنْ ضريعٍ «كان صحيحاً؛ لأنه في موضعِ رفعٍ، على أنَّه بدلٌ من اسم ليس، أي: ليس لهم طعامٌ إلَاّ كائنٌ مِن ضَريعٍ، أو إلَاّ طعامٌ مِنْ ضريعٍ غيرِ مُسَمِّنٍ ولا مُغْنٍ مِنْ جوعٍ، وهذا تركيبٌ صحيحٌ ومعنى واضحٌ» .
وقال الزمخشري أيضاً: «أو أُريد أَنْ لا طعامَ لهم أصلاً؛ لأنَّ الضَّريعَ ليس بطعامٍ للبهائمِ فضلاً عن الإِنس؛ لأنَّ الطعامَ ما أَشْبَع أو أَسْمَنَ، وهو عنهما بمَعْزِلٍ كما تقول:» ليس لفلانٍ ظلٌّ إلَاّ الشمسُ «تريد نَفْيَ الظلِّ على التوكيد» . قال الشيخ: «فعلى هذا يكونُ استثناءً منقطعاً، إذ لم يندَرِجْ الكائنُ مِن الضَّريع تحت لفظِ» طعام «إذ ليس بطعامٍ، والظاهرُ الاتصالُ فيه وفي قولِه {وَلَا طَعَامٌ إِلَاّ مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة: 36] قلت: وعلى قولِ الزمخشري المتقدمِ لا يَلْزَمُ أَنْ يكونَ منقطعاً؛ إذ المرادُ نفيُ الشيءِ بدليلِه، أي: إن كان لهم طعامٌ فليس إلَاّ هذا الذي لا يَعُدُّه أحدٌ طعاماً ومثلُه» ليس له ظلٌّ إلَاّ الشمسُ «وقد مضى تحقيقُ هذا عند قولِه: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلَاّ الموتة الأولى} [الدخان: 56] وقوله:
4555 -
ولا عَيْبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهُمْ
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومثله كثيرٌ.
قوله: {لَاّ تَسْمَعُ} : قرأ ابن كثير وأبو عمروٍ بالياء/ من تحتُ مضمومةً على ما لم يُسَمَّ فاعلُه، «لاغِيةٌ» رفعاً لقيامِه مقامَ الفاعلِ. وقرأ نافع كذلك، إلَاّ أنَّه بالتاء مِنْ فوقُ، والتذكيرُ والتأنيثُ واضحان؛ لأنَّ التأنيثَ مجازيٌّ. وقرأ الباقون بفتح التاءِ مِنْ فوقُ ونصبِ «لاغيةً» ، فيجوزُ أَنْ تكونَ التاءُ للخطابِ، أي: لا تَسْمع أنت، وأنْ تكونَ للتأنيثِ، أي: لا تسمعُ الوجوهُ. وقرأ المفضل والجحدريُّ «لا يَسْمَعُ» بياء الغَيْبة مفتوحةً، «لاغيةً» نصباً، أي: لا يَسْمَعُ فيها أحدٌ.
ولاغِيَة يجوزُ أَنْ تكونَ صفةً ل كلمةٍ على معنى النسبِ، أي: ذات لغوٍ أو على إسنادِ اللَّغْوِ إليها مجازاً، وأَنْ تكونَ صفةً لجماعة، أي: جماعة لاغية، وأَنْ تكونَ مصدراً كالعافِية والعاقِبة كقولِه:{لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً} [الواقعة: 25] .
قوله: {وَنَمَارِقُ} : جمع نُمْرُقة، وهي الوِسادةُ. قالت:
4556 -
نحن بَناتِ طارِقْ
…
نَمْشي على النَّمَارِقْ
وقال زهير:
4557 -
كُهولاً وشُبَّاناً حِسانٌ وجوهُهُمْ
…
لهم سُرُرٌ مَصْفوفةٌ ونَمارِقْ
والنُّمْرُقَة بضمِّ النونِ والراءِ وكسرِهما، لغتان أشهرُهما الأولى.
قوله: {وَزَرَابِيُّ} : جمع زَرِيْبة بفتح الزاي وكسرِها لغتان مشهورتان وهي البُسُطُ العِراضُ. وقيل: ما له منها خَمْلَة. ومَبْثوثة: مفرَّقة.
قوله: {الإبل} : اسمُ جمعٍ واحدُه: بعير وناقة وجمل. وهو مؤنثٌ، ولذلك تَدْخُلُ عليه تاءُ التأنيثِ حالَ تصغيرِه، فيقال: أُبَيْلَة ويُجْمع آبال، واشتقوا مِنْ لفظِه. فقالوا:«تأبَّلَ زيدٌ» ، أي: كَثُرَتْ إبلُه، وتَعَجَّبوا مِنْ هذا فقالوا:«ما آبَلَه» ، أي: ما أكثرَ إبِلَه. وتقدَّم في الأنعام.
قوله: {كَيْفَ} منصوبٌ ب «خُلِقَتْ» على حَدِّ نَصْبِها في قوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} [البقرة: 28] والجملةُ بدلٌ من «الإِبل» بدلُ اشتمالِ، فتكونُ في محلِّ جرّ، وهي في الحقيقة مُعَلِّقةٌ للنظر، وقد دخلَتْ «إلى» على «كيف» في قولهم «انظُرْ إلى كيف يصنعُ» ، وقد تُبْدَلُ الجملةُ المشتملةُ على استفهامٍ من اسمٍ ليس فيه استفهامٌ كقولِهم: عَرَفْتُ زيداً أبو مَنْ هو؟ على خلافٍ في هذا مقررٍ في علمِ النحو.
وقرأ العامَّةُ: خُلِقَتْ ورفِعَتْ ونُصِبَتْ وسُطِحَتْ مبنياً للمفعولِ،
والتاءُ ساكنةٌ للتأنيث. وقرأ أمير المؤمنين وابن أبي عبلة وأبو حيوة «خَلَقْتُ» وما بعدَه بتاءِ المتكلم مبنياً للفاعل. والعامَّةُ على «سُطِحَتْ» مخففاً، والحسن بتشديدها.
قوله: {بِمُصَيْطِرٍ} : العامَّةُ على الصاد، وقنبل في بعضِ طُرُقِه، وهشام بالسين وخلف بإشمامِ الصادِ زاياً بلا خلافٍ، وعن خلَاّد وجهان. وقرأ هارونُ «بمُسَيْطَرٍ» بفتح الطاء اسمَ مفعولٍ؛ لأنَّ «سَيْطَرَ» عندهم متعدّ، يَدُلُّ على ذلك فعلُ مطاوعِه وهو تَسَيْطر، ولم يَجِىءْ اسمُ فاعلٍ على مُفَيْعِل إلَاّ: مُسَيْطِر ومُبَيْقِر ومُهَيْمِن ومُبَيْطِر مِنْ سَيْطَرَ وبَيْقَرَ وهَيْمَنَ وبَيْطَرَ. وقد جاء مُجَيْمِر اسمَ واد، ومُدَيْبِر. قيل: ويمكنُ أَنْ يكونَ أصلُهما «مُجْمِر» و «مُدْبِر» فصُغِّرا. قلت: وقد تقدَّم لك أنَّ بعضَهم جَوَّز «مُهَيْمِناً» مُصَغَّراً، وتَقَدَّم أنه خطأٌ عظيمٌ، وذلك في سورة المائدةِ وغيرها.
قوله: {إِلَاّ مَن تولى} : العامَّةُ على «إلَاّ» حرفَ استثناء، وفيه قولان، أحدهما: أنه منقطعٌ لأنه مستثنى مِنْ ضمير «عليهم» . والثاني: أنه متصلٌ لأنه مستثنى مِنْ مفعول «فَذَكِّرْ» ، أي: فَذَكِّرْ
عبادي إلَاّ مَنْ تولَّى. وقيل: «مَنْ» في محلِّ خفض بدلاً من ضمير «عليهم» ، قاله مكي. ولا يتأتَّى هذا عند الحجازيين، إلَاّ أَنْ يَكونَ متصلاً، فإنْ كان منقطعاً جاز عند تميمٍ؛ لأنهم يُجْرُوْنه مُجْرى المتصل، والمتصلُ يُختار فيه الإِتباعُ لأنه غيرُ موجَبٍ. هذا كلُّه إذا لم يُجْعَل «مَنْ تولَّى» شرطاً وما بعده جزاؤُه، فإنْ جَعَلْتَه كذلك كان منقطعاً، وقد تقدَّم تحقيقُه، وعلى القولِ بكونِه مستثنى مِنْ مفعول «فَذَكِّرْ» المقدرِ تكون جملةُ النفي اعتراضاً.
وقرأ زيد بن علي وزيد بن أسلم وقتادة «ألا» حرفَ استفتاحٍ، وبعده جملةٌ شرطية أو موصولٌ مضمَّنٌ معناه.
قول: {إِيَابَهُمْ} : العامَّةُ على تخفيفِ الياءِ، مصدرِ آبَ يَؤُوبُ إياباً [والأصلُ: أوَب يَأوُبُ إواباً] ، أي: رَجَعَ ك قام يقوم قياماً. وقرأ شيبة وأبو جعفر بتشديدها. وقد اضطربَتْ فيها أقوالُ التصريفيين، فقيل: هو مصدرٌ ل أَيَّبَ على وزن فَيْعَل كبَيْطَرَ، يُقالُ منه: أيَّبَ يُؤَيِّبُ إيَّاباً، والأصلُ/ أيْوَبَ يِؤَيْوِبُ إيْواباً كبَيْطَرَ يُبَيْطرُ، فاجتَمَعَتْ الياءُ والواوُ في جميع ذلك، وسَبَقَتْ إحداهما بالسكونِ، فقُلِبَتْ الواوُ
ياءً، وأُدغِمت الياءُ المزيدةُ فيها، فإيَّاب على هذا فِيْعال. وقيل: بل هو مصدرٌ ل أَوّبَ بزنةِ فَوْعَل كحَوْقَلَ، والأصل: إِوْوَاب بواوَيْن، الأولى زائدةٌ، والثانيةُ عينُ الكلمةِ، فسَكَنَتِ الأولى بعد كسرةٍ، فقُلِبت ياءً، فصار إيْواباً، فاجتمعَتْ ياءٌ وواوٌ، وسَبَقَتْ إحداهما بالسكون، فقُلِبَتْ الواوُ ياءً، وأُدْغِمَتْ في الياءِ بعدها، فوزنُه فِيعال كحِيْقال، والأصلُ: حِوْقال. وقيل: بل هو مصدرٌ ل أَوَّبَ على وزن فَعْوَل كجَهْور، والأصلُ: إِوْوَاب على وزن فِعْوال، ك «جِهْوار» الأولى عينُ الكلمةِ، والثانيةُ زائدةٌ، وفُعِل به ما فُعِل بما قبلَه مِنْ القلبِ والإِدغام للعللِ المتقدمةِ، وهي مفهومةٌ مِمَّا مَرَّ، فإن قيل: الإِدغامُ مانعٌ مِنْ قَلْبِ الواوِ ياءً. قيل إنما يمنعُ إذا كانت الواوُ والياءُ عيناً وقد عَرَفْتَ أنَّ الياءَ في فَيْعَل والواوَ في فَوْعَل وفَعْوَل زائدتان. وقيل: بل هو مصدرٌ ل أَوَّب بزنةِ فَعَّلَ نحو: كِذَّاباً والأصلُ إوَّاب، ثم قُلِبَتِ الواوُ الأولى ياءً لانكسارِ ما قبلَها فقيلَ: إيْواباً. قال الزمخشري: «كدِيْوان في دِوَّان، ثم فُعِلَ به ما فُعِلَ بسَيِّد» يعني أنَّ أصلَه سَيْوِد، فقُلِبت وأُدْغِمت، وإلى هذا نحا أو بالفضل أيضاً.
إلَاّ أن الشيخ قد رَدَّ ما قالاه: بأنهم نَصُّوا: على أنَّ الواوَ الموضوعةَ على الإِدغامِ لا تَقْلِبُ الأولى ياءً، وإن انكسَرَ ما قبلها قال: «
وَمَّثلوا بنفس» إوَّاب «مصدرَ أوَّب مشدداً، وباخْرِوَّاط مصدرَ اخْرَوَّط. قال:» وأمَّا تشبيهُ الزمخشريِّ بديوان فليس بجيدٍ؛ لأنَّهم لم يَنْطِقوا بها في الوَضْعِ مُدْغمةً، ولم يقولوا: دِوَّان، ولولا الجَمْعُ على «دَواوين» لم يُعْلَمْ أنَّ أصلَ هذه الياءِ واوٌ، وقد نَصُّوا على شذوذِ «دِيْوان» فلا يُقاسُ عليه غيرُه «.
قلت: أمَّا كونُهم لم يَنْطِقوا بدِوَّان فلا يَلْزَمُ منه رَدُّ ما قاله الزمخشريُّ، ونَصَّ النحاةُ على أنَّ أصلَ» دِيْوان «دِوَّان، و» قيراط «: قِرَّاط، بدليلِ الجَمْعِ على دَواوين وقَرارِيط، وكونُه شاذاً لا يَقْدَحُ؛ لأنه لم يَذْكُرْه مَقيساً عليه بل مَنَظِّراً به.
وقد ذهب مكي إلى نحوٍ مِنْ هذا فقال:» وأصل الياءِ واوٌ، ولكنْ انقلبَتْ ياءً لانكسارِ ما قبلها، وكان يَلْزَمُ مَنْ شَدَّد أَنْ يقولَ: إوَّابَهم لأنَّه مِنْ الواو، أو يقول: إيوابهم، فيُبْدِلُ مِنْ أول المشدد ياءً كما قالوا:«دِيْوان» والأصلُ: دِوَّان «انتهى.
وقيل: هو مصدرٌ لأَأْوَبَ بزنة أَكْرَم مِنْ الأَوْب، والأصلُ: إأْواب كإكْرام، فأُبْدِلَتِ الهمزةُ الثانية ل إأْواب ياءً لسكونِها بعد همزةٍ مكسورةٍ فصار اللفظُ إيواباً فاجتمعت الياءُ والواوُ على ما تقدَّم، فقُلِبَ وأُدْغِمَ، ووزنُه إفْعال، وهذا واضحٌ.
وقال ابن عطية في هذا الوجه: «سُهِّلَتِ الهمزةُ وكان الواجبُ في
الإِدغامِ بردِّها إوَّاباً، لكن اسْتُحْسِنَتْ فيه الياءُ على غير قياس» انتهى. وهذا ليس بجيدٍ لِما عَرَفْتَ أنَّه لَمَّا قُلِبَتِ الهمزةُ ياءً فالقياسُ أن يُفْعَلَ ما تقدَّم مِنْ قَلْبِ الواوِ إلى الياءِ مِنْ دونِ عكسٍ، وإنما ذَكَرْتُ هذه الأوجهَ مشروحةً لصعوبتها مع عَدَمِ مَنْ يُمْعِنُ النظرَ مِنْ المُعْرِبين في مثل هذه المواضعِ القَلِقَةِ القليلةِ الاستعمال. وقَدَّم الخبرَ في قولِه «إلينا» و «علينا» مبالغةً في التشديد والوعيدِ.