المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة الثانية والعشرون: من أهوال يوم القيامة - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ٦

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الأولى: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فضائلها، وفوائدها

- ‌الكلمة الثانية: تأملات في قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا}

- ‌الكلمة الثالثة: من مشاهد القيامة (الحشر وأهواله)

- ‌الكلمة الرابعة: من أسماء الله الحسنى (الحليم)

- ‌الكلمة الخامسة: تأملات في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}

- ‌الكلمة السادسة: صيام يوم عاشوراء

- ‌الكلمة السابعة: مكائد الشيطان

- ‌الكلمة الثامنة: تأملات في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا}

- ‌الكلمة التاسعة: الابتلاء بالمرض

- ‌الكلمة العاشرة: الشفاعة

- ‌الكلمة الحادية عشرة: تأملات في قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}

- ‌الكلمة الثانية عشرة: الكبر

- ‌الكلمة الثالثة عشرة: الجنة والنار كأنها رأي العين

- ‌الكلمة الرابعة عشرة: فوائد من قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ}

- ‌الكلمة الخامسة عشرة: قوة الإرادة

- ‌الكلمة السادسة عشرة: فضائل أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها

- ‌الكلمة السابعة عشرة: تأملات في قوله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا}

- ‌الكلمة الثامنة عشرة: من أسماء الله الحسنى (الحفيظ والحافظ)

- ‌الكلمة التاسعة عشرة: مقتطفات من سيرة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

- ‌الكلمة العشرون: فوائد من قوله تعالى {وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُون}

- ‌الكلمة الحادية والعشرون: من أحكام السفر وآدابه

- ‌الكلمة الثانية والعشرون: من أهوال يوم القيامة

- ‌الكلمة الثالثة والعشرون: تأملات في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ

- ‌الكلمة الرابعة والعشرون: فضائل الأعمال الصالحة

- ‌الكلمة الخامسة والعشرون: خطورة دور السينما

- ‌الكلمة السادسة والعشرون: فوائد من قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌الكلمة السابعة والعشرون: البكاء من خشية الله

- ‌الكلمة الثامنة والعشرون: الأخوَّة الإسلامية

- ‌الكلمة التاسعة والعشرون: فوائد من قوله تعالى {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَر * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر}

- ‌الكلمة الثلاثون: قبول العمل

- ‌الكلمة الحادية والثلاثون: بِرُّ الوالدين

- ‌الكلمة الثانية والثلاثون: تأملات في قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ

- ‌الكلمة الثالثة والثلاثون: تواضعه عليه الصلاة والسلام

- ‌الكلمة الرابعة والثلاثون: النسيان آفته، وفوائده

- ‌الكلمة الخامسة والثلاثون: تأملات في قوله تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ

- ‌الكلمة السادسة والثلاثون: عيادة المريض

- ‌الكلمة السابعة والثلاثون: الرياء

- ‌الكلمة الثامنة والثلاثون: تأملات في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}

- ‌الكلمة التاسعة والثلاثون: التناقضات في حياة بعض الناس

- ‌الكلمة الأربعون: مجالس الصحابة

- ‌الكلمة الحادية والأربعون: تفسير أواخر سورة البقرة

- ‌الكلمة الثانية والأربعون: فضائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌الكلمة الثالثة والأربعون: دروس وعبر من سيرة معاذ بن جبل رضي الله عنه

- ‌الكلمة الرابعة والأربعون: فضائل غزوة بدر

- ‌الكلمة الخامسة والأربعون: تأملات في قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُون

- ‌الكلمة السادسة والأربعون: فوائد من قوله تعالى: {إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ

- ‌الكلمة السابعة والأربعون: المعجزات والكرامات في غزوة بدر

- ‌الكلمة الثامنة والأربعون: غزوة بدر مشاهد وأحداث من أرض المعركة

- ‌الكلمة التاسعة والأربعون: غزوة بدر مشاهد وأحداث من أرض المعركة

- ‌الكلمة الخمسون: اتباع الهوى

- ‌الكلمة الواحدة والخمسون: الفقه في الدين وفضله

- ‌الكلمة الثانية والخمسون: خطر الطائفة النصيرية

- ‌الكلمة الثالثة والخمسون: التحذير من الغفلة

- ‌الكلمة الرابعة والخمسون: محظورات الإحرام

- ‌الكلمة الخامسة والخمسون: فضل العمرة وصفتها

الفصل: ‌الكلمة الثانية والعشرون: من أهوال يوم القيامة

‌الكلمة الثانية والعشرون: من أهوال يوم القيامة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:

فمن أعظم أهوال يوم القيامة اجتماع الناس في المحشر وانتظارهم فصل القضاء بينهم، وموقفهم فيه طويل، وشديد ومفزع، قال تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين (6)} [المطففين: 6].

قال ابن كثير رحمه الله: يقومون حفاة عراة غرلاً

(1)

(2)

في موقف صعب حرج ضيق ضنك على المجرم ويغشاهم من أمر الله ما تعجز القوى والحواس عنه

(3)

.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين (6)} قال: «يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ»

(4)

. وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا،

(1)

أي كما ولدتهم أمهاتهم غير مختونين.

(2)

ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

تفسير ابن كثير (14/ 281).

(4)

برقم 6531 وصحيح مسلم برقم 2862.

ص: 149

وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ»

(1)

.

ويكون عرق الناس في ذلك اليوم على قدر أعمالهم. روى مسلم في صحيحه من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ» ، قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ، قَالَ:«فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا» ، قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ

(2)

.

قال ابن أبي جمرة: فأشدهم في العرق الكفار ثم أصحاب الكبائر، ثم من بعدهم، والمسلمون منهم قليل بالنسبة إلى الكفار

(3)

.

قال ابن حجر: ومن تأمل الحالة المذكورة عرف عظم الهول فيها، وذلك أن النار تحف بأرض الموقف، وتدنى الشمس من الرؤوس قدر ميل، فكيف تكون حرارة تلك الأرض، وماذا يرويها من العرق حتى يبلغ منها سبعين ذراعاً مع أن كل واحد لا يجد إلا قدر موضع قدمه، فكيف تكون حالة هؤلاء في عرقهم مع تنوعهم فيه، إن هذا مما يبهر العقول ويدل على عظيم القدرة، ويقتضي الإيمان بأمور الآخرة أن ليس

(1)

برقم 6532؛ وصحيح مسلم برقم 2863.

(2)

صحيح مسلم برقم 2863.

(3)

فتح الباري (11/ 394 - 395) بتصرف.

ص: 150

للعقل فيها مجال، ولا يُعترض عليها بعقل ولا قياس ولا عادة، وإنما يُؤخذ بالقبول ويدخل تحت الإيمان بالغيب، ومن توقف في ذلك دل على خسرانه، وحرمانه، وفائدة الإخبار بذلك أن ينتبه السامع فيأخذ في الأسباب التي تخلصه من تلك الأهوال، ويبادر إلى التوبة من التبعات، ويلجأ إلى الكريم الوهاب في عونه على أسباب السلامة، ويتضرع إليه في سلامته من دار الهوان، وإدخاله دار الكرامة بمنه وكرمه

(1)

.

وهذا الموقف مع شدته وكرب الناس فيه فهو أيضاً موقف طويل جدًّا مقداره خمسين ألف سنة.

قال ابن كثير: وفي حديث أنهم يقومون سبعين سنة لا يتكلمون، وقيل: يقومون ثلاث مئة سنة، وقيل: يقومون أربعين ألف سنة، ويُقضى بينهم في مقدار عشرة آلاف سنة، قال تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَاّ يَتَكَلَّمُونَ إِلَاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39)} [النبأ: 38 - 39].

روى الطبراني في المعجم الكبير من حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَجْمَعُ اللهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لِمِيقَاتِ يَومٍ مَعْلُومٍ قِيَامًا أَرْبَعِينَ سَنَةً شَاخِصَةً أَبْصَارُهُم إِلَى السَّمَاءِ يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ القَضَاءِ

» الحديث

(2)

.

(1)

فتح الباري (11/ 394 - 395).

(2)

جزء من حديث (9/ 357) برقم 9763 وذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية (4/ 365 - 367) بطوله وعزاه لإسحاق بن راهويه في مسنده، وقال هذا إسناد صحيح متصل رجال ثقات، وقال ابن القيم في كتابه حادي الأرواح ص: 215، هذا حديث كبير حسن، وصححه الشيخ الألباني في الترغيب والترهيب (3/ 418) برقم 3591.

ص: 151

وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ»

(1)

.

وساق ابن أبي حاتم بسنده إلى ابن عباس في قوله تعالى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} قال: يوم القيامة، قال ابن كثير: وهذا إسناده صحيح

(2)

.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من ضيق هذا اليوم وكربته. روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ربيعة الجرشي رضي الله عنه قال: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلتُ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ وَبِمَ كَانَ يَسْتَفْتِحُ؟ قَالَتْ: كَانَ يُكَبِّرُ عَشْرًا، وَيُسَبِّحُ عَشْرًا، وَيُهَلِّلُ عَشْرًا، وَيَسْتَغْفِرُ عَشْرًا، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي» عَشْرًا، وَيَقُولُ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الضِّيقِ يَوْمَ الحِسَابِ» عَشْرًا»

(3)

.

ومن ثمرات الإيمان بهذا الموقف العظيم:

أولاً: أن المؤمن ينبغي أن يكون على استعداد للقاء ربه، وألَّا يكون في غفلة، فإن أمامه أهوالاً وأموراً عظيمة، فهناك

(1)

برقم 987.

(2)

تفسير ابن كثير (14/ 128).

(3)

(42/ 37 - 38) برقم 25102 وقال محققوه حديث حسن.

ص: 152

الموت وسكراته، والقبر وظلماته، والنفخ في الصور، والبعث بعد الموت، وعرصات يوم القيامة، والميزان، والصراط والنار، قال تعالى:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُون (1)} [الأنبياء: 1]. روى الترمذي في سننه من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ»

(1)

.

وروى الترمذي في سننه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفخِ» ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُم:«قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا»

(2)

.

ثانياً: أن الكفار وأصحاب المعاصي يُشَدَّدُ عليهم في ذلك اليوم. قال تعالى: {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [الفرقان: 26]. وتقدم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه أن مانعي الزكاة يُعَذَّبُونَ، وأن هذه البهائم تَطَؤُهُم بِأَخفَافِهَا وَأَظلَافِهَا وتنطحهم بقرونها.

ثالثاً: ومن البشائر أن أهوال الآخرة مع شدتها وكرباتها من القبر وظلماته، والنفخ في الصور، وعرصات يوم القيامة، والصراط وغيرها، أن الله بِمَنِّهِ وكرمه يخفِّفها على المؤمن. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ

(1)

برقم 2312 وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي (2/ 268) برقم 1882.

(2)

برقم 2431 وقال الترمذي هذا حديث حسن.

ص: 153

لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُون (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُون (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُون (103)} [الأنبياء: 101 - 103]. قال بعض المفسرين: الفزع الأكبر: النفخ في الصور.

وروى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ مِقْدَارَ نِصْفِ يَومٍ مِنْ خَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ، يُهَوِّنُ ذَلِكَ عَلَى المُؤمِنِينَ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلغُرُوبِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ»

(1)

.

ومن البشائر أيضًا قول الله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (24)} [الفرقان: 24]، قال ابن عباس رضي الله عنهما ترجمان القرآن: إنما هي ضحوة، فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين، ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين، وكذا قال ابن مسعود رضي الله عنه في قراءة له:{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيم (68)} ، وقال سعيد بن جبير رحمه الله: يفرغ الله من الحساب نصف النهار، فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، ثم قرأ الآية:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (24)} [الفرقان: 24]

(2)

.

رابعاً: إنه في ذلك الموقف العظيم والناس في حر شديد، وبلاء عظيم لا يطاق، يُظِلُّ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَومَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّه سَبعَةً: «إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ،

(1)

برقم 7289 وصححه الألباني في الترغيب والترهيب (3/ 417) برقم 3589.

(2)

تفسير ابن كثير (10/ 298)، وتفسير القرطبي (15/ 398).

ص: 154

وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ»

(1)

.

خامساً: إنه ينبغي للمؤمن أن يكثر من الأعمال الصالحة ويخفيها عن الناس، كان عبد الله بن المبارك يأتي إلى ماء زمزم ويقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ»

(2)

وأنا أشربه لعطش يوم القيامة، ثم شرب.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

برقم 660 وصحيح مسلم برقم 1031.

(2)

سنن ابن ماجه برقم 3062 وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (4/ 320) برقم 1123.

ص: 155