المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة السابعة والثلاثون: الرياء - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ٦

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الأولى: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فضائلها، وفوائدها

- ‌الكلمة الثانية: تأملات في قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا}

- ‌الكلمة الثالثة: من مشاهد القيامة (الحشر وأهواله)

- ‌الكلمة الرابعة: من أسماء الله الحسنى (الحليم)

- ‌الكلمة الخامسة: تأملات في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}

- ‌الكلمة السادسة: صيام يوم عاشوراء

- ‌الكلمة السابعة: مكائد الشيطان

- ‌الكلمة الثامنة: تأملات في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا}

- ‌الكلمة التاسعة: الابتلاء بالمرض

- ‌الكلمة العاشرة: الشفاعة

- ‌الكلمة الحادية عشرة: تأملات في قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}

- ‌الكلمة الثانية عشرة: الكبر

- ‌الكلمة الثالثة عشرة: الجنة والنار كأنها رأي العين

- ‌الكلمة الرابعة عشرة: فوائد من قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ}

- ‌الكلمة الخامسة عشرة: قوة الإرادة

- ‌الكلمة السادسة عشرة: فضائل أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها

- ‌الكلمة السابعة عشرة: تأملات في قوله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا}

- ‌الكلمة الثامنة عشرة: من أسماء الله الحسنى (الحفيظ والحافظ)

- ‌الكلمة التاسعة عشرة: مقتطفات من سيرة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

- ‌الكلمة العشرون: فوائد من قوله تعالى {وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُون}

- ‌الكلمة الحادية والعشرون: من أحكام السفر وآدابه

- ‌الكلمة الثانية والعشرون: من أهوال يوم القيامة

- ‌الكلمة الثالثة والعشرون: تأملات في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ

- ‌الكلمة الرابعة والعشرون: فضائل الأعمال الصالحة

- ‌الكلمة الخامسة والعشرون: خطورة دور السينما

- ‌الكلمة السادسة والعشرون: فوائد من قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌الكلمة السابعة والعشرون: البكاء من خشية الله

- ‌الكلمة الثامنة والعشرون: الأخوَّة الإسلامية

- ‌الكلمة التاسعة والعشرون: فوائد من قوله تعالى {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَر * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر}

- ‌الكلمة الثلاثون: قبول العمل

- ‌الكلمة الحادية والثلاثون: بِرُّ الوالدين

- ‌الكلمة الثانية والثلاثون: تأملات في قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ

- ‌الكلمة الثالثة والثلاثون: تواضعه عليه الصلاة والسلام

- ‌الكلمة الرابعة والثلاثون: النسيان آفته، وفوائده

- ‌الكلمة الخامسة والثلاثون: تأملات في قوله تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ

- ‌الكلمة السادسة والثلاثون: عيادة المريض

- ‌الكلمة السابعة والثلاثون: الرياء

- ‌الكلمة الثامنة والثلاثون: تأملات في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}

- ‌الكلمة التاسعة والثلاثون: التناقضات في حياة بعض الناس

- ‌الكلمة الأربعون: مجالس الصحابة

- ‌الكلمة الحادية والأربعون: تفسير أواخر سورة البقرة

- ‌الكلمة الثانية والأربعون: فضائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌الكلمة الثالثة والأربعون: دروس وعبر من سيرة معاذ بن جبل رضي الله عنه

- ‌الكلمة الرابعة والأربعون: فضائل غزوة بدر

- ‌الكلمة الخامسة والأربعون: تأملات في قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُون

- ‌الكلمة السادسة والأربعون: فوائد من قوله تعالى: {إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ

- ‌الكلمة السابعة والأربعون: المعجزات والكرامات في غزوة بدر

- ‌الكلمة الثامنة والأربعون: غزوة بدر مشاهد وأحداث من أرض المعركة

- ‌الكلمة التاسعة والأربعون: غزوة بدر مشاهد وأحداث من أرض المعركة

- ‌الكلمة الخمسون: اتباع الهوى

- ‌الكلمة الواحدة والخمسون: الفقه في الدين وفضله

- ‌الكلمة الثانية والخمسون: خطر الطائفة النصيرية

- ‌الكلمة الثالثة والخمسون: التحذير من الغفلة

- ‌الكلمة الرابعة والخمسون: محظورات الإحرام

- ‌الكلمة الخامسة والخمسون: فضل العمرة وصفتها

الفصل: ‌الكلمة السابعة والثلاثون: الرياء

‌الكلمة السابعة والثلاثون: الرياء

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:

فإن أعظم الذنوب عند الله الشرك به سبحانه، قال تعالى:{وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيق (31)} [الحج: 31].

وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّين (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُون (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُون (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُون (7)} [الماعون: 4 - 7].

قال ابن القيم رحمه الله: «وهذا الشرك بحر لا ساحل له، وقَلَّ من ينجو منه، فمن أراد بعمله غير التقرب إلى الله تعالى فقد أشرك في إرادته، ونيته، والإخلاص: أن يخلص لله في أقواله، وأفعاله، ونيته، وإرادته، فإن هذه هي الملة الحنيفية، ملة إبراهيم عليه السلام التي أمر الله بها عباده كلهم، ولا يقبل من أحدٍ غيرها، وهي حقيقة الإسلام، قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين (85)} [آل عمران: 85]. وهي ملة إبراهيم التي من رغب عنها فهو من أسفه السفهاء»

(1)

. اهـ.

(1)

الداء والدواء لابن القيم ص: 194.

ص: 237

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جندب ابن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ»

(1)

.

والرياء من الرؤية، وهو أن يحب الإنسان أن يراه الناس وهو يعمل العمل الصالح من أجل أن يمدحوه، والفرق بينه وبين السمعة، أن الرياء فيما يُرى من الأعمال التي ظاهرها لله وباطنها لغيره كالصلاة والصدقة، أما السمعة فهي لما يسمع من الأقوال التي ظاهرها لله والقصد منها لغير الله، كالقراءة، والذكر، والوعظ، وغير ذلك من الأقوال، وقصد المتكلم أن يسمع الناس كلامه فيثنوا عليه ويقولوا: هو جيد في الكلام والمحاورة، حسن الصوت في القرآن، إذ كان يُحسن صوته بالقرآن لأجل ذلك، أو بليغ في خطبته إذا كان يُحسن خطبته لأجل ذلك .. وهكذا

(2)

.

ومعنى راءى الله به، وسمَّع، قال بعض أهل العلم: إن الله يفضحه يوم القيامة، كما في مسند الإمام أحمد من حديث أبي هند الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ قَامَ مَقَامَ رِيَاءٍ وَسُمْعَةٍ، رَاءَى اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَمَّعَ»

(3)

.

والرياء يحصل إما من أجل مدح الناس وثنائهم، أو فراراً من ذمهم، كأن يُحسن صلاته حتى لا يُقال: مُسرعٌ في صلاته، أو طمعاً مما

(1)

برقم 6499 وصحيح مسلم برقم 2987.

(2)

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد للشيخ صالح الفوزان (2/ 90).

(3)

(37/ 7) برقم 22322 وقال محققوه صحيح لغيره.

ص: 238

في أيديهم، ويشهد لذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»

(1)

.

«فقوله: (شَجَاعَةً): أي ليُذكر ويشتهر بالشجاعة، ويُقاتل حمية: أي من أجل الأهل، والعشيرة، والصاحب، ويحتمل أن يفسر القتال للحمية بدفع المضرة، ويقاتل رياء: أي ليرى مكانه، فمرجع الذي قبله إلى السمعة، ومرجع هذا إلى الرياء، وكلاهما مذموم»

(2)

.

والرياء هو الشرك الخفي، روى ابن خزيمة في صحيحه من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُم وَشِركَ السَّرَائِرِ» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا شِرْكُ السَّرَائِرِ؟ قَالَ: «يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ جَاهِدًا لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ النَّاسِ إِلَيهِ، فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرَائِرِ»

(3)

.

«وَإِنَّمَا سُمِّيَ الرِّيَاءُ شِركًا خَفِيًّا؛ لأن صاحبه يظهر عمله لله، وقد قصد به غيره أو شركه فيه، وزيَّن صلاته لأجله، والنيات والمقاصد وأعمال القلوب لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى»

(4)

.

(1)

برقم 2810 وصحيح مسلم برقم 1904.

(2)

فتح الباري (6/ 28).

(3)

صحيح ابن خزيمة (2/ 67) برقم 937 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 119) برقم 31.

(4)

الدين الخالص (2/ 385).

ص: 239

والرياء شرك أصغر، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيكُمُ الشِّرْكُ الأَصغَرُ» ، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الأَصغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى يَومَ القِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعمَالِهِم: اذهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنتُم تُرَاؤُونَ فِي الدُّنيَا فَانظُرُوا هَل تَجِدُونَ عِندَهُم جَزَاءً؟ ! »

(1)

. يعني أنه يبطل أعمال المرائين، وأنه يحيلهم على الذين رَاءَوهُم في الدنيا فيقال: انظروا هل يثيبونكم، أي أولئك الذين تزينتم عندهم ورَاءَيتُمُوهُم في الدنيا، هل تجدون عندهم ثواباً؟ ! قال الشاعر:

وكُلُّ امْرِئٍ يَوْمًا سَيعْرِفُ سَعْيَهُ

إِذَا حُصِّلَتْ عِنْدَ الإِلَهِ الحَصَائِلُ

والرياء سبب لدخول النار، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ: رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ؛ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَاتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَاتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ

(1)

(39/ 39) برقم 23630 وقال محققوه حديث حسن.

ص: 240

أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ»

(1)

.

قال ابن رجب: «أول من تُسعر به النار من الموحدين العباد المراؤون بأعمالهم، وأولهم العالم، والمجاهد، والمتصدِّق للرياء؛ لأن يسير الرياء شرك، ما نظر المرائي إلى الخلق بعمله إلا لجهله بعظمة الخالق»

(2)

.

وينبغي التنبه لأمرين:

الأول: أن سرور العبد عند ثناء الناس عليه وهو لا يقصد ذلك، لا يقدح في إخلاصه، ما دام بدأه بإخلاص، وخرج منه مخلصاً، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ»

(3)

.

قال ابن رجب: «إذا عمل العمل لله خالصاً ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك ففرح بفضل الله ورحمته، واستبشر

(1)

صحيح مسلم برقم 1905.

(2)

كلمة الإخلاص ص: 39.

(3)

برقم 2642.

ص: 241

بذلك لم يضيره ذلك»

(1)

.

الثاني: أن لا يترك المؤمن العمل من أجل الناس: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ومن كان له ورد مشروع من صلاة الضحى، أو قيام ليل، أو غير ذلك، فإنه يصليه حيث كان، ولا ينبغي له أن يدع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس إذا علم الله من قلبه أنه يفعل سراً لله مع اجتهاده في سلامته من الرياء، ومفسدات الإخلاص»

(2)

.

الخلاصة:

أن الرياء مُحبط للأعمال، وسبب لمقت الله، ولعنته، وطرده، وأنه من كبائر المهلكات، ومن الشرك الأصغر الذي لا يُغفر لصاحبه إذا مات عليه، بل يعذب بقدره، قال تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]. فجدير بالمسلم أن يُشَمِّرَ عَن سَاعِدِ الجِدِّ، وأن يجاهد نفسه بإزالته، وإخلاص العمل لله في أقواله، وأفعاله، وإرادته، وأموره كلها، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِين (163)} [الأنعام: 162 - 163]

(3)

.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

جامع العلوم والحكم (1/ 83).

(2)

الفتاوى (2/ 263).

(3)

انظر كتاب أخينا الشيخ عبد الهادي وهبي: الإخلاص طريق الخلاص ص: 73 - 90.

ص: 242