الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وكل قبيلة من الأنصار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
3-
وأن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
4-
وأن المؤمنين المتقين على من بغى عليهم، أو ابتغى دسيعة «1» ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين.
5-
وأن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم.
6-
ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر.
7-
ولا ينصر كافرا على مؤمن.
8-
وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم.
9-
وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.
10-
وأن سلم المؤمنين واحدة، ولا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
11-
وأن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله.
12-
وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا، ولا يحول دونه على مؤمن.
13-
وأنه من اعتبط مؤمنا «2» قتلا عن بينة فإنه قود به، إلا أن يرضى ولي المقتول.
14-
وأن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم إلا قيام عليه.
15-
وأنه لا يحل لمؤمن أن ينصر محدثا ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
16-
وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم «3» .
أثر المعنويات في المجتمع:
بهذه الحكمة، وبهذه الحذاقة أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم قواعد مجتمع جديد، ولكن كانت هذه الظاهرة أثرا للمعاني التي كان يتمتع بها أولئك الأمجاد بفضل صحبة النبي صلى الله عليه وسلم،
(1) الدسع: الدفع كالدسر. والمعنى أي طلب دفع ظلم. لسان العرب بتصرف.
(2)
اعتبط مؤمنا قتلا: قتله بلا جناية كانت منه ولا جريرة توجب قتله. لسان العرب.
(3)
ابن هشام 1/ 502، 503.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعهدهم بالتعليم والتربية وتزكية النفوس والحث على مكارم الأخلاق، ويؤدبهم باداب الود والإخاء والمجد والشرف والعبادة والطاعة.
سأله رجل؟ أيّ الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف «1» .
قال عبد الله بن سلام: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جئت، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما قال: يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام «2» .
وكان يقول: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه «3» .
ويقول: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده «4» .
ويقول: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه «5» .
ويقول: المؤمنون كرجل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله «6» .
ويقول: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا «7» .
ويقول: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام «8» .
ويقول: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة «9» .
ويقول: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء «10» .
(1) صحيح البخاري 1/ 6، 9.
(2)
رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي. مشكاة المصابيح 1/ 168.
(3)
رواه مسلم، مشكاة المصابيح 2/ 422.
(4)
صحيح البخاري 1/ 6.
(5)
صحيح البخاري 1/ 6.
(6)
رواه مسلم، مشكاة المصابيح 2/ 422.
(7)
متفق عليه، مشكاة المصابيح 2/ 422، صحيح البخاري 2/ 890.
(8)
صحيح البخاري 2/ 896.
(9)
متفق عليه مشكاة المصابيح 2/ 422.
(10)
سنن أبي داود 2/ 335، جامع الترمذي 2/ 14.
ويقول: ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جانبه «1» .
ويقول: سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر «2» .
وكان يجعل: إماطة الأذى عن الطريق صدقة، ويعدها شعبة من شعب الإيمان «3» .
وكان يحثهم على الإنفاق، ويذكر من فضائله ما تتقاذف إليه القلوب، فكان يقول:
الصدقة تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار «4» .
ويقول: أيما مسلم كسا مسلما ثوبا على عري، كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقا مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم «5» .
ويقول: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة «6» .
وبجانب هذا كان يحث حثا شديدا على الإستعفاف عن المسألة، ويذكر فضائل الصبر والقناعة، كان يعد المسألة كدوحا أو خدوشا أو خموشا في وجه السائل «7» . اللهم إلا إذا كان مضطرا، كما كان يحدث لهم بما في العبادات من الفضائل والأجر والثواب عند الله، وكان يربطهم بالوحي النازل عليه من السماء ربطا موثقا يقرؤه عليهم، ويقرؤونه، لتكون هذه الدراسة إشعارا بما عليهم من حقوق الدعوة، وتبعات الرسالة، فضلا عن ضرورة الفهم والتدبر.
وهكذا رفع معنوياتهم ومواهبهم، وزودهم بأعلى القيم والأقدار والمثل، حتى صاروا صورة لأعلى قمة من الكمال عرفت في تاريخ البشر بعد الأنبياء.
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من كان مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم
(1) رواه البيهقي في شعب الإيمان، مشكاة المصابيح 2/ 424.
(2)
صحيح البخاري 2/ 893.
(3)
والحديث في ذلك مروي في الصحيحين، انظر مشكاة المصابيح 1/ 12، 167.
(4)
رواه أحمد والترمذي وابن ماجة، مشكاة المصابيح 1/ 14.
(5)
سنن أبي داود، وجامع الترمذي، مشكاة المصابيح 1/ 169.
(6)
صحيح البخاري 1/ 190، 2/ 890.
(7)
انظر في ذلك أبا داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي، مشكاة المصابيح 1/ 163.
فضلهم، واتبعوهم على أثرهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم «1» .
ثم إن هذا الرسول القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم كان يتمتع من الصفات المعنوية والظاهرة، ومن الكمالات والمواهب والأمجاد والفضائل ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، بما جعلته تهوى إليه الأفئدة، وتتفانى عليه النفوس، فما يتكلم بكلمة إلا ويبادر صحابته- رضي الله عنهم إلى إمتثالها، وما يأتي برشد وتوجيه إلا ويتسابقون إلى التحلي به.
بمثل هذا استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يا بني في المدينة مجتمعا جديدا، أروع وأشرف مجتمع عرفه التاريخ، وأن يضع لمشاكل هذا المجتمع حلا تتنفس له الإنسانية الصعداء، بعد أن كانت تعبت في غياهب الزمان ودياجير الظلمات.
وبمثل هذه المعنويات الشامخة تكاملت عناصر المجتمع الجديد الذي واجه كل تيارات الزمان حتى صرف وجهتها، وحول مجرى التاريخ والأيام.
(1) رواه رزين، مشكاة المصابيح 1/ 32.