الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحالة السياسية
قد ذكرنا حكام العرب، والآن آن لنا أن نذكر جملة من أحوالهم السياسية، فالأقطار الثلاثة التي كانت مجاورة للأجانب كانت حالتها السياسية في تضعضع وانحطاط لا مزيد عليه، فقد كان الناس بين سادة وعبيد، أو حكام وحكومين، فالسادة- ولا سيما الأجانب- لهم كل الغنم، والعبيد عليهم كل الغرم، وبعبارة أوضح إن الرعايا كانت بمثابة مزرعة تورد المحصولات إلى الحكومات، فتستخدمها في ملذاتها وشهواتها، ورغائبها، وجورها، وعدوانها. أما الناس فهم في عمايتهم يتخبطون، والظلم ينحط عليهم من كل جانب وما في استطاعتهم التذمر والشكوى، بل هم يسامون الخسف، والجور، والعذاب ألوانا ساكتين، فقد كان الحكم استبداديا، والحقوق ضائعة مهدورة، والقبائل المجاورة لهذه الأقطار مذبذبون تتقاذفهم الأهواء والأغراض، مرة يدخلون في أهل العراق، ومرة يدخلون في أهل الشام، وكانت أحوال القبائل داخل الجزيرة مفككة الأوصال، تغلب عليها المنازعات القبلية والاختلافات العنصرية والدينية حتى قال ناطقهم:
وما أنا إلا من غزية إن غوت
…
غويت، وإن ترشد غزية أرشد
ولم يكن لهم ملك يدعم استقلالهم، أو مرجع يرجعون إليه، ويعتمدون عليه وقت الشدائد.
وأما حكومة الحجاز، فقد كانت تنظر إليها العرب نظرة تقدير واحترام، ويرونها قادة وسدنة المركز الديني، وكانت تلك الحكومة في الحقيقة خليطا من الصدارة الدنيوية والحكومية والزعامة الدينية، حكمت بين العرب باسم الزعامة الدينية، وحكمت في الحرم وما والاه بصفتها حكومة تشرف على مصالح الوافدين إلى البيت، وتنفذ حكم شريعة إبراهيم، وكانت لها من الدوائر والتشكيلات ما يشابه دوائر البرلمان- كما أسلفنا- ولكن هذه الحكومة كانت ضعيفة لا تقدر على حمل العبء كما وضح يوم غزو الأحباش.
ديانات العرب
كان معظم العرب اتبعوا دعوة إسماعيل- عليه السلام حين دعاهم إلى دين أبيه إبراهيم- عليه السلام فكانت تعبد الله وتوحده وتدين بدينه، حتى طال عليهم الأمد ونسوا حظا مما ذكروا به، إلا أنهم بقي فيهم التوحيد وعدة شعائر من دين إبراهيم، حتى جاء عمرو بن لحي رئيس خزاعة، وكان قد نشأ على أمر عظيم من المعروف والصدقة والحرص على أمور الدين، فأحبه الناس، ودانوا له ظنا منهم أنه من أكابر العلماء وأفاضل الأولياء، ثم إنه سافر إلى الشام، فرآهم يعبدون الأوثان، فاستحسن ذلك وظنه حقا، لأن الشام محل الرسل والكتب، فقدم معه بهبل وجعله في جوف الكعبة، ودعا أهل مكة إلى الشرك بالله، فأجابوه. ثم لم يلبث أهل الحجاز أن تبعوا أهل مكة، لأنهم ولاة البيت وأهل الحرم «1» .
ومن أقدم أصنامهم مناة، كانت بالمشلل على ساحل البحر الأحمر بالقرب من قديد، ثم اتخذوا اللات في الطائف، ثم اتخذوا العزى بوادي نخلة، هذه الثلاث أكبر أوثانهم «2» ، ثم كثر الشرك، وكثرت الأوثان في كل بقعة من الحجاز، ويذكر أن عمرو بن لحي كان له رئى من الجن، فأخبره بأن أصنام قوم نوح- ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا- مدفونة بجدة فأتاها فاستثارها، ثم أوردها إلى تهامة، فلما جاء الحج دفعها إلى القبائل، فذهبت بها إلى أوطانها، حتى صار لكل قبيلة ثم في كل بيت صنم. وقد ملأوا المسجد الحرام بالأصنام، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وجد حول البيت ثلاثمائة وستين صنما، فجعل يطعنها حتى تساقطت، ثم أمر بها فأخرجت من المسجد وحرقت «3» .
وهكذا صار الشرك وعبادة الأصنام أكبر مظهر من مظاهر دين أهل الجاهلية، الذين كانوا يزعمون أنهم على دين إبراهيم.
(1) مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 12.
(2)
صحيح البخاري 1/ 222.
(3)
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 13، 50، 51، 52، 54.