الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صور من المجتمع العربي الجاهلي
بعد البحث عن سياسة الجزيرة وأديانها؛ بقي لنا أن نتكلم حول الأحوال الإجتماعية والإقتصادية، والخلقية، وفيما يلي بيانها بإيجاز:
الحالة الإجتماعية
كانت في العرب أوساط متنوعة، تختلف أحوال بعضها عن بعض، فكانت علاقة الرجل مع أهله في الأشراف على درجة كبيرة من الرقي والتقدم، وكان لها من حرية الإرادة ونفاذ القول القسط الأوفر، وكانت محترمة مصونة تسل دونها السيوف، وتراق الدماء، وكان الرجل إذا أراد أن يمتدح بما له في نظر العرب المقام السامي من الكرم والشجاعة لم يكن يخاطب في أكثر أوقاته إلا المرأة، وربما كانت المرأة إذا شاءت جمعت القبائل للسلام، وإن شاءت أشعلت بينهم نار الحرب والقتال، ومع هذا كله فقد كان الرجل يعتبر بلا نزاع رئيس الأسرة، وصاحب الكلمة فيها، وكان ارتباط الرجل بالمرأة بعقد الزواج تحت إشراف أوليائها ولم يكن من حقها أن تفتات عليهم.
بينما هذه حال الأشراف، كان هناك في الأوساط الآخرى أنواع من الإختلاط بين الرجل والمرأة، لا نستطيع أن نعبر عنه إلا بالدعارة والمجون والسفاح والفاحشة، روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فكان منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح يسمى نكاح الإستبضاع، ونكاح آخر: يجتمع الرهط دون العشرة. فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها. فإذا حملت، ووضعت ومرت ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت، وهو ابنك يا فلان، فتسمي من أحبت منهم باسمه فيلحق به ولدها ونكاح رابع:
يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها. وهن البغايا، كنّ ينصبن على أبوابهن رايات، تكن علما لمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت فوضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطه ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم هدم نكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح الإسلام اليوم «1» .
وكانت عندهم اجتماعات بين الرجل والمرأة تعقدها شفار السيوف، وأسنة الرماح، فكان المتغلب في حروب القبائل يسبي نساء المقهور فيستحلها، ولكن الأولاد الذين تكون هذه أمهم يلحقهم العار مدة حياتهم.
وكان من المعروف في أهل الجاهلية أنهم كانوا يعددون بين الزوجات من غير حد معروف ينتهي إليه، وكانوا يجمعون بين الأختين، وكانوا يتزوجون بزوجة آبائهم إذا طلقوها أو ماتوا عنها [سورة النساء: 22، 23] وكان الطلاق بين الرجال لا إلى حد معين «2» .
وكانت فاحشة الزنا سائدة في جميع الأوساط، لا نستطيع أن نخص منها وسطا دون وسط أو صنفا دون صنف، إلا أفرادا من الرجال والنساء ممن كان تعاظم نفوسهم يأبى الوقوع في هذه الرذيلة، وكانت الحرائر أحسن حالا من الإماء والطامة الكبرى هي الإماء، ويبدو أن الأغلبية الساحقة من أهل الجاهلية لم تكن تحس بعار في الإنتساب إلى هذه الفاحشة، روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قام رجل فقال:
يا رسول الله إن فلانا ابني، عاهرت بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية. الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، وقصة اختصام سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ابن أمة زمعة- وهو عبد الرحمن بن زمعة- معروفة «3» .
وكانت علاقة الرجل مع أولاده على أنواع شتى فمنهم من يقول:
إنما أولادنا بيننا
…
أكبادنا تمشي على الأرض
(1) أبو داود، كتاب النكاح، باب وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية.
(2)
نفس المصدر باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث. وهذا الذي ذكره المفسرون في سبب نزول قوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ.
(3)
أبو داود باب الولد للفراش.