الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس، حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مغشى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه، فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متّها.
ثم خرج أبو بكر وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر. فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد، من كان منكم يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله، فإن الله حي لا يموت. قال الله: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ، قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144] قال ابن عباس: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها.
قال ابن المسيب: قال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعفرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد مات» .
التجهيز وتوديع الجسد الشريف إلى الأرض
ووقع الخلاف في أمر الخلافة قبل أن يقوموا بتجهيزه صلى الله عليه وسلم، فجرت مناقشات ومجادلات وحوار وردود بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة، وأخيرا اتفقوا على خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ومضى في ذلك بقية يوم الإثنين حتى دخل الليل، وشغل الناس عن جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان آخر الليل- ليلة الثلاثاء- مع الصبح، وبقي جسده المبارك على فراشه، مغشى بثوب حبرة، قد أغلق دونه الباب أهله.
ويوم الثلاثاء غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن يجردوه من ثيابه، وكان القائمون بالغسل العباس وعليا، والفضل وقثم ابني العباس، وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسامة بن زيد، وأوس بن خولي. فكان العباس والفضل وقثم يقلبونه، وأسامة وشقران يصبان الماء، وعلي يغسله، وأوس أسنده إلى صدره.
ثم كفنوه في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة «2» .
أدرجوه فيها إدراجا.
(1) صحيح البخاري 2/ 640، 641.
(2)
متفق عليه، صحيح البخاري 1/ 169، صحيح مسلم 1/ 306.
واختلفوا في موضع دفنه، فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما قبض نبيّ إلا دفن حيث يقبض، فرفع أبو طلحة فراشه الذي توفي عليه، فحفر تحته، وجعل القبر لحدا.
ودخل الناس الحجرة أرسالا عشرة فعشرة، يصلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يؤمهم أحد، وصلى عليه أولا أهل عشيرته، ثم المهاجرون، ثم الأنصار، وصلت عليه النساء بعد الرجال، ثم صلى عليه الصبيان.
ومضى في ذلك يوم الثلاثاء كاملا، حتى دخلت ليلة الأربعاء، قالت عائشة: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل من ليلة الأربعاء «1» .
(1) مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص 471، وانظر لتفصيل لحوقة بالرفيق الأعلى: صحيح البخاري، باب مرض النبيّ صلى الله عليه وسلم وعدة أبواب بعده مع فتح الباري وصحيح مسلم ومشكاة المصابيح باب وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم وابن هشام 2/ 649 إلى 665 وتلقيح فهوم أهل الأثر ص 38، 39 ورحمة للعالمين 1/ 277 إلى 286 وتعيين عامة الأوقات من المصدر الأخير.