الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصفات والأخلاق
كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز من كمال خلقه وكمل خلقه بما لا يحيط بوصفه البيان، وكان من أثره أن القلوب فاضت بإجلاله، والرجال تفانوا في حياطته وإكباره، بما لا تعرف الدنيا لرجل غيره، فالذين عاشروه وأحبوه إلى حد الهيام، ولم يبالوا أن تندق أعناقهم ولا يخدش له ظفر، وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته من الكمال الذي يعشق عادة لم يرزق بمثلها بشر- وفيما يلي نورد ملخص الروايات في بيان جماله وكماله مع اعتراف العجز عن الإحاطة.
جمال الخلق
قالت أم معبد الخزاعية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصفه لزوجها، حين مر بخيمتها مهاجرا-: ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه تجله، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فضل، لا نزر، ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظمن يتحدرن، ربعة، لا تقحمه عين من قصر ولا تشنؤه من طول، غصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند «1» .
وقال علي بن أبي طالب- وهو ينعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يكن بالطويل الممّغط، ولا القصير المتردد، وكان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسّبط، وكان جعدا
(1) زاد المعاد 2/ 54. الثجلة: ضخامة البدن. الصعلة: صغر الرأس. وسيم قسيم: حسن جميل. الدعج: سواد العين. وفي أشفاره وطف: في شعر أجفانه طول. صحل. بحة وخشونة. سطع: طول. أزج: الحاجب الرقيق في الطول. لا نزر ولا هذر: أي وسط لا قليل ولا كثير. محفود: الذي يخدمه أصحابه ويعظمونه ويسرعون في طاعته. المحشود: الذي يجتمع إليه الناس. ولا مفند: لا يفند أحدا أي يهجنه ويستقل عقله بل جميل المعاشرة حسن الصحبة، صاحبه كريم عليه.
رجلا، ولم يكن بالمطهّم ولا بالمكلثم، وكان في الوجه تدوير، وكان أبيض مشربا، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، دقيق المسربة، أجرد، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلّع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس كفا، وأجرأ الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم «1» .
وفي رواية عنه: أنه كان ضخم الرأس، ضخم الكراديس، طويل المسربة، إذا مشى تكفأ تكفيا كأنما ينحط من صبب «2» .
وقال جابر بن سمرة: كان ضليع الفم، أشكل العين، منهوس العقبين «3» .
وقال أبو الطفيل: كان أبيض، مليح الوجه، مقصدا «4» .
وقال أنس بن مالك: كان بسط الكفين. وقال: كان أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق، ولا آدم، قبض وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء «5» .
وقال: إنما كان شيء- أي من الشيب- في صدغيه. وفي رواية: وفي الرأس نبد «6» .
وقال أبو جحيفة: رأيت بياضا تحت شفته السفلى: العنفقة «7» .
(1) ابن هشام 1/ 401، 402، وجامع الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 303. والممغّط: المتناهي في الطول. الجعد: ملتوي ومنقبض الشعر. القطط: شديد الجعودة. السبط: المسترسل. المطهم: منتفخ الوجه وقيل الفاحش المسن، وقيل النحيف الجسم. المكلثم: هو اجتماع لحم الوجه بلا جهومة. أهدب الأشفار: طويل شعر الأجفان. جليل المشاش: أي عظمي رؤوس العظام كالمفرقين والكتفين والركبتين. الكتد: مجتمع الكتفين وهو الكاهل. أجرد: هو الذي ليس على بدنه شعر. المسربة: الشعر الدقيق الذي هو كأنه قضيب من الصدر إلى السرة. الشّثن: الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين. البديهة: المفاجأة.
(2)
نفس المصدر الأخير. الكراديس: رؤوس العظام وقيل: هي ملتقى كل عظمين ضخمين كالركبتين والمرفقين والمنكبين أراد أنه ضخم الأعضاء.
(3)
صحيح مسلم 2/ 258 ضليع الفم: عظيم الفم. أشكل العين: طويل العين. منهوس العقب: قليل اللحم.
(4)
نفس المصدر. مقصدا: هو الذي ليس بجسيم ولا نحيف ولا طويل ولا قصير..
(5)
صحيح البخاري 1/ 502. أزهر اللون: أبيض مشرب بحمرة. الأبيض الأمهق: شديد البياض كلون الجص. الآدم: الأسمر والمعنى: ليس بأسمر ولا بأبيض كريه البياض بل أبيض بياضا نيرا مشربا.
(6)
نفس المصدر، وصحيح مسلم 2/ 259، والنبذ: بضم النون وفتح الباء أو بفتح النون وتسكين الباء ومعناها: شعرات متفرقة.
(7)
صحيح البخاري 1/ 501، 502.
وقال عبد الله بن بسر: كان في عنفقته شعرات بيض «1» .
وقال البراء: كان مربوعا بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه «2» .
وكان يسدل شعره أولا لحبه موافقه أهل الكتاب، ثم فرق رأسه بعد «3» .
قال البراء: كان أحسن الناس وجها، وأحسنهم خلقا «4» .
وسئل أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا، بل مثل القمر. وفي رواية: كان وجهه مستديرا «5» .
وقالت الربيع بنت معوذ: لو رأيته رأيت الشمس طالعة «6» .
وقال جابر بن سمرة: رأيته في ليلة إضحيان، فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القمر- وعليه حلة حمراء- فإذا هو أحسن عندي من القمر «7» .
وقال أبو هريرة: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنما الأرض تطوى له، وإنا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث «8» .
وقال كعب بن مالك: كان إذا سر استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر «9» .
وعرق مرة وهو عند عائشة، فجعلت تبرك أسارير وجهه، فتمثلت له بقول أبي كبير الهذلي:
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه
…
برقت كبرق العارض المتهلل «10»
(1) نفس المصدر 1/ 502.
(2)
نفس المصدر.
(3)
صحيح البخاري 1/ 503.
(4)
نفس المصدر 1/ 502، صحيح مسلم 2/ 258.
(5)
صحيح البخاري 1/ 502، وصحيح مسلم 2/ 259.
(6)
رواه الدارمي
…
مشكاة المصابيح 2/ 517.
(7)
رواه الترمذي في الشمائل ص 2، والدارمي
…
مشكاة المصابيح 2/ 518.
(8)
جامع الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 306، مشكاة المصابيح 2/ 518.
(9)
صحيح البخاري 1/ 502.
(10)
رحمة للعالمين 2/ 172.
وكان أبو بكر إذا رآه يقول:
أمين مصطفى بالخير يدعو
…
كضوء البدر زايله الظلام «1»
وكان عمر ينشد قول زهير في هرم بن سنان:
لو كنت من شيء سوى البشر
…
كنت المضيء ليلة البدر
ثم يقل كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «2» .
وكان إذا غضب أحمر وجهه، حتى كأنما فقئ في وجنته حب الرمان «3» .
وقال جابر بن سمرة: كان في ساقيه حموشة، وكان لا يضحك إلا تبسما، وكنت إذا نظرت إليه قلت: أكحل العينين، وليس بأكحل «4» .
قال ابن العباس: كان أفلج الثنيتين، إذا تكلم رؤي كالنور يخرج من بين ثناياه «5» .
وأما عنقه فكأنه جيد دمية في صفاء الفضة، وكان في أشفاره غطف، وفي لحيته كثافة، وكان واسع الجبين، أزج الحواجب في غير قرن بينهما، أقنى العرنين، سهل الخدين، من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، أشعر الذراعين والمنكبين، سواء البطن والصدر، مسيح الصدر عريضه، طويل الزند، رحب الراحة، سبط القصب، خمصان الأخمصين، سائل الأطراف، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا ويمشي هونا «6» .
وقال أنس: ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا شمت ريحا قط
(1) خلاصة السير ص 20.
(2)
خلاصة السير ص 20.
(3)
مشكاة المصابيح 1/ 22، ورواه الترمذي في أبواب القدر: باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدر 2/ 53.
(4)
جامع الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/ 306. والحموشة: أي دقة ولطافة متناسبة لسائر أعضائه.
(5)
رواه الدارمي
…
مشكاة المصابيح 2/ 518. الأفلج: الذي بين أسنانه تباعد. والثنايا: أسنان مقدمة الفم.
(6)
خلاصة السير ص 19، 20. الجيد: العنق. الدمية: الصورة المصورة. الأقنى: الذي ارتفع أعلى أنفه واحدودب وسطه وضاق منخراه. والعرنين: الأنف وما صلب منه. سبط القصب: الممتد الذي ليس فيه تعقد ولا نتوء، والقصب يريد بها ساعديه وساقيه. الأخمص من القدم: الموضع الذي لا يلصق بالأرض