المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الأربعون الودعانية (1) قال الحافظ جمال الدين المزي رحمه الله تعالى: الحمد - الزيادات على الموضوعات - جـ ٢

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌ ‌الأربعون الودعانية (1) قال الحافظ جمال الدين المزي رحمه الله تعالى: الحمد

‌الأربعون الودعانية

(1)

قال الحافظ جمال الدين المزي رحمه الله تعالى:

الحمد لله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، أمّا بعد: فقد سألني بعض الإخوان الواجب حقُّهم أن أذكر له بعض ما عندي مِن علم الأحاديث الأربعين المنسوبة إلى القاضي أبي نصر بن ودعان الموصلي، فقلتُ -وبالله التوفيق-:

إنّ هذه الأحاديث لا يصحُّ منها حديثٌ واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النسق بهذه الأسانيد المذكورة فيها، وإنّما يصحُّ منها ألفاظ يسيرة بأسانيد معروفة يُحتاج في تمييزها إلى نوعٍ من التتبُّع والتفرُّغ لذلك. وقد اشتهرت هذه الأربعون عن ابن ودعان، وهي مسروقة سرقها ابن ودعان مِن الذي وضعها أولًا، وهو زيد بن رفاعة الهاشمي، ويقال إنّه الذي وضع رسائل إخوان الصفا (2)، وكان مِن أجهل خلقِ الله تعالى بعلم الحديث وأقلِّهم حياءً وأجرئهم على الكذب، فإنّه وضع عامّتها على أسانيد صحاح مشهورة بين أهل الحديث، يعرفها الخاصُّ منهم والعام، فكان ذلك أبلغ في هتك ستره وبيان عواره (3). ثمّ سرقها منه ابن ودعان فركّب لها أسانيد بينه وبين المشايخ الذين زعم الهاشمي أنّه روى عنهم، فتارة يروي عن رجل عن الشيخ الذي روى (4)

(1) نُشرت بعنوان (الأربعون الودعانية الموضوعة) بتحقيق الشيخ علي حسن عبد الحميد، ط المكتب الإسلامي ودار عمار 1407 هـ.

وتُعرف عند الزيدية بـ (الأربعين السيلقية)؛ قال الشوكاني في ترجمة المؤيد بالله يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم: (ومن مصنفاته: "الأنوار المضية شرح الأحاديث النبوية على السيلقية" مجلدان، والسيلقية هي المعروفة عند المحدثين بالودعانية) البدر الطالع ص 850.

(2)

انظر الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي (2/ 4 - 5).

(3)

قال الخطيب: (زيد بن رفاعة أبو الخير

كان كذابًا) تاريخ بغداد (9/ 459 - 460) رقم 4517. وقال الذهبي: (معروفٌ بوضع الحديث، على فلسفةٍ فيه

له أربعون موضوعة سرقها ابن ودعان) ميزان الاعتدال (2/ 103) رقم 3005. وذكره أيضًا في (2/ 104، 53) رقم 2787، 3016.

(4)

في (د) و (ف) و (م): (يروي).

ص: 789

عنه الهاشمي، وتارة يروي عن رجل عن آخر عن الشيخ الذي روى عنه الهاشمي، وعامّتُهم مجهولون لا يُعرفون، وفيهم مَن يُشكُّ في وجوده، وفي بعض ذلك ما يبيّن فضيحةَ مفتعله وكذب مؤتفكه، وإنْ كان الكلامُ الذي فيها (كلامًا)(1) حسنًا ومواعظها مواعظ بليغة، فليس لأحدٍ أن ينسب حرفًا يستحسنه مِن الكلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإنْ كان ذلك الكلام في نفسه حقًا، فإنّ كلَّ ما قاله الرسولُ فهو حقّ (2)، وليس كلُّ ما هو حقّ قاله الرسول. فليُتأمّل هذا الموضع فإنّه مزلَّة أقدام ومضلَّة أفهام، وقد نبَّه الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله في الحديث الصحيح:(إنّ كذبًا عليَّ ليس ككذبٍ على أحد، فمن كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوّأ مقعده من النار)(3).

جعلنا اللهُ مِن القائلين بالحق المتمسِّكين بالصدق، وأحيانا على ذلك وأماتنا عليه بفضله وكرمه؛ إنّه أرحم الراحمين، انتهى. (4)

(1) ما بين قوسين ليس في (د) و (ف) و (م).

(2)

في اللسان: (حسن).

(3)

رواه البخاري في صحيحه (3/ 205) ح 1291، ومسلم في مقدمة صحيحه (1/ 10) ح 4 من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

(4)

أورده الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (7/ 383 - 384)[ترجمة محمد بن علي بن ودعان]، و (3/ 554) رقم 3297 [ترجمة زيد بن رفاعة الهاشمي] ملخّصًا.

وقال ابن عساكر في معجم شيوخه (2/ 1052) بعد أن روى حديثًا: (وهذا الحديث مِن جملة الأربعين حديثًا التي وضعها أبو الخير زيد بن رفاعة الهاشمي، وسرقها منه ابن ودعان، وهي مستفيضة عند العوام، وليس فيها حديث صحيح، نعوذ بالله مِن خذلانه).

وقال الذهبي في الميزان (3/ 657 - 658) رقم 7983: (محمد بن علي بن ودعان القاضي أبو نصر الموصلي، صاحب تلك الأربعين الودعانية الموضوعة، ذمّه أبو طاهر السِّلفي وأدركه وسمع منه وقال: هالك متَّهم بالكذب. قلتُ: توفي سنة أربع وتسعين وأربعمائة في المحرم بالموصل

قال السِّلفي: تبيّن لي حين تصفَّحتُ الأربعين له تخليطٌ عظيم يدلُّ على كذبه وتركيبه الأسانيد

وقال ابن ناصر: رأيتُه ولم أسمع منه لأنّه كان متَّهما بالكذب، وكتابه في الأربعين سرقه من عمِّه أبي الفتح، وقيل سرقه مِن زيد بن رفاعة وحذف منه الخطبة، وركَّب على كل حديث منه رجلًا أو رجلين إلى شيخ ابن رفاعة. وابنُ رفاعة وضعها أيضًا، ولفّق كلماتٍ من رقائق من كلمات الحكماء، ومن قول لقمان، وطوّل الأحاديث). ونحوه في المنتظم لابن الجوزي (17/ 71).

ص: 790