الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَكَّة وَالْمَدينَة عَنْهَا إقطاعات. بِمصْر وَالشَّام. وَأحسن إِلَى أهل الْحَرَمَيْنِ وَأكْثر من الصَّدقَات.
(وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث ذِي الْحجَّة)
ظهر بعد الظّهْر الْقَمَر فِي السَّمَاء مُقَارنًا لكوكب وَأَقَامَا ظَاهِرين إِلَى بعد الْعَصْر. وَفِيه مهد السُّلْطَان مَا كَانَ فِي عقبَة أَيْلَة من الصخور ووسع طريقها حَتَّى أمكن سلوكها بِغَيْر مشقة. وَفِيه اتّفقت موعظة: وَهِي أَن السُّلْطَان بَالغ فِي تواضعه. بِمَكَّة فَلَمَّا أخرجت الْكسْوَة لتعمل على الْبَيْت صعد كريم الدّين الْكَبِير إِلَى أعلا الْكَعْبَة بَعْدَمَا صلى بجوفها ثمَّ جلس على العتبة ينظر إِلَى الخياطين فَأنْكر النَّاس استعلاءه على الطَّائِفَتَيْنِ فَبعث الله عَلَيْهِ نعاساً سقط مِنْهُ على أم رَأسه من علو الْبَيْت فَلَو لم يتداركوه من تَحْتَهُ لهلك. وصرخ النَّاس فِي الطّواف تَعَجبا من ظُهُور قدرَة الله فِي إذلال المتكبرين وَانْقطع ظفر كريم الدّين وَعلم بِذَنبِهِ فَتصدق بِمَال جزيل. وَفِي هَذِه السّنة: حشد الفرنج وَأَقْبلُوا يُرِيدُونَ استئصال الْمُسلمين من الأندلس فِي عدد لَا يُحْصى فِيهِ خَمْسَة وَعِشْرُونَ ملكا فقلق الْمُسلمُونَ بغرناطة واستنجدوا بالمريني ملك فاس فَلم ينجدهم فلجوا إِلَى الله وحاربوهم وهم نَحْو ألف وَخَمْسمِائة فَارس وَأَرْبَعَة أُلَّاف راجل فَقتلُوا الفرنج بأجمعهم. وَأَقل مَا قيل أَنه قتل مِنْهُم خَمْسُونَ ألفا وَأكْثر مَا قيل ثَمَانُون ألفا وَلم يقتل من الْمُسلمين سوى ثَلَاثَة عشر فَارِسًا وغنم الْمُسلمُونَ مَا لَا يدْخل تَحت حصر وسلخ الْملك دون بتروا وَحشِي قطناً وعلق على بَاب غرناطة فَطلب الفرنج الْهُدْنَة فعقدت وَبَقِي دون بتروا مُعَلّقا عدَّة سِنِين. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْأَمِير سيف الدّين كراي المنصوري فِي سادس عشر الْمحرم بسجن القلعة وَكَانَ مقدما قَلِيل السياسة. وَمَات الْأَمِير شُجَاع الدّين أغرلوا العادلي أحد مماليك الْعَادِل كتبغا بِدِمَشْق سلخ جُمَادَى الأولى وَكَانَ شجاعاً كَرِيمًا.
وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين طيبرس الخزنداري نقيب الْجَيْش وَأحد أُمَرَاء الطبلخاناه فِي عشري ربيع الآخر وَدفن بمدرسته الْمُجَاورَة للجامع الْأَزْهَر وَكَانَ قد أَقَامَ فِي نقابة الْجَيْش نَحْو أَربع وَعشْرين سنة لم يقبل فِيهَا لأحد هَدِيَّة وَكَانَ دينا صَاحب مَال كَبِير وَهُوَ أول من عمر فِي أَرض مصر بُسْتَان الخشاب وَالْجَامِع والخانكاه على النّيل وَبنى الْمدرسَة الْمُجَاورَة للجامع الْأَزْهَر وَعمل لذَلِك أوقافاً كَثِيرَة وَلما كملت وجاءه مباشروه بِحِسَاب مصروفها لم ينظر فِيهِ وغسله بِالْمَاءِ وَقَالَ: شَيْء خرحنا عَنهُ الله لَا نحاسسب عَلَيْهِ. وَمَات الْأَمِير ملكتمر السُّلَيْمَانِي الجمدار فَجْأَة. وَمَات الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح نصر بن سُلَيْمَان بن عمر المنبجي لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة ومولده فِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ مُعْتَقدًا عَارِفًا بالقراءات مُحدثا فَقِيها حنفياً وَأقَام عدَّة سِنِين لَا يَأْكُل اللَّحْم وَحصل لَهُ حَظّ وافر فِي الدولة المظفرية بيبرس. وَمَات القَاضِي فَخر الدّين أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن عَليّ بن يحيى بن هبة الله الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي عرف بإبن بنت أبي سعد فِي لَيْلَة الرَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة ومولده فِي حادي عشري رَجَب سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة بداريا ظَاهر دمشق وَاسْتقر عوضه فِي تدريس الْجَامِع الطولوني عز الدّين عبد الْعَزِيز ابْن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة. وَمَات الْملك الْمُعظم شرف الدّين عِيسَى ابْن الْملك الزَّاهِر مجير الدّين دَاوُد ابْن الْمُجَاهِد أَسد الدّين شيركوه ابْن القاهر مُحَمَّد ابْن الْمَنْصُور أَسد الدّين شيركوه بن شادي بِالْقَاهِرَةِ فِي ثَانِي ذِي الْقعدَة وَقد حضر من دمشق فِي طلب إمرة فأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه بِدِمَشْق فَمَاتَ قبل عوده إِلَيْهَا. ومولده بِدِمَشْق فِي سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة. وَمَات بِدِمَشْق شهَاب الدّين أَحْمد بن صَلَاح الدّين مُحَمَّد ابْن الْملك الأمجد مجد الدّين حسن ابْن النَّاصِر دَاوُد ابْن الْمُعظم عِيسَى ابْن الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب فِي رَجَب يَوْم الْإِثْنَيْنِ لست بَقينَ مِنْهُ. وَمَات الصَّدْر بدر الدّين مُحَمَّد بن نَاصِر الدّين مَنْصُور بن الْجَوْهَرِي الْحلَبِي بِدِمَشْق
فِي سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة ومولده بحلب فِي ثَالِث عشر صفر سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وستمائه وَكَانَ من رُؤَسَاء الدولة العادلية كتبغا وَعرضت عَلَيْهِ وزارة دمشق فَأبى.
فارغة
سنة عشْرين وَسَبْعمائة فِيهَا عَاد السُّلْطَان من الْحجاز بَعْدَمَا من بخليص وَقد جرى المَاء إِلَيْهَا. وَكَانَ قد ذكر لَهُ وَهُوَ بِمَكَّة أَن الْعَادة كَانَت جَارِيَة بِحمْل مَال إِلَى خليص ليجري المَاء من عين بهَا إِلَى بركَة يردهَا الْحَاج وَقد انْقَطع ذَلِك مُنْذُ سِنِين وَصَارَ الْحَاج يجد شدَّة من قلَّة المَاء بخليص فرسم بمبلغ خَمْسَة أُلَّاف دِرْهَم لإجراء المَاء من الْعين إِلَى الْبركَة وَجعلهَا مقررة فِي كل سنة لصَاحب خليص. فَأجرى صَاحب خليص المَاء قبل وُصُول السُّلْطَان إِلَيْهَا وَاسْتمرّ حمل المَال إِلَيْهِ فِي كل سنة وَوجد المَاء فِي الْبركَة دَائِما. ولقى السُّلْطَان فِي هَذِه السفرة جَمِيع العربان: من بني مهْدي وأمرائها وشطى وأخيه عساف وَأَوْلَاده وأشراف مَكَّة من الْأُمَرَاء وَغَيرهم وأشراف الْمَدِينَة والينبع وخليص وَبني لَام وعربان حوران وَأَوْلَاد مهنا مُوسَى وَسليمَان وفياض وَأحمد وجبار بعربهم وَلم يتَّفق اجْتِمَاع هَؤُلَاءِ لملك قبله. وَأَكْثرُوا من الدَّالَّة على السُّلْطَان وجروا على عوائدهم الْعَرَبيَّة من غير مُرَاعَاة الْآدَاب الملوكية وَهُوَ يَحْتَمِلهُمْ بِحَيْثُ أَن مُوسَى بن مهنا كَانَ ولد صَغِير فَقَامَ فِي بعض الْأَيَّام وَمد يَده إِلَى لحية السُّلْطَان وَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَليّ بحياة هذي ومسك مِنْهَا شَعرَات إِلَّا مَا أعطتني الضَّيْعَة الْفُلَانِيَّة إنعاماً عَليّ. فَصَرَخَ فِيهِ الْفَخر نَاظر الْجَيْش وَقَالَ لَهُ: شل يدك قطع يدك والك تمد يدك إِلَى السُّلْطَان فَتَبَسَّمَ لَهُ السُّلْطَان وَقَالَ: يَا قَاضِي هَذِه عَادَة الْعَرَب إِذا قصدُوا كَبِيرا فِي شَيْء فَيكون عَظمته عِنْدهم مسك لحيته يُرِيدُونَ أَنهم قد استجاروا بذلك الشَّيْء فَهُوَ سنة عِنْدهم. فَغَضب الْفَخر وَقَامَ وَهُوَ يَقُول: وَا لله إِن هَؤُلَاءِ مناحيس وسنتهم أنحس.
وفيهَا قدم الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أرغون النَّائِب مبشراً إِلَى الْقَاهِرَة وَمَعَهُ الْأَمِير قطلوبغا المغربي. وَقدم الْأَمِير بدر الدّين بدرجك إِلَى دمشق مبشراً. وَقدم السُّلْطَان فِي يَوْم السبت ثَانِي عشر الْمحرم فَخرج الْأُمَرَاء إِلَى لِقَائِه ببركة الْحَاج وَركب بعد انْقِضَاء أَمر السماط فِي موكب جليل وَقد خرج سَائِر النَّاس لرُؤْيَته وَسَار إِلَى القلعة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وزينت الْقَاهِرَة ومصر زِينَة عَظِيمَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره: جلس السُّلْطَان وخلع على سَائِر الْأُمَرَاء والقضاة وأرباب الدولة وعَلى الْأَمِير شطي بن عبِّيَّة وَحسن بن دريني وألبس كريم الدّين الْكَبِير أطلسين وَلم يتَّفق ذَلِك لمتعمم قبله. وَفِيه بعث السُّلْطَان بالجمال والزاد لتلقي المنقطعين من الْحَاج فتواصل قدوم الْحَاج إِلَى أَن وصل الْمحمل يَوْم الْأَحَد سَابِع عشريه وصحبته قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين وَغَيره فاتفق فِيهِ مطر عَظِيم وَفِيه خلع على الْملك الْمُؤَيد عماد الدّين إِسْمَاعِيل صَاحب حماة وَركب بشعار السلطنة من الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين وَحمل وَرَاءه الْأَمِير قجليس السِّلَاح والأمير ألجاي الدواة ورتب مَعَه الْأَمِير بيبرس الأحمدي أَمِير جندار وأمير طبر وَسَار بالغاشية والعصائب وَسَائِر دست السلطنة وهم بِالْخلْعِ مَعَه إِلَى أَن صعد القلعة فَكَانَت عدَّة التشاريف مائَة وَثَلَاثِينَ تَشْرِيفًا: فِيهَا ثَلَاثَة عشر أطلس والبقية كنجي وَعمل الدَّار وطرد وَحش. وَجلسَ صَاحب حماة رَأس الميمنة ولقبه السُّلْطَان بِالْملكِ الْمُؤَيد وسافر من يَوْمه بَعْدَمَا جهزه السُّلْطَان بِسَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر صفر: أفرج عَن الْأَمِير علم الدّين سنجر البروانى والأمير عَلَاء الدّين أيتغلي الشيخى وصارم الدّين العينتابي وَعز الدّين أيدمر الشيخي وعلاء الدّين مغلطاي السيواسي والحاج بدر الدّين بيليك وشمس الدّين سنقر الكمالي الصَّغِير وَالشَّيْخ عَليّ التبريزي وَسيف الدّين منكجار وَسيف الدّين طوغان نَائِب البيرة وناصر الدّين منكلي وطاشار ومُوسَى وغازي أخوي حمدَان بن صلغاي وَعَن الشريف رميثة بن أبي نمى.
وَفِيه هرب من سجن الإسكندربة الْأَمِير سيف الدّين بهادر الإبراهيمي النَّقِيب وَيُقَال لَهُ زيرامو وبهادر التَّقْوَى الزراق فأدركهما الطّلب وأخذا وحملا إِلَى القلعة بعد مَا خرج الْأَمِير أيتمش المحمدي والأمير أصلم للقبض عَلَيْهِمَا فَلَمَّا أحضرا كتب بِعُود الأميرين أيتمش المحمدي وأصلم فَرَجَعَا ثَالِث يَوْم سفرهما وَأنزل بالأميرين الهاربين ليوسطا تَحت القلعة فشفع فيهمَا الْأُمَرَاء فأعفى السُّلْطَان عَنْهُمَا من الْقَتْل وكحلهما بالحديد المحمي مرَّتَيْنِ حَتَّى فقدا الْبَصَر. وَفِيه رسم بالإفراج عَمَّن فِي سجن الْإسْكَنْدَريَّة فقدموا الْقَاهِرَة وأنعم عَلَيْهِم بالإقطاعات من أجل أَنهم لم يوافقوا على الهروب. وَفِيه كتب بإعفاء الصاحب أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام من نظر طرابلس وَأَن يُقيم بالقدس ورتب لَهُ فِي كل شهر ألف دِرْهَم وَبعث إِلَيْهِ كريم الدّين الْكَبِير هَدِيَّة حَسَنَة. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس ربيع الأول: سَار الْأَمِير بيبرس الْحَاجِب بطَائفَة من الأجناد إِلَى مَكَّة ليقيم بهَا بدل الْأَمِير آقسنقر شاد العمائر الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ السُّلْطَان. بِمَكَّة وَمَعَهُ عدَّة أجناد تخوفاً من هجوم الشريف حميضة على مَكَّة. وَفِيه كتب بِخُرُوج عَسَاكِر الشَّام إِلَى غَزْو بِلَاد متملك سيس لمَنعه الْحمل. وَفِيه أبطل مكس الْملح بديار مصر فأبيع الأردب الْملح بِثَلَاثَة دَرَاهِم بَعْدَمَا كَانَ بِعشْرَة فَإِنَّهُ كتب إِلَى الْأَعْمَال أَلا يمْنَع أحد من شيل الْملح من الملاحات وأبيحت لكل أحد فبادر النَّاس إِلَيْهَا وجلبوا الْملح. وَفِيه وصلت السّتْر الرفيع الخاتوني طلنباي وَيُقَال دلنبية وَيُقَال طولونية بنت طغاي بن هندو بن باطو بن دوشي خَان بن جنكزخان. وَسبب ذَلِك أَن السُّلْطَان كَانَ قد بعث إِلَى أزبك يخْطب بعض الْجِهَات الجنكزية فاشتط بِهِ أزبك فِي طلب الْمهْر وَطول الْمدَّة وَكَثْرَة الشُّرُوط فَأَعْرض السُّلْطَان عَن الْخطْبَة وسير إِلَيْهِ الْهَدِيَّة كَمَا تقدم. وَكَانَ أزبك قد عين الْمَذْكُورَة فاستدعى التُّجَّار واقترض مِنْهُم ثَلَاثِينَ ألف دِينَار. بمعاملتهم صرف كل دِينَار سِتَّة دَرَاهِم وجهزها مَعَ بعض أمرائه فِي مائَة وَخمسين رجلا وَسِتِّينَ جَارِيَة وقاضي سراي وَمَعَهُمْ هَدِيَّة سنية فقدموا فِي الْبَحْر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي عشري ربيع الأول. وَخرج الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد فِي عدَّة من الْأُمَرَاء
وَمَعَهُ الحراريق إِلَى لقائها وَخرج كريم الدّين الْكَبِير وَمَعَهُ عربان وبخاتي وبغال وَضرب الْخيام الْحَرِير الأطلس بالميدان. فَحملت الخاتون فِي الحراريق إِلَى سَاحل مصر وَركبت فِي العربة إِلَى الميدان والحجاب تمْضِي قُدَّام العربة فأقامت بالخيام ثَلَاثَة أَيَّام. ثمَّ حملت إِلَى القلعة لَيْلَة السبت سلخه فِي عربة تجرها الْعجل وَهِي كالقبة مغطاة بالديباج وَفِي خدمتها الْأَمِير أرغون النَّائِب والأمير بكتمر الساقي وَالْقَاضِي كريم الدّين الْكَبِير. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي ربيع الآخر: جلس السُّلْطَان للرسل وَحضر كَبِيرهمْ باينجار وَكَانَ مقْعدا لَا يقدر على الْقيام وَلَا الْمَشْي وَإِنَّمَا يحمل وَدخل مَعَه إيتغلي وطقبغا ومنغوش وطرجي وَعُثْمَان خجا وَالشَّيْخ برهَان الدّين إِمَام القان ورسل الأشكري. فأجلس باينجار وَأخذ مِنْهُ كتاب أزبك فَبلغ السَّلَام وَقَالَ: أَخُوك أزبك أَنْت سيرت طلبت من عظم القان بِنْتا فَلَمَّا لم يسيرها لم يطب خاطرك وَقد سيرنا لَك من بَيت كَبِير فَإِن أعجبتك خُذْهَا بِحَيْثُ لَا تخلي عنْدك أكبر مِنْهَا وَإِن لم تعجبك فاعمل بقول الله تَعَالَى: إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا. فَقَالَ السُّلْطَان: نَحن مَا نُرِيد الْحسن وَإِنَّمَا نُرِيد كبر الْبَيْت والقرب من أخي ونكون نَحن وإياه شَيْئا وَاحِدًا. وبلغه أَيْضا برهَان الدّين مشافهة من قبل أزبك. فَتَوَلّى قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة العقد على ثَلَاثِينَ ألف دِينَار الْحَال مِنْهَا عشرُون ألفا والمؤجل عشرَة أُلَّاف وَقَبله السُّلْطَان بِنَفسِهِ. وَكتب عَلَاء الدّين على بن الْأَثِير كَاتب السِّرّ العقد بِخَطِّهِ وَصورته بعد الْبَسْمَلَة: هَذَا مَا أصدق مَوْلَانَا السُّلْطَان الْأَجَل الْملك النَّاصِر على الخاتون الجليلة بنت أخي السُّلْطَان أزبك خَان طولو ابْنة طغاي بن بكر بن دوشي خَان بن جنكزخان. وخلع السُّلْطَان يَوْمئِذٍ خَمْسمِائَة خلعة وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَبني عَلَيْهَا من لَيْلَتهَا فَلم تلق بخاطره. وَأصْبح السُّلْطَان فَتقدم إِلَى كريم الدّين أكْرم الصَّغِير بالتوجه إِلَى الصَّعِيد وتعبية الإقامات إِلَى قوص وجهز الرُّسُل بالهدايا والإنعامات وسفرهم وَركب للصَّيْد. وفيهَا توقف حَال النَّاس بِسَبَب الْفُلُوس وَمَا كثر فِيهَا من الزغل وَكَانَت الْمُعَامَلَة بهَا عددا عَن كل دِرْهَم فضَّة عدَّة ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين فلسًا من ضرب السُّلْطَان فعملها الزغلية وخفوا وَزنهَا حَتَّى صَار الْفلس زنته سدس دِرْهَم. وَكَانَت مُعَاملَة دمشق بالفلوس الَّتِي يُقَال لَهَا الْقَرَاطِيس والقرطاس سِتَّة فلوس ويعد فِي الدِّرْهَم الْفضة
أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ قرطاساً فَأبْطل السُّلْطَان الْقَرَاطِيس من دمشق وَضرب بهَا كل فلس زنته دِرْهَم وَالدِّرْهَم بِثمَانِيَة وَأَرْبَعين فلسًا مثل مُعَاملَة مصر فنقلت هَذِه الْفُلُوس الْخفاف الْقَرَاطِيس إِلَى مصر وخلطت بفلوس الْمُعَامَلَة حَتَّى كثرت وَقلت الْجِيَاد. فتعبت النَّاس فِيهَا وزادت الأسعار كلهَا حَتَّى غلقت الباعة الحوانيت عِنْدَمَا نُودي أَن يكون الْفُلُوس بالميزان على أَن كل رَطْل مِنْهَا بِثَلَاثَة دَرَاهِم فضَّة. فَركب وَإِلَى الْقَاهِرَة وَضرب كثيرا من أَرْبَاب المعايش بالمقارع وشهرهم وَلم يرجِعوا فَنُوديَ أَن الْفلس الَّذِي عَلَيْهِ بقجة من ضرب دَار الضَّرْب يُؤْخَذ والفلس الْخَفِيف يرد فَلم يفد ذَلِك شَيْئا. وَعمل الزغلية فُلُوسًا خفافاً عَلَيْهَا بقجة فَنُوديَ أَن يُؤْخَذ الْجَمِيع بِحِسَاب دِرْهَمَيْنِ وَنصف الرطل فمضي الْحَال قَلِيلا وَاسْتمرّ عنت الْعَامَّة وَكثر تعطيلهم الحوانيت وغلقها. وَكَانَ السُّلْطَان غَائِبا فَلَمَّا نزل بالجيزة وَخرج كريم الدّين إِلَى لِقَائِه صاحت بِهِ الْعَامَّة وفاجأوه. مِمَّا لَا يَلِيق وتكاثروا عَلَيْهِ من كل جِهَة وَشَكوا مَا بهم من أَمر الْفُلُوس ورد الباعة لَهَا وَقلة الْخبز وَغَيره فَوَعَدَهُمْ بِخَير وَعرف كريم الدّين السُّلْطَان ذَلِك. فاستدعى السُّلْطَان الْأُمَرَاء وَأنكر عَلَيْهِم رد مباشريهم الْفُلُوس وَعدم بيعهم الْقَمْح من الشون للطحانين والموانة وَقرر ضرب فلوس جدد زنة الْفلس مِنْهَا دِرْهَم وعَلى أحد وجهيه لَا إِلَه الا الله مُحَمَّد رَسُول الله وعَلى الآخر اسْم السُّلْطَان فَضرب مِنْهَا نَحْو ثَمَانِينَ ألف رَطْل. وَاسْتقر الْفُلُوس الْعتْق كل رَطْل بِثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَى أَن تخرج الْفُلُوس الجدد من دَار الضَّرْب. فاستمر ذَلِك ومشت الْأَحْوَال إِلَّا أَنه صَار فِيهَا غبن زَائِد وَذَلِكَ أَن الرطل من الْعتْق يبلغ سَبْعَة دَرَاهِم بِالْعدَدِ. وفيهَا قدمت رسل متملك الْيمن بالهدية وأحضروا بالقلعة يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِي ليلته: خسف الْقَمَر. وفيهَا بعث السُّلْطَان ثَلَاثِينَ فداويا من أهل قلعة مصياب للفتك بالأمير قراسنقر
فعندما وصلوا إِلَى تبريز نم بَعضهم لقراسنقر عَلَيْهِم فتتبعهم وَقبض على جمَاعَة مِنْهُم وقتلهم. وَانْفَرَدَ بِهِ بَعضهم وَقد ركب من الأردو فقفز عَلَيْهِ فَلم يتَمَكَّن مِنْهُ وَقتل. واشتهر فِي الأردو خبر الفداوية وَأَنَّهُمْ حَضَرُوا لقتل السُّلْطَان أبي سعيد وجوبان والوزير على شاه وقراسنقر وأمراء الْمغل فاحترسوا على أنفسهم وقبضوا عدَّة فداوية. فتحيل بَعضهم وَعمل حمالاً وَتبع قراسنقر ليقفز عَلَيْهِ فَلم يلْحقهُ وَوَقع على كفل الْفرس فَقتل فاحتجب أَبُو سعيد بالخركاه أحد عشر يَوْمًا خوفًا على نَفسه. وَطلب الْمجد إِسْمَاعِيل وَأنكر عَلَيْهِ جوبان وأخرق بِهِ وَقَالَ لَهُ: والك أَنْت كل قَلِيل تحضر إِلَيْنَا هَدِيَّة وتريد منا أَن نَكُون متفقين مَعَ صَاحب مصر لتمكر بِنَا حَتَّى تَقْتُلنَا الفداوية والإسماعيلية وهدده أَنه يقْتله شَرّ قتلة ورسم عَلَيْهِ فَقَامَ مَعَه الْوَزير على شاه حَتَّى أفرج عَنهُ. ثمَّ قدم الْخَبَر من بَغْدَاد بِأَن بعض الإسماعيلية قفز على النَّائِب بهَا وَمَعَهُ سكين فَلم يتَمَكَّن مِنْهُ وَوَقعت الضَّرْبَة فِي أحد أُمَرَاء الْمغل وَأَن الْإِسْمَاعِيلِيّ فر فَلَمَّا أدْركهُ الطّلب قتل نَفسه. فتنكر جوبان لذَلِك وجهز الْمجد السلَامِي إِلَى مصر ليكشف الْخَبَر وبعثوا فِي أَثَره رَسُولا بهدية. وفيهَا عَادَتْ العساكر من غَارة سيس إِلَى أَبْيَات مهنا وطردوه من مَكَانَهُ وَفرقُوا جمعه فِي نواحي الْعرَاق. وفيهَا كثرت كِتَابَة الأوراق للسُّلْطَان فِي أمرائه وَأهل دولته وإلقائها من غير أَن يعلم من أَيْن هِيَ أَو ربطها بجناح طَائِر حمام وحذفه خَارج حَائِط الميدان تَحت القلعة إِلَى دَاخله فتأذى بذلك جمَاعَة كَثِيرَة. فاتفق إِن السُّلْطَان ركب إِلَى مطعم الطُّيُور بالمسطبة الَّتِي أَنْشَأَهَا قَرِيبا من بركَة الْحَبَش فَوجدَ ورقة مختومة فقرأها وَلم يعلم أحدا فِيهَا وَعَاد إِلَى القلعة وَقد اشْتَدَّ حنقه ووقف عِنْد دَار النِّيَابَة وَأمر بهدم المساطب والرفرف وغلق الشباك. ثمَّ بعث السُّلْطَان أَمِير جاندار الْأَمِير سيف الدّين البوبكري أَن يتَحَوَّل من دَاره بالقلعة ويسكن بِالْقَاهِرَةِ فَنزل من يَوْمه وَسكن بدار كراي المنصوري وهدمت الدَّار الَّتِي كَانَ البوبكري يسكنهَا وعمرت قاعات وطباق للخاصكية. وَامْتنع السُّلْطَان من ركُوبه إِلَى الْمطعم الْمَذْكُور وَصَارَ يركب إِلَى ميدان القبق. وَكَانَت الورقة تَتَضَمَّن سبّ السُّلْطَان وَسُوء تصرفه وتسليطه الْكتاب النَّصَارَى على الْمُسلمين وصلحه مَعَ الْمغل.
وَاتفقَ أَن بعض الْعَامَّة أخبر عَن شخص غَرِيب فأفضى الْأَمر إِلَى حملهما إِلَى الخازن وَإِلَى الْقَاهِرَة فَقَالَ الْعَاميّ: هَذَا الْغَرِيب قَاصد وَمَعَهُ فداوية فقرره الْوَالِي فاعترف أَن مَعَه أَرْبَعَة من جِهَة قراسنقر بَعثهمْ لقتل السُّلْطَان فَقبض مِنْهُم على رجلَيْنِ وفر الْآخرَانِ. وَحمل الْوَالِي إِلَى السُّلْطَان فأقرا بِأَنَّهُمَا من جِهَة قراسنقر فَأمر بهما فقتلا. وَأخذ السُّلْطَان يحترس على نَفسه وَمنع عِنْد ركُوبه إِلَى الميدان المتفرجين من الْجُلُوس فِي الطرقات وألزم النَّاس بغلق طاقات الْبيُوت. وفيهَا قبض على الْأَمِير علم الدّين سنجر الجاولي نَائِب غَزَّة وسجن بالإسكندرية وَوَقعت الحوطة على موجوده يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشري رَمَضَان. وَكَانَ ذَلِك لقلَّة اكتراثه بالأمير نَائِب الشَّام وموافقة بعض مماليكه على مَا قيل فِيهِ أَنه يُرِيد التَّوَجُّه إِلَى الْيمن. وفيهَا قدم الْخَبَر من الْأَمِير بيبرس الْحَاجِب بقتل الشريف حميضة بن أبي نمى ثمَّ قدم الْأَمِير وفيهَا قدم الْمجد السلَامِي على الْبَرِيد من عِنْد الْملك أبي سعيد بن خربندا فِي طلب الصُّلْح فَخرج القَاضِي كريم الدّين الْكَبِير إِلَى لِقَائِه وَصعد بِهِ إِلَى القلعة فَأخْبر الْمجد السلَامِي برغبة جوبان وأعيان دولة أبي سعيد فِي الصُّلْح وَأَن الْهَدِيَّة تصل مَعَ الرُّسُل فَكتب إِلَى نائبي حلب ودمشق بتلقي الرُّسُل وإكرامهم. فَقدم الْبَرِيد بِأَن سُلَيْمَان بن مهنا عَارض الرُّسُل وَأخذ جَمِيع مَا مَعَهم من الْهَدِيَّة وَقد خرج عَن الطَّاعَة لإِخْرَاج أَبِيه مهنا من الْبِلَاد وَإِقَامَة غَيره فِي إمرة الْعَرَب. ثمَّ قدمت الرُّسُل بعد ذَلِك بالكتب وفيهَا طلب الصُّلْح بِشُرُوط: مِنْهَا أَلا تدخل الفداوية إِلَيْهِم وَأَن من حضر من مصر إِلَيْهِم لَا يطْلب وَمن حضر مِنْهُم إِلَى مصر لَا يعود إِلَيْهِم إِلَّا بِرِضَاهُ وَألا يبْعَث إِلَيْهِم بغارة من عرب وَلَا تركمان وَأَن تكون الطَّرِيق بَين المملكتين مفسوحة تسير تجار كل مملكة إِلَى الْأُخْرَى وَأَن يسير الركب من الْعرَاق إِلَى الْحجاز فِي كل عَام. بمحمل وَمَعَهُ سنجق فِيهِ اسْم صَاحب مصر مَعَ سنجق أبي سعيد ليتجمل بالسنجق السلطاني وَألا يطْلب الْأَمِير قراسنقر. فَجمع السُّلْطَان الْأُمَرَاء واستشارهم فِي ذَلِك بعد مَا قَرَأَ عَلَيْهِم الْكتاب فاتفق الرَّأْي على إِمْضَاء الصُّلْح بِهَذِهِ الشُّرُوط وجهزت الْهَدَايَا لأبي سعيد: وفيهَا خلعة
أطلس باولي زركش وقباء تتري وقرقلات وَغير ذَلِك مِمَّا بلغت قِيمَته أَرْبَعِينَ ألف دِينَار. وأعيد الرُّسُل بِالْجَوَابِ وَفِيه آلا يُمكن عرب آل عِيسَى من الدُّخُول إِلَى الْعرَاق فَإِن الْعَسْكَر وَاصل لقتالهم وفيهَا أنشأ السُّلْطَان ميدان المهار بجوار قناطر السبَاع فِيمَا بَين الْقَاهِرَة ومصر وَنقل إِلَيْهِ الطين وَزرع فِيهِ النّخل وَلعب فِيهِ بالكرة مَعَ الْأُمَرَاء ورتب فِيهِ الحجورة للنتاج فاستمر ذَلِك وَصَارَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ ثمَّ أنشا السُّلْطَان بجوار جَامع الْأَمِير عَلَاء الدّين طيبرس زريبة على النّيل ليبرز بمناظر الميدان الْكَبِير إِلَى قرب شاطئ النّيل وَكَانَ قد أخر عمل ذَلِك بِسَبَب قرب سَفَره إِلَى الصَّعِيد. وفيهَا مرض كريم الدّين الْكَبِير نَحْو أسبوعين فَكَانَ يحضر عَلَيْهِ فِي كل يَوْم جمدار فيخلع عَلَيْهِ بكرَة النَّهَار وَيعود فيأتيه أخر الْعَصْر فيخلع عَلَيْهِ وَكلما أَتَاهُ مَمْلُوك من جِهَة أحد الْأُمَرَاء للسلام عَلَيْهِ خلع عَلَيْهِ فَلَمَّا عوفي وَركب زينت الْقَاهِرَة وَأوقدت فِيهَا الشموع وَجَلَست المغاني وَاجْتمعَ النَّاس لرُؤْيَته فَكَانَ يَوْمًا مشوداً. وَلما قدم إِلَى الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين بِمَال فَتصدق فَمَاتَ فِي الإزدحام سِتَّة أنفس وَصعد كريم الدّين إِلَى القلعة ثمَّ ركب من الْغَد إِلَى مَدِينَة مصر فزينت لركوبه أَيْضا وزينت الحراريق ولعبت فِي النّيل فَخلع على رُؤَسَاء الحراريق وَفرق فِي رجالها مَالا وَعمل لَهُم مائَة خروف شواء وَكَانَ عدَّة الشموع الَّتِي اشتعلت لَهُ فِي مصر ألفا وسِتمِائَة شمعة ونثر النَّاس على رَأسه الذَّهَب وَالدَّرَاهِم وَعمل لَهُ الْفَخر نَاظر الْجَيْش ضِيَافَة عَظِيمَة فَكَانَت تِلْكَ الْأَيَّام من الْأَيَّام المشهودة. وفيهَا قدم الْخَبَر بِأَن أَبَا سعيد أراق الْخُمُور فِي سَائِر مَمْلَكَته وأبطل مِنْهَا بيُوت الْفَوَاحِش وَأبْعد أَرْبَاب الملاهي وأغلق الْخَانَات وأبطل المكوس الَّتِي تجبي من التِّجَارَة الْوَارِدَة إِلَيْهِم من الْبِلَاد وَهدم كنائس بِالْقربِ من توريز وَرفع شَهَادَة الْإِسْلَام وَنشر الْعدْل وَعمر الْمَسَاجِد والجوامع وَقتل من وجد عِنْده الْخمر بعد إراقته فَكتب السُّلْطَان سَائِر نواب الشَّام بِإِبْطَال ضَمَان الخمارات وإراقة الْخُمُور وغلق الحانات واستتابة أهل الْفَوَاحِش فَعمل ذَلِك فِي سَائِر مدن الْبِلَاد الشامية وضياعها وجبالها
واجتهد النواب فِي إِزَالَة الْمَنَاكِير حَتَّى طهر الله مِنْهَا وَمن أَهلهَا الْبِلَاد. وفيهَا قدم مَمْلُوك الْمجد السلَامِي وَرَسُول أبي سعيد وجوبان وأخبروا بوصول الْهَدِيَّة السُّلْطَانِيَّة وسألوا تجهيز السنجق السلطاني ليسير مَعَ الركب إِلَى الْحجاز فسير سنجق حَرِير أصفر بطلعة ذهب وَكتب لصَاحب مَكَّة بإكرام حَاج الْعرَاق. وفيهَا قدم الْبَرِيد من حلب بِأَن أَبَا سعيد قد نَادَى فِي مَمْلَكَته بِالْحَجِّ فتجهز عَالم عَظِيم وَأَن فياضاً وَسليمَان ابْني مهنا قد كثر فسادهما وقطعهما الطَّرِيق على التُّجَّار وَيخَاف على الرَّاكِب الْعِرَاقِيّ من عرب مهنا. فَاقْتضى رَأْي السُّلْطَان أَن استدعي سيف ابْن فضل أخي مهنا من الْبِلَاد وَقرر مَعَه أَن أَبَاهُ فضلا يمْنَع مهنا وَأَوْلَاده من التَّعَرُّض لركب الْعرَاق فَقَامَ فِي ذَلِك فضل وخدع أَخَاهُ مهنا حَتَّى كف عَنْهُم وَلم يتَعَرَّض لأحد مِنْهُم وَبعث مهنا بإبنه مُوسَى إِلَى السُّلْطَان بِأَنَّهُ لم يتَعَرَّض للركب فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ وعَلى من مَعَه. وفيهَا أخرج الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن التركماني فِي الشَّام على إمرة لتغير كريم الدّين الْكَبِير مِنْهُ. وَفِي ثَانِي عشري رَجَب: عقد بدار السَّعَادَة بِدِمَشْق مجْلِس لإبن تَيْمِية وَمنع من الْإِفْتَاء بِمَسْأَلَة الطَّلَاق ثمَّ اعتقل بالقلعة إِلَى يَوْم عَاشُورَاء سنة إِحْدَى وَعشْرين فأفرج عَنهُ. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْغَنِيّ بن أبي اسحاق قَاضِي شمس الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْغَنِيّ بن أبي إِسْحَاق السرُوجِي الْحَنَفِيّ فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشري رَجَب بعد عَزله فِي رَابِع ربيع الآخر بشمس
الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان الحريري ومولده سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ من أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة وَلم يسمع عَنهُ مَا يشينه وَلَا راعي صَاحب جاه قطّ مَعَ السماح والجود. وَمَات الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي بكر بن عرام بن إِبْرَاهِيم بن ياسين بن أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الشَّيْخ بهاء الدّين أبي الْعَبَّاس بن أبي الفضال بن أبي الْمجد ابْن أبي إِسْحَاق الربعِي الشافعى سبط أبي الْحسن على الشاذلي فِي لَيْلَة سَابِع شَوَّال ومولده سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة. سمع الحَدِيث وَقَرَأَ النَّحْو وتصوف وتصدر بالإسكندرية لإقراء الْعَرَبيَّة وَولي نظر الأحباس بهَا وصنف فِي الْفِقْه وَغَيره. وَمَات الصاحب قوام الدّين الْحسن بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عبد الْكَرِيم بن أبي سعيد الْمَعْرُوف بِابْن الطراح فِي أول الْمحرم بِبَغْدَاد ومولده فِي ربيع الأول سنة خمسين وسِتمِائَة وَهُوَ من بَيت علم ورياسة وَكَانَ يعرف النَّحْو واللغة والحساب والنجوم وَالْأَدب. وَمَات الصَّدْر فَخر الدّين أَبُو الْهدى أَحْمد بن اسماعيل بن عَليّ بن الْحباب الْكَاتِب يَوْم الْخَمِيس تَاسِع رَمَضَان عَن سبع وَتِسْعين سنة. وَقتل إِسْمَاعِيل بن سعيد الْكرْدِي على الزندقة يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشري صفر وَكَانَ عَارِفًا بالقراءات وَالْفِقْه والنحو والتصريف ويحفظ كثيرا من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَيحل فِي الْفِقْه ويحفظ الْعُمْدَة فِي الحَدِيث غير أَنه حفظت عَنهُ عظائم فِي حق الْأَنْبِيَاء وَكَانَ يتجاهر بِالْمَعَاصِي فَاجْتمع الْقُضَاة وضربوا عُنُقه بَين القصرين. وَمَات الْحسن بن عمر بن عيسي بن الْخَلِيل الْكرْدِي الدمشقى بِنَاحِيَة الجيزة تجاه مصر فِي ثَالِث وَمَات كَمَال الدّين عبد الرَّحِيم بن عبد المحسن بن ضرغام الْكِنَانِي الْحَنْبَلِيّ خطيب جَامع المنشاة فِيمَا بَين الْقَاهِرَة ومصر فِي ربيع الآخر عَن ثَلَاث وَتِسْعين سنة.
وَمَات كَمَال الدّين أَبُو الحفص عمر بن عز الدّين أبي البركات عبد الْعَزِيز بن محيي الدّين أبي عبد الله بن مُحَمَّد بن نجم الدّين أبي الْحسن أَحْمد بن جمال الدّين هبة الله أبي الْفضل بن مجد الدّين أبي غَانِم مُحَمَّد بن هبة الله بن أَحْمد بن يحيى بن أبي جَرَادَة الْعقيلِيّ الْحلَبِي الْحَنَفِيّ قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بحلب وَكَانَ مشكوراً. وَمَات زين الدّين أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن الْعلم مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَتيق بن رَشِيق الإسكندري الْفَقِيه المعمر الْمَالِكِي بِمصْر فِي لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشر الْمحرم عَن اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين سنة ولي قَضَاء الْإسْكَنْدَريَّة مُدَّة اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَعرض عَلَيْهِ قَضَاء دمشق فَامْتنعَ وَله نظم. وَمَات شرف الدّين يَعْقُوب بن أَحْمد بن الصَّابُونِي الْحلَبِي بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشري رَجَب كَانَ مُحدثا عدلا ودرس بالمنكوتمرية من الْقَاهِرَة وتميز فِي كِتَابَة السجلات. وَمَات القَاضِي زين الدّين أَبُو بكر بن نصر بن حُسَيْن بن حسن بن حُسَيْن الأسعردي محتسب الْقَاهِرَة ووكيل بَيت المَال فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشري رَمَضَان وَاسْتقر فِي الْوكَالَة بعده قطب الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الصَّمد السنباطي وَفِي حسبَة الْقَاهِرَة ابْن عَمه نجم الدّين مُحَمَّد بن وَمَات عَليّ بن عبد الصَّمد الأسعردي فِي سَابِع شَوَّال. وَمَات الشَّيْخ نجم الدّين أَبُو الْحسن على بن الأسيوطي الْمُقْرِئ الْوَاعِظ فِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشر ذِي الْحجَّة. وَقتل أقبجا مَمْلُوك ركن الدّين بيبرس التاحي بِدِمَشْق لدعواه النُّبُوَّة فِي خَامِس عشري ربيع الأول. وَمَات بهاء الدّين السنجاري محتسب مصر يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشري ذِي الْقعدَة فولي بعد نجم الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الحزم الْقَمُولِيّ خَليفَة الحكم فِي ثامن ذِي الْحجَّة. وَمَات صَاحب غرناطة من بِلَاد الأندلس الْغَالِب بِاللَّه أَبُو الْوَلِيد اسماعيل بن فرج بن
إسماعبل بن يُوسُف بن نصر فِي ذِي الْقعدَة وأقيم بعده ابْنه أَبُو عبد الله مُحَمَّد فَكَانَت مدَّته ثَلَاث عشرَة سنة.