الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة)
أهل الْمحرم بِيَوْم الْأَحَد الْمُوَافق لَهُ رَابِع عشر طوبة: سقط بالدقهلية والمرتاحية من بِلَاد الغربية بعد مطر عَظِيم وريح قَوِيَّة جدا برد وزن الْحبَّة مِنْهُ مَا ينيف على خمسين درهما أتلف كثيرا من الزَّرْع وَمن الْغنم وَالْبَقر وَوجد فِيهِ حِجَارَة مِنْهَا مَا وَزنه من سَبْعَة أَرْطَال إِلَى ثَلَاثِينَ رطلا وَتلف من الْبِلَاد أحد وَسَبْعُونَ بَلَدا بالغربية وإثنان وَثَلَاثُونَ بَلَدا بالبحيرة. وفيهَا نزل السُّلْطَان بالجيزة عَائِدًا من بِلَاد الصَّعِيد وخلع على نَائِب حماة ورسم لَهُ بِالْعودِ إِلَى بَلَده. واستدعى السُّلْطَان بِالْحَرِيمِ من القلعة إِلَى عِنْده وَكَانَ الْوَقْت شتاء فطرد سَائِر النَّاس من الطرقات وعلقت الحوانيت وَنزلت خوند طغاي والأمير أيدغمش أَمِير أخور ماش يَقُود عنان فرسها بِيَدِهِ وحولها سَائِر الخدام مشَاة مُنْذُ ركبت من القلعة إِلَى أَن وصلت إِلَى النّيل فعدت فِي الحراقة. واستدعى الْأَمِير بكتمر الساقي وَغَيره من الْأُمَرَاء الخاصكية حريمهم وَأَقَامُوا فِي أهنأ عَيْش وأرغده. وفيهَا قدم من عِنْد صَاحب ماردين الْجَارِيَة الَّتِي طلبت: وَكَانَ الْمجد السلَامِي قد بعث بِأَنَّهُ أَرَادَ شِرَاء جَارِيَة جنكية من الأردوا فبذل صَاحب ماردين فِيهَا الرغائب لصَاحِبهَا حَتَّى اشْتَرَاهَا وَأَن الْمجد سير يُعلمهُ بِأَنَّهُ قد عينهَا للسُّلْطَان فَلم يعبأ بقوله وشغف بهَا. فَكتب السُّلْطَان لصَاحب ماردين بالإنكار عَلَيْهِ وَأَن يحملهَا إِلَى مصر فسير جَارِيَة غَيرهَا من مملوكين فَلم يخف ذَلِك على السُّلْطَان ورد الثَّلَاثَة وَقَالَ لقاصده شفاهاً: مَتى لم يبْعَث بالجارية وَإِلَّا أخربت ماردين على رَأسه فَلم يجد بدا من إرسالها فَلَمَّا حضرت أنعم السُّلْطَان عَلَيْهِ وَفِيه عَاد السُّلْطَان من الجيزة إِلَى القلعة وَقد توعك كريم الدّين الْكَبِير. وَفِي خَامِس عشره: قدمت بَوَادِر الْحجَّاج وَقدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشره.
وَفِيه تكَرر إرْسَال السُّلْطَان الْأُمَرَاء وَغَيرهم لتفقد حَال كريم الدّين فَلم ينزل إِلَيْهِ أحد إِلَّا وخلع عَلَيْهِ أطلس بطراز وكلفتاه زركش وحياصة ذهب حَتَّى استعظم النَّاس ذَلِك. وَبَالغ السُّلْطَان فِي كَثْرَة الإنعام على الْأُمَرَاء والحكماء إِلَى يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ربيع الأول. ثمَّ ركب كريم الدّين إِلَى القلعة وَتوجه بعد اجتماعه بالسلطان إِلَى القرافة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً زينت فِيهِ الْقَاهِرَة زِينَة عَظِيمَة وصفت بهَا المغاني وأشعلت الشموع وَاجْتمعَ النَّاس بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية بَين القصرين لأخذ الصَّدقَات فَمَاتَ فِي الزحمة أَرْبَعَة عشر إنْسَانا وتأذى أنَاس كَثِيرَة وَلم يفرق فيهم شَيْء. وخلع على جَمِيع الْأَطِبَّاء أخرج أهل السجون وَتصدق بأموال جزيلة. وَفِيه قدم الْخَبَر باجتماع الْأَمِير أيتمش بالسلطان أبي سعيد وَأَنه أكْرم غَايَة الإكرامة وَعَاد إِلَى ماردين. وَفِي عشريه: قتل الشَّيْخ ضِيَاء الدّين عبد الله الدربندي الصُّوفِي. وَكَانَ قد قدم من دمشق فِي أَوَائِل هَذِه السّنة على هَيْئَة الْفُقَرَاء اليونسية ولايزال فِي يَده طبر وَشهر بدين وَعلم. فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْيَوْم تحزم وَقَالَ: أَنا رَايِح أجاهد فِي سَبِيل الله وأموت شَهِيدا وَسَار من خانكاه سعيد السُّعَدَاء إِلَى قلعة الْجَبَل والأمراء جُلُوس على بَاب الْقلَّة فَرَأى رجلا من الْمُسلمين قد تبع بعض الْكتاب النَّصَارَى وَقبل يَده وَالنَّصْرَانِيّ لَا يعبأ بِهِ فحنق مِنْهُ وَضرب النَّصْرَانِي بالطبر فهدل كتفه وثنى عَلَيْهِ فارتجت القلعة وَاجْتمعَ النَّاس وقبضوه فَاشْتَدَّ غضب السُّلْطَان وَأمر بِهِ فَضرب عُنُقه على بَاب القلعة. وَفِي ثَالِث عشريه: قدم الْبَرِيد بوفاة نجم الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن صصري قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق فاستقر عوضه قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين سُلَيْمَان بن عمر الزرعي وَاسْتقر عوضه فِي تدريس الْمدرسَة المنصورية القَاضِي تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ
وَفِي تدريس الْجَامِع الحاكمي الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن عَدْلَانِ. وَفِيه قدم الْأَمِير أيتمش المحمدي من عِنْد أبي سعيد وَقد عقد الصُّلْح بَينه وَبَين السُّلْطَان وخطب بذلك فِي يَوْم الْجُمُعَة بِمَدِينَة توريز على مِنْبَر الْجَامِع وَقد حمل الْأَمِير أيتمش مَعَه نُسْخَة الْأَيْمَان الَّتِي تَتَضَمَّن حلف أبي سعيد وجوبان والوزير وَمَا أنعم بِهِ عَلَيْهِ أَبُو سعيد: وَهُوَ مَا قِيمَته نَحْو المائتي ألف دِرْهَم ولؤلؤاً اشْتَرَاهُ بِأَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم قوم بِمِائَة ألف. وَقدم أيتمش ذَلِك كُله للسُّلْطَان وَحلف أَلا يدْخل فِي ملكه فَقبله مِنْهُ وأنعم عَلَيْهِ بِمِائَة ألف دِرْهَم وَحمل لَهُ كريم وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخ ربيع الأول: قبل الظّهْر ولد للسُّلْطَان ولد ذكر من حظيته طغاي سَمَّاهُ أنوك وَفِيه وقف بعض بزدارية السُّلْطَان وشكا أَن أحد أجناد الْأَمِير بكتمر الْحَاجِب تزوج بامرأته من غير أَن يكون قد طَلقهَا وَأَنه رشا الشُّهُود حَتَّى فعلوا لَهُ ذَلِك. فكشف علم الدّين الخازن وَالِي الْقَاهِرَة عَن قَوْله فَتبين كذبه وَأَنه طلق الْمَرْأَة وَانْقَضَت عدتهَا ثمَّ تزوجت بالجندي فتعصب الْأَمِير بكتمر على البازدار لظُهُور كذبه فحنق السُّلْطَان وَأمر الْوَالِي بتعزير الشُّهُود ومنعهم من تحمل الشَّهَادَة وإلزام الجندي بِطَلَاق الْمَرْأَة وردهَا إِلَى البازدار فَكَانَ هَذَا من الْأُمُور الشنيعة. وَفِيه قبض على القَاضِي كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن الْعلم بن هبة الله بن السديد نَاظر الْخَاص ووكيل السُّلْطَان فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره ربيع الآخر بَعْدَمَا تجهز ليسافر فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره إِلَى الشَّام. فعندما طلع إِلَى القلعة على الْعَادة وَوصل إِلَى الدركاه منع من الدُّخُول إِلَى السُّلْطَان وعوق بدار النِّيَابَة هُوَ وَولده علم الدّين عبد الله وكريم الدّين أكْرم الصَّغِير نَاظر الدولة. وَوَقعت الحوطة على دور كريم
الدّين الْكَبِير خَاصَّة الَّتِي بِالْقَاهِرَةِ وبركة الْفِيل وَنزل شُهُود الخزانة بولده إِلَى دَاره ببركة الْفِيل وحملوا مَا فِيهَا إِلَى القلعة. وتوالت مصادرته فَوجدَ لَهُ شَيْء كثير جدا: من ذَلِك قماش وَبرد وطرز وحوايص قيمتهَا زِيَادَة على سِتِّينَ ألف دِينَار وقند وسكر زنته ثَمَانُون ألف قِنْطَار وَعسل عدَّة ثَلَاثَة وَخمسين ألف مطر وصناديق بهَا مسك وزعفران وَعَنْبَر وعود ولبان وعير ذَلِك عدَّة أحد وَأَرْبَعين صندوقاً. وأبيعت دَاره الَّتِي على بركَة الْفِيل للأمير سيف الدّين طقتمر بِثَلَاثَة عشر ألف دِينَار. وَحمل مَاله فِي الْإسْكَنْدَريَّة وَكَانَ خمسين ألف دِينَار وَمن أَصْنَاف المتجر شَيْء كثير جدا وَمِنْه ثَمَانُون ألف قِطْعَة خشب وَمِائَة وَسِتُّونَ ألف قِنْطَار رصاص وَبَلغت قيمَة الْأَصْنَاف الَّتِي لَهُ فِي الْإسْكَنْدَريَّة خَمْسمِائَة ألف دِينَار. وَوجد لَهُ بِدِمَشْق ألف ألف دِينَار وسِتمِائَة ألف دِرْهَم وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ ألف دِينَار. وَبَلغت قيمَة أوقافه سِتَّة أُلَّاف ألف دِرْهَم. وَفِي يَوْم السبت سلخه: قبض على كريم الدّين الصَّغِير وَسبب أَنه امْتنع من أَن يتحدث فِي الْخَاص والمتجر وَيُدبر الْأُمُور كلهَا بعد الْقَبْض على خَاله كريم الدّين الْكَبِير. وَفِيه نقل كريم الدّين الْكَبِير وَولده علم الدّين إِلَى البرج المرسوم للمصادرين بِبَاب القرافة من القلعة وطولب بِالْحملِ. وعوق بالقلعة نَاصِر الدّين شاد الْخَاص والمهذب الْعَامِل وَغَيره لعمل حِسَاب كريم الدّين. وَكَانَ سَبَب نكبته حسد الْأُمَرَاء وَغَيرهم لَهُ على تمكنه من السُّلْطَان وسعة مَاله وَكَثْرَة عطائه فوشوا بِهِ إِلَى السُّلْطَان أَنه يتْلف الْأَمْوَال السُّلْطَانِيَّة بتفريقها ليقال عَنهُ إِنَّه كريم. وَاتفقَ مَعَ ذَلِك أَن كريم الدّين أكْرم الصَّغِير كَانَ لَهُ اخْتِصَاص بالأمير أرغون النَّائِب فَأكْثر من شكاية كريم الدّين الْكَبِير وَأَنه يمنعهُ من تَحْصِيل الْأَمْوَال. وَكَانَ أكْرم الصَّغِير ظلوماً غشوماً يُرِيد أَن يمد يَده إِلَى ظلم النَّاس فيمنعه كريم الدّين. فَبلغ النَّائِب السُّلْطَان شكوى أكْرم الصَّغِير مرَارًا فأثر فِي نَفسه ذَلِك. وَصَارَ السُّلْطَان يرى عِنْد الخاصكية من الملابس الفاخرة والطرز الزركش وَعند نِسَائِهِم من الملابس والحلي مَا يستكثره فَإِذا سَأَلَ عَنهُ قيل لَهُ هَذَا من كريم الدّين فتصغر نَفسه عِنْدهم لِأَنَّهُ لَا يعطيهم قطّ مثل ذَلِك. وَلما حضر عرب الْبَحْرين بِالْخَيْلِ قومت بِأَلف ألف ومائتي ألف دِرْهَم سلمهَا كريم الدّين إِلَيْهِم بجملتها فِيمَا بَين بكرَة النَّهَار إِلَى الظّهْر وعادوا إِلَى السُّلْطَان وَقد دهشوا فَإِنَّهُ كَانَ أخرج إِلَيْهِم
شكائر مَا بَين ذهب وَفِضة. فَلَمَّا قَالَ لَهُم السُّلْطَان: قبضتم. قَالُوا: نعم قَالَ: لَعَلَّه تَأَخّر لكم شَيْء فَقَالُوا: وحياتك! عِنْد كريم الدّين مَال فِي خزانَة إِذا أخرج مِنْهُ مُدَّة شهر مَا يفرغ. فَتحَرك السُّلْطَان لذَلِك وَقَالَ لبكتمر الساقي. سَمِعت قَول الْعَرَب أَنه دفع هَذَا الْقدر فِي يَوْم وَاحِد والخزانة ملآنة ذَهَبا وَفِضة وَأَنا أطلب مِنْهُ ألفي دِينَار فَيَقُول مَا تمّ حَاصِل. وَتبين الْغَضَب فِي وَجه السُّلْطَان فَأخذ بكتمر يتلطف بِهِ وَهُوَ يحتد إِلَى أَن قبض عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم السبت سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة: نقل تَاج الدّين بن عماد الدّين بن السكرِي من شَهَادَة الخزانة إِلَى نظر بَيت المَال وخلع عَلَيْهِ بطرحة. وَفِيه نقل عَلَاء الدّين بن الْبُرْهَان الْبُرُلُّسِيّ من نظر بَيت المَال إِلَى نظر خَزَائِن السِّلَاح وخلع عَلَيْهِ. وَفِي رَابِع عشره: قدمت رسل أبي سعيد لتحليف السُّلْطَان على الصُّلْح وَمَعَهُمْ هَدِيَّة مَا بَين بَخَاتِي وأكاديش وتحف فقرئ كِتَابه بِوُقُوع الصُّلْح ثمَّ سفروا بهدية سنية بَعْدَمَا عمرهم إِحْسَان السُّلْطَان فِي ثَانِي عشريه. وَفِيه قدم الْحمل من عِنْد متملك سيس صُحْبَة رَسُوله وَمَعَهُ جَوَاهِر ثمينة وَاعْتذر الرَّسُول عَمَّا كَانَ من متملك سيس وَاسْتَأْذَنَ فِي عمَارَة أياس على أَن يحمل فِي كل سنة مائَة ألف دِرْهَم فَأُجِيب إِلَى ذَلِك. وَفِيه قدم مُوسَى بن مهنا وَعَمه مُحَمَّد بالقود على الْعَادة وخيول كَانَ السُّلْطَان استدعى بهَا. وَسبب ذَلِك وُقُوع الصُّلْح مَعَ أبي سعيد فضاقت بهم الْبِلَاد فأكرمهما السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِمَا وأعادهما إِلَى بلادهما. وَفِيه وَقعت مرافعة بَين فرج وَعلي وَلَدي قراسنقر بِسَبَب دخيرة لِأُمِّهِمَا تبلع نَحْو المائتي ألف ألف دِرْهَم فَأَخذهَا السُّلْطَان مِنْهُمَا. وَفِيه قدم الْمجد السلَامِي من الشرق وَقدم تقدمة جليلة فرتبت لَهُ الرَّوَاتِب السّنيَّة وَكتب لَهُ مسموح بمبلغ خمسين ألف دِرْهَم فِي السّنة ومرسوم بمسامحة نصف المكس عَن تجاراته وَعَاد إِلَى توريز.
وَفِيه قبض على جمَاعَة من المماليك وعوقوا بِسَبَب ورقة وجدت تَحت كرْسِي السُّلْطَان فِيهَا سبه وتوبيخه وَأخرج مِنْهُم عدَّة إِلَى بِلَاد وسجن مِنْهُم جمَاعَة. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي أستاداراً عوضا عَن الْأَمِير سيف الدّين بكتمر العلائي وَخرج بكتمر إِلَى دمشق. وَكَانَ ذَلِك بِسَبَب أَنه استخدم طباخ كريم الدّين الْكَبِير فِي مطبخ السُّلْطَان فَأنْكر عَلَيْهِ السُّلْطَان ذَلِك وَقَالَ لَهُ: تستخدم طباخ رجل قد عزلته وصادرته فِي مطبخي وَأخرج أَيْضا الْأَمِير سنقر السَّعْدِيّ نقيب المماليك إِلَى طرابلس. وَفِيه أفرج عَن كريم الدّين أكْرم الصَّغِير ورسم لَهُ أَن يتحدث فِي الْأَمْوَال السُّلْطَانِيَّة كلهَا بِغَيْر مشارك فَامْتنعَ من ذَلِك فعزل عَن نظر الدَّوَاوِين. ثمَّ خلع عَلَيْهِ وَاسْتقر صَاحب ديوَان الْجَيْش عوضا عَن معِين الدّين بن حشيش وخلع على معِين الدّين بِنَظَر الْجَيْش بِالشَّام. وَفِيه ولى السُّلْطَان نظر الْخَاص تَاج الدّين اسحاق أحد نظار الدَّوَاوِين وَتسَمى لما أسلم عبد الْوَهَّاب ورسم أَلا يتحدث فِي متجر. وَكَانَ سَبَب ولَايَته أَن السُّلْطَان لما قبض كريم الدّين الْكَبِير بعث إِلَيْهِ أَن يعين من يصلح لنظر الْخَاص فعين التَّاج وباشر التَّاج الْخَاص بِسُكُون زَائِد وسياسة جَيِّدَة إِلَى أَن مَاتَ. وَفِيه طلب الصاحب أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام من الْقُدس. وَفِي لَيْلَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة: سفر كريم الدّين أكْرم الصَّغِير على الْبَرِيد إِلَى صفد. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشريه: أفرج عَن كريم الدّين الْكَبِير وَولده وألزم بِالْإِقَامَةِ فِي تربته من القرافة وَكَانَ لَهُ يَوْم عَظِيم جدا وَأَتَاهُ النَّاس من كل مَكَان. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك فِي نظر المارستان عوضا عَن كريم الدّين الْكَبِير فَوجدَ حَاصله أَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم سوي سكر وَغَيره قِيمَته مائَة ألف دِرْهَم. وَفِيه اسْتَقر الْأَمِير سيف الدّين قجليس فِي نظر جَامع ابْن طولون عوضا عَن كريم الدّين الْكَبِير أَيْضا.
وَفِيه خرج الطّلب لإحضار شمس الدّين غبريال من دمشق فَركب وَمَعَهُ أَمْوَال كَثِيرَة ثمَّ خول اموال كريم الدّين الْكَبِير وَعَاد إِلَى دمشق مكرماً. ثمَّ قدم الصاحب أَمِين الدّين يَوْم الْأَحَد رَابِع عشرى ربيع الآخر وَقرر فِي الوزارة وَجلسَ بقلعة الصاحب من القلعة وَنزل إِلَى دَاره فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَاسْتقر فِي نظر النظار شرف الدّين إِبْرَاهِيم بن زنبور وَاسْتمرّ عوضه فِي اسْتِيفَاء الصُّحْبَة شمس الدّين إِبْرَاهِيم بن قروينة صهر الصاحب أَمِين الدّين فَصَارَ نظر النظار بَين القَاضِي موفق الدّين هبة الله بن سعيد الدولة إِبْرَاهِيم وَبَين ابْن زنبور. وشفى الصاحب أَمِين الدّين نَفسه من كريم الدّين أكْرم النَّاظر وأخرق بِهِ. وَفِي يَوْم السبت سلخ ربيع الْأُخَر: قبض على كريم الدّين الصَّغِير واعتقل ببرج فِي القلعة فشرع فِي حمل المَال ثمَّ أفرج عَنهُ سلخ جُمَادَى الأولى ورسم لَهُ بِنَظَر صفد فَتوجه إِلَيْهَا لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِيه قدم شمس الدّين غبريال وَمَعَهُ حمل دمشق ألف ألف وسِتمِائَة ألف دِرْهَم وَمن الذَّهَب مبلغ خَمْسَة وَعشْرين ألف دِينَار من حَاصِل كريم الدّين ومتاجره. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشرى جُمَادَى الْآخِرَة: أخرج كريم الدّين الْكَبِير وَولده الشوبك بَعْدَمَا أشهد عَلَيْهِ أَن جَمِيع مَا وَقفه من الْأَمْلَاك وَغَيرهَا إِنَّمَا اشْتَرَاهُ من مَال السُّلْطَان دون مَاله. فأبقى السُّلْطَان أوقاف الخانكاه بالقرافة وأوقاف الْجَامِع بِدِمَشْق وأعيد غبريال إِلَى دمشق على عَادَته. وَفِيه توجه التَّاج اسحاق والأمير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي إِلَى الاسكندرية واحتاطا على أَمْوَال كريم الدّين الْكَبِير وَكَانَت تَحت يَد مكين الترجمان وَقد أَخذ المكين مِنْهَا ثَلَاثَة وَخمسين ألف دِينَار فاستقر التَّاج إِسْحَاق يتحدث فِي متجر الْخَاص. وَعَاد التَّاج إِسْحَاق وَمَعَهُ الْأَمِير مغلطاي فأوقع الحوطة على أَمْوَال التُّجَّار وألزم ابْن المحسني مُتَوَلِّي الثغر بِخَمْسِينَ ألف دِينَار ورسم على سَائِر المباشرين وصادر النَّاس فغلقت الْمَدِينَة وَبلغ السُّلْطَان ذَلِك فَأنكرهُ وَأَفْرج عَن ابْن المحسني بَعْدَمَا أَخذ مِنْهُ مبلغ اثْنَي عشر ألف دِينَار وَعَاد الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي بستين ألف دِينَار من المصادرات. وَفِيه كَانَ عرس أَمِير عَليّ بن أرغون النَّائِب على ابْنة السُّلْطَان فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشر شعْبَان. وَقد اعتنى السُّلْطَان بجهازها عناية عظيمه وَعمل لَهَا بشخاناه وستارة وداير بَيت زركش بمبلغ ثَمَانِينَ ألف دِينَار وآلات ذهب وَفِضة بِمَا ينيف على عشرَة
أُلَّاف دِينَار. وَعمر السُّلْطَان لَهَا مناظر الْكَبْش عمَارَة جَدِيدَة وَنقل الجهاز إِلَيْهَا ثمَّ نزل بِنَفسِهِ حَتَّى نصب الجهاز. وَعمل المهم مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام حَضَره نسَاء الْأُمَرَاء بتقادمهم: وَهِي مَا بَين أَرْبَعمِائَة دِينَار سوى تعابي القماش إِلَى مِائَتي دِينَار. وَكَانَ فِيهِ ثَمَانِي جوق من مغاني الْقَاهِرَة وَعِشْرُونَ جوقة من جواري السُّلْطَان والأمراء خص كل جوقة من جَوف الْقَاهِرَة خَمْسمِائَة دِينَار وَمِائَة وَخَمْسُونَ تفصيلة حَرِير وَلم يحصو مَا حصل لجواري السُّلْطَان والأمراء لكثرته. فَلَمَّا انْقَضى المهم بعث السُّلْطَان لكل من نسَاء الْأُمَرَاء تعبية قماش على قدرهَا وَعم جَمِيع الْأُمَرَاء بِالْخلْعِ وَفضل من الشممع بَعْدَمَا اسْتعْمل مِنْهُ مُدَّة الْعرس ألف قِنْطَار مصري. وأنعم السُّلْطَان على الْأَمِير أرغون النَّائِب بمنية بني خصيب زِيَادَة على إقطاعه. وَفِيه قبض على الْأَمِير طشتمر حمص أَخْضَر الساقي وَفرج بن قراسنقر وكرت وعدة من المماليك. ثمَّ أفرج عَن طشتمر من يَوْمه وَنفي كرت إِلَى صفد وَبَقِي فرج ابْن قراسنقر بالجب. وَفِيه هبت ريح سَوْدَاء حارة بِدِمَشْق مَاتَ مِنْهَا جمَاعَة من النَّاس فَجْأَة وفسدت الثِّمَار وجفت الْمِيَاه فتحسن سعر الغلال. ثمَّ وَقع مثل ذَلِك بِالْقَاهِرَةِ ومصر فتغيرت أمزجة النَّاس وفشت الْأَمْرَاض وَكثر الْمَوْت مُدَّة شهر وفسدت الثِّمَار وتحسن السّعر لهيف الْغلَّة وَقلة وُقُوعهَا. وَفِيه قدم الْأَمِير بكتمر الحسامي من دمشق فولي الْإسْكَنْدَريَّة وَتوجه إِلَيْهَا فأراق الْخُمُور بهَا وَمنع من بيعهَا وَجعل أُجْرَة النَّقِيب نصف دِرْهَم وَتثبت فِي الْبَينَات وَحمل النَّاس على الْأُمُور الشَّرْعِيَّة. فاستخفوا بِهِ وطمعوا فِيهِ وَكثر فسادهم فأحدث عَلَيْهِم غرامات يقومُونَ بهَا إِذا تبين الْحق عَلَيْهِ فَكَانَ الرجل إِذا شكا يجبى مِنْهُ من مِائَتي دِرْهَم إِلَى مَا دونهَا وَضرب جمَاعَة مِنْهُم وَفِيه توجه قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة والأمير آل ملك إِلَى الْحَج فِي سادس شَوَّال. وَتوجه الْأَمِير بيبرس الدوادار نَائِب السلطنة فِي حادي عشره وَمَعَهُ حَاج كثير ورحل الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج فِي ثامن عشره من الْبركَة. وَتوجه الْفَخر نَاظر الْجَيْش
فِي ثَانِي عشريه إِلَى الْقُدس ليتوجه مِنْهُ إِلَى الْحَج. وَكَانَت عدَّة ركُوب الْحَاج من مصر سِتَّة ركُوب على كل ركب أَمِير. وَفِيه اسْتَقر بلبان العتريس فِي ولَايَة الْبحيرَة عوضا عَن أسندمر القلنجقي. وَفِيه اسْتَقر قدادار مَمْلُوك برلغي فِي ولَايَة الغربية. وَفِي أول ذِي الْحجَّة: خرج الْأَمِير عَلَاء الدّين عَليّ بن قراسنقر والأمير سيف الدّين أيدمر الكبكي والأمير طقصباي الْمرتبَة فديته بقوص وَخَمْسمِائة من أجناد الحلقه إِلَى بِلَاد النّوبَة وَمَعَهُمْ كرنبس. فَانْتَهوا إِلَى دمقلة وَكَانَ قد تغلب كنز الدولة عَلَيْهَا وَنزع كرنبس ففر كنز الدولة مِنْهُم وَجلسَ كرنبس على سَرِير ملكه وعادوا فحارب كنز الدولة كرنبس بعد عود الْعَسْكَر وَملك مِنْهُ الْبِلَاد. وَفِيه صرف معِين الدّين بن حشيش عَن ديوَان الْجَيْش وَنقل إِلَى دمشق وأشرك بَينه وَبَين القطب ابْن شيخ السلامية فِي نظر الْجَيْش بهَا. وَكَانَ قاع النّيل فِي هَذِه السّنة سِتَّة أَذْرع وَنصف وَكَانَ الْوَفَاء يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس شعْبَان وسابع عشر مسري وانتهت الزِّيَادَة فِي سَابِع عشر رَمَضَان إِلَى ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَسِتَّة أَصَابِع. وخرق المَاء نَاحيَة بُسْتَان الخشاب وَدخل إِلَى بولاق وغرق بساتين. وانقطعت الطَّرِيق من جِهَة اللوق وغرق الخور وانهدمت عدَّة بيُوت وغرقت الْمنية وجزيرة الْفِيل فَركب السُّلْطَان بِنَفسِهِ لعمل جسر. ثمَّ قويت الزِّيَادَة وفاض المَاء على منشاة المهراني ومنشاة الكتبة وَصَارَ مَا بَين بولاق ومصر بحراً وَاحِدًا. وَأمر النَّاس برمي التُّرَاب فِي نَاحيَة بولاق وَكثر الْخَوْف من غرق الْقَاهِرَة وَاشْتَدَّ الاحتراس. وَطلب الْفُقَرَاء للْعَمَل فبلغت أُجْرَة الرجل فِي كل يَوْم مابين دِرْهَم إِلَى ثَلَاثَة دَرَاهِم لعزة وجود الرِّجَال واشتغالهم عِنْد النَّاس فِي نقل التُّرَاب. ونزت أَمَاكِن كَثِيرَة وغرقت الأقصاب بِبِلَاد الصَّعِيد وَتلف القلقاس والنيلة وعدة مطاير بهَا الغلال. وَكتب لسَائِر الْوُلَاة بِكَسْر جَمِيع الترع والجسور وتصريفها إِلَى الْبَحْر الْملح فَثَبت المَاء ثَلَاثَة وَأَرْبَعين يَوْمًا ثمَّ نزل قَلِيلا قَلِيلا. فاستدعى السُّلْطَان المهندسين ورسم بِعَمَل جسر يحجز المَاء عَن الْقَاهِرَة لِئَلَّا تغرق فِي نيل أخر وألزم أَرْبَاب الْأَمْلَاك المطلة على النّيل بعمارة الزرابي فَعمل كل أحد تجاه دَاره زربية. واستدعى الْأُمَرَاء فلاحيهم من
النواحي فَحَضَرُوا بالأبقار والجراريف. وَعمل الجسر من بولاف إِلَى منية الشيرج ووزع بالأقصاب على الْأُمَرَاء فنصب كل أَمِير خيمة وَخرج بِرِجَالِهِ للْعَمَل. ونصبت لَهُم الْأَسْوَاق حَتَّى كمل الجسر فِي عشْرين يَوْمًا وَكَانَ ارتفاعه أَربع قصبات فِي عرض ثَمَانِيَة. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِمَوْت تكفور متملك سيس وَإِقَامَة وَلَده بعده ثمَّ قدمت رسله بالهدية. وَفِيه قدم الشريفان عطيفة أَمِير مَكَّة وَقَتَادَة أَمِير يَنْبع. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان الْمُجَاهِد أنص ابْن الْعَادِل كتبغا بعد مَا عمي من سهم أَصَابَهُ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي الْمحرم وَكَانَ سَمحا ذكياً مُتَقَدما فِي رمي البندق. وَمَات تَاج الدّين أَحْمد بن مجد الدّين عَليّ بن وهب بن مُطِيع بن دَقِيق الْعِيد الشَّافِعِي فِي عشرى ذِي الْحجَّة ومولده فِي ربيع سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة. وَكَانَ فَقِيها فَاضلا فِي مذهبي الشَّافِعِي وَمَالك سمع الحَدِيث وَحدث وَولي الحكم بغرب قمولا وبقوص وَكَانَ كثير الْعِبَادَة. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق نجم الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْعِمَاد مُحَمَّد ابْن الْأَمِير سَالم بن الْحَافِظ بهاء الدّين الْحسن بن هبة الله بن مَحْفُوظ بن صصري التغلبي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي فِي لَيْلَة السبت سادس عشرى ربيع الأول ومولده فِي سَابِع عشرى ذِي الْقعدَة سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة وَولي الْقَضَاء إِحْدَى وَعشْرين سنة وَقدم الْقَاهِرَة
مرَارًا وَقَرَأَ الْقرَاءَات السَّبع وَسمع الحَدِيث وَكتب الْخط الْمليح وبرع فِي الْأَدَب والتاريخ وَقَالَ الشّعْر وشارك فِي فنون من فقه وَتَفْسِير وَغَيره. وَمَات أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي بكر بن خَمِيس الْأنْصَارِيّ المغربي فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر شعْبَان بِمصْر ومولده بالجزيرة الخضراء من الغرب فِي الْمحرم سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة. وَكَانَ صَاحب فنون وَصَلَاح وَدين وَشعر جيد. وَمَات نجم الدّين مُحَمَّد بن عُثْمَان بن الصفي البصروي الْحَنَفِيّ الْوَزير الصاحب. ولي حَسبه دمشق ثمَّ وزارتها ثمَّ صَار من الْأُمَرَاء. وَمَات كَمَال الدّين عبد الرَّزَّاق بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الفوطي الْبَغْدَادِيّ المؤرخ فِي الْمحرم بِبَغْدَاد. وَمَات تَاج الدّين ناهض بن مخلوف أَخُو قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عَليّ بن مخلوف الْمَالِكِي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر الْمحرم بِمصْر. وَمَات السّني ابْن سِتّ بهجة يَوْم الْأَحَد خَامِس عشرى ذِي الْحجَّة وَكَانَ من أَعْيَان الْكتاب بِمصْر. وَمَات بهاء الدّين الْقَاسِم بن مظفر بن مَحْمُود بن تَاج الْأُمَنَاء أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن هبة الله بن عبد الله بن عَسَاكِر فِي خَامِس عشرى شَوَّال ومولده سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة. سمع وَحدث وَصَارَ مُسْند الشَّام.
فارغة
سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة أهل الْمحرم يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث شهر طوبة: فَقدم الْفَخر نَاظر الْجَيْش من الْحجاز عَشِيَّة الْأَحَد ثالثه. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادسه: نُودي على الْفُلُوس أَن يتعامل النَّاس بهَا بالرطل على أَن كل رَطْل مِنْهَا بِدِرْهَمَيْنِ وَمن عِنْده مِنْهَا شَيْء يحضرهُ إِلَى دَار الضَّرْب وَيَأْخُذ عَنْهَا فضَّة. ورسم بِضَرْب فلوس زنة الْفلس مِنْهَا دِرْهَم وَثمن فَضرب مِنْهَا نَحْو مِائَتي ألف دِرْهَم فرقت على الصيارف. وَكَانَ سَبَب ذَلِك كَثْرَة مَا دخل فِي الْفُلُوس من الزغل حَتَّى صَار وزن الْفلس نصف دِرْهَم. فتوقف النَّاس عَن أَخذ الْفُلُوس وَكثر ردهَا وعقوبة الباعة على ذَلِك بِالضَّرْبِ والتجريس إِلَى أَن فسد الْحَال وغلقت الحوانيت وَارْتَفَعت الأسعار وَبلغ الْقَمْح بعد عشرَة دَرَاهِم الأردب إِلَى سَبْعَة عشر درهما. وَفِي يَوْم السبت تاسعه: وصل الْأَمِير سيف الدّين طشتمر حمص أَخْضَر الساقي من الْحجاز وصحبته جمَاعَة وَكَانَ قد سَافر بعد الإفراج عَنهُ وأنعم عَلَيْهِ بألفي دِينَار وغلال كَثِيرَة وَعمل لَهُ السُّلْطَان عِنْد قدومه اثْنَتَيْ عشرَة بدلة وَثَلَاثَة حوائض وطرز زركش وأنعم عَلَيْهِ بِمَال جزيل وتتابع قدوم الْحَاج حَتَّى قدم الْمحمل فِي خَامِس عشريه وَفِيه توجه الْأَمِير أرغون النَّائِب إِلَى منية بني خصيب فَشَكا أَهلهَا من مباشريهم فَلم يسمع لَهُم وَأمر بضربهم فرجموه بِالْحِجَارَةِ وأنكوا فِي مماليكه وغلمانه. فَركب عَلَيْهِم أرغون ليفتك بهم فَفرُّوا من عِنْد الوطاق خَارج الْبَلَد إِلَى دَاخل الْبَلَد فَأخذ مماليكه من عمائم الهاربين نيفاً على ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ عِمَامَة زرقاء من عمائم النَّصَارَى فَلَمَّا استكثر ذَلِك قيل لَهُ إِن بهَا كثيرا من النَّصَارَى وَلَهُم خمس كنائس فَهَدمهَا فِي سَاعَة وَاحِدَة ورسم أَلا يستخدم نَصْرَانِيّ فِي ديوانه وَكَانَ النَّصَارَى قد جددوا عمَارَة مَا خرب من الْكَنَائِس بالصعيد فهدمت أَيْضا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: هبت ريح وَالنَّاس فِي الصَّلَاة حَتَّى ظن النَّاس أَن السَّاعَة قَامَت واستمرت بَقِيَّة النَّهَار وَطول اللَّيْل فهدم بهَا دور كَثِيرَة وامتلأت الأَرْض بِتُرَاب أسود.
وَخرجت ريح شَدِيدَة بِبِلَاد قوص إِلَى أسوان واقتلعت فِي لَيْلَة وَاحِدَة أَرْبَعَة أُلَّاف نَخْلَة وَخَربَتْ الديار. وَفِيه قدمت رسل الْمُجَاهِد سيف الدّين بن عَليّ ملك الْيمن بِطَلَب نجدة من مصر فَلم يجب إِلَى ذَلِك. وفيهَا قحطت بِلَاد الشرق فَقدمت طوائف إِلَى بِلَاد الشَّام وَكَانَ الْجَرَاد قد أتلف زروعها فبلغت الغرارة بِدِمَشْق إِلَى مِائَتي دِرْهَم. فَجهز الْأُمَرَاء من مصر الغلال الْكَثِيرَة فِي الْبَحْر إِلَى بيروت وطرابلس فَكَانَ مَا حمل من جِهَة السُّلْطَان والأمراء نَحْو عشْرين ألف أردب سوى مَا حمله التُّجَّار فَانْحَطَّ السّعر حَتَّى أبيعت الغرارة بِثَمَانِينَ درهما. وَكتب بِإِبْطَال مكس الْغلَّة بِالشَّام وَهُوَ على كل غرارة ثَلَاثَة دَرَاهِم وكانث تبلغ فِي كل سنة ألف ألف ومائتي ألف دِرْهَم فَبَطل ذَلِك وَاسْتمرّ بُطْلَانه. وَفِيه عزل جمال الدّين سُلَيْمَان الزرعي عَن قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق وَاسْتمرّ عوضه جلال الدّين مُحَمَّد الْقزْوِينِي بعد استدعائه إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْأَحَد حادي عشر جُمَادَى الأولى وقدومه فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشريه. فَلَمَّا اجْتمع الْقزْوِينِي بالسلطان أقبل عَلَيْهِ وَصلى بِهِ الْجُمُعَة وَنزل إِلَى خانكاه سعيد السُّعَدَاء ثمَّ ولاه قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق وخلع عَلَيْهِ يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة وسافر الْقزْوِينِي على الْبَرِيد يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشريه فَقدم دمشق خَامِس رَجَب وَكَانَ عَلَيْهِ دُيُون اجْتمعت عَلَيْهِ بِسَبَب مكارمه وَهِي ألف دِينَار وَمِائَة وَسِتُّونَ دِينَارا فَأعْطَاهُ وَفِيه كتب باستقرار كَمَال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الزملكاني فِي قَضَاء حلب عوضا عَن زين الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر الْأنْصَارِيّ. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد بالبحيرة فاصطاد نَحْو المائتي غزال بِالْحَيَاةِ سوى مَا قتل وجرح كثيرا مِنْهَا وأطلقها. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر ربيع الأولى: توجه الْأَمِير سيف الدّين قطلوبغا المغربي لإحضار كريم الدّين الْكَبِير وَولده من الْمُقَدّس فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشريه حضرا على الْبَرِيد تَحت الحوطة فسلما إِلَى الْأَمِير قجليس فأقاما كنده إِلَى يَوْم حادي عشر ربيع الآخر ثمَّ طلعا إِلَى قلعة الْجَبَل وطولبا بِالْمَالِ.
وَفِيه تنكر الْحَال بَين الأميرين تنكز نَائِب الشَّام والأمير ألطنبغا نَائِب حلب. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر ربيع الآخر: حضر كريم الدّين أكْرم الصَّغِير على خيل الْبَرِيد من صفد إِلَى قلعه الْجَبَل فعوق ببرج بَاب القرافة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشره: سفر كريم الدّين بكتمر وَولده إِلَى الْوَجْه القبلي صُحْبَة وَالِي قوص. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشريه: أفرج عَن كريم الدّين أكْرم الصَّغِير وَنزل إِلَى بَيته. وَفِي اليلة الْأَحَد خَامِس عشر جُمَادَى الأولى: طلع الْقَمَر مخسوفاً بِالسَّوَادِ. وَفِيه قدم منسا مُوسَى ملك التكرور يُرِيد الْحَج وَأقَام تَحت الأهرام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الضِّيَافَة. عدى إِلَى بر مصر فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرى رَجَب وطلع إِلَى القلعة ليسلم على السُّلْطَان وَامْتنع من تَقْبِيل الأَرْض فَلم يجْبر على ذَلِك غير أَنه لم يُمكن من الْجُلُوس فِي الحضرة السُّلْطَانِيَّة. وَأمر السُّلْطَان بتجهيزه لِلْحَجِّ فَنزل وَأخرج ذَهَبا كثيرا فِي شِرَاء مَا يُرِيد من الْجَوَارِي وَالثيَاب وَغير ذَلِك حَتَّى انحط الدِّينَار سِتَّة دَرَاهِم. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن رَمَضَان: عزل الصاحب أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام عَن الوزارة وَلزِمَ بَيته. وَاسْتقر عوضه الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي وزيراً مَعَ مابيده من الأستادارية فِي يَوْم السبت عاشره. وَفِيه اسْتَقر شهَاب الدّين بن الأقفهسي فِي نظر الدَّوَاوِين عوضا عَن الْمُوفق وَعَن شرف الدّين بن زنبور. وَولي مجد الدّين إِبْرَاهِيم بن لفيتة نظر الْبيُوت عوضا عَن الأقفهسي الْمَذْكُور. ثمَّ قدم شمس الدّين غبريال من دمشق باستدعاء فِي أثْنَاء شهر رَمَضَان فاستقر نَاظر الدَّوَاوِين ووزير الصُّحْبَة ونائب الوزارة فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشرى رَمَضَان يَوْم وُصُوله. وَاسْتقر فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرى رَمَضَان الْأَمِير سيف الدّين قدادار فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن علم الدّين سنجر الخازن نقل إِلَيْهَا من ولَايَة الْبحيرَة ففتك فِي الْعَامَّة وَمنع من الْخُمُور وَفِيه عزل علم الدّين سنجر الْحِمصِي من شدّ الدَّوَاوِين وَولي الجيزة نَحْو شَهْرَيْن ثمَّ أخرج إِلَى طرابلس شاد الدَّوَاوِين بهَا. وَفِيه اسْتَقر عَلَاء الدّين أيدغدي الباشقردي بِمصْر عوضا عَن عَلَاء الدّين ابْن أَمِير حَاجِب.