الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)
أهلت والعسكر فِي حَرَكَة اهتمام بِالسَّفرِ إِلَى الكرك وَقد تعين الْأَمِير بغا الفخري والأمير قماري والأمير طشتمر طلليه للتوجه بهم. وألزم السُّلْطَان كل أَمِير مائَة مقدم ألف بِإِخْرَاج عشرَة مماليك وَلم يُوجد فِي بَيت المَال وَلَا الخزانة مَا ينْفق عَلَيْهِم مِنْهُ فَأخذ مَالا من تجار الْعَجم وَمن بَيت الْأَمِير بكتمر وَجَمَاعَة أخرين على سَبِيل الْقَرْض وَأنْفق فيهم. وَفِي يَوْم السبت مستهل الْمحرم: قدم مُبشر الْحَاج. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشره: خرج المجردون إِلَى الكرك. وَفِي رَابِع عشريه: قدم محمل الْحَاج وَقد قاسى الْحَاج فِي سفرهم مشقات كَبِيرَة من قلَّة المَاء وَغَلَاء الأسعار بِحَيْثُ أبيعت الويبة من الشّعير بِأَرْبَعِينَ درهما عَنْهَا دِينَارَانِ والويبة الدَّقِيق بخمسون درهما والرطل البشماط بِثَلَاثَة دَرَاهِم. وأبيع الأردب الْقَمْح فِي مَكَّة بِمِائَتي دِرْهَم وَبلغ الْجمل بمنى إِلَى أَرْبَعمِائَة وَخمسين درهما لقلَّة الْجمال. وَكَانَ من أَسبَاب ذَلِك أَن الشريف عجلَان بن رميثة خرج إِلَى جدة وَمنع تجار الْيمن من عبور مَكَّة فعز بهَا صنف المتجر وَهلك كثير من مشَاة الْحَاج. وَفِيه أَقَامَت العساكر على محاصرة الكرك وَقطع الْميرَة عَنْهَا وَكَانَت أَمْوَال النَّاصِر أَحْمد قد نفذت من كَثْرَة نفقاته فَوَقع الطمع فِيهِ. وَأخذ بَالغ - وَهُوَ أجل ثقاته من الكركيين - فِي الْعَمَل عَلَيْهِ وَكَاتب الْأُمَرَاء وَوَعدهمْ أَنه يسلم إِلَيْهِم الكرك وَسَأَلَ الْأمان. فَكتب إِلَيْهِ عَن السُّلْطَان أَمَان وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة كَمَا تقدم فِي السّنة الخالية وَمَعَهُ مَسْعُود وَابْن آبي اللَّيْث وَهَؤُلَاء أَعْيَان مَشَايِخ الكرك فأكرمهم السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِم وَكتب لَهُم مناشير بِجَمِيعِ مَا طلبوه من الإقطاعات والأراضي وَكَانَت جملَة مَا طلبه بَالغ بمفرده نَحْو أَرْبَعمِائَة وَخمسين ألف دِرْهَم فِي السّنة وَكَذَلِكَ أَصْحَابه ثمَّ أعيدوا بعد مَا حلفوا وَقد بلغ النَّاصِر أَحْمد خبرهم فتحصن بالقلعة وَرفع جسرها وصاروا هم بِالْمَدِينَةِ ومكاتباتهم ترد على الْعَسْكَر. فَلَمَّا ركب الْعَسْكَر للحرب وَخرج الكركيون لم يكن غير سَاعَة حَتَّى انْهَزمُوا مِنْهُم إِلَى دَاخل الْمَدِينَة فَدَخلَهَا الْعَسْكَر أَفْوَاجًا واستوطنوها وجدوا فِي قتال أهل القلعة عدَّة أَيَّام وَالنَّاس تنزل مِنْهَا شَيْئا بعد شَيْء حَتَّى لم يبْق مَعَ النَّاصِر أَحْمد عشرَة أنفس فَأَقَامَ يَرْمِي بهم على الْعَسْكَر. وَكَانَ
النَّاصِر أَحْمد قوي الرَّمْي شجاعاً إِلَى أَن جرح فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وتمكنت النقابة من البرج وعلقوه وأضرموا النَّار تَحْتَهُ حَتَّى وَقع. وَكَانَ الْأَمِير سنجر الجاولي قد بَالغ أَشد مُبَالغَة فِي الْحصار وبذل فِيهِ مَالا كثيرا فَلَمَّا هجم الْعَسْكَر على النَّاصِر أَحْمد فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرى صفر وجدوه قد خرج من مَوضِع وَعَلِيهِ زردية وَقد تنكب قوسه وَشهر سَيْفه. فوقفوا وسلموا عَلَيْهِ فَرد عليهم السلام وَهُوَ متجهم وَفِي وَجهه جرح وكتفه يسيل دَمًا. فَتقدم إِلَيْهِ الْأَمِير أرقطاي والأمير قماري فِي آخَرين فَأَخَذُوهُ ومضوا بِهِ إِلَى دهليز الْموضع الَّذِي كَانَ بِهِ وأجلسوه وطيبوا خاطره وَهُوَ سَاكِت لَا يُجِيبهُمْ فقيدوه ووكلوا بحفظه جمَاعَة ورتبوا لَهُ طَعَاما فَأَقَامَ يَوْمه وَلَيْلَته وَمن باكر الْغَد تقدم إِلَيْهِ الطَّعَام فَلَا يتَنَاوَل مِنْهُ شَيْئا إِلَى أَن سَأَلُوهُ فِي أَن يَأْكُل فَأبى أَن يَأْكُل حَتَّى يأتوه بشاب كَانَ يهواه يُقَال لَهُ عُثْمَان فَأتوهُ بِهِ فَأكل عِنْد ذَلِك. وَخرج ابْن الْأَمِير بيبغا الشمسي حارس الطير بالبشارة وعَلى يَده كتب الْأُمَرَاء فَقدم قلعة الْجَبَل يَوْم السبت ثامن عشريه فدقت البشائر سَبْعَة أَيَّام. ثمَّ قدم أَيْضا ابْن الْأَمِير قماري ثمَّ بعده أرلان وَمَعَهُ النمجاه. ثمَّ أخرج الْأَمِير منجك السِّلَاح دَار لَيْلًا من الْقَاهِرَة على النجب لقتل النَّاصِر أَحْمد من غير مُشَاورَة الْأُمَرَاء فوصل إِلَى الكرك. وَأدْخل منجك إِلَيْهِ من أخرج الشَّاب من عِنْده وخنقه فِي لَيْلَة رَابِع ربيع الأول وَقطع رَأسه. وَسَار منجك من ليلته وَلم يعلم الْأُمَرَاء وَلَا الْعَسْكَر بِشَيْء من ذَلِك حَتَّى أَصْبحُوا وَقد قطع منجك مَسَافَة بعيدَة فَقدم منجك بعد ثَلَاث إِلَى القلعة لَيْلًا وَقدم الرَّأْس بَين يَدي السُّلْطَان وَكَانَ ضخماً مهولاً لَهُ شعر طَوِيل فاقشعر السُّلْطَان عِنْد رُؤْيَته وَبَات مرجوفاً. وَفِيه طلب الْأَمِير قبلاي الْحَاجِب ورسم بتوجهه لحفظ الكرك إِلَى أَن ياتيه نَائِب لَهَا وَكتب بِعُود الْأُمَرَاء والعساكر وَكَانَت مُدَّة حِصَار النَّاصِر أَحْمد بالكرك سنتَيْن وشهراً وَثَمَانِية أَيَّام. وَكَانَ جمال الكفاة قد تقدم فِي الدولة تقدماً زَائِدا فَإِنَّهُ ولي الْخَاص ثمَّ نظر الْجَيْش فباشرهما جَمِيعًا. وَتمكن فِي أَيَّام السُّلْطَان الْملك الصَّالح تمَكنا عَظِيما سَببه أَن السُّلْطَان اشْتَدَّ شغفه بِجَارِيَة مولدة يُقَال لَهَا اتِّفَاق كَانَت تجيد ضرب الْعود وأخذته عَن عبد عَليّ العواد العجمي فرتبه جمال الكفاة عِنْد السُّلْطَان حَتَّى صَار يجلس مَعهَا عِنْد السُّلْطَان. وَكَانَ السُّلْطَان يخْشَى من الْأَمِير أرغون العلائي وَلَا يتجاسر أَن يبسط يَده بالعطا
لِاتِّفَاق فَأسر ذَلِك لجمال الكفاة فَصَارَ يَأْتِيهِ بِكُل نَفِيس من الْجَوَاهِر وَغَيرهَا سرا فينعم بِهِ على اتِّفَاق. وَكَذَلِكَ كَانَ السُّلْطَان قد أسر للوزير نجم الدّين هَوَاهُ فِي اتِّفَاق فَكَانَ أَيْضا يحمل إِلَيْهِ فِي الْبَاطِن الْأَشْيَاء النفيسة وَلَا كَمَا يحملهُ جمال الكفاة. فعلت رُتْبَة جمال الكفاة بِحَيْثُ أَن الْوَزير نجم الدّين امْتنع عَن مُبَاشرَة الوزارة مَا لم يكن جمال الكفاة يلاحظه. ثمَّ رسم السُّلْطَان لجمال الكفاة أَن يكون مشير الدولة وَكتب لَهُ فِي توقيعه الجناب العالي بَعْدَمَا امْتنع عَلَاء الدّين عَليّ بن فضل الله كَاتب السِّرّ من ذَلِك وتوحش مَا بَينهمَا بِسَبَبِهِ. فرسم السُّلْطَان أَن يكْتب لَهُ ذَلِك فعظمت رتبته وَارْتَفَعت مكانته إِلَى أَن تعدى طوره وَأَرَادَ أَن ينخلع من زِيّ الْكتاب إِلَى هَيْئَة الْأُمَرَاء وَأَن يكون أَمِير مائَة مقدم ألف وَلم يبْق إِلَّا ذَلِك فشق على الْأُمَرَاء هَذَا الْأَمر. وَكَانَ جمال الكفاة قد تنكر عَلَيْهِ الْأَمِير أرغون العلائي بِسَبَب إقطاع عينه لبَعض أَصْحَابه فَأجَاب بِأَن السُّلْطَان قد أخرجه فَغَضب العلائي وَبعث إِلَيْهِ دواداره وَمَعَهُ حياصة من ذهب وَأمره أَن يَقُول لَهُ عَنهُ: أَنْت مَا بقيت تُعْطِي شَيْئا إِلَّا ببرطيل وَهَذِه الحياطة برطيلك خُذْهَا واقض شغل هَذَا الرجل فَلم يسمح جمال الكفاة لَهُ بالإقطاع وَقَامَ مَعَ السُّلْطَان حَتَّى عرف العلائي مشافهة بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أخرج الإقطاع فأسرها العلائي فِي نَفسه وَأخذ يغري بِهِ النَّائِب الْحَاج آل ملك والأمراء فَمَال مَعَهم الْوَزير وصاروا جَمِيعهم وَاحِدًا عَلَيْهِ ورتبوا لَهُ مهالك ليقتلوه بهَا مِنْهَا أَنه يباطن النَّاصِر أَحْمد ويكاتبه ويتصرف فِي أَمْوَال الدولة بِاخْتِيَارِهِ وَقد ضيعها كلهَا فَإِنَّهُ كَانَ نَاظر الْجَيْش ومشير الدولة وَأَنه يتحدث مَعَ السُّلْطَان فِي الْأُمَرَاء وَيَقَع فيهم ويثلب أعراضهم عِنْده. وَأخذ الْوَزير يعلم السُّلْطَان والعلائي بِأَن سَائِر مَا يُخبرهُ السُّلْطَان بِهِ من محبته لِاتِّفَاق يخبر بِهِ الْوَزير وَنقل عَنهُ من ذَلِك أَشْيَاء تبين للسُّلْطَان صِحَّته. فانحطت بذلك مكانته عِنْد السُّلْطَان ورسم بقتْله بعد أَخذ مَاله فَقبض عَلَيْهِ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشر صفر وعَلى أَوْلَاده وَزَوجته. وَقبض مَعَه على الصفي الْحلِيّ مُوسَى كَاتب قوصون وناظر الْبيُوت وعَلى الْمُوفق عبد الله بن إِبْرَاهِيم نَاظر الدولة. وَنزل المجدي إِلَى بَيت جمال الكفاة وأوقع الحوطة عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ وَنزل تمر الموساوي فأوقع الحوطة على بَيت الصفي وعني الْوَزير بالموفق فَلم يُعَاقب. ونوعت الْعُقُوبَات لجمال الكفاة والصفي وَضربت أَوْلَاد جمال الكفاة وَهُوَ يراهم ضربا مبرحاً بالمقارع وعصرت نساؤه وَنسَاء الصفي وَأخذت أَمْوَالهم. فَرفع خَالِد الْمُقدم قصَّة للسُّلْطَان ذكر فِيهَا أَنه إِن شدّ وَسطه وأقيم فِي التقدمة أظهر لَهُم مَالا كثيرا من مَال جمال الكفاة. فَطلب ورسم بشد وَسطه وَنزل إِلَيْهِم فأظهر لجمال الكفاة بتهديده إِيَّاه صندوقاً فِيهِ
مَا قِيمَته نَحْو عشْرين ألف دِينَار خَالِد وَكَانَ مودعاً بعض جِيرَانه بالمنشية وَلم يظْهر لَهُ بعد ذَلِك شَيْء. وَفِيه خلع على الضياء الْمُحْتَسب وَاسْتقر فِي نظر الدولة عوضا عَن الْمُوَافق على كره مِنْهُ لذَلِك. وَفِيه قدم الْأُمَرَاء من تجريدة الكرك فاشتدت الْعقُوبَة على جمال الكفاة خشيَة من الشَّفَاعَة فِيهِ وَضرب مائَة وَعشْرين شيباً وَسلم لخَالِد الْمُقدم فخنقه فِي لَيْلَة الْأَحَد سادس ربيع الأول وَدفن فِي يَوْم الْأَحَد بجوار تربة ابْن عبود. فَكَانَت مُدَّة مصادرته أحدا وَعشْرين يَوْمًا وَمُدَّة مُبَاشَرَته خمس سِنِين وشهراً وَأَيَّام. وعوقب الصفي مُوسَى عُقُوبَة عَظِيمَة وعصر فِي أصداغه وَضرب بالمقارع حَتَّى أنتن بدنه كُله فَلم يمت. وَأَفْرج عَن الْمُوفق بِوَاسِطَة الْوَزير وخلع عَلَيْهِ فِي الْيَوْم الْمَذْكُور وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص بعد مَا عين العلائي علم الدّين عبد الله بن تَاج الدّين أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن زنبور مُسْتَوْفِي الصُّحْبَة لنظر الْخَاص فَلم يتهيأ لَهُ لسفره بِبِلَاد الشَّام. وَفِيه خلع على أَمِين الدّين إِبْرَاهِيم بن يُوسُف السامري كَاتب طشتمر وَاسْتقر فِي نظرالجيش. وَفِيه خلع على علم الدّين بن مهلول وَاسْتقر فِي نظر الدولة عوضا عَن الضياء الْمُحْتَسب لاستعفائه وَعدم تنَاوله مَعْلُوم النّظر وأعيد الضياء الْمُحْتَسب إِلَى نظر المارستان. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا. وَفِيه قدم الْبَرِيد من حلب بِاتِّفَاق فياض وَابْن دلغادر أَمِير الأبلستين بمحاصرة قلعة طرنده وَأَخذهَا من أرتنا وَبهَا أَمْوَاله ثمَّ سيرهما إِلَى حلب. وَطلب نَائِب حلب تَجْرِيد الْعَسْكَر إِلَيْهِ فرسم بتوجه الْأَمِير مكتمر الْحِجَازِي والوزير نجم الدّين مَحْمُود والأمير طرنطاي الْحَاجِب وَخمسين مقدما من مقدمي الْحلقَة بِأَلف فَارس من أجناد الْحلقَة وجهزت نفقاتهم ثمَّ بطلت التجريدة. وتوقفت أَحْوَال الدولة من كَثْرَة الإنعامات والإطلاقات للخدام والجواري وَمن يلوذ بهم وَمن يعنون بِهِ فكثرت شكاية الْوَزير من ذَلِك. وَكتب أوراق بكلف الدولة ومتحصلها فَكَانَت الكلف ثَلَاثِينَ ألف ألف دِرْهَم فِي السّنة والمتحصل خَمْسَة عشر ألف ألف دِرْهَم. وقرئت الأوراق على السُّلْطَان والأمراء فرسم أَن يسْتَقرّ الْحَال على مَا كَانَ عَلَيْهِ إِلَى حِين وَفَاة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَبَطل مَا استجد بعده
وَأَن تقطع توابل الْأُمَرَاء وَالْكتاب حَتَّى الكماج السميذ. فَعمل بدلك شهر وَاحِد وعادت الرَّوَاتِب على مَا كَانَت عَلَيْهِ حَتَّى بلغ مَصْرُوف الْحَوَائِج خاناه فِي كل يَوْم إثنين وَعشْرين ألف دِرْهَم بعد مَا كَانَت فِي الْأَيَّام الناصرية ثَلَاثَة عشر ألف دِرْهَم. وَبينا النَّائِب جَالس يَوْمًا إِذْ قدم لَهُ مرسوم عَلَيْهِ عَلامَة السُّلْطَان براتب لحم وتوابل وكماجتين عيد باسم ابْن علم الدّين. فَقَالَ النَّائِب لصَاحب المرسوم: وَيلك أَنا نَائِب السُّلْطَان قد قطعت الكماجة الَّتِي لي فَعَسَى بجاهك تخلص لي كماجة وتزايد الْأَمر فِي ذَلِك فَلم يُمكن أحد رَفعه وَفِيه خلع على الْأَمِير ملكتمر السرجواني وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك وجهز مَعَه عدَّة صناع لعمارة مَا انْهَدم من قلعتها وإعادة البرج إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. ورسم أَن يخرج مَعَه مائَة من مماليك قوصون وبشتاك الَّذين كَانَ النَّاصِر أَحْمد أسكنهم بالقلعة بِالْقَاهِرَةِ ورتب لَهُم الرَّوَاتِب وَأَن يخرج مِنْهُم مِائَتَان إِلَى دمشق وحمص وحماة وطرابلس وصفد وحلب. فأخرجوا جَمِيعًا فِي يَوْم وَاحِد وَنِسَاؤُهُمْ وَأَوْلَادهمْ فِي بكاء وعويل وَسَخِرُوا لَهُم خُيُول الطواحين ليركبوا عَلَيْهَا فَكَانَ يَوْمًا شنيعاً. وَقدم الْخَبَر من ماردين بِأَن فياض بن مهنا فَارق ابْن دلغادر وَقصد بِلَاد الشرق ليقوي عزم الْمغل على أَخذ بِلَاد الشَّام. فَمَنعه صَاحب ماردين من ذَلِك وشفع إِلَى السُّلْطَان فِيهِ أَن يرد إِلَيْهِ إقطاعه الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ قبل الإمرية فَقبلت شَفَاعَته وَكتب برد إقطاعه الْمَذْكُور. وَفِيه قَامَ الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي فِي خلاص الصفي مُوسَى كتاب قوصون حَتَّى أفرج عَنهُ وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي ديوانه بَعْدَمَا أشرف على الْهَلَاك. وَفِيه أفرج أَيْضا عَن أهل الْأَمِير سيف الدّين أيتمش الناصري وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن جمال الكفاة. وَفِي خَامِس عشر ربيع الآخر: خلع على الْأَمِير نجم الدّين مَحْمُود وَزِير بَغْدَاد بِطَلَبِهِ الإعفاء لتوقف الْحَال. وَفِيه قدم الْخَبَر بوفاة حَدِيثَة بن مهنا وَأَن أَخَاهُ فياض بن مهنا سَار عَن ماردين وكبس سيف بن فضل أَمِير الملا فَقتل جمَاعَة من أَصْحَابه وَنهب أَمْوَاله وَأسر أَخَاهُ.
وَفِيه تنكر الْأَمِير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الْحِجَازِي على الْأَمِير آل ملك النَّائِب بِسَبَب أَنه كَانَ إِذا قدم إِلَيْهِ منشور أَو مرسوم بمرتب ليكتب عَلَيْهِ بالاعتماد يُنكره من ذَلِك وَإِذا سَأَلَهُ أحد إقطاعاً أَو مُرَتبا قَالَ لَهُ: يَا وَلَدي رح إِلَى بَاب الستارة أبْصر طواشي أَو توصل لبَعض المغاني تقضي حَاجَتك ودله بعض الْعَامَّة على مَوضِع تبَاع فِيهِ الْخمر والحشيش فأحضر أُولَئِكَ الَّذين يبيعونهما وضربهم فِي دَار النِّيَابَة بالقلعة بالمقارع وشهرهم وخلع على ذَلِك الْعَاميّ وأقامه عَنهُ فِي إِزَالَة الْمُنكر فَصَارَ يهجم الْبيُوت لأخذ الْخُمُور مِنْهَا. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشرى ربيع الآخر. خلع على شُجَاع الدّين غرلو وَاسْتقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن نجم الدّين. فَمنع شُجَاع الدّين ذَلِك الرجل الْعَاميّ من التَّعَرُّض للنَّاس وأدبه. فَطَلَبه الْأَمِير الْحَاج آل الْملك النَّائِب وَأنكر عَلَيْهِ مَنعه لَهُ فأحضر ذَلِك الرجل من الْغَد رجلا مَعَه جرة خمر فكشف النَّائِب رَأسه وصبها عَلَيْهِ وَحلق لحيته على بَاب القلعة بِحَضْرَة الْأُمَرَاء فعابوا عَلَيْهِ ذَلِك. وَأخذ الْأَمِير أرقطاي يلوم الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب وينكر عَلَيْهِ فتفاوضا فِي الْكَلَام وافترقا على غير رضى. وَاتفقَ أَن الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي كَانَ مُولَعا بِالْخمرِ وَيحمل إِلَيْهِ الْخمر على الْجمال إِلَى القلعة. فمرت الْجمال بالنائب وَهُوَ بشباك النِّيَابَة فَبعث نَقِيبًا لينْظر أَيْن تدخل ويأتيه بالجمال. فَلَمَّا دخلت الْجمال بَيت الْحِجَازِي وتسلم الشربدار مَا عَلَيْهَا وَقد فطن الْجمال بالنقيب تغيب فِي دَاخل الْبَيْت وَعرف الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي الْخَبَر فأحضر الْأَمِير ملكتمر النَّقِيب وضربه ضربا مؤلماً فَقَامَتْ قِيَامَة الْأَمِير الْحَاج آل ملك النَّائِب وتحدث مَعَ الْأَمِير أرغون العلائي فِي الْخدمَة وَأنكر على الْحِجَازِي تعاطيه الْخمر. فَأَتَاهُ الْحِجَازِي وفاوضه مُفَاوَضَة كَثِيرَة وَقَامَ مغضباً والأمير أرغون العلائي سَاكِت فَلم يعجب النَّائِب من العلائي سُكُوته وانفضوا على غير رضى فَطلب النَّائِب الْإِذْن فِي سَفَره إِلَى الْحجاز فرسم لَهُ بذلك ثمَّ منع مِنْهُ وترضاه السُّلْطَان وَاتفقَ أَن حسن بن الرديني الهجان قتل لَيْلًا فِي بَيته بسوق الْخَيل من منسر كبس عَلَيْهِ وَقد خرج السُّلْطَان إِلَى سرحة سرياقوس فاتهم وَلَده بذلك عِيسَى بن حسن الهجان وبالغاً الْأَعْرَج لعداوة بَينهمَا وَبَين أَبِيه فَقبض عَلَيْهِمَا إِلَى النَّائِب فعراهما وأ! راد أَن يضربهما بالمقارع فمازالا بِهِ حَتَّى أمهلهما أَيَّامًا عينهَا ليكشفوا عَن الْقَاتِل
فسعيا بالأمراء حَتَّى أفرج عَنْهُمَا مُعَارضَة للنائب وَمنع من طلبهما. وأنعم على ولد حسن بإقطاع أَبِيه ووظيفته فَاشْتَدَّ حنق النَّائِب وَأطلق لِسَانه بالْكلَام. وَفِيه قدم سيف بن فضل فَأكْرمه السُّلْطَان وَكتب إِلَى نَائِب الشَّام بِالْقَبْضِ على أَحْمد بن مهنا إِذا قدم عَلَيْهِ. وَكَانَ فياض قد بَعثه ليَأْخُذ لَهُ الْأمان من السُّلْطَان فَيوم قدم دمشق أمسك هُوَ وَابْن أَخِيه وحبسا بالقلعة ترضية للأمير سيف. فَجمع فياض عربه يُرِيد أَخذ دمشق فَجرد النَّائِب لَهُ عشرَة أُمَرَاء فَرجع عَن مقْصده. وَبلغ ذَلِك الْأَمِير أقسنفر الناصري نَائِب طرابلس فشق عَلَيْهِ سجن أَحْمد بن مهنا فَإِنَّهُ كتب فِيهِ للسُّلْطَان وَأَنه ضمن دركه ودرك فياض. فَأُجِيب أقسنقر بِقبُول شَفَاعَته ورسم بحضورهما إِلَى مصر فاتفق من مَكَّة مَا اتّفق. وَقدم الْخَبَر بِنفَاق عربان الْوَجْه القبلي وقطعهم الطرقات على النَّاس وامتداد الْفِتَن بَينهم نَحْو شَهْرَيْن قتل فِيهَا خلق عَظِيم وَأَن عرب الفيوم أغار بَعضهم على بعض وذبحوا الْأَطْفَال على صُدُور أمهاتهم فَقتل بَينهم قَتْلَى كَثِيره. وأخربوا ذَات الصَّفَا وَمنعُوا الْخراج فِي الْجبَال وَقَطعُوا الْمِيَاه حَتَّى شَرق أَكثر بِلَاد الفيوم فَلم يلْتَفت أُمَرَاء الدولة لذَلِك لشغلهم بالصيد وَنَحْوه. وَفِيه نقل غرلو من ولَايَة الْقَاهِرَة إِلَى سد الدَّوَاوِين والدولة فِي غَايَة التَّوَقُّف. فاستجد غرلوا من الْحَوَادِث أَن من طلب ولَايَة أَو شدّ جِهَة يحمل مَالا بِحَسب وظيفته إِلَى بَيت المَال. وَعرف غرلو السُّلْطَان أَن هَذَا المَال كَانَ يحمل للنَّاظِر والمباشرين وَأَنه تنزه عَن ذَلِك وَأظْهر نهضة وَأَمَانَة. وَفِيه قدم الْخَبَر بِكَثْرَة فَسَاد العشير بِبِلَاد الشَّام وقطعهم الطرقات لقلَّة حُرْمَة الْأَمِير طقزدمر نَائِب الشَّام. فَانْقَطَعت طرقات طرابلس وبعلبك ونهبت بلادهما. وامتدت الْفِتْنَة بَين العشير زياده على شهر قتل فِيهَا خلق كثير. ونحروا الْأَطْفَال على صُدُور أمهاتهم وأضرموا النَّار على مَوضِع احْتَرَقَ فِيهِ زِيَادَة على عشْرين امْرَأَة. وَفِيه توقفت أَحْوَال الْقَاهِرَة من جِهَة الْفُلُوس وتحسن سعر أَكثر المبيعات. وَذَلِكَ أَن الْمُعَامَلَة بالفلوس كَانَت بِالْعدَدِ فَكثر فِيهَا الْفُلُوس الخفاق وانتدب جمَاعَة لشراء النّحاس الْخلق بِدِرْهَمَيْنِ الرطل وقصه فُلُوسًا خفافاً فَبلغ الرطل مِنْهَا عشْرين درهما. وَصَارَ الرصاص يقطع على هَيْئَة الْفُلُوس ويخلط بهَا. وجلب كثير من فلوس الشَّام وَهِي وَاسِعَة فَكَانَت تقطع سِتّ قطع كل مِنْهَا فلس إِلَى أَن أفحش ذَلِك وَكثر التعنت
فِيهَا. فَطلب السُّلْطَان الْمُحْتَسب والوالي وَأنكر عَلَيْهِمَا فقبضا على كثير من الباعة وضربوا عدَّة مِنْهُم بالمقارع وشهروهم فتحسنت الأسعار كلهَا. فألزم الْمُحْتَسب سماسرة الغلال أَلا يزِيدُوا فِي سعر الْغلَّة شَيْئا فَلم يتجاسر أحد مِنْهُم أَن يزِيد شَيْئا فِي السّعر. ثمَّ نُودي أَلا يُؤْخَذ من الْفُلُوس إِلَّا مَا عَلَيْهِ سكَّة السُّلْطَان وَمَا عدا ذَلِك يُؤْخَذ بِحِسَاب كل رَطْل دِرْهَمَيْنِ وَلَا يقبل فِيهِ نُحَاس وَلَا رصاص. فشريت الْفُلُوس وَأخذ مِنْهَا مَا عَلَيْهِ السِّكَّة السُّلْطَانِيَّة وتعامل النَّاس بهَا عددا ووزنوا فِي الْمُعَامَلَة الْفُلُوس الْخفاف بالرطل على حِسَاب دِرْهَمَيْنِ كل رَطْل ففقدت بعد قَلِيل. ثمَّ ألزم النَّاس بِحمْل مَا عِنْدهم من الْفُلُوس إِلَى دَار الضَّرْب فَضربت فُلُوسًا جدداً. وَلم يكن فِي الدولة حَاصِل يحمل لدار الضَّرْب كَمَا هِيَ الْعَادة لتوقف أمرهَا. وَفِيه قدم الْأَمِير جركتمر الْحَاجِب من كشف الغلال وَقد حصل من متوفر غلال العربان بِبِلَاد الشَّام أَرْبَعمِائَة ألف وَخمسين ألف دِرْهَم. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى سرياقوس على الْعَادة. وَفِيه قبض على الْمُقدم خَالِد وَوَقعت الحوطة على موجوده وَأخذ لسوء سيرته. وَفِيه قدم رَسُول ابْن دلغادر وَأَخُوهُ وَابْن عَمه بكتابه وأنعم عَلَيْهِ بِزِيَادَة من أَرَاضِي حلب. وَفِي نصف شعْبَان: قدمت الْحرَّة أُخْت صَاحب الغرب فِي جمَاعَة كَثِيرَة وعَلى يَدهَا كتاب السُّلْطَان أبي الْحسن يتَضَمَّن السَّلَام وَأَن يدعوا لَهَا الخطباء فِي يَوْم الْجُمُعَة فِي خطبهم ومشايخ الصّلاح وَأهل الْخَيْر بالنصر على عدوهم وَأَن يكْتَسب لأهل الْحَرَمَيْنِ بذلك. وَذَلِكَ أَن فِي السّنة الخالية كَانَت بَينه وَبَين الفرنج وقْعَة عَظِيمَة قتل فِيهَا وَلَده وَنَصره الله بمنه على الْعَدو وَقتل كثيرا مِنْهُم وَملك مِنْهُم الجزيرة الخضراء. فعمر الفرنج مِائَتي شيني وجمعوا طوائفهم وقصدوا الْمُسلمين بالجزيرة وأوقعوا بهم عي حِين غَفلَة. فاستشهد عَالم كَبِير وَنَجَا أَبُو الْحسن فِي طَائِفَة من ألزامه بعد شَدَائِد. وَملك الفرنج الجزيرة وأسروا وَسبوا وغنموا شَيْئا يجل وَصفه ثمَّ مضوا إِلَى جِهَة غرناطة ونصبوا عَلَيْهَا مائَة منجنيق حَتَّى صَالحهمْ أَهلهَا على قطيعة يقومُونَ بهَا وتهادنوا مُدَّة عشر سِنِين. وقدمت رسل البنادقة من الفرنج بهدية وسألوا الرِّفْق بهم وَالْمَنْع من ظلمهم وَألا يُؤْخَذ مِنْهُم إِلَّا مَا جرت بِهِ عَادَتهم وَأَن يمكنوا من بيع بضائعهم على من يختارونه.
فرسم لناظر الْخَاص أَلا يتَعَرَّض لبضائعهم وَلَا يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا إِلَّا بِقِيمَتِه وَلَا يلْزمهُم بشرَاء مَا لَا يختارون شِرَاءَهُ وَأَن يَأْخُذ مِنْهُم على كل مائَة دِينَار دِينَارَانِ وَكَانُوا يؤدون عَن الْمِائَة أَرْبَعَة دَنَانِير وَنصف دِينَار ليكْثر الفرنج من بِلَادهمْ جلب البضائع. وَفِي مستهل شهر رَمَضَان: توقفت أَحْوَال الدولة فِي كل شَيْء وَعجز الْوَزير عَن لحم المعاملين وجوامك المماليك وسكرهم الْجَارِي بِهِ الْعَادة فِي شهر رَمَضَان. وَكَانَ السكر الْجَارِي فِي الْأَيَّام الناصرية مُحَمَّد بن قلاوون ألف قِنْطَار فَبلغ فِي هَذَا الشَّهْر ثَلَاثَة آلَاف قِنْطَار ونيف وَلم يُوجد فِي بَيت المَال شَيْء لِكَثْرَة الزِّيَادَات فِي الرَّوَاتِب. وَعز وجود السكر لتلاف الْقصب فِيمَا مضى فرسم بِقطع راتب الْأُمَرَاء والمماليك وأرباب الْوَظَائِف كلهم وَلم يصرف سكر إِلَّا لِنسَاء السُّلْطَان فَقَط وكتبت أوراق بكلف الدولة فَمنع جَمِيع مَا استجد بعد السُّلْطَان النَّاصِر مُحَمَّد وَكتب بذلك مرسوم سلطاني فتوفر فِي كل يَوْم أَرْبَعَة آلَاف رَطْل لحم وسِتمِائَة كماج سميذ وثلاثمائة أردب شعير وَفِي كل شهر مبلغ ألف دِرْهَم وَفِي السّنة عدَّة كساوى. وأضيف سوق الْخَيل وَالْجمال وَالْحمير إِلَى الدولة وَعوض مقطوعها بِأَرْض سيلا من أَعمال الفيوم وبناحية سمنديون من القليوبية وبناحية فيشة من الغربية خلا ماهو فِيهَا لقضاة الْقُضَاة عوضا عَمَّا كَانَ لَهُم على الجوالي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: خلع عَليّ تَقِيّ الدّين سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الرَّحِيم بن سَالم بن مراحل وَاسْتقر فِي نظر دمشق وَكَانَ قد طلب إِلَى مصر عوضا عَن المكين إِبْرَاهِيم ابْن قروينة باستعفائه. وَفِيه كتب بِنَقْل نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المحسني من طرابلس إِلَى دمشق واستقراره فِي وَظِيفَة الشد رَفِيقًا لِابْنِ مراحل. فضبطا الْجِهَات ضبطاً كَبِيرا وقطعا من موقعي دمشق نَحْو الْعشْرين قد استجدوا وَمِنْهُم ابْن الزملكاني وَابْن غَانِم وَابْن الشهَاب مَحْمُود وَأَوْلَاده وجمال الدّين بن نباتة الْمصْرِيّ وقطعا كثيرا من البريدية وحملا كسْوَة