المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(سنة إحدى وعشرين وسبعمائة) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ٣

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌(وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث ذِي الْحجَّة)

- ‌(سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي رَابِع عشريه)

- ‌(سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم السبت ثَمَانِي عشرى شَوَّال)

- ‌(سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر رَمَضَان)

- ‌(وَفِي سَابِع عشره)

- ‌(فِي ثامن الْمحرم)

- ‌(سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي خَامِس رَمَضَان)

- ‌(وَفِي ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة)

- ‌(وَفِي ثَانِي عشرى رَمَضَان)

- ‌(سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تاسعه)

- ‌(سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشره)

- ‌(وَفِي يَوْم السبت حادي عشرَة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره)

- ‌(وَفِي هده السّنة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشريه)

- ‌(وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس ذِي الْقعدَة)

- ‌(سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشريه)

الفصل: ‌(سنة إحدى وعشرين وسبعمائة)

(سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة)

فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث الْمحرم: قدم الْفَخر نَاظر الْجَيْش من الْحجاز وَكَانَ قد سَافر إِلَى مَكَّة فِي مُدَّة اثنى عشر يَوْمًا وَغَابَ حَتَّى قدم نَحْو شهر وَتصدق فِي الْحَرَمَيْنِ بإثني عشر ألف دِينَار. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشره: قدم الْأَمِير أرغون النَّائِب من الْحجاز وَكَانَ قد سَافر أول ذِي الْقعدَة وَمَشى من مَكَّة إِلَى عَرَفَات على قَدَمَيْهِ بهيئة الْفُقَرَاء. ثمَّ قدم الْأَمِير بهاء الدّين أصلم أَمِير الركب بالحاج وَلم ير فِيمَا تقدم مثل كَثْرَة الْحَاج فِي موسم الحالية. وَكَانَت الوقفة يَوْم الْجُمُعَة. وَكَانَ حَاج مصر سَبْعَة ركُوب: ركب فِي شهر رَجَب وَأَرْبَعَة فِي شَوَّال أَولهَا رَحل فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره ورحل أَخّرهَا يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشره. وَسَار الْأَمِير أرغون النَّائِب أول ذِي الْقعدَة فِي جمَاعَة ثمَّ توجه الْفَخر فِي جمَاعَة وَركب الْبَحْر خلائق وَاجْتمعَ بِعَرَفَة مَا يزِيد على ثَلَاثِينَ ركباً. ووقف محمل الْعرَاق خلف محمل مصر وَمن خَلفه محمل الْيمن. واعتنى أَبُو سعيد بِأَمْر حَاج الْعرَاق عناية تَامَّة وغشى الْمحمل بالحرير ورصعه بِاللُّؤْلُؤِ والياقوت وأنواع الْجَوَاهِر وَجعل لَهُ جتراً ينصب عَلَيْهِ إِذا وضع. فَلَمَّا مر ركب الْعرَاق بعرب الْبَحْرين خرج عَلَيْهِم ألف فَارس يُرِيدُونَ أَخذهم فتوسط النَّاس بَينهم على أَن يَأْخُذُوا من أَمِير الركب ثَلَاثَة أُلَّاف دِينَار فَلَمَّا قيل لَهُم إِنَّمَا جِئْنَا من الْعرَاق بِأَمْر الْملك النَّاصِر صَاحب مصر وَكتابه إِلَيْنَا بِالْمَسِيرِ إِلَى الْحجاز أعادوا المَال وَقَالُوا: لأجل الْملك النَّاصِر نخفركم بِغَيْر شَيْء ومكنوهم من الْمسير. فَبلغ ذَلِك السُّلْطَان فسر بِهِ وَبَالغ فِي الإنعام على العربان. وَكَانَ السُّلْطَان قد بعث إِلَى أُمَرَاء الْمغل وأعيانهم الْخلْع فَلَمَّا انْقَضى الْحَج خلع عَلَيْهِم الْأَمِير أرغون النَّائِب ودعا لأبي سعيد بعد الدُّعَاء للسُّلْطَان بِمَكَّة. وَفِيه قدم كتاب نَائِب الشَّام فِي الشَّفَاعَة فِي ابْن تَيْمِية وَكَانَ قد سجن فِي السّنة

ص: 35

الْمَاضِيَة فأفرج عَنهُ بَعْدَمَا سجن خَمْسَة أشهر وَشرط عَلَيْهِ أَلا يُفْتِي بِمَسْأَلَة الطَّلَاق. وَفِيه اسْتَقر كريم الدّين الْكَبِير فِي نظر الْجَامِع الطولوني فَنمت أوقافه. وَفِيه قدم الْبَرِيد من دمشق بهدم كَنِيسَة للْيَهُود بِدِمَشْق على يَد الْعَامَّة. وفيهَا أخرج الْأَمِير شرف الدّين أَمِير حُسَيْن بن جندر إِلَى دمشق. وَسَببه أَنه لما أنشأ جَامعه الْمَعْرُوف بِجَامِع أَمِير حُسَيْن بجوار دَاره فِي بر الخليج الغربي وَعمل القنطرة أَرَادَ أَن يفتح فِي سور الْقَاهِرَة خوخة تَنْتَهِي إِلَى حارة الوزيرية فَأذن لَهُ السُّلْطَان فِي فتحهَا فخرق بَابا كَبِيرا وَعمل عَلَيْهِ رنكه فسعى بِهِ علم الدّين سنجر الْخياط مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة أَنه فتح بَابا قدر بَاب زويلة وَعمل عَلَيْهِ رنكه فشق عَلَيْهِ ذَلِك وَأخرجه من يَوْمه على إقطاع الْأَمِير جوبان وَنقل جوبان إِلَى وَفِيه قدم الْأَمِير سيف الدّين طقصباي من بِلَاد أزبك. وَقدم من الأردو الْأَمِير باورر ابْن براجوا أحد أَعْيَان الْمغل فأنعم عَلَيْهِ بإمرة طبلخاناه بِمصْر. وَفِيه قدم أَبُو يحيى اللحياني من الغرب وَلم يُمكن من الْبِلَاد فرتب لَهُ بالإسكندرية مَا يَكْفِيهِ وَأقَام بهَا. وَفِيه أخرج الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الْخَوَارِزْمِيّ حاجباً بِالشَّام. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع ربيع الآخر: ثارت الْعَامَّة يدا وَاحِدَة وهدموا كنيستين متقابلتين بالزهري وكنيسة بُسْتَان السكرِي وتعرف بالكنيسة الْحَمْرَاء وَبَعض كنيستين بِمصْر وَكَانَ ذَلِك من غرائب الِاتِّفَاق ونوادر الْحَوَادِث: وَالْخَبَر عَنهُ أَن السُّلْطَان لما عزم على إنْشَاء الزريبة بجوار جَامع الطيبرسي على النّيل احْتَاجَ إِلَى طين كثير فَنزل بِنَفسِهِ وَعين مَكَانا من أَرض بُسْتَان الزُّهْرِيّ قَرِيبا من ميدان المهارة ليَأْخُذ مِنْهُ الطين ولينشئ فِي هَذَا الْمَكَان بركَة وَعوض مستحقي وَقفه بدله وَكتب أوراقاً

ص: 36

بأسماء الْأُمَرَاء وأفزر لكل مِنْهُم قِيَاسا مَعْلُوما فَتَوَلّى قِيَاس ذَلِك عدَّة من المهندسين مَعَ الْأَمِير بيبرس الحاحب. وابتدأ الْأُمَرَاء فِي الْحفر يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشري ربيع الأول وَرفعُوا الطين على بغالهم ودوابهم إِلَى شاطئ النّيل حَيْثُ عمل الزريبة. فَلم يزل الْحفر مستمراً إِلَى أَن قرب من كَنِيسَة الزُّهْرِيّ وأحاط بهَا الْحفر من دايرها وَصَارَت فِي الْوسط بِحَيْثُ تمنع من اتساع الْبركَة. فَعرف الْأَمِير أقسنقر شاد العمائر السُّلْطَان بذلك فَأمره أَن يُبَالغ فِي الْحفر حولهَا حَتَّى تتَعَلَّق وَإِذا دخل اللَّيْل فيدع الْأُمَرَاء تَهدمهَا ويشيع أَنَّهَا سَقَطت على غَفلَة مِنْهُم فاعتمد الْحفر فِيمَا حولهَا وكتم مَا يُريدهُ وَصَارَت غلْمَان الْأُمَرَاء تصرخ وتريد هد الْكَنِيسَة وآقسنقر يمنعهُم من ذَلِك. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع ربيع الآخر: بَطل الْعَمَل وَقت الصَّلَاة لاشتغال الْأُمَرَاء بِالصَّلَاةِ فَاجْتمع من الغلمان والعامة طَائِفَة كَبِيرَة وصرخوا صَوتا وَاحِدًا الله أكبر ووقعوا فِي أَرْكَان الْكَنِيسَة بِالْمَسَاحِي والفوس حَتَّى صَارَت كوماً وَوَقع من فِيهَا من النَّصَارَى وانتهب الْعَامَّة مَا كَانَ بهَا. والتفتوا إِلَى كَنِيسَة الْحَمْرَاء المجاوره لَهَا وَكَانَت من أعظم كنائس النَّصَارَى وفيهَا مَال كَبِير وعدة من النَّصَارَى مَا بَين رجال وَنسَاء مترهبات فَصَعدت الْعَامَّة فَوْقهَا وفتحوا أَبْوَابهَا ونهبوا أموالها وخمورها. وانتقلوا إِلَى كَنِيسَة بومنا بجوار السَّبع سقايات وَكَانَت معبدًا جَلِيلًا من معابد النَّصَارَى فكسروا بَابهَا ونهبوا مَا فِيهَا وَقتلُوا مِنْهَا جمَاعَة وَسبوا بَنَات كَانُوا بهَا تزيد عدتهن على سِتِّينَ بكرا فَمَا انْقَضتْ الصَّلَاة حَتَّى ماجت الأَرْض فَلَمَّا خرج النَّاس من الْجَامِع رَأَوْا غباراً ودخان الْحَرِيق قد ارتفعا إِلَى السَّمَاء وَمَا فِي الْعَامَّة إِلَّا من بِيَدِهِ بنت قد سباها أَو جرة خمر أَو ثوب أَو شَيْء من النهب فدهشوا وظنوا أَنَّهَا السَّاعَة قد قَامَت. وانتشر الْخَبَر من السَّبع سقايات إِلَى تَحت القلعة فَأنْكر السُّلْطَان ارْتِفَاع الْأَصْوَات بالضجيج وَأمر الْأَمِير أيدغمش بكشف لخَبر. فَلَمَّا بلغه مَا وَقع انزعج لذَلِك انزعاجاً زَائِدا وَتقدم إِلَى أيدغمش أَمِير أخور فَركب بالوشاقية ليقْبض على الْعَامَّة ويشهرهم. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن ركب أيدغمش إِذا بملوك الْأَمِير علم الدّين سنجر الخازن مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة حضر وَأخْبر بِأَن الْعَامَّة ثارت بِالْقَاهِرَةِ وأخربوا كَنِيسَة بحارة الرّوم وكنيسة بحارة زويلة وَأَنه ركب خوفًا على الْقَاهِرَة من النهب. وَقدم مَمْلُوك وَالِي مصر وَأخْبر بِأَن عامتها قد تجمعت لهدم كَنِيسَة الْمُعَلقَة حَيْثُ مسكن البترك وأموال النَّصَارَى وَيطْلب نجدة. فلشدة مَا نزل بالسلطان من الْغَضَب هم أَن يركب بِنَفسِهِ ثمَّ أرْدف أيدغمش بأَرْبعَة أُمَرَاء سَارُوا إِلَى مصر وَبعث بيبرس الْحَاجِب وألماس الْحَاجِب إِلَى مَوضِع الْحفر وَبعث طينال إِلَى الْقَاهِرَة ليضعوا السَّيْف فِيمَن وجدوه. فَقَامَتْ الْقَاهِرَة ومصر على

ص: 37

سَاق وفرت النهابة فَلم تدْرك الْأُمَرَاء مِنْهُم إِلَّا من غلب على نَفسه بالسكر من الْخمر. وَأدْركَ الْأَمِير أيدغمش وَالِي مصر وَقد هزمته الْعَامَّة من زقاق الْمُعَلقَة وأنكوا مماليكه بِالرَّمْي عَلَيْهِم وَلم يبْق إِلَّا أَن يحرقوا أَبْوَاب الْكَنِيسَة فَجرد هُوَ وَمن مَعَه السيوف ليفتك بهم فَرَأى عَالما عَظِيما لَا يحصيهم إِلَّا خالقهم فَكف عَنْهُم خوف اتساع الْخرق ونادى من وقف فدمه حَلَال فخافت الْعَامَّة أَيْضا وَتَفَرَّقُوا. ووقف أيدغمش يحرس الْمُعَلقَة إِلَى أَن أذن الْعَصْر فَصلي بِجَامِع عَمْرو وَعين خمسين أوشاقيا للمبيت مَعَ الْوَالِي على بَاب الْكَنِيسَة وَعَاد. وَكَانَ كَأَنَّمَا نُودي فِي إقليم مصر بهدم الْكَنَائِس وَأول مَا وَقع الصَّوْت بِجَامِع قلعة الْجَبَل: وَذَلِكَ أَنه لما انْقَضتْ صَلَاة الْجُمُعَة صرخَ رجل موله فِي وسط الْجَامِع: اهدموا الْكَنِيسَة الَّتِي فِي القلعة وَخرج فِي صراخه عَن الْحَد واضطرب. فتعجب السُّلْطَان والأمراء مِنْهُ وَندب نقيب الْجَيْش والحاجب لتفتيش سَائِر بيُوت القلعة فوجدوا كَنِيسَة فِي خرائب التتر قد أخفيت فهدموها. وَمَا هُوَ إِلَّا أَن فرغوا من هدمها وَالسُّلْطَان يتعجب إِذْ وَقع الصُّرَاخ تَحت القلعة وبلغه هدم الْعَامَّة للكنائس كَمَا تقدم وَطلب الرجل الموله فَلم يُوجد. وعندما خرج النَّاس من صَلَاة الْجُمُعَة بالجامع الْأَزْهَر من الْقَاهِرَة رَأَوْا الْعَامَّة فِي هرج عَظِيم وَمَعَهُمْ الأخشاب والصلبان وَالثيَاب وَغَيرهَا وهم يَقُولُونَ: السُّلْطَان نَادَى بخراب الْكَنَائِس فظنوا الْأَمر كَذَلِك. وَكَانَ قد خرب من كنائس الْقَاهِرَة سوى كنيستي حارة الرّوم وحاره زويلة وكنيسة بالبندقانيين كنائس كَثِيرَة ثمَّ تبين أَن ذَلِك كَانَ من الْعَامَّة بِغَيْر أَمر السُّلْطَان. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد حادي عشره: سقط الطَّائِر من الْإسْكَنْدَريَّة بِأَنَّهُ لما كَانَ النَّاس فِي صَلَاة الْجُمُعَة تجمع الْعَامَّة وصاحوا هدمت الْكَنَائِس فَركب الْأَمِير بدر الدّين المحسني مُتَوَلِّي الثغر بعد الصَّلَاة ليدرك الْكَنَائِس فَإِذا بهَا قد صَارَت كوماً وَكَانَت عدتهَا أَربع كنائس. وَوَقعت بطاقة من وَالِي الْبحيرَة بِأَن الْعَامَّة هدمت كنيستين فِي مَدِينَة دمنهور وَالنَّاس فِي صَلَاة الْجُمُعَة. ثمَّ ورد مَمْلُوك وَالِي قوص فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره وَأخْبر بِأَنَّهُ لما كَانَ يَوْم الْجُمُعَة هدم الْعَامَّة سِتّ كنائس بقوص فِي نَحْو نصف سَاعَة. وتواترت الْأَخْبَار من الْوَجْه القبلي وَالْوَجْه البحري بهدم الْكَنَائِس وَقت صَلَاة الْجُمُعَة فَكثر التَّعَجُّب من وُقُوع هَذَا الِاتِّفَاق فِي سَاعَة وَاحِدَة بِسَائِر الأقاليم.

ص: 38

وَصَارَ السُّلْطَان يشْتَد غَضَبه من الْعَامَّة والأمراء تسكن غَضَبه وَتقول. يَا مَوْلَانَا هَذَا إِنَّمَا هُوَ من فعل الله. وَإِلَّا فَمن يقدر من النَّاس على هدم كنائس الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط والقاهرة ومصر وبلاد الصَّعِيد فِي سَاعَة وَاحِدَة وَهُوَ يشْتَد على الْعَامَّة وَيزِيد الْبَطْش بهم فهرب كثير مِنْهُم. وَكَانَ الَّذِي هدم فِي هَذِه السَّاعَة من الْكَنَائِس سِتُّونَ كَنِيسَة: وَهِي كَنِيسَة بقلعة الْجَبَل وكنيسة بِأَرْض الزُّهْرِيّ مَوضِع الْبركَة الناصرية وكنيسة بالحمراء وكنيسة بجوار السَّبع سقايات وكنيسة أبي المنا بجوارها وكنيسة الفهادين بحارة الحكر وكنيسة بحارة الرّوم من الْقَاهِرَة وكنيسة البندقانيين مِنْهَا وكنيسة بحارة زويلة وكنيسة بخزانة البنود وكنيسة بالخندق خَارج الْقَاهِرَة وَأَرْبع كنائس بالإسكندرية وكنيستان بدمنهور الْوَحْش وَأَرْبع كنائس بالغربية وَثَلَاث كنائس بالشرقية وست كنائس بالبهنساوية وبسيوط ومنفلوط ومنية بن خصيب ثَمَانِي كنائس وقوص وأسوان إِحْدَى عشرَة كَنِيسَة والإطفيحية كنيستان وبمدينة مصر بِخَط المصاصة وسوق وردان وَكَانَ عقيب هدم الْكَنَائِس وُقُوع الْحَرِيق بِالْقَاهِرَةِ ومصر فابتدأ يَوْم السبت خَامِس عشر جُمَادَى الأولى وتواتر إِلَى سلخه. وَكَانَ من خَبره أَن الميدان الْكَبِير المطل على النّيل

ص: 39

لما فرغ الْعَمَل فِيهِ ركب السُّلْطَان إِلَيْهِ فِي يَوْم السبت الْمَذْكُور وَكَانَ أول لعبه فِيهِ بالأكرة فَبَلغهُ الْخَبَر بعد عوده إِلَى القلعة بِأَن الْحَرِيق وَقع فِي ربع من أوقاف المارستان المنصوري بِخَط الشوايين من الْقَاهِرَة. وَاشْتَدَّ الْأَمر والأمراء تطفئه إِلَى عصر يَوْم الْأَحَد فَوَقع الصَّوْت قبل الْمغرب بالحريق فِي حارة الديلم بزقاق العريسة قريب من دَار كريم الدّين الْكَبِير. وَدخل اللَّيْل وَاشْتَدَّ هبوب الرِّيَاح فسرت النَّار فِي عدَّة أَمَاكِن. وَبعث كريم الدّين بولده علم الدّين عبد الله إِلَى السُّلْطَان يعرفهُ فَبعث عدَّة من الْأُمَرَاء والمماليك لإطفائه خوفًا على الحواصل السُّلْطَانِيَّة ثمَّ تفاقم الْأَمر وَاحْتَاجَ أقسنقر شاد العمائر إِلَى جمع سَائِر السائقين والأمراء وَنزلت الْحجاب وَغَيرهم وَالنَّار تعظم طول نَهَار الْأَحَد وَخرجت النِّسَاء مسبيات من دورهن. وَبَاتُوا على ذَلِك وَأَصْبحُوا يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالنَّار تتْلف مَا تمر بِهِ والهد وَاقع فِي الدّور الَّتِي تجاور الْحَرِيق خشيَة من تعلق النَّار فِيهَا وسريانها فِي جَمِيع دور الْقَاهِرَة. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الثُّلَاثَاء خرج أَمر الْحَرِيق عَن الْقُدْرَة البشرية وَخرجت ريح عَاصِفَة أَلْقَت النخيل وغرقت المراكب ونشرت النَّار فَمَا شكّ النَّاس فِي أَن الْقِيَامَة قد قَامَت. وَعظم شرر النيرَان وَصَارَت تسْقط فِي عدَّة مَوَاضِع بعيدَة فَخرج النَّاس وتعلقوا بالمأذن واجتمعوا فِي الْجَوَامِع والزوايا وضجوا بِالدُّعَاءِ والتضرع إِلَى الله تَعَالَى وَصعد السُّلْطَان إِلَى أعلا الْقصر فهاله مَا شَاهد. وَأصْبح النَّاس يَوْم الثُّلَاثَاء فِي أَسْوَأ حَال فَنزل النَّائِب بِسَائِر الْأُمَرَاء وَجَمِيع من فِي القلعة وَجَمِيع أهل الْقَاهِرَة وَنقل المَاء على جمال الْأُمَرَاء ولحقه الْأَمِير بكتمر الساقي وأخرجت جمال الْقرى السُّلْطَانِيَّة ومنعت أَبْوَاب الْقَاهِرَة أَن يخرج مِنْهَا سقاء ونقلت الْمِيَاه من الْمدَارِس والحمامات والآبار. وجمعت سَائِر البنائين والنجارين فهدت الدّور من أَسْفَلهَا وَالنَّار تحرق فِي سقوفها. وَعمل الْأُمَرَاء الألوف وعدتهم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أَمِيرا بِأَنْفسِهِم فِي طفي الْحَرِيق وَمَعَهُمْ سَائِر أُمَرَاء الطبلخاناه والعشراوات وتناولوا المَاء بِالْقربِ من السقائين بِحَيْثُ صَار من بَاب زويلة إِلَى حارة الرّوم بحراً وَحضر كريم الدّين أكْرم الصَّغِير. بِمِائَتي رجل. فَكَانَ يَوْمًا لم ير أشنع مِنْهُ بِحَيْثُ لم يبْق أحد إِلَّا وَهُوَ فِي شغل. ورؤى سَائِر الْأُمَرَاء وَهِي تَأْخُذ الْقرب من مماليكها وتطفئ النَّار بأنفسها وتدوس الوحل بأخفافها. ووقف الْأَمِير بكتمر الساقي والأمير أرغون النَّائِب حَتَّى نقلت الحواصل السُّلْطَانِيَّة من بَيت كريم الدّين إِلَى بَيت وَلَده علم الدّين عبد الله بدرب الرصاصي وَهدم لأجل نقل الحواصل سِتَّة عشر دَارا. وخمدت النَّار وَعَاد الْأُمَرَاء.

ص: 40

فَوَقع الصياح فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء بِربع الْملك الظَّاهِر خَارج بَاب زويلة وبقيسارية الْفُقَرَاء وهبت الرِّيَاح مَعَ ذَلِك. فَركب الْحجاب والوالي وَعمِلُوا فِي طفيها إِلَى بعد الظّهْر من يَوْم الْأَرْبَعَاء وهدموا دوراً كَثِيرَة مِمَّا حوله. فَمَا كَاد أَن يفرغ الْعَمَل من إطفاء النَّار حَتَّى وَقعت النَّار فِي بَيت الْأَمِير سلار بِخَط القصرين فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ وَإِذا بالنَّار ابتدأت من أعلا البادهنج وَكَانَ ارتفاعه من الأَرْض زِيَادَة على مائَة ذِرَاع بِذِرَاع الْعَمَل وَرَأَوا فِيهِ نفطاً قد عمل فِيهِ فَتِيلَة كَبِيرَة فمازالوا بالنَّار حَتَّى أطفئت من غير أَن يكون لَهَا أثر كَبِير. وَنُودِيَ بِأَن يعْمل بِجَانِب كل حَانُوت بالقاهره ومصر زير وَدَن ملآن مَاء وَكَذَلِكَ بِسَائِر الحارات والأزقة فَبلغ ثمن كل دن من ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَى خَمْسَة وكل زير إِلَى ثَمَانِيَة دَرَاهِم لِكَثْرَة طلبَهَا. فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْخَمِيس: وَقع الْحَرِيق بحارة الرّوم وبخارج الْقَاهِرَة وَتَمَادَى الْحَال كَذَلِك وَلَا تَخْلُو سَاعَة من وُقُوع الْحَرِيق بِموضع من الْقَاهِرَة ومصر وَامْتنع وَالِي الْقَاهِرَة والأمير بيبرس الْحَاجِب من النّوم. فشاع بَين النَّاس أَن الْحَرِيق من جِهَة النَّصَارَى لما أنكاهم هدم الْكَنَائِس ونهبها وَصَارَت النيرَان تُوجد تَارَة فِي مَنَابِر الْجَوَامِع وَتارَة فِي حيطان الْمدَارِس والمساجد. وَوجدت النَّار بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية فَزَاد قلق النَّاس وَكثر خوفهم وَزَاد استعدادهم بادخار الْآلَات المملوءة مَاء فِي أسطحة الدّور وَغَيرهَا. وَأكْثر مَا كَانَت النَّار تُوجد فِي الْعُلُوّ فَتَقَع فِي زروب الأسطحة فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْجُمُعَة حادي عشريه: قبض على راهبين خرجا من الْمدرسَة الكهارية بِالْقَاهِرَةِ وَقد أرميا النَّار وأحضرا إِلَى الْأَمِير علم الدّين سنجر الخازن وَالِي الْقَاهِرَة فشم مِنْهُمَا رَائِحَة الكبريت وَالزَّيْت فأحضرهما من الْغَد إِلَى السُّلْطَان فَأمر بعقوبتهما حَتَّى يعترفا. فَلَمَّا نزل الْأَمِير علم الدّين بهما وجد الْعَامَّة قد قبضت على نَصْرَانِيّ من دَاخل بَاب جَامع الظَّاهِر بالحسينية وَمَعَهُ كعكة خرق بهَا نفط وقطران وَقد وَضعهَا بِجَانِب الْمِنْبَر فَلَمَّا فاح الدُّخان وأنكروه وجد النَّصْرَانِي وَهُوَ خَارج والأثر فِي يَدَيْهِ فَعُوقِبَ قبل صَاحِبيهِ. فاعترف النَّصْرَانِي أَن جمَاعَة من النَّصَارَى قد اجْتَمعُوا وَعمِلُوا النفط وفرقوه على جمَاعَة ليدوروا بِهِ على الْمَوَاضِع. ثمَّ عاقب الْأَمِير علم الدّين الراهبين فأقرا أَنَّهُمَا من دير الْبَغْل وأنهما هما اللَّذَان أحرقا سَائِر الْأَمَاكِن الَّتِي تقدم

ص: 41

ذكرهَا. وَذَلِكَ أَنه لما مر بالكنائس مَا كَانَ حنق النَّصَارَى من ذَلِك وَأَقَامُوا النِّيَاحَة عَلَيْهَا وَاتَّفَقُوا على نكاية الْمُسلمين وَعمِلُوا النفط وحشوه بالفتائل وعملوها فِي سِهَام ورموا بهَا فَكَانَت الفتيلة إِذا خرجت من السهْم تقع على مَسَافَة مائَة ذِرَاع. فَلَمَّا أَنْفقُوا ذَلِك فرقوه فِي جمَاعَة فصاروا يدورون فِي الْقَاهِرَة بِاللَّيْلِ وَحَيْثُ وجدوا فرْصَة انتهزوها وألقوا الفتيلة حَتَّى كَانَ مَا كَانَ. فطالع الْأَمِير علم الدّين السُّلْطَان بذلك. وَاتفقَ وُصُول كريم الدّين الْكَبِير نَاظر الْخَاص من الْإسْكَنْدَريَّة فَعرفهُ السُّلْطَان مَا وَقع من الْقَبْض على النَّصَارَى فَقَالَ كريم الدّين: النَّصَارَى بطرك يرجعُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يعرف أَحْوَالهم. فامر السُّلْطَان كريم الدّين بِطَلَب البطرك إفي بَيته واستعلام الْخَبَر مِنْهُ فاتاه لَيْلًا فِي حماية وافي الْقَاهِرَة خوفًا من الْعَامَّة مبالغ كريم الدّين فِي إجلاله وأعلمه. مِمَّا ذكر الرهبان وأحضرهم إِلَيْهِ فَذكرُوا لَهُ كَمَا ذكرُوا للوالي فبكا وَقَالَ: هَؤُلَاءِ سُفَهَاء قد فعلوا كَمَا فعلوا سفهاؤكم وَالْحكم للسُّلْطَان. وَمن أكل الحامض ضرس وَالْحمار العثور يلقِي الأَرْض بِأَسْنَانِهِ. وَأقَام البطرك سَاعَة وَقَامَ فَركب بغلة كَانَ قد رسم لَهُ مُنْذُ أَيَّام بركوبها فشق ذَلِك على النَّاس وهموا بِهِ لَوْلَا الْخَوْف مِمَّن حوله من المماليك. فَلَمَّا ركب كريم الدّين من الْغَد صاحت الْعَامَّة بِهِ: مَا يحل لَك يَا قَاضِي تحامي للنصاري وَقد أخربوا بيُوت الْمُسلمين وتركبهم البغال فانتكى كريم الدّين مِنْهُم نكاية بَالِغَة وَأخذ يهون من امْر النَّصَارَى الممسوكين وَيذكر أَنهم سُفَهَاء وَعرف السُّلْطَان مَا كَانَ من أَمر البطرك وَأَنه اعتنى بِهِ. فَأمر السُّلْطَان الْوَالِي بعقوبة النَّصَارَى فأقروا على أَرْبَعَة عشر رَاهِبًا بدير الْبَغْل فَقبض عَلَيْهِم من الدَّيْر. وعملت حفيرة كَبِيرَة بشارع الصليبة وأحرق فِيهَا أَرْبَعه مِنْهُم فِي يَوْم الْجُمُعَة وَقد اجْتمع من النَّاس عَالم عَظِيم. فاشتدت العامه عِنْد ذَلِك على النَّصَارَى وأهانوهم وسلبوهم ثِيَابهمْ وألقوهم من الدَّوَابّ إِلَى الأَرْض. وَركب السُّلْطَان إِلَى الميدان يَوْم السبت ثَانِي عشريه وَقد اجْتمع عَالم عَظِيم وصاحوا: نصر الله الْإِسْلَام انصر دين مُحَمَّد بن عبد الله. فَلَمَّا اسْتَقر السُّلْطَان بالميدان حَتَّى أحضر لَهُ الخازن وَالِي الْقَاهِرَة نَصْرَانِيين قد قبض عَلَيْهِمَا فأحرقا خَارج الميدان. وَخرج كريم الدّين الْكَبِير من الميدان وَعَلِيهِ التشريف فصاحت بِهِ الْعَامَّة: كم تحامي لِلنَّصَارَى وسبوه ورموه بِالْحِجَارَةِ فَعَاد إِلَى الميدان. فشق ذَلِك على السُّلْطَان

ص: 42

وَاسْتَشَارَ الْأُمَرَاء فِي أَمر الْعَامَّة فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْأَمِير جمال الدّين أقوش نَائِب الكرك بعزل الْكتاب النصاري فَإِن النَّاس قد أبغضوهم فَلم يرضه ذَلِك. وَتقدم السُّلْطَان إِلَى ألماس الْحَاجِب أَن يخرج فِي أَرْبَعَة أُمَرَاء وَيَضَع السَّيْف فِي الْعَامَّة حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى بَاب زويلة ويمر إِلَى بَاب النَّصْر وَهُوَ كَذَلِك وَلَا يرفع السَّيْف عَن أحد وَأمر وَالِي الْقَاهِرَة أَن يتَوَجَّه إِلَى بَاب اللوق وَالْبَحْر وَيقبض من وجده ويحملهم إِلَى القلعة وَعين لذَلِك مماليك تخرج من الميدان. فبادر كريم الدّين وَسَأَلَ السُّلْطَان الْعَفو فَقبل شَفَاعَته ورسم بِالْقَبْضِ على الْعَامَّة من غير قَتلهمْ. وَكَانَ الْخَبَر قد طَار ففرت الْعَامَّة حَتَّى الغلمان وَصَارَ الْأَمِير لَا يجد من يركبه. وانتشر ذَلِك فغلقت جَمِيع أسواق الْقَاهِرَة فَمَا وصل الْأَمر إِلَى بَاب زويلة حَتَّى لم يَجدوا أحدا وشقوا الْقَاهِرَة إِلَى بَاب النَّصْر فَكَانَت سَاعَة لم يمر بِالنَّاسِ أعظم مِنْهَا. وَمر الْوَالِي إِلَى بَاب اللوق وبولاق وَبَاب الْبَحْر وَقبض كثيرا من الكلابزة والنواتية وأراذل الْعَامَّة بِحَيْثُ صَار كل من رأه أَخذه. وجفل النَّاس من الْخَوْف وعدوا فِي المراكب إِلَى بر الجيزة. فَلَمَّا عَاد السُّلْطَان إِلَى القلعة لم يجد أحدا فِي طَرِيقه وأحضر إِلَيْهِ الْوَالِي بِمن قبض عَلَيْهِ وهم نَحْو الْمِائَتَيْنِ فرسم أَن يصلبوا وأفرد جمَاعَة للشنق وَجَمَاعَة للتوسيط وَجَمَاعَة لقطع الْأَيْدِي. فصاحوا: يَا خوند مَا يحل لَك! فَمَا نَحن الْغُرَمَاء وتباكوا فرق لَهُم بكتمر الساقي وَقَامَ مَعَه الْأُمَرَاء ومازالوا بالسلطان حَتَّى رسم بصلب جمَاعَة مِنْهُم على الْخشب من بَاب زويلة إِلَى سوق الْخَيل وَأَن يعلقوا بِأَيْدِيهِم. فَأَصْبحُوا يَوْم الْأَحَد صفا وَاحِدًا من بَاب زويلة إِلَى سوق الْخَيل تَحت القلعة فتوجع لَهُم النَّاس وَكَانَ مِنْهُم كثير من بَيَاض النَّاس وَلم تفتح الْقَاهِرَة. وَخَافَ كريم الدّين على نَفسه وَلم يسْلك من بَاب زويلة وَصعد القلعة من خَارج السُّور فَإِذا السُّلْطَان قد قدم الكلابزة وَأخذ فِي قطع أَيْديهم. فكشف كريم الدّين رَأسه وَقبل الأَرْض وباس رجل السُّلْطَان وَسَأَلَهُ الْعَفو. فَأَجَابَهُ السُّلْطَان بمساعدة الْأَمِير بكتمر وَأمر بهم فقيدوا وأخرجوا للْعَمَل فِي الحفير بالجيزة. وَمَات مِمَّن قطع يَده رجلَانِ وامر بحط من علق على الْخشب.

ص: 43

فللحال وَقع الصَّوْت بحريق أَمَاكِن بجوار جَامع ابْن طولون وبوقوع الْحَرِيق فِي القلعة وَفِي بَيت الأحمدي بحارة بهاء الدّين من الْقَاهِرَة وبفندق طرنطاي خَارج بَاب الْبَحْر فدهش السُّلْطَان. وَكَانَ هَذَا الفندق برسم تجار الزَّيْت الْوَارِد من الشَّام فعمت النَّار كل مَا فِيهِ حَتَّى الْعمد الرخام وَكَانَت سِتَّة عشر عموداً طول كل مِنْهَا سِتَّة أَذْرع باعمل ودوره نَحْو ذراعين فَصَارَت كلهَا جيراً وَتلف فِيهِ لتاجر وَاحِد مَا قِيمَته تسعون ألف دِرْهَم وَقبض فِيهِ على ثَلَاثَة نَصَارَى مَعَهم فتائل النفط اعْتَرَفُوا أَنهم فعلوا ذَلِك. فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت تَاسِع عشريه: ركب السُّلْطَان إِلَى الميدان فَوجدَ نَحْو الْعشْرين ألفا من الْعَامَّة قد صبغوا خرقاً بالأزرق والأصفر وَعمِلُوا فِي الْأَزْرَق صلباناً بَيْضَاء ورفعوها على الجريد وصاحوا عَلَيْهِ صَيْحَة وَاحِدَة: لَا دين إِلَّا دين الْإِسْلَام {نصر الله دين مُحَمَّد بن عبد الله} يَا ملك النَّاصِر يَا سُلْطَان الْإِسْلَام إنصرنا على أهل الْكفْر وَلَا تنصر النَّصَارَى فخشح السُّلْطَان والأمراء وَمر إِلَى الميدان وَقد اشْتغل سره وَركبت الْعَامَّة أسوار الميدان وَرفعت الْخرق وَهِي تصيح. لَا دين إِلَّا دين الْإِسْلَام. فخاف السُّلْطَان الْفِتْنَة وَرجع إِلَى مداراتهم وَتقدم إِلَى الْحَاجِب بِأَن يخرج وينادي: من وجد نَصْرَانِيّا فدمه وَمَاله حَلَال. فَلَمَّا سمعُوا النداء صرخوا صَوتا وَاحِدًا: نصرك الله يَا نَاصِر دين الْإِسْلَام فارتجت الأَرْض. وَنُودِيَ عقيب ذَلِك بِالْقَاهِرَةِ ومصر: من وجد من النَّصَارَى بعمامة بَيْضَاء حل دَمه. وَمن وجد من النَّصَارَى رَاكِبًا باستواء حل دَمه. وَكتب مرسوم بِلبْس النَّصَارَى العمائم الزرق وَألا يركبُوا فرسا وَلَا بغلاً وَأَن يركبُوا الْحمير عرضا وَلَا يدخلُوا الْحمام إِلَّا بجرس فِي أَعْنَاقهم وَلَا يتزيوا بزِي الْمُسلمين هم وَنِسَاؤُهُمْ وَأَوْلَادهمْ. ورسم لِلْأُمَرَاءِ بِإِخْرَاج النَّصَارَى من دواوينهم وَمن دواوين السُّلْطَان وَكتب بذلك إِلَى سَائِر الْأَعْمَال وغلقت الْكَنَائِس والأديرة وَطلب السّني ابْن سِتّ بهجة وَالشَّمْس بن كثير فَلم يوجدا. وتجرأت الْعَامَّة على النَّصَارَى بِحَيْثُ إِذا وجدوهم ضربوهم وعروهم ثِيَابهمْ فَلم يتجاسر نَصْرَانِيّ أَن يخرج من بَيته. وَلم يتحدث فِي أَمر الْيَهُود فَكَانَ النَّصْرَانِي إِذا طَرَأَ لَهُ أَمر يتزيا بزِي الْيَهُود ويلبس عمامه صفراء يكتريها من يَهُودِيّ ليخرج فِي حَاجته. وَاتفقَ أَن بعض كتاب النَّصَارَى حضر إِلَى يَهُودِيّ لَهُ عَلَيْهِ مبلغ ألف دِرْهَم ليَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا فأمسكه الْيَهُودِيّ وَصَاح: أَنا با للة وبالمسلمين فخاف النَّصْرَانِي وَقَالَ لَهُ:

ص: 44