المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(سنة أربعين وسبعمائة) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ٣

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌(وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث ذِي الْحجَّة)

- ‌(سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي رَابِع عشريه)

- ‌(سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم السبت ثَمَانِي عشرى شَوَّال)

- ‌(سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر رَمَضَان)

- ‌(وَفِي سَابِع عشره)

- ‌(فِي ثامن الْمحرم)

- ‌(سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي خَامِس رَمَضَان)

- ‌(وَفِي ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة)

- ‌(وَفِي ثَانِي عشرى رَمَضَان)

- ‌(سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تاسعه)

- ‌(سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشره)

- ‌(وَفِي يَوْم السبت حادي عشرَة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره)

- ‌(وَفِي هده السّنة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشريه)

- ‌(وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس ذِي الْقعدَة)

- ‌(سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشريه)

الفصل: ‌(سنة أربعين وسبعمائة)

(سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة)

فِي يَوْم السبت مستهل الْمحرم: قدم رَسُول الْأَمِير يُوسُف بن أتابك الْكرْدِي صَاحب الْجبَال ووطاة نَصِيبين يخبر بِكَثْرَة جموعه من الأكراد وَأَنه رغب فِي الانتماء إِلَى السُّلْطَان وَضرب السِّكَّة فِي بِلَاده باسمه وَطلب نجدته بعسكر يتسلم مَا بِيَدِهِ من الْبِلَاد ليَكُون نَائِب السلطنة بهَا وَأَن يشرف بصناجق سلطانية عَلَيْهَا اسْم السُّلْطَان لتعينه فِي غاراته فأحيب بالشكر وجهزت لَهُ هَدِيَّة وخيول وَسلَاح. وَفِيه: قدم الْخَبَر بِكَثْرَة الْفِتَن والغارات وَالِاخْتِلَاف بِبِلَاد الْمشرق من نَحْو الصين وبلاد الخطا إِلَى ديار بكر. وَفِيه: قدم مبشرو الْحَاج برخاء الأسعار وسلامة الْحَاج. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِيه: قدم الْأَمِير بشتاك من الْحَج وطلع القلعة بعد الظّهْر فِي اثْنَي عشر رجلا مِنْهُم أَرْبَعَة نجابة وصحبته الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الْأَمِير بكتمر الْحَاجِب. وَكَانَ السُّلْطَان والأمراء أجِيبُوا لنواب قد قدمُوا لَهُ عِنْد سَفَره شَيْئا يجل عَن الْوَصْف فَبعث السُّلْطَان لَهُ مِائَتي ألف دِرْهَم وَمِائَة هجين وَأَرْبَعين بختياً وَسِتِّينَ جملا. فَلَمَّا قدم مَكَّة فرق فِي الْأُمَرَاء مَالا كثيرا فَبعث إِلَى كل من الْأُمَرَاء المقدمين ألف دِينَار وَإِلَى كل من أُمَرَاء الطبلخاناه خَمْسمِائَة دِينَار وَفرق فِي الأجناد وَبعث إِلَى بيُوت الْأُمَرَاء بِمَال كثير ثمَّ استدعى المجاورين جَمِيعهم والأشراف وَغَيرهم من أهل مَكَّة والزيالعة وَفرق فيهم المَال وَلم يبْق بِمَكَّة أحد حَتَّى أسدى إِلَيْهِ مَعْرُوفا فَكَانَ جملَة مَا فرق بشتاك ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَأَرْبَعمِائَة ألف دِرْهَم سوى مَا وصل إِلَيْهِ فِي المراكب من الغلال. فَلَمَّا قدم بشتاك الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة بعد قَضَاء نُسكه فعل بهَا خيرا كثيرا وَمضى مِنْهَا إِلَى الكرك فَتَلقاهُ الْأَمِير شطى بن عبِّيَّة أَمِير آل عقبَة فِي أَرْبَعمِائَة فَارس من عربه وأضافه ثمَّ سَار بشتاك وَمَعَهُ الْأَمِير شطى وَمن مَعَه من الْعَرَب إِلَى الْعقبَة وَقدم إِلَى الْقَاهِرَة ثَانِي الْمحرم كَمَا تقدم. وَفِي رَابِع عشريه: قدم ركب الْحَاج.

ص: 263

وَفِيه انْقَطع مقطع بالقناطر الَّتِي أَنْشَأَهَا السُّلْطَان على جسر شيبين فَركب إِلَيْهِ الْأَمِير برسبغا الحاحب وَجمع لَهُ من النواحي أَرْبَعَة أُلَّاف رجل واستدعى بالأخشاب والصواري من دَار الصِّنَاعَة بِمصْر وغرق فِيهِ عدَّة مراكب. فَأَقَامَ برسبغا اثْنَيْنِ وَعشْرين يَوْمًا حَتَّى سد المقطع وَبلغ المصروف عَلَيْهِ فِي ثمن مراكب غرقت وَثمن صواري وحجارة وجير وجبس وحلفاً وَأُجْرَة رجال ثَلَاثِينَ ألف دِينَار غير سخر الْبِلَاد. وفيهَا قدم زين الدّين عمر بن مُحَمَّد بن عبد الْحَاكِم البلفيائي قَاضِي حلب باستدعاء فولى عوضه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن خَلِيل بن إِبْرَاهِيم الرَّسْعَنِي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وضعت السِّت طولو قرطقا زَوْجَة الْأَمِير يلبغا اليحياوي وَأُخْت خوند زَاد وَزَوْجَة السُّلْطَان فَعمل لَهَا السُّلْطَان مهما عَظِيما أَقَامَت الأفراح سَبْعَة أَيَّام بلياليها وَلم يبْق أحد من الْأُمَرَاء إِلَّا وَبعث بِزَوْجَتِهِ فَفرق السُّلْطَان فِي نسَاء الْأُمَرَاء جَمِيعهنَّ مَا بَين خَمْسمِائَة دِينَار إِلَى أَرْبَعمِائَة دِينَار إِلَى ثَلَاثمِائَة الْوَاحِدَة. وَكَانَ السُّلْطَان قد عمل للنفساء قبل وِلَادَتهَا داير بَيت وبشخاناه وَنَحْو ذَلِك بِعشْرين ألف دِينَار وَعمل لَهَا عِصَابَة مُرْضِعَة بأنواع الْجَوَاهِر قومت بِخَمْسِينَ ألف دِينَار وأنعم على زوحها بِثَلَاثَة أُلَّاف دِينَار. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي صفر: قبض على النشو وعَلى أَخِيه شرف الدّين رزق الله وعَلى أَخِيه المخلص ورفيقه مجد الدّين وعَلى صهره ولي الدولة. وَسبب ذَلِك أَنه لما أسرف النشو فِي الظُّلم بِحَيْثُ قل الجالب للبضائع وَذهب أَكثر أَمْوَال التُّجَّار لطرح الْأَصْنَاف عَلَيْهِم بأغلى الْأَثْمَان وَطلب السُّلْطَان مِنْهُ يتزايد خَافَ النشو الْعَجز فَرجع عَن ظلم الْعَامَّة إِلَى التَّعَرُّض إِلَى الْخَاصَّة ورتب مَعَ أَصْحَابه ذَلِك. وَكَانَت عَادَته فِي كل لَيْلَة أَن يجمع إخْوَته وصهره وَمن يَثِق بِهِ للنَّظَر فِيمَا يحدثه من الْمَظَالِم فيدله ظلّ مِنْهُم على آبدة ثمَّ يفترقون وَقد أبرم للنَّاس بلَاء يعذبهم الله بِهِ من الْغَد على يَده فَكَانَ مِمَّا اقترحه أَن رتب أوراقاً تشْتَمل على فُصُول يتَحَصَّل فِيهَا ألف ألف دِينَار عينا وَقرأَهَا على السُّلْطَان: وَمِنْهَا التقاوي السُّلْطَانِيَّة المخلدة بالنواحي من الدولة الظَّاهِرِيَّة بيبرس والمنصورية قلاوون فِي إقطاعات الْأُمَرَاء والأجناد وجملتها

ص: 264

مائَة ألف وَسِتُّونَ ألف أردب سوى مَا فِي بِلَاد السُّلْطَان من التقاوي وَمِنْهَا الرزق الأحباسية على الْجَوَامِع والمساجد والزوايا وَغير ذَلِك وَهِي مائَة ألف فدان وَثَلَاثُونَ آلف فدان وَقرر النشو مَعَ السُّلْطَان أَن يَأْخُذ التقاوي السُّلْطَانِيَّة الْمَذْكُورَة بِأَن يلْزم مُتَوَلِّي كل إقليم باستخراجها وَحملهَا وَأَن يُقيم شادا يختاره لكشف الرزق الأحباسية فَمَا كَانَ مِنْهَا على مَوضِع عَامر بِذكر الله يُعْطه نصف مَا هُوَ وقف عَلَيْهِ وَيَأْخُذ من مزارعه عَن النّصْف الآخر بِحِسَاب مائَة دِرْهَم الفدان وَيلْزمهُ بخراج ثَلَاث سِنِين وَمَا كَانَ من الرزق على مَوضِع خراب أَو على أهل الأرياف من الخطباء الْجُهَّال وَنَحْوهم أَخذ واستخرج من مزارعه خراج ثَلَاث سِنِين من حِسَاب مائَة دِرْهَم الفدان وَمِنْهَا أَرَاضِي الرَّوْضَة تجاه مَدِينَة مصر فَإِنَّهَا بيد أَوْلَاد الْمُلُوك ويستأجرها مِنْهُم الدَّوَاوِين وينشئون بهَا سواقي الأقصاب وَنَحْوهَا مِمَّا بلغ قيمَة الفدان مِنْهُ ألف دِرْهَم وَمِنْهَا مَا بَاعه أَوْلَاد الْمُلُوك بأبخس الْأَثْمَان - وَقرر النشو مَعَ السُّلْطَان أَخذ أَرَاضِي الرَّوْضَة للخاص وَأَن يُقَاس مَا أبيع مِنْهَا وَيُؤْخَذ مِمَّن هِيَ بِيَدِهِ تفَاوت قيمتهَا أَو تجدّد عَلَيْهِ إِجَارَة للسُّلْطَان بِالْقيمَةِ وَمِنْهَا أَرْبَاب الرَّوَاتِب السُّلْطَانِيَّة فَإِن أَكْثَرهم عبيد الدَّوَاوِين وغلمانهم وَنِسَاؤُهُمْ ويكتبونها باسم زيد وَعَمْرو وَمِنْهَا مَا هُوَ مُرَتّب لجَماعَة من النَّصَارَى والرهبان سكان الديارات - وَقرر النشو مَعَ السُّلْطَان عرض جَمِيع أَرْبَاب الرَّوَاتِب وَالنَّظَر فِي تواقيعهم وإبقاء أَرْبَاب الْبيُوت وَمن يسْتَحق على مَا بِيَدِهِ وَأخذ تواقيع من عداهم وإلزامه بِحل جَمِيع مَا استأداه من تَارِيخ توقيعه إِلَى أخر وَقت وَمِنْهَا ذكر حواصل الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد وتفصيل مَاله من أَمْلَاك وأراضي ومتاجر ومرتبات ورسوم على أَرْبَاب الْوَظَائِف السُّلْطَانِيَّة وعَلى صناع العمائر وتفصيل مَا حمل إِلَيْهِ من العمائر السُّلْطَانِيَّة من الْأَصْنَاف - وَذكر النشو العمائر الَّتِي عمرها أقبغا من ديوَان السُّلْطَان وَمَا لَهُ لبلاد الشَّام وجملتها وَحدهَا خَمْسمِائَة ألف دِينَار سوى مَا لَهُ بديار مصر وَمِنْهَا ذكر مَا أَخذه الْأَمِير طاجار الدوادار من الْبِلَاد الشامية وَمن أهل مصر على قَضَاء أشغالهم وتفصيل أملاكه. وَقرر النشو مَعَ السُّلْطَان الْقَبْض على آقبغا وطاجار فوافقه السُّلْطَان على ذَلِك.

ص: 265

وَكَانَ أول مَا بَدَأَ بِهِ النشو أَن ندب جمَاعَة لقياس الرَّوْضَة جَمِيعهَا من مذدرعها وأراضي دورها وألزم أَرْبَاب الدّور الَّتِي بهَا بإحضار كتب دُورهمْ وَأَن يقومُوا عَن أراضيها بِقِيمَتِهَا من تَارِيخ شِرَائهَا ووكل ابْن صابر باستخراج ذَلِك مِنْهُم وَأخذ عَن البروز فِي الدّور خَاصَّة مائَة وَأمر النشو مباشري الجوالي بِقطع مَا عَلَيْهَا من المرتبات عَن جوامك الْقُضَاة وَالشُّهُود ومشايخ الْعلم وَنَحْوهم وَكتب إِلَى جَمِيع الْأَعْمَال يحمل مَال الجوالي إِلَى خزانَة الْخَاص وَمن تعجل مِنْهَا شيا يستعاد مِنْهُ فَجمع من ذَلِك مَالا كَبِيرا. فانزعج النَّاس كلهم وَلم يتجاسرأحد من الْأُمَرَاء على السُّلْطَان فِي الحَدِيث مَعَه فِي ذَلِك حَتَّى ذكر السُّلْطَان لَهُم أَن لَهُ نَحْو آلف أردب غلَّة فِي الْبِلَاد وَأَنه يُرِيد أَخذهَا فتلطف بِهِ الْحَاج آل ملك وبيبرس الأحمدي وجنكلي بن البابا حَتَّى سمح بِأَن يتمهل بطلبها حتم يفرغ الْحَرْث وَيقبض الْمغل. فَلَمَّا فرغ النشو من قِيَاس الرَّوْضَة ألزم أَرْبَاب الرَّوَاتِب أَن يحضروا إِلَى القلعة وَمَعَهُمْ تواقيعهم وألزم المباشرين بِعَمَل الْحساب وَحمل مَا تَحت أَيّدهُم من ذَلِك وألزم جَمِيع أَرْبَاب الرزق الأحباسية بإحضار تواقيعهم وَبعث الْبَرِيد إِلَى الْأَعْمَال بذلك وألزم ديوَان الأحباس بِكِتَابَة الرزق كلهَا فزلزل أَرض مصر قبليهما وبحريها وَلم يقبل لأحد شَفَاعَة حَتَّى الأميرين بشتاك وقوصون فَإِنَّهُمَا كَانَا إِذا بعثا إِلَيْهِ فِي شَفَاعَة رد عَلَيْهِمَا ردا جَافيا وَأَغْلظ على رسلهما. فاتفق الخاصكية جَمِيعًا عَلَيْهِ وندبوا للْحَدِيث مَعَ السُّلْطَان الْأَمِير يلبغا اليحياوي والأمير ملكتمر الْحِجَازِي وَغَيرهمَا فَصَارَ كل مِنْهُم يسمع السُّلْطَان قبح سيرة النشو وَهُوَ يتغافل إِلَى أَن حَدثهُ يلبغا وَهُوَ يَوْمئِذٍ أخص الخاصكية عِنْده وَقَالَ عَنهُ: يَا خوند وَالله النشو يَضرك أَكثر مَا ينفعك وَاتفقَ وُصُول الْأَمِير قرمجي الْحَاجِب من دمشق فَأَعَادَهُ السُّلْطَان سَرِيعا ليستشير الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام فِي أَمر النشو وَأَنه قد بعضه أهل الدولة كلهم مَعَ كَثْرَة نَفعه لي ثمَّ وجد السُّلْطَان عدَّة أوراق فِي حق النشو قد رميت لَهُ من غير أَن يعرف رافعها مِنْهَا رقْعَة فِيهَا: أيا ملكا أصبح فِي نشوة من نشوة الظَّالِم فِي نشيه أنشيته فلتنشئن ضغائنا سترى غباوتها بِصُحْبَة غيه

ص: 266

حكمته فحكمت أمرا فَاسِدا وتوحشت كل الْقُلُوب لفحشه سترى بوارقها إِذا مَا أظلمت وتحكمت أَيدي الزَّمَان ببطشه ودستندمن ندامة كسعية يَوْمًا

إِذا ذبح الخروف بكبشه فَلَمَّا قَرَأَهَا السُّلْطَان تغير لَونه ومزقها. وَوجد السُّلْطَان ورقة أُخْرَى فِيهَا. أمعنت فِي الظُّلم وأكثرته وزدت يَا نشو على الْعَالم ترى من الظَّالِم فِيكُم لنا فلعنة الله على الظَّالِم وَعَن قريب عَاد قرمجي فِي سادس عشرى الْمحرم وَأخْبر عَن نَائِب الشَّام بِأَنَّهُ قد استفيض مَا ذكره السُّلْطَان من بغض مماليكه للنشو وَأَن التُّجَّار وأرباب الْأَمْوَال فِي خوف شَدِيد من ظلمه وَرَأى السُّلْطَان فِيهِ أَعلَى. وَكَانَ يَوْم وُصُوله بالقلعة منْظرًا مهولاً فَإِنَّهُ اجْتمع بهَا أَرْبَاب الرَّوَاتِب وَالصَّدقَات وَفِيهِمْ الأرامل والأيتام والزمناء والعميان وصاروا فِي بكاء ونحيب فتقطعت الْقُلُوب حسرات رَحْمَة لَهُم. وشغل الله النشو عَنْهُم بِنَفسِهِ فحد لَهُ قولنج وَهُوَ بخزانة الْخَاص. فَأمر السلطالن النَّاس أَن ينصرفوا ويحضروا أول الشَّهْر وَمن تَأَخّر شطب على اسْمه. فَنزل بعد الظّهْر من القلعة وَتَفَرَّقُوا تِلْكَ اللَّيْلَة بالجوامع فِي الْقَاهِرَة ومصر وَهِي لَيْلَة سَابِع عشرى الْمحرم للدُّعَاء بِسَبَب توقف النّيل عَن الزِّيَادَة فَإِنَّهُ كَانَ قد توقف توقفاً زَائِدا فَلَمَّا قرب الْوَفَاء نقص وَاسْتمرّ على نَقصه أَيَّامًا فصرفوا دعاءهم على النشو طول ليلتهم وَكَانُوا جموعاً كَثِيرَة إِلَى الْغَايَة. فَأصْبح النشو مَرِيضا وَانْقطع بداره حَتَّى فرغ الْمحرم فحذره الْفَاضِل شمس الدّين مُحَمَّد بن الْأَكْفَانِيِّ مَعَ قطع مخوف فِي أول صفر يخْشَى مِنْهُ إِرَاقَة دَمه. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد أول صفر: ركب النشو إِلَى القلعة وَبِه أثر الْمَرَض فِي وَجهه فقرر مَعَ ا! سُلْطَان إِيقَاع الحوطة على أقبغا عبد الْوَاحِد من الْغَد. فتقرر الْحَال على أَنه يجلس على بَاب الخزانة فَإِذا خرج الْأَمِير بشتاك من الْخدمَة جلس مَعَه على بَاب الخزانة ثمَّ قاما إِلَى بَيت آقبغا وحاطا بموجوده كُله. فَلَمَّا عَاد النشو إِلَى دَاره عبر إِلَى الْحمام لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ وَمَعَهُ ابْن الأكفان فَأمر بعض عبيده السود أَن يحلق رَأسه ويجرحه بِحَيْثُ يسيل الدَّم على جِسْمه ليَكُون ذَلِك حَظه من الْقطع الْمخوف فَفعل بِهِ ذَلِك، بِمَا دفع الله عَنْهُم بِهَذَا، وَبَاتُوا ليلتهم فِي

ص: 267

هَذَا وَقد كَانَ الْأَمِير يلبغا اليحياوي قد وعك جِسْمه فقلق السُّلْطَان لمرضه وَأقَام عِنْده لِكَثْرَة شغفه بِهِ. فَقَالَ لَهُ يلبغا فِيمَا قَالَ: يَا خوند قد عظم إحسانك لي وَوَجَب نصحك عَليّ والمصلحة الْقَبْض على النشو وَإِلَّا دخل عَلَيْك الدخيل فَإِنَّهُ مَا عنْدك أحد من مماليكك إِلَّا وَهُوَ يترقب غَفلَة مِنْك وَقد عرفتك ونصحتك قبل أَن أَمُوت وَبكى. فَبكى السُّلْطَان لبكائه وَقَامَ وَهُوَ لَا يعقل لِكَثْرَة مَا دَاخله من الْوَهم لِثِقَتِهِ بيليغا وَطلب بشتاك وعرفه أَن النَّاس قد كَرهُوا النشو وَأَنه عزم على الْإِيقَاع بِهِ فخاف بشتاك أَن يكون ذَلِك امتحاناً من السُّلْطَان فَوجدَ عزمه قَوِيا فِي الْقَبْض. وَاقْتضى الْحَال إِحْضَار الْأَمِير قوصون أَيْضا فقوي عزم السُّلْطَان على ذَلِك ومازال بِهِ حَتَّى قرر مَعَهُمَا أَخذه. وَأصْبح النشو يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي صفر وَفِي ذهنه أَن الْقطع الَّذِي خوف مِنْهُ قد زَالَ عَنهُ بِمَا دبره لَهُ ابْن الْأَكْفَانِيِّ من إسالة الدَّم فعلق عَلَيْهِ عدَّة من الْعُقُود والطلسمات والحروز وَركب إِلَى القلعة. وَجلسَ النشو بَين يَدي السُّلْطَان على عَادَته وَأخذ مَعَه فِي القبص على أقبغا عبد الْوَاحِد كَمَا قَرَّرَهُ فَأمره السُّلْطَان أَن يجلس على بَاب خزانَة الْقصر حَتَّى يخرج إِلَيْهِ الْأَمِير بشتاك ثمَّ يمضيا لإيقاع الحوطة على موجوده فَقَامَ. وَطلب السُّلْطَان الْمُقدم ابْن صابر وَأسر إِلَيْهِ أَن يقف بجماعته على بَاب القلعة وَبَاب القرافة وَلَا يدعوا أحدا من حَوَاشِي النشو وأقاربه وَإِخْوَته أَن ينزلُوا وَأَن يقبضوا عَلَيْهِم كلهم. وَأمر السُّلْطَان الْأَمِير بشتاك والأمير برسبغا الْحَاجِب أَن يمضيا إِلَى النشو ويقبضا عَلَيْهِ وعَلى أَقَاربه. فَخرج بشتاك وَجلسَ على بَاب الخزانة وَطلب النشو من داخلها فَظن النشو أَنه جَاءَ لميعاده مَعَ السُّلْطَان حَتَّى يحتاطا على مَوْجُود أقبغا عبد الْوَاحِد فساعة مَا وَقع بَصَره عَلَيْهِ أَمر مماليكه بِأَخْذِهِ إِلَى بَيته من القلعة وَبعث إِلَى الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي فَأخذ أَخَاهُ رزق الله وَأخذ أَخَاهُ المخلص وَسَائِر أَقَاربه. فطار الْخَبَر إِلَى الْقَاهِرَة ومصر فَخرج النَّاس كَأَنَّهُمْ جَراد منتشر. وَركب الْأَمِير آقبغا عبد الْوَاحِد والأمير طيبغا المجدي والأمير بيغرا والأمير برسبغا لإيقاع الحوطة على بيُوت النشو وأقاربه وحواشيه وَمَعَهُمْ جمال الكفاة كَاتب الْأَمِير بشتاك وشهود الخزانة. وَأخذ السُّلْطَان لِلْأُمَرَاءِ: وَكم تَقولُونَ النشو نهب أَمْوَال النَّاس السَّاعَة نَنْظُر المَال الَّذِي عِنْده وَكَانَ السُّلْطَان يظنّ أَنه يُؤَدِّيه الْأَمَانَة وَأَنه لَا مَال لَهُ. فندم الْأُمَرَاء على تحسينهم مسك النشو خوفًا من أَن لَا يظْهر لَهُ مَال سِيمَا قوصون وبشتاك من أجل

ص: 268

أَنَّهُمَا كَانَا قد بَالغا فِي الْحَط عَلَيْهِ وإغراء السُّلْطَان بِهِ فَكثر قلقهما وَلم يأكلا طَعَاما وبعثا فِي الْكَشْف عَن الْخَبَر. فَلَمَّا أوقع الْأُمَرَاء الحوطة على دور الممسوكين بَلغهُمْ أَن حَرِيم النشو فِي بُسْتَان بِجَزِيرَة الْفِيل فَسَارُوا إِلَيْهِ وهجموه فوجدوا سِتِّينَ جَارِيَة وَأم النشو وَامْرَأَته وَأُخْته وولديه وَسَائِر أَهله وَعِنْدهم مِائَتَا جنبة عِنَب وقند كثير ومعاصر وهم فِي عصر الْعِنَب. فختموا على الدّور والحواصل وَلم يتهيأ لَهُم نقل شَيْء مِنْهَا. هَذَا وَقد غلقت أسواق الْقَاهِرَة ومصر وَاجْتمعَ النَّاس بالرميلة تَحت القلعة وَمَعَهُمْ النِّسَاء والأطفال وَقد أشعلوا الشموع ورفمعوا على رُءُوسهم الْمَصَاحِف ونشروا الْأَعْلَام وهم يضجون ويصيحولن استبشاراً وفرحاً بِقَبض النشو والأمراء تُشِير لَهُم أَن يكثروا مِمَّا هم فِيهِ واستمروا لَيْلَة الثُّلَاثَاء على ذَلِك. فَلَمَّا أَصْبحُوا وَقع الصَّوْت دَاخل بَاب الْقلَّة من القلعة بِأَن رزق الله أَخُو النشو قد ذبح نَفسه. وَذَلِكَ أَنه لما قبض عَلَيْهِ تسلمه الْأَمِير قوصون ووكل بِهِ أَمِير شكار فسجنه أَمِير شكار فِي بعض خَزَائِن بَيته وَبَات يَحْرُسهُ حَتَّى طلع الْفجْر ثمَّ قَامَ أَمِير شكار للصَّلَاة. فاستغفله رزق الله وَأخذ من حياصته سكيناً ووضعها فِي نَحره حَتَّى نفذت مِنْهُ وَقطعت وريده فَلم يشْعر أَمِير شكار إِلَّا وَهُوَ يشخر وَقد تلف. فصاح أَمِير شكار حَتَّى بلغ صياحه قوصون فانزعج لذَلِك وَضرب أَمِير شكار ضربا مبرحاً إِلَى أَن علم السُّلْطَان بالْخبر فَلم يكترث بِهِ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ: الْمَذْكُور أفرج عَن الصاحب شمس الدّين مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق وأخيه وَنزلا من القلعة إِلَى الْجَامِع الْجَدِيد خَارج مصر فَقَالَ الْكَمَال جَعْفَر الأدفوي فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ هَذَا وَفِي معنى مسك النشو وَغَيره هَذِه الأبيات: إِن يَوْم الْإِثْنَيْنِ يَوْم سعيد فِيهِ لاشك الْبَريَّة عيد أَخذ الله فِيهِ فِرْعَوْن جَهرا وَغدا النّيل فِي رباه يزِيد

ص: 269

وَقَالَ شمس الدّين مُحَمَّد بن الصَّائِغ الْمصْرِيّ فِي معنى مسك النشو والإفراج عَن شمس الدّين مُوسَى وَزِيَادَة النّيل هَذِه الأبيات: لقد ظَهرت فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ آيَة أزالت بنعماها عَن الْعَالم البوسا تزايد بَحر النّيل فِيهِ وأغرقت بِهِ آل فِرْعَوْن وَفِيه نجا مُوسَى وَفِيه زَاد النّيل بعد توقفه فَقَالَ فِي ذَلِك عَلَاء الدّين بن فضل الله كَاتب السِّرّ: فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي الشَّهْر من صفر نَادَى البشير إِلَى أَن أسمع الفلكا يَا أهل مصر نجا مُوسَى ونيلكم طغا وَفرْعَوْن وَهُوَ النشو قد هلكا وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد نقص فَلَمَّا قبض على النشو زَاد سِتَّة أَصَابِع ثمَّ ثَمَانِيَة أَصَابِع. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث صفر: نُودي بِالْقَاهِرَةِ ومصر: بيعوا واشتروا واحمدوا الله على خلاصكم من النشو. وَفِيه أخرج رزق الله أَخُو النشو فِي هَيْئَة تَابُوت امْرَأَة حَتَّى دفن فِي مَقَابِر النَّصَارَى خوفًا عَلَيْهِ من الْعَامَّة. وَفِيه أَدخل الْأَمِير بشتاك على السُّلْطَان وَطلب الإعفاء من تَسْلِيم النشو إِلَيْهِ خشيَة مِمَّا جرى على أَخِيه. فَأمره السُّلْطَان أَن يهدده على إِخْرَاج المَال ثمَّ يُسلمهُ لِابْنِ صابر. فأوقفه بشتاك وأهانه. فالتزم أَنه إِن أفرج عَنهُ جمع للسُّلْطَان من أَقَاربه خزانَة مَال فَسَبهُ ثمَّ سلمه لِابْنِ صابر. فَأَخذه ابْن صابر ليمضي بِهِ إِلَى قاعة الصاحب فتكاثرت الْعَامَّة تؤيد رجمه حَتَّى طردهم نقيب الْجَيْش وَأخرجه ابْن صابر فِي زنجير بعنقه حَتَّى أدخلهُ قاعة الصاحب والعامة تحمل عَلَيْهِ حَملَة بعد حَملَة والنقباء تطردهم. وَفِيه طلب السُّلْطَان جمال الكفاة إِبْرَاهِيم كَاتب الْأَمِير بشتاك وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن شرف الدّين عبد الْوَهَّاب بن فضل الله الْمَعْرُوف بالنشو

ص: 270

بعد تَمنعهُ. ورسم لَهُ أَن ينزل للحوطة على النشو وأقاربه وَمَعَهُ الْأَمِير آقبغا والأمير برسبغا وشهود الخزانة. فَنزل جمال الكفاة بتشريفة وَركب بغلة النشو حَتَّى أخرج حواصله. وَقد أغلق النَّاس الْأَسْوَاق وتجمعوا من كل موصع وَمَعَهُمْ الطبول والشموع وأنواع الملاهي وأرباب الخيال بِحَيْثُ لم يُوجد حَانُوت مَفْتُوح نهارهم كُله. ثمَّ سَارُوا مَعَ الْأُمَرَاء على حَالهم إِلَى تَحت القلعة وصاحوا صَيْحَة حَتَّى انزعج وَدخل الْأُمَرَاء على السُّلْطَان بِمَا وجدوه للنشو وَهُوَ من الْعين خَمْسَة عشر ألف دِينَار مصرية والفان وَخَمْسمِائة حَبَّة لُؤْلُؤ قيمَة كل حَبَّة مَا بَين ألفي دِرْهَم إِلَى ألف دِرْهَم وَسَبْعُونَ فص بلخش قيمَة كل فص مَا بَين خَمْسَة أُلَّاف دِرْهَم إِلَى أَلفَيْنِ وقطعتان زمرد فاخر زنتهما رَطْل ونيف وَسِتُّونَ حبلاً من لُؤْلُؤ كبار زنة ذَلِك أَرْبَعمِائَة مِثْقَال وَمِائَة وَسَبْعُونَ خَاتم ذهب وَفِضة بفصوص مثمنة وكف مَرْيَم مرصع بجوهر وصليب ذهب مرصع وعدة قطع زركش سوى حواصل لم تفتح. فَخَجِلَ السُّلْطَان لما رأى ذَلِك وَقَالَ لِلْأُمَرَاءِ: لعن الله القبط وَمن يأمنهم أَو يُصدقهُمْ. وَذَلِكَ أَن النشو كَانَ يظْهر الْفَاقَة بِحَيْثُ يقترض الْخمسين درهما وَالثَّلَاثِينَ درهما حَتَّى ينفقها. وَبعث فِي بعض اللَّيَالِي إِلَى جمال الدّين إِبْرَاهِيم بن المغربي رَئِيس الْأَطِبَّاء يطْلب مِنْهُ مائَة دِرْهَم وَيذكر لَهُ أَنه طرقه ضيف وَلم يجد مَا يعشيه بِهِ. وَقصد بذلك أَن يكون لَهُ شَاهدا بِمَا يَدعِيهِ من الْفقر. فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام شكا النشو للسُّلْطَان الْفَاقَة وَابْن المغربي حَاضر فَذكر أَنه اقترص مِنْهُ فِي لَيْلَة كَذَا مائَة دِرْهَم فَمشى ذَلِك على السُّلْطَان وتقرر فِي ذهنه أَنه فَقير لَا مَال لَهُ وَصَارَ السُّلْطَان يذكر ذَلِك كل قَلِيل لِلْأُمَرَاءِ. وَاسْتمرّ الْأُمَرَاء ينزلون كل يَوْم لإِخْرَاج حواصل النشو فَوجدَ لَهُ من الْأَوَانِي الصيني والبلور وَفِيه ولي الْمُوفق نظر الْبيُوت. وَفِيه ولي الْمجد بن الْمُعْتَمد ديوَان الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي.

ص: 271