الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَطيب خاطره وَهُوَ يشكو مِمَّا جرى عَلَيْهِ فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى دخل إِلَى الْخدمَة فَأقبل السُّلْطَان عَلَيْهِ ووعده بالإيقاع بالأكز. ثمَّ طلب السُّلْطَان النشو بعد ذَلِك وحدثه فِي أَمر الأكز وغض مِنْهُ فعين النشو لَهُ لؤلؤا عوض الأكز وَقَامَ عَنهُ وَطلب لؤلؤا وعرفه مَا دَار بَينه وَبَين السُّلْطَان وَكَانَ لُؤْلُؤ خَفِيفا أَحمَق فَوضع من الأكز وَدخل من الْغَد إِلَى السُّلْطَان مَعَ الأكز وَأخذ يجبهه بالْكلَام ويرافعه وينكيه حَتَّى حرج مِنْهُ وسبه. فَغَضب السُّلْطَان بِسَبَب ذَلِك وَأمر بِهِ فَضرب بَين يَدَيْهِ وَقيد وسجن بالزردخاناه وخلع على لُؤْلُؤ عوضه فِي شدّ الدَّوَاوِين وخلع على شمس الدّين إِبْرَاهِيم بن قزوينة ورسم لَهما أَن يمتثلا مَا يرسم بِهِ النشو وَلَا يعملا شَيْئا إِلَّا بمشورته وَنزلا. فَأول مَا بَدَأَ بِهِ لُؤْلُؤ أَن أوقع الحوطة على مَوْجُود الأكز وَقبض على مباشريه وعاقب مُوسَى ابْن التَّاج اسحاق وَنَوع عَذَابه تقرباً لخاطر النشو وعاقب قرموط وطالبه بِحمْل المَال.
(وَفِي ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة)
اسْتَقر عَلَاء الدّين كندغدي الْعمريّ فِي ولَايَة القلعة عوضا عَن بيبرس الأوحدي. وفيهَا سقط طَائِر حمام بالميدان وعَلى جنَاحه ورقة تَضَمَّنت الوقيعة فِي النشو وأقاربه والقدح فِي السُّلْطَان بِأَنَّهُ قد أخرب دولته. فَغَضب السُّلْطَان من ذَلِك غَضبا شَدِيدا وَطلب النشو وَأَوْقفهُ على الورقة وتنمر عَلَيْهِ لِكَثْرَة مَا يشكى مِنْهُ فَقَالَ: ياخوند النَّاس معذورون وَحقّ رَأسك لقد جَاءَنِي خبر هَذِه الورقة لَيْلَة كتبت وَهَذِه فعلة الْعلم أبي شَاكر بن سعيد الدولة نَاظر الْبيُوت كتبهَا فِي بَيت الصفي كَاتب الْأَمِير قوصون وَقد اجْتمع هُوَ وأقاربه. وَأخذ النشو يعرف السُّلْطَان بِمَا كَانَ من أَمر سعيد الدولة فِي أَيَّام بيبرس الجاشنكير وأغراه بِهِ حَتَّى طلبه وَسلمهُ إِلَى الْوَالِي عَلَاء الدّين عَليّ بن حسن المرواني فعاقبه عُقُوبَة مؤلمة. وَطلب السُّلْطَان الْأَمِير قوصون وعنفه على فعل الصفي كَاتبه فَطَلَبه قوصون وهدده فَحلف بِكُل يَمِين على بَرَاءَته مِمَّا رمي بِهِ فتتبع النشو عدَّة من الْكتاب وَجَمَاعَة من الباعة وقبص عَلَيْهِم بِسَبَب أبي شَاكر وَنَوع الْعَذَاب عَلَيْهِم بيد الْوَالِي وَخرب دُورهمْ وحرثها بالمحراث. وَقبض النشو على الْمُوفق هبة الله بن سعيد الدولة ثمَّ أفرج عَنهُ بعناية الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد وعذب ابْن الْأَزْرَق نَاظر الْجِهَات.
واشتدث وَطْأَة النشو على النَّاس جَمِيعًا وأوحش مَا بَينه وَبَين الْأُمَرَاء كلهم وثلب أعراضهم عِنْد السُّلْطَان حَتَّى غَيره عَلَيْهِم. ثمَّ رتب النشو ضَامِن دَار الفاكهه فِي أَن وقف للسُّلْطَان وَسَأَلَ أَن يسامح بِمَا تَأَخّر عَلَيْهِ فَإِن دَار الْفَاكِهَة أوقف حَاله فِيهَا من أجل أَن الأعناب الْوَاصِلَة من نَاحيَة مرصفا وَغَيرهَا عصرت خمرًا بِنَاحِيَة شبْرًا فتعطل مَا كَانَ يُؤْخَذ مِنْهَا للديوان. فَطلب السُّلْطَان النشو ولؤلؤاً وسألهما عَن ذَلِك وَعَن نَاحيَة شبْرًا فَقَالَا: هِيَ للأمير بشتاك وديوانه إِبْرَاهِيم جمال الكفاة هُوَ الَّذِي يعصر فِيهَا. فرسم للوالي ولؤلؤ أَن يكسرا جَمِيع مَا بشبرا من جرار الْخمر وإحضار من هِيَ عِنْده فَطلب لُؤْلُؤ أستادار بشتاك وأخرق بِهِ فشق ذَلِك على بشتاك وشكاه للسُّلْطَان فَلم يلْتَفت إِلَى شكواه وَقَالَ: أستادارك وديوانك يعصران الْخمر ويتجوهان بك وَنَحْو هَذَا وَمضى الْوَالِي ولؤلؤ إِلَى شبْرًا وكسرا فِيهَا ألف جرة خمر وَوجدت جرار كَثِيرَة عَلَيْهَا ختم المخلص أخي النشو وَوجد لَهُ أَيْضا قند وسِتمِائَة جرة فِيهَا خمر عَتيق وَكَانَ مَعَهم أستادار الْأَمِير بشتاك ثمَّ ندب النشو بكتوت من مماليك الخازن وَهُوَ يَوْمئِذٍ شاد شونة الْأَمِير بشتاك لمرافعة إِسْمَاعِيل أستادار بشتاك وَإِبْرَاهِيم جمال الكفاة ديوانه فَخَلا بكتوت ببشتاك وعرفه أَن الْمَذْكُورين أخذا من الْخُصُوص خَمْسَة أُلَّاف أردب ومبلغ خمسين ألف دِرْهَم وأخذا من الشونة مائَة ألف دِرْهَم عِنْدَمَا رسم السُّلْطَان بِبيع الأردب بِثَلَاثِينَ درهما فباعوه بستين وبسبعين درهما وَذكر بِهِ أَشْيَاء من هَذَا النَّوْع. فانفعل لَهُ بشتاك وَبلغ السُّلْطَان ذَلِك وأحضر بكتوت مَعَه فَطلب السُّلْطَان حمال الكفاة وَإِسْمَاعِيل وَطلب النشو أَيْضا وَذكر لَهُ مَا قَالَ بكتوت وَأثْنى عَلَيْهِ وشكره فَاشْتَدَّ بأسه وَأخذ يجبهُ مباشري بشتاك بِمَا رماهم بِهِ. فَثَبت جمال الكفاة لمحاققته وَكَانَ مقداماً طلق الْعبارَة وَقَالَ للسُّلْطَان: أَنا الْمَطْلُوب بِكُل مَا يَقُوله هَذَا فَبَدَأَ النشو يذكر من أوراق المرافعة مَا يتَعَلَّق بالخصوص فَأجَاب بِأَن الَّذِي تولى قبضهَا الأستادار وممالكيه مَعَ مباشري النَّاحِيَة وَهَذِه أوراقهم مشمولة بخطوط الْعُدُول والمقبوض مِنْهَا أَزِيد مِمَّا كَانَ يقبض فِي أَيَّام الْأَمِير بكتمر الساقي بِكَذَا وَكَذَا. ثمَّ ذكر جمال الكفاة حَدِيث مَبِيع الشونة فَقَالَ: مُنْذُ باشرت عِنْد الْأَمِير مَا تنزلت إِلَى الشونة وَالَّذِي أبيع مِنْهَا كَذَا وَكَذَا أردب بِحُضُور شَاهد ديوَان الْأَمِير وَمَعَهُ شَاهدا إِضَافَة وَأَرْبَعَة أُمَنَاء وسماسرة من جِهَة الْمُحْتَسب. وَالسُّلْطَان يحضرهم ويكشف من دفاترهم عَمَّا قلته فَإِن وجده بِخِلَاف مَا قلته كَانَ فِي جِهَة وَكَانَ جزائي الشنق. فَلَمَّا فلج جمال الكفاة بِالْحجَّةِ قَالَ
بكتوت: ياخوند هَذَا يعصر أَرْبَعَة أُلَّاف جرة خمر فِي شبْرًا فنهره السُّلْطَان وَقَالَ لَهُ. إيش صَحَّ من كلامك حَتَّى يَصح هَذَا وَأمر بِهِ فَأخْرج وَعرف بشتاك بِأَن النشو قد نَدبه لذَلِك فأسرها فِي نَفسه. فَالْتَفت النشو بعد ذَلِك إِلَى جِهَة الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد ونم عَلَيْهِ للسُّلْطَان بِأَن معامل ناحيتي أبيار والنحراوية قد انْكَسَرَ عَلَيْهِ مَال نَحْو ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم من جِهَة أَن الْأَمِير أقبغا صَار يَأْخُذ من قزازي نَاحيَة طوخ مزِيد الَّتِي فِي إقطاعه عَن التفاصيل الَّتِي تعْمل بهَا مَا كَانَ يُؤْخَذ عَلَيْهَا إِذا حملت إِلَى أبيار والنحراوية وَأَنه عمل ختما بَاعه بدل ختم السُّلْطَان يخْتم بِهِ التفاصيل الْمَذْكُورَة وَذكر لَهُ عَنهُ أَشْيَاء تشبه هَذَا وأحضر بالحسام العلائي شاد أبيار والنحراوية ليحاقق آقبغا. فَأمر السُّلْطَان بإحضار آقبغا وَأَغْلظ لَهُ وَأمر الشاد بمحاققته فجبهه بِمَا رَمَاه بِهِ النشو واستطال عَلَيْهِ فخاف آقبغا وَلم يَأْتِ بِعُذْر يقبل فطرده السُّلْطَان عَنهُ وَأخذ يضع مِنْهُ والأمير بشتاك يسد خلله حَتَّى كف عَن الْقَبْض عَلَيْهِ. فشق ذَلِك على الخاصكية ووقعوا فِي النشو وَقد علمُوا أَن ذَلِك من أَفعاله. وفيهَا قدم كتاب الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام يشكو من الْأَمِير أيتمش نَائِب صفد من أجل أَنه مَا يمتثل أمره ويستبد بِغَيْر مُرَاجعَته فَأُجِيب بمراعاته وإكرامه. فَلم تطل مُدَّة أيتمش بعد ذَلِك سوى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَمَات فَخلع على الْأَمِير طشتمر الساقي وَاسْتقر فِي نِيَابَة صفد وَزيد على إقطاع النِّيَابَة وأنعم على ولديه بإمرتين. وفيهَا خلع على الْأَمِير طيبغا حاجي وَاسْتقر فِي نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن جركتمر فِي سَابِع عشرى ذِي الْحجَّة وَنقل جركتمر إِلَى نِيَابَة حمص. وفيهَا أخرج الأكز على إمرة طبلخاناه بِدِمَشْق فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشرى ذِي الْقعدَة فَكَانَت مُدَّة اعتقاله شهرا وَنصف شهر. وفيهَا عزل الْجمال ابْن الْأَثِير من كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق إِلَى الْقَاهِرَة وَاسْتقر عوضه علم الدّين مُحَمَّد بن القطب.
وَفِي ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة: نقل الْخَلِيفَة المستكفي بِاللَّه أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان من سكنه بمناظر الْكَبْش إِلَى قلعة الْجَبَل وَأنزل حَيْثُ كَانَ أَبوهُ الْحَاكِم نازلاً فسكن برج السبَاع دَائِما بعياله ورسم على الْبَاب جاندار بالنوبة وَسكن ابْن عَمه إِبْرَاهِيم فِي برج بجواره وَمَعَهُ عِيَاله ورسم عَلَيْهِ جاندار الْبَاب ومنعا من الِاجْتِمَاع بِالنَّاسِ. وَفِي ثَالِث عشرى ذِي الْقعدَة: اسْتَقر عز الدّين أيبك الحسامي البريدي أحد مقدمي الْحلقَة فِي ولَايَة قطيا عوضا عَن الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطبرس الدِّمَشْقِي الزمردي وَاسْتقر ألطبرس من جملَة وَفِي أول ذِي الْحجَّة: قدم الْملك الْأَفْضَل صَاحب حماة وَحصل من الاحتفال بِهِ أَكثر من كل مرّة. وَفِي ثالثه: اسْتَقر الشَّيْخ مُحَمَّد الْقُدسِي فِي مشيخة خانكاه الْأَمِير بشتاك وعملت فِيهَا وَلِيمَة عِنْد فرَاغ بنائها. وَفِي يَوْم عيد النَّحْر: أقيم على مملكة الْعرَاق مُحَمَّد يلقطلو بن تيمور بن عنبرجي ابْن منكوتمر بن هولاكو وَقَامَ بأَمْره الشَّيْخ حسن بك الْكَبِير فحاربه الْملك مُوسَى فِي رَابِع عشره فَانْهَزَمَ مُوسَى بَعْدَمَا قتل بَينهمَا خلائق وَقتل عَليّ بادشاه مُدبر دولة مُوسَى وَكَانَت هَذِه الْوَقْعَة قَرِيبا من توريز عِنْد بَلْدَة ناوشهر على جبل الأداغ. وفيهَا اسْتَقر الْأَمِير بكتاش فِي نقابة الْجَيْش بعد وَفَاة صاروجا. وفيهَا انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا.
وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان القان بوسعيد بن القان مُحَمَّد خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو المغلي ملك التتار صَاحب الْعرَاق والجزيرة وأذربيحان وخراسان وَالروم فِي ربيع الآخر بأذربيحان وَقد أناف على الثَّلَاثِينَ وَكَانَت دولته عشْرين سنة كَانَ جُلُوسه على التخت فِي أول جُمَادَى الأولى سنة سبع عشر بِمَدِينَة السُّلْطَانِيَّة وعمره إِحْدَى عشرَة سنة وَكَانَ جميلاً كَرِيمًا يكْتب الْخط الْمَنْسُوب ويجيد ضرب الْعود وصنف مَذَاهِب فِي النغم وأبطل عدَّة مكوس وأراق الْخُمُور وَمنع من شربهَا وَهدم كنائس بَغْدَاد وَورث ذَوي الْأَرْحَام فَإِنَّهُ كَانَ حنفياً وَلم تقم بعده للمغل قَائِمَة. وَمَات أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْمرَادِي الْقُرْطُبِيّ العشاب وَزِير أبي يحيى زَكَرِيَّا اللحياني متملك تونس بالإسكندرية فِي شهر ربيع الأول وَقد برع فِي النَّحْو وَحدث. وَتُوفِّي عز الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد القلانسي محتسب دمشق بهَا. وَمَات الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر بن برق وَالِي دمشق بهَا. وَتُوفِّي عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الصاحب فتح الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن خَالِد بن مُحَمَّد بن نصر بن القيسراني كَاتب الدست بقلعة الْجَبَل ثمَّ كَاتب السِّرّ بحلب فِي ذِي الْقعدَة ومولده سنة إِحْدَى وَسبعين وسِتمِائَة.
وَمَات الْأَمِير جمال الدّين أقوش الأشرفي الْمَعْرُوف بنائب الكرك مسجوناً بالإسكندرية فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع جُمَادَى الأولى. وَمَات الْأَمِير أيتمش المحمدي نَائِب صفد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس عشر ذِي الْقعدَة. وَمَات الْأَمِير بلبان الحسامي وَالِي دمياط الَّذِي كَانَ وَالِي الْقَاهِرَة وَهُوَ أَخُو بدر الدّين المحسني فِي نصف شهر رَمَضَان وَهُوَ فِي الاعتقال. وَمَات الْأَمِير عَلَاء الدّين الشَّيْخ عَليّ التتري مَمْلُوك سلار فِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس ربيع الآخر. وَمَات نقيب الْجَيْش الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد بن صاروجا فَجْأَة وَهُوَ فِي الصَّيْد فَحمل إِلَى الْقَاهِرَة وَدفن يَوْم الثُّلَاثَاء. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين ألناق الناصري هُوَ أحد مقدمي الألوف فِي ثامن عشرى شَوَّال. وَتُوفِّي الشَّيْخ سيف الدّين عبد اللَّطِيف بلبان بن عبد الله البيسري شيخ زَاوِيَة أبي السُّعُود لَيْلَة الثُّلَاثَاء سَابِع عشر ربيع الآخر وَكَانَ يَلِي مشيخة زَاوِيَة أبي السُّعُود ثمَّ عزل عَنْهَا وَهُوَ أحد مماليك الْأَمِير بدر الدّين بيسري الشمسي الصَّالِحِي فَلَمَّا قبض على بيسري أَقَامَ الشَّيْخ سيف الدّين بِهَذِهِ الزاوية مُدَّة خمس وَخمسين سنة. وَتُوفِّي عَلَاء الدّين بن نصر الله بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن الْجَوْجَرِيّ نَاظر الخزانة فِي تَاسِع الْمحرم. وَتُوفِّي أَمِين الدّين عبد المحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مَحْمُود بن أَحْمد بن الصَّابُونِي بِمصْر وَقد بلغ ثَمَانِينَ سنة وَانْفَرَدَ بِرِوَايَة أَشْيَاء. وَتُوفِّي شيخ الْكِتَابَة عماد الدّين مُحَمَّد بن الْعَفِيف مُحَمَّد بن الْحسن بِالْقَاهِرَةِ عَن إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة. وَتُوفِّي نقي الدّين سُلَيْمَان سُلَيْمَان بن مُوسَى بن بهْرَام السمهودي الْفَقِيه الشَّافِعِي الفرضي الْعَرُوضِي الأديب عَن ثَمَانِينَ سنة بِنَاحِيَة سمهود. وَمَات الْأَمِير سنقر النوري نَائِب بهسنا وَترك اثْنَيْنِ وَعشْرين ذكرا وَأُنْثَى وَسِتِّينَ سَرِيَّة. وَتُوفِّي الشَّيْخ الصَّالح المعمر الرحلة شمس الدّين مُحَمَّد ابْن الْمُحدث محب الدّين مُحَمَّد بن مَمْدُود بن جَامع الْبَنْدَنِيجِيّ الْبَغْدَادِيّ فِي سَابِع الْمحرم بِدِمَشْق عَن اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين سنه.
وَمَات علم الدّين قَيْصر العلائي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَقتل أربا كاؤن سُلْطَان الْعرَاق وأذربيجان وَالروم وَكَانَ القان بوسعيد لما مَاتَ أَقَامَ الْوَزير غياث الدّين مُحَمَّد أربا كاؤن هَذَا لِأَنَّهُ من ذُرِّيَّة جنكز خَان وَقد قتل أَبوهُ وَنَشَأ فِي غمار النَّاس فَقتل أربا كاؤن بَغْدَاد خاتون وجبي الْأَمْوَال وَقصد أَن يَأْخُذ بِلَاد الشَّام فَهَلَك دون ذَلِك بعد شهيرات من جُلُوسه على التخت وَكَانَ يتهم بِأَنَّهُ كَافِرًا وأقيم بعده مُوسَى بن عَليّ بن بيدو بن طوغاي بن هولاكو.
فارغة
سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة الْمحرم أَوله السبت: فِي سابعه: رسم بنيابة صفد للأمير طشتمر البدري أحد مقدمي الألوف عوضا عَن أيتمش المحمدي وَتوجه وَمَعَهُ طاجار الدوادار فِي ثَالِث عشره. وَفِي ثَانِي عشرَة: قدم الْخَبَر بالواقعة الَّتِي كَانَت قرب توريز على مَا تقدم ذكره. ثمَّ قدم فِي سَابِع عشره: مُضر بن خضر رَسُول الشَّيْخ حسن بك الْكَبِير ابْن أَمِير حُسَيْن وَهُوَ ابْن أُخْت غازان وَهُوَ الْقَائِم بِأَمْر مُحَمَّد بن يلقطون بن عنبرجي فَخلع عَلَيْهِ وسافر فِي ثَالِث صفر. وَفِي سَابِع عشر الْمحرم: عقد عقد الْأَمِير أبي بكر ابْن السُّلْطَان على ابْنة الْأَمِير سيف الدّين طقزدمر أَمِير مجْلِس بدار الْأَمِير قوصون. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشريه: وَهُوَ يَوْم النوروز كَانَ وَفَاء النّيل. وانتهت الزِّيَادَة فِي سَابِع عشر بَابه إِلَى سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَسِتَّة عشر إصبعاً. وَفِي سادس عشرى الْمحرم: قدم الْأَمِير سيف الدّين طينال نَائِب طرابلس وأخلع عَلَيْهِ عِنْد وفيهَا كتب بأخبار آل مهنا وَآل فضل لعدة من أُمَرَاء الشَّام تنكز والأمير نَائِب الشَّام وَذَلِكَ من أجل أَن الْعَرَب قطعُوا الطَّرِيق على قافلة وَأخذُوا مَا فِيهَا فَلَمَّا ألزم آل مهنا بذلك اعتذروا بِأَن الَّذِي فعل هَذَا عرب زبيد وَلَيْسوا من عرب الطَّاعَة. وفيهَا كَانَت وَاقعَة الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْمُؤمن بن اللبان فِي شهر الْمحرم وَذَلِكَ أَنه نسبت إِلَيْهِ عظائم: مِنْهَا أَنه قَالَ فِي ميعاده بِجَامِع مصر إِن السُّجُود للصنم غير محرم وَأَنه يفضل الشَّيْخ ياقوت الْعَرْش شَيْخه على بعض الصَّحَابَة
وَشهد عَلَيْهِ بهَا. واستؤذن السُّلْطَان عَلَيْهِ فمكن مِنْهُ فترامى على الْأَمِير جنكلي بن البابا والأمير الْحَاج آل ملك والأمير أيدمر الخطير حَتَّى حكم بتوبته وَمنع من الْوَعْظ هُوَ وَالشَّيْخ زكي الدّين إِبْرَاهِيم بن معضاد الجعبري وَجَمَاعَة من الوعاظ. وَفِيه قدم ركب الْحَاج على الْعَادة وأخبروا بِأَن الشريف رميثة كَانَ قد أَقَامَ بِبَطن مر وَأقَام أَخُوهُ الشريف عطيفة بِمَكَّة فتسلط وَلَده مبارك على المجاورين وَأخذ مَال التُّجَّار فَركب إِلَيْهِ رميثة وحاربه فَقتل بَينهم جمَاعَة وفر رميثة ودلك فِي ثامن عشرى رَمَضَان من السّنة الْمَاضِيَة. وفيهَا قبض على الْأَمِير بهادر البدري بِدِمَشْق وَضرب وسجن لجرأته على الْأَمِير قطلوبغا الفخري وعَلى الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام وإفحاشه لَهما. وفيهَا أجدبت زراعة الفول فألزم النشو سماسرة الغلال أَلا يُبَاع الفول إِلَّا للسُّلْطَان فَقَط فتضرر أَرْبَاب الدواليب. وفيهَا صادر النشو جمَاعَة من أَرْبَاب الدواليب بِالْوَجْهِ القبلي وَأخذ من محتسب البهنسا وأخيه مِائَتي ألف دِرْهَم وَألف أردب غلَّة. فرافع ابْن زعازع من أُمَرَاء الصَّعِيد أَوْلَاد قمر الدولة عِنْد النشو فَاقْتضى رَأْيه فصادره ابْن زعازع لِكَثْرَة مَاله وأوقع الحوطة على موجوده وَكتب إِلَى مُتَوَلِّي البهنسا ليعاقبه أَشد الْعقُوبَة. فلف وَالِي البهنسا على أَصَابِعه الخروق وغمسها فِي القطران وأشعل فِيهَا النَّار ثمَّ عراه ولوحه على النَّار حَتَّى أَخذ مِنْهُ مَا قِيمَته ألف ألف وَخَمْسمِائة ألف دِرْهَم وَوجد لَهُ أَرْبَعمِائَة مرجية بِفَرْوٍ وَمِائَة وَعشْرين جَارِيَة وَسِتِّينَ عبدا ثمَّ كتب عَلَيْهِ حجَّة بعد ذَلِك بمبلغ مائَة دِرْهَم وَاحْتج النشو لمصادرته بِأَنَّهُ وجد كنزاً. وفيهَا كتب بِطَلَب الْأَمِير سنجر الْحِمصِي. وفيهَا ارْتَفع سعر اللَّحْم لقلَّة حلب الأغنام حَتَّى أبيع الرطل بدرهم وَربع وَسبب ذَلِك أَن النشو كَانَ يَأْخُذ الْغنم بِنصْف قيمتهَا فَكتب إِلَى نَائِب الشَّام ونائب حلب بجلب الأغنام. ثمَّ إِن النشو أستجد للسواقي الَّتِي بالقلعة أبقاراً وأحضر أبقارها الَّتِي قد ضعفت وعجزت مَعَ الأبقار الَّتِي ضعفت بالدواليب وطرحها على التُّجَّار والباعة بقياسر الْقَاهِرَة ومصر وأسواقها حَتَّى لم يبْق صَاحب حَانُوت حَتَّى خصّه مِنْهَا شَيْء على قدر حَاله فَبلغ كل رَطْل مِنْهَا دِرْهَمَيْنِ وَثلثا ورميت تِلْكَ الأبقار على الطواحين
والحمامات كل رَأس بِمِائَة دِرْهَم وَلَا تكَاد تبلغ عشْرين درهما فبلي النَّاس من ذَلِك بِمَشَقَّة وخسارة كَبِيرَة. وَاتفقَ أَن النشو أغرى السُّلْطَان بمُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق حَتَّى رسم بضربه إِلَى أَن يَمُوت فَضرب زِيَادَة على مِائَتَيْنِ وَخمسين شيباً حَتَّى سقط كالميت ثمَّ ضرب من الْغَد أَشد من ذَلِك وَحمل على أَنه قد مَاتَ فسر النشو بذلك سُرُورًا زَائِدا وَذهب ليرى مُوسَى وَهُوَ ميت فَوجدَ بِهِ حَرَكَة. وَفِي أثْنَاء طلب السُّلْطَان إِحْضَار الْأَمِير لؤلؤاً فَأخْبرهُ بِأَن مُوسَى قد بَدَأَ يَئِن وَبعد سَاعَة يَمُوت فرسم أَلا يضْرب بعد ذَلِك فشق هَذَا على النشو. وَفِي سَابِع عشرى صفر: ابتدئ بهدم الطَّبَقَة الحسامية الْمُجَاورَة لدار النِّيَابَة بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَت قد عمرت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَفِي رَابِع عشر ربيع الأول: قدم حَمْزَة رَسُول الْملك مُحَمَّد بن بلقطلو بن عنبرجي وصحبته عماد الدّين السكرِي نَائِب عَليّ بادشاه بالموصل فأدوا رسالتهم وسافروا أول ربيع الآخر. وَفِي ثامن عشر ربيع الأول. سَافر الْأَفْضَل صَاحب حماة إِلَى مَحل ولَايَته بحماة وَكَانَ قد حضر فِي مستهل ذِي الْحجَّة من السّنة الحالية. وَفِي سلخ ربيع الأول: عزل بدر الدّين بن التركماني عَن الْكَشْف بِالْوَجْهِ البحري. وَفِي ثَالِث ربيع الآخر: قدم رَسُول ملك الْحَبَشَة. وَفِي خَامِس عشره: قدم الْأَمِير سيف الدّين أَبُو بكر البابيري وخلع عَلَيْهِ بِولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن ابْن التركماني. وَفِي سادس عشره: اسْتَقر نكبيه البريدي فِي ولَايَة قطيا عوضا عَن أيبك الحسامي بإمره عشرَة. وَفِي سلخ جُمَادَى الأولى: قدم مُرَاد قجا رَسُول أزبك ملك التّرْك فَأَقَامَ خَمْسَة
أشهر وَنصف شهر وسافر فِي رَابِع عشر ذِي الْقعدَة وَمن ثَالِث ربيع الآخر سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة لم يحضر من عِنْد أزبك إِلَّا هَذَا. وَفِي سادس عشرى جُمَادَى الْآخِرَة: اسْتَقر بهاء الدّين قراقوش الجيشي فِي ولَايَة البهنساوية عوضا عَن عَليّ بن حسن المرواني. وفيهَا هدمت دَار النِّيَابَة بالقلعة وَهِي الَّتِي عمرت فِي الْأَيَّام المنصورية قلاوون سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وأزيل ألشباك الَّذِي كَانَ يجلس فِيهِ طرنطاي النَّائِب وَذَلِكَ فِي يَوْم الْأَحَد ثامن ربيع الآخر. وفيهَا أغرى النشو السُّلْطَان بالصفي كَاتب الْأَمِير قوصون بِأَنَّهُ يظْهر فِي جِهَته للديوان عَمَّا كَانَ يحضر إِلَيْهِ من أَصْنَاف المتجر أَيَّام مُبَاشَرَته بديوان الْأَمِير قجليس وَهُوَ جملَة كَثِيرَة وَإِن بعض الْكتاب يحاققه على ذَلِك. فَطلب السُّلْطَان الْأَمِير قوصون وَأَغْلظ فِي مخاطبته وَقَالَ: كاتبك يَأْكُل مَالِي وحقوقي وينجوه بك وَذكر لَهُ مَا قَالَ عَنهُ النشو فتخلى عَنهُ قوصون وَلم يساعده. فَأمر السُّلْطَان النشو ولؤلؤاً والمستوفين أَن يمضوا إِلَى عِنْد الْأَمِير قوصون وَمَعَهُمْ الرجل المحاقق للصفي ويطالعوا السُّلْطَان بِمَا يظْهر فَاجْتمعُوا لذَلِك وَقَامَ المرافع للصفي فَلم يظْهر لما ادَّعَاهُ صِحَة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي رَجَب: قدم الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام وَالسُّلْطَان بسرياقوس فطلع وَهُوَ مَعَه فِي يَوْمه إِلَى القلعة وَهِي القدمة الْحَادِيَة عشرَة وسافر فِي ثَانِي عشريه. وَفِي يَوْم عشريه: عزل شهَاب الدّين بن الأقفهسي وعلاء الدّين الْبُرُلُّسِيّ عَن نظر الدولة وَولي شمس الدّين بن قزوينه النّظر بمفرده وَكَانَ بطالاً ورسم لَهُ أَلا يتَصَرَّف فِي شَيْء إِلَّا بعد مُشَاورَة شرف الدّين النشو نَاظر الْخَاص. وَفِي تَاسِع عشريه: اسْتَقر عَلَاء الدّين بن الكوراني فِي ولَايَة الأشمونين عوضا عَن أبي بكر الردادي نقل إِلَيْهَا من ولَايَة أشموم الرُّمَّان. وفيهَا عدم فرو السنجاب فَلم يقدر على شَيْء مِنْهُ لعدم جلبه. فَأمر النشو بِأخذ مَا على التُّجَّار من الفرجيات المفراة فكبست حوانيت التُّجَّار والبيوت حَتَّى أَخذ مَا على الفرجيات من السنجاب. فَبلغ النشو وُقُوع التُّجَّار فِيهِ ودعاؤهم عَلَيْهِ فسعى عِنْد السُّلْطَان عَلَيْهِم وَنسب جمَاعَة مِنْهُم إِلَى الرِّبَا فِي المقارضات وَأَنَّهُمْ جمعُوا من ذَلِك وَمن الْفَوَائِد على الْأُمَرَاء شَيْئا كثيرا وَأَن عِنْده أَصْنَاف الْخشب وَالْحَدِيد وَغَيره واستأذنه فِي بيعهَا عَلَيْهِم. فَأذن لَهُ السُّلْطَان فَنزل وَطلب تجار الْقَاهِرَة ومصر وَكَثِيرًا
من أَرْبَاب الآموال ووزع عَلَيْهِم من ألف دِينَار كل وَاحِد إِلَى ثَلَاثَة أُلَّاف دِينَار ليحضروا بهَا ويأخذوا عَنْهَا صنفا من الْأَصْنَاف فبلغت الْجُمْلَة خمسين ألف دِينَار عاقب عَلَيْهَا غير وَاحِد بالمقارع حَتَّى أَخذهَا. وَقَامَ عدَّة من الْأُمَرَاء الأكابر فِي حق جمَاعَة من التُّجَّار فَلم يسمع السُّلْطَان لأحد مِنْهُم قولا. وَقَامَت سِتّ حدق وَأم آنوك ابْن السُّلْطَان فِي رفع الْخشب عَن تَاجر ألزمهُ النشو بألفي دِينَار وعرفتاه بظُلْم النشو وَهُوَ أَن هَذَا الْخشب قِيمَته مبلغ ألفي دِرْهَم. فَطلب السُّلْطَان النشو وَأنكر عَلَيْهِ ذَلِك وتجهم لَهُ فَانْصَرف على غير رضى ثمَّ ندب النشو رجلا مضى إِلَى ذَلِك التَّاجِر وَسَأَلَهُ فِي قرض مبلغ مَال فَأخذ التَّاجِر فِي الشكوى مِمَّا بِهِ من إِلْزَامه بألفي دِينَار عَن ثمن خشب طَرحه عَلَيْهِ النشو فَقَالَ لَهُ الرجل: أَرِنِي الْخشب فَإِنِّي مُحْتَاج إِلَيْهِ فَلَمَّا رأه أعجبه وَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بفائدة ألف دِرْهَم إِلَى شهر فَامْتَلَأَ التَّاجِر فَرحا وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك. وَمضى الرجل ليَأْتِي بِثمن الْخشب فَدخل على النشو وَأخْبرهُ الْخَبَر وَدفع إِلَيْهِ نُسْخَة الْمُبَايعَة فَقَامَ من فوره إِلَى السُّلْطَان وأعلمه أَنه نزل ليرْفَع الْخشب من حَاصِل التَّاجِر فَوَجَدَهُ قد بَاعه بفائدة ألف دِرْهَم. فَطلب السُّلْطَان التَّاجِر وَسَأَلَهُ عَمَّا رَمَاه عَلَيْهِ النشو فاغتر البائس وَأخذ يَقُول: ظَلَمَنِي وَأَعْطَانِي خشباً بألفي دِينَار يُسَاوِي ألفي دِرْهَم. فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان: وَأَيْنَ الْخشب قَالَ: بِعته بِالدّينِ فَقَالَ النشو: قل الصَّحِيح فَإِن هَذِه معاقدتك بِبيعِهِ فَلم يجد بدا من الِاعْتِرَاف. فحنق عَلَيْهِ السُّلْطَان وَقَالَ وَيلك تقيم الغاثة وَأَنت تبيع بضاعتي بفائدة ثمَّ أَمر النشو بضربه وَأخذ الألفي دِينَار مِنْهُ مَعَ مثلهَا وَعظم النشو عِنْد السُّلْطَان ثمَّ عبر السُّلْطَان إِلَى نِسَائِهِ وسبهن وعرفهن مَا جرى وَقَالَ: مِسْكين النشو مَا وجدت لَهُ أحدا يُحِبهُ كَونه ينصحني وَيحصل مَالِي. وفيهَا ترافع يَعْقُوب الْأَسْلَمِيّ مُسْتَوْفِي الْجِهَات والأمير بن المجاهدي وَالِي دمياط فرسم بمصادرتهما فعوقبا عُقُوبَة شَدِيدَة وغرما مَالا جزيلاً. وفيهَا كثر ضبط علم الدّين سنجر الجاولي لأوقاف المارستان وتوقفه فِيمَا يصرف مِنْهُ للصدقات. فَأنْكر السُّلْطَان عَلَيْهِ ذَلِك وَقَالَ لَهُ: المارستان كُله صَدَقَة وَلم يقبل لَهُ عذرا. وفيهَا امْتنع ابْن الأقفهسي نَاظر الدولة من الْكِتَابَة على توقيع الضياء الْمُحْتَسب وَقد عمل مَعْلُومَة على الجوالي فشق ذَلِك على السُّلْطَان وَأمر الْأَمِير طاجار الدوادار أَن يبطحه ويضربه وَيَقُول لَهُ: كَيفَ يعلم السُّلْطَان على شَيْء وتأبى أَن تكْتب عَلَيْهِ {}
فَضَربهُ ضربا مؤلماً. وَكَانَ السُّلْطَان لَا يتغاضي فِي خرق حرمته ويعاقب من فعل ذَلِك. وفيهَا شكا المماليك السُّلْطَانِيَّة من تَأَخّر كسوتهم فَطلب النشو وألزمه بِحمْل كسوتهم من الْغَد وَمَعَهَا مبلغ عشْرين ألف دِينَار. فَنزل النشو وألزم الطَّيِّبِيّ نَاظر الْمَوَارِيث بتحصيل خَمْسَة أُلَّاف دِينَار وَبعث المقدمين إِلَى الْأَسْوَاق ففتحوا حوانيت التُّجَّار وَأخذُوا كسْوَة المماليك وحوائصهم وأخفافهم ونعالهم وَغير ذَلِك وَأخذُوا مركبا لبَعض الكارم فِيهِ عدَّة بضائع طرحوها على النَّاس بِثَلَاثَة أَمْثَال قيمتهَا. وأحيط بتركة نجم الدّين مُحَمَّد الأسعردي - وَقد مَاتَ وَترك زَوْجَة وَابْنَة ابْن - وَأخذت كلهَا. وَأخذت وَدِيعَة من تركته لأَوْلَاد أَيْتَام تَحت حجره مبلغها نَحْو خمسين ألف دِرْهَم وأنفقت فِي يَوْمهَا على المماليك والخدام. وَفتحت قيسارية جهاركس وَأخذ مِنْهَا مقاطع الشّرْب برسم الْكسْوَة. فارتجت الْمَدِينَة بِأَهْلِهَا وَترك كثير من التُّجَّار حوانيتهم وغيبوا فَصَارَت مفتحة والأعوان تنهب لأنفسها مَا أَرَادَت فَلم ير يَوْمئِذٍ بِالْقَاهِرَةِ ومصر إِلَّا باك أَو شَاك أَو صائح أَو نائح فَكَانَا يَوْمَيْنِ شنعين. وعول أَرْبَاب الحوانيت على وَقع مَا فِيهَا وخلوها فَعرف النشو السُّلْطَان ذَلِك فَنُوديَ: من أغلق حانوته أَخذ مَاله وشنق ففتحوها. ثمَّ أخرج النشو من الأهراء عشرَة أُلَّاف أردب قمحاً وطرحها على أَصْحَاب الطواحين والأبازرة وَقبض على ابْن فَخر السُّعَدَاء نَاظر قليوب وَأخذ مِنْهُ نَحْو ثَمَانِينَ ألف دِرْهَم. وَفِي جُمَادَى الأولى: استدعى الضياء ابْن خطيب بَيت الْآبَار محتسب مصر وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة مُضَافا لما بِيَدِهِ من نظر الْأَوْقَاف وَنظر المارستان عوضا عَن نجم الدّين مُحَمَّد بن حُسَيْن بن عَليّ الأسعردي. وَكَانَ الشهَاب أَحْمد بن الْحَاج عَليّ الطباخ قد سعى فِي حسبَة الْقَاهِرَة وَقَامَ مَعَه الْأَمِير بشتاك والأمير قوصون والأمير أقبغا عبد الْوَاحِد فَلَمَّا ولي السُّلْطَان الضياء رسم أَن يسْتَقرّ ابْن الطباخ فِي حسبَة الدُّخان على الطباخين والحلاويين وَنَحْوهم وخلع عَلَيْهِ وَجلسَ فِي دكة الْحِسْبَة وَعرض أَرْبَاب الدُّخان. وَأنزل الضياء الحلاويين والفكاهين أَلا يشعلوا سرجهم فِي اللَّيْل بالزيت الْحَار وألزم حواس الحمامات بِعَمَل فوط سابغة طَوِيلَة ورتب القبانيين فِي جِهَات مُعينَة بجلس كل قباني فِي مَوضِع من الْبَلَد. وَفِيه قدم خَلِيل بن الطرفي من أُمَرَاء التركمان بِنَاحِيَة أبلستين وَقدم سَبْعمِائة
إكديش وعدة تحف وَسَأَلَ أَن يسْتَقرّ فِي نِيَابَة الأبلستين بِأَلف فَارس وَعشرَة أُمَرَاء فَقبلت تقدمته وخلع عَلَيْهِ وَكتب منشوره بذلك. وَفِيه قدم من جِهَة بدر الدّين لُؤْلُؤ الفندشي الْحلَبِي شاد الدَّوَاوِين ثَلَاثَة أُلَّاف رَأس من الْغنم الضَّأْن فمشت حَال الدولة وَصَارَت سَببا للوقيعة بَين لُؤْلُؤ وَبَين النشو. وتحدث لُؤْلُؤ مَعَ الْأَمِير بشتاك أَنه إِن أسلم إِلَيْهِ النشو وحاشيته قَامَ بأربعمائة ألف دِينَار مِنْهُم فَقَامَتْ قِيَامَة النشو ومازال بالسلطان حَتَّى غَيره عَلَيْهِ. وَاتفقَ مَعَ ذَلِك وُصُول سنجر الْحِمصِي من حلب باستدعاء فأجلسه السُّلْطَان وَعرض عَلَيْهِ شدّ الدَّوَاوِين فَقبل الأَرْض وَطلب الإعفاء مِنْهَا وَكَانَ أَمينا ناهضاً فَلم يزل السُّلْطَان بِهِ حَتَّى خلع عَلَيْهِ وَاسْتقر عوضا عَن لؤلو فِي رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة. فَأول مَا بَدَأَ بِهِ سنجر أَن قبض على لؤلو وأوقع الحوطة على بَيته وألزمه بِالْحملِ وَأخذت حواصله وَهُوَ يُورد شَيْئا بعد شَيْء. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء جُمَادَى عشرى ربيع الأول: أفرج عَن الْخَلِيفَة من سجنه بالقلعة فَكَانَت مُدَّة اعتقاله خَمْسَة أشهر وَسَبْعَة أَيَّام. ثمَّ أَمر بِهِ فَأخْرج إِلَى قوص وَمَعَهُ أَوْلَاده وَابْن عَمه وَكتب لوالي قوص أَن يحْتَفظ بهم. وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن السُّلْطَان لما نزل عَن الْملك فِي سنة ثَمَان وَسَبْعمائة وَحصل الِاجْتِمَاع على المظفر بيبرس وقلده المستكفي بالسلطنة نقمها عَلَيْهِ السُّلْطَان النَّاصِر وأسرها لَهُ ثمَّ لما قَامَ السُّلْطَان لاسترجاع ملكه جدد المستكفي للمظفر الْولَايَة ونسبت فِي السُّلْطَان أَقْوَال إِلَيْهِ حملت السُّلْطَان على التحامل عَلَيْهِ. فَلَمَّا عَاد السُّلْطَان إِلَى الْملك فِي سنة تسع وَسَبْعمائة أعرض عَن المستكفي كل الْإِعْرَاض وَلم يزل يكدر عَلَيْهِ المشارب حَتَّى تَركه فِي برج بالقلعة فِي بَيته وَحرمه وخاصته فَقَامَ الْأَمِير قوصون فِي أمره وتلطف بالسلطان إِلَى أَن أنزلهُ إِلَى دَاره. ثمَّ نسب إِلَى ابْنه صَدَقَة أَنه تعلق بِبَعْض خَاصَّة السُّلْطَان وَأَن ذَلِك الْغُلَام يتَرَدَّد إِلَيْهِ فنفي الْغُلَام وَبلغ السُّلْطَان أَنه هُوَ يكثر من اللَّهْو فِي دَاره الَّتِي عمرها على النّيل بِخَط جَزِيرَة الْفِيل وَأَن أحد الجمدارية يُقَال لَهُ أَبُو شامة جميل الْوَجْه يَنْقَطِع عِنْده ويتأخر عَن الْخدمَة فَقبض على الجمدار وَضرب وَنفي إِلَى صفد وَضرب رجل من مؤذني القلعة - اتهمَ أَنه كَانَ السفير بَين الجمدار وَبَين الْخَلِيفَة - حَتَّى مَاتَ واعتقل الْخَلِيفَة كَمَا تقدم. ثمَّ لما أفرج عَنهُ اتهمَ أَنه كتب على قصَّة رفعت إِلَيْهِ يحمل مَعَ غَرِيمه إِلَى الشَّرْع فَأحْضرهُ السُّلْطَان إِلَى القلعة ليجتمع بِهِ بِحَضْرَة الْقَضَاء فخيله قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي من حُضُوره أَن يفرط مِنْهُ كَلَام فِي غَضَبه يصعب
تَدَارُكه. فأعجب السُّلْطَان ذَلِك وَأمر بِهِ أَن يخرج إِلَى قوص فَسَار صُحْبَة الْأَمِير سيف الدّين قطلوا تمرقلي فِي يَوْم السبت تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة بِجَمِيعِ عِيَاله وهم مائَة شخص. وَكَانَ مرتبه فِي كل شهر خَمْسَة أُلَّاف دِرْهَم فَعمل لَهُ بقوص ثَلَاثَة أُلَّاف دِرْهَم ثمَّ اسْتَقر ألف دِرْهَم فَاحْتَاجَ حَتَّى بَاعَ نساؤه ثيابهن. وفيهَا كتب إِلَى الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام أَن يحضر بأولاده وَأَهله لعمل عرس الْأَمِير أبي بكر ابْن السُّلْطَان على ابْنة الْأَمِير طقزتمر واحتفل السُّلْطَان لقدومه احتفالاً زَائِدا. وَكَانَت عَادَته أَن يصرف عَلَيْهِ إِذا قدم مبلغ خمسين ألف دِينَار مَا بَين خلع وإنعام فرسم أَن يكون فِي هَذِه السّنة مبلغ سبعين ألف دِينَار. ثمَّ خرج السُّلْطَان لملاقاته وَنزل قُصُور سرياقوس حَتَّى سقط الطَّائِر بنزول الْأَمِير تنكز إِلَى الصالحية فَركب الْأَمِير قوصون إِلَى لِقَائِه وصحبته جَمِيع مَا يَلِيق من الْأَطْعِمَة والمشروب فَلَمَّا لقِيه مد بَين يَدَيْهِ سماطاً جَلِيلًا إِلَى الْغَايَة وَأَقْبل بِهِ حَتَّى دنا من سرياقوس. فَركب السُّلْطَان إِلَيْهِ وَمَعَهُ أَوْلَاده وَقدم إِلَيْهِ الحاحب ليخبره بِأَنَّهُ لَا يترجل عَن فرسه حَتَّى يرسم لَهُ وَتَقَدَّمت أَوْلَاد السُّلْطَان إِلَيْهِ أَولا. فَلَمَّا قرب تنكز نزل السُّلْطَان عَن فرسه إِلَى الأَرْض على حِين غَفلَة من الْأُمَرَاء فَألْقوا أنفسهم عَن خيولهم وَأُلْقِي تنكز نَفسه إِلَى الأَرْض وَعدا فِي مَشْيه جهد قدرته وَهُوَ يقبل الأَرْض وَيقوم إِلَى أَن قبل رجْلي السُّلْطَان وَقد دهش فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان: اركب فرسك. وَركب السُّلْطَان والأمراء وسايره وَهُوَ يحادثه فَلم يسمع عَن ملك أَنه فعل مَعَ مَمْلُوكَة من التَّعْظِيم مَا فعله السُّلْطَان فِي هَذَا الْيَوْم مَعَ الْأَمِير تنكز. وَكَانَ الْعرس يَوْم الْإِثْنَيْنِ سلخ صفر وَالدُّخُول لَيْلَة الثُّلَاثَاء أول ربيع الأول. وَفِي خَامِس عشر شعْبَان: تَوَجَّهت التجريدة إِلَى بِلَاد سيس وخراب مَدِينَة. وَسبب ذَلِك وُصُول رَسُول القان مُوسَى وَعلي بادشاه بِطَلَب النجدة على الشَّيْخ حسن الْكَبِير وطغاي بن سونتاي وَأَوْلَاد دمرداش ليَكُون عَليّ بادشاه نَائِب السلطنة بِبَغْدَاد. فَاسْتَشَارَ السُّلْطَان نَائِب الشَّام والأمراء وَاسْتقر الرَّأْي على تَجْرِيد الْعَسْكَر نَحْو سيس فَإِن تكفور نقض الْهُدْنَة بِقَبْضِهِ على عدَّة مماليك وإرسالهم إِلَى مَدِينَة آياس فَلم يعلم خبرهم وَقطع الْحمل الْمُقَرّر عَلَيْهِ وَيكون فِي ذَلِك إِجَابَة عَليّ بادشاه إِلَى مَا قَصده
من نزُول الْعَسْكَر قَرِيبا من الْفُرَات مَعَ معرفَة الشَّيْخ حسن بِأَنا لم نساعد عَليّ بادشاه عَلَيْهِ وَإِنَّمَا بعثنَا الْعَسْكَر لغزو سيس. وَعمل مقدم الْعَسْكَر الْأَمِير أرقطاي وَيكون فِي السَّاقَة ويتقدم الجاليش صُحْبَة الْأَمِير طوغاي الطباخ ومعهما من الْأُمَرَاء قباتمر وبيدمر البدري وتمر الموساري وقطلوبغا الطَّوِيل وجوكتمر بن بهادو وبيبغا تتر حارس الطير وَمن أُمَرَاء الشَّام قطلوبغا الفخري مقدم الْجَيْش الشَّامي. وَكتب بِخُرُوج عَسْكَر دمشق وحماة وحلب وحمص وطرابلس إِلَى نَاحيَة جعبر فَإِذا وصل عَسْكَر مصر إِلَى حلب عَادَتْ عَسَاكِر الشَّام ثمَّ مضوا جَمِيعًا إِلَى سيس فَيكون فِي ذَلِك صدق مَا وعد بِهِ عَليّ بادشاه وبلوغ الغرص من غَزْو سيس فَسَار الْعَسْكَر من الْقَاهِرَة فِي ثَانِي عشر شعْبَان وَتوجه الْأَمِير تنكز إِلَى مَحل ولَايَته. وفيهَا أفرج عَن طرنطاي المحمدي بَعْدَمَا أَقَامَ فِي السجْن سبعا وَعشْرين سنة وَأخرج إِلَى دمشق وَأَفْرج عَن عَلَاء الدّين بن هِلَال الدولة وَأخرج إِلَى الشَّام وَأَفْرج عَن ابْن المحسني وَأخرج إِلَى طرابلس وَذَلِكَ فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي رَمَضَان. وَكَانَ ابْن هِلَال الدولة وَابْن المحسني معتقلين بالإسكندرية من ثَالِث عشر رَجَب سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ فَخلع السُّلْطَان عَلَيْهِمَا ورسم أَن يُقيم ابْن المحسني مَعَ أَبِيه بطرابلس وَيُقِيم ابْن هِلَال الدولة بِدِمَشْق فَسَار كل مِنْهُمَا فِي حادي عشريه صُحْبَة بريدي وَكَانَ هَذَا كُله بشفاعة نَائِب الشَّام. وفيهَا كتب سنجر الْحِمصِي شاد الدَّوَاوِين أوراقاً بِمَا على السُّلْطَان من الْقَرْض للتجار فَبلغ ألفي دِرْهَم فَلم يعْتَرف السُّلْطَان بهَا وَقَالَ: هَذِه أَخذهَا الدَّوَاوِين على اسْمِي ورسم أَن توزع على المباشرين فَنزل بهم من ذَلِك شدَّة وحملوا الْمبلغ شَيْئا بعد شَيْء وَكَانَ هَذَا من فعلات النشو بهم. وفيهَا رسم أَلا يضْرب أحد بالمقارع وطردت الرُّسُل والأعوان من بَاب شدّ الدَّوَاوِين وَكَانُوا قد كثرت مضرتهم وَاشْتَدَّ تسلطهم على النَّاس وحصلوا من ذَلِك مَالا كَبِيرا. وَكَانَ هَذَا بسفارة سنجر الْحِمصِي فَكثر الثَّنَاء عَلَيْهِ. وَفِيه توجه النشو ليتفقد نَاحيَة فَارس كور والمنزلة ودمياط فَقبض على عَلَاء الدّين بن توتل وَالِي أشوم وعَلى أقبغا وَالِي الْمحلة وصادرهما فَأخذ من وَالِي أشوم خمسين ألف دِرْهَم وَمن وَالِي الْمحلة مائَة ألف دِرْهَم.
وَفِيه كتب النشو بالحوطة على مباشري المعاصر والدواليب وَجَمِيع أَعمال الصَّيْد والفيوم وألزم ابْن المشنقص مدولب مطبغ الْأَمِير قوصو بِمِائَة ألف دِرْهَم وَاحْتج بِأَنَّهُ يعْمل الزغل فِي السكر وَالْعَسَل فحنق من ذَلِك قوصون وَقَامَ مَعَ السُّلْطَان فِي أمره حَتَّى أفرج عَنهُ. فشق هَذَا على النشو وَأثبت محضراً على القَاضِي ابْن مِسْكين بِأَن أَبَا الدراليب مَاتَ على غير الْملَّة وَأَن ابْنه لَا يسْتَحق إِرْثه بِحكم أَنه لبيت المَال وطلع بالمحضر إِلَى السُّلْطَان. فَطلب السُّلْطَان قوصون وَأَغْلظ عَلَيْهِ فاحتد قوصون وهال. أَنا مَا أسلم مَالِي الَّذِي عِنْده. فوهب السُّلْطَان قوصون مَا أثْبته النشو فأوقع الحوطة على جَمِيع موجوده وَأَخذه. وفيهَا وقفت الْعَامَّة للسُّلْطَان فِي الفار ضَامِن الْمُعَامَلَات وَشَكوا مَا أحدثه على الْقصب والمقاثي وصاحوا: يكفينا النشو فَلَا تسلط علينا الفار وتحبسه وتكتب على قَيده مخلد وتضمن غَيره بناقص عشرَة أُلَّاف دِرْهَم فَطلب السُّلْطَان النشو وَأنكر عَلَيْهِ ورسم لسنجر الْحِمصِي أَن يضْرب الفار ويحبسه وَيكْتب على قَيده مخلد وَيضمن غَيره بناقص عشرَة أُلَّاف دِرْهَم فَفعل ذَلِك ومشت أَحْوَال النَّاس. وفيهَا طرح النشو الفدان القلقاس على القلاقسية بِأَلف ومائتي دِرْهَم وصادر الشماسرة وَأخذ عدَّة مخازن للتجار وَأخرج مَا فِيهَا من البضائع وطرحها بِثَلَاثَة أَمْثَال قيمتهَا وَعوض أَرْبَابهَا سفانج على الْخشب والبوري فَكَانَ مِنْهَا مخزن فِيهِ حَدِيد قومه بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم على المارستان فَأبى الْأَمِير سنجر الجاولي نَاظر المارستان أَن يَأْخُذهُ فألزمه السُّلْطَان بِأَخْذِهِ للْوَقْف فَأَخذه وَوزن ثمنه. وَفِي ئالث عشر شَوَّال قدمت مَفَاتِيح القلاع الَّتِي كَانَت بيد صَاحب سيس. وَهِي آياس الجوانية وآياس البرانية والهارونية وكوارة وحميضة ونجيمة
وسرفندكار فرسم بخراب بَعْضهَا وأقامت النواب بباقيها. وَفِي تَاسِع ذِي الْقعدَة: أضيف شدّ الصيارف للأمير نجم الدّين بن الزيبق عوضا عَن بهادر البكتمري ثمَّ أضيف إِلَيْهِ مَعَ ذَلِك ولَايَة مصر عوضا عَن شمس الدّين جنغر ابْن بكجري. وَفِي تَاسِع عشره: خلع عَليّ شهَاب الدّين مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين أَحْمد ابْن قَاضِي القضاه تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز وَاسْتقر فِي حَسبه مصر عوضا عَن القَاضِي ضِيَاء الدّين محتسب الْقَاهِرَة. وَفِي سادس ذِي الْحجَّة: اسْتَقر نجم الدّين أَيُّوب فِي ولَايَة الفيوم عوضا عَن بهادر أستادار الجمالي وَكَانَ أَيُّوب هَذَا أستادر الأكز. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن القان مُوسَى لما كَانَت الْوَاقِعَة بَينه وَبَين الشَّيْخ حسن الْكَبِير وانكسر هُوَ وَعلي بادشاه صَار إِلَى بَغْدَاد وصادر النَّاس بهَا ثمَّ خرج عَليّ بادشاه إِلَى الْموصل فَسَار إِلَيْهِ الشَّيْخ بِمن مَعَه ولقبه شمَالي توريز فَكَانَت حَرْب شَدِيدَة فر مِنْهَا القان مُوسَى وَقتل عَليّ بادشاه وَخلق كثير فَكَانَت دولتهما ثَلَاثَة أشهر. وَلما انْكَسَرت عساكرهما مضى الشَّيْخ الْكَبِير إِلَى بَغْدَاد فملكها وَقد أَقَامَ سُلْطَانا مُحَمَّد بن يلقطلو بن هلاكو بن عنبرجي وَبعث الشَّيْخ حسن إِلَى السُّلْطَان بهدية فَأكْرم رسله وجهزهم بهدية سنية وَكتب بتهنئة. وَفِيه خلع عَليّ نجم الدّين دَاوُد بن أبي بكر مُحَمَّد بن الزبيق وَاسْتقر فِي ولَايَة الصِّنَاعَة والأهراء وخلع عَليّ صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن صُورَة وَاسْتقر فِي نظر الأهراء رَفِيقًا لَهُ.
وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر رَمَضَان: ركب النشو على عَادَته فِي السحر فاعترضه فِي طَرِيقه فَارس هُوَ عبد الْمُؤمن بن عبد الْوَهَّاب السلَامِي الَّذِي ولي قوص وَقيل أَبُو بكر بن الناصري مُحَمَّد وضربه فَأَخْطَأَ سَيْفه رَأس النشو وَسَقَطت عِمَامَة النشو عَن رَأسه وَقد جرح كتفه ثمَّ خر إِلَى الأَرْض وَنَجَا الْفَارِس وَفِي ظَنّه أَن رَأس النشو قد سَقَطت عَن بدنه. فَغَضب السُّلْطَان من ذَلِك وَلم يحضر السماط وَبعث إِلَى النشو بعدة من الجمدارية بالجرائحية فقطب ذراعه بست إبر وجبينه باثنتي عشرَة إبرة. وألزم السُّلْطَان وَالِي الْقَاهِرَة ومصر بإحضار غَرِيم النشو وَأَغْلظ على الْأُمَرَاء بالْكلَام ومازال يشْتَد ويحتد حَتَّى عَادَتْ القصاد بسلامة النشو فسكن مَا بِهِ ثمَّ بعث النشو مَعَ أَخِيه رزق الله يخبر السُّلْطَان بِأَن هَذَا من فعل الْكتاب بموافقة لُؤْلُؤ فَطلب السُّلْطَان ابْن المرواني وَالِي الْقَاهِرَة ورسم بمعاقبة الْكتاب الَّذين فِي المصادرة على الِاعْتِرَاف بغريم النشو وعقوبة لُؤْلُؤ مَعَهم. فَضرب لُؤْلُؤ ضربا مبرحاً وعوقب الْعلم أَبُو شَاكر وعلق والمقايرات فِي يَدَيْهِ وعوقب قرموط وعدة من الْكتاب وحرثت بُيُوتهم وَأخذ رخامها وَخرجت بالمحاريث لإِظْهَار مَا فِيهَا من الخبايا. ثمَّ أَن النشو عوفي من جراحه وطلع إِلَى القلعة فَخلع عَلَيْهِ وَنزل وَقد رتب السُّلْطَان الْمُقدم إِبْرَاهِيم بن أبي بكر شَدَّاد بن صابر أَن يمشي فِي ركابه وَمَعَهُ عشرَة من رِجَاله وَكَانَ لَا يطلع الْفجْر إِلَّا وهم على بَابه فَإِذا ركب كَانُوا مَعَه حَتَّى يدْخل القلعة فَإِذا نزل مَشوا فِي ركابه حَتَّى يدْخل بَيته. وعندما نزل النشو إِلَى الْقَاهِرَة كَانَ أول مَا بَدَأَ بِهِ أَن عاقب المقدمين وَغَيرهم حَتَّى مَاتَ عدَّة مِنْهُم تَحت الْعقُوبَة. وَفِي حادي عشرى ذِي الْحجَّة: سَافر خواجا عمر وسرطقطاي مقدم البريدية بهدية إِلَى أزبك ومعهما مبلغ عشْرين ألف دِينَار لشراء مماليك وجواري من بِلَاد التّرْك. وفيهَا كملت عمَارَة جَامع الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري على شاطئ النّيل بمنية بولاق وَكَانَ مَوْضِعه ساقية لشرف الدّين مُوسَى بن زنبور. وأصل بِنَاء هَذَا الْجَامِع أَنه لما أنشئت العمائر ببولاق عمر الْحَاج مُحَمَّد بن عز الْفراش بجوار الساقية المذكوره دَارا على النّيل ثمَّ انْتَقَلت تِلْكَ الدَّار بعد مَوته إِلَى ابْن الْأَزْرَق فَعرفت بدار الْفَاسِقين من كَثْرَة اجْتِمَاع النَّصَارَى بهَا على مَا لَا يرضى الله فَلَمَّا صادره النشو بَاعهَا فِيمَا بَاعه. فاشتراها الْأَمِير أيدمر الخطيري بِثمَانِيَة أُلَّاف دِرْهَم وهدمها وَبنى مَكَانهَا وَمَكَان الساقية جَامعا أنْفق فِيهِ مَالا جزيلاً وَأخذ أَرَاضِي حوله من بَيت المَال وَأَنْشَأَ عَلَيْهَا
الحوانيت والرباع والفنادق وأنعم السُّلْطَان عَلَيْهِ بعدة أَصْنَاف من خشب وَغَيره. فَلَمَّا تمّ بِنَاء الْجَامِع قوي عَلَيْهِ النّيل فهدم جانباً مِنْهُ فَأَنْشَأَ الخطيري تجاهه زريبة رمى بهَا ألف مركب موسوقة بِالْحِجَارَةِ وَسَماهُ جَامع النّوبَة فجَاء من أحسن مباني مصر وأبدعها وأنزهها. فَلَمَّا أفرج عَن ابْن الْأَزْرَق ادعِي أَنه كَانَ مكْرها فِي بَيْعه فَأعْطَاهُ الخطيري ثَمَانِيَة أُلَّاف دِرْهَم أُخْرَى فمازال بِهِ النشو حَتَّى قبض عَلَيْهِ مرّة ثَانِيَة وحبسه فَمَاتَ بعد قَلِيل فِي حَبسه. وفيهَا فرغ بِنَاء جَامع الْأَمِير سيف الدّين بشتاك بِخِلَاف قبو الْكرْمَانِي على بركَة الْفِيل خَارج الْقَاهِرَة وَكَانَ مَوْضِعه مسَاكِن للفرنج وَالنَّصَارَى ومسالمة الْكتاب. وَعمر بشتاك تجاه هَذَا الْجَامِع خانكاه على الخليج ورتب فِيهَا شَيخا وصوفية وَقرر لَهُنَّ المعاليم الْجَارِيَة ونظم مَا بَين الْجَامِع والخانكاه بساباط على الطَّرِيق المسلوك فجَاء من أحسن شَيْء بنى وتحول كثير من النَّصَارَى من هُنَاكَ. وفيهَا أُعِيدَت إِلَى عربان آل فضل وَآل مهنا إقطاعاتها الَّتِي أقطعت لِلْأُمَرَاءِ. وفيهَا خلع عَليّ عز الدّين عبد الْعَزِيز ابْن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع شعْبَان وَاسْتقر فِي وكَالَة بَيت المَال عوضا عَن نجم الدّين الأسعردي مُضَافا لما بِيَدِهِ من وكَالَة الْخَاص. وَفِيه اسْتَقر جمال الدّين بن العديم فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بحماة عوضا عَن التقي مَحْمُود ابْن مُحَمَّد بن الْحَكِيم. وفيهَا مَاتَ متملك تلمسان أَبُو تاشفين عبد الرَّحْمَن بن مُوسَى بن عُثْمَان بن
يغمراسن من عبد الواد الزياني قَتِيلا فِي محاربة سُلْطَان الْمغرب أبي الْحسن المريني أخر شهر رَمَضَان بَعْدَمَا ملك نيفا وَعشْرين سنة. وفيهَا وَقع الغلاء فِي جُمَادَى الأولى وأبيع الأردب الْقَمْح بِأَرْبَعِينَ درهما. وَالشعِير بِثمَانِيَة وَعشْرين درهما والفول بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ درهما والبرسيم الْأَخْضَر كل فدان بِنَحْوِ مائَة وَسبعين درهما والحمص المسلوق بِثَلَاثَة دَرَاهِم الْقدح. وفيهَا كبست الفيوم فِي أخريات جُمَادَى الأولى وأحضر مِنْهَا ألف ومائتان فرس. ثمَّ قدم وَالِي الفيوم وأمراء العربان وأحضروا سِتِّينَ حمل سلَاح وَمِائَة فرس وَغير ذَلِك. وَفِي سَابِع ذِي الْحجَّة: وَردت الفصاد بِأَن الْملك مُوسَى قدم إِلَيْهِ من خُرَاسَان طغاي تمر وسارا لمحاربة مُحَمَّد بن عنبرجي فانكسرا فِي رَابِع عشر ذِي الْقعدَة واستقل مُحَمَّد بِالْملكِ وَكَانَت الْوَقْعَة قَرِيبا من السُّلْطَانِيَّة بِموضع يُقَال لَهُ صولق. وَفِي رَابِع عشريه: اسْتَقر الجمالي عبد الله أَخُو ظلظية فِي ولَايَة الْبحيرَة عوضا عَن الْغَرْس خَلِيل. وَمَات فِيهَا من الْأَعْيَان قطب الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن مطهر بن نَوْفَل التغلبي الأدفوي بعد كف بَصَره فِي يَوْم عَرَفَة بأدفو وَله شعر. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن حمائل بن غَانِم بِدِمَشْق فِي ثَالِث عشر الْمحرم وَله شعر ونثر ورحل إِلَى مصر وَغَيرهَا. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن أَحْمد بن الخولي القوصي الشَّافِعِي بقوص. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين الأكز بِدِمَشْق فِي نصف رَمَضَان. وَتُوفِّي الشَّيْخ الإِمَام الْقدْوَة أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحَاج الفاسي
المغربي الْعَبدَرِي الْفَقِيه الْمَالِكِي عرف بِابْن الْحَاج فِي الْعشْرين من جُمَادَى الأولى وَدفن بالقرافة وَقد علت سنه وَكَانَت جنَازَته عَظِيمَة وَحدث وَكَانَ زاهداً صَالحا وَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو وَمَات الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري أحد الْأُمَرَاء مقدمي الألوف الْمَنْسُوب إِلَيْهِ جَامع الخطيري فِي أول رَجَب كَانَ مَمْلُوك الخطير الرُّومِي وَالِد الْأَمِير مَسْعُود بن خطير ثمَّ انْتقل إِلَى الْملك الْمَنْصُور قلاوون فرقاه حَتَّى صَار من أجل الْأُمَرَاء البرجية وَكَانَ جواداً كَبِير الهمة فِيهِ خير كثير. وَمَات الْأَمِير أزبك الْحَمَوِيّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشرى ذِي الْقعدَة على أياس وَقد بلغ مائَة سنة فَحمل إِلَى حماة وَدفن بهَا وَكَانَ مهاباً كثير الْعَطاء. وَمَات الْأَمِير بغا الدوادار بصفد منفياً وَكَانَ مشكور السيده. وَتُوفِّي عمر بن الشَّيْخ برهَان الدّين أَبُو اسحاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد ابْن تَمِيم بن عبد الصَّمد بن أبي الْحسن بن عبد الصَّمد بن تَمِيم المقريزي البعلى الصُّوفِي ببعلبك فِي ذِي الْقعدَة ومولده فِي ثَانِي عشر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة سمع من الْمُسلم بن عَدْلَانِ وَحدث وَسمع مِنْهُ الْأَمِير الواني وَابْن الْفَخر وَغَيرهمَا. وَمَات الشيح حُسَيْن بن إِبْرَاهِيم بن حُسَيْن خطيب جَامع الحاكمي من سويقة لاريش فِي يَوْم الْخَمِيس الْعشْرين من شَوَّال فَكَانَت جنَازَته عَظِيمَة جدا لِكَثْرَة صَلَاحه وقبره يزار خَارج بَاب النَّصْر. وَتُوفِّي الْمُحدث محب الدّين عبد الله بن أَحْمد بن الْمُحب الْمَقْدِسِي فِي ربيع الأول بِدِمَشْق حدث عَن الْفَخر وَغَيره. وَمَات أَسد الدّين عبد الْقَادِر بن عبد الْعَزِيز بن الْمُعظم عِيسَى بن الْعَادِل أبي بكر بن
أَيُّوب بن شادي فِي ثَانِي شَوَّال برملة فَدفن بالقدس ومولده فِي ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة حدث بالسيرة النَّبَوِيَّة عَن خطيب مردا. وَتُوفِّي عَلَاء الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن حمائل بن غَانِم الدِّمَشْقِي المنشأ فِي ثَالِث الْمحرم بتبوك وَهُوَ عَائِد من الْحَج. وَتُوفِّي الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمجد إِبْرَاهِيم المرشدي صَاحب الْأَحْوَال والمكاشفات بِنَاحِيَة منية المرشد فِي ثامن رَمَضَان. وَتُوفِّي نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن معضاد بن شَدَّاد بن ماجد الجعبري الْوَاعِظ فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشرى الْمحرم. وَتُوفِّي شيخ الخانكاه الناصرية سعيد السُّعَدَاء كَمَال الدّين أَبُو الْحُسَيْن عَليّ بن حسن بن عَليّ الحويزاني فِي خَامِس عشر صفر وَاسْتقر عوضه شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن النقجواني. وَتُوفِّي محتسب الْقَاهِرَة ووكيل بَيت المَال نجم الدّين مُحَمَّد بن حُسَيْن بن عَليّ الأسعردي فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر شعْبَان. وَتُوفِّي نجم الدّين أَحْمد بن الْعِمَاد إِسْمَاعِيل بن الْأَمِير أحد كتاب الدرج فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشرى الْمحرم. وَتُوفِّي سعد الدّين سعيد بن الشَّيْخ محيي الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن عبد الله عرف جده بِابْن أكنس الْبَغْدَادِيّ المنجم كَاتب التقاويم وَكَانَت لَهُ إصابات فِي النجامة عَجِيبَة وَكَانَت وَفَاته فِي خَامِس عشر صفر.
وَتُوفِّي مُسْند مصر شرف الدّين يحيى بن يُوسُف الْمَقْدِسِي وَالْمَعْرُوف بِابْن الْمصْرِيّ عَن نَيف وَسبعين سنة بِمصْر.
فارغة
سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة أول الْمحرم: قدم مبشرو الْحَاج بسلامة الْحجَّاج ورخاء الأسعار وَحسن سيرة الْأَمِير شمس الدّين آقسنقر السِّلَاح دَار أَمِير الْحَاج. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشريه: قدمت عَسَاكِر التجريدة من بِلَاد سيس. وَكَانَ من خبر ذَلِك أَنهم لما سَارُوا من الْقَاهِرَة فِي ثَانِي عشر شعْبَان وَقدمُوا دمشق تلقاهم الْأَمِير تنكز وَلم يعبأ تنكز بالأمير أرقطاي مقدم الْعَسْكَر لما فِي نَفسه مِنْهُ. ومضوا إِلَى حلب. فقدموها فِي رَابِع عشرى رَمَضَان وَأَقَامُوا بهَا يَوْمَيْنِ فَقدم الْأَمِير قطلوبغا الفخري بعساكر الشَّام وَقد وصل إِلَى جعبر ثمَّ سَارُوا جَمِيعًا يَوْم عيد الْفطر وَمَعَهُمْ الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطبغا نَائِب حلب وَهُوَ مقدم على الْعَسْكَر جَمِيعًا حَتَّى نزلُوا على الإسكندرونة أول بِلَاد سيس وَقد تقدمهم الْأَمِير مغلطاي الْغَزِّي إِلَيْهَا بشهرين حَتَّى جهز المجانيق والزحافات والجسور الْحَدِيد والمراكب وَغير ذَلِك لعبور نهر جهان. فَقدم عَلَيْهِم الْبَرِيد من دمشق بِأَن تكفرر وعد بِتَسْلِيم القلاع للسُّلْطَان فَلْتردَّ المجانيق وَجَمِيع ألات الْحصار إِلَى بغراس. وليقم الْعَسْكَر على مَدِينَة أياس حَتَّى يرد مرسوم السُّلْطَان بِمَا يعْتَمد فِي أَمرهم وَكَانَت التراكمين قد أَغَارُوا على بِلَاد سيس وَمَعَهُمْ عَسْكَر ابْن فرمان فتركوها أوحش من بطن حمَار فَبعث تكفور رسله فِي الْبَحْر إِلَى دمياط فَلم يَأْذَن السُّلْطَان لَهُم فِي الْقدوم عَلَيْهِ من أجل أَنهم لم يعلمُوا نَائِب الشَّام بحضورهم فعادوا إِلَى تكفور. فَبعث تكفور بهدية إِلَى تنكز نَائِب الشَّام وَسَأَلَهُ منع الْعَسْكَر من بِلَاده وَأَنه يسلم القلاع الَّتِي من وَرَاء نهر جهان جَمِيعًا للسُّلْطَان. فكاتب تنكز السُّلْطَان بذلك وَبعث أوحد المهمندار إِلَى الْأَمِير عَلَاء الدّين ألطبغا نَائِب حلب وَهُوَ الْمُقدم على الْعَسْكَر جَمِيعًا بِمَنْع الْغَارة ورد الْآلَات إِلَى بغراس فَردهَا ألطبغا وَركب بالعسكر إِلَى آياس فَقَدمهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر شَوَّال. وَكَانَت آياس قد تحصنت فبادر الْعَسْكَر وزحف عَلَيْهَا بِغَيْر أمره فَكَانَ يَوْمًا مهولاً جرح فِيهِ جمَاعَة كَثِيرَة. وَاسْتمرّ الْحصار إِلَى يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره وأحضر نَائِب حلب خمسن نجاراً وَعمل زحافتين وستارتين ونادى فِي النَّاس بالركوب للزحف. فَاشْتَدَّ الْقِتَال حَتَّى
وصلت الزحافات وَالرِّجَال إِلَى قريب السُّور بَعْدَمَا اسْتشْهد جمَاعَة كَثْرَة. فترجل الْأُمَرَاء عَن الْخُيُول لأخذ السُّور وَإِذا بأوحد المهمندار ورسل تكفور قد وافوا برسالة نَائِب الشَّام فعادوا إِلَى مخيمهم فَبَلغهُمْ أوحد المهنمدار أَن يكفوا عَن الْغَارة فَلم يوافقوه على ذَلِك وَاسْتقر الْحَال على أَن تسلموا أياس بعد ثَمَانِيَة أَيَّام. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّامِن أرسل تكفور مَفَاتِيح القلاع على أَن يرد مَا سبي وَنهب من بِلَاده فَنُوديَ برد السب فأحضر كثير مِنْهُ وأخرب الجسر الَّذِي نصب على نهر جهان. وَتوجه الْأَمِير مغلطاي الْغَزِّي فتسلم قلعة كوارة وَكَانَت من أحصن قلاع الأرمن وَلها سور مساحته فدان وَثلث وَربع فدان وارتفاعه اثْنَان وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعا بِالْعَمَلِ وَأنْفق تكفور على عِمَارَته أَرْبَعمِائَة ألف وَسِتِّينَ ألف دِينَار. وتسلم الْعَسْكَر آياس وَهدم البرج الأطلس فِي ثَمَانِيَة أَيَّام بَعْدَمَا عمل فِيهِ أَرْبَعُونَ حجاراً يَوْمَيْنِ وليلتين حَتَّى خرج مِنْهُ حجر وَاحِد. ثمَّ نقب البرج وعلق على الأخشاب وأضرمت فِيهِ النَّار فَسقط جَمِيعه وَكَانَ برجاً عَظِيما بلغ ضَمَانه فِي كل شهر لتكفور مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار حسابا عَن كل يَوْم ألف دِينَار سوى خراج الْأَرَاضِي. وَكَانَ ببلدة آياس أَرْبَعمِائَة خمارة وسِتمِائَة بغى وَكَانَ بهَا فِي ظَاهرهَا ملاحة تضمن كل سنة بسبعمائة ألف دِرْهَم وَلها مِائَتي وَسِتَّة عشر بستاناً تغرس فِيهَا أَنْوَاع الْفَوَاكِه ودور سورها فدانان وَثلثا فدان. ثمَّ رَحل الْعَسْكَر عَن آياس بَعْدَمَا قَامُوا عَلَيْهَا اثْنَيْنِ وَسبعين يَوْمًا فَمر نَائِب حلب على قلعة نجيمة وقلعة سرفندكار وَقد أخربهما مغلطاي الْغَزِّي حَتَّى عبر بالعسكر إِلَى حلب فِي رَابِع عشرى ذِي الْحجَّة. فَعَاد الْعَسْكَر إِلَى مصر وَقد مرض كثير مِنْهُم وَمَات جمَاعَة. فَأكْرم السُّلْطَان الْأَمِير أرقطاي وخلع عَلَيْهِ وَبعث تَشْرِيفًا إِلَى نَائِب حلب. وأقطع السُّلْطَان أَرَاضِي سيس لنائب حلب ونائب الشَّام وَغَيرهمَا من أُمَرَاء الشَّام وَأمر فِيهَا جمَاعَة من التركمان والأجناد فاستعملوا الأَرْض فِي الفلاحة وحطوا عَنْهُم من الْخراج فعمرت ضياعها. وضمت بعض عَجَائِز الأرمن ألف دِرْهَم كل يَوْم فَلم يُوَافق السُّلْطَان على ذَلِك. وَعمل فِي كل قلعة من قلاع الأرمن نَائِب ورتب فِيهَا عَسْكَر. ثمَّ قدمت رسل تكفور فَخلع عَلَيْهِم وَكتب بترك الْخراج عَنْهُم ثَلَاث سِنِين ومهادنتهم عشر سِنِين. وفيهَا كالت حَرْب بَين خَلِيل الطرفي وَبَين خَلِيل بن دلغادر على أبلستين انتصر
فِيهَا ابْن دلغادر. فانتمى الطرفي إِلَى نَائِب الشَّام. ووعد على نِيَابَة الأبلستين بألفي إكديش وَإِقَامَة ثَلَاثِينَ أَمِير طبلخاناه. فعني بِهِ نَائِب الشَّام حَتَّى قدم إِلَى قلعة الْجَبَل وخلع عَلَيْهِ وَكتب لَهُ ثَلَاثُونَ منشوراً بإمريات جمَاعَة عينهم وخلع على جَمِيع من مَعَه وَسَار. وَقدم الْخَبَر بِأَن القان مُوسَى لما فر بعد قتل عَليّ بادشاه لحق بخراسان فَقَامَ مَعَه طغاي تمر أميرها وَجمع لَهُ. فَسَار إِلَيْهِ الشَّيْخ حسن الْكَبِير وَأَوْلَاد دمردادش ولقوه بِالْقربِ من سلطانية فانكسر مُوسَى وَقتل من أَصْحَابه. فاختل فِي هَذِه الْفِتَن حَال بَغْدَاد والموصل وديار بكر وَقَوي أرتنا نَائِب الْمغل بِبِلَاد الرّوم لشغل الْمغل عَنهُ بِمَا هم فِيهِ. وفيهَا بعث النشو من كشف عَن أَرْبَاب دواليب القند فَوجدَ لأَوْلَاد فُضَيْل كثير من القند وَمِنْه أَرْبَعَة عشر ألف قِنْطَار قند عملت فِي هَذِه السّنة وَبَلغت زراعتهم فِي كل سنة ألف وَخَمْسمِائة فدان من الْقصب كَانُوا فِيمَا سلف يصالحون المباشرون على أَن قندهم ألف قِنْطَار يؤدون مَا عَلَيْهَا للديوان. فَلَمَّا علم النشو ذَلِك أوقع الحوطة على حواصلهم وَحمل القند إِلَى دَار القند وَكتب عَلَيْهِم حجَجًا بِثمَانِيَة أُلَّاف قِنْطَار للسُّلْطَان. فَلَمَّا تخلصوا مِنْهُ وجدوا لَهُم حَاصِلا لم يظفر بِهِ النشو وَفِيه عشرَة أُلَّاف قِنْطَار قند. وصادر النشو شاد دواليب الْخَاص بالصعيد وَأخذ مِنْهُ مائَة وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم حملهَا للسُّلْطَان. وفيهَا أنعم السُّلْطَان فِي يَوْم وَاحِد على أَرْبَعه من مماليكه بِمِائَتي ألف دِينَار مصرية وهم قوصون وألطنبغا وملكتمر الْحِجَازِي وبشتاك وأنعم على مُوسَى بن مهنا بضيعة بِأَلف ألف دِرْهَم وَكَانَ قد قدم لَهُ فرسا. فشق دلك على النشو وَقَالَ: خاطرت بروحي فِي تَحْصِيل الْأَمْوَال وَهُوَ يفرقها. وفيهَا قدم أَمِير أَحْمد ابْن السُّلْطَان من الكرك باستدعاء وَكَانَ قد بلغه عَنهُ أَنه يعاشر أوباش الكرك فعقد لَهُ السُّلْطَان على ابْنة الْأَمِير سيف الدّين طايربغا وَعقد لِابْنِهِ يُوسُف على ابْنة الْأَمِير جنكلي بن البابا وَذَلِكَ فِي الْعشْرين من ربيع الآخر. وسير السُّلْطَان لكل أَمِير بِأَلف وَخَمْسمِائة دِينَار وثوب أطلس. وَفِيه سعى النشو بقاضي الْإسْكَنْدَريَّة عماد الدّين مُحَمَّد بن إِسْحَاق البلبيسي شيخ خانكاه بهاء الدّين أرسلان من أجل أَنه عَارضه فِي أَخذ أَمْوَال الْأَيْتَام ورماه بِأَنَّهُ أَخذ مَالا للأيتام اشْترى بهَا عدَّة جواري. فَطلب البلبيسي من الْإسْكَنْدَريَّة وَسلم إِلَى ابْن
المرواني وَالِي الْقَاهِرَة ليخلص مِنْهُ مَال الْأَيْتَام فَقَامَ بأَمْره الْأَمِير جنكلي بن البابا والحاج آل ملك والأحمدي حَتَّى توجه الضياء الْمُحْتَسب وأقوش البريدي للكشف عَنهُ فَلم يظْهر لما رمي بِهِ صِحَة وَأكْثر مَا عيب عَلَيْهِ أَنه مطرح الاحتشام يمشي فِي الْأَسْوَاق لشراء حَاجته فأفرج عَنهُ. وَفِيه ولد للسُّلْطَان ابْنه صَالح من زَوجته بنت الْأَمِير تنكز فَعمل السُّلْطَان لَهَا بشخاناه وداير بَيت وَنَحْو ذَلِك بِمِائَة ألف وَأَرْبَعين ألف دِينَار وَعمل لَهَا الْفَرح مُدَّة أُسْبُوع حَضَره نسَاء الْأُمَرَاء وَمَا مِنْهُنَّ إِلَّا من عين لَهَا السُّلْطَان تعبية قماش على قدر رُتْبَة زَوجهَا. فَحصل للمغاني شَيْء كثير حَتَّى أَن مغنيات الْقَاهِرَة جَاءَ قسم كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ عشرَة أُلَّاف دِرْهَم سوى التفاصيل الْحَرِير والمقانع وَالْخلْع. وَقدم من الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام لابنته مقنعة وطرحة بسبعة آلَاف دِينَار. وَفِي هَذَا المهم اسْتعْمل السُّلْطَان للخركاه الْوَاصِلَة إِلَيْهِ من بِلَاد الشرق ثوبا من حَرِير أطلس وردي ورصعه بِاللُّؤْلُؤِ والجواهر وأسبل عَلَيْهَا سترا فَبلغ مَصْرُوف ذَلِك مائَة ألف دِينَار واثني عشر ألف دِينَار فنامت فِيهَا النِّسَاء. وَبلغ مَصْرُوف خَمْسمِائَة ألف دِينَار فَكَانَ شَيْئا لم يسمع بِمثلِهِ فِي الدولة التركية. وَفِيه اتّفق عدَّة من أَرْبَاب الجرائم بخزانة شمائل وَقتلُوا السحان وَخَرجُوا بعد الْمغرب من بَاب زويلة شاهرين السكاكين. فَركب الْوَالِي فِي طَلَبهمْ فَلم يظفر مِنْهُم سوى بِرَجُل أقطع فشنقه. وفيهَا استدعى السُّلْطَان من بِلَاد الصَّعِيد بألفي رَأس من الضَّأْن واستدعى من الْوَجْه البحري بِمِثْلِهَا وَشرع فِي عمل حوش برسمها ويرسم الأبقار البلق فَوَقع اخْتِيَاره على مَوضِع من قلعة الْجَبَل مساحته أَرْبَعَة أفدنة قد قطعت مِنْهُ بِالْحِجَارَةِ لعمارة القاعات الَّتِي بالقلعة حَتَّى صَار غوراً عَظِيما وَطلب السُّلْطَان كَاتب الْجَيْش ورتب على كل من الْأُمَرَاء المقدمين مائَة رجل وَمِائَة دَابَّة لنقل التُّرَاب وعَلى كل من أُمَرَاء
الطبلخاناه بِحَسبِهِ وَأقَام الْأَمِير قبغا عبد الْوَاحِد شادا وَأَن يُقيم مَعَه من جِهَة كل أَمِير أستاداره بعدة من جنده وألزم الْأُمَرَاء بِالْعَمَلِ ورسم لوالي الْقَاهِرَة بتسخير الْعَامَّة. فَأَقَامَ الْأَمِير أقبغا عبد الْوَاحِد فِي خيمته على جَانب الْموضع واستدعى أستادارية الْأُمَرَاء وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم فَلم يمض ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى حضرت إِلَيْهِ رجال الْأُمَرَاء من نواحيهم وَنزل كل أستادار بخيمته وَمَعَهُ دوابه وَرِجَاله فقسمت عَلَيْهِم الأرص قطعا مُعينَة لكل وَاحِد مِنْهُم فجدا فِي الْعَمَل لَيْلًا وَنَهَارًا. هَذَا وأقبغا داير بفرسه عَلَيْهِم يستحثهم ويخرق بأستادارية الْأُمَرَاء وَيضْرب بَعضهم وَيضْرب أَكثر أجنادهم. ووكل الْمُقدم عنبر السحرتي بِالرِّجَالِ وَكَانَ ظَالِما غشوماً بهم وكلفهم السرعة فِي أَعْمَالهم من غير أَن يُوجد لَهُم رخصَة وَلَا مكنهم من الاسْتِرَاحَة. وَكَانَ الْوَقْت صيفاً حاراً فَهَلَك كثير مِنْهُم فِي الْعَمَل لعجز قدرتهم عَمَّا كلفوه. وَمَعَ ذَلِك كُله والولاة تسخر من تظفر بِهِ من الْعَامَّة وتسوقه إِلَى الْعَمَل فيزل بِهِ الْبلَاء مَا لَا قبل لَهُ بِهِ وَلَا عهد لَهُ بِمثلِهِ. وَكَانَ أحدهم إِذا عجز وَألقى بِنَفسِهِ إِلَى الأَرْض رمى أَصْحَابه عَلَيْهِ التُّرَاب فَمَاتَ لوقته هَذَا وَالسُّلْطَان يحضر كل يَوْم حَتَّى يرى الْعَمَل. وَكَانَ الْأَمِير ألطنبغا المارديني قد مرض وَأقَام بالميدان على النّيل أَيَّامًا حَتَّى برِئ وطلع إِلَى القلعة من بَاب القرافة. فاستغاث بِهِ النَّاس وسألوه أَن يخلصهم من هَذَا الْعَمَل فتوسط لَهُم عِنْد السُّلْطَان حَتَّى عفى السُّلْطَان النَّاس من السخرة وَأَفْرج عَمَّن قبض عَلَيْهِ مِنْهُم. فَأَقَامَ الْعَمَل سنة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَى أَن فرغ مِنْهُ وأجريت إِلَيْهِ الْمِيَاه وأقيمت بِهِ الأغنام الْمَذْكُورَة والأبقار البلق. وبنيت بِهِ بيُوت للأوز فَبلغ ثمن البقل المصروف من الدِّيوَان برسم أكل فراخها فِي كل يَوْم مائَة وَخمسين درهما وَعند فرَاغ الْعَمَل من الحوش وترتيبه استدعى السُّلْطَان الْأُمَرَاء وَعمل لَهُم سماطاً جَلِيلًا وخلع على جمَاعَة مِمَّن بَاشر الْعَمَل وَغَيرهم. وفيهَا وصل من متجر الْخَاص سِتّمائَة قِطْعَة قطران طرحت على الزياتين وَأَصْحَاب المطابخ بِمِائَتي دِرْهَم الْقطعَة. ثمَّ طرح النشو أَيْضا ألف مقطع شرب بِحِسَاب ثَلَاثمِائَة دِرْهَم المقطع وَقِيمَته مَا بَين مائَة وَخمسين وَمِائَة وَسِتِّينَ درهما المقطع. ثمَّ طرح النشو ثِيَاب المماليك الْخلقَة وأخفافهم العتيقة على أَرْبَابهَا بأغلى ثمن. وفيهَا جد النشو فِي السّعَايَة بالصفي كَاتب قوصون عِنْد السُّلْطَان وَأَنه يلْزمه فِي كل سنة للديوان عَن متاجره وزراعاً نَحْو مِائَتي ألف دِرْهَم حَتَّى ألزم السُّلْطَان الْأَمِير قوصون بمصادرته وَأخذ مَاله لنَفسِهِ فأوقع قوصون الحوطة على جَمِيع مَاله. وسعى
النشو أَيْضا بقطلو أستادار قوصون أَنه لما توجه إِلَى الشَّام لزمَه مَال كثير بِمَا أتْلفه من مَال معاصر الْغَوْر وَعَما أَخذه من ثمَّ بعث السُّلْطَان إِلَى قُضَاة الْقُضَاة أَلا يثبت أحد مِنْهُم محضراً بِاسْتِحْقَاق مِيرَاث حَتَّى يرسم لَهُم بذلك. وَسَببه أَن صدر الدّين الطَّيِّبِيّ لما ولاه النشو نظر ديوَان الْمَوَارِيث الْتزم لَهُ بِحمْل لأموال الْكَثِيرَة وَصَارَ يحْتَاط على أَمْوَال التركات ويحملها إِلَى النشو من غير أَن يُعْطي الْوَرَثَة مِنْهَا شَيْئا فَإِن كَانَ للْوَارِث جاه وَكَانَ لَهُ ولد مَعْرُوف ألزمهُ أَن يثبت نسبه من الْمَيِّت واستحقاقه لميراثه فَإِذا أثبت ذَلِك أَحَالهُ على مَا يتَحَصَّل من الْمَوَارِيث فيماطل بذلك مُدَّة وَلَا ينَال غَرَضه فَلَمَّا فحش الْأَمر فِي هَذَا بلغ السُّلْطَان فَأنْكر على النشو ذَلِك فدافع عَن نَفسه بأعذار قبلت مِنْهُ ثمَّ رسم السُّلْطَان للقضاة أَلا يثبتوا من ذَلِك شَيْئا إِلَّا بمرسومه فاشتذ الْأُمَرَاء على النَّاس وَصَارَت التَّرِكَة تنهب بِحَضْرَة الْوَارِث وَلَا يجد سَبِيلا إِلَيْهَا فَإِن عجز الطَّيِّبِيّ عَن أَخذ المَال من التَّرِكَة لقُوَّة الْوَارِث وَشدَّة بأسه رَمَاه عِنْد النشو بِأَن مُوَرِثه لَقِي وَوجد لقية مَال فِي بَيته فَيلْزم الْوَارِث بإحضار ذَلِك حَتَّى يتْرك مِيرَاثه. وفيهَا كتب مرسوم بمساحة ضَمَان جِهَات دمشق بِمَا عَلَيْهِم من الْبَوَاقِي للديوان ومبلغه مِائَتَان ألف دِرْهَم فأهملت من الْحساب. وفيهَا أنعم السُّلْطَان على الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام بِثَلَاث ضيَاع من فتوح سيس وَهِي قلعة كوارة وقلعة نجيمة وقلعة سرفندكار ورسم أَن يحمل إِلَيْهَا من حماة وحمص وطرابلس عشرُون ألف غرارة غلَّة برسم تقاويها وتخضيرها وَعين لكل ضَيْعَة مَا يكفيها وَكتب مراسيم لكل حهة بِمَا هُوَ مُقَرر عَلَيْهَا. وفيهَا أوقع الْأَمِير تنكز بِعلم الدّين مُحَمَّد بن القطب كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق وضربه وصادره بمرافعة الْأَمِير حَمْزَة التركماني وَأخذ مِنْهُ عشْرين ألف دِينَار ومائتي ألف دِرْهَم. وفيهَا أعرس أَحْمد ابْن السُّلْطَان بابنة الْأَمِير طايربغا من غير عمل مُهِمّ. وأعرس كَذَلِك يُوسُف ابْن السُّلْطَان بابنة الْأَمِير جنكلي بن البابا. وفيهَا أنعم على قطلوبرس أستادار بكتمر الساقي بإمرة طبلخاناه وتسلم أَمِير أَحْمد ابْن السُّلْطَان وَتوجه بِهِ إِلَى الكرك فَتوجه الْأَمِير بيغرا إِلَى الكرك على النجب حَتَّى أحضر جَمِيع مَا كَانَ بهَا من المَال. وفيهَا اتضع سعر الغلال حَتَّى أبيع الأردب الْقَمْح الصعيدي بِعشْرَة دَرَاهِم والبحري
بِثمَانِيَة دَرَاهِم والفول وَالشعِير كل أردب بِسِتَّة دَرَاهِم وكسدت الغلال. فَكَانَ رزق الله أَخُو النشو - وَهُوَ كَاتب الْأَمِير ملكتمر الْحِجَازِي وَولي الدولة صهره - وَهُوَ كَاتب المجدي - يطرحان الْقَمْح بِزِيَادَة دِرْهَمَيْنِ الأردب ويأخذان ثمنه بعسف وظلم فتوقفت أَحْوَال الْجند لرخص السّعر. وسعى النشو بالضياء الْمُحْتَسب أَن الدَّقِيق وَالْخبْز سعرهما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقَمْح غال فرسم لوالي الْقَاهِرَة أَن يطْلب الْمُحْتَسب والطحانين وَيعْمل معدل الْقَمْح عِنْده فَلم يجد فِي الأسعار تَفَاوتا بَين الْقَمْح وَالْخبْز. وَفِي سَابِع عشر صفر: قدم من بَغْدَاد الْوَزير نجم الدّين مَحْمُود بن على بن شرْوَان وحسام الدّين الْحسن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الغوري محتسب بَغْدَاد وفخر الدّين مَحْمُود نَائِب الْحلَّة. وعدة من الْأَعْيَان فِي خَمْسمِائَة عليقة. فَقدم الْوَزير للسُّلْطَان هَدِيَّة سنية. فِيهَا حجر بلخش يزن سَبْعَة وَعشْرين درهما فَخلع عَلَيْهِ وعَلى الْغَوْر وأنعم على مَحْمُود نَائِب الْحلَّة بإمرة طبلخاناه بِدِمَشْق وعَلى وَزِير بَغْدَاد بإمرة طبلخاناه بديار مصر ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف بعد وَفَاة طايربغا. وَكَانَ سَبَب قدومهم أَن نجم الدّين هَذَا كَانَ تمكن بِبَغْدَاد وَكثر مَاله فَلَمَّا قدم عَليّ بادشاه إِلَى بَغْدَاد وَمَعَهُ القان مُوسَى وصادر أَهلهَا ثمَّ جمع العساكر وَخرج بعث بشمس الدّين السهروردي نَائِب بَغْدَاد وَقد كتب لَهُ أَسمَاء ليَأْخُذ مَالهم مِنْهُم نجم الدّين ابْن شرْوَان فَخر الدّين مَحْمُود نَائِب الْحلَّة. فَلَمَّا بَلغهُمْ ذَلِك تواطئوا على قَتله وَالْخُرُوج إِلَى مصر وَخَرجُوا إِلَى لِقَائِه واحتفوا بِهِ وَسَارُوا مَعَه ثمَّ بدره نجم الدّين بِسَيْفِهِ فَضَربهُ ضَرْبَة حلت عَاتِقه فَسقط إِلَى الأَرْض وَأخذت السيوس أَصْحَابه فارتجت بَغْدَاد بِأَهْلِهَا. وَفِي الْوَقْت نَادَى نجم الدّين بالأمان وَلَا يَتَحَرَّك أحد فقد كَانَ لنا غَرِيم قَتَلْنَاهُ وَأخرج هُوَ وَأَصْحَابه حريمهم وَأَمْوَالهمْ ومروا بهم على حمية من بَغْدَاد وَكَتَبُوا إِلَى الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام يستأذنونه. فَبعث تنكز الْبَرِيد إِلَى السُّلْطَان بخبرهم فَأُجِيب بإكرامهم إِلَى الْقَاهِرَة فَحمل إِلَيْهِم من الإقامات مَا يَلِيق بهم حَتَّى قدمُوا عَلَيْهِ ثمَّ سيرهم مكرمين. وفيهَا أنعم على آقسفقر بِخبْز طنجي السِّلَاح دَار وأنعم على قماري أَمِير شكار بتقدمة ألف. وَفِيه أنشأ السُّلْطَان قصراً للأمير يلبغا اليحياوي وقصراً للأمير ألطبغا المارديني تجاه
حمام الْملك السعيد قَرِيبا من الرميلة تَحت القلعة وَأخذ لذَلِك من إسطبل الْأَمِير أيدغمش قِطْعَة وَمن إسطبل الْأَمِير طشتمر الساقي قِطْعَة وَمن إسطبل الْأَمِير قوصون قِطْعَة وَنزل بِنَفسِهِ حَتَّى مرر أمره. وَتقدم السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير قوصون أَن يَشْتَرِي الْأَمْلَاك الْمُجَاورَة لإسطبله بالرميلة تَحت القلعة ويضيفها إِلَى إسطبله وَأمر أَن يكون بَاب الإسطبلين اللَّذين أنشأهما أَيْضا للأميرين يلبغا وألنبغا تجاه حمام الْملك السعيد وَأقَام آقبغا عبد الْوَاحِد شادا بعمارة القصرين. فَاشْترى قوصون عدَّة أَمْلَاك وسع بمواضعها فِي اسطبله وَطرح النشو أنقاضها بأغلى الْأَثْمَان وَجعل قوصون بَاب إسطبله من الرميلة تجاه القلعة. وَأنْفق النشو على القصرين جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي عمارتها. وفيهَا قدمت عدَّة تجار من الشَّام بِثِيَاب بعلبكي كَثِيرَة فختم عَلَيْهَا وَأخذ عَنْهَا مَا جرت بِهِ الْعَادة للديوان من المكس. ثمَّ أَمر النشو بأخذها جَمِيعهَا بِقِيمَة اخْتَارَهَا ثمَّ طرحها على تجار الْقَاهِرَة بِثَلَاثَة أَمْثَال قيمتهَا وألزم مباشري الْخَتْم أَلا يختموا قماشاً حَتَّى يستأذنوه. فَقدم قفل عقيب ذَلِك فِيهِ تَاجر من جِهَة الْأَمِير بشتاك فَأخذ قماشه فِيمَا أَخذ وَطرح الْجَمِيع على التُّجَّار. فَادّعى ذَلِك التَّاجِر أَن قماشه إِنَّمَا هُوَ للأمير بشتاك فَضَربهُ النشو ضربا مبرحاً فشق ذَلِك على بشتاك وشكا أمره إِلَى السُّلْطَان. وَكَانَ النشو قد بلغ السُّلْطَان أَن تَاجِرًا يحضر كل سنة القماش على اسْم الْأَمِير بشتاك بِغَيْر مكس حَتَّى وَجب عَلَيْهِ للديوان مائَة ألف دِرْهَم وَقد أكسر مُعَاملَة السُّلْطَان وَأَنه قد أَخذ مَا أحضرهُ من القماش فانفعل السُّلْطَان لكَلَامه. وفيهَا عزل قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين مُحَمَّد الْقزْوِينِي. وَسبب ذَلِك وَلَده جمال الدّين عبد الله وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من كَثْرَة اللَّهْو والشره فِي المَال وَأَخذه الرِّشْوَة من الْقُضَاة وَنَحْوهم وتبسطه فِي الترف حَتَّى إِنَّه قد اقتنى عدَّة كَثِيرَة من الْخُيُول ورتب لَهَا عدَّة من الأجاقية والركابين وسابق بهَا. وَكَانَ جمال الدّين شغف أَيْضا بِسَمَاع الْغناء ومعاشرة الْأَحْدَاث من أَوْلَاد الأكابر ومماليك الْأُمَرَاء وتجاهر بالمنكرات. فرمعت فِيهِ للسُّلْطَان تَتَضَمَّن شعرًا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ فَأخْرجهُ السُّلْطَان إِلَى الشَّام ثمَّ أَعَادَهُ بسعي
أَبِيه بعد مُدَّة بسفارة الْأَمِير بكتمر الساقي فَلم يقم إِلَّا نَحْو السّنة وَزَاد فِي قبح السِّيرَة فَأخْرجهُ السُّلْطَان ثَانِيًا وَأقَام سنة. فَلم يُطلق أَبوهُ غيبته عَنهُ وَكَانَ قد فتن بِهِ حَتَّى أَنه لشدَّة حبه إِيَّاه لَا يكَاد يصبر عَنهُ سَاعَة وَاحِدَة فَسَأَلَ السُّلْطَان فِي عوده مشافهة وَضمن تَوْبَته فَأَعَادَهُ السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة فَأَنْشَأَ بجوار بَيت أَبِيه على النّيل دَارا كلف قُضَاة الْأَعْمَال فِيهَا لحمل الرخام وَغَيره واستدعى لَهَا الصناع من الشَّام وَبَالغ فِي اتقانها فبلغت النَّفَقَة عَلَيْهَا زِيَادَة على خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم. وَبلغ السُّلْطَان ذَلِك فَحدث الْأُمَرَاء. بِمَا بلغه وَأنكر على القَاضِي بتمكين وَلَده من هَذَا فَبعث الْأَمِير عز الدّين أيدمر الخطيري إِلَى القَاضِي يعنفه ويشنع عَلَيْهِ ويلومه على إِنْفَاق وَلَده هَذَا المَال الْكَبِير فَاعْتَذر عَنهُ بِأَنَّهُ اقْترض مَا عمر بِهِ هَذِه الدَّار فَإِن سُكْنى الْقَاهِرَة لم توافقهم واحتاجوا إِلَى السُّكْنَى على النّيل. ثمَّ إِنَّه أَيْضا اشْترى فِي الْقَاهِرَة دَارا وجددها بِمَا يزِيد على مِائَتي ألف دِرْهَم فَكثر الْكَلَام فِيهِ. هَذَا مَعَ جفائه للنَّاس وَقُوَّة نَفسه وَسُوء سيرته وسيرة إخْوَته أَيْضا وتغافل أَبِيهِم عَنْهُم وتصاممه عَن الشكوى فيهم فَكتب فِي القَاضِي عدَّة أوراق للسُّلْطَان وَنسب فِيهَا إِلَى أَنه لَا يولي نَائِبا عَنهُ فِي بلد حَتَّى يجْتَمع بأولاده وشنع فِيهَا أَن الْقُضَاة فِي أَيَّامه إِنَّمَا تلِي بالبراطيل وتتزايد فِي الولايات. وَكَانَ السُّلْطَان لَا يرشى ويعاقب من يرتشي أَشد الْعقُوبَة فَكَانَ يُرَاعِي الْقُضَاة لما فِي نَفسه من إجلالهم وتعظيمهم إِلَى أَن نعاط أَمر أَوْلَاد القَاضِي جلال الدّين الْقزْوِينِي وَكَثُرت الْقَصَص فيهم وَفِي مَمْلُوكه. وَعمل حسن الْغَزِّي الشَّاعِر فيهم قصيدة شنيعة وأوصلها إِلَى شهَاب الدّين أَحْمد بن فضل الله فقصد نكاية الْقزْوِينِي وَقَالَ للسُّلْطَان عَنْهَا وَقرأَهَا عَلَيْهِ فأثرت فِي السُّلْطَان وغيرته على الْقزْوِينِي وَمِنْهَا وَهِي طَوِيلَة: قَاض على الْأَيَّام سل صَارِمًا بحده يلتقط الدراهما وَسن من أَوْلَاده لَهَا دَمًا جردهم فانتهكوا المحارما والشبل فِي الْمخبر مثل الْأسد وَابْنه البدري خطيب جلقي بِامْرَأَة الْكَامِل مشغوف شقي بادره بِالْعَزْلِ فَلَيْسَ يرتقي مَنَابِر الْإِسْلَام إِلَّا متقي متزر ثوب العفاف مُرْتَد يَا ملك الْإِسْلَام يَا ذَا الهمة أزل عَن الْملَّة هذي الْغُمَّة واحلل بِعَبْد الله سيف النقمَة فَإِنَّهُ حجاج هذي الْأمة واردعه ردع كل مُفسد
فَلَمَّا حضر الْقُضَاة إِلَى دَار الْعدْل على الْعَادة لم يُؤذن لَهُم فِي دُخُوله وعندما نزلُوا بعث السُّلْطَان إِلَى الْقزْوِينِي مَعَ الدوادار بِأَن نَائِب الشَّام شكا من ابْن الْمجد قَاضِي دمشق وَقد اقْتضى رأية أَن أَن ترجع ابْنك عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ لَا ترجعه فَإِذا حضرت بدار الْعدْل استعف من الْقَضَاء بِحَضْرَة الْأُمَرَاء. وَاعْلَم أَنِّي آمُر نَائِب الشَّام أَنه إِذا رأى أولادك على سيرة مرضية قابلهم بِمَا يستحقونه. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس: وَحضر قَاضِي الْقُضَاة الْقزْوِينِي دَار الْعدْل سَأَلَ الْحَاجِب أَن يسْأَل لَهُ السُّلْطَان فِي تَمْكِينه من التَّوَجُّه إِلَى دمشق فَإِن مصر لم توافقه وَلَا وَافَقت أَهله فَأذن لَهُ السُّلْطَان فِي ذَلِك. وَنزل الْقزْوِينِي فَأخذ فِي وَفَاء دينه وَكَانَ عَلَيْهِ لجِهَة وقف التربة الأشرفية الْمُجَاورَة لمشهد السيدة نفيسة مبلغ مِائَتي ألف دِرْهَم وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم فَبَاعَ أملاكه وأملاك أَوْلَاده وأثاثهم وتحفهم بِربع ثمنهَا وَكَانَت نفيسة. فباعوا من صنف الْأَوَانِي الصيني بمبلغ أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم وَبَاعَ عبد الله إِحْدَى عشرَة جَارِيَة مَا بَين ثَمَانِيَة أُلَّاف دِرْهَم الْجَارِيَة إِلَى أَرْبَعَة أُلَّاف وَبَاعَ من اللُّؤْلُؤ والجواهر والزركش مَا قِيمَته زِيَادَة على مائَة وَعشْرين ألف دِرْهَم وَبَاعَ دَاره بِالْقَاهِرَةِ بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وأدوا مَا عَلَيْهِم من الدّين للأيتام وَغَيرهم. وَسَار قَاضِي الْقُضَاة بأَهْله وَأَوْلَاده إِلَى دمشق وصحبته سِتُّونَ زوج محاير على الْجمال فِي كل محارة امْرَأَة. وتأسف النَّاس على فِرَاقه لمحبتهم لَهُ مَعَ بغضهم لأولاده فَإِنَّهُ كَانَ كَرِيمًا جواداً سخياً لَهُ صدقَات ومراعاة لأرباب الْبيُوت يهب الْألف دِرْهَم وَلم يعرف فِي دولة الأتراك بِمصْر قَاض لَهُ مثل سعادته وَلَا مثل حظوته من السُّلْطَان وَقُوَّة حرمته وَكَانَ سَفَره فِي جُمَادَى الْآخِرَة. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشره: استدعى عز الدّين عبد الْعَزِيز ابْن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة الشَّافِعِي وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة عوضا عَن الْجلَال الْقزْوِينِي. وَكَانَ السُّلْطَان قد جمع بَين يَدَيْهِ الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء وَفِيهِمْ عز الدّين
وَحَدَّثَهُمْ فِيمَن يصلح للْقَضَاء وَقد تعين عِنْدهم شمس الدّين مُحَمَّد بن عَدْلَانِ. فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ السُّلْطَان وَذكر لَهُم عز الدّين فَأَثْنوا عَلَيْهِ خيرا. وَكَانَ السُّلْطَان من أَيَّام بدر الدّين مُحَمَّد بن جمَاعَة يلهج بِذكر ابْنه عز الدّين وَيَقُول: لَوْلَا أَنه شَاب لوليته الْقَضَاء. وخلع فِيهِ أَيْضا على حسام الدّين الْحسن بن مُحَمَّد الغوري القادم من بَغْدَاد وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن عبد الْحق وَنزلا فِي موكب جليل. وَكَانَ سَبَب عزل ابْن عبد الْحق أَوْلَاده فَإِنَّهُم سَارُوا سيرة أَوْلَاد الْقزْوِينِي فَكَانَ السُّلْطَان يَقُول: ولينا قُضَاة جياداً أفسدهم ورسم بسفر ابْن عبد الْحق وَأَوْلَاده أَيْضا إِلَى الشَّام فسافروا. وَكَانَت قد وَقعت الشكوى فِي ابْن القَاضِي الْحَنْبَلِيّ من بَيْعه أوقاف الْأَيْتَام وَأخذ أثمانها وإتلافه فِي الْمُحرمَات فَطلب وَالِده تَقِيّ الدّين أَحْمد بن عز الدّين عمر بن مُحَمَّد الْمُقَدّس وَسُئِلَ عَن مَال الْأَوْقَاف الَّتِي بَاعهَا فَاعْتَذر بِمَا لَا يقبل وَسَأَلَ المهلة. فَأمر السُّلْطَان مُتَوَلِّي الْقَاهِرَة بِتَسْلِيمِهِ وضربه حَتَّى يحضر المَال جَمِيعه فأهانه ورسم عَلَيْهِ. وَأخذ السُّلْطَان يَقُول لِلْأُمَرَاءِ. انْظُر مَاذَا جرى علينا من أَوْلَاد الْقُضَاة وَذكر ابْن القَاضِي الْحَنْبَلِيّ وَمَا كَانَ مِنْهُ وهم أَن يُوقع بِهِ وبابنه الْمَكْرُوه فتلطفوا بِهِ فِي أَمرهمَا. والستر على القَاضِي لكبر سنه وشهرته. فعين الْأَمِير جنكلي بن البابا لولاية الْحَنَابِلَة موفق الدّين عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْملك الْمَقْدِسِي فَطَلَبه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ مَعَ رَفِيقه. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثاسع عشره: طلع الْقُضَاة الْأَرْبَعَة وقبلوا يَد السُّلْطَان وَاسْتَأْذَنَ قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين عبد الْعَزِيز بن جمَاعَة الشَّافِعِي فِي عزل نواب الحكم فَإِنَّهُم جيعهم إِنَّمَا ولوا ببذلهم المَال الجزيل لولد القزوين وَأَنَّهُمْ قد أفسدوا فِي الْأَعْمَال فَسَادًا كَبِيرا فَأَجَابَهُ السُّلْطَان بِأَن يفعل مَا فِيهِ خلاصه من الله تَعَالَى. فَنزل ابْن جمَاعَة وَكتب
بعزل قُضَاة الْوَجْه القبلي والبحري بأسرهم وعزل فَخر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مِسْكين من نِيَابَة الحكم بِمصْر وَولي عرضه بهاء الدّين عبد الله بن عقيل وَعين لقَضَاء الْأَعْمَال جمَاعَة مِمَّن وَقع اخْتِيَاره عَلَيْهِم فَلم يَجْسُر أحد على معارضته وَلَا مُخَالفَته واستخلف عَنهُ فِي الْقَضَاء تَاج الدّين مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمَنَاوِيّ وضياء الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَنَاوِيّ وعزل الضياء الْمُحْتَسب من نظر الْأَوْقَاف حَتَّى لم يدع أحدا بِالْقَاهِرَةِ ومصر وأعمالها مِمَّن ولاه الْقزْوِينِي. فانكف عَن النَّاس بدلك شَرّ كَبِير وَفَسَاد كثير. وَسَار رفقاؤه الْحَنَفِيّ والحنبلي مثل سيرته فِي النزاهة والصيانة. وعقيب ذَلِك قدم الْبَرِيد من الشَّام بِأَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة دِينَار من وقف الأشرفية. فَأَخذهَا النشو وَعرف السُّلْطَان بهَا وَأَنه تعوض عَنْهَا لجِهَة الْوَقْف فِيمَا بعد فَأَخذهَا السُّلْطَان مِنْهُ. وفيهَا جمع النشو الطحانين وعرفاء الجمالة وَطرح عَلَيْهِم مَا زرع بِنَاحِيَة قليوب من الفول الْأَخْضَر والبرسيم بِحِسَاب ثَلَاثمِائَة دِرْهَم الفدان الفول والبرسيم بِمِائَتي دِرْهَم وَضرب جمَاعه مِنْهُم بالمقارع لأجل شكواهم إِيَّاه للسُّلْطَان. وَطرح النشو مبلغ مِائَتي ألف دِرْهَم فُلُوسًا نحساً ضرب إسكندرية وتروجة وفوة وبلاد الصَّعِيد على التُّجَّار وأرباب الْمُعَامَلَات فوقفت الْأَحْوَال. وَذَلِكَ أَن الْفُلُوس كَانَت تُؤْخَذ بِالْعدَدِ وَقد كثر فِيهَا الزغل من الرصاص وَنَحْوه وَصَارَ الْفلس الْكَبِير يقص ثَلَاث قطع وَيخرج بِثَلَاثَة فلوس فَصَارَت الباعة تردها وتحسن سعر الْغلَّة دَرَاهِم الأردب. فَقَامَ وَالِي الْقَاهِرَة فِي ذَلِك وَضرب جمَاعَة وَنُودِيَ أَن يرد الْفلس المقصوص والرصاص وَلَا يتعامل بِهِ فمشت الْأَحْوَال. وَفِيه قدم الْبَرِيد من الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام. وَمَعَهُ مبلغ عشْرين ألف دِينَار الَّذِي أَخذ من علم الدّين بن القطب كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق فَخلع السُّلْطَان على جمال الدّين عبد الله بن الْكَمَال مُحَمَّد بن الْعِمَاد إِسْمَاعِيل بن الْأَثِير وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق عوضا عَن ابْن القطب. وفيهَا اتّفق بِدِمَشْق أَن قاضيها شهَاب الدّين مُحَمَّد بن الْمجد عبد الله بن الْحُسَيْن بن عَليّ الأربلي كَانَ غير مرضِي الطَّرِيقَة فَلَمَّا عزل وَاسْتقر الْقزْوِينِي عوضه ركب ابْن الْمجد قبل أَن يبلغهُ الْعَزْل يُرِيد مَكَانا فنقرت بغلته من كلب خرج عَلَيْهَا فِي الطَّرِيق وألقته عَن ظهرهَا فاندق عُنُقه وسر النَّاس بذلك.
وفيهَا عزل الضياء من حسبَة الْقَاهِرَة بسعاية النشو بِهِ ورميه لَهُ بمحبة الْأَحْدَاث وخلع على الشريف شرف الدّين عَليّ بن حُسَيْن بن مُحَمَّد نقيب الْأَشْرَاف وَاسْتقر عوضه بَعْدَمَا أَقَامَت الْقَاهِرَة أَيَّامًا بِغَيْر محتسب. وفيهَا أفرج عَن الْأَمِير آقسنقر شاد العمائر من حَبسه بحلب وأنعم عَلَيْهِ بطلبخاناه فِي دمشق بعناية الْأَمِير قوصون. وفيهَا قدم الْبَرِيد بِأَن جَبَّار بن مهنا توجه فِي جماعته إِلَى بِلَاد الشرق وَصَارَ فِي جملَة الشَّيْخ حسن الْكَبِير بِسَبَب أَنه لما قدم بهديته إِلَى السُّلْطَان لم يجد مِنْهُ إقبالاً فَكتب إِلَّا إخْوَته بترجيعه إِلَى الْبِلَاد. وفيهَا قدم الْبَرِيد بِأَن الشَّيْخ حسن الْكَبِير قد جمع العساكر لمحاربة أرتنا صَاحب بِلَاد الرّوم وَأَن جَبَّار بن مهنا الْتزم لَهُ بِجمع الْعَرَب وَأَنه كتب لَهُ تقليداً بالإمرة على الْعَرَب. فَقدم بعد ذَلِك كتاب أرتنا وَمَعَهُ هَدِيَّة وَيسْأل فِيهِ أَن يكون نَائِب السُّلْطَان فِي بِلَاد الرّوم وَأَنه يضْرب السِّكَّة باسمه وَيُقِيم دَعوته على منابره. فَخلع على رسله وأنعم عَلَيْهِم وَكتب لَهُ تَقْلِيد بنيابة الرّوم من انشاء الشريف شهَاب الدّين الْحُسَيْن ابْن قَاضِي الْعَسْكَر. وَكَانَ الْحَامِل لِابْنِ أرتنا على ذَلِك أَنه عظم شَأْنه بِبِلَاد الرّوم وكثف جمعه حَتَّى خافه الشَّيْخ حسن الْكَبِير أَن ينْفَرد بمملكة الرّوم فَأخذ فِي التأهب لمحاربته. وَكَانَ ابْن دلغادر قد تمكن بأراضي أبلستين وَكَثُرت زراعاته بهَا وَأخذ يتخطف من أَطْرَاف الرّوم فخشى أرتنا مِنْهُ أَن ينازعه فِي مملكة الرّوم أَو يكون مَعَ الشَّيْخ حسن الْكَبِير فَرَأى الاتجاه إِلَى السُّلْطَان أقوى لَهُ وَأسلم فَإِنَّهُ إِمَّا يمده بعسكر يتقوى بِهِ على أهل الشرق أَو يأوي إِلَى بِلَاده إِن انهزم. وفيهَا بلغ النشو أَن النَّاس يَجْتَمعُونَ إِلَى الوعاظ بالجامع الْأَزْهَر وجامع الْحَاكِم وَغير ذَلِك وَيدعونَ الله عَلَيْهِ. فَلم يزل النشو بالسلطان حَتَّى منع الوعاظ بأجمعهم من الْوَعْظ وَأخرج رجلا كردياً كَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد إِلَى الشَّام. وفيهَا قدم الْمجد السلَامِي من الشرق صُحْبَة رسل الشَّيْخ حسن الْكَبِير باستدعاء السُّلْطَان لَهُ وَقد كلفه الشَّيْخ أَن يقوم لَهُ بِالصُّلْحِ بَينه وَبَين السُّلْطَان وجهز مَعَه هَدِيَّة جليلة. وفيهَا قدم نَاصِر الدّين خَليفَة بن خواجا عَليّ شاه وَزِير أبي سعيد فَأكْرمه السلطالن وأنعم عَلَيْهِ وَأخرج لَهُ راتباً بِدِمَشْق ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بتقدمة ألف بهَا عوضا عَن برسبغا العادلي وأنعم على برسبغا بتقديمة آقول الْحَاجِب بعد مَوته.