المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(في ثامن المحرم) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ٣

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌(وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث ذِي الْحجَّة)

- ‌(سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي رَابِع عشريه)

- ‌(سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم السبت ثَمَانِي عشرى شَوَّال)

- ‌(سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر رَمَضَان)

- ‌(وَفِي سَابِع عشره)

- ‌(فِي ثامن الْمحرم)

- ‌(سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي خَامِس رَمَضَان)

- ‌(وَفِي ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة)

- ‌(وَفِي ثَانِي عشرى رَمَضَان)

- ‌(سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تاسعه)

- ‌(سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشره)

- ‌(وَفِي يَوْم السبت حادي عشرَة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره)

- ‌(وَفِي هده السّنة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشريه)

- ‌(وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس ذِي الْقعدَة)

- ‌(سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة)

- ‌(وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشريه)

الفصل: ‌(في ثامن المحرم)

سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة

(فِي ثامن الْمحرم)

قدم الْأَمِير بلك الجمدار المظفري مبشراً بسلامة السُّلْطَان فدقت البشائر وخلعت عَلَيْهِ خلع كَثِيرَة وَاطْمَأَنَّ النَّاس بَعْدَمَا كَانَت بَينهم أراجيف وعينت الإقامات للسُّلْطَان والأمراء. وَكَانَ السُّلْطَان لما قرب فِي مسيره من عقبَة أَيْلَة بلغه اتفاف الْأَمِير بكتمر الساقي على الفتك بِهِ مَعَ عدَّة من المماليك فتمارض وعزم على الرُّجُوع إِلَى مصر فوافقه الْأُمَرَاء على ذَلِك إِلَّا بكتمر الساقي فَإِنَّهُ أَشَارَ بإتمام السّفر وشنع عوده قبل الْحَج. فسير السُّلْطَان ابْنه آنوك وَأمه إِلَى الكرك صُحْبَة الْأَمِير ملكتمر السرجواني نَائِب الكرك وَكَانَ قدم إِلَى الْعقبَة وَمَعَهُ ابْنا السُّلْطَان أَبُو بكر وَأحمد ثمَّ مضى السُّلْطَان فِي يَوْم هُوَ مُحْتَرز غَايَة التَّحَرُّز بِحَيْثُ أَنه ينْتَقل فِي اللَّيْل عدَّة مَرَّات من مَكَان إِلَى أخر ويخفي مَوضِع مبيته من غير أَن يظْهر أحدا على مَا نَفسه مِمَّا بلغه إِلَى أَن وصل إِلَى يَنْبع. فَتَلقاهُ الْأَشْرَاف من أهل الْمَدِينَة بحريمهم وَقدم عَلَيْهِ الشريف أَسد الدّين رميثة من مَكَّة وَمَعَهُ قواده وحريمه فأكرمهم السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِم وَسَارُوا مَعَه إِلَى أَن نزل خليص فِي ثَلَاثِينَ مَمْلُوكا إِلَى جِهَة الْعرَاق. فَلَمَّا قدم السُّلْطَان مَكَّة أَكثر بهَا من الإنعام على الْأُمَرَاء وَأنْفق فِي جَمِيع من مَعَه من الأجناد والمماليك ذَهَبا كثيرا وَعم بصدقاته أهل الْحرم. فَلَمَّا قضي النّسك عَاد يُرِيد مصر فَلَمَّا وصل إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة هبت بهَا فِي اللَّيْل ريح شَدِيدَة جدا أَلْقَت الخيم كلهَا وتزايد اضْطِرَاب النَّاس وفر مِنْهُم عدَّة من المماليك واشتدت ظلمَة الجو فَكَانَ أمرا مهولاً. فَلَمَّا كَانَ النَّهَار سكن الرّيح فَظهر أَمِير الْمَدِينَة بِمن فر من المماليك فَخلع السُّلْطَان عَلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا كَانَ مَعَ المماليك من مَال وَغَيره. وَبعث السُّلْطَان بالمماليك إِلَى الكرك وَكَانَ أخر الْعَهْد بهم. وَقدم السُّلْطَان إِلَى الْقَاهِرَة فِي يَوْم السبت ثامن عشر الْمحرم بَعْدَمَا ورد الْخَبَر بِمَوْت

ص: 163

بكتمر الساقي وَولده وَكَثُرت الإشاعات. وَقد خرج مُعظم النَّاس فِي لِقَائِه بِحَيْثُ غلقت أسواق الْقَاهِرَة ومصر وَخرج شرف الدّين النشو فَبسط الشقاق الْحَرِير والزر بفت الَّتِي جباها من الْأُمَرَاء المقيمين وأرباب الدولة من بَين العروستين إِلَى بَاب الإصطبل. فَلَمَّا توَسط السُّلْطَان بَين الجبلين صاحت الْعَامَّة: هوإياه مَا هوإياه بِاللَّه اكشف لثامك وأرنا وَجهك. وَكَانَ السُّلْطَان قد تلثم فحسر اللثام عَن وَجهه فصاحوا بأجمعهم: الْحَمد لله على السَّلامَة وبالغوا فِي إِظْهَار الْفرج بِهِ وَالدُّعَاء لَهُ فسره ذَلِك مِنْهُم. وَصعد السُّلْطَان القلعة فدقت البشائر وعملت الأفراح ثَلَاثَة أَيَّام. وَكَانَت حجَّة السُّلْطَان هَذِه يضْرب بهَا الْأَمْثَال: أبيع بِمَكَّة فِيهَا الأردب من الشّعير من عشرَة دَرَاهِم إِلَى عشْرين درهما وأبيع البقسمات بِالْعَدْلِ فَكَانَ يقف كل رَطْل مِنْهُ بفلس وَاحِد وأبيع السكر كل رَطْل بِدِرْهَمَيْنِ والعلبة الْحَلْوَى بِثَلَاثَة دَرَاهِم. وقدمت تنكز نَائِب الشَّام افي خليص فعمت النَّاس وأنعم السُّلْطَان على جَمِيع أهل مَكَّة وَكَانَ إنعامه على الشريف رميثة بِخَمْسَة أُلَّاف دِينَار وعَلى زَوجته بِخَمْسِمِائَة دِينَار وَذَلِكَ سوى مَا أنعم بِهِ على الْبَنَات وَغَيرهَا. فَقدم لَهُ رميثة مائَة فرس وَألف رَأس من الْغنم فَرد الْجَمِيع وَأخذ مِنْهَا فرسين لَا غير. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عشريه: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل وخلع على جَمِيع الْأُمَرَاء والمقدمين وأنعم عَلَيْهِم إنعامات كَثِيرَة. وَفِيه منع السُّلْطَان النشو من التَّعَرُّض لمباشري بكتمر الساقي وَسَائِر ألزامه وَطلب الْمُهَذّب كَاتب بكتمر وألزمه بِكِتَابَة مَا خَلفه فَوجدَ لَهُ سِتَّة وَثَلَاثُونَ ألف أردب غلَّة وَمن السِّلَاح والجوهر وَغَيره مَا زَادَت قِيمَته على مائَة ألف دِينَار واتهم مُوسَى الصير فِي أَنه خصّه مِمَّا سَرقه مباشروه خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألف دِينَار. ثمَّ عرض السُّلْطَان مماليك بكتمر وأخذلهم جمَاعَة وأنعم على الْأَمِير بشتاك بإقطاع بكتمر وَجَمِيع حواصله ومغله ثمَّ زوجه زَوجته بعد وَفَاء عدتهَا. وَفِي ثَالِث عشريه: سَافر الْأَفْضَل صَاحب حماة. وَفِيه قدم الْبَرِيد من تنكز نَائِب الشَّام بتهنئة السُّلْطَان بقدومه سالما وَطلب الْإِذْن لَهُ فِي الْقدوم إِلَى الْقَاهِرَة وشكا تنكز من الْأَمِير طينال نَائِب طرابلس لترفعه عَلَيْهِ وخرق

ص: 164

حرمته وإعراضه عَمَّا يكاتبه فِيهِ. فَأُجِيب بالشكر وَالْإِذْن لَهُ بالحضور وعزل طينال وَاسْتقر الْأَمِير قرطاي عوضه وَنقل طينال إِلَى نِيَابَة غَزَّة إهانة لَهُ. وَركب الْأَمِير يبغرا الْبَرِيد لتقليد الْمَذْكُورين وَقد أوصاه السُّلْطَان إِلَى رَأْي من طينال كَرَاهَة لنيابة غَزَّة يقبضهُ ويحضر بِهِ مُقَيّدا. وَفِيه كتب بِإِضَافَة غَزَّة إِلَى نِيَابَة الشَّام وَأَن نائبها يُكَاتب نَائِب الشَّام فِيمَا يعن لَهُ من الْأُمُور وَلَا يُكَاتب السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس صفر: قدم الصاحب أَمِين الدّين عبد الله بن الغنام باستدعاء وخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي نظر الشَّام وَنظر الْخَاص بهَا وذظر الْأَوْقَاف عوضا عَن الشَّمْس غبريال وَكتب توقيعه من إنْشَاء الصّلاح خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي وسافر فِي حادي عشره. وَفِيه أنعم على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْأَمِير جنكلي بن البابا بإمرة طبلخاناه وأنعم بِعشْرَة على أَخِيه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثرت مصادرات النشو للنَّاس: فَأَقَامَ من شهد على التَّاج إِسْحَاق أَنه تسلم من المكين الترجمان صندوقاً فِيهِ ذهب وزمرد وجوهر مثمن فرسم لِابْنِ المحسني بعقوبة مُوسَى بن التَّاج إِسْحَاق حَتَّى يحضر الصندوق. وَطلب النشو وُلَاة الْأَعْمَال وألزمهم بِحمْل المَال وَبعث أَخَاهُ لكشف الدواليب بالصعيد وتتبع حَوَاشِي ابْن التَّاج إِسْحَاق فَقدم قنغلي وَالِي البهنسا وقتشمر وَالِي الغربية وفخر الدّين إِيَاس مُتَوَلِّي المنوفية وعدة من المباشرين فتسلمهم ابْن هِلَال الدولة ليستخلص مِنْهُم الْأَمْوَال. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع ربيع الأول: توجه الْأَمِير سيف الدّين بيغرا لتقليد الْأَمِير شهَاب الدّين قرطاي نِيَابَة طرابلس عوضا عَن طينال وَقد نقل قرطاي إِلَيْهَا من أمرة بِدِمَشْق وَاسْتقر طينال فِي نِيَابَة غَزَّة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرى جُمَادَى الأولى: قدم الْأَمِير تنكز نَائِب الشَّام فَأكْرمه السُّلْطَان إِكْرَاما زَائِدا على عَادَته.

ص: 165

وَفِيه تفاوض شرف الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن الشهَاب مَحْمُود كَاتب السِّرّ والأمير صَلَاح الدّين يُوسُف الدوادار حَتَّى توحش مَا بَينهمَا وارتفعا إِلَى السُّلْطَان. فَسَأَلَ كَاتب السِّرّ أَن يعود إِلَى الشَّام فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَكتب بِطَلَب محيي الدّين يحيى بن فضل الله كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق ليستقر فِي كِتَابَة السِّرّ. وَفِيه قدم الْبَرِيد بِمَوْت قطب الدّين مُوسَى ابْن شيخ السلامية نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق فتروى السُّلْطَان أَيَّامًا فِيمَن يُولى عوضه إِلَى أَن تعين فَخر الدّين مُحَمَّد بن بهاء الدّين عبد الله بن أَحْمد بن عَليّ بن الْحلِيّ فَخلع عَلَيْهِ فِي أول صفر وسافر إِلَيْهَا فِي تَاسِع عشر صفر. وَفِي تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة: خلع على الْأَمِير تنكز خلعة السّفر وَتوجه إِلَى دمشق وصحبته ابْن الْحلِيّ نَاظر الْجَيْش وَشرف الدّين بن الشهَاب مَحْمُود كَاتب السِّرّ. وَفِي سلخ جُمَادَى الْآخِرَة: قدم محيي الدّين يحيى بن فصل الله الْعمريّ من دمشق بأولاده فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن ابْن الشهَاب مَحْمُود وخلع على أَوْلَاده. وَفِيه قدم نَاظر حلب وَعَامة مباشريها فتسلمهم ابْن هِلَال الدولة لعمل الْحساب وَسبب ذَلِك أَنه لما مَاتَ فندش ضَامِن دَار الطّعْم وعداد الأغنام بحلب قَامَ بعده من ضمن الْجِهَتَيْنِ فسعى بدر الدّين لُؤْلُؤ الْحلَبِي مَمْلُوك فندش فِي الضَّمَان فَلم يجب إِلَيْهِ لسوء سيرته فَكتب إِلَى السُّلْطَان بِأَنَّهُ يعين فِي جِهَة مباشري حلب أَمْوَالًا عَظِيمَة أهملوها وصالحوا عَلَيْهَا فطلبوا لذَلِك. وَكَانَ لُؤْلُؤ قد حضر إِلَى الْقَاهِرَة فعينه السُّلْطَان شاد الدَّوَاوِين بحلب فسافر إِلَيْهَا صَحبه الْأَمِير سيف الدّين جركتمر النَّاصِر وَأخذ فِي كشف أَحْوَال المباشرين ومحاققتهم بِنَاء عَن أَمر السُّلْطَان. وَفِيه قدم المخلص أَخُو النشو من كشف الدواليب والزراعات بِالْوَجْهِ القبلي فأغرى النشو السُّلْطَان بمباشري الْوَجْه القبلي وَأَنَّهُمْ فرطوا فِي مباشراتهم وأتلفوا عدَّة أَمْوَال للسُّلْطَان. فَكتب بالحوطة على جَمِيع مباشري الْوَجْه القبلي شاديه وعماله وشهوده والمتحدثين وَحَملهمْ وَحمل الْأَمِير أَحْمَر عينه وإيقاع الحوطة على موجوده كُله وَكَانَ قديم الْمُبَاشرَة فِي الدواليب وَله سَعَادَة جليلة وَحمل عز الدّين أيبك شاد الدواليب وَكَانَ أَيْضا صَاحب أَمْوَال جزيلة فأوقعت الحوطة على أَمْوَال الْجَمِيع وحملوا إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه طلب النشو تجار الْقَاهِرَة ومصر وَطرح عَلَيْهِم عدَّة أَصْنَاف من الْخشب

ص: 166

والجوخ والقماش بِثَلَاثَة أَمْثَال قِيمَته وَركب إِلَى دَار القند وَاعْتبر أوزان القنود الْوَاصِلَة إِلَى الْأُمَرَاء من معاصرهم وَغَيرهَا وَكَانَت شَيْئا كثيرا. وَكَانَ السُّلْطَان قد رسم لِلْأُمَرَاءِ بمسامحتهم بمما عَلَيْهَا للديوان فألزم النشو مباشريهم بِمَا عَلَيْهِم للديوان عَنْهَا وَلم يمتثل مَا فِي المراسيم السُّلْطَانِيَّة من مسامحتهم. ثمَّ ركب النشو إِلَى السُّلْطَان وعرفه بِأَن الَّذِي للديوان على القنود الَّتِي اعتبرها فِي يَوْمه مبلغ سِتَّة أُلَّاف دِينَار وَأَنه كل قَلِيل يرد لِلْأُمَرَاءِ من القنود مثل ذَلِك وَأكْثر مِنْهُ وَأَن مَال السُّلْطَان يذهب فِي هَذَا وَأَمْثَاله فَإِن الدَّوَاوِين تسرق بِحجَّة مُسَامَحَة الْأُمَرَاء شَيْئا كثيرا. فأثر ذَلِك فِي نفس السُّلْطَان وَمكن النشو من عمل مَا يختاره وَألا يسامح أحدا بِشَيْء مِمَّا عَلَيْهِ للديوان فشق ذَلِك على الْأَمِير قوصون وَحدث السُّلْطَان فِي إِمْضَاء مَا رسم لَهُ بِهِ من المسوح عَن القند فَلم يجبهُ السُّلْطَان إِلَى ذَلِك ووعده أَنه يعوضه عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ. فانكفت الْأُمَرَاء عَن السُّؤَال وَعظم النشو بِهَذَا فِي أعين النَّاس. واستدعى النشو ابْن الْأَزْرَق نَاظر الْجِهَات وَكَانَ ظلوماً غشوماً فَكتب لَهُ أَسمَاء أَرْبَاب الْأَمْوَال من التُّجَّار وَطرح عَلَيْهِم قماشاً استدعي بِهِ من الْإسْكَنْدَريَّة بِثَلَاثَة أَمْثَال قِيمَته وأخرق بِمن عَارضه مِنْهُم وَحمل النشو للسُّلْطَان من هَذَا وَشبهه أَمْوَالًا عَظِيمَة. وَفِيه قدم الصاحب شمس الدّين عبد الله غبريال بن أبي سعيد بن أبي السرُور من دمشق فألزم بِحمْل أَرْبَعِينَ ألف دِينَار وَضعهَا كريم الدّين عِنْده ليتجر لَهُ بهَا وَحمل مَا أَخذه فِي مُبَاشَرَته من مَال السُّلْطَان وَكَانَ ذَلِك بإغراء النشو. فَقَامَ فِي أمره الْأَمِير بتشاك والأمير قوصون حَتَّى يُقرر عَلَيْهِ مَا يحملهُ من غير أهنة فَحمل ألف ألف دِرْهَم. وعمت مضرَّة النشو النَّاس جَمِيعًا وانتمى إِلَيْهِ عدَّة من الأشرار ونموا على الكافة من أهل القبلي وَالْوَجْه البحري ودلوه على من عِنْده شَيْء من الْجَوَارِي المولدات لشغف السُّلْطَان بِهن فَحملت إِلَيْهِ عدَّة مِنْهُنَّ بطلبهن من أربابهن وَسعوا عِنْده بأرباب الْأَمْوَال أَيْضا فدهى النَّاس مِنْهُ بلَاء عَظِيم. وفى سلخ شَوَّال: أخرج صَلَاح الدّين الدوادار على الْبَرِيد منفياً إِلَى صفد وخلع على سيف الدّين بغا الدوادار الصَّغِير عوضه وَسبب ذَلِك أَنه كَانَ مترفعاً يُعَامل رفقاءه بشمم وتكبر. وَكَانَ شهَاب الدّين أَحْمد بن محيي الدّين يحيي بن فضل الله كَاتب

ص: 167

السِّرّ يُبَاشر عَن أَبِيه وَعَن جده فِي مزاحة وَقُوَّة نفس فسلك صَلَاح الدّين مَعَه مسلكه مَعَ ابْن الشهَاب مَحْمُود فَلم يحْتَمل شهَاب الدّين ذَلِك مِنْهُ وَصَارَ بَينهمَا شنان إِلَى أَن اتّفق فِي بعض الْأَيَّام ذكر السُّلْطَان الْفَخر نَاظر الْجَيْش فترحم عَلَيْهِ فَقَالَ صَلَاح الدّين: يَا خوند لَا تترجم على ذَلِك فَإِنَّهُ مَا كَانَ مُسلما. فَغَضب السُّلْطَان من معارضته لَهُ وَقَالَ: وَالله يَا صَلَاح الدّين هُوَ أَيْضا كَانَ يَقُول عَنْك أَنَّك لست بِمُسلم وَتبين فِي وَجه السُّلْطَان الْغَضَب وانفض الْمجْلس. فَذكر بعد ذَلِك صَلَاح الدّين عِنْد السُّلْطَان فَقَالَ عَنهُ: ذَاك مَا يتحدث عَن أحد بِخَير فانتهز ابْن فضل الله الفرصة فِي صَلَاح الدّين ومازال بِهِ حَتَّى أبعده السُّلْطَان وعزله فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشر رَمَضَان وَأقَام سيف الدّين بغا دوادارا عوضه ثمَّ أخرج صَلَاح الدّين أَمِيرا بصفد فِي سلخ شَوَّال. وَفِي هَذِه السّنة: أَخذ الْأَمِير قوصون دَار الْأَمِير بيسري بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَت وَقفا فَعمل محْضر بِشُهُود الْقيمَة أَن قيمتهَا مبلغ مائَة وَتِسْعين ألف دِرْهَم وَتَكون الْغِبْطَة للأيتام عشرَة أُلَّاف دِرْهَم فكملت مِائَتَان ألف فَحكم القَاضِي شرف الدّين الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ بِبَيْعِهَا وَشِرَاء عقار بِثمنِهَا. وَهَذَا بعد أَن كَانَ كتاب وقف بيسري لَهَا فِيهِ من الشُّهُود عدَّة اثْنَيْنِ وَسبعين عدلا مِنْهُم تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وتقي الدّين بن رزين وتقي الدّين ابْن بنت الْأَعَز وَذَلِكَ قبل بلوغهم دَرَجَة الْقَضَاء فَكَانَ هَذَا مِمَّا شنع ذكره فَإِنَّهَا دَار يجل وصفهَا ويتعذر وجود مثلهَا.

ص: 168

وفيهَا عمل السُّلْطَان بَاب من خشب السنط الْأَحْمَر وصفحه بِفِضَّة زنتها خَمْسَة وَثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم وثلاثمائة دِرْهَم وَمضى بِهِ الْأَمِير سيف الدّين برسبغا الساقي إِلَى مَكَّة فَقلع بَاب الْكَعْبَة الْعَتِيق وَركب هَذَا الْبَاب وَأخذ بَنو شيبَة الْبَاب الْعَتِيق وَكَانَ من خشب الساسم المصفح بِالْفِضَّةِ فوجدوا عَلَيْهِ سِتِّينَ رطلا من فضَّة تقاسموها وَترك خشب ذَلِك دَاخل الْكَعْبَة وَعَلِيهِ اسْم صَاحب الْيمن فِي الفردتين وَاحِدَة عَلَيْهَا: اللَّهُمَّ يَا ولي يَا عَليّ اغْفِر ليوسف بن عمر بن عَليّ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشرى ذِي الْقعدَة وحادي عشر مسرى: كَانَ وَفَاء النّيل وَبلغ سَبْعَة عشر ذِرَاعا وثماني أَصَابِع. وفيهَا هدمت قاعة الصاحب وقاعة الْإِنْشَاء بقلعة الْجَبَل ورسم أَن تكون دَار الوزارة وقاعة الْإِنْشَاء بدار التيابة. وَكَانَت دَار الوزارة قد عمرت فِي الْأَيَّام الأشرفية برسم ابْن السلعوس. وَفِي عشرى ذِي الْحجَّة: قبض الْأَمِير ألماس الْحَاجِب وَأَخُوهُ قرا وسجنا مقيدين ثمَّ أخرج قرا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي رَابِع عشريه. وَفِي حادي عشريه: خلع على الْأَمِير بدر الدّين مَسْعُود بن خطير وَاسْتقر حاجباً عوضا عَن ألماس. نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق قطب الدّين بن مُوسَى بن أَحْمد بن الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن شيخ السلامية عَن اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين سنة. وَمَات الْأَمِير شمس الدّين سنقر المرزوقي فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر رَمَضَان.

ص: 169

وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سعدالله بن جمَاعَة الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي فِي حادي عشر جُمَادَى الأولى وَهُوَ مَعْزُول بَعْدَمَا عمي. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد بن عبد الْوَهَّاب بن عبَادَة الْبكْرِيّ النويري الشَّافِعِي صَاحب كتاب التَّارِيخ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من رَمَضَان. وَمَات الْأَمِير أَحْمد بن بكتمر الساقي بوادي عنتر من طَرِيق الْحجاز فِي الْمحرم واتهم السُّلْطَان بِأَنَّهُ سمه فَحمل مصبراً. وَمَات الآمير بكتمر الساقي بعد موت وَلَده بِثَلَاثَة أَيَّام وَكَانَ موت وَلَده الْأَمِير أَحْمد فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء سَابِع الْمحرم ورحل إِلَى نخل فَدفن بهَا وَمَوْت الْأَمِير بكتمر يَوْم الْجُمُعَة عَاشر الْمحرم وَقد حمل إِلَى عُيُون الْقصب فَدفن بهَا ثمَّ نقل بكتمر وَولده إِلَى خانكاته من القرافة بِالْقَاهِرَةِ فدفنا بهَا يَوْم الْأَحَد سَابِع ربيع الآخر واتهم السُّلْطَان بِأَنَّهُ سم بكتمر أَيْضا وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد عظم أمره بِحَيْثُ أَن السُّلْطَان فِي هَذِه الحجه كَانَ مَعَه ثَلَاثَة أُلَّاف وَمِائَة عليقة وَكَانَ مَعَ بكتمر ثَلَاثَة أُلَّاف عليقة وَبَلغت عدَّة خيوله مائَة طوالة بِمِائَة سايس بِمِائَة سطل وَكَانَ عليق خيله دَائِما ألفا وَمِائَة عليقة كل يَوْم. فَلَمَّا توجه مَعَ السُّلْطَان إِلَى الْحَج وشي بِهِ أَنه يُرِيد قتل السُّلْطَان فتحرز السُّلْطَان على نَفسه غَايَة التَّحَرُّز وَكَانَ فِيهِ من الدهاء وَالْمَكْر مَا لَا يُوصف

ص: 170

فَأخذ يدبر على بكتمر ويلازمه بِحَيْثُ عجز بكتمر أَن ينظر إِلَى زَوجته فَإِنَّهُ كَانَ إِذا ركب أَخذ يسايره بجانبه وَإِذا نزل جلس مَعَه فَإِن مضى إِلَى خيامه بعث فِي طلبه بِحَيْثُ إِنَّه استدعي بِهِ وَهُوَ يتَوَضَّأ بِوَاحِد بعد الآخر من الجمدارية حَتَّى كمل عِنْده عدَّة اثنى عشر جداراً. فَلَمَّا ثارت الرّيح بِالْمَدِينَةِ قصد السُّلْطَان فِي تِلْكَ اللَّيْلَة اغتيال بكتمر وَولده وَأعد لذَلِك جمَاعَة فَهَجَمُوا على أَحْمد بن بكتمر فَلم يتمكنوا مِنْهُ وَاعْتَذَرُوا بِأَنَّهُم رَأَوْا حرامية وَقد أخذُوا لَهُم مَتَاعا فَمروا فِي طَلَبهمْ فداخل الصَّبِي مِنْهُم فزع كثير غشي عَلَيْهِ مِنْهُ. وَزَاد احْتِرَاز السُّلْطَان على نَفسه وَتقدم بِأَن تنام الْأُمَرَاء بمماليكهم على بَابه. وَسَار السُّلْطَان من الْمَدِينَة فَيُقَال إِنَّه سقى الصَّبِي مَاء بَارِدًا فِي مسيره كَانَت فِيهِ منيته ثمَّ بعد قَلِيل سقِِي بكتمر بعد موت وَلَده مشروباً فلحق بِهِ. واشتهر ذَلِك حَتَّى أَن زَوْجَة بكتمر لما مَاتَ صاحت وَقَالَت للسُّلْطَان بِصَوْت سَمعه كل من حضر: ياظالم أَيْن تروح من الله وَلَدي وَزَوْجي زَوجي كَانَ مملوكك وَلَدي إيش كَانَ بَيْنك وَبَينه وكررت هَذِه مرَارًا فَلم يجبها. وَقد ذكرنَا تَرْجَمته فِي كتَابنَا الْكَبِير المقفي بِمَا فِيهِ كِفَايَة مَاتَ علم الدّين المشطوب يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشرى ذِي القعده. وَمَات جمال الدّين أَبُو الْحُسَيْن بن مَحْمُود بن أبي الْحُسَيْن مَحْمُود بن أبي سعيد بن أبي الْفضل بن أبي الرِّضَا الربعِي البالسي إِمَام السُّلْطَان فِي سَابِع عشر رَمَضَان ومولده سَابِع عشر رَجَب سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة واسْمه كنيته وَكَانَ فَاضلا كتب بِخَطِّهِ كتبا كَثِيرَة. وَمَات جدي الشَّيْخ محيي الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد ابْن تَمِيم بن عبد الصَّمد بن أبي الْحسن بن عبد الصَّمد بن تَمِيم المقريزي بِدِمَشْق فِي ثامن عشرى ربيع الأول وَكَانَ فَقِيها حنبلياً مُحدثا جَلِيلًا سمع بعلبك من زَيْنَب بنت كندي وبدمشق من عمر بن القواس وَجَمَاعَة وَحدث وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا وَقَرَأَ كثيرا وَقدم الْقَاهِرَة وعد من أَعْيَان الْفُقَهَاء الْمُحدثين.

ص: 171

فارغة

ص: 172