المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة) - السلوك لمعرفة دول الملوك - جـ ٧

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌(سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة)

- ‌(إِن الله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب)

- ‌(سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة تسع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة)

- ‌(نكالا من الله وَالله عَزِيز حَكِيم)

- ‌(سنة أَرْبَعِينَ وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة)

- ‌(تحَسْبَهُمْ جمَيْعًا وَقلُوبُهمَشتى ذلِكَ بِأنهُمْ قومُ لَا يَعْقلون)

- ‌(وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره)

- ‌(سنة ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة)

- ‌(سنة أَربع فِي أَرْبَعِينَ وَثَمَانمِائَة)

الفصل: ‌(سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة)

(سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة)

أهلت هَذِه السّنة بِيَوْم الْجُمُعَة الْمُوَافق لَهُ ثَانِي بابة: وَالشَّمْس فِي نصف برج الْمِيزَان وَالْوَقْت فصل الخريف. شهر الْمحرم: فِي يَوْم السبت ثَانِيه: خلع على الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر أستادار خلعة الإستمرار ثمَّ خلع عَلَيْهِ ثَانِيًا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رابعه وخلع على الْأَمِير أقبغا الجمالي كاشف الْوَجْه القبلي خلعة الِاسْتِمْرَار وَقد أرجف باستقراره أستادارا وألزم بِحمْل عشْرين ألف دِينَار. وَفِي تاسعه: خلع على الصاحب كريم الدّين الْوَزير وَاسْتقر فِي نظر الدِّيوَان الْمُفْرد مُضَافا إِلَى الوزارة ليتقوى بِهِ الْأَمِير زين الدّين أستادار. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة تاسعه أَو عاشره: أمْطرت مَدِينَة حمص مَطَرا وابلاً وَنزل مَعَه ضفادع خضر حَتَّى امْتَلَأت بهَا أَزِقَّة الْمَدِينَة وأسطحة الدّور. وَفِي الْعشْر الثَّانِي من هَذَا الشَّهْر: حملت نَفَقَة المماليك السُّلْطَانِيَّة من حَاصِل الأستادار إِلَى قلعة الْجَبَل لتنفق فِي المماليك على الْعَادة فِي كل شهر فامتنعوا من قبضهَا وطلبوا أَن يُزَاد كل وَاحِد على مَاله مبلغ ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فِي كل شهر وَكَانُوا قد فعلوا ذَلِك فِي نَفَقَة ذِي الْحجَّة حَتَّى زيد كل مِنْهُم أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فِي كل شهر فبلغت الزيادتان فِي الشَّهْر نَحْو الْخَمْسَة آلَاف دِينَار. وَكَانَ قبل رضائهم بذلك قد استطار شرهم وتعدوا فِي العتو طورهم حَتَّى خافهم أَعْيَان أهل الدولة ووزعوا مَا فِي دُورهمْ خوف وُقُوع الْفِتْنَة. وَفِي حادي عشرينه: قدم ركب من الْحَاج تقدم أَولا ثمَّ قدم الركب الأول من الْغَد وَقدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج فِي ثَالِث عشرينه. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم رَسُول ملك الْمشرق - شاه رخ بن تيمور - بكتابه يطْلب فِيهِ شرح البُخَارِيّ لِلْحَافِظِ قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر وتاريخي السلوك للدول الْمُلُوك ويعرض فِيهِ بِأَنَّهُ يُرِيد أَن يكسو الْكَعْبَة وَيجْرِي الْعين بِمَكَّة.

ص: 201

وَفِي ثامن عشره: بعث صَاحب تونس وإفريقية وتلمسان - أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز - أسطولاً فِيهِ مِائَتَا فرس وَخَمْسَة عشر ألف مقَاتل من العسكرية والمطوعة لأخذ جَزِيرَة صقلية فنازلوا مَدِينَة مارز حَتَّى أخذوها عنْوَة ومضوا إِلَى مَدِينَة مالطة. وحصروها حَتَّى لم يبْق إِلَّا أَخذهَا فَانْهَزَمَ من جُمْلَتهمْ أحد الْأُمَرَاء من العلوج فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ لهزيمته فَركب الفرنج أقفيتهم فاستشهد مِنْهُم فِي الْهَزِيمَة خَمْسُونَ رجلا من الْأَعْيَان ثمَّ إِنَّهُم ثبتوا وقبضوا على العلج الَّذِي شهر صفر أَوله الْأَحَد: فِي رَابِع عشره: خلع على السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين كَاتب السِّرّ وَنزل إِلَى الْجَامِع المؤيدي وَقد اسْتَقر ناظره على الْعَادة فقرئ بِهِ تَقْلِيده بِكِتَابَة السِّرّ تولى قِرَاءَته منشأة القَاضِي شرف الدّين أَبُو بكر الْأَشْقَر نَائِب كَاتب السِّرّ. وَقد حضر قُضَاة الْقُضَاة الثَّلَاث وَلم يحضر الْحَنَفِيّ وَحضر الْأَمِير أركماس الدوادار وَكثر من الْأَعْيَان فَكَانَ من المجامع الحفلة الحشمة. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: ارْتَفع سعر الذَّهَب حَتَّى بلغ الدِّينَار الأفرنتي مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ درهما وارتفع أَيْضا سعر الغلال. وَقدم الْخَبَر بغلاء الأسعار بِمَدِينَة حلب ودمشق وَأَن بِدِمَشْق وحمص طاعون فَاش فِي النَّاس. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرينه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح ابْن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة عوضا عَن الْحَافِظ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر وخلع على قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن بدر الدّين مَحْمُود الْعَيْنِيّ ورسم باستقراره صدر الدّين أَحْمد بن مَحْمُود العجمي فِي ميشخة خانكاه الْأَمِير شيخو عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين التفهني ورسم أَن لَا يزِيد الشَّافِعِي على عشرَة نواب والحنفي على ثَمَانِيَة والمالكي على سِتَّة والحنبلي على أَرْبَعَة فَكَانَ حسنا إِن تمّ.

ص: 202

شهر ربيع الأول أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ خلع على صدر الدّين أَحْمد بن العجمي وَاسْتقر فِي ميشخة الشيخونية. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سلخه: خلع على سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن سعد الدّين بركَة كَاتب جكم وَاسْتقر فِي نظر الْخَاص عوضا عَن أَبِيه بعد وَفَاته وألزم بِحمْل سِتِّينَ ألف دِينَار فشرع فِي حملهَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انحل سعر الغلال وَسبب ذَلِك أَن الْمُحْتَسب أينال الششماني منع كل من ورد بغلة إِلَى ساحلي مصر وبولاق من بيعهَا وتشدد فِي ذَلِك فامتنعوا وَأخذُوا فِي بيع الغلال السُّلْطَانِيَّة على أَن كل أردب من الْقَمْح بثلاثمائة وَسِتِّينَ درهما فتوفرت الغلال فِي مُدَّة بَيْعه ثمَّ أذن لَهُم فِي بيعهَا وَقد تَكْفِي الطحانون بغلال السُّلْطَان فانحل السّعر وَللَّه الْحَمد وَرُبمَا صحت الْأَجْسَام بعد الْعِلَل. شهر ربيع الآخر أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي رابعه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مَحْمُود الْعَيْنِيّ الْحَنَفِيّ وَاسْتقر فِي الْحِسْبَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر عوضا عَن الْأَمِير أينال الششماني مُضَافا لما مَعَه من نظر الأحباس. وَفِي تاسعه: خلع على الْأَمِير شهَاب الدّين أَحْمد الدوادار وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وَفِي ثَالِث عشره: خلع على الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن الهيصم وأعيد إِلَى نظر الدِّيوَان الْمُفْرد عوضا عَن الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن كَاتب المناخ وَفِي خَامِس عشرينه: خلع على الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا الجمالي الكاشف وَاسْتقر أستاداراً عوضا عَن الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر بن أبي الْفرج على أَن يحمل مائَة ألف دِينَار بعد تكفية الدِّيوَان فَلم ينْهض بهَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انحل سعر الغلال فأبيع الْقَمْح بمائتين وَخمسين درهما الأردب وَالشعِير بِمِائَة وَعشرَة دَرَاهِم الأردب. وَفِيه فشى الطَّاعُون فِي الْوَجْه البحري سِيمَا فِي التحريرية ودمنهور فَمَاتَ خلق كثير جدا بِحَيْثُ أحصي من مَاتَ من أهل الْمحلة زِيَادَة على خَمْسَة آلَاف إِنْسَان. وَمن

ص: 203

نَاحيَة صا زِيَادَة على سِتّمائَة إِنْسَان وَكَانَ قد وَقع بغزة والقدس وصفد ودمشق فِي شعْبَان فِي السّنة الْمَاضِيَة طاعون وَاسْتمرّ إِلَى هَذَا الشَّهْر. وعد هَذَا من النَّوَادِر فَإِن الْوَقْت شتاء وَمَا عهد فِيمَا أدركناه وُقُوع الطَّاعُون إِلَّا فِي فصل الرّبيع. ويعلل الْأَطِبَّاء ذَلِك بسيلان الأخلاط فِي الرّبيع وجمودها فِي الشتَاء وَلَكِن الله يفعل مَا يُرِيد. وَقدم الْخَبَر بشناعة الطَّاعُون بِمَدِينَة برصا من بِلَاد الرّوم وَأَنه زَاد عدد من يَمُوت بهَا فِي كل يَوْم على ألفي وَخَمْسمِائة إِنْسَان. وَأما الْقَاهِرَة فَإِنَّهُ جرى على أَلْسِنَة غَالب النَّاس مُنْذُ أول الْعَام أَنه يَقع فِي النَّاس عَظِيم حَتَّى لقد سَمِعت الْأَطْفَال تَتَحَدَّث بِهَذَا فِي الطرقات. فَلَمَّا أهل شهر ربيع الآخر هَذَا: كَانَت عدَّة من ورد الدِّيوَان فِيهِ من الْأَمْوَات اثْنَي عشر إنْسَانا وَأخذ يتزايد فِي كل يَوْم حَتَّى بلغت عدَّة من ورد الدِّيوَان بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سلخه ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين إنْسَانا. وَجُمْلَة من أَحْصَاهُ ديوَان الْقَاهِرَة فِي الشَّهْر كُله أَرْبَعمِائَة وَسَبْعَة وَسَبْعُونَ إنْسَانا. وَبلغ ديوَان الْمَوَارِيث بِمَدِينَة مصر دون ذَلِك. هَذَا سوى من مَاتَ بالمارستان وَمن جهز من ديوَان الطرحاء على الطرقات من الْفُقَرَاء وهم كثير. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْخَمِيس: فِيهِ برز سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة نَاظر جدة إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وَقد توجه مَعَه كثير من النَّاس يُرِيدُونَ الْعمرَة وَالْحج. وَفِيه بلغت عدَّة من ورد الدِّيوَان بِالْقَاهِرَةِ مائَة على أَنهم لَا يرفعون فِي أوراقهم إِلَى الْوَزير وَغَيره إِلَّا بعض من يرد لَا كلهم. وَفِيه نُودي فِي النَّاس بصيام ثَلَاثَة أَيَّام وَأَن يتوبوا إِلَى الله تَعَالَى من معاصيهم. ويخرجوا من الْمَظَالِم ثمَّ يخرجُوا فِي يَوْم الْأَحَد رابعه إِلَى الصَّحرَاء. هَذَا والحكام والولاة على مَا هم عَلَيْهِ. لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم وَفِي يَوْم الْأَحَد رابعه: خرج قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح فِي جمع موفور إِلَى الصَّحرَاء خَارج بَاب النَّصْر وَجلسَ بِجَانِب تربة الظَّاهِر برقوق فوعظ النَّاس على عَادَته فِي عمل الميعاد فَكثر ضجيج الرِّجَال وَالنِّسَاء وَكثر بكاؤهم فِي دُعَائِهِمْ وتضرعهم ثمَّ انْفَضُّوا قبيل الظّهْر فتزايدت عدَّة الْأَمْوَات عَمَّا كَانَت. وَفِي ثامنه: ورد كتاب اسكندر بن قرا يُوسُف بِأَن شاه رخ عَاد إِلَى بِلَاده وَأَنه هُوَ رَجَعَ إِلَى توريز وقصده أَن يمشي بعد انْقِضَاء الشتَاء لمحاربة قرا يلك صَاحب آمد.

ص: 204

وَقدم كتاب مُرَاد بن عُثْمَان صَاحب برصا بِأَنَّهُ هادن الفرنح ثَلَاث سِنِين. وَقدم كتاب قرا يلك يسْأَل الْعَفو عَن وَلَده هابيل وإطلاقه. وَفِي حادي عشرينه: قبض على الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر بن أبي الْفرج وَكثير من إِلْزَامه وسلموا إِلَى الْأَمِير أقبغا أستادار ثمَّ أفرج عَنهُ فِي رَابِع عشرينه على مَال يحملهُ. وَفِي سادس عشرينه: حضر تجار الْإسْكَنْدَريَّة وَقد طلبُوا مِنْهَا فأوقفوا بَين يَدي السُّلْطَان وألزموا جَمِيعهم أَن لَا يبع أحد مِنْهُم شَيْئا من أَصْنَاف البضائع الَّتِي تجلب من الْهِنْد كالفلفل وَنَحْوه لأحد من التُّجَّار الفرنج وهددوا على ذَلِك. وَسبب هَذَا أَن السُّلْطَان أَقَامَ طَائِفَة تشتري لَهُ البضائع وتبيعها فَإِذا أخذت بجدة المكوس من التُّجَّار الَّتِي ترد من الْهِنْد حملت فلفلاً وَغَيره فِي بَحر القلزم من جدة إِلَى الطّور ثمَّ حملت من الطّور إِلَى مصر ثمَّ نقلت فِي النّيل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وألزم الفرنج بشرَاء الْحمل من الفلفل بِمِائَة وَثَلَاثِينَ دِينَارا. هَذَا وسعره بِالْقَاهِرَةِ خَمْسُونَ دِينَارا. فَبلغ السُّلْطَان أَن بعض التُّجَّار سَأَلَ الفرنج بالإسكندرية أَن يبتاعوا مِنْهُ الْحمل بأَرْبعَة وَسِتِّينَ دِينَارا فَأَبَوا أَن يأخذوه إِلَّا بِتِسْعَة وَخمسين فَأحب السُّلْطَان عِنْد ذَلِك الزِّيَادَة فِي الْفَوَائِد وَأَن يَأْخُذ مَا عِنْد التُّجَّار من الفلفل بِسعْر مَا دفع لَهُم فِيهِ الفرنج ليَبِيعهُ هُوَ على الفرنج. مِمَّا تقدم ذكره فَمَنعهُمْ من يبيعهم على الفرنج ليبور عِنْدهم فَيَأْخذهُ حِينَئِذٍ مِنْهُم بِمَا يُرِيد. وَفِيه أَيْضا طلب الْأَمِير أقبغا الأستادار الباعة بِالْقَاهِرَةِ ومصر لِيطْرَح عَلَيْهِم السكر فأغلقوا الحوانيت وفروا مِنْهُ فأعيا النَّاس شِرَاء الْأَدْوِيَة للمرضى وَلم يكادوا أَن يَجدوا مَا يعللوهم بِهِ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: شنع الموتان الْوَحْي السَّرِيع بالطاعون والنزلات الَّتِي تنحدر من الدِّمَاغ إِلَى الصَّدْر فَيَمُوت الْإِنْسَان فِي أقل من سَاعَة بِغَيْر تقدم مرض. وَكَانَ أَكثر فِي الْأَطْفَال والشباب ثمَّ فِي العبيد وَالْإِمَاء وَأقله فِي النِّسَاء وَالرِّجَال. وَتجَاوز فِي مَدِينَة مصر الْفسْطَاط الْمِائَتَيْنِ فِي كل يَوْم سوى من لم يرد الدِّيوَان. وَتجَاوز فِي الْقَاهِرَة الثلاثمائة سوى من لم يرد الدِّيوَان. وَضبط من صلى عَلَيْهِ فِي مصليات الْجَنَائِز فبلغت عدتهمْ تزيد على مَا أوردوه فِي ديوَان الْمَوَارِيث زِيَادَة كَثِيرَة. وَبَلغت عدَّة من مَاتَ بالنحريرية - خَاصَّة - إِلَى هَذَا الْوَقْت تِسْعَة آلَاف سوى من لم يعرف وهم كثر جدا. وَبَلغت عدَّة الْأَمْوَات بالإسكندرية فِي كل يَوْم نَحْو الْمِائَة. وَشَمل الوباء عَامَّة الْبحيرَة الغربية والقليوبية.

ص: 205

وَفِي الْعشْر الْأُخَر من هَذَا الشَّهْر: وجد بالنيل والبرك الَّتِي بَين الْقَاهِرَة ومصر كثير من السّمك والتماسيح قد طفت على وَجه المَاء ميتَة واصطيدت بنية كَبِيرَة فَإِذا هِيَ كإنما صبغت بِدَم من شدَّة حمرتها. وَوجد فِي الْبَريَّة مَا بَين السويس والقاهرة عدَّة كَثِيرَة من الظباء والدياب موتى. وَقدم الْخَبَر بِوُقُوع الوباء بِبِلَاد الفرنج. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخه: ضبطت عدَّة الْأَمْوَات الَّتِي صلي عَلَيْهَا فبلغت أَلفَيْنِ وَمِائَة وَلم يُورد فِي أوراق الدِّيوَان سوى أَرْبَعمِائَة ونيف. وَفِيه مَاتَ ببولاق سَبْعُونَ لم يُورد مِنْهُم سوى اثْنَي عشر. وشنع الموتان حَتَّى أَن ثَمَانِيَة عشر من صيادي السّمك كَانُوا فِي مَوضِع فَمَاتَ مِنْهُم فِي يَوْم وَاحِد أَرْبَعَة عشر وَمضى الْأَرْبَعَة ليجهزوهم إِلَى الْقُبُور فَمَاتَ مِنْهُم وهم مشَاة ثَلَاثَة فَقَامَ الْوَاحِد بشأن السَّبْعَة عشر حَتَّى وصل بهم إِلَى الْمقْبرَة مَاتَ أَيْضا. وَركب أَرْبَعُونَ رجلا فِي مركب وَسَارُوا من مَدِينَة مصر نَحْو بِلَاد الصَّعِيد فماتوا بأجمعهم قبل وصولهم الميمون. وَمَرَّتْ امْرَأَة من مصر تُرِيدُ الْقَاهِرَة وَهِي راكبة على حمَار مكاري فَمَاتَتْ وَهِي راكبة وَصَارَت ملقاة بِالطَّرِيقِ يَوْمهَا كُله حَتَّى بَدَأَ تغير رِيحهَا فدفنت وَلم يعرف لَهَا أهل. وَكَانَ الْإِنْسَان إِذا مَاتَ تغير رِيحه سَرِيعا مَعَ شدَّة برد الزَّمَان. وشنع الْمَوْت بخانكاه سريا قَوس حَتَّى بلغت الْعدة فِي كل يَوْم نَحْو الْمِائَتَيْنِ وَكثر أَيْضا بالمنوفية والقليوبية حَتَّى كَاد يَمُوت فِي الْكفْر الْوَاحِد فِي كل يَوْم سِتّمائَة إِنْسَان. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ تزايدت عدَّة الْأَمْوَات عَمَّا كَانَت فأحصي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رابعه من أخرج من أَبْوَاب الْقَاهِرَة فبلغت عدتهمْ ألفا ومائتي ميت سوى من خرج عَن الْقَاهِرَة من أهل الحكورة والحسينية وبولاق والصليبة ومدينة مصر والقرافتين والصحراء وهم أَكثر من ذَلِك. وَلم يُورد بديوان الْمَوَارِيث بِالْقَاهِرَةِ سوى ثَلَاثمِائَة وَتِسْعين وَذَلِكَ أَن أُنَاسًا عمِلُوا توابيت للسبيل فَصَارَ أَكثر النَّاس يحملون موتاهم عَلَيْهَا وَلَا يردون الدِّيوَان أَسْمَاءَهُم. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: ارْتَفَعت أسعار الثِّيَاب الَّتِي تكفن بهَا الْأَمْوَات وارتفع سعر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ المرضى كالسكر وبذر الرجلة والكمثرى على أَن الْقَلِيل من المرضى هُوَ الَّذِي يعالج بالأدوية بل معظمهم يَمُوت موتا وَحيا سَرِيعا فِي سَاعَة وَأَقل مِنْهَا وَعظم الوباء فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة - سكان الطباق بالقلعة - الَّذين كثر فسادهم وشرهم وَعظم عتوهم وضرهم بِحَيْثُ كَانَ يصبح مِنْهُم أَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ مرضى فَيَمُوت فِي الْيَوْم زِيَادَة على الْخمسين مَمْلُوكا وشنع الْمَوْت. بِمَدِينَة فوه ومدينة بليبس وَوَقع بِبِلَاد الصَّعِيد الْأَدْنَى. وَانْقطع الوباء من الْبحيرَة والنحريرية وَكثر بِمَدِينَة الْمحلة.

ص: 206

وَفِي يَوْم الْخَمِيس سابعه: أحصي من صلى عَلَيْهِ من الْأَمْوَات فِي الْمُصَليَات الْمَشْهُورَة خَاصَّة فَكَانُوا نَحْو الْألف ومائتي ميت وَصلى بِغَيْر هَذِه الْمُصَليَات على مَا شَاءَ الله. وَلم يُورد فِي ديوَان الْقَاهِرَة سوى ثَلَاثمِائَة وَخمسين وَفِي ديوَان مصر دون الثَّلَاثِينَ. وَصلى بهَا على مائَة. وَضبط فِي يَوْم السبت تاسعه من صلى عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ فَكَانُوا ألفا وَمِائَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَسِتِّينَ لم يرد الدِّيوَان سوى مَا دون الأربعمائة فَكَانَ عدد من صلى عَلَيْهِ بمصلى بَاب النَّصْر فِي هَذَا الْيَوْم أَرْبَعمِائَة وَخمسين وَمَات بعض الْأُمَرَاء الألوف فَلم يقدر لَهُ على تَابُوت حَتَّى أَخذ لَهُ تَابُوت من السَّبِيل. وَمَات ولد لبَعض الوزراء فَلم يقدر الأعوان - مَعَ كثرتهم وشدتهم - على تَابُوت لَهُ حَتَّى أَخذ لَهُ تَابُوت من المارستان. وَبلغ عدد من صلى عَلَيْهِ بمصلى بَاب النَّصْر فِي يَوْم الْأَحَد عاشره خَمْسمِائَة وَخَمْسَة وَهِي من جملَة أَربع عشرَة مصلى. وَبَلغت عدَّة من صلى عَلَيْهِ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره فِي الْمُصَليَات الْمَشْهُورَة بِالْقَاهِرَةِ وظواهرها أَلفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَسِتَّة أَرْبَعِينَ. وانطوى عَن الَّذِي ضبط الْكثير مِمَّن لم يصل عَلَيْهِ فِيهَا وَبَلغت عدَّة من صلى عَلَيْهِ فِيهَا وَبَلغت عدَّة من صلى عَلَيْهِ بمصلى بَاب النَّصْر خَاصَّة فِي يَوْم وَاحِد زِيَادَة على ثَمَانمِائَة ميت وَمثل ذَلِك فِي مصلى المؤمني تَحت القلعة وَكَانَ يُصَلِّي على أَرْبَعِينَ مَيتا مَعًا فَمَا تَنْقَضِي الصَّلَاة على الْأَرْبَعين جَمِيعًا حَتَّى يُؤْتِي بعدة أموات وَبَلغت عدَّة من خرج من أَبْوَاب الْقَاهِرَة من الْأَمْوَات اثْنَا عشر ألفا وثلاثمائة ميت. وَاتفقَ فِي هَذَا الوباء غرائب مِنْهَا أَنه كَانَ بالقرافة الْكُبْرَى والقرافة الصُّغْرَى من السودَان نَحْو ثَلَاثَة آلَاف مَا بَين رجل وَامْرَأَة صَغِير وكبير ففنوا بالطاعون حَتَّى لم يبْق مِنْهُم إِلَّا قَلِيل. فَفرُّوا إِلَى أَعلَى الْجَبَل وَبَاتُوا ليلتهم سهارى لَا يَأْخُذهُمْ نوم لشدَّة مَا نزل بهم من فقد أَهْليهمْ وظلوا يومهم من الْغَد بِالْجَبَلِ فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الثَّانِيَة مَاتَ مِنْهُم ثَلَاثُونَ إنْسَانا وَأَصْبحُوا فَإلَى أَن يَأْخُذُوا فِي دفنهم مَاتَ مِنْهُم ثَمَانِيَة عشر. وَاتفقَ أَن إقطاعاً بالحلقة انْتقل فِي أَيَّام قَليلَة إِلَى تِسْعَة نفر وكل مِنْهُم يَمُوت وَمن كَثْرَة الشّغل بالمرضى والأموات تعطلت أسواق الْبَز وَنَحْوه من البيع وَالشِّرَاء وتزايد ازدحام النَّاس فِي طلب الأكفان والنعوش فَحملت الْأَمْوَات على الألواح والأقفاص وعَلى الْأَيْدِي وَعجز النَّاس عَن دفن أمواتهم فصاروا يبيتُونَ بهَا فِي الْمَقَابِر والحفارون طول ليلتهم يحفرون وَعمِلُوا حفائر كَثِيرَة تلقى فِي الحفرة مِنْهَا الْعدة الْكَثِيرَة من الْأَمْوَات وأكلت الْكلاب كثيرا من أَطْرَاف الْأَمْوَات وَصَارَ النَّاس ليلهم كُله يسعون فِي طلب الغسال والحمالين والأكفان وَترى نعوش الْأَمْوَات فِي الشوارع كَأَنَّهَا قطارات الْجمال لكثرتها والمرور بهَا متواصلة بَعْضهَا فِي إِثْر بعض فَكَانَ هَذَا من الْأَهْوَال الَّتِي أدركناها.

ص: 207

وَفِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره: جمع السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عدنان كَاتب السِّرّ بِأَمْر السُّلْطَان أَرْبَعِينَ شريفاً اسْم كل شرِيف مِنْهُم مُحَمَّد وَفرق فيهم من مَاله هُوَ خَمْسَة آلَاف دِرْهَم وأجلسهم بالجامع الْأَزْهَر فقرءوا مَا تيَسّر من الْقُرْآن الْكَرِيم بعد صَلَاة الْجُمُعَة ثمَّ قَامُوا - هم وَالنَّاس - على أَرجُلهم فدعوا الله تَعَالَى وَقد غص النَّاس بالجامع الْأَزْهَر فَلم يزَالُوا يدعونَ الله حَتَّى دخل وَقت الْعَصْر فَصَعدَ الْأَرْبَعُونَ شريفاً إِلَى أَعلَى الْجَامِع وأذنوا جَمِيعًا ثمَّ نزلُوا فصلوا مَعَ النَّاس صَلَاة الْعَصْر وانفضوا وَكَانَ هَذَا مِمَّا أَشَارَ بِهِ بعض الْعَجم وَأَنه عمل هَذَا بِبِلَاد الْمشرق فِي وباء حدث عِنْدهم فارتفع عقيب ذَلِك فَلَمَّا أصبح النَّاس يَوْم السبت أَخذ الوباء يتناقص فِي كل يَوْم حَتَّى انْقَطع وَفَشَا بِبِلَاد الصَّعِيد وببوادي الْعَرَب وبمدينة حماة ومدينة حمص. وَوجد فِي بعض بساتين الْقَاهِرَة سَبْعَة دياب قد مَاتُوا بالطاعون. وَمَات عِنْد رجل أَربع دجاجات وجد فِي كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ كبة فِي نَاحيَة من بدنهَا. وَكَانَ عِنْد رجل نسناسة فأصابها الطَّاعُون برأسها وأقامت ثَلَاثَة أَيَّام إِذا وضع لَهَا المَاء وَالْأكل لَا تتَنَاوَل الْغَدَاء وتشرب مرّة وَاحِدَة فِي الْيَوْم ثمَّ هَلَكت بعد ثَلَاث. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة التَّاسِع وَالْعِشْرين: مِنْهُ خرج بعد غرُوب الشَّمْس بِقَلِيل كَوْكَب فِي هَيْئَة الكرة بِقدر جرم الْقَمَر فِي لَيْلَة الْبَدْر فَمر بَين الْمشرق والقبلة إِلَى جِهَة الْمغرب وتفرق مِنْهُ شرر كثير شهر رَجَب أَوله الْأَحَد: أهل هَذَا الشَّهْر والوباء قد تناقص بِالْقَاهِرَةِ إِلَّا أَنه مُنْذُ نقلت الشَّمْس إِلَى برج الْحمل فِي ثامن عشر جُمَادَى الْآخِرَة وَدخل فصل الرّبيع فَشَا الْمَوْت فِي أَعْيَان النَّاس وكبرائهم وَمن لَهُ شهرة بعد مَا كَانَ فِي الْأَطْفَال والخدم وَقد بلغت أَثمَان الْأَدْوِيَة وَمَا تحتاح إِلَيْهِ المرضى أَضْعَاف ثمنهَا. وَذَلِكَ أَن الْأَمْرَاض طَالَتْ مدَّتهَا بعد مَا كَانَ الْمَوْت وَحيا فَلَا تَخْلُو دَار من ميت أَو مَرِيض. وشنع فِي هَذَا الوباء مَا لم يعْهَد مثله إِلَّا فِي النَّادِر وَهُوَ خلو دور كَثِيرَة جدا من جَمِيع من كَانَ بهَا حَتَّى أَن الْأَمْوَال المخلفة عَن عدَّة من الْأَمْوَات أَخذهَا من لَا يَسْتَحِقهَا. وشنع أَيْضا الْمَوْت والأمراض فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة بِحَيْثُ ورد كتاب من طرابلس فَلم يجد الشريف عماد الدّين أَبُو بكر بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم ابْن عدنان من يتَنَاوَلهُ حَتَّى يَفْتَحهُ السُّلْطَان. وَكَانَ السَّيِّد أَبُو بكر إِذْ ذَاك يُبَاشر بعد موت أَخِيه السَّيِّد شهَاب الدّين وَقد عين كِتَابَة السِّرّ فَأَخْبرنِي رحمه الله أَنه خرج من بَين يَدي السُّلْطَان حَتَّى وجد وَاحِدًا من المماليك خَارج الْقصر فَدخل بِهِ حَتَّى أَخذ الْكتاب من القادم بِهِ وفتحه ثمَّ قَرَأَهُ هُوَ على السُّلْطَان.

ص: 208

وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تاسعه: خلع على الطواشي زين الدّين خشقدم وَاسْتقر مقدم المماليك بعد موت الْأَمِير فَخر الدّين ياقوت. وخشقدم هَذَا رومي الْجِنْس رباه الْأَمِير يشبك وَأعْتقهُ واشتهر وَفِي سادس عشره: قدم الْأَمِير تغري بردي المحمودي من سجنه بدمياط فرسم أَن يتَوَجَّه من قليوب إِلَى دمشق ليَكُون أتابك العساكر بهَا فَتوجه إِلَيْهَا. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على بدر الدّين حسن بن الْقُدسِي وَاسْتقر فِي مشيخة الشيخونية بعد موت صدر الدّين أَحْمد بن مَحْمُود العجمي. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: انحل سعر الغلال وَقد دخلت سعر الْغلَّة الجديدة فأبيع الشّعير بتسعين درهما الأردب والقمح بمائتين وَمَا دونهَا وَكثر الإرجاف بحركة قرا يلك على الْبِلَاد الفراتية وَأَن شاه رخ بن تيمور شتا على قرا بَاغ فَأخذ السُّلْطَان فِي تجهيز الْعَسْكَر للسَّفر.

ص: 209

شهر شعْبَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي ثالثه: منع نواب الْقُضَاة من الحكم ورسم أَن يقْتَصر الشَّافِعِي على أَرْبَعَة نواب والحنفي على ثَلَاثَة والمالكي والحنبلي كل مِنْهُمَا على نائبين فَمَا أحسن هَذَا إِن تمّ. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه: أدير محمل الْحَاج على الْعَادة وَلم نعهده أدير قطّ فِي شعْبَان وَإِنَّمَا يدار دَائِما فِي نَحْو نصف من شهر رَجَب غير أَن الضَّرُورَة بِمَوْت المماليك الرماحة اقْتَضَت تَأْخِير ذَلِك حَتَّى أَن معلمي اللّعب بِالرِّمَاحِ أخذُوا فِي تَعْلِيم من بَقِي من المماليك مَا عرفُوا مِنْهُ كَيفَ يمسك الرمْح فَكَانَ الْجمع فِيهِ دون الْعَادة. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على جمال الدّين يُوسُف بن أَحْمد التزمنتي - الْمَعْرُوف بِابْن المجير - أحد فضلاء الشَّافِعِيَّة وَاسْتقر فِي مشيخة الخانكاه الصلاحية سعيد السُّعَدَاء. وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن المحمرة قد استنابه فِيهَا. وَاسْتقر أَيْضا بدر الدّين مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز - الْمَعْرُوف بِابْن الْأَمَانَة - أحد خلفاء الحكم الشَّافِعِي فِي تدريس الشَّافِعِيَّة بالشيخونية وَكَانَ ابْن المحمرة قد استنابه عَنهُ فاستقل كل مِنْهُمَا بالوظيفة عوضا عَن مستنيبه بِحكم إِقَامَته على قَضَاء دمشق. وخلع أَيْضا على أَمِين الدّين يحيى بن مُحَمَّد الأقصراي وَاسْتقر فِي مشيخة الأشرفية المستجدة وتدريس الْحَنَفِيَّة بهَا عوضا عَن كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْهمام لرغبته عَنْهَا تعففاً وزهادة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انحطت الأسعار فأبيع الْقَمْح. بِمِائَة وَخمسين درهما الأردب فَمَا دونهَا وَالشعِير بتسعين فَمَا دونهَا والفول بسبعين درهما فَمَا دونهَا. وَبلغ الدِّينَار الأشرفي إِلَى مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ درهما والأفرنتي إِلَى مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ. وَفِيه كثر الإستعداد لسفر السُّلْطَان. شهر رَمَضَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي تاسعه: قرر السُّلْطَان فِي جَامعه المستجد بجوار قيسارية العنبر من الْقَاهِرَة دروساً ثَلَاثَة فَجعل مدرس الشَّافِعِيَّة شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب القاياتي. وَقرر عِنْده عشْرين طَالبا وَجعل مدرس الْمَالِكِيَّة عبَادَة بن عَليّ بن صَالح الزرزاري مولده سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة وَعِنْده عشرَة من الطّلبَة وَجعل مدرس الْحَنَابِلَة زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الزَّرْكَشِيّ وَمَعَهُ عشرَة من الطّلبَة. ومولد عبد الرَّحْمَن الزَّرْكَشِيّ فِي تَاسِع عشر شهر رَجَب سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة. وَسمع عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْبنانِيّ صَحِيح مُسلم

ص: 210

وَفِي يَوْم السبت ثامن عشره: قدم كَاتب السِّرّ بحلب شهَاب الدّين أَحْمد بن صَالح ابْن السفاح باستدعاء ليستقر فِي كِتَابَة السِّرّ بديار مصر ويستقر عوضه فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب ابْنه زين الدّين عمر على أَن يحمل عشرَة آلَاف دِينَار. وَكَانَت كِتَابَة السِّرّ قد شغرت بعد موت السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين فباشر أَخُوهُ عماد الدّين أَبُو بكر أَيَّامًا قَلَائِل وَمَات فباشر شرف الدّين أَبُو بكر الْأَشْقَر نِيَابَة حَتَّى يَلِي أحد وسعى فِيهَا جمَاعَة فَاخْتَارَ السُّلْطَان ابْن السفاح وَبعث فِي طلبه وخلع عَلَيْهِ فِي عشرينه. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم رجل أدعى أَنه شرِيف - اسْمه هَاشم - بِكِتَاب شاه رخ ابْن تيمور وَمَعَهُ هَدِيَّة هِيَ عدَّة قطع فيروزج وَلم يخْتم الْكتاب وَلَا كتب فِيهِ بَسْمَلَة بل ابتدأه بقوله تَعَالَى: ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيل إِلَى آخر السُّورَة وخاطب السُّلْطَان فِيهِ بالأمير برسباي وَفِي تَاسِع عشرينه: ابتدئ بالنداء على النّيل وَقد بلغت الْقَاعِدَة سِتَّة أَذْرع وَثَلَاثَة أَصَابِع شهر شَوَّال أَوله الْخَمِيس: أهل هَذَا الشَّهْر وَعَامة المبيعات من الغلال واللحوم والفواكه رخيصة جدا. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرينه: برز محمل الْحَاج وَكِسْوَة الْكَعْبَة إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة فَرَحل الركب الأول فِي ثَانِي عشرينه ورحل الْمحمل من بركَة الْحَاج فِي ثَالِث عشرينه وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع وَاحِد لتتمة خَمْسَة وَعشْرين إصبعاً من الذِّرَاع التَّاسِعَة وَلم يناد عَلَيْهِ من الْغَد فتوقفت الزِّيَادَة ثمَّ نُودي عَلَيْهِ من يَوْم الْأَحَد. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشرينه: قدم المماليك السُّلْطَانِيَّة من التجريدة إِلَى الرها وخلع عَليّ سُلَيْمَان بن عذراء بن عَليّ بن نعير بن حيار بن مهنا وَاسْتقر أَمِير الْمَلأ عوضا عَن مُدْلِج بن نعير وعمره نَحْو خمس عشرَة سنة. شهر ذِي الْقعدَة أَوله السبت: فِي ثَانِيه: قدم رَسُول شاه رخ أَيْضا بكتابه.

ص: 211

وَفِي ثالثه: خلع على الْوَزير الصاحب كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ وَاسْتقر أستاداراً عوضا عَن الْأَمِير عَلَاء الدّين أقبغا الجمالي مُضَافا إِلَى الوزارة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشره - وخامس عشر مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب السُّلْطَان حَتَّى خلق المقياس وَفتح الخليج. وَلم يركب لذَلِك مُنْذُ تسلطن إِلَّا هَذِه السّنة. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على أقبغا الجمالي وَأخرج لكشف الجسور. وَفِي سادس عشرينه: نُودي على النّيل بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع لتتمة سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَتِسْعَة أَصَابِع. وَفِيه نقص النّيل لتقطع الجسور من فَسَاد عمالها فتوقفت الزِّيَادَة. وَفِي لَيْلَة السبت خَامِس عشره: ظهر للحجاج - وهم سائرون من جِهَة الْبَحْر الْملح - كَوْكَب يرْتَفع ويعظم ثمَّ يفرع مِنْهُ شرر كبار ثمَّ اجْتمع. فَلَمَّا أَصْبحُوا اشْتَدَّ عَلَيْهِم الْحر فَهَلَك من المشاة ثمَّ من الركْبَان عَالم كثير وَتلف من حمالهم وحميرهم عدد عَظِيم وَهلك أَيْضا فِي بعض أَوديَة يَنْبع جَمِيع مَا كَانَ فِيهِ من الْإِبِل وَالْغنم كل ذَلِك من شدَّة الْحر والعطش. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ نُودي على النّيل برد النَّقْص وَزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع لتتمة سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَنصف. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنه: نزل السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى بَيت ابْن الْبَارِزِيّ المطل على النّيل وَقدم بَين يَدَيْهِ فِي النّيل غرابان حربية فلعبا كَمَا لَو حاربا الفرنج ثمَّ ركب سَرِيعا وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي عاشره: توجه عَظِيم الدولة القَاضِي زين الدّين عبد الباسط نَاظر الجيوش ومدبر الدولة فِي جماعته لزيارة الْقُدس. وَفِي عشرينه - الْمُوَافق لثاني عشر توت -: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع وَاحِد لتتمة تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَعشر أَصَابِع وَلم يناد عَلَيْهِ من الْغَد وَنقص عشر أَصَابِع لتقطع الجسور.

ص: 212

وَفِي سَابِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بِهَلَاك من هلك من الْعَطش. وَفِي تَاسِع عشرينه: قدم القَاضِي. زين الدّين عبد الباسط من الْقُدس. وَفِي سلخه: نُودي على النّيل برد النَّقْص وَزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: توجه الْأَمِير قصروه نَائِب حلب والأمراء المجردون من مصر بِمن مَعَهم لمحاربة قرقماس بن حُسَيْن بن نعير فَلَقوا جمائعه تجاه قلعة جعبر وَقد أخلى الْجَلِيل فَأخذ الْعَسْكَر فِي نهب الْبيُوت فَخر عَلَيْهِم الْعَرَب فَقتلُوا كثيرا مِنْهُم وَفِيهِمْ أتابك حلب وسلبوهم فعادوا إِلَى حلب بِأَسْوَأ حَال. فَكَانَت هَذِه السّنة ذَات مكاره عديدة من أوبئة شنعة وحروب وَفتن فَكَانَ بِأَرْض مصر - بحريها وقبليها - وبالقاهرة ومصر وظواهرهما وباء مَاتَ فِيهِ - على أقل مَا قيل - مائَة ألف إِنْسَان والمجازف يَقُول الْمِائَة ألف من الْقَاهِرَة فَقَط سوى من مَاتَ بِالْوَجْهِ القبلي وَالْوَجْه البحري وهم مثل ذَلِك وغرق ببحر القلزم فِي شهر ذِي الْقعدَة مركب فِيهِ حجاج وتجار يزِيد عَددهمْ على ثَمَانمِائَة إِنْسَان لم ينج مِنْهُم سوى ثَلَاث رجال وَهلك باقيهم وَهلك فِي ذِي الْقعدَة أَيْضا بطرِيق مَكَّة - فِيمَا بَين الأزلم وينبع - بِالْحرِّ والعطش ثَلَاثَة آلَاف وَيَقُول المكثر خَمْسَة آلَاف وغرق بالنيل فِي مُدَّة يسيرَة اثْنَتَا عشرَة سفينة تلف من البضائع والغلال مَا قِيمَته مَال عَظِيم. وَكَانَ بغزة والرملة والقدس وصفد ودمشق وحمص وحماة وحلب وأعمالها وباء هلك فِيهِ خلائق لَا يُحْصى عَددهَا إِلَّا الله تَعَالَى. وَكَانَ بِبِلَاد الْمشرق بلَاء عَظِيم وَهُوَ أَن شاه رخ بن تيمور ملك الْمشرق قدم إِلَى توريز فِي عَسْكَر يَقُول المجازف عدتهمْ سَبْعمِائة ألف. فَأَقَامَ على خوي نَحْو شَهْرَيْن وَقد فر مِنْهُ اسكندر بن قرا يُوسُف فَقدم عَلَيْهِ الْأَمِير عُثْمَان بن طر عَليّ - الْمَعْرُوف بقرًا يلك التركماني - صَاحب آمد فِي ألف فَارس فَبَعثه على عَسْكَر لمحاربة اسكندر وَسَار فِي إثره وَقد جمع اسكندر جمعا يَقُول المجازف إِنَّهُم سَبْعُونَ ألفا فاقتتل الْفَرِيقَانِ خَارج توريز فَقتل بَينهمَا آلَاف من النَّاس وَانْهَزَمَ اسكندر وهم فِي أَثَره يقتلُون وَيَأْسِرُونَ وينهبون فَأَقَامَ اسكندر بِبِلَاد الكرج ثمَّ نزل بقلعة سلماس وحصرته العساكر مُدَّة فنجا مِنْهُم وَجمع نَحْو الْأَرْبَعَة آلَاف فَبعث إِلَيْهِ شاه رخ عسكراً أوقعوا بِهِ وَقتلُوا من مَعَه فنجا بِنَفسِهِ جريجاً.

ص: 213

وَفِي مُدَّة هَذِه الحروب ثار أَصْبَهَان بن قرا يُوسُف وَنزل على الْموصل وَنهب تِلْكَ الْأَعْمَال وَقتل وأفسد فَسَادًا كَبِيرا وَكَانَت بعراقي الْعَرَب والعجم نهوب وغارات وَمُقَاتِل بِحَيْثُ أَن شاه مُحَمَّد بن قرا يُوسُف - متملك بَغْدَاد - من عَجزه لَا يتجاسر على أَن يتَجَاوَز سور بَغْدَاد وخلا أحد جَانِبي بَغْدَاد من السكان وَزَالَ عَن بَغْدَاد اسْم التمدن ورحل عَنْهَا حَتَّى الحياك وجف أَكثر النّخل من أَعمالهَا وَمَعَ هَذَا كُله فَوضع شاه رخ على أهل توريز مَال الْأمان حَتَّى ذهبت فِي جبايته نعمهم ثمَّ جلاهم بأجمعهم إِلَى بِلَاده وَكثر الإرجاف بقدومه إِلَى الشَّام فأوقع الله فِي عسكره الغلاء والوباء حَتَّى عَاد إِلَى جِهَة بِلَاده وَعَاد قرا يلك إِلَى ماردين فنهبها وَنهب ملطية وَمَا حولهَا إِلَى عينتاب وحرقها. وَكَانَ بِبِلَاد السراي والدشت وصحاري فِي هَذِه السّنة وَالَّتِي قبلهَا قحط شَدِيد ووباء عَظِيم جدا هلك فِيهِ عَالم كَبِير بِحَيْثُ لم يبْق مِنْهُم وَلَا من أنعامهم إِلَّا أقل من الْقَلِيل. وَكَانَ بِبِلَاد الْحَبَشَة بلَاء لَا يُمكن وَصفه وَذَلِكَ أَنا أدركنا ملكهَا دَاوُد بن سيف أرعد بن قسطنطين - وَيُقَال لَهُ الحطي - ملك أمحرة وَهُوَ وهم نصاري يعقوبية. فَلَمَّا مَاتَ فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة قَامَ من بعده ابْنه تدرس بن دَاوُد فَلم تطل مدَّته وَمَات. فَملك بعده أَخُوهُ أبرم وَيُقَال لَهُ إِسْحَاق بن دَاوُد بن سيف أرعد وفخم أمره وَذَلِكَ أَن بعض مماليك الْأَمِير بزلار نَائِب الشَّام ترقى فِي الخدم وَعرف بألطنبغا مغرق حَتَّى بَاشر ولَايَة قوص من بِلَاد الصَّعِيد ثمَّ فر إِلَى الْحَبَشَة واتصل بالحطي هَذَا وَعلم أَتْبَاعه لعب الرمْح وَرمي النشاب وَغير ذَلِك من أدوات الحروب ثمَّ لحق بالحطي أَيْضا بعض المماليك الجراكسة - وَكَانَ زرد كاشا - فعل لَهُ زرد خاناه ملوكية وَتوجه إِلَيْهِ مَعَ ذَلِك رجل من كتاب مصر الأقباط النَّصَارَى - يُقَال لَهُ فَخر الدولة - فرتب لَهُ مَمْلَكَته وجبى الْأَمْوَال وجند لَهُ الْجنُود حَتَّى كثر ترفه بِحَيْثُ أَخْبرنِي من شَاهده وَقد ركب فِي موكب جليل وَفِي يَده صَلِيب من ياقوت أَحْمَر وَقد قبض عَلَيْهِ وَوضع يَده على فَخذه فَصَارَ يبين وَيظْهر لهَذَا الصَّلِيب الْيَاقُوت طرفان كبيران من قَبضته فشرهت نَفسه إِلَى أَخذ ممالك الْإِسْلَام لِكَثْرَة مَا وصف لَهُ هَؤُلَاءِ من محاسنها فَبعث بالتوريزي التَّاجِر ليدعو الفرنج للْقِيَام مَعَه وأوقع فِي بِمن مَمْلَكَته من الْمُسلمين فَقتل مِنْهُم وَأسر وَسبي عَالما عَظِيما. وَكَانَ مِمَّن أسر منصوراً ومحمداً ولدى سعد الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد عَليّ بن ولصمع الجبرتي - ملك الْمُسلمين بِالْحَبَشَةِ فعاجله الله بنقمته وَهلك فِي شهر ذِي الْقعدَة فأقيم بعده ابْنه اندراس بن إِسْحَاق فَهَلَك لأربعة أشهر فأقيم بعده عَمه حزبناي بن دَاوُد بن سيف أرعد فَهَلَك فِي شهر رَمَضَان سنة أَربع وَثَلَاثِينَ فأقيم بعده

ص: 214

ابْن أَخِيه سَلمُون بن إِسْحَاق بن دَاوُد بن سيف أرعد فَكَانَت على أمحرة أَرْبَعَة مُلُوك فِي أقل من سنة. وَفِي هَذِه الْمدَّة: ثار جمال الدّين ابْن الْملك سعد الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن ولصمع الجبرتي. وَذَلِكَ أَن سعد الدّين مُحَمَّد لما قَامَ بِأَمْر الْمُسلمين أَكثر من محاربة النَّصَارَى واتسعت مَمْلَكَته وَحَارب الحطي غير مرّة حَتَّى اسْتشْهد بعد سنة عشر وَثَمَانمِائَة فتمزق أَصْحَابه وَذهب ملكه وَلحق أَوْلَاده بزبيد فأكرمهم ملك الْيمن ثمَّ عَادوا إِلَى الْحَبَشَة بعد سِنِين فَقَامَ بالأمير صَبر الدّين عَليّ بن سعد الدّين مُدَّة ثَمَانِي سِنِين وَمَات فَقَامَ من بعده أَخُوهُ مَنْصُور بن سعد الدّين بِأَمْر الْمُسلمين فِي بِلَاد الْحَبَشَة وَحَارب الحطي مرَارًا آخرهَا فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَقد سَار إِلَيْهِ فِي عدد جم وأوقع بالنصارى وَاقعَة شنعاء قتل فِيهَا وَأسر وَسبي عَالما كَبِيرا بِحَيْثُ كَانَ عدد من أسر عشرَة آلَاف وَرجع مظفراً منصوراً فَسَار عَلَيْهِ الحطي فِي آلَاف كَثِيرَة وواقعه فَقتل من أمحرة أَتبَاع الْحلِيّ خلق كَبِير وَلم يقتل من الْمُسلمين سوى دون الْعشْرين رجلا إِلَّا أَنه وَقع فِي قَبْضَة الحطي إِسْحَاق بن دَاوُد بن سيف أرعد مَنْصُور بن سعد الدّين وَأَخُوهُ مُحَمَّد وَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ فقيدهما وَرجع إِلَى مقرّ ملكه وَقد كَاد يطير

ص: 215

فَرحا فَلَمَّا قرب من مَدِينَة الْملك أركب الْملك الْمَنْصُور كَهَيْئَته فِي مَمْلَكَته وَسَار فِي العساكر بِهِ حَتَّى دخل الْمَدِينَة فأنزله وأخاه مُحَمَّدًا بدار وَأجْرِي لَهُم مَا يَلِيق بهما ووكل بهما الحرس فَقَامَ بِأَمْر الْمُسلمين بعد مَنْصُور أَخُوهُ جمال الدّين بن سعد الدّين فَلَمَّا مَاتَ الحطي إِسْحَاق بن دَاوُد جمع جمال الدّين الْمُسلمين وأغار على بِلَاد أمحرة فدوخ تِلْكَ الْبِلَاد وَقتل وَأسر وَسبي عَالما عَظِيما واستسلم مِنْهُم أمماً كَثِيرَة فَأقر كل من أسلم ببلاده وَولى عَلَيْهِم من قبله فاتسع نطاق مَمْلَكَته وقويت عساكره وَكَثُرت أَمْوَالهم وَبعث بِالسَّبْيِ إِلَى الْآفَاق فَكثر الرَّقِيق من العبيد وَالْإِمَاء بِبِلَاد الْيمن والهند وهرمز والحجاز ومصر وَالشَّام وَالروم وَظهر من ثبات جمال الدّين وشجاعته وصرامته ومهابته وعدله مَا يتعجب مِنْهُ بِحَيْثُ أَن بعض أَوْلَاده الصغار لعب مَعَ صبيان من الْحَبَشَة فَضرب مِنْهُم صَبيا كسر يَده فَكَتَمُوا ذَلِك عَنهُ مُدَّة ثمَّ بلغه الْخَبَر فَجمع أَعْيَان الدولة ولامهم على كتمان خبر وَلَده عَنهُ ثمَّ أَمر بولده فجيء بِهِ مَحْمُولا على الْكَتف لصغره حَتَّى يقْتَصّ بِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ الْأَعْيَان بأجمعهم يشفعون فِيهِ ويلتزمون بإحضار أَوْلِيَاء الْغَرِيم فَلم يقبل شفاعتهم فِيهِ فأحضروا أَبَا الصَّبِي وَأَهله فأسقطوا حَقهم وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ جهدهمْ فِي الْعَفو عَن وَلَده فَلم يجبهم وَأخذ ابْنه بِيَدِهِ وَمد يَده على حجر وَضرب عضده بحديده فَكَسرهُ والأعيان قيام يَبْكُونَ لبكاء الصَّغِير وَهُوَ يَقُول لَهُ: تألم كَمَا آلمت هَذَا الصَّغِير. ثمَّ سَار بِهِ الخدم وَهُوَ يَصِيح من الْأَلَم إِلَى أمه حَتَّى تمرضه فَكَانَ يَوْمًا مهولاً وَلم يَجْسُر بعد ذَلِك أحد فِي مَمْلَكَته أَن يظلم أحدا. وَله من هَذَا النمط عدَّة أَخْبَار مَعَ الْعِفَّة والنسك والإستبداد بِجَمِيعِ أُمُوره وَأُمُور مَمْلَكَته ووفور الْحُرْمَة وقمع أهل الْفساد وَإِزَالَة الْمُنْكَرَات فَالله يُؤَيّدهُ بعونه. وَأما بِلَاد الْمغرب فَإِن متملك فاس أَبَا زيد عبد الرَّحْمَن حفيد السُّلْطَان أبي سَالم إِبْرَاهِيم ثار عَلَيْهِ السعيد أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالجبلي ابْن أبي عَامر عبد الله بن أبي سعيد عُثْمَان بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن فِي أَوَائِل سنة ثَمَان وَعشْرين وَملك فاس وَقَتله وَخرج إِلَى الشاوية فَقَتَلُوهُ وأقيم وَلَده أَبُو عبد الله مُحَمَّد فَقَامَ الْوَزير صَالح وَبَايع النَّاصِر أبي عَليّ بن أبي سعيد عُثْمَان فَقدم أَبُو عَمْرو بن السعيد مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن أبي الْحسن من إفريقية وَملك فاس ثمَّ فر فأعيد النَّاصِر

ص: 216

أَبُو عَليّ فعالجه أَخُوهُ أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق بن أبي سعيد وَملك فاس بعد قتال فِي آخر شهر رَجَب سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان ولى الدّين مُحَمَّد بن الدمياطي فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَانِي شهر ربيع الأول وَقد تجَاوز الثَّمَانِينَ ولى وكَالَة بَيت المَال وَنظر الْكسْوَة فِي الْأَيَّام الناصرية ثمَّ تعطل حَتَّى مَاتَ وَكَانَ قَلِيل الشَّرّ. وَمَات شرف الدّين أَبُو الطّيب بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر شهر ربيع الأول ومولده فِي لَيْلَة السبت خَامِس عشْرين شهر ذِي الْقعدَة سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة. وَكتب فِي الْإِنْشَاء وَولي نظر وقف الْأَشْرَاف وَنظر الْكسْوَة وَدَار الضَّرْب فَشَكَرت وَمَات كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن سعد الدّين بركَة الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب جكم نَاظر الْخَاص فِي لَيْلَة الْجُمُعَة الْعشْرين من شهر ربيع الأول. خدم أَبوهُ بِكِتَابَة الديونة حَتَّى بَاشر ديوَان الْأَمِير جكم وترقى ابْنه كريم الدّين فِي الخدم الديوانية وباشر اسْتِيفَاء البولة ثمَّ نظر الدولة ثمَّ نظر الْخَاص. وَكَانَ مشكوراً فِيهِ خير وبر وَله صدقَات كَثْرَة. وَمَات الْأَمِير أزبك الدوادار بالقدس فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر شهر ربيع الأول وَهُوَ أحد مماليك الظَّاهِر برقوق. وَكَانَ غير مَشْهُور بارتكاب الْفَوَاحِش. وَمَات الْأَمِير كمشبغا الْقَيْسِي بِدِمَشْق فِي رَابِع عشر شهر ربيع الآخر وَهُوَ أحد الْأُمَرَاء الناصرية فرج. وَكَانَ بهَا أَمِير أخور ثمَّ انحطت رتبته فِي الْأَيَّام المؤيدية وَأخرج إِلَى الشَّام وَلم يشهر بِشَيْء من غير. وَمَات الْملك المظفر أَحْمد بن الْمُؤَيد شيخ المحمودي بثغر الْإسْكَنْدَريَّة فِي لَيْلَة الْخَمِيس آخر شهر جُمَادَى الأولى هُوَ وَأَخُوهُ إِبْرَاهِيم وحملا إِلَى الْقَاهِرَة بَعْدَمَا دفنا بالثغر فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ نصف شعْبَان ودفنا بجوار أَبِيهِمَا فِي الْقبَّة من الْجَامِع المؤيدي وَلم يبْق للمؤيد بعدهمَا ولد ذكر.

ص: 217

وَمَات الشريف عَليّ بن عنان بن مغامس بن رميثة بن أبي نمي مُحَمَّد بن حسن بن عَليّ بن قَتَادَة بن إِدْرِيس بن مطاعن بن عبد الْكَرِيم بن عِيسَى بن حسن بن سُلَيْمَان ابْن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عبد الله بن مُوسَى بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه أَمِير مَكَّة وَهُوَ بِالْقَاهِرَةِ مطعوناً فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة. وَكَانَ قد توجه بعد عَزله إِلَى بِلَاد الْمغرب فَأكْرمه أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز صَاحب تونس ثمَّ عَاد فطالت عطلته وإقامته بِالْقَاهِرَةِ. وَكَانَ جميل المحاضرة لَهُ معرفَة بالأدب. وَمَات الْأَمِير بيبغا المظفري فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سادس جُمَادَى الْآخِرَة. وَهُوَ أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة وترقي فِي الخدم حَتَّى صَار من أُمَرَاء الألوف فِي الْأَيَّام الناصرية فرج ونكب وسجن مرَارًا وَعمل أتابك العساكر وَكَانَ تركي الْجِنْس قوي النَّفس لم يبك مِنْهُ على دين وَلَا دنيا. وَمَات الْأَمِير برد بك أحد الألوف فِي يَوْم الْأَحَد عَاشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَمَات الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم ابْن الْأَمِير الْوَزير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الحسام الصقري فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن عشر جُمَادَى الْآخِرَة. وَكَانَ يتزيا بزِي الأجناد وَيكْتب الْخط الْمَنْسُوب وَيُحب الْأَدَب وَأهل الْفَضَائِل وباشر الْحِسْبَة فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ. وَمَات الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فرج بن الظَّاهِر برقوق بالإسكندرية فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره وَله من الْعُمر إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة وَأمه أم ولد اسْمهَا عاقولة. وَمَات الْأَمِير زين الدّين قَاسم ابْن الْأَمِير الْكَبِير كمشبغا الْحَمَوِيّ أحد الْحجاب فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء وَمَات الشَّيْخ يحيى سيف الدّين يُوسُف بن مُحَمَّد بن عِيسَى السيرامي الْحَنَفِيّ شيخ الظَّاهِرِيَّة المستجدة بَين القصرين. وَكَانَ من أَعْيَان الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وفضلائهم أفتى ودرس عدَّة سِنِين. وَمَات الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المستعين بِاللَّه أَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن المتَوَكل على الله أبي عبد الله مُحَمَّد بن المعتضد بِاللَّه أبي الْفَتْح أبي بكر بن المستكفي بِاللَّه أبي الرّبيع سُلَيْمَان ابْن الْحَاكِم أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي عَليّ الْحسن بن أبي بكر العباسي بالإسكندرية فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة وَلم يبلغ الْأَرْبَعين وَترك ولدا ذكرا اسْمه يحيى. وَكَانَ خيرا دينا هيناً لينًا حشماً وقوراً إِلَّا أَن الْأَيَّام لم تسعده والأقدار لم تساعده.

ص: 218

مَاتَ الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف برسباي فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشرينه. وَقد ترشح للسلطنة بعد أَبِيه فَدفن على أمه بالأشرفية المستجدة بِالْقَاهِرَةِ. مَاتَ الْأَمِير الطواشي مرجان الْهِنْدِيّ الخازندار فِي سادس عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة بلغ فِي أَيَّام السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد شيخ مبلغا كَبِيرا من التَّمَكُّن فِي الدولة ثمَّ انحط بعد مَوته. وَمَات الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر أستادار ابْن الْأَمِير الْوَزير أستادار فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن الْأَمِير الْوَزير أستادار عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشرينه وَدفن على أَبِيه بمدرسته وَكَانَ سَاكِنا لينًا محباً لأهل الْخَيْر. وَمَات السُّلْطَان الْملك الصَّالح مُحَمَّد بن الظَّاهِر ططر فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشرينه وانقرض بِمَوْتِهِ عقب ططر. وَمَات السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عَلَاء الدّين عَليّ بن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن عدنان بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عدنان الْحُسَيْنِي كَاتب السِّرّ فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. ومولده فِي سَابِع شَوَّال سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق. وَنَشَأ بهَا وَولي كِتَابَة السِّرّ وَقَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة وَنظر الْجَيْش بهَا ثمَّ طلب وَولي كِتَابَة السِّرّ بديار مصر فَسَار فِيهَا أجمل سيرة رحمه الله. وَمَات تَقِيّ الدّين يحيى بن الْعَلامَة شمس الدّين مُحَمَّد الْكرْمَانِي الشَّافِعِي فِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ فَاضلا فِي عدَّة فنون قدم من بَغْدَاد قبل سنة ثَمَانمِائَة وَأشهر شرح أَبِيه على البُخَارِيّ وَصَحب الْأَمِير شيخ المحمودي وسافر مَعَه إِلَى طرابلس لما ولي نيابتها وتقلب مَعَه فِي أطوار تِلْكَ الْفِتَن وَقدم مَعَه الْقَاهِرَة فَلَمَّا تسلطن عمله نَاظر المارستان المنصوري. وَكَانَ ثقيل السّمع. وَمَات الشريف سرداح بن مقبل بن نخبار بن مقبل بن مُحَمَّد بن رَاجِح بن إِدْرِيس بن حسن بن أبي عزيزة قَتَادَة بن إِدْرِيس بن مطاعن بن عبد الْكَرِيم بن عِيسَى بن حسن بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُوسَى بن عبد الله بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه فِي آخر جُمَادَى الْآخِرَة وَولي أَبوهُ مقبل ابْن نخبار إمرة يَنْبع مُدَّة ثمَّ وثب عَلَيْهِ ابْن أَخِيه عقيل بن وبير بن نخيار وحاربه بِأَهْل الدولة فِي سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَحمل إِلَى سجن الْإسْكَنْدَريَّة فَمَاتَ بِهِ وكحل ابْنه سرداح هَذَا حَتَّى تفقأت حدقتاه وسالتا وورم دماغه نَتن.

ص: 219

فَتوجه بعد مُدَّة من عماه إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة ووقف عِنْد قبر الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم وشكا مَا بِهِ وَبَات تِلْكَ اللَّيْلَة وَأصْبح وَعَيناهُ أحسن مَا كَانَتَا. وَذَلِكَ أَنه رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَمسح عَيْنَيْهِ بِيَدِهِ المقدسة فانتبه وَهُوَ يبصر واشتهر ذَلِك عِنْد أهل الْمَدِينَة ثمَّ قدم الْقَاهِرَة فشق ذَلِك على السُّلْطَان وأغضبه واستدعى الَّذين توَلّوا كحله وسمل عَيْنَيْهِ وضربهما. فأقاما عِنْده من أخبرهُ. بمشاهدة الْميل وَقد أحمي فِي النَّار ثمَّ كحل بِهِ فَسَأَلت حدقتاه بحضورهم وَكَذَلِكَ أخبر أهل الْمَدِينَة أَنهم رَأَوْهُ ذَاهِب الحدقتين وَأَنه أصبح عِنْدهم وَهُوَ يبصر وقص عَلَيْهِم رُؤْيَاهُ فَترك حَاله حَتَّى مَاتَ بالطاعون فضم - أعزّك الله - هَذِه إِلَى قَضِيَّة عجلَان بن نعير وَأَخَوَاتهَا وتنبه بهَا لإكرام الله تَعَالَى لآل بَيت نبيه صلى الله عليه وسلم عساك تقوم لَهُم بِبَعْض مَا يجب من حُقُوقهم إِن وفقك الله لذَلِك. وَمَات الطَّبِيب الْفَاضِل جمال الدّين يُوسُف بن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن دَاوُد ابْن أبي الْفضل بن أبي الْمَنِيّ بن أبي الْبَيَان الدواداري الإسرائيلي فِي أول شهر رَجَب وَقد أناف على التسعين. وَمَات الْأَمِير الطواشي فَخر الدّين ياقوت مقدم المماليك فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي شهر رَجَب. وَكَانَ حبشِي الْجِنْس وشهرته جميلَة. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين يشبك أَخُو السُّلْطَان فِي رَابِع رَجَب وَهُوَ أحد الْأُمَرَاء الألوف وَمَاتَتْ خوند هَاجر ابْنة الْأَمِير منكلي بغا الشمسي فِي رَابِع رَجَب وَأمّهَا خوند فَاطِمَة بنت الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون وَتَزَوجهَا الظَّاهِر برقوق بكرا وحظيت عِنْده حَتَّى مَاتَ. وَهِي آخر نِسَائِهِ موتا وَلم تعقب. وَمَات الشَّيْخ نصر الله بن عبد الله بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل العجمي فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس رَجَب. وَكَانَ قدم الْقَاهِرَة بعد الثَّمَانمِائَة على قدم التَّجْرِيد فصحب الْأُمَرَاء حَتَّى كثر مَاله وَعين لكتابة السِّرّ وَكَانَ يكْتب الْخط الْمَنْسُوب وَيتَكَلَّم فِي علم التصوف على طَريقَة ابْن الْعَرَبِيّ وَله مُشَاركَة فِي فنون وعدة مصنفات. وَمَات فَخر الدّين ماجد ويدعى عبد الله بن السديد أبي الْفَضَائِل بن سناء الْملك الْمَعْرُوف بِابْن المزوق فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثَانِي عشر رَجَب. وَولي كِتَابَة السِّرّ وَنظر الْجَيْش فِي الْأَيَّام الناصرية ثمَّ ولي نظر الإصطبل وتعطل بعد ذَلِك مُدَّة. وَمَات الشريف عماد الدّين أَبُو بكر بن إِبْرَاهِيم بن عدنان الْحُسَيْنِي فِي لَيْلَة

ص: 220

الْجُمُعَة ثَالِث عشر رَجَب وَلم يبلغ الْأَرْبَعين. وَكَانَ قد قدم على أَخِيه السَّيِّد شهَاب الدّين أَحْمد فَوَقع الوباء وَمَات أَخُوهُ فباشر بعده وَتعين لكتابة السِّرّ فقافصته المنايا وعاجله ريب الْمنون وَمَات رحمه الله. وَمَات الشَّيْخ زين الدّين أَبُو بكر بن عمر بن عَرَفَات بن عوض القمني فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث رَجَب عَن نَحْو الثَّمَانِينَ وَقد صَار من أَعْيَان الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وفضلائهم مَعَ الدّيانَة والنسك رحمه الله. وَمَات أَبُو مُسلم هابيل بن الْأَمِير عُثْمَان بن طر عَليّ - الْمَعْرُوف بقرًا يلك التركماني - فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر رَجَب وَهُوَ مسجون. وَمَات صدر الدّين أَحْمد بن جمال الدّين مَحْمُود بن مُحَمَّد بن عبد الله القيصري - الْمَعْرُوف بِابْن العجمي - فِي يَوْم السبت رَابِع عشر رَجَب. وَقد ولي الْحِسْبَة بِالْقَاهِرَةِ مرَارًا وَولي نظر الْجَيْش بِدِمَشْق وَكَانَ من فضلاء الْحَنَفِيَّة وَله معرفَة جَيِّدَة بالنحو.

ص: 221

وَمَات جلال الدّين مُحَمَّد بن بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مزهر فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس عشْرين رَجَب عَن نَحْو عشْرين سنة. وَولي كِتَابَة السِّرّ بعد أَبِيه فَكَانَ حَظه مِنْهَا الِاسْم. وَمَات زين الدّين مُحَمَّد بن شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْملك الدَّمِيرِيّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث شعْبَان. وَولي حسبَة الْقَاهِرَة وَنظر البيمارستان المنصوري. وَكَانَ من الْفُقَهَاء الْمَالِكِيَّة وَله معرفَة بِالْعَرَبِيَّةِ. وَمَات الْأَمِير مُدْلِج بن عَليّ بن نعير بن حيار بن مهنا أَمِير آل فضل مقتولاً فِي ثَانِي عشر شَوَّال بِظَاهِر حلب. وَمَات شيخ الرفاعية الشَّيْخ نور الدّين عَليّ فِي الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة عَن خمس وَسِتِّينَ سنة. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن المعلمة السكندري فِي سَابِع شعْبَان. وَولي حسبَة الْقَاهِرَة.

ص: 222