الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كوم كَبِير من اللَّحْم فِي دَارهم قد باتت الْعرس تنقله طول لَيْلهَا لَا يَدْرُونَ من أَيْن أَتَت بِهِ فسرا بذلك سُرُورًا كَبِيرا وَأَيْقَظَ بَنَاته فاشتووا من ذَلِك اللَّحْم فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وطبخوا مِنْهُ وَقد درا بَاقِيه فكافهم عدَّة أَيَّام.
7 -
(إِن الله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب)
آل عمرَان 37. وَفِي هَذِه السّنة: كثرت الأمطار بِأَرْض الْحجاز وبلاد الشَّام وَسقط بقرية تسمى حداثا من جبال صفد برد لم يعهدوا مثله بلغ وزن بردة وَاحِدَة سَبْعَة أَرْطَال وَنصف بالدمشقي عَنْهَا ثَلَاثُونَ رطلا مصرية وَوجدت بردة على بَاب دَار قدر الثور. وَكَانَ سُقُوط هَذَا الْبرد لَيْلَة السبت سادس ذِي الْحجَّة هَذَا. وفيهَا كَانَت حروب بِبِلَاد الرّوم بَين أهل حصنين بِالْقربِ من مَدِينَة برصا فِي أَحدهمَا طَائِفَة من الرّوم الْمُسلمين وَفِي الْأُخْرَى طَائِفَة من النَّصَارَى فامتدت الْحَرْب عَاما حَتَّى كَانَ بعض اللَّيَالِي إِذا هم بصيحة من حصن النَّصَارَى كَادَت تنخلع مِنْهَا قُلُوب الْمُسلمين فَلَمَّا أَصْبحُوا إِذا بِجَمِيعِ من فِي الْحصن من النَّصَارَى قد هَلَكُوا هم ودوابهم فتسلموا مَا فِي الْحصن بِلَا مَانع. وفيهَا فَشَتْ الْأَمْرَاض بِالْقَاهِرَةِ وَالْوَجْه البحري عِنْد انحطاط مَاء النّيل فِي فصل الخريف. وفيهَا انحل سعر الغلال ورخت رخاءاً زَائِدا. وفيهَا سَار مُرَاد بن مُحَمَّد كوشجي بن عُثْمَان فِي شهر رَجَب من برصا إِلَى اسطنبول وَهِي قسطنطينية - وَنزل عَلَيْهَا أول شعْبَان وَقطع عَامَّة أشجارها وَمنع عَنْهَا الْميرَة حَتَّى فرغ شهر رَمَضَان من غير حَرْب سوى مرّة وَاحِدَة فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث رَمَضَان فَإِنَّهُ زحف على الْمَدِينَة فَكَانَ بَينه وَبَين أَهلهَا حَرْب شَدِيدَة فتخلى عَنهُ عسكره وبينما هُوَ فِي ذَلِك إِذْ جَاءَهُ أَخُوهُ مصطفى وَكَانَ فِي مملكة مُحَمَّد باك بن قرمان فَتفرق عَن مُرَاد عسكره وَكَانُوا نَحْو مائَة وَخمسين ألفا حَتَّى بَقِي فِي زهاء عشْرين ألفا والتجأ مصطفى إِلَى اسطنبول وواقف مُرَاد نَحْو شهر وَقد عجز عَنهُ مُرَاد لمُخَالفَة عسكره عَلَيْهِ.
وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر عَلَاء الدّين عَليّ ابْن قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين عبد الرَّحْمَن الزبيرِي لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث الْمحرم وَقد أناف على السِّتين. وَكَانَ يعرف الْفَرَائِض والحساب ويشارك فِي الْفِقْه وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ ودرس فِي عدَّة مدارس. وَمَات بدر الدّين مَحْمُود بن شمس الدّين مُحَمَّد الأقصراي الْحَنَفِيّ لَيْلَة الثُّلَاثَاء خَامِس الْمحرم وَلم يبلغ ثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ يعرف طرفا من الفقة ويشارك فِي غَيره وتحرك لَهُ حَظّ فِي دولة الْمُؤَيد وَصَارَ يحضر مَجْلِسه فِيمَن يحضر من الْفُقَهَاء فَلَمَّا قَامَ ططر بعد الْمُؤَيد اخْتصَّ بِهِ مُعظم قدره وَتردد النَّاس لبابه وتحدثوا برقيه إِلَى الْعليا فَلم يُمْهل وعوجل وَمَات الْأَمِير أق قجا كاشف الْوَجْه القبلي فِي الْعشْرين من الْمحرم فأراح الله مِنْهُ. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن معالي الحبتي الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ يَوْم الْخَمِيس ثامن عشْرين الْمحرم وَكَانَ من فُقَهَاء الْحَنَابِلَة وَأحد الْمُحدثين نَاب فِي الحكم عَن الْقُضَاة سنتَيْن واتصل بالمؤيد وَكَانَ يحضر عِنْده فِي جملَة الْفُقَهَاء وَيقْرَأ عِنْده صَحِيح البُخَارِيّ كل سنة وولاه مشيخة الخروبية الَّتِي استجدها بالجيزة. وَمَات الْأَمِير حسن بن سودن الْفَقِيه الجركسي خَال الصَّالح بن ططر يَوْم
الْجُمُعَة ثَالِث عشر صفر وَكَانَ قد صَار أَمِير مائَة مقدم ألف فِي أَيَّام ابْن أُخْته الصَّالح مُحَمَّد بن ططر بعد مَا عمله زوج أُخْته الظَّاهِر ططر أَمِير طبلخاناه فَلم يتهن بِالنعْمَةِ وَطَالَ مَرضه حَتَّى مَاتَ. وَمَات الشريف عَزِيز بن هيازع بن هبة بن جماز بن شيحة أَمِير الْمَدِينَة النَّبَوِيّ فِي رَبِّي الأول وَهُوَ مسجون بالقلعة وَقد أَخذ من الْمَدِينَة مُقَيّدا فِي موسم السّنة الخالية وَولي عوضه عجلَان بن نعير. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمد الْمَعْرُوف بالزراتيتي الْمُقْرِئ الْحَنَفِيّ إِمَام الْخمس بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة برقوق فِي يَوْم الْخَمِيس سادس جُمَادَى الْآخِرَة وَقد تجَاوز السّبْعين وكف بَصَره وَصَارَ شيخ الإقراء بِالْقَاهِرَةِ. وَمَات برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن عَليّ البيجوري الْفَقِيه الشَّافِعِي يَوْم
السبت رَابِع عشر رَجَب وَقد أناف على السّبْعين وتصدى للأشغال عدَّة سِنِين وَلم يخلف بعده أحفظ مِنْهُ لفروع الْفِقْه مَعَ إطراح التَّكَلُّف وَقلة الاكتراث بالملبس والإعراض عَن الرياسة الَّتِي عرضت عَلَيْهِ فأباها. وَمَات مقدم العشير بجبال صفد بدر الدّين حسن بن أَحْمد بن بِشَارَة فِي سَابِع ذِي الْحجَّة
سنة سِتّ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة أهلت وسلطان مصر وَالشَّام والحجاز الْملك الْأَشْرَف برسباي الدقماقي والأمير الْكَبِير الأتابك بيبغا المظفري والدوادار الْكَبِير الْأَمِير سودن بن عبد الرَّحْمَن وأمير سلَاح الْأَمِير قجق وأمير مجْلِس الْأَمِير أقبغا التمرازي وأمير أخور الْأَمِير قصروه نوبَة النوب الْأَمِير أزبك والوزير أستادار الْأَمِير أرغون شاه وَكَاتب السِّرّ علم الدّين دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن بن الكويز وناظر الْخَاص الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِي علم الدّين صَالح بن البُلْقِينِيّ ونائب الشَّام الْأَمِير تنبك العلاي ميق ونائب حلب الْأَمِير تنبك البجاسي ونائب طرابلس الْأَمِير أينال النورزي ونائب صفد الْأَمِير مقبل الدوادار ونائب حماة شار قطلوا. شهر الله الْحَرَام أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي ثَالِث عشرينه: قدم الركب الأول من الْحجَّاج وَقدم الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج من وَكَانَت سنة مشقة إِلَى الْغَايَة توالت فِيهَا الأمطار الْخَارِجَة عَن الْحَد زِيَادَة على يَوْمًا وَأَتَتْ سيول مهولة مَعَ غلاء الأسعار بِمَكَّة فأبيع الْحمل الدَّقِيق بِخَمْسَة وَثَلَاثِينَ دِينَارا وأبيعت ويبة شعير فِي الأزلم بِخَمْسِينَ مؤيديا فَيكون الأردب الشّعير
على ذَلِك بِأَلفَيْنِ وَمِائَة دِرْهَم من نقد الْقَاهِرَة وَكثر موت الْجمال ومشت النِّسَاء وَالصغَار عدَّة مراحل وَمَات كثير من النَّاس وَاشْتَدَّ الْحر ثمَّ اشْتَدَّ الْبرد وَمَعَ وَفِي ثامن عشرينه: أُعِيد زين قَاسم بن البُلْقِينِيّ إِلَى نظر الجوالي عوضا عَن صدر الدّين أَحْمد بن العجمي على مَال الْتزم بِهِ. وَفِيه أنعم على الْأَمِير جَانِبك الخازندار بإمرة طبلخاناه من جملَة إقطاع الْأَمِير فَارس نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة كَانَ. شهر صفر أَوله الْخَمِيس: فِي ثامن عشره: جمع السُّلْطَان الْأُمَرَاء والقضاة ومباشريه وأحضر جمَاعَة من التُّجَّار وَأنكر حَال الْفُلُوس وَذَلِكَ أَنَّهَا كَمَا تقدم غير مرّة أَنَّهَا هِيَ النَّقْد الرائج بِأَرْض مصر فينسب إِلَيْهَا أَثمَان المبيعات وقيم الْأَعْمَال ثمَّ لما ضرب الْملك الْمُؤَيد شيخ الدَّرَاهِم المؤيدية رسم أَن تنْسب قيم الْأَعْمَال وأثمان المبيعات إِلَيْهَا فَعمل بذلك مُدَّة من أَيَّامه حَتَّى مَاتَ فَعَادَت قيم الْأَعْمَال وأثمان المبيعات تنْسب إِلَى الْفُلُوس كَمَا كَانَت قبل المؤيدية وَحدث فِي الْفُلُوس مَعَ ذَلِك مَا لم يكن يعْهَد مُنْذُ ضربت وَهُوَ أَنه خلط فِيهَا قطع الْحَدِيد وَقطع النّحاس وَقطع الرصاص من أجل أَنَّهَا تُؤْخَذ وزنا لَا عددا وتغافل الْحُكَّام عَن إِنْكَار ذَلِك فتمادى الْحَال على هَذَا من بعد موت الْمُؤَيد حَتَّى صَارَت القفة من الْفُلُوس الَّتِي وَزنهَا مائَة رَطْل لَا يكَاد يُوجد فِيهَا قدر عشْرين رطلا من الْفُلُوس وَإِنَّهَا هِيَ - كَمَا قدم - ذكره مَا بَين نُحَاس وحديد ورصاص وَانْفَتح للصيارفة وَنَحْوهم من ذَلِك بَاب ربح وَهُوَ أَنهم صَارُوا ينقون الْفُلُوس ويبيعونها لمن يحملهَا إِلَى الْحجاز واليمن وبلاد الْمغرب كل قِنْطَار بسبعمائة دِرْهَم فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَاك أَرَادَ أَن يضْرب فُلُوسًا فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِي مِقْدَار وَزنهَا فَأَشَارَ بَعضهم أَن يكون كل سِتِّينَ فلسًا بدرهم أشرفي وَأَشَارَ أخرون أَن تكون أوزانها مُخْتَلفَة فِيهَا مَا زنته مِثْقَال وفيهَا مَا زنته غير ذَلِك فَجمع النَّاس كَمَا تقدم ليقوي عزمه على مَا يمضيه فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى رَجَعَ عَن تَغْيِير الْمُعَامَلَة بالفلوس الَّتِي بأيدي النَّاس خوفًا من وقُوف أَحْوَال الْأَسْوَاق لعنت الْعَامَّة فاستقر الرَّأْي على أَن نُودي بِأَن يكون سعر الْفُلُوس المنقاة من الْحَدِيد والرصاص والنحاس بسبعه دَرَاهِم كل رَطْل وَيكون سعر هَذِه الْقطع بِخَمْسَة دَرَاهِم الرطل فامتثل النَّاس ذَلِك وَصَارَت الْفُلُوس صنفين بسعرين مُخْتَلفين وَمَشى الْحَال على هَذَا.
وَفِيه أبيع الرَّغِيف بِنصْف دِرْهَم فُلُوسًا بعد مَا كَانَ بدرهم لرخاء الأسعار. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْأَمِير أينال النوروزي نَائِب طرابلس باستدعاء فَأكْرمه السُّلْطَان وأنزله بدار ثمَّ طلب الْأَمِير قصروه أَمِير أخور وخلع عَلَيْهِ بنيابة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير أينال الْمَذْكُور وأنعم على أينال هَذَا بإقطاع قصروه. فِي هَذَا الشَّهْر: اتضع سعر الغلال حَتَّى أبيع الْقَمْح كل خَمْسَة أرادب بِدِينَار وَلِهَذَا أَسبَاب: أَحدهَا النّيل فِي وَقت زِيَادَته حَتَّى شَمل الرّيّ عَامَّة أَرَاضِي مصر. ثَانِيهَا غزارة الأمطار فِي فصل الشتَاء وتواليها أَيَّامًا فأخصبت الزروع والمراعي. ثَالِثهَا رخاء الأسعار بِبِلَاد الشَّام وَأَرْض الْحجاز فاستغنت العربان عَن شِرَاء الغلال وَترك التُّجَّار فِي الْحجاز فتوفرت بديار مصر. رَابِعهَا أَن الْأَمِير الْوَزير شمس الدّين أرغون شاه أستادار خرج إِلَى نواحي الغربية والبحيرة وعسف المزارعين والمتدركين حَتَّى ألجأتهم الضَّرُورَة إِلَى أَن يبيعوا غلالهم ويقوموا لَهُ. مِمَّا ألزموا بِهِ من المَال فَلذَلِك كثرت الغلال فاتضعت وَللَّه الْحَمد. وَمَعَ هَذَا فقد نَاس كثير من الغلال بِالْوَجْهِ البحري فَتسَارع خزانها إِلَى بيعهَا خوفًا عَلَيْهَا من التّلف وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. شهر ربيع الأول أَوله السبت: وَفِي ثَانِيه: قدم الْأَمِير الْوَزير أرغون شاه من الْوَجْه البحري بِمَا جمعه من الْأَمْوَال الَّتِي جباها. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة سابعه: عمل المولد السلطاني على الْعَادة فِي كل سنة وَحضر الْأُمَرَاء وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع ومشايخ الْعلم وَجمع كَبِير من الْقُرَّاء والمنشدين فاستدعى قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَحْمد بن الْعِرَاقِيّ ليحضر فَامْتنعَ من الْحُضُور فتكرر استدعاؤه حَتَّى جَاءَ فأجلس عَن يسَار السُّلْطَان حَيْثُ كَانَ قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين التفهني جَالِسا وَقَامَ التفهني فَجَلَسَ عَن يَمِين السُّلْطَان فِيمَا يَلِي قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح ابْن البُلْقِينِيّ. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: وجدت ورقة بِالْقصرِ فِيهَا شناعات عَليّ علم الدّين بن الكويز كَاتب السِّرّ مِنْهَا أَنه يُرِيد إِقَامَة ابْن الْملك الْمُؤَيد شيخ فِي السلطنة فَعرف من أَلْقَاهَا فَدلَّ على الَّذِي كتبهَا وَهُوَ رجل من الْفُقَرَاء يُقَال لَهُ حسن العليمي يخْدم قبر الشَّيْخ عَليّ بن عليم بالسَّاحل فاعترف أَنه كتبهَا نصيحة للسُّلْطَان فَبعث بِهِ السُّلْطَان إِلَى ابْن الكويز فَثَبت على قَوْله وفاجأه بِمَا لَا يحب فنفاه إِلَى بِلَاد الصَّعِيد.
وَفِي خَامِس عشره: سَار الْأَمِير أرغون شاه إِلَى بِلَاد الصَّعِيد ليجبي أَهلهَا كَمَا جبى الْوَجْه البحري. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء خَامِس عشرينه: ثارت ريح مريسية طول النَّهَار فَلَمَّا كَانَ قبل الْغُرُوب بِنَحْوِ سَاعَة ظهر فِي السَّمَاء صفرَة من قبل مغرب الشَّمْس كست الجدران وَالْأَرْض بالصفرة ثمَّ أظلم الجو حَتَّى صَار النَّهَار مثل وَقت الْعَتَمَة فَكنت أمد يَدي فَلَا أَرَاهَا لشدَّة الظلام فَمَا بَقِي أحد بِمصْر إِلَّا وَاشْتَدَّ فزعه فَلَمَّا كَانَ بعد سَاعَة وَقت الْغُرُوب أَخذ الظلام ينجلي قَلِيلا قَلِيلا وعقبه ريح عاصف كَادَت المباني تتساقط وتمادي طول لَيْلَة الْأَرْبَعَاء فَرَأى النَّاس أمرا مهولاً من شدَّة هبوب ريَاح عَاصِفَة وظلمة فِي النَّهَار وَاللَّيْل لم يعْهَد مثلهَا بِحَيْثُ كَانَ جمَاعَة فِي هَذِه اللَّيْلَة مسافرين وسائرين خَارج الْقَاهِرَة فتاهوا من شدَّة الظلام طول ليلتهم حَتَّى طلع الْفجْر وعمت هَذِه الظلمَة أَرض مصر حَتَّى وصلت دمياط والإسكندرية وَجَمِيع الْوَجْه البحري وَبَعض بِلَاد الصَّعِيد وَرَأى بعض من يظنّ بِهِ الْخَيْر فِي مَنَامه كَانَ قَائِلا يَقُول مَا مَعْنَاهُ: لَوْلَا شَفَاعَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأهل مصر لأهلكت هَذِه الرّيح النَّاس لكنه شفع فيهم فَحصل اللطف. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الوباء بِدِمَشْق. وَفِيه أضيفت ولَايَة مصر وحسبتها إِلَى الْأَمِير تَاج الدّين الشويكي وَإِلَى الْقَاهِرَة. وَفِيه رسم بمصادرة نجم الدّين عمر بن حجي قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي بِدِمَشْق وشهاب الدّين أَحْمد بن مَحْمُود بن الكشك قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ بهَا وعدة من تجارها فصودروا. وَفِيه رسم بإيقاع الحوطة على خُيُول أهل الْوَجْه البحري من الغربية والبحيرة وَنَحْوهَا فَأخذت. وَفِيه قدم إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة جَراد عَظِيم أتلف عَامَّة زروعها وأشجارها حَتَّى أكل الأسابيط من فَوق النّخل فأمحلت ونزح كثير من أَهلهَا فَمَاتَ مُعظم الْفُقَرَاء النازحين جوعا وعطشاً وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. شهر ربيع الآخر أَوله الْأَحَد:
فِي ثَانِيه: عدى السُّلْطَان إِلَى بر الجيزة وَأقَام بِنَاحِيَة وسيم فِي أمرائه ومماليكه يتنزه ثمَّ عَاد. وَفِي سادس عشرينه: قدم الْأَمِير تنبك البجاسي نَائِب حلب فَخلع عَلَيْهِ ورتب لَهُ مَا يَلِيق بِهِ وَقدم لَهُ الْأُمَرَاء على مقدارهم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الوباء بِدِمَشْق. وَفِيه قدم الْخَبَر أَن مَدِينَة الكرك تلاشى أمرهَا وَخَربَتْ قراها وتشتت أَهلهَا وَأَنَّهَا آيلة إِلَى الدُّثُور. وَفِيه عدى مصطفى بن عُثْمَان من اسطنبول إِلَى أزنيك وملكها بعد مَا حاصرها مُدَّة فَسَار إِلَيْهِ أَخُوهُ مُرَاد بعساكره وقاتله فظفربه وَقَتله وَعَاد إِلَى برصا وَقد صفا لَهُ الجو. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الثُّلَاثَاء: فِي ثالثه: توجه الْأَمِير تنبك البجاسي إِلَى حلب على نيابته. وَفِيه أبيع الْخبز كل ثَلَاثَة أرغفة بدرهم من الْفُلُوس وأبيع الأردب الْقَمْح بِثَمَانِينَ درهما فَيكون كل ثَلَاثَة أرادب بمثقال ذهب وكل أردب بأَرْبعَة دَرَاهِم فضَّة وكل سِتِّينَ رغيفاً بدرهم فضَّة وَلم يعْهَد مثل هَذَا الرخَاء فِي هَذِه الْأَزْمِنَة وَمَعَ ذَلِك فالرخاء عَام بِالشَّام والحجاز فَالله يحسن الْعَاقِبَة. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير جقمق وَاسْتقر أَمِير أخور عوضا عَن قصروه نَائِب وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشر: أمْطرت السَّمَاء مَطَرا كثيرا من أول يَوْم الْجُمُعَة أمسه حَتَّى مضى السبت وَكَانَت عَامَّة فِي مُعظم أَرض مصر قبليها وبحريها فَسَأَلت الأودية وَظَهَرت فِي النّيل زِيَادَة نَحْو ذِرَاع ودثرت مَقَابِر كَثْرَة وَسقط بِبِلَاد البحرة برد كبار جدا يتعجب من كبرها وَكَانَ الزَّمَان ربيعاً. وَفِي شهر بشنس وَفِي نصف نَهَار السبت هَذَا: هبت ريَاح قَوِيَّة أَلْقَت مباني
عديدة وَعم هبوبها فِي أَكثر أَرض مصر فَسقط فِي نَاحيَة أبيار ألف وَمِائَتَا نَخْلَة وَسقط كثير من شجر السنط والسدر والجميز وَكَانَت الشَّجَرَة تقتلع من أَصْلهَا وَسقط كثير من طير السَّمَاء واحتملت الرّيح أَشْيَاء ثَقيلَة من أماكنها وألقتها ببعد وشملت مضرَّة هَذَا الْمَطَر وَهَذِه الرّيح أَشْيَاء عديدة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انْتَشَر بِبِلَاد الصَّعِيد من الطير الَّتِي يُقَال لَهَا الزرازير أمة لَا يُحْصى عَددهَا إِلَّا الله خَالِقهَا سُبْحَانَهُ فأهلكها هَذَا الرّيح حَتَّى صَار مِنْهَا عدَّة كيمان يمر الْفَارِس فِيهَا بفرسه مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام وَلَوْلَا هَلَكت لرعت الزروع. وَفِيه جَاءَ من نَاحيَة الْحجاز جَراد يخرج عَن الْحَد فِي الْكَثْرَة فَلَمَّا وافى الطّور يُرِيد دُخُول أَرض مصر كَانَ هَذَا الْمَطَر فَهَلَك عَن آخِره كفايه من الله. وَفِيه تلفت زروع عدَّة بِلَاد من نواحي أَرض مصر لِكَثْرَة الْمَطَر وَالْبرد بِحَيْثُ وجد فِي الْبرد مَا وزن الْوَاحِدَة مِنْهُ عدَّة أواقي وَتَلفت أَشجَار كَثِيرَة ونخيل كثير بالقرى من الرّيح وَسقط من طير السَّمَاء فِيمَا بَين الْإسْكَنْدَريَّة وبرقة شَيْء كثير جدا من قُوَّة الرّيح. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي هَذَا الشَّهْر: عظم الوباء بِدِمَشْق وَفَشَا فِي الْبِلَاد إِلَى غَزَّة. وَفِيه تحرّك سعر الغلال بِأَرْض مصر فارتفع الأردب الْقَمْح من مائَة إِلَى مائَة وَأَرْبَعين وَالشعِير من سبعين درهما الأردب إِلَى مائَة دِرْهَم. وَفِي سَابِع عشره: قدم الْأَمِير أرغون شاه من بِلَاد الصَّعِيد وَقد وصل إِلَى مَدِينَة هُوَ فجبى الْأَمْوَال وَمَا عف وَلَا كف وأحضر مَعَه من الأغنام والأبقار والخيول وَمن القند وَالسكر وَالْعَسَل شَيْء كثير فخرب فِي حركتيه المذكورتين إقليم مصر أَعْلَاهُ وأسفله ثمَّ شرع فِي رمى مَا أحضرهُ على النَّاس بأغلى الْأَثْمَان والعسف فِي الطّلب. شهر رَجَب أَوله الْخَمِيس: فِيهِ كملت الْوكَالَة وعلوها بِخَط الركتن المخلق على يَد عَظِيم الدولة القَاضِي زين الدّين عبد الباسط نَاظر الجيوش وَلم يعسف الْعمَّال فِيهَا وَلَا بخسوا شَيْئا من أجرهم فَجَاءَت من أحسن الْمَوَاضِع وَكثر النَّفْع بهَا.
وَفِيه ابتدئ بهدم الحوانيت والفنادق الَّتِي فِيمَا بَين الْمدرسَة السيوفية وسوق العنبريين لعمل موضعهَا مدرسة للسُّلْطَان وَكَانَت مَوْقُوفَة على الْمدرسَة القطبية وَغَيرهَا فاستبدل بهَا أَمْلَاك أخر من غير إِجْبَار الْمُسْتَحقّين. وَجعل الاختبار لَهُم فِيمَا يسْتَبْدل بِهِ حَتَّى تراضوا وَلم يشق عَلَيْهِم. وَتَوَلَّى ذَلِك زين الدّين عبد الباسط. وَفِيه انحل سعر الغلال وَمد أبيعت الغلال الجديدة. وَفِيه قدم عدَّة من الفرنج الكيتلان لزيارة الْقُدس مستخفين فعسر على نَحْو الْمِائَة مِنْهُم وسجنوا. وَفِي ثَانِي عشره: ابتدأت المناداة بِزِيَادَة النّيل وَقد جَاءَت الْقَاعِدَة ثَمَانِيَة أَذْرع وَعشر أَصَابِع. وَهَذَا مِمَّا ينْدر مثله. وَفِيه أدير محمل الْحَاج على الْعَادة. وَفِيه كتب بعزل قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي بِدِمَشْق نجم الدّين عمر بن حجي وسجنه والكشف عَنهُ واستقرار شمس الدّين مُحَمَّد بن زيد قَاضِي بعلبك عوضه فِي قَضَاء دمشق. وَسبب ذَلِك تنكر الْأَمِير تنبك ميق نَائِب الشَّام عَلَيْهِ وَتغَير كَاتب السِّرّ علم الدّين دَاوُد بن الكويز وزين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش وَبدر الدّين مُحَمَّد بن مزهر نَاظر الاصطبل ونائب كَاتب السِّرّ فَإِنَّهُ أطرح جانبهم وَصَارَ يبلغهم عَنهُ مَا يوغر صُدُورهمْ من استخفافه بهم لمعرفته إيَّاهُم قبل ارتفاعهم فِي الْأَيَّام المؤيدية. واغتر بِكَثْرَة من يساعده من الْأُمَرَاء لما لَهُ عَلَيْهِم من الأفضال المستمر فَأخذ الْجَمَاعَة فِي مكايدته حَتَّى أوقعوا بَينه وَبَين السُّلْطَان فَلم يفده مساعدة الْأُمَرَاء لَهُ. وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشره: اتّفقت حَادِثَة فِيهَا موعظة وَهِي أَن الْأَمِير أرغون شاه جمع الجزارين لأخذ شَيْء من الأبقار الَّتِي أحضرها ورسم على كل مِنْهُم رَسُولا من الأعوان الظلمَة حَتَّى يمْضِي إِلَى بر منبابة حَيْثُ الأبقار وَيَأْخُذ مِنْهُم مَا ألزم بِهِ مِنْهَا فوافوا سَاحل بولاق بكره ونزلوا فِي مركب وَنزل مَعَهم أنَاس آخَرُونَ.
وَأخذُوا يدعونَ الله على أنفسهم أَن يغرقهم وَلَا يحييهم حَتَّى يَأْخُذُوا هَذِه الأبقار ليستريحوا مِمَّا هم فِيهِ من الغرامات والخسارات وتحكم الظلمَة فيهم بِالضَّرْبِ والسب والإهانة. وَقَرَأَ وَاحِد مِنْهُم فَاتِحَة الْكتاب ودعا بذلك وهم يُؤمنُونَ على دُعَائِهِ فَمَا هُوَ إِلَّا أَن توسطوا النّيل وتجاوزوه حَتَّى كَادُوا أَن يصلوا إِلَى بر منبابة. وَإِذا بمركبهم انقلبت فَغَرقُوا بأجمعهم إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم فَإِنَّهُم نَجوا. وَكَانَت عدَّة الغرقى عشْرين رجلا وَأَرْبع نسْوَة فارتجت الْقَاهِرَة بعويل أهاليهن عَلَيْهِنَّ وَكَثُرت الشناعة على الْأَمِير أرغون شاه وَذهب الغرقى بِلَا قَاتل وَلَا قَود. وَفِي ثَالِث عشرينه: رسم السُّلْطَان أَن لَا يكون لقَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي إِلَّا عشرَة نواب وَأَن يكون للحنفي ثَمَانِيَة نواب وللمالكي سِتَّة وللحنبلي أَرْبَعَة. فَعمل ذَلِك مديدة ثمَّ أُعِيد من عزل مِنْهُم بِزِيَادَة. وَقد ساءت قالة الْعَامَّة فيهم وَأَكْثرُوا من التشنيع بِمَا يغرمه المتداعيان فِي أَبْوَابهم حَتَّى اتضعت نواب الْقُضَاة فِي أعين الكافة وانحطت أقداراهم عِنْد أهل الدولة وجهروا بالسوء من القَوْل فيهم. وَاتفقَ فِي هَذِه السّنة مَا لم نعهده وَهُوَ انتشار الْحمرَة عِنْد طُلُوع الْفجْر إِلَى شروق الشَّمْس فِي جَمِيع الْجِهَة الشمالية الَّتِي يسميها المصريون وَجه بحري وانتشار الْحمرَة فِي الْجِهَة الشمالية أَيْضا بعد غرُوب الشَّمْس حَتَّى يمْضِي من اللَّيْل سَاعَة وَتصير الأَرْض والجدران وَغير ذَلِك فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ كَأَنَّهَا صبغت بالحمرة. وَتَمَادَى هَذَا الْحَال أَرْبَعَة أشهر وانقضى شهر رَجَب هَذَا وَالْأَمر على ذَلِك. وَفِيه تناقص الوباء بِبِلَاد الشَّام بعد مَا عَم كورة دمشق وفلسطين والساحل. وَبَلغت عدَّة من مَاتَ بصالحية دمشق زِيَادَة على خَمْسَة عشر ألف إِنْسَان. وأحصي من ورد ديوَان دمشق من الْمَوْتَى فَكَانُوا نَحْو الثَّمَانِينَ ألفا وَكَانَ يَمُوت من غَزَّة فِي كل يَوْم مائَة إِنْسَان وأزيد وَكَانَ مُعظم من مَاتَ الصغار والخدم وَالنِّسَاء فخلت الدّور مِنْهُم إِلَّا قَلِيلا وَفِيه وَقع الوباء بِبِلَاد الْخَلِيل عَلَيْهِ شهر شعْبَان أَوله السبت: فِي يَوْم الْجُمُعَة سابعه: ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي فر من السجْن بالإسكندرية فَلم يقدر عَلَيْهِ فَقبض بِسَبَبِهِ على جمَاعَة وعوقبوا عقوبات كَثِيرَة. وَقدم الْخَبَر بِوُقُوع الوباء بدمياط.
وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشرينه: خلع على الْأَمِير جرباش قاشق وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب. وَكَانَت شاغرة مُنْذُ انْتقل جقمق عَنْهَا وَصَارَ أَمِير أخور. وَفِيه كتب باستقرار الْأَمِير تنبك البجاسي نَائِب حلب فِي نِيَابَة الشَّام بعد موت تنبك ميق. وَاسْتقر شارقطلوا نَائِب حماة فِي نِيَابَة حلب عوضا عَن تنبك البجاسي وَاسْتقر جلبان - أَمِير أخور الْملك الْمُؤَيد شيخ - فِي نِيَابَة حماة. وَقد كَانَ من جملَة أُمَرَاء دمشق. وَتوجه الْأَمِير جَانِبك الخازندار فِي ثامن عشرينه بتقاليد الْمَذْكُورين وتشاريفهم. وَفِيه رسم بِإِعَادَة نجم الدّين عمر بن حجي إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق وَحمل تَقْلِيده وتشريفه. وَفِيه جرى المَاء فِي خليج الْإسْكَنْدَريَّة وعبرت فِيهِ السفن وَذَلِكَ أَنه غلب الرمل على أشتوم بحيرة الْإسْكَنْدَريَّة حَتَّى جف مَاؤُهَا وَصَارَت الرّيح تسفي الرمال على الخليج إِلَى أَن علت أرضه وجف مَاؤُهُ من بعد سنة سبعين وَسَبْعمائة وَصَارَ المَاء لَا يدْخل إِلَيْهِ إِلَّا أَيَّام الزِّيَادَة فَإِذا نقص مَاء النّيل جف الخليج. وَلذَلِك خرجت أَكثر بساتين الْإسْكَنْدَريَّة وضياعها الَّتِي على الخليج. وَصَارَ شرب أَهلهَا من المَاء المخزون بالصهاريج. وحاول السلاطين حفر هَذَا الخليج مرَارًا فَلم ينجح عَمَلهم لقلَّة الْمعرفَة بأَمْره ثمَّ إِن السُّلْطَان ندب الْأَمِير جرباش قاشق - أحد مقدمي الأولوف - لعمل هَذَا الخليج فَجمع من النواحي ثَمَانمِائَة وَخَمْسَة وَسبعين رجلا وابتدأ فِي حفره من حادي عشر جُمَادَى الأولى من حَنى فَم النّيل. وَصَارَ كلما حفر مِنْهُ شَيْئا أرسل المَاء عَلَيْهِ من الْفَم حَتَّى انْتهى حفره فِي حادي عشر شعْبَان هَذَا لتَمام تسعين يَوْمًا وَعبر المَاء فِي الْيَوْم الْمَذْكُور إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَقد خرج النَّاس لرُؤْيَته وسروا بِهِ سُرُورًا كَبِيرا. وَكَانَت كلفة الْحفر مِمَّا جبى من النواحي الَّتِي تسقى من الخليج وَمن بساتين الْإسْكَنْدَريَّة. شهر رَمَضَان أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه - الْمُوَافق لَهُ سادس مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَنزل الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان حَتَّى خلق عَمُود المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة.
وَفِيه قبض على الْأَمِير سودن الْأَشْقَر أحد مقدمي الألوف وَنفي بطالاً إِلَى الْقُدس. ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بإمرة فِي دمشق فَتوجه إِلَيْهَا. وَفِيه خرج عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط ورشيد وَقد ورد الْخَبَر بحركة الفرنج وَفِي ثامن عشرينه: جمع السُّلْطَان التُّجَّار والصيارف بِسَبَب الْفُلُوس فَإِنَّهَا من حِين نُودي عَلَيْهَا فِي صفر أَن تكون المضروبة بسبعة دَرَاهِم الرطل وَالْقطع بِخَمْسَة الرطل قلت حَتَّى لم تكد تُوجد. وَسبب ذَلِك أَن التُّجَّار كثرت تِجَارَتهمْ فِيهَا وشدوا أحمالاً كَثِيرَة من الْفُلُوس المنقاة وَقد بلغ القنطار مِنْهَا ثَمَانمِائَة دِرْهَم وبعثوا مِنْهَا إِلَى الْحجاز واليمن والهند وبلاد الْمغرب بِشَيْء لَا يدْخل تَحت حصر لما لَهُم فِيهَا من الْفَوَائِد. وَضرب آخَرُونَ مِنْهَا الْأَوَانِي النّحاس كالقدور وَنَحْوهَا وباعوها بِثَلَاثِينَ درهما الرطل. وتصدى جمَاعَة لقطع الْحَدِيد والنحاس والرصاص والقصدير فأفرزوا كل صنف على حِدة واستعملوه فِيمَا يصلح لَهُ فَرَبِحُوا فِيهَا كثيرا. وَمَعَ ذَلِك فَمن عِنْده شَيْء مِنْهَا شح بِإِخْرَاجِهِ فِي الْمُعَامَلَة. وتصدت جمَاعَة لجمعها فعزت حَتَّى لم يقدر عَلَيْهَا. وتوقفت أَحْوَال النَّاس فِي مَعَايشهمْ لفقدها. فَلَمَّا اجْتمع النَّاس عِنْد السُّلْطَان اسْتَقر الرَّأْي على أَن تكون الْفُلُوس المنقاة بِتِسْعَة دَرَاهِم الرطل وَأَن لَا يتعامل أحد بِشَيْء من الْقطع النّحاس وَالْحَدِيد والرصاص والقصدير وَنُودِيَ بذلك وهدد من خَالف وسافر بِشَيْء مِنْهَا إِلَى الْبِلَاد. شهر شَوَّال أَوله الثُّلَاثَاء: فِي سادسه: ابْتَدَأَ الْهدم فِي الحوانيت والرباع الَّتِي علوها فِيمَا بَين الصنادقيين وَرَأس الخراطين وَفِي سابعه: قدم قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق شهَاب الدّين أَحْمد بن مَحْمُود بن الكشك باستدعاء. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عاشره: خلع على جمال الدّين يُوسُف بن الصفي الكركي وَاسْتقر كَاتب السِّرّ بعد موت علم الدّين دَاوُد بن الكويز فأذكرتني ولَايَته بعد ابْن
الكويز قَول أبي الْقَاسِم خلف بن فرج الألبيري - الْمَعْرُوف بالسميسر - وَقد هلك وَزِير يَهُودِيّ لباديس بن حبوس الْحميدِي أَمِير غرناطة من بِلَاد الأندلس فاستوزر بعد الْيَهُودِيّ وزيراً نَصْرَانِيّا: كل يَوْم إِلَى ورا بدل الْبَوْل بالخرا فزمانا تهودا وزماناً تنصرا وسيصبو إِلَى المجو - س إِذا الشَّيْخ عمرا وَقد كَانَ أَبُو الْجمال هَذَا من نَصَارَى الكرك وتظاهر بِالْإِسْلَامِ فِي وَاقعَة كَانَت لِلنَّصَارَى هُوَ وَأَبُو الْعلم دَاوُد بن الكويز وخدم كَاتبا عِنْد قَاضِي الكرك عماد الدّين أَحْمد المقيري. فَلَمَّا قدم إِلَى الْقَاهِرَة. وصل فِي خدمته وَأقَام بِبَابِهِ حَتَّى مَاتَ وَهُوَ بائس فَقير لم يزل دنس الثِّيَاب مقتم الشكل وَابْنه هَذَا مَعَه فِي مثل حَاله. ثمَّ خدم عِنْد التَّاجِر برهَان الدّين إِبْرَاهِيم الْمحلى كَاتبا لدخله وخرجه فحسنت حَاله وَركب الْحمار. ثمَّ سَار بعد الْمحلى إِلَى بِلَاد الشَّام وخدم بِالْكِتَابَةِ هُنَاكَ حَتَّى كَانَت أَيَّام الْملك الْمُؤَيد شيخ ولاه ابْن الكويز نظر الْجَيْش بطرابلس فَكثر مَاله بهَا. ثمَّ قدم فِي أخر أَيَّام ابْن الكويز إِلَى الْقَاهِرَة فَلَمَّا مَاتَ وعد بِمَال كثير حَتَّى ولى كِتَابَة السِّرّ فَكَانَت ولَايَته أقبح حَادِثَة رأيناها. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْأَمِير أسندمر نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة باستدعاء فَقبض عَلَيْهِ وَنفي إِلَى دمياط بطالاً. وَاسْتقر الْأَمِير أقبغا التمرازي أَمِير مجْلِس عوضه فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة.
وَفِي سادس عشره - الْمُوَافق لَهُ رَابِع عشْرين توت -: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى تِسْعَة عشر ذِرَاعا تنقص إصبعاً وَاحِدًا وابتدأ نَقصه من الْغَد. وَفِي تَاسِع عشره: خرج محمل الْحَاج صُحْبَة الطواشي افتخار الدّين مِثْقَال مقدم المماليك ورحل من بركَة الْحَاج فِي ثَالِث عشرينه وَقد تقدمه الركب الأول صُحْبَة الْأَمِير أينال الششماني أحد أُمَرَاء العشرات وَفِي رَابِع عشرينه: خلع عَليّ نقيب الْأَشْرَاف السَّيِّد الشريف بدر الدّين حسن بن الشريف النَّقِيب عَليّ وأضيف إِلَيْهِ نظر وقف الْأَشْرَاف عوضا عَن شرف الدّين مُحَمَّد ابْن عبد الْوَهَّاب بن نصر الله. وَكَانَ قد بَاشر وقف الْأَشْرَاف بعفة ونهضة وَأنْفق للأشراف فِي كل سنة أَزِيد مِمَّا كَانَت عَادَتهم. وَفِيه خلع على صدر الدّين أَحْمد بن العجمي وَاسْتقر فِي نظر الْكسْوَة عوضا عَن شرف الدّين الْمَذْكُور وَفِي نظر الجوالي عوضا عَن قَاسم بن البُلْقِينِيّ وخلع على الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر ابْن الْأَمِير فَخر الدّين بن أبي الْفرج وَاسْتقر كاشف الشرقية. وَكَانَ الْكَشْف بيد الْأَمِير أرغون شاه أستادار. وَفِي سَابِع عشرينه: قبض على أرغون شاه الْمَذْكُور لعَجزه - مَعَ ظلمه وعسفه - عَن جامكية المماليك فَإِن مَصْرُوف الدِّيوَان الْمُفْرد عظم وَصَارَت الْبِلَاد المفردة لَهُ - مَعَ مظالم الْعباد - لَا تفي بِهِ. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شمس الدّين مُحَمَّد بن مُوسَى المرداوي الْمَعْرُوف بِابْن أبي وافي وَاسْتقر أستادارا عوضا عَن أرغون شاه. وعوقب
أرغون شاه بَين يَدي السُّلْطَان. وَمن خبر ابْن أبي وَالِي هَذَا أَن أَبَاهُ من تجار الْقُدس وتزيا هُوَ بزِي الأجناد وخدم أستادار الْأَمِير جقمق الدوادار فِي أَيَّام الْمُؤَيد بديار مصر مُدَّة ثمَّ صادره وَصَرفه فخدم أستادار نَائِب الشَّام مُدَّة. وَكثر مَاله فأحضر من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة فِي هَذَا الشَّهْر وألزم بِحمْل عشْرين ألف دِينَار فوعد أَن يحمل فِي هَذَا الْيَوْم ثَلَاثَة آلَاف دِينَار. فَلَمَّا قبض على أرغون شاه سَوَّلت لَهُ نَفسه وزين لَهُ شَيْطَانه أَن يكون أستادارا ويسد الْمبلغ الَّذِي ألزم بِهِ وَفِيه خلع أَيْضا على كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن الْوَزير الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق ابْن كَاتب المناخ وَاسْتقر فِي الوزارة عوضا عَن أرغون شاه. وَفِي تَاسِع عشرينه: سلم أرغون شاه إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي وَالِي أستادار ليستخلص مِنْهُ سِتِّينَ ألف دِينَار فَنزل من القلعة مَعَ أعوان الْوَالِي حَتَّى دخل دَاره الَّتِي كَانَ يسكنهَا أرغون شاه وَقد سكنها ابْن أبي وَالِي فعندما دَخلهَا بَكَى وَكَانَ فِي بلائه هَذَا أعظم عِبْرَة. وَذَلِكَ أَن ابْن وَالِي فِي ابْتِدَاء حَاله كَانَ من جملَة أجناد أرغون شاه الَّذين يخدمونه أَيَّام عمله وَهُوَ أستادار نوروز الحافظي فدارت الدَّوَائِر حَتَّى صَار ابْن أبي وَالِي أستادار عوضا عَن أرغون شاه وَسكن فِي دَاره بِالْقَاهِرَةِ الَّتِي كَانَ بالْأَمْس يتَرَدَّد إِلَيْهِ فِيهَا. وَيجْلس حَتَّى يسْتَأْذن لَهُ عَلَيْهِ. ثمَّ أَخذ ليعلقه فِي هَذِه الدَّار يحضرهُ من كَانَ يَخْدمه بهَا. أعاذنا الله تَعَالَى من سوء الْعَاقِبَة وَزَوَال نعمه ورزقنا الْعَافِيَة بمنه وَكَرمه. وَفِيه خلع على الْأَمِير إينال النوروزي الَّذِي كَانَ نَائِبا بطرابلس وَاسْتقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن أقبغا التمرازي نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة. شهر ذِي الْقعدَة أَوله يَوْم الْخَمِيس: فِيهِ قدم للسُّلْطَان إخْوَان من بِلَاد الجركس فِي سِتِّينَ من الجراكسة فَخرج الْأُمَرَاء إِلَى لقائهم. وَفِيه توجه الْأَمِير قجق أَمِير سلَاح والأمير أركماس الظَّاهِرِيّ أحد مقدمي الألوف وَالْقَاضِي زين الدّين عبد الباسط نَاظر الجيوش إِلَى مَكَّة على الرَّوَاحِل حاجين. وَفِي رابعه: تقرر على أرغون شاه عشرَة آلَاف دِينَار حَالَة يقوم بهَا ويمهل فِي مبلغ عشْرين ألف دِينَار مُدَّة فأفرج عَنهُ.
وَفِي سادسه: وصلت هَدِيَّة الْأَمِير قصروه نَائِب طرابلس وَهِي مائَة وَخَمْسُونَ فرسا وَكثير من القماش والفرو. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: هَبَط مَاء النّيل سَرِيعا مَعَ فَسَاد جسور النواحي من سوء سيرة وُلَاة عَملهَا فَانْقَطَعت مِنْهَا مقاطع كَثِيرَة شَرق بِسَبَبِهَا عدَّة أَرَاضِي بِالْوَجْهِ القبلي وبالوجه البحري وبالجيزة فنسأل الله اللطف. هَذَا والغلال رخيصة فالقمح بِمِائَة وَأَرْبَعين درهما من الْفُلُوس كل أردب وَالشعِير والفول بسبعين درهما الأردب. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشره - الْمُوَافق لَهُ ثَانِي عشْرين بَابه -: وَالشَّمْس فِي الدرجَة الْخَامِسَة من برج الْعَقْرَب حدث فِي السَّمَاء راعد شَدِيد وبرق ثمَّ مطر كثير جدا لم تعهد مثله فِي مثل هَذَا الزَّمَان. وَمَعَ ذَلِك فالحر مَوْجُود فسبحان الفعال لما يُريدهُ. وَفِي سادس عشره: قدم الْأَمِير جَانِبك الخازندار من الشَّام وَقد قلد النواب فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر دوادارا ثَانِيًا عوضا عَن الْأَمِير قرقماس المتوجه إِلَى الْحجاز بِحكم انْتِقَاله إِلَى تقدمة ألف. وجانبك هَذَا رباه السُّلْطَان صَغِيرا فحفظ حق التربية بِحَيْثُ أَن جقمق نَائِب الشَّام لما ثار بعد موت الْمُؤَيد وَقبض على السُّلْطَان وَهُوَ يَوْمئِذٍ من أُمَرَاء دمشق وسجنه بذل الرغائب لجانبك هَذَا فَلم تستمله الدُّنْيَا وَثَبت على خدمَة أستاذه حَتَّى خلصه الله فوفى السُّلْطَان لَهُ بذلك وأنعم عَلَيْهِ بإمرة عشرَة ثمَّ إمرة طبلخاناة وَبَعثه لتقليد نواب الشَّام فأثرى. وَلما قدم صَار دواداراً. وَفِي الْحَقِيقَة هُوَ صَاحب التَّدْبِير فِي الدولة نقضا وإبراماً لِكَثْرَة اخْتِصَاصه بالسلطان ومزيد قربه مِنْهُ. وَفِي سادس عشرينه: ثارت المماليك بأستادار لعَجزه عَن تَكْمِلَة النَّفَقَة وضربوه ففر حَتَّى التجأ إِلَى بَيت بعض الْأُمَرَاء. وَفِي ثامن عشرينه: ختم على مطابخ السكر وألزم من يدولب طبخ السكر أَلا يتَعَرَّض أحد مِنْهُم لعمله ومنعت باعة السكر وباعة الْحَلْوَى من شِرَاء السكر إِلَّا من سكر السُّلْطَان. وَعمل لذَلِك ديوَان وأقيم لَهُ جمَاعَة ليدولبوا السكر فَامْتنعَ كل أحد من بيع السكر إِلَّا السُّلْطَان وَمن شراه إِلَّا من سكر السُّلْطَان فَضَاقَ النَّاس ذرعاً بذلك وتضرر بِهِ جمَاعَة عديدة. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْجُمُعَة:
فِي ثالثه: ركب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان للسرحة فِي عدَّة من الْأُمَرَاء حَتَّى اصطاد وَدخل الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وَصعد القلعة من بَاب زويلة. ومولده فِي سنة تسع عشرَة. وَركب أَيْضا فِي سادسه. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: اشْتَدَّ الفحص عَن الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي وعوقب بعض الممالك حَتَّى هلك بِسَبَبِهِ. وَقبض على أصهاره وعوقب بَعضهم وَأخذت لَهُ أَشْيَاء وجدت لَهُ. وفيهَا تحرّك سعر الغلال وفشت الْأَمْرَاض فِي النَّاس من الحميات. وَفِي لَيْلَة السبت سادس عشره: زلزلت الْقَاهِرَة زَلْزَلَة كلمح الْبَصَر ثمَّ زلزلت كَذَلِك فِي لَيْلَة الْأَحَد. وَفِي حادي عشرينه: ألزم النَّاس أَن لَا يتعاملوا بِالذَّهَب الإفرنتي المشخص إِلَّا من حِسَاب كل دِينَار بمائتين وَعشْرين فُلُوسًا وَكَانَ آخر مَا اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال أَن الدِّينَار بمائتين وَخَمْسَة وَعشْرين فَلم يتَغَيَّر صرفه عَن ذَلِك مُدَّة إِلَى أثْنَاء هَذِه السّنة زَادَت الْعَامَّة فِي صرفه حَتَّى بلغ مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَأنْكر السُّلْطَان ذَلِك عِنْدَمَا بلغه ورسم أَن ينقص كل دِينَار عشرَة دَرَاهِم حَتَّى يبقي بمائتين وَعشْرين درهما فخسر النَّاس مَالا كثيرا. وَفِي ثامن عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا برخاء الأسعار وَكَثْرَة الأمطار وَأَن الشريف حسن بن عجلَان لم يُقَابل أَمِير الْحَاج ونزح عَن مَكَّة لما بلغه من الإرجاف بمسكه فَنُوديَ من يَوْمه بِعرْض الأجناد البطالين ليجهزوا إِلَى التجريدة بعد النَّفَقَة عَلَيْهِم لغزو مَكَّة فاستشنع ذَلِك. وَفِيه كبست عدَّة أَمَاكِن بِسَبَب جَانِبك الصُّوفِي فَلم يُوجد. وَفِي هَذِه السّنة: اشْتَدَّ غضب متملك الْحَبَشَة وَهُوَ أبرم - وَيُقَال لَهُ إِسْحَاق بن دَاوُد بن سيف أركد - بِسَبَب غلق كَنِيسَة قمامة بالقدس وَقتل عَامَّة من فِي بِلَاده من الرِّجَال الْمُسلمين واسترق نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادهمْ وعذبهم عذَابا شَدِيدا وَهدم مَا فِي مَمْلَكَته من الْمَسَاجِد وَركب إِلَى بِلَاد جبرت فَقَاتلهُمْ وَقتل عَامَّة من فِيهَا وسبى نِسَاءَهُمْ وذراريهم وَهدم مَسَاجِدهمْ فَكَانَت فِي الْمُسلمين ملحمة عَظِيمَة جدا لَا يُحْصى عدد من قتل فِيهَا. وَفِي هَذِه السّنة: حدث أَمر النَّاس فِي غَفلَة عَنهُ معرضون وَهُوَ أَنه أَخْبرنِي من لَا
أتهم فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَسَبْعمائة. أَن الأرضية الَّتِي من طبعها إِفْسَاد الْكتب وَالثيَاب الصُّوف أكلت لَهُ بِنَاحِيَة مرج الزيات - ظَاهر الْقَاهِرَة - ألفا وَخَمْسمِائة قَتَّة دريس وَهَذَا الدريس يحملهُ خَمْسَة عشر جملا وَأكْثر. فَكثر تعجبي من ذَلِك وَمَا زلت أفحص عَنهُ على عادتي فِي الفحص عَن أَحْوَال الْعَالم حَتَّى وقفت على أَن ضَرَر الأرضة تعدى بِنَاحِيَة مرج الزيات فأتلفت الأخشاب وَالثيَاب عِنْدهم وقوى ضررها حَتَّى شاهدت تِلْكَ الأعوام حَوَائِط الْبَسَاتِين الَّتِي بِنَاحِيَة المطرية وَقد جددت الأرضية فِيهَا أخاديد طوَالًا. ثمَّ لما كَانَ بعد سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة كثر عَبث الأرضة بالحسينية خَارج الْقَاهِرَة حَتَّى صَارَت أخشاب سقوف الدّور ترى مجوفة من داخلها فشرع أَرْبَابهَا فِي الْهدم حَتَّى أَتَوا على مُعظم تِلْكَ الديار والأرضة ضررها يفحش إِلَى أَن وصلت الدّور الَّتِي بِبَاب النَّصْر. وَقد كثر ضررها أَيْضا بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة. وَحدثت فِي هَذِه الأعوام بِمَكَّة أَيْضا وَفِي سقف الْكَعْبَة. وَلَقَد مر بِي قَدِيما فِي كتب الْحدثَان مِمَّا أنذر بِوُقُوعِهِ فِي هَذَا الزَّمَان أَن يُسَلط على النَّاس الْحَيَوَان الرَّدِيء فَكنت أفكر فِي ذَلِك زَمَانا وَأَقُول كَيفَ يُسَلط الْحَيَوَان على النَّاس وأحسب ذَلِك من جملَة مَا رمزوه حَتَّى كَانَ من أَمر الأرضة مَا كَانَ فَعلمت أَنَّهَا هِيَ الْحَيَوَان المعني ولعمري هَذَا أَمر لَهُ مَا بعده. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر تَاج الدّين فضل الله بن الرَّمْلِيّ نَاظر الدولة فِي حادي عشْرين صفر وباشر نظر الدولة عدَّة سِنِين وأناف على الثَّمَانِينَ وَسُئِلَ بالوزارة غير مرّة فَامْتنعَ. وَكَانَ من ظلمه الْكتاب الأقباط وفساقهم. وَقتل نَاصِر الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن صَالح قَاضِي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة لَيْلَة السبت رَابِع عشْرين صفر.
وَقتل نَاصِر الدّين مُحَمَّد باك بن عَليّ باك بن قرمان متملك بِلَاد قرمان فِي صفر بِحجر مدفع أَصَابَهُ فِي حَرْب مَعَ عَسَاكِر مُرَاد بن كرشجي متملك برصا. وَقد ذكرنَا قدومه أَسِيرًا فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ ثمَّ أفرج عَنهُ بعد مَوته. وَمَات الْأَمِير قطلوبغا التنمي أحد أُمَرَاء الألوف فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ وَهُوَ بطال بِدِمَشْق. فِي لَيْلَة السبت سَابِع عشْرين ربيع الأول. وَمَاتَتْ خوند زَيْنَب ابْنة الظَّاهِر برقوق فِي لَيْلَة السبت ثامن عشْرين ربيع الآخر وَهِي آخر من بَقِي من أَوْلَاد الظَّاهِر لصلبه. وَمَاتَتْ ابْنَتي فَاطِمَة يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشْرين ربيع الأول وَهِي آخر من بَقِي من أَوْلَادِي عَن سبع وَعشْرين سنة وَسِتَّة أشهر. وَمَات الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل الجشاري نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة - كَانَ - وَهُوَ من حَملَة أُمَرَاء دمشق فِي شهر رَجَب. وَمَات الْأَمِير تنبك ميق العلاي نَائِب الشَّام فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشر شعْبَان. وَكَانَ مَعَ ظلمه سخيفاً مَاجِنًا متجاهراً. وَهُوَ من جملَة المماليك الَّذين أثاروا الْفِتَن. وفر من النَّاصِر فرج وَلحق بشيخ المحمودي وَهُوَ بِبِلَاد الشَّام فَلَزِمَهُ حَتَّى تسلطن فرقاه كَمَا تقدم. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زرْعَة أَحْمد بن الشَّيْخ زين الدّين عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن الْعِرَاقِيّ الشَّافِعِي فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه عَن خمس وَسِتِّينَ سنة. وَقد نَشأ على أجمل طَريقَة وبرع فِي الحَدِيث الشريف وَالْفِقْه وشارك فِي فنون وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ عَن الْعِمَاد أَحْمد بن عِيسَى الكركي وَمن بعده. ثمَّ ترفع عَن ذَلِك وتصدى للإفتاء والتدريس حَتَّى وَفِي الْقَضَاء ثمَّ صرف عَنهُ كَمَا تقدم. وَمَات علم الدّين دَاوُد بن زين عبد الرَّحْمَن بن الكويز الكركي كَاتب السِّرّ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخه وَلم يبلغ الْخمسين سنة. وَدفن خَارج الْقَاهِرَة. وَكَانَ الْجمع فِي جنَازَته موفوراً. وَقد كَانَ أَبوهُ من كتاب الكرك النَّصَارَى يُقَال لَهُ جرجس فأظهر الْإِسْلَام وَتسَمى عبد الرَّحْمَن وباشر عدَّة جِهَات بالكرك ودمشق والقاهرة آخرهَا
نظر الدولة. وخدم ابْنه دَاوُد هَذَا فِي الجيزة ثمَّ لحق بِالشَّام وباشر نظر جَيش طرابلس. واتصل بالمؤيد شيخ المحمودي - هُوَ وَأَخُوهُ صَلَاح الدّين خَلِيل فولاه نظر الْجَيْش بِدِمَشْق. وَعمل أَخَاهُ صَلَاح الدّين فِي ديوانه فَقبض عَلَيْهِمَا فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وحملا إِلَى الْقَاهِرَة على حِمَارَيْنِ فِي أَسْوَأ حَال. ثمَّ أفرج عَنْهُمَا ففرا إِلَى دمشق. وَمَا زَالا فِي خدمَة شيخ حَتَّى قدم بهما إِلَى مصر وتسلطن فولي دَاوُد هَذَا نظر الْجَيْش ثمَّ ولاه ططر كِتَابَة السِّرّ. وَكَانَت تُؤثر عَنهُ فَضَائِل مِنْهَا أَنه يلازم الصَّلَاة وَصِيَام أَيَّام الْبيض من كل شهر ويتنزه عَن القاذورات الْمُحرمَة كَالْخمرِ واللواط وَالزِّنَا وَيتَصَدَّق كل يَوْم على الْفُقَرَاء إِلَّا أَنه كَانَ متعاظماً صَاحب حجاب وَإِعْجَاب مَعَ بعد عَن جَمِيع الْعُلُوم. وَلكنه فِي الْأَلْفَاظ ذُو شح زَائِد وحفظت عَلَيْهِ أَلْفَاظ تكلم بهَا سخر النَّاس مِنْهَا زَمَانا وهم يتناقلونها وَكَانَ مهاباً إِلَى الْغَايَة مُتَمَكنًا فِي الدولة موثوقاً بِهِ فِيهَا بِحَيْثُ مَاتَ وَلَا أحد أعلا رُتْبَة مِنْهُ. وَمَات قَاضِي الْقُضَاة مجد الدّين سَالم بن سَالم بن أَحْمد الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشْرين ذِي الْقعدَة وَقد بلغ الثَّمَانِينَ وابتلى بالزمانة والعطلة عدَّة سِنِين وَكَانَ يعد من نبهاء الْحَنَابِلَة وخيارهم. وباشر الْقَضَاء.