الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة)
شهر الله الْمحرم أَوله الِاثْنَيْنِ: فَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ خَامِس عشره: حدث مَعَ غرُوب الشَّمْس برق متوال تبعه رعد شَدِيد ثمَّ مطر غزير وَاسْتمرّ مُعظم اللَّيْل فَلم يدْرك بِمصْر مثله برقاً ورعداً وَلَا عهدنا مثل غزارة هَذَا الْمَطَر فِي أثْنَاء فصل الخريف. وَقدم الْخَبَر بِأَنَّهَا أمْطرت وَقت الْعشَاء من لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثامنه بِنَاحِيَة بني عدي من البهنساوية بردا فِي قدر بَيْضَة الدَّجَاجَة وَمَا دونهَا كبيضة الْحَمَامَة فَهَلَك بِهِ من الدَّجَاج وَالْغنم وَالْبَقر شَيْء كثير فَهَلَك لرجل سِتُّونَ رَأْسا من الضَّأْن وَهلك لآخر خَمْسُونَ رَأْسا من الْمعز وَلم يتَجَاوَز هَذَا الْبرد بني عدي وَكَانَ مَعَ الْبرد والمطر راعد مرعب من شدته وبرق متوال ورياح عَاصِفَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تتبع الْأَمِير قرقماس حَاجِب الْحجاب مَوَاضِع الْفساد فأراق من الْخُمُور وَحرق من الحشيشة الْمُغيرَة لِلْعَقْلِ شَيْئا كثيرا وَهدم مَوَاضِع وَمنع من الِاجْتِمَاع فِي مَوَاضِع الْفساد. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم ركب الْحَاج الأول صُحْبَة الْأَمِير أينال الششماني وَقدم من الْغَد محمل الْحَاج ببقيتهم. وَحدث فِي هَذَا الشَّهْر: ثَلَاث مظالم إِحْدَاهَا: أَنه كَانَ قد تقرر فِي الْعَام الْمَاضِي مَعَ الفاضي كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن بركَة نَاظر الْخَاص أَن تعفي تجار الشَّام ومشهد عَليّ والكوفة وَالْبَصْرَة الَّذين يتبضعون من متاجر الْهِنْد من الْقدوم من مَكَّة إِلَى الْقَاهِرَة بضاعتهم وَأَن يقومُوا عَن كل جمل بِثَلَاثَة دَنَانِير وَنصف فَانْتقضَ ذَلِك فِي الْمَوْسِم بِمَكَّة وألزم سَائِر التُّجَّار أَن يحضروا من مَكَّة ببضائعهم صُحْبَة الركب وتتبعوا بِحَيْثُ لم يقدر أحد مِنْهُم أَن يتَأَخَّر بِمَكَّة وَلَا يتَوَجَّه إِلَى الشَّام بل حَضَرُوا بأجمعهم وأقيمت عَلَيْهِم الأعوان فِي طول الطَّرِيق بتفقدهم وَبعد أجمالهم حَتَّى قدمُوا صُحْبَة الْحَاج فَحل بهم من الْبلَاء مَا لَا يُوصف. ثَانِيهَا: أَنه منع بالإسكندرية أَن ينصب قبان لوزن بضَاعَة أحد من التُّجَّار فَامْتنعَ الكافة من بيع النَّهَار على الفرنج وألزم الفرنج بشرَاء فلفل السُّلْطَان الْمحْضر من جدة بِمِائَة وَعشْرين دِينَارا الْحمل وَكَانَت قِيمَته مَعَ التُّجَّار ثَمَانِينَ دِينَارا فَأخذ الفرنج مِنْهُ مَا وصلت قدرَة مباشري السُّلْطَان أَن يبيعوه عَلَيْهِم وامتنعوا من أَخذ بَقِيَّته وَرَجَعُوا بِكَثِير مِمَّا حملوه من بضائعهم إِلَى بِلَادهمْ فَشَمَلَ التُّجَّار وَغَيرهم من ذَلِك ضَرَر كَبِير.
ثَالِثهَا: أَنه بلغ السُّلْطَان أَن التُّجَّار الْوَارِدَة إِلَى الْقَاهِرَة من الْموصل وحماة ودمشق تربح فِيمَا تجلبه من الثِّيَاب المنسوجة من الْقطن مَالا كثيرا فألزم السماسره أَن لَا تبيع لأحد من هَذَا الصِّنْف شَيْئا بل يكون بأجمعه متجراً للسُّلْطَان فَأخذ تَاجر وَمَعَهُ ثَمَانُون ثوبا وَأخذ آخر وَمَعَهُ عشرَة ثِيَاب وقومت بِأَقَلّ من ثمنهَا فِي بلادها وَكتب إِلَى بِلَاد الشَّام بِأَن لَا تمكن التُّجَّار من حمل شَيْء من ذَلِك إِلَى الْقَاهِرَة فصادف قدوم قفل من الْموصل إِلَى مَدِينَة حماة بِثِيَاب موصلية فرسم عَلَيْهِم حَتَّى رحلوا من حماة. مِمَّا مَعَهم وعبروا إِلَى الْبَريَّة عائدين إِلَى بِلَادهمْ. وَاحْتج عَلَيْهِم بِأَنَّهُم ردوهم لِأَن طول الثِّيَاب نقص عَن ثَلَاثِينَ ذِرَاعا كل ثوب وَأَنه لَا يُمكن أحد مِنْهُم أَن يَبِيع ثوبا حَتَّى يكون ثَلَاثِينَ ذِرَاعا فِي عرض ذِرَاع وَنصف وَأَن لَا يكون فِيهَا ثوب يغلو ثمنه فَحل بِالنَّاسِ بلَاء لَا يُمكن حكايته وَخَربَتْ الْموصل بعد ذَلِك وَبَطل عمل الثِّيَاب بهَا كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقدم مَعَ ذَلِك الْحمل من جَزِيرَة قبرس وَفِيه ثِيَاب صوف فَحملت إِلَى دمشق وَهِي ثَمَانمِائَة ثوب مطرح الثَّوْب بِثمَانِيَة عشر دِينَارا وَيحْتَاج إِلَى دِينَار آخر كلفه فأبيع أحْسنهَا بِاثْنَيْ عشر دِينَارا فخسر كل ثوب سَبْعَة دَنَانِير وَطرح بهَا أَيْضا السكر الْمَعْمُول بالأغوار على النَّاس فَلم يكد يسلم أحد من الْأَخْذ مِنْهُ وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. شهر صفر أَوله الثُّلَاثَاء: فِيهِ جبيت أَثمَان البضائع بالعسف. وَفِي حادي عشرينه: كتب على يَد نجاب بِحُضُور الطواشي فَيْرُوز الساقي من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة. شهر ربيع الأول أَوله الْخَمِيس: فِيهِ ترك طَائِفَة كَبِيرَة من مماليك السُّلْطَان الجلب الَّذين يسكنون الطباق بقلعة الْجَبَل إِلَى بَيت الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر بن أبي الْفرج أستادار وتسوروا الجدران حَتَّى دَخَلُوهُ فنهبوا مَا فِيهِ وَكَانَ غَائِبا عَنهُ وعبثوا فِي طريقهم بِالنَّاسِ فَأخذُوا مَا قدرُوا على أَخذه ثمَّ مضوا إِلَى بَيت نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد ثمَّ إِلَى بَيت الْوَزير فأدركهم مقدم المماليك والزمام وتلطفا بهم حَتَّى انصرفوا عَن بَيت الْوَزير وَسبب ذَلِك تَأَخّر جوامكهم بالديوان الْمُفْرد لشهرين فَلَمَّا شكوا ذَلِك إِلَى السُّلْطَان قَالَ لَهُم امضوا إِلَى المباشرين. فنزلوا وَكَانَ يَوْمًا شنعاً.
وَفِي خامسه: نُودي بِمَنْع النَّاس من الْمُعَامَلَة بِالدَّرَاهِمِ البندقية وَالدَّرَاهِم اللنكية فامتنعوا وتصدى جمَاعَة لأخذها بِأَقَلّ من قيمتهَا لعلمهم بِأَن الدولة لَا يمْضِي لَهَا أَمر وَلَا تثبت على حَال فخسر طوائف من النَّاس جملَة وَربح آخَرُونَ. وَفِي حادي عشره: قبض على الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر أستادار وَضرب ثمَّ خلع عَلَيْهِ من الْغَد وَاسْتقر على عَادَته. شهر ربيع الآخر أَوله الْجُمُعَة: أهل وَقد ارْتَفع سعر الْقَمْح من أَرْبَعمِائَة دِرْهَم الأردب إِلَى أَرْبَعمِائَة وَخمسين وَالشعِير من مائَة وَثَمَانِينَ درهما الأردب إِلَى ثَلَاثمِائَة. والفول بِنَحْوِ ذَلِك وأبيعت البطة من الدَّقِيق بِمِائَة وَأَرْبَعين درهما هَذَا والبهائم مرتبطة على البرسيم الْأَخْضَر. وَمن الْعَادة انحطاط أسعار الغلال فِي مثل هَذَا الْوَقْت غير أَن الاحتكار على الغلال متزايد والطمع فِي غلاء أثمانها كثير. وَفِي ثامنه: نُودي أَن تكون الْفُلُوس بِثمَانِيَة عشر درهما الرطل وَقد كَانَ النَّاس تضرروا من قلَّة وجود الْفُلُوس فَإِن التُّجَّار أكثرت من حملهَا إِلَى بِلَاد الْهِنْد وَغَيرهَا لرخصها بِالنِّسْبَةِ إِلَى سعر النّحاس الْأَحْمَر الَّذِي لم يضْرب. وَفِي يَوْم السبت سادس عشره: وكب السُّلْطَان بِثِيَاب جُلُوسه وَنزل من قلعة الْجَبَل إِلَى بَيت القَاضِي زين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش فَأَقَامَ عِنْده قَلِيلا وَعَاد إِلَى القلعة فَحمل إِلَيْهِ عبد الباسط من الْغَد ألفي دِينَار وخيلاً وبغالاً. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تكَرر ركُوب السُّلْطَان مرَارًا. وَفِيه ارْتَفع الْقَمْح إِلَى خَمْسمِائَة دِرْهَم الأردب وأبيع الْأرز بِأَلف دِرْهَم الأردب بعد خَمْسمِائَة. وَفِي سادس عشرينه: تقدم أَمر قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أبي الْفضل أَحْمد بن عَليّ ابْن حجر إِلَى الشُّهُود الجالسين بالحوانيت للتكسب بتحمل الشَّهَادَات بَين النَّاس أَن لَا يكتبوا صدَاق امْرَأَة إِلَّا بِأحد النَّقْدَيْنِ الدَّرَاهِم الْفضة أَو الدَّنَانِير الذَّهَب. وأدركناهم يَكْتُبُونَ الصداقات من الذَّهَب وَالْفِضَّة الَّتِي هِيَ الدَّرَاهِم النقرة. فَلَمَّا راجت الْفُلُوس رسم قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين عبد الرَّحْمَن البُلْقِينِيّ - رَحمَه الله تَعَالَى - فِي سنة سِتّ وَثَمَانمِائَة أَن لَا تكْتب صداقات النِّسَاء وأجاير الدّور وسجلات الْأَرَاضِي وعهد الرَّقِيق من العبيد وَالْإِمَاء ومساطير الدُّيُون إِلَّا من الْفُلُوس الجدد مُعَاملَة الْقَاهِرَة فاستمر ذَلِك إِلَى الْآن.
وَفِي هَذَا الشَّهْر: أُعِيد الْحجر على السكر ورسم أَن لَا يَشْتَرِيهِ أحد وَلَا يَبِيعهُ إِلَّا السُّلْطَان ثمَّ بَطل ذَلِك. وَفِيه عثر على بعض تجار الْعَجم المنتمين إِلَى الْإِسْلَام وَقد توجه من عِنْد الحطي ملك الْحَبَشَة إِلَى الفرنج يحثهم على الْقيام مَعَه لإِزَالَة دين الْإِسْلَام وَأَهله وَإِقَامَة الْملَّة العيسوية فَإِنَّهُ قد عزم على أَن يسير من بِلَاد الْحَبَشَة فِي الْبر بعساكره فتلاقوه بجموعكم فِي الْبَحْر إِلَى سواحل بِلَاد الْمُسلمين فسلك هَذَا التَّاجِر الْفَاجِر فِي مسيره من الْحَبَشَة الْبَريَّة حَتَّى صَار من وَرَاء الواحات إِلَى وَرَاء الْمغرب وَركب مِنْهَا الْبَحْر إِلَى بِلَاد الفرنج ودعاهم للثورة مَعَ الحطي على إِزَالَة مِلَّة الْإِسْلَام وَأَهْلهَا وَاسْتعْمل بِتِلْكَ الْبِلَاد عدَّة ثِيَاب مذهبَة باسم الحطي ورقمها بالصلبان فَإِنَّهُ شعارهم وَقدم من بِلَاد الفرنج فِي الْبَحْر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَمَعَهُ الثِّيَاب الْمَذْكُورَة وراهبان من رُهْبَان الْحَبَشَة فنم عَلَيْهِ بعض عبيده فأحيط بمركبه وَحمل هُوَ والراهبان وَجَمِيع مَا مَعَه إِلَى السُّلْطَان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كشف عَن أَمر الدِّيوَان الْمُفْرد وَاعْتبر متحصله فِي السّنة ومصروفه فَإِذا هُوَ يعجز مبلغ سِتِّينَ ألف دِينَار عَن جَمِيع مَا يرد إِلَيْهِ من خراج النواحي والحمامات والمستأجرات ورماية البضائع وغرامات الْبِلَاد فعين لَهُ مبلغ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار برسم المتجر السلطاني وَأول مَا بَدَأَ بِهِ من ذَلِك تحكير صنف السكر فَلَا يدولب زراعة الْقصب واعتصاره وَعمل القند سكر ثمَّ بيع السكر إِلَّا السُّلْطَان وَأَن توزع الثَّلَاثِينَ ألف الْأُخْرَى على الْكَشَّاف والولاة ثمَّ أهمل وَلم يتم وَللَّه الْحَمد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ألزم دلالو الْخَيل أَن لَا يبيعوا فرسا لمتعمم وَلَا لجندي من أَوْلَاد النَّاس ثمَّ بَطل ذَلِك. وَفِي سادس عشرينه: قدم الطواشي فَيْرُوز الساقي من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة باستدعاء فأعيد على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْخدمَة. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: انحل سعر الغلال وانحط الْقَمْح عَن خَمْسمِائَة دِرْهَم الأردب وَفرقت الْحمال على الْأُمَرَاء برسم التجريدة إِلَى بِلَاد الشَّام وحلب. وَفِي يَوْم السبت سلخه: كثر الإرجاف بِأخذ خُيُول النَّاس من مرابطها على البرسيم بالنواحي فسارع كل أحد إِلَى أَخذ خيله وقودها من الرّبيع إِلَى الاصطبلات فَمنهمْ من نجا بهَا وَمِنْهُم من عوجل فَأخذت خيله وسلمت إِلَى أَمِير أخور وَسبب ذَلِك أَن الْخُيُول شنع هلاكها فنفق للسُّلْطَان ومماليكه نَحْو الألفي فرس ثمَّ وقف جمَاعَة للسُّلْطَان فأفرج لَهُم عَن خيولهم فَأَخَذُوهَا.
وَفِي هَذَا الشَّهْر: هدم علو بَيت الْأَمِير منجك بِخَط رَأس سويقة منعم قَرِيبا من مدرسة السُّلْطَان حسن وأبيعت أنقاضه لرجل بألفي دِينَار فَبَاعَهَا هُوَ فِي النَّاس وَكَانَ من جملَة أوقاف صهريج منجك وَسبب هَدمه أَن الْأُمَرَاء كَانَت تسكنه وَلَا تُعْطِي لَهُ أجره فَإِذا تهدم فِيهِ مَوضِع ألزموا مباشري الْوَقْف بعمارته وَرَأى النَّاس أَن هَذَا فأل رَدِيء فَإِنَّهُ قيل وَقع الخراب فِي بيُوت الْأُمَرَاء. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْأَحَد: فِي ثامنه: برز ركب يُرِيد الْمسير إِلَى مَكَّة المشرفة صُحْبَة سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة نَاظر جدة فِيهِ جمَاعَة كَبِيرَة. وَفِي رَابِع عشرينه: استدعى قُضَاة الْقُضَاة للنَّظَر فِي أَمر نور الدّين عَليّ بن الخواجا التَّاجِر التوريزي المتوجه برسالة الحطي ملك الْحَبَشَة إِلَى الفرنج فَاجْتمعُوا بَين يَدي السُّلْطَان وَندب قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي للكشف عَن أمره وإمضاء حكم الله فِيهِ فنقله من سجن السُّلْطَان إِلَى سجنه فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَة بِمَا أوجب عِنْده إِرَاقَة دَمه فشهر فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشرينه على جمل بِمصْر وبولاق وَنُودِيَ عَلَيْهِ هَذَا جَزَاء من يجلب السِّلَاح إِلَى بِلَاد الْعَدو ويلعب بالدينين. ثمَّ أقعد تَحت شباك الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين وَضربت عُنُقه. وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً نَعُوذ بِاللَّه من سوء الْعَاقِبَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: سَار الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر بن أبي الْفرج أستادار إِلَى النواحي فَفرض على كل بلد مَالا سَمَّاهُ الضِّيَافَة ليستعين بذلك على عجز الدِّيوَان الْمُفْرد لنفقة المماليك السُّلْطَانِيَّة فجبي مَالا كثيرا فَإِنَّهُ كَانَ يَأْخُذ من الْبَلَد مائَة دِينَار وَيَأْخُذ من أُخْرَى دون ذَلِك على حسب مَا يرَاهُ فاختل حَال الفلاحين خللاً يظْهر أَثَره فِيمَا بعد وَالله الْمُسْتَعَان. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ استدعى شيخ الشُّيُوخ شهَاب الدّين أَحْمد بن الصّلاح - الْمَعْرُوف بِابْن المحمرة - شيخ الخانكاه الصلاحية سعيد السُّعَدَاء إِلَى مجْلِس السُّلْطَان وَعرض عَلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق فَقبله فَخلع عَلَيْهِ عوضا عَن بهاء الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين عمر بن حجي. وَكَانَ السُّلْطَان قد استدعى قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح ابْن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَسَأَلَهُ بذلك فَلم يقبل وَكَانَ مُنْذُ صرف عَن الْقَضَاء ملازماً لداره وَهُوَ مقبل على الميعاد فِي كل يَوْم جُمُعَة بمدرسة أَبِيه وعَلى التدريس والإفتاء.
وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِيه: خلع على جمال الدّين يُوسُف بن الصفي الكركي وَاسْتقر فِي نظر الْجَيْش بِدِمَشْق عوضا عَن السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عدنان. وَكَانَ الْجمال مُنْذُ عزل عَن كِتَابَة السِّرّ مُقيما بِالْقَاهِرَةِ. وَفِيه كتب بانتقال شهَاب الدّين أَحْمد بن الكشك من قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق إِلَى قَضَاء طرابلس عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الصَّفَدِي ثمَّ بَطل ذَلِك وَاسْتقر الصَّفَدِي عوضا عَن ابْن الكشك فِي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق. وَفِي ثامن عشره: توجه قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن المحمرة وَالْقَاضِي جمال الدّين يُوسُف بن الصفي إِلَى مَحل ولايتهما بِدِمَشْق وَعين أحد الخاصكية مُسْفِرًا مَعَهُمَا وَأَن يحضر الصَّفَدِي من طرابلس إِلَى قَضَاء دمشق على أَن يَأْخُذ من الثَّلَاثَة ألف وثلاثمائة دِينَار ذَهَبا يخص ابْن المحمرة مِنْهَا ثَلَاثمِائَة دِينَار وَتبقى الْألف نِصْفَيْنِ على ابْن الصفي والصفدي وَلم تجر الْعَادة بِأَن يخرج مُسْفِر مَعَ متعمم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: نزل الْقَمْح إِلَى مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ درهما الأردب بعد خَمْسمِائَة. وأبيع بِمِائَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب بعد أَن كَانَ بثلاثمائة وأبيعت البطة من الدَّقِيق بتسعين درهما بعد مَا بلغت مائَة وَخمسين درهما. وَفِيه تتبع وَالِي الْقَاهِرَة العبيد السود وَقبض على عدَّة مِنْهُم لِكَثْرَة فسادهم ونفاهم من الْقَاهِرَة وَفِيه رسم بِأخذ الشّعير من النواحي لعجز الدِّيوَان عَن عليق خُيُول المماليك السُّلْطَانِيَّة فَأخذ من شعير النَّاس مَا قدر عَلَيْهِ. شهر رَجَب أَوله الْأَرْبَعَاء: أهل والقمح من مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا وَالشَّجر بِمِائَة وَثَلَاثِينَ درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا وَالذَّهَب عَزِيز الْوُجُود وَقد بلع الدِّينَار الأشرفي إِلَى مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما وَرخّص اللَّحْم حَتَّى أبيع لحم الضَّأْن بِسِتَّة الرطل وَلحم الْبَقر بأَرْبعَة دَرَاهِم الرطل. وَفِي ثامنه: خلع على جلال الدّين أَحْمد بن بدر الدّين مُحَمَّد بن مزهر بِكِتَابَة السِّرّ عوضا عَن أَبِيه. وَله من الْعُمر نَحْو خمس عشرَة سنة وخلع على شرف الدّين أبي بكر ابْن سُلَيْمَان الْأَشْقَر الْحلَبِي وَاسْتقر نَائِب كَاتب السِّرّ وألزم ابْن مزهر بِحمْل تسعين ألف دِينَار من تَرِكَة أَبِيه فشرع فِي بيع موجوده وَهُوَ أَصْنَاف كَثِيرَة مَا بَين بضائع للمتجر وَكتب علمية وَثيَاب بدنه وخيول وجمال ورقيق وَحمل مَا ألزم بِهِ.
وَفِي تاسعه: أدير محمل الْحَج فَكَانَ فِيهِ من نهب المماليك السُّلْطَانِيَّة لمآكل الباعة والتعرض للنِّسَاء والشباب فِي ليَالِي الزِّينَة شناعات اقْتَضَت تجمع السودَان وقتالهم المماليك عدَّة مرار فَقتل بَينهم رجلَانِ. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: قدم عدَّة تجار من الْموصل فَأخذ مِنْهُم مَا مَعَهم من الثِّيَاب الموصلية وقومت بِمَا لم يرضيهم ورسم أَن يكون صنف البعلبكي والعاتكي والموصلي للسُّلْطَان لَا يَشْتَرِيهِ مِمَّن يجلبه إِلَى الْقَاهِرَة ويبيعه فِي النَّاس إِلَّا هُوَ. وَفِيه حكر بيع الْحَطب من بِلَاد الصَّعِيد وَجعل من أَصْنَاف المتجر السلطاني وحكر بيع غلات النواحي بأسرها وَجعلت أَيْضا من جملَة المتجر السلطاني ثمَّ بَطل ذَلِك كُله وَللَّه الْحَمد. وَفِيه طرحت بضائع من المتجر السلطاني على النَّاس وَلم يعف أحد من التُّجَّار عَن أَخذهَا فارتفعت الْغلَّة من مِائَتَيْنِ وَعشْرين درهما الأردب إِلَى ثَلَاثمِائَة. وَفِي ثامنه: أَيْضا خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن صَالح الحلاوي الدِّمَشْقِي وَاسْتقر فِي وكَالَة بَيت المَال عوضا عَن نور الدّين عَليّ الصَّفَدِي وَكَانَ قد وَليهَا فِي الْأَيَّام الناصريه فرج مَعَ نظر الْكسْوَة. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب الشَّام وصحبته القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق فَحمل النَّائِب تقدمته فِي ثَالِث عشرينه وفيهَا مبلغ خَمْسَة عشر ألف دِينَار وخيل وَثيَاب حَرِير وفرو سمور وَغَيره فَأخذ السُّلْطَان الذَّهَب وَأعَاد مَا عداهُ إِعَانَة لَهُ على تقادمه لِلْأُمَرَاءِ. وَقدم الْكَمَال ثِيَاب حَرِير وفرو سمور بِنَحْوِ خَمْسمِائَة دِينَار. شهر شعْبَان المكرم أَوله الْخَمِيس: فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِيه: نزل من مماليك السُّلْطَان سكان الطباق بالقلعة جمَاعَة إِلَى بَيت الْوَزير كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ ونهبوه لتأخر لحمهم الْمُرَتّب لَهُم كل يَوْم. وَفِيه توجه نَائِب الشَّام وَمن مَعَه إِلَى دمشق على حَالهم بعد مَا ألزم النَّائِب بِحمْل خمسين ألف دِينَار حمل مِنْهَا خَمْسَة وَعشْرين ووعد أَن يُرْسل من دمشق خَمْسَة وَعشْرين. وَفِي ثالثه: خلع على نظام الدّين عمر بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُفْلِح وَاسْتقر فِي
قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق. وَكَانَ قد قدم الْقَاهِرَة وَعمل بالجامع الْأَزْهَر عدَّة مواعيد دلّت على حفظه وتفننه. وَفِي سادسه: ثارت فتْنَة بَين طَائِفَة من مماليك السُّلْطَان الجلب وَبَين طَائِفَة من مماليك الْأَمِير الْكَبِير شارقطلوا فَبَاتُوا على تخوف وَأصْبح الجلب تَحت القلعة فِي جمع كَبِير وَقد امْتنع الْأَمِير الْكَبِير مِنْهُم بداره - وَهِي تجاه بَاب السلسلة - فماج النَّاس وخشوا من النهب فَكَانَت حَرَكَة مزعجة بِالْقَاهِرَةِ من تكالب النَّاس على شِرَاء الْخبز والدقيق وانتشار أهل الْفساد فِي الشوارع للنهب ثمَّ سكن الْحَال وَأقَام الجلب يومهم لَا يقدرُونَ على الْأَمِير الْكَبِير لعجزهم وَقلة دريتهم بِالْحَرْبِ وَعدم السِّلَاح فَطلب السُّلْطَان ثَلَاثَة من مماليك الْأَمِير الْكَبِير وضربهم وسجنهم من أجل أَنهم أصل هَذِه الْفِتْنَة فخمد الشَّرّ وَللَّه الْحَمد. وَفِي خامسه: ورد إِلَى ميناء الْإسْكَنْدَريَّة خَمْسَة أغربة للفرنج وَبَاتُوا وَقد استعد لَهُم الْمُسلمُونَ ثمَّ واقعوهم من الْغَد وَقد أدركهم الْأَمِير زين الدّين ابْن أبي الْفرج أستادار فِي سابعه. وَكَانَ بتروجة وَمَعَهُ جمع كَبِير من الْعَرَب فَلَمَّا اشْتَدَّ الْأَمر على الفرنج انْهَزمُوا وردوا من حَيْثُ أَتَوا فِي يَوْم الْأَحَد حادي عشره وَلم يقتل سوى فَارس وَاحِد من جمَاعَة ابْن أبي الْفرج. وَفِي ثَانِي عشره: أنْفق السُّلْطَان فِي ثَلَاثمِائَة وَتِسْعين من المماليك كل وَاحِد خمسين دِينَارا وَفِي أَرْبَعَة من أُمَرَاء الألوف - وهم أركماس الدوادار وقرقماس حاحب الْحجاب وتغري بردي ويشبك المشد - كل وَاحِد ألفي دِينَار وَأنْفق فِي عدَّة من أُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات فبلغت النَّفَقَة نَحْو الثَّلَاثِينَ ألف دِينَارا ورسم بسفرهم إِلَى الشَّام فتوجهوا فِي سادس عشرينه. وَفِيه سقط مَوضِع مَبْنِيّ على كتاب أَطْفَال فَمَاتَ مِنْهُم اثْنَي عشر طفْلا وَأُصِيب تِسْعَة يخَاف عَلَيْهِم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الوباء بغزة والرملة، من أَرض فلسطين. شهر رَمَضَان أَوله الْجُمُعَة:
فِيهِ ابتدئ بهدم حوانيت الصيارف وسوق الْكتب وحوانيت النقليين والأمشاطيين فِيمَا بَين الصاغة والمدرسة الصالحية وَهِي جَارِيَة فِي وقف المارستان المنصوري لتجدد عمارتها. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن الهيصم وأعيد نظر الدِّيوَان الْمُفْرد وَكَانَ شاغراً. وَفِيه حملت نَفَقَة المماليك السُّلْطَانِيَّة إِلَى القلعة لتنفق فيهم على الْعَادة فامتنعوا من قبضهَا وطلبوا زِيَادَة سِتّمائَة دِرْهَم لكل وَاحِد. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشره - الْمُوَافق لسادس عشْرين بؤونة -: أَخذ قاع النّيل وَكَانَ خَمْسَة عشر ذِرَاعا وَسَبْعَة أَصَابِع وَنُودِيَ عَلَيْهِ من الْغَد بِزِيَادَة خَمْسَة أَصَابِع. وَفِيه زيد فِي جوامك عدَّة من شرار المماليك فسكن شرهم وَأخذُوا جَمِيعًا النَّفَقَة. وَفِي حادي عشرينه: استعفي ابْن الهيصم من نظر الدِّيوَان الْمُفْرد فأعفي وَلزِمَ على عَادَته. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: اشْتَدَّ فَسَاد المماليك الجلب وَكثر عيثهم وعبثهم بِالنَّاسِ وَأَخذهم مَا قدرُوا عَلَيْهِ من مَال وحريم فتجمع السودَان وقاتلوهم فَقتل بَينهم عدَّة وصاروا جمعين لكل جمع عصبَة. شهر شَوَّال أَوله الْأَحَد: أهل والأسعار قد ارْتَفَعت فالقمح من مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا وَالشعِير من مائَة وَثَلَاثِينَ إِلَى مَا دونهَا وَسَببه هيف الزَّرْع فِي كثير من النواحي عِنْد توالي ريَاح حارة فَقل وُقُوع الْغلَّة عِنْد الدراس. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: اشْتَدَّ بلَاء من الممالك وَعظم الضَّرَر بهم حَتَّى أَن السُّلْطَان منع النَّاس من عمل الأعراس والولائم وتهدد من عمل ذَلِك خوفًا من المماليك أَن تهجم على النِّسَاء وَهن مجتمعات وَتبين قُصُور الْيَد عَن ردعهم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَفِي عاشره: نُودي بِمَنْع النَّاس من أَخذ الدَّرَاهِم البندقية والقرمانية واللكنية فَعَاد الضَّرَر فِي خسارة قوم وَربح آخَرين وَنُودِيَ أَيْضا أَن تكون الدَّنَانِير بمائتين وَثَلَاثِينَ وَكَانَت الْعَامَّة قد رفعت سعره إِلَى مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ بِحجَّة أَن الذَّهَب قَلِيل الْوُجُود بأيدي النَّاس وَأَن الدَّرَاهِم الأشرفية كثر فِيهَا البندقية واللكنية والقرمانية وكل ذَلِك من
إِعْرَاض وُلَاة الْأُمُور عَن عمل الْمصَالح لبعدهم عَن مَعْرفَتهَا مَعَ طَلَبهمْ المَال بِكُل وَجه يذم ويستقبح. وَفِي تَاسِع عشره: برز محمل الْحَاج على الْعَادة فَرَحل الركب الأول من بركَة الْحجَّاج فِي ثَانِي عشرينه ورحل الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج فِي ثَالِث عشرينه صُحْبَة الْأَمِير قرا سنقر. وانتهت زِيَادَة النّيل فِي هَذَا الْيَوْم - وَيُوَافِقهُ أول مسرى - إِلَى عشرَة أَذْرع وَخَمْسَة عشر إصبعاً. وَهَذَا مِقْدَار وَفِي هَذَا الشَّهْر: خربَتْ مَدِينَة الرها كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الثُّلَاثَاء: فِي رابعه - الْمُوَافق لثاني عشر مسرى -: نُودي بِزِيَادَة سَبْعَة أَصَابِع لتتمة خَمْسَة عشر ذِرَاعا وَتِسْعَة عشر إصبعاً وَلم يناد عَلَيْهِ من الْغَد وتوقفت الزِّيَادَة إِلَى تاسعه. وَذَلِكَ أَنه نقص أَرْبَعَة أَصَابِع لتقطع عدَّة جسور من فَسَاد عَملهَا فغرق عدَّة جرون تلف فِيهَا مَا شَاءَ الله من الغلال فتكالب النَّاس على شِرَاء الْغلَّة خوفًا من الشراقي فَنزل السُّلْطَان فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنه إِلَى رِبَاط الْآثَار النَّبَوِيَّة ودعا الله تَعَالَى فأغاث الله عباده ووفى النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا وَنُودِيَ عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ يَوْم الْأَرْبَعَاء تاسعه - الْمُوَافق لَهُ سَابِع عشر مسرى - فَنزل الْمقَام الناصري مُحَمَّد بن السُّلْطَان لتخليق المقياس وَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأخذ مَدِينَة الرها. وَذَلِكَ أَن الْعَسْكَر سَار من الْقَاهِرَة لأخذ قلعة خرت برت وَقد مَاتَ متوليها ونازلها عَسْكَر قرا يلك صَاحب آمد فَلَمَّا وصلوا إِلَى مَدِينَة حلب ورد إِلَيْهِم الْخَبَر بِأخذ قرا يلك قلعة خرت برت وتحصينها وتسليمها لوَلَده فَتوجه الْعَسْكَر وَقد انْضَمَّ إِلَيْهِ الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب الشَّام وَجَمِيع نواب المماليك الشامية ومضوا بأجمعهم إِلَى الرها فَأَتَاهُم بالبيرة كتاب أهل الرها بِطَلَب الْأمان وَقد رَغِبُوا فِي الطَّاعَة فأمنوهم وَكَتَبُوا لَهُم بِهِ كتابا وَسَارُوا من البيرة وَبَين أَيْديهم مِائَتَا فَارس من عرب الطَّاعَة كشافة فوصلت الكشافة إِلَى الرها فِي تَاسِع عشر شَوَّال فَإِذا الْأَمِير هابيل قد وصل إِلَيْهَا من قبل أَبِيه الْأَمِير عُثْمَان بن طور عَليّ الْمَعْرُوف بقرًا يلك صَاحب آمد وحصنها وَجمع فِيهَا عَامَّة أهل الضّيَاع بمواشيهم وعيالهم وَأَمْوَالهمْ فناولوها وهم يرمونهم بالنشاب من فَوق الأسوار ثمَّ برز إِلَيْهِم الْأَمِير هابيل فِي عَسْكَر نَحْو ثَلَاثمِائَة فَارس وَقَاتلهمْ وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وعلق رُءُوسهم على قلعة الرها فأدركهم الْعَسْكَر ونزلوا على ظَاهر الرها فِي يَوْم الْجُمُعَة عشرينه وَقد
ركب الرِّجَال السُّور. ورموا بِالْحِجَارَةِ فتراجع الْعَسْكَر الْمصْرِيّ والشامي عَنْهُم ثمَّ ركبُوا بأجمعهم بعد نصف النَّهَار وَأَرْسلُوا إِلَى أهل قلعة الرها بتأمينهم وَإِن لم تكفوا عَن الْقِتَال وَإِلَّا أخربنا الْمَدِينَة. فَجعلُوا الْجَواب رميهم بالنشاب فزحف الْعَسْكَر وَأخذُوا الْمَدِينَة فِي لَحْظَة وَامْتنع الأكابر وَأهل الْقُوَّة بالقلعة. فانتشر الْعَسْكَر وأتباعهم فِي الْمَدِينَة ينهبون مَا وجدوا وَيَأْسِرُونَ من ظفروا بِهِ فَمَا تركُوا قبيحاً حَتَّى أَتَوْهُ وَلَا أمرا مستشنعاً إِلَّا فَعَلُوهُ. وَكَانَ فعلهم هَذَا كَفعل أَصْحَاب تيمور لما أخذُوا بِلَاد الشَّام. وَأَصْبحُوا يَوْم السبت محاصرين القلعة وبعثوا إِلَى مَا فِيهَا بالأمان فَلم يقبلُوا ورموا بالنشاب وَالْحِجَارَة حَتَّى لم يقدر أحد على أَن يدنو مِنْهَا. وَبَاتُوا لَيْلَة الْأَحَد فِي أَعمال النقوب على القلعة وقاتلوا من الْغَد يَوْم الْأَحَد حَتَّى اشْتَدَّ الضُّحَى فَلم يثبت من بالقلعة وصاحوا الْأمان. فكفوا عَن قِتَالهمْ حَتَّى أَتَت رسلهم الْأَمِير نَائِب الشَّام وَقدم مقدم العساكر فَحلف لَهُم - هُوَ والأمير قصروه نَائِب حلب - على أَنهم لَا يؤذوهم وَلَا يقتلُون أحد مِنْهُم فركنوا إِلَى أَيْمَانهم. وَنزل الْأَمِير هابيل بن قرا يلك وَمَعَهُ تِسْعَة من أَعْيَان دولته عِنْد دُخُول وَقت الظّهْر من يَوْم الْأَحَد الْمَذْكُور فتسلمه الْأَمِير أركماس الدوادار وَتقدم نواب المماليك إِلَى القلعة ليتسلموها فوجدوا المماليك السُّلْطَانِيَّة قد وقفُوا على بَاب القلعة ليدخلوا إِلَيْهَا فمنعوهم فأفحشوا فِي الرَّد على النواب وهموا بمقاتلتهم وهجموا القلعة فَلم تطق النواب مَنعهم وَرَجَعُوا إِلَى مخيماتهم فَمد المماليك أَيْديهم وَمن تَبِعَهُمْ من التركمان والعربان والغلمان ونهبوا جَمِيع مَا كَانَ بهَا وأسروا النِّسَاء وَالصبيان وألقوا فِيهَا النَّار فأحرقوها بعد مَا أخلوها من كل صَامت وناطق وَبعد مَا أَسْرفُوا فِي قتل من كَانَ بهَا وبالمدينة حَتَّى تجاوزوا الْحَد وخربوا الْمَدِينَة وألقوا النَّار فِيهَا فاحترقت. وَلَقَد أَخْبرنِي من لَا أَتَّهِمهُ أَنه شَاهد المماليك وَقد أخذُوا النِّسَاء وفجروا بِهن فَكَانَت الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ إِذا قَامَت من تَحت وَاحِد مِنْهُم مَضَت - إِن كَانَ لَهَا ولد - هِيَ وَوَلدهَا إِلَى مَوضِع كَانَ بِهِ تبن لتختفي فِيهِ. قَالَ فَاجْتمع بذلك الْموضع نَحْو الثَّمَانِينَ امْرَأَة ومعهن أَو مَعَ غالبهن أَوْلَادهنَّ وَقد زنوا بِهن جَمِيعًا ثمَّ أضرموا النَّار عَلَيْهِنَّ فاشتعل التِّبْن فاحترقن جَمِيعًا. وَأَخْبرنِي الثِّقَة أَنه كَانَ يدوس فِي الْمَدِينَة الْقَتْلَى لكثرتهم بهَا وَأَنه كَاد المَاء الَّذِي لَهُم أَن يمتلئ بجيف الْقَتْلَى. ثمَّ رحلوا من الْغَد يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه وأيديهم قد امْتَلَأت بالنهوب والسبي فتقطعت مِنْهُم عدَّة نسَاء من التَّعَب فمتن عطشاً وبيعت مِنْهُنَّ بحلب وَغَيرهَا عدَّة. وَكَانَت هَذِه الكائنة من مصائب الدَّهْر. وَكُنَّا نستطيب إِذا مرضنا فجَاء الدَّاء من قبل الطَّبِيب
فَأَما بالعهد من قدم لقد عهدنا ملك مصر إِذا بلغه أحد من مُلُوك الأقطار أَنه قد فعل مَا لَا يجوز أَو فعل ذَلِك رَعيته بعث مُنكر عَلَيْهِ ويهدده فصرنا نَحن نأتي من الْحَرَام بأشنعه وَمن الْقَبِيح بأفظعه وَإِلَى الله المشتكى. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع لتتمة سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَأَرْبَعَة عشر إصبعاً وَلم يناد عَلَيْهِ من الْغَد. وَفِيه كتب باستدعاء السَّيِّد الشريف قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق وَكَاتب السِّرّ بهَا وناظر الْجَيْش ونقيب الْأَشْرَاف شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن عدنان الْحُسَيْنِي ليستقر فِي كِتَابَة السِّرّ وَتوجه لإحضاره من دمشق أحد الخاصكية. وهى يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ بعد رد مَا نَقصه لتتمة سِتَّة عشر إصبعاً من الذِّرَاع الثَّامِنَة عشر وَكَانَ قد انْقَطع بعض جسور النواحي لفساد عَملهَا فَقل وجود الغلال وارتفع الأردب من مِائَتَيْنِ وَسبعين إِلَى ثَلَاثمِائَة واستمرت زِيَادَة النّيل إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه وَقد بلغ ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا إِلَّا إِصْبَعَيْنِ وَنقص من يَوْمه خَمْسَة أَصَابِع لتقطع الجسور فتكالب النَّاس على شِرَاء الْغلَّة وشحت الْأَنْفس بِبَيْعِهَا حَتَّى قل وجودهَا وارتفع ثمنهَا. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْخَمِيس: أهل هَذَا الشَّهْر والنيل مُتَوَقف عَن الزِّيَادَة وَقد نقص فَمن الله تَعَالَى وَنُودِيَ فِي يَوْم السبت ثالثه برد النَّقْص وَزِيَادَة تَتِمَّة ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا. وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامنه: قدم السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين أَحْمد من دمشق وَقد خرج الْأَعْيَان إِلَى لِقَائِه وَهُوَ موعوك فَلَزِمَ الْفراش. وَفِي ثَانِي عشره - الْمُوَافق لخامس عشر توت -: نُودي بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ لتتمة ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَعشْرين إصبعاً ثمَّ نقص من الْغَد لقطع الصليبيات. وَفِي يَوْم الْخَمِيس نصفه: خلع على الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عدنان وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن الْجلَال مُحَمَّد بن مزهر وعملت للطرحة الخضراء برقمات ذهب فَكَانَ موكباً جَلِيلًا إِلَى الْغَايَة ركب بَين يَدَيْهِ الْأُمَرَاء والوزراء وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع والأعيان فابتهج النَّاس بِهِ وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره: نُودي على النّيل برد النَّقْص وَزِيَادَة إِصْبَع. وَفِيه خلع على الْجلَال مُحَمَّد بن مزهر وَاسْتقر فِي توقيع الْمقَام الناصري مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان كَمَا كَانَ فِي أَيَّام أَبِيه.
وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير هابيل بن الْأَمِير قرا يلك وَمن مَعَه فِي الْحَدِيد فشهروا بِالْقَاهِرَةِ إِلَى القلعة وسجنوا بهَا. وَفِيه قدم مبشرو الْحَاج. وَفِيه نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع لتتمة تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَسِتَّة عشر إصبعاً وَوَافَقَ ذَلِك ثامن عشْرين توت ثمَّ لم يناد عَلَيْهِ فَكَانَت هَذِه زِيَادَة مَاء النّيل فِي هَذِه السّنة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَت حَرْب بنواحي الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة بَين بني حُسَيْن قتل فِيهَا غير وَاحِد من أعيانهم. وَفِيه كَانَ خراب مَدِينَة توريز. وَسبب ذَلِك أَن متملكها اسكندر بن قرا يُوسُف قرا مُحَمَّد بَين بيرم خجا زحف على مَدِينَة السُّلْطَانِيَّة وَقتل متوليها من جِهَة ملك الْمشرق شاه رخ بن تيمور كركان فِي عدَّة من أعيانها وَنهب وأفسد فَسَار إِلَيْهِ جموع كَبِيرَة فَخرج اسكندر من توريز وَجمع لحربه ولقيه وَقد نزل خَارج توريز فَانْتدبَ لمحاربته الْأَمِير قرا يلك صَاحب آمد وَقد لحق بشاه رخ وأمده بعسكر كَبِير وقاتله خَارج توريز فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره قتالاً شَدِيدا قتل فِيهِ كثير من الفئتين وَانْهَزَمَ اسكندر وهم فِي إثره يطلبونه ثَلَاثَة أَيَّام ففاتهم هَذَا. وَقد نهبت جقطاي عَامَّة تِلْكَ الْبِلَاد وَقتلُوا وَسبوا وأسروا وفعلوا مَا يشنع ذكره. ثمَّ إِن شاه رخ ألزم أهل توريز بِمَال كَبِير احتاجهم فِيهِ أَمْوَالهم حَتَّى لم يدع بهَا مَا تمتد إِلَيْهِ الْعين ثمَّ جلاهم بأجمعهم إِلَى سَمَرْقَنْد فَمَا ترك إِلَّا ضَعِيفا عَاجِزا لَا خير فِيهِ ورحل بعد مُدَّة يُرِيد بِلَاده وَقد اشْتَدَّ الغلاء مَعَه فأعقب رحيله عَن توريز جَراد عَظِيم لم يتْرك بهَا وَلَا بِجَمِيعِ أَعماله خضرًا وانتشرت الأكراد بِتِلْكَ النواحي تعبث وتفسد ففقدت الأقوات حَتَّى أبيع اللَّحْم الرطل بعده دَنَانِير. وَصَارَ فِيمَا بَين توريز وبغداد مَسَافَة عشْرين يَوْمًا وأزيد خراباً يباباً وَأما اسكندر فَإِنَّهُ جال فِي بِلَاد الأكراد وَقد رقعت بهَا الثلوج مُدَّة ثمَّ صَار إِلَى قلعة سلماس فحصره بهَا الأكراد فنجا وتشتت فِي الْبِلَاد. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان العَبْد الصَّالح شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الصُّوفِي بعد مَا عمي سِنِين فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر الْمحرم. ومولده فِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة. وَهُوَ أحد من
صحبته من أهل الْعِبَادَة والنسك. وَرَأس مُدَّة. واتصل بِالظَّاهِرِ برقوق وَولي نظر المارستان المنصوري. وجال فِي الأقطار فَدخل بَغْدَاد والحجاز واليمن والهند رحمه الله. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن سعيد الْمَعْرُوف بسويدان أحد أَئِمَّة السُّلْطَان فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع صفر. كَانَ أَبوهُ عبدا أسوداً يسكن القرافة. وَحفظ هُوَ القرآنمع الأجواق فأعجب الظَّاهِر برقوق صَوته فَجعله أحد أئمته وَاسْتمرّ فولاه النَّاصِر فرج حسبَة الْقَاهِرَة. ثمَّ عزل فَعَاد كَمَا كَانَ يقْرَأ فِي الأجواق عِنْد النَّاس وَيَأْخُذ الْأُجْرَة على ذَلِك وَصَارَ رَئِيس جوقة حَتَّى مَاتَ على ذَلِك. وَكَانَ أسود اللَّوْن. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن مُحَمَّد البارنباي الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الْأَحَد حادي عشر شهر ربيع الأول وَقد أناف على السِّتين. وَقد برع فِي الْفِقْه وأصوله وَفِي الْعَرَبيَّة والحساب ودرس وخطب عدَّة سِنِين بدمياط والقاهرة. وَمَات الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن بن الْمَوَّاز فِي يَوْم الْأَحَد حادي عشر ربيع الأول. وَقد قدم إِلَى زيارتي على عَادَته. وطلع إِلَى سلما كنت فِي بَيت بأعلاه فَمَا هُوَ إِلَّا أَن خلع إِحْدَى نَعْلَيْه خر على وَجهه ثمَّ رفع رَأسه وَنزل إِلَى الأَرْض وَأَنا أستدنيه إِلَى وأعتبه على انْقِطَاعه أَيَّامًا عني فزحف قدر ذراعين وَسقط إِلَى الأَرْض فَإِذا هُوَ قد مَاتَ رحمه الله. فَلَقَد كَانَ لي بِهِ أنس وَله فِي اعْتِقَاد كَبِير وبلوت مِنْهُ تألهاً وديانة وَعبادَة مرضية فرأيته سحر يَوْم الْجُمُعَة الْعشْرين من صفر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَقد اضطجعت بعد الْوتر وَكَأَنَّهُ قدم عَليّ على عَادَته لزيارتي فَقُمْت فَرحا بِهِ وَأَنا أذكر أَنه ميت. وَقلت كالمباسط لَهُ: كَيفَ دَار الْبلَاء فهش. فَقلت لَهُ: أسلمت من عَذَاب الْقَبْر قَالَ: نعم. قلت وَأَنت الْآن لَا تعذب وَلَا يشوش عَلَيْك قَالَ: نعم. قلت فَلَقِيت الله. فأيقظني صَوت رجل قريب مني قبل أَن يُخْبِرنِي رَحمَه الله تَعَالَى. وَمَات الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله الشطنوفي الشَّافِعِي فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس عشْرين شهر ربيع الأول وَقد قَارب الثَّمَانِينَ وبرع فِي الْفِقْه والفرائض والعربية وَغير ذَلِك. ودرس سِنِين عديدة فَانْتَفع بِهِ جمَاعَة. وَمَات بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مزهر الدِّمَشْقِي فِي لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشرينه جُمَادَى الْآخِرَة عَن نَحْو خمسين سنة. ولد سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة. وَهُوَ من بَيت رياسة. ولي أَبوهُ كِتَابَة الْإِنْشَاء بِدِمَشْق. واشتهرت رياسته ومكارمه وباشر هُوَ كِتَابَة الْإِنْشَاء بِدِمَشْق واتصل بنائبها الْأَمِير شيخ المحمودي فَلَمَّا قدم بعد قتل النَّاصِر
فرج إِلَى الْقَاهِرَة كَانَ مِمَّن قدم مَعَه وولاه نظر الاصطبل. ثمَّ نَاب عَن القَاضِي كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ فِي كِتَابَة السِّرّ وَقَامَ بأعباء الدِّيوَان فِي أَيَّام الْعلم دَاوُد بن الكويز وَمن بعده واستقل بِكِتَابَة السِّرّ فاستبد بتدبير المملكة وَكثر مَاله رحمه الله. وَمَات نور الدّين عَليّ السفطي وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور فِي لَيْلَة وَمَات السَّيِّد الشريف عجلَان بن نعير بن مَنْصُور بن جماز بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة بن هَاشم بن قَاسم بن مهنا بن حُسَيْن بن مهنا بن دَاوُد بن قَاسم بن عبيد الله بن طَاهِر بن يحيى بن الْحُسَيْن بن جَعْفَر بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أَبُو طَالب رضي الله عنه مقتولا فِي ذِي الْحجَّة. وَقد ولي إمرة الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة مرَارًا وَقبض عَلَيْهِ فِي موسم سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَحمل فِي الْحَدِيد إِلَى الْقَاهِرَة فسجن ببرج فِي قلعة الْجَبَل ثمَّ أفرج عَنهُ وَكَانَ فِي الإفراج عَنهُ ذكرى من كَانَ لَهُ قلب. وهم أَن عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عَليّ بن الْعِزّ الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ قَاضِي الْقُضَاة بِبَغْدَاد ثمَّ بِدِمَشْق رأى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ بِمَسْجِد الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَإِذا بالقبر قد فتح وَخرج مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَجلسَ على شفيره وَعَلِيهِ أَكْفَانه وَأَشَارَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَة إِلَى عبد الْعَزِيز هَذَا فَقَامَ إِلَيْهِ حَتَّى دنا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ: قل للمؤيد يفرج عَن عجلَان فانتبه وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل. وَكَانَ من جملَة جلساء السُّلْطَان الْملك الْمُؤَيد شيخ المحمودي وَجلسَ على عَادَته بمجلسه وَحلف لَهُ بالأيمان الحرجة أَنه مَا رأى عجلَان قطّ وَلَا بَينه معرفَة. ثمَّ قصّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فَسكت ثمَّ خرج بِنَفسِهِ بعد انْقِضَاء الْمجْلس إِلَى مرماة النشاب الَّتِي قد استجدها بِطرف الدركاه واستدعى بعجلان من سجنه بالبرج وَأَفْرج عَنهُ وَأحسن إِلَيْهِ. وَقد حَدثنِي قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بِهَذِهِ الرُّؤْيَا غير مرّة وَعنهُ كتبتها وَعِنْدِي مثل هَذَا الْخَبَر فِي حق بني حُسَيْن عدَّة أَخْبَار صَحِيحَة فإياك والوقيعة فِي أحد مِنْهُم فَلَيْسَتْ بِدعَة المبتدع مِنْهُم أَو تَفْرِيط المفرط مِنْهُم فِي شَيْء من الْعِبَادَات أَو ارتكابه محرما من الْمُحرمَات بمخرجه من بنوة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فَالْوَلَد ولد على حَال عق أَو فجر. وَمَات الشريف خشرم بن دوغان بن جَعْفَر بن هبة بن جماز بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة الْحُسَيْن مقتولاً فِي ذِي الْحجَّة أَيْضا فِي الْحَرْب. وَمَات الْوَاعِظ الْمُذكر بِاللَّه شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر بن عبد الله الْمَعْرُوف بالشاب التائب بِدِمَشْق فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر رَجَب عَن نَحْو سبعين سنة ومولده ومنشأه بِالْقَاهِرَةِ. وَكَانَ من جملَة طلبة الْعلم الشَّافِعِيَّة ثمَّ صحب فِي أثْنَاء عمره
رجلا من الْفُقَرَاء يعرف بِأبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عمر ابْن الزياب أحد أَصْحَاب الشَّيْخ يحيى الصنافيري فَمَال إِلَى طَريقَة التصوف ورحل إِلَى الْيمن. ثمَّ قدم وَعمل الميعاد ونظم الشّعْر على طَرِيق الْقَوْم وَبنى زواية خَارج الْقَاهِرَة فَحصل لَهُ قبُول من الْعَامَّة. وَسمعت ميعاده بالجامع الْأَزْهَر وَقد تكلم فِي تَفْسِير آيَة من كتاب تَعَالَى فَأكْثر من النَّقْل الْجيد بِعِبَارَة حَسَنَة وَطَرِيقَة مليحة. وَحج مرَارًا ثمَّ رَحل إِلَى دمشق وَبنى بهَا زَاوِيَة وَعمل الميعاد فَأقبل عَلَيْهِ النَّاس وَزَاد اعْتِقَادهم فِيهِ بِمصْر وَالشَّام حَتَّى توفّي. وَنعم الرجل كَانَ. وَمَات بالنحريرية الأديب المعتقد نور الدّين عَليّ بن عبد الله الشهير بِابْن عامرية فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشر شهر ربيع الآخر وَأكْثر شعره رحمه الله فِي المدائح النَّبَوِيَّة.