الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة ثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة)
أهلت وسلطان الْإِسْلَام بِبِلَاد مصر وَالشَّام والحجاز الْملك الْأَشْرَف برسباي الدقماقي والأمير الْكَبِير أتابك العساكر سيف الدّين يشبك الساقي الْأَعْرَج وَرَأس نوبَة النوب الْأَمِير تغري بردي المحمودي وأمير سلَاح الْأَمِير أينال الجكمي وأمير مجْلِس الْأَمِير جرباش الكريمي وأمير أخور الْأَمِير جقمق والدوادار الْكَبِير الْأَمِير أزبك وحاجب الْحجاب الْأَمِير قرقماس وأستادار الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر بن الْأَمِير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ بن الْأَمِير الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج والوزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب المناخ وناظر الْخَاص كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن سعد الدّين بركَة الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب جكم وَكَاتب السِّرّ بدر الدّين مُحَمَّد بن بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن مزهر وناظر الْجَيْش زين الدّين عبد الباسط بن خَلِيل وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِي الْحَافِظ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ بدر الدّين مَحْمُود العنتابي وقاضي الْقُضَاة الْمَالِكِي شمس الدّين مُحَمَّد الْبِسَاطِيّ وقاضي الْقُضَاة الْحَنْبَلِيّ عز الدّين عبد الْعَزِيز الْبَغْدَادِيّ ونائب الشَّام الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن ونائب حلب شارقطلوا ونائب حماة الْأَمِير جلبان أَمِير أخور ونائب طرابلس الْأَمِير قصروه ونائب صفد الْأَمِير مقبل الدوادار وأمير مَكَّة الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان وأمير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة الشريف خشرم بن دوغان بن جَعْفَر ونائب الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير أقبغا التمرازي. والأسعار مُخْتَلفَة فالقمح من مائَة وَخمسين درهما الأردب إِلَى مَا دونهَا وَالشَّجر بِمِائَة دِرْهَم الأردب وَمَا دونهَا والفول بِمِائَة وَخمسين درهما الأردب وَقد كثر وجوده بعد مَا كَانَ قَلِيلا والحمص بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم الأردب وَاللَّحم مُتَعَذر الْوُجُود فِي الأحيان فَإِن الْوَزير يمْنَع من الزِّيَادَة فِي سعره من أجل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من راتب السُّلْطَان ومماليكه وَإِذا حضر معاملوا اللَّحْم أسواق الْغنم أخذُوا الأغنام كَيْفَمَا شَاءُوا وأحالوا أَرْبَابهَا بِالثّمن على جِهَات فيغبنوا فِيمَا يصل إِلَيْهِم من أَثمَان أغنامهم فَقل جلب الأغنام لأجل ذَلِك والأسواق كاسدة والجور فَاش وَقد كل النَّاس الْفَاقَة وعمت الشكاية وَلَا يزْدَاد النَّاس إِلَّا إعْرَاضًا عَن الله فَلَا جرم أَن حل بهم مَا حل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. شهر الْمحرم أَوله السبت: فِيهِ سَار الْأَمِير شارقطلوا إِلَى مح كفَالَته بحلب.
وَفِي سادسه: أخرج الْأَمِير أزدمر شاية أحد الْأُمَرَاء الألوف إِلَى حلب على إمرة وَكَانَ من أقبح وَفِي يَوْم السبت ثامنه: خلع على نجم الدّين عمر بن حجي وأعيد إِلَى قَضَاء دمشق عوضا عَن الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بعد مَا حمل عينا وَأهْدى أصنافاً بِنَحْوِ عشرَة آلَاف دِينَار فَلم يفد وعزل. وَفِي هَذَا الشَّهْر: منع الْأُمَرَاء وَنَحْوهم من حماية أحد على مباشري السُّلْطَان ورميت البضائع على جماعات فكثرت خسائرهم فِيهَا مَعَ الغرامة. وَفِيه أبيع بالإسكندرية فلفل للديوان على تجار الفرنج ثمَّ رسم بِزِيَادَة ثمنه عَلَيْهِم وَقد سافروا بِهِ فكلف قناصلتهم الْقيام عَنْهُم بذلك. وَفِيه قدم التُّجَّار الَّذين تبضعوا بِمَكَّة ليسافروا ببضائعهم إِلَى الشَّام فمنعوا من ذَلِك ألزموا بمجيئهم إِلَى مصر حَتَّى يُؤْخَذ مِنْهُم مكسها للخاص وَحَتَّى يُبَاع بِالشَّام متجر الدِّيوَان فَأَصَابَتْهُمْ بذلك بلايا عديدة. وَفِيه اشتدت مُطَالبَة أهل الْخراج بِمَا عَلَيْهِم من الْخراج والمغارم. وَفِيه حصل الْعَنَت على الذِّمَّة فِي إلزامهم بأَشْيَاء حرجة فَلم يتم ذَلِك لاخْتِلَاف الآراء. وَفِي سَابِع عشره: سَافر قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين عمر بن حجي بعد مَا خلع عَلَيْهِ خلعة السّفر. وَفِيه سَار أزدمر شاية إِلَى حَيْثُ نفي. وَقدم الركب الأول من الْغَد ثمَّ قدم الْمحمل فِي رَابِع عشرينه بِبَقِيَّة الْحَاج. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشرينه: توجه الشريف شهَاب الدّين أَحْمد عَائِدًا إِلَى دمشق بِغَيْر وَظِيفَة على أَن يقوم بِخَمْسَة آلَاف دِينَار سوى مَا حمل أَولا وآخراً وَهُوَ مبلغ سَبْعَة وَعشْرين ألف دِينَار وَجُمْلَة مَا حمله غَرِيمه نجم الدّين عمر بن حجي فِي تِلْكَ المدد سِتُّونَ ألف دِينَار وَهَذَا الشَّيْء لم نعهد مثله وَإِن هَذَا لمحض الْفساد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: حدثت زَلْزَلَة بِجَزِيرَة درحت الْمُجَاورَة الرَّمْز من الْبَحْرين فَخسفَ بِبَعْض إصطبل السُّلْطَان وبدار القَاضِي وانفرج جبل بِالْقربِ مِنْهُم فَروِيَ فِيمَا انفرج مِنْهُ فيران فِي قدر الْكلاب وَورد الْخَبَر بذلك إِلَى دمشق فِي كتاب من يوثق بِهِ.
شهر صفر أَوله الْأَحَد: فِي سادسه: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الدايم بن مُوسَى الْبرمَاوِيّ الشَّافِعِي وَاسْتقر فِي تدريس الصلاحية بالقدس عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ وَكَانَ شاغراً مُنْذُ وَفَاته. وَهَذَا الْبرمَاوِيّ كَانَ أَبوهُ يتعيش بتعليم الصّبيان الْقِرَاءَة وَنَشَأ ابْنه هَذَا فِي طلب الْعلم فبرع فِي الْفِقْه وَالْأُصُول والنحو وَغير ذَلِك وَتعلق بِصُحْبَة الْجلَال مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مُحَمَّد بن أبي الْبَقَاء وحاول أَن يكون من نواب الْقُضَاة فِي أَيَّام الْجلَال عبد الرَّحْمَن البُلْقِينِيّ فَأذن لَهُ فِي الحكم ثمَّ عَزله وطالت مدَّته فِي الخمول صَغِيرا وشاباً وكهلا فتحول إِلَى دمشق فَنَوَّهَ بِهِ نجم الدّين عمر بن حجي واستنابه واختص بِهِ فحسنت حَاله وتحول فِي النعم إِلَى أَن قدم مَعَ ابْن حجي وَولي كِتَابَة السِّرّ رفع من مِقْدَاره ورتب لَهُ مَا يقوم بِهِ فارتفع بَين النَّاس قدره حَتَّى اسْتَقر فِي الصلاحية. وَفِي سابعه: نُودي بِمَنْع النَّاس من الْمُعَامَلَة بِالدَّرَاهِمِ البندقية وَهِي فضَّة عَلَيْهَا شخوص من ضروب الفرنج تعامل النَّاس بهَا من سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانمِائَة وبالعدد وبالوزن ورسم بِحمْل مَا فِي أَيدي النَّاس مِنْهَا إِلَى دَار الضَّرْب لتسبك دَرَاهِم أشرفية عَلَيْهَا صَكَّة الْإِسْلَام فَجرى النَّاس على عَادَتهم فِي الْإِصْرَار والاستهانة بمراسيم الْحُكَّام وتعاملوا بهَا إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم. وَفِي ثامنه: قدم الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب الشَّام فَخلع عَلَيْهِ وَقدم للسُّلْطَان مبلغ خَمْسَة عشر ألف دِينَار أفرنتية وقماشاً وفرواً بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَتوجه عَائِدًا إِلَى مَحل كفَالَته على عَادَته فِي ثَالِث عشرينه. وَفِيه قدم الطواشي افتخار الدّين ياقوت - مقدم المماليك - من مَكَّة بمبلغ ثَلَاثَة عشر ألف دِينَار مِمَّا ألزم بِهِ الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان وَكَانَ قد تَأَخّر بعد الْحَج بِمَكَّة حَتَّى وَفِي هَذِه الْأَيَّام: عز وجود اللَّحْم بالأسواق وفقد أَيَّامًا وَقل وجود اللَّبن والجبن وغلا سعر الْحَطب حَتَّى أبيع بمثلي ثمنه مُنْذُ شهر. هَذَا وَالْوَقْت شتاء والبهائم مرتبطة على الرّبيع وَعَادَة مصر فِي زمن ربيعها أَن يكثر وجود اللَّبن والجبن ويرخص ثمنهَا. غير أَن سيرة وُلَاة الْأُمُور وَقلة معرفتهم بِمَا ولوه وَفَسَاد الرّعية اقْتضى ذَلِك. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخه: جَاءَ جَراد سد الْأُفق لكثرته وانتشر إِلَى نَاحيَة طرا وَقد أضرّ بِبَعْض الزروع فَأرْسل الله عَلَيْهِ ريحًا مريسية ألقته فِي النّيل ومزقته حَتَّى هلك عَن آخِره وَللَّه الْحَمد.
شهر ربيع الأول أَوله الثُّلَاثَاء: أهل والأمراض من النزلات والسعال والجدري فَاشِية فِي النَّاس بِحَيْثُ لَا يَخْلُو بَيت من عدَّة مرضى إِلَّا أَنَّهَا سليمَة الْعَاقِبَة فِي الْغَالِب يَزُول بعد أُسْبُوع. هَذَا وَالْوَقْت شتاء. وَقدم الْخَبَر بِكَثْرَة الوباء بِبِلَاد صفد. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة رابعه: كَانَ المولد النَّبَوِيّ بِالْقصرِ عِنْد السُّلْطَان وَحضر الْأُمَرَاء والقضاة ومشايخ الْعلم ومباشروا الْعلم والدولة على الْعَادة فَكَانَ الَّذِي عمل فِي السماط عشرَة كباش ذبحت ثمَّ طبخ لَحمهَا وَمد بعد سماط الطَّعَام سماط الْحَلْوَى. وَفِي يَوْم السبت سادس عشرينه: أفرج عَن جينوس بن جاك متملك قبرس من سجنه بقلعة الْجَبَل وخلع عَلَيْهِ وأركب فرسا بقماش ذهب وَنزل إِلَى الْقَاهِرَة فِي موكب فَأَقَامَ فِي دَار أعدت لَهُ وَصَارَ يمر فِي الشوارع ويزور كنائس النَّصَارَى ومعابدهم ويمض فِي أَحْوَاله بِغَيْر حجر عَلَيْهِ وَقد أجْرى لَهُ راتب يقوم بِهِ وبمن مَعَه. وَفِي هَا الشَّهْر: كثرت الرِّيَاح الْعَاصِفَة فَقدم الْخَبَر بغرق ثَلَاثَة عشر مركبا فِي بَحر الْملح قد ملئت بِبَضَائِع من نَاحيَة صيدا وبيروت وَأَقْبَلت نَحْو دمياط. وَفِيه ألْقى الْبَحْر دَابَّة بشاطئ دمياط أَخْبرنِي من لَا أتهم أَنَّهَا ذرعت بِحُضُورِهِ فَكَانَ طولهَا خَمْسَة وَخمسين ذِرَاعا وعرضها سَبْعَة أَذْرع. شهر ربيع الآخر أَوله الْخَمِيس: فِيهِ قدم الْخَبَر بتشتت أهل الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وانتزاحهم عَنْهَا لشدَّة الْخَوْف وضياع أَحْوَال الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وَقلة الاهتمام بِإِقَامَة شَعَائِر الله فِيهِ مُنْذُ كَانَت كائنة الْمَدِينَة فرسم الْأَمِير بكتمر السَّعْدِيّ أحد أُمَرَاء العشرات إِلَى الْمَدِينَة فَأخذ فِي تجهيز حَاله. وَقدم الْخَبَر بتجمع التركمان وإفسادهم فِي المملكة الحلبية فرسم فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عشرينه بتجريد ثَمَانِيَة أُمَرَاء مقدمي أُلُوف وعدة من أُمَرَاء الطبلخاناه والعشرات فَأخذُوا فِي أهبة السّفر ثمَّ بَطل ذَلِك.
وَقدم الْخَبَر بِأَن صَاحب أغرناطة ومالقة والمرية ورندة ووادي آش وجبل الْفَتْح من الأندلس وَهُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد الملقب بالأيسر ابْن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج يُوسُف ابْن السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن يُوسُف ابْن لشيخ السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن نصر الْأنْصَارِيّ الخزرجي الأرجوني الشهير بِابْن الْأَحْمَر خرج من غرناطة - دَار ملكه - يُرِيد النزهة فِي فحص غرناطة - يَعْنِي مرج غرناطة - فِي نَحْو مِائَتي فَارس فِي مستهل ربيع الآخر هَذَا وَكَانَ ابْن عَمه مُحَمَّد بن السُّلْطَان أبي الْحجَّاج يُوسُف مَحْبُوسًا فِي الْحَمْرَاء وَهِي قلعة أغرناطة فَخرج الْجَوَارِي السود إِلَى الحراس الموكلين بِهِ وَقَالُوا لَهُم: تَخْلُو عَن الدَّار حَتَّى تَأتي أم مولَايَ تزوره وتتفقد أَحْوَاله. فظنوا أَن الْأَمر كَذَلِك فَخلوا عَن الدَّار فَخرج فِي الْحَال شابان من أَوْلَاد صنايع أبي الْمَحْبُوس وأطلقوه من قَيده وأظهروه من الْحَبْس وَأَغْلقُوا أَبْوَاب الْحَمْرَاء وَذَلِكَ كُله لَيْلًا وضربوا الطبول والأبواق على عَادَتهم فبادر النَّاس إِلَيْهِم لَيْلًا وسألوا عَن الْخَبَر فَقيل لَهُم من الْحَمْرَاء: قد ملكنا السُّلْطَان أَبَا عبد الله مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان فَأقبل أهل الْمَدِينَة وَأهل الأرباض فَبَايعُوهُ محبَّة فِيهِ وَفِي أَبِيه وَكرها فِي الْأَيْسَر فَمَا طلع النَّهَار حَتَّى استوسق لَهُ الْأَمر وَبلغ الْخَبَر إِلَى الْأَيْسَر فَلم يثبت وَتوجه نَحْو رندة وَقد فر عَنهُ من كَانَ مَعَه من جنده حَتَّى لم يبْق مَعَه مِنْهُم إِلَّا نَحْو الْأَرْبَعين. وَخرجت الْخَيل من غرناطة فِي طلبه فَمَنعه أهل رندة وأبوا أَن يسلموه وَكَتَبُوا إِلَى المنتصب بغرناطة فِي ذَلِك فآل الْأَمر إِلَى أَن ركب سَفِينِهِ وَسَار فِي الْبَحْر وَلَيْسَ مَعَه سوى أَرْبَعَة نفر. وَقدم تونس مترامياً على متملكها أبي فَارس عبد الْعَزِيز الحفصي وَبلغ ألفنش متملك قشتلة مَا تقدم ذكره فَجمع جُنُوده من الفرنج وَسَار يُرِيد أغرناطة فِي جع موفور فبرز إِلَيْهِ الْقَائِم الْمَذْكُور بغرناطة
وحاربه فنصره الله على الفرنج وَقتل مِنْهُم خلقا كثيرا وغنم مَا يجل وَصفه. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الْجُمُعَة: فِي سابعه: خلع على الْأَمِير جرباش قاشق أَمِير مجْلِس وَاسْتقر نَائِب طرابلس عوضا عَن الْأَمِير قصروه وَنقل قصروه إِلَى نِيَابَة حلب عوضا عَن الْأَمِير شارقطلوا. وَكتب بِحُضُور شارقطلوا. وَقدم رَسُول صَاحب رودس يسْأَل الْأمان وَأَن يعفي من تجهيز الْعَسْكَر إِلَيْهِ وَأَنه يقوم بِمَا يطْلب مِنْهُ فأركب فرسا وَفِي صَدره صَلِيب من ذهب وطلع القلعة وَقبل الأَرْض بَين يَدي السُّلْطَان وَأدّى رِسَالَة ثمَّ نزل إِلَى الْقَاهِرَة. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشره: عملت الْخدمَة بدار الْعدْل من قلعة الْجَبَل وَجِيء برسل رودس فقدموا هَدِيَّة قومت بستمائة دِينَار وَقُرِئَ كِتَابهمْ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشره: قدم ميخائيل بطركا لليعاقبة عوضا عَن غبريال. وَكَانَ ميخائيل شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَحَد: فِي خامسه: خلع على ملك قبرس خلعة السّفر. وَفِي تاسعه: قدم جمال الدّين يُوسُف بن الصفي الكركي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق معزولاً. وَفِي عاشره: قبض على الْأَمِير تغري بردي المحمودي رَأس نوبَة وَأخرج مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ليسجن بهَا فاتفق أَمر عريب وَهُوَ أَن رجلا من مباشريه لما بلغه الْقَبْض عَلَيْهِ خرج إِلَى القلعة فوافي نزُول أستاذه مُقَيّدا فَجعل يَصِيح ويبكى وَهُوَ ماش مَعَه حَتَّى وصل إِلَى سَاحل النّيل وأحضر أستاذه فِي الحراقة أَشْتَدّ صراخه حَتَّى سقط مَيتا.
وَفِي خَامِس عشره: خلع على الْأَمِير أركماس الظَّاهِرِيّ وَاسْتقر رَأس نوبَة عوضا عَن تغري بردي المحمودي وأنعم عَلَيْهِ بإقطاعه وأنعم بإقطاع أركماس وتقدمته على قاني باي البهلوان. وأنعم بطبلخاناه البهلوان على سودن ميق وَهَذَا المحمودي من جملَة المماليك الناصرية فرج بن برقوق رَبِّي عِنْده صَغِيرا ثمَّ خدم بعد قتل النَّاصِر عِنْد الْأَمِير نوروز الحافظي بِدِمَشْق فَلَمَّا قتل نوروز سجنه الْمُؤَيد شيخ بقلعة المرقب فَمَا زَالَ مسجوناً بهَا حَتَّى تنكر الْمُؤَيد على الْأَمِير برسباي الدقماقي نَائِب طرابلس وَسَب بالمرقب مَعَ المحمودي وأينال الششماني فَرَأى تغري بردي المحمودي فِي لَيْلَة من اللَّيَالِي مناماً يدل على أَن برسباي يتسلطن فَأعلمهُ بِهِ معاهده على أَن يقدمهُ إِذا تسلطن ويعترضه بمكروه فَلَمَّا كَانَ من سلطة الْأَشْرَف برسباي مَا كَانَ وتقدمته للمحمودي مَا ذكر فِيمَا مضى وَتَمَادَى الْحَال إِلَى أَن بَات على عَادَته بِالْقصرِ فَقَالَ لبَعض من يَثِق بِهِ من المماليك مَا تقدم من مَنَامه وَهُوَ بالمرقب وَأَنه وَقع كَمَا رأى وَأَنه أَيْضا رأى مناماً يدل على أَنه يتسلطن وَلَا بُد. فوشى ذَلِك الْمَمْلُوك بِهِ إِلَى السُّلْطَان فحرك مِنْهُ كوامن مِنْهَا أَن المحمودي غره مَنَامه وتحدث بِمَا كَانَ يجب كِتْمَانه حَتَّى أشيع عَنهُ وَصَارَ يَقُول: أَنا لما حجبت أحضرت ابْن عجلَان وَلما مضيت إِلَى قبرس أسرت ملكهَا أَيْن كَانَ الْأَشْرَف حَتَّى يُقَال هَذَا لسعده وَالله مَا كَانَ هَذَا إِلَّا بسعدي. وينقل كل ذَلِك إِلَى السُّلْطَان وَمَعَ هَذَا يَبْدُو مِنْهُ فِي حَال لعبه بالكرة مَعَ السُّلْطَان دَالَّة وقديماً قيل الْملك ملول. وَفِي سادس عشره: سَار ملك قبرس ورسل رودس فِي النّيل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ليمضوا مِنْهَا إِلَى بِلَادهمْ فَكَانَ هَذَا من الْفرج بعد الشدَّة. شهر رَجَب أَوله الِاثْنَيْنِ. فِيهِ قدم الْخَبَر بِمَوْت الْمَنْصُور عبد الله بن أَحْمد النَّاصِر صَاحب الْيمن وتملك أَخِيه الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن أَحْمد النَّاصِر. وَفِيه اسْتَقر القسيس أَبُو الْفرج بطركاً لِلنَّصَارَى اليعاقبة عوضا عَن ميخائيل بعد صرفه لطعن النَّصَارَى فِيهِ، وَكَانَ يعلم أَوْلَاد النَّصَارَى بالمقيس، فرغبوا فِي ولَايَته. وَتسَمى لما ولي يوحنا.
وَفِي ثامنه: قدم الْأَمِير شارقطلوا من حلب فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن جرباش قاشق الْمُنْتَقل لنيابة طرابلس وَقد كَانَت شاغرة هَذِه الْمدَّة. وَفِي حادي عشره: أدير محمل الْحَاج وحملت كسْوَة الْكَعْبَة على الْعَادة حَتَّى شَاهدهَا السُّلْطَان. وَفِي تَاسِع عشره: توجه زين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش وزعيم الدولة على الهجن إِلَى بِلَاد الشَّام لعمارة سور حلب وَغير ذَلِك من الْمُهِمَّات السُّلْطَانِيَّة بعد مَا قدم خيوله وأثقاله بَين يَدَيْهِ قبل ذَلِك بأيام. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: انحط سعر الغلال عِنْد دُخُول الغلال الجديدة حَتَّى أبيع الأردب الْقَمْح من مائَة وَعشرَة دَرَاهِم فُلُوسًا إِلَى ثَمَانِينَ درهما وَالشعِير كل ثَلَاثَة أرادب وَنصف بِدِينَار وأبيع الرطل من لحم الضَّأْن السليخ بِسِتَّة دَرَاهِم فُلُوسًا وَلحم الْبَقر بأَرْبعَة دَرَاهِم والرغيف الْخبز بِنصْف دِرْهَم فُلُوسًا فيشتري بالدرهم الْفضة أَرْبَعُونَ رغيفاً وَلم نعهد مثل ذَلِك فَللَّه الْحَمد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: هدمت إِحْدَى المآذن الثَّلَاثَة اللَّاتِي أَنْشَأَهُنَّ الْمُؤَيد شيخ بجامعه وَهِي الصُّغْرَى الَّتِي تشرف على صحن الْجَامِع لميلها وَخَوف سُقُوطهَا ثمَّ جددت. وَفِيه كثر عَبث الفرنج فِي الْبَحْر وَأخذُوا مراكب مشحونة بضائع للْمُسلمين يُقَال عدتهَا ثَمَانِي بِاللَّه. شهر شعْبَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِيهِ ابتدئ بِقِرَاءَة الحَدِيث النَّبَوِيّ بِالْقصرِ السلطاني من القلعة على الْعَادة الَّتِي استجدت ورسم أَن لَا يحضر أحد من الْقُضَاة المعزولين وَأَن لَا يكون من الْحَاضِرين بحث فِي حَال الْقُرَّاء وَقد كَانَ يَقع بَينهم فِي بحوثهم مَا لَا يَلِيق. وَفِيه رسم بعزل نواب قُضَاة الْقُضَاة وَأَن يقْتَصر الشَّافِعِي من نوابه على عشرَة والحنفي والمالكي كل مِنْهُمَا على ثَمَانِيَة والحنبلي على ثَلَاثَة فَهموا بذلك أَو كَادُوا. ثمَّ عَادوا لما نهوا عَنهُ كَمَا هِيَ عَادَتهم. وَفِي رَابِع عشره: أَخذ قاع النّيل بالمقياس فَكَانَ خَمْسَة أَذْرع وَخَمْسَة عشر إصبعاً. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشرينه - وسابع عشْرين بؤونة -: ابتدئ بالنداء فِي النَّاس بِزِيَادَة النّيل ثَلَاثَة أَصَابِع.
وَفِيه أَيْضا اتّفق حَادث فظيع وَهُوَ أَن بعض المماليك السُّلْطَانِيَّة الجراكسة انْكَشَفَ رَأسه بَين يَدي السُّلْطَان فَإِذا هُوَ أَقرع فَسخرَ مِنْهُ من هُنَالك من الجراكسة فَسَأَلَ السُّلْطَان أَن يَجعله كَبِير القرعان ويوليه عَلَيْهِم فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك ورسم أَن يكْتب لَهُ بِهِ مرسوم سلطاني وخلع عَلَيْهِ فَنزل وشق الْقَاهِرَة بالخلعة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشرينه وَصَارَ يَأْمر كل أحد بكشف رَأسه حَتَّى ينظر إِن كَانَ أَقرع الرَّأْس أَو لَا وَجعل على ذَلِك فَرَائض من المَال فعلى الْيَهُودِيّ مبلغ عينه وعَلى النَّصْرَانِي مبلغ وعَلى الْمُسلم مبلغ بِحَسب حَاله ورتبته وَلم يتحاش من فعل ذَلِك مَعَ أحد حَتَّى لقد فرض على الْأَمِير الْأَقْرَع عشرَة دَنَانِير وَتجَاوز حَتَّى جعل الأصلع وَالْأَجْلَح فِي حكم الْأَقْرَع ليجبيه مَالا فَكَانَ هَذَا من شنائع القبائح وقبائح الشنائع فَلَمَّا فحش أمره نُودي بِالْقَاهِرَةِ يَا معشر القرعان لكم الْأمان فَكَانَت هَذِه مِمَّا ينْدر من الْحَوَادِث. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر رخاء الأسعار حَتَّى أبيع كل أَرْبَعَة أردب شعير بِدِينَار وَفِي الرِّيف كل خَمْسَة أرادب بِدِينَار وأبيع الفول كل ثَلَاثَة أرادب بِأَقَلّ من دِينَار وأبيع الْقَمْح كل أردبين بِأَقَلّ من دِينَار وَأَقْبَلت الْفَوَاكِه إقبالاً زَائِدا على الْمَعْهُود فِي هَذِه الْأَزْمِنَة وَكَثُرت الخضروات وَللَّه الْحَمد. ونسأل الله حسن الْعَاقِبَة. فَإنَّك مَعَ هَذِه النعم الْكَبِيرَة لَا تكَاد تَجِد إِلَّا شاكياً لقلَّة المكاسب وَتوقف الْأَحْوَال وفشو الظُّلم والإعراض عَن الْعَمَل بِطَاعَة الله سبحانه وتعالى سِيمَا من يُقيم الْحُدُود. شهر رَمَضَان أَوله الْخَمِيس: فِيهِ فتح الْجَامِع الَّذِي أنشأه الْأَمِير جَانِبك الدوادار قَرِيبا من صليبة جَامع ابْن طولون وأقيمت وَفِي سَابِع عشره: قدم زين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش بعد مَا انْتهى فِي سَفَره إِلَى مَدِينَة حلب ورتب عمَارَة سورها فَعمل بِهِ بَين يَدَيْهِ فِي يَوْم وَاحِد ألف وَمِائَتَا حجر وَبعد صيته وانتشر ذكره وَعظم قدره وفخم أمره فِي هَذِه السفرة بِحَيْثُ لم ندرك فِي هَذِه الدولة الْمُتَأَخِّرَة صَاحب قلم بلغ مبلغه. فَلَمَّا نزل ظَاهر الْقَاهِرَة خرج الْأَمِير جَانِبك الدوادار وَطَائِفَة من الْأُمَرَاء وَسَائِر مباشري الدولة وَعَامة الْأَعْيَان إِلَى
لِقَائِه فَصَعدَ القلعة وخلع عَلَيْهِ وَنزل إِلَى دَاره فِي موكب جليل وَقد زينت لَهُ الْأَسْوَاق وأشعلت لَهُ الشموع وَجلسَ النَّاس لمشاهدته فسبحان الْمُعْطِي مَا شَاءَ من شَاءَ. وَفِي حادي عشرينه: قبض على عبد الْعَظِيم نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد وَأسلم إِلَى الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر أستادار على مَال يحملهُ ثمَّ أفرج عَنهُ بعد أَيَّام. وَفِي ثَالِث عشرينه: طلع عَظِيم الدولة زين الدّين عبد الباسط بهدية إِلَى السُّلْطَان
وفيهَا مِائَتَا فرس وحلي مَا بَين زركش ولؤلؤ برسم النِّسَاء وَثيَاب صوف وفرو سمور وَغَيره مِمَّا قِيمَته نَحْو الْعشْرين ألف دِينَار وَعم المباشرين والأمراء بأنواع الْهَدَايَا. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشرينه - وسابع عشْرين أبيب -: نُودي على النّيل بزياداً إِصْبَع وَاحِد لتتمة عشر أَذْرع وَتِسْعَة عشر إصبعاً فنقص من الْغَد أَرْبَعَة أَصَابِع إِلَّا أَن الله تدارك الْعباد شهر شَوَّال أَوله السبت: فِي أثْنَاء هَذَا الشَّهْر قدم الْخَبَر بِأَن مُرَاد بن مُحَمَّد كرشجي بن بايزيد بن عُثْمَان صَاحب برصا من بِلَاد الرّوم جمع لمحاربة الأنكرس - من طوائف الرّوم المتنصرة - وواقعهم عدَّة من عسكره وهزموا وَأَن مَدِينَة بلنسية الَّتِي تغلب عَلَيْهَا الفرنج - مِمَّا غلبوا عَلَيْهِ من بِلَاد الأندلس - خسف بهَا وَبِمَا حولهَا نَحْو ثَلَاثمِائَة ميل فَهَلَك بهَا من النَّصَارَى خلائق كَثِيرَة وَأَن مَدِينَة برشلونة زلزلت زلزالاً شَدِيدا وَنزلت بهَا صَاعِقَة فَهَلَك بهَا أُمَم كَثِيرَة وَخرج ملكهَا فِيمَن بَقِي فارين إِلَى ظَاهرهَا موقع بهم وباء كَبِير. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشرينه: خرج محمل الْحَاج إِلَى الريدانية ظَاهر الْقَاهِرَة وَرفع مِنْهَا لَيْلًا إِلَى بركَة الْحَاج على الْعَادة فتتابع خُرُوج الْحجَّاج. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشرينه - الْمُوَافق لَهُ ثَانِي مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان حَتَّى خلق عَمُود بَين يَدَيْهِ ثمَّ فتح الخليج على الْعَادة وَلم تزين الحراريق فِي هَذِه السّنة وَلَا كَانَ للنَّاس من الاجتماعات بمدينه مصر وَالرَّوْضَة على شاطئ النّيل مَا جرت بِهِ عَادَتهم فِي ليَالِي الْوَفَاء وَذَلِكَ أَن النّيل توقفت زِيَادَته من أَوَائِل مسرى وَأقَام أَيَّامًا عديدة لَا يُنَادي عَلَيْهِ فِي كل يَوْم سوى إِصْبَع أَو إِصْبَعَيْنِ وأجرى الله الْعَادة فِي الْغَالِب من السنين أَن تكون زِيَادَة النّيل الْمُبَارك مُنْذُ يدْخل شهر مسرى فِي كل يَوْم عدَّة أَصَابِع فَيُقَال: فِي أبيب يدب المَاء فِي دَبِيب وَفِي مسرى تكون الدفوع الْكُبْرَى. فجَاء الْأَمر فِي نيل هَذِه السّنة بِخِلَاف ذَلِك حَتَّى ظن النَّاس الظنون وَتوقف خزان الغلال عَن بيعهَا وَأخذ غَالب النَّاس فِي شِرَاء الغلال خوفًا من أَلا يطلع النّيل فَمنع السُّلْطَان من تَزْيِين الحراريق وَمن اجْتِمَاع النَّاس بشاطئ النّيل لانتظار الْوَفَاء فانكف عَن مُنكرَات قبيحة كَانَت تكون هُنَاكَ وَللَّه الْحَمد فَإِنَّهُ تَعَالَى أغاث عباده وأجرى النّيل بعد مَا كَادُوا يقنطوا. وَفِي هَذَا الشَّهْر - وَالَّذِي قبله -: كثر عَبث المماليك الجلب الَّذين استجدهم السُّلْطَان وتعدى فسادهم إِلَى الْحرم. وَهَذَا أَمر لَهُ مَا بعده.
وَفِي سادس عشرينه: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَع وَاحِد لتتمة سِتَّة عشر ذِرَاعا وَخَمْسَة عشر إصبعاً فَمَا أصبح يَوْم الْخَمِيس إِلَّا وَقد نقص. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَحَد: وَكَانَ النّيل قد توقف عَن الزِّيَادَة من يَوْم الْخَمِيس وَالنَّاس على ترقب مَكْرُوه وَإِن لم يتدارك الله بِلُطْفِهِ فَإِنَّهُ نقص ثَلَاثَة أَصَابِع وَجمع السُّلْطَان الْقُضَاة والمشايخ عِنْده وقرئت سُورَة الْأَنْعَام أَرْبَعِينَ مرّة فِي لَيْلَة الْأَحَد. هَذَا ودعوا الله أَن يجْرِي النّيل ثمَّ ركب السُّلْطَان من يَوْم الثُّلَاثَاء ثالثه إِلَى الجرف الَّذِي يُقَال لَهُ الرصد ووقف بفرسه سَاعَة وَهُوَ يَدْعُو ثمَّ عَاد إِلَى القلعة. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس خامسه نُودي بِزِيَادَة إِصْبَع بعد رد الثَّلَاثَة الْأَصَابِع اللَّاتِي نقصت فسر النَّاس ذَلِك لِأَن الغلال ارْتَفع سعرها وشره كل أحد فِي طلبَهَا وشحت أنفس خزانها بِبَيْعِهَا. وَفِي عاشره: قدم الْخَبَر بِأَن قَاضِي دمشق - نجم الدّين عمر بن حجي - وجد مدبوحاً فِي بستانه بالنيرب خَارج دمشق وَلم يعرف قَاتله. وَفِي رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير قاني باي البهلوان - أحد مقدمي الألوف - وَاسْتقر فِي نِيَابَة ملطية عوضا عَن الْأَمِير أزدمر شاية وَعين مَعَه عدَّة من المماليك وَأَن يتوفر لَهُ إقطاعه بديار مصر عوناً لَهُ على قتال التركمان وَأَن يسْتَقرّ أزدمر شاية أَمِيرا بحلب. وقانباي هَذَا أحد المماليك الناصرية فرج وخدم بعد قتل النَّاصِر عِنْد أُمَرَاء دمشق ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة الْأَمِير ططر فَلَمَّا تسلطن بِدِمَشْق أنعم على قاني باي هَذَا بإمرة طبلخاناه بِمصْر وَقدم مَعَه ثمَّ نقل إِلَى إمرة مائَة حَتَّى ولي نِيَابَة ملطية. وَفِي هَذَا الْيَوْم: أَخذ النّيل فِي النُّقْصَان بعد مَا انْتَهَت زِيَادَته إِلَى سَبْعَة عشر ذِرَاعا وَسِتَّة أَصَابِع ويوافق هَذَا الْيَوْم ثامن توت وَهَذَا هبوط فِي غير أَوَانه فَمَا لم يَقع اللطف الإلهي بعباد وَفِي الْعشْر الْأَخير: من هَذَا الشَّهْر تكالب النَّاس على شِرَاء الْقَمْح وَنَحْوه من الغلال وارتفع الأردب إِلَى مِائَتي دِرْهَم وَالشعِير والفول إِلَى مائَة وَخمسين وَتعذر
وجود ذَلِك لشح الْأَنْفس بِبيع الغلال مَعَ كثرتها بِالْقَاهِرَةِ والأرياف فرسم السُّلْطَان للأمير أينال الششماني الْمُحْتَسب أَن لَا يُمكن أحدا من النَّاس بيع الْقَمْح بأزيد من مائَة وَخمسين درهما الأردب وَأَن لَا يَشْتَرِي أحد أَكثر من عشرَة أرادب وَسبب ذَلِك أَن النَّاس ترقبوا الغلاء فَأخذ أَرْبَاب الْأَمْوَال فِي الاستكثار من شِرَاء الغلال ظنا مِنْهُم أَن يبيعوها إِذا طلبَهَا المحتاجون بأغلى الْأَثْمَان حَتَّى أَن بعض من لم يكن شَيْئا مَذْكُور اشْترى فِي هَذِه الْأَيَّام ألف أردب من الْقَمْح وَكم أَمْثَال هَذَا فَالله يحسن الْعَاقِبَة. وَفِي سَابِع عشرينه: كمل نقص النّيل مِمَّا زَاده سِتَّة عشر إصبعاً ثمَّ أغاث الله عباداً بعد مَا كَادُوا أَن يقنطوا. وَنُودِيَ فِي يَوْم السبت ثامن عشرينه بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ من النَّقْص. واستمرت الزِّيَادَة فِي يَوْم الْأَحَد والاثنين فسكن قلق النَّاس قَلِيلا. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: هَذَا قدم الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن رَمَضَان أحد أُمَرَاء: التركمان ونائب طرسوس وأذنة ونائب الْملك وَقد عزل وفر إِلَى ابْن قرمان ليحميه فأسلمه إِلَى قصاد السُّلْطَان خوفًا من معرة الْعَسْكَر فقيد وَحمل من بِلَاد قرمان حَتَّى قدم بِهِ كَذَلِك فسجن. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخه: خلع على بهاء الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين عمر بن حجي. وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن أَبِيه وَهُوَ شَاب صَغِير لم يسْتَتر عذاريه بالشعر لَكِن قَامَ بِمَال كَبِير فَلم يلْتَفت مَعَ ذَلِك لحداثة سنه وَلَا لكَونه مَا قَرَأَ وَلَا درى وقديماً قيل: تعد ذنُوبه والذنب جم وَلَكِن الْغَنِيّ رب غَفُور شهر ذِي الْحجَّة. أهل بِيَوْم الثُّلَاثَاء وَوَافَقَهُ من شهور القبط خَامِس عشْرين توت. وَفِيه انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى سَبْعَة عشر ذِرَاعا وإصبعين بعد تراجع نَقصه. وَهَبَطَ شَيْئا بعد شَيْء فَكثر شراقي الْأَرَاضِي بِالْوَجْهِ القبلي وَالْوَجْه البحري لقُصُور زِيَادَة النّيل وَسُرْعَة هُبُوطه. وَفِي سَابِع عشره: خلع أياس أحد المماليك وَاسْتقر نَائِب السلطة بالعلايا ورسم أَن يُجهز مَعَه طَائِفَة من الْعَسْكَر ليسيروا فِي الْبَحْر وَسبب ذَلِك أَن صَاحب العلايا الْأَمِير قرمان بن صوجي بن شمس الدّين ألجأته الضَّرُورَة إِلَى أَن قدم مُنْذُ شهر بأَهْله مترامياً على السُّلْطَان فِي أَخذه بِلَاد العلايا مِنْهُ وَأَن يُقيم بِخِدْمَة السُّلْطَان حَتَّى تدخل فِي الْحَوْزَة السُّلْطَانِيَّة.
وَفِيه جهز تشريف إِلَى الْأَمِير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن قرمان وَقد ورد كِتَابه يرغب فِيهِ أَن يدْخل فِي الطَّاعَة السُّلْطَانِيَّة وينتمي إِلَى أَبْوَابهَا وَالْتزم بِإِقَامَة الخطة للسُّلْطَان بِبِلَاد الرّوم وَضرب الصكة باسمه وَيسْتَمر فِي نِيَابَة السلطة بِبِلَاد قرمان فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَكتب لَهُ التَّقْلِيد وجهز مَعَه التشريف. وَفِيه جهز أماج - أحد الدوادارية - إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن خَلِيل بن دلغار نَائِب أبلستين ليجهز عدد أَغْنَام التركمان على مَا جرت بِهِ العوايد الْقَدِيمَة وَإِلَّا داست العساكر بِلَاده. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اتضع سعر الغلال وَقل طالبها وَكثر كسادها مَعَ كَثْرَة الشراقي فِي أَرَاضِي مصر لقُصُور زِيَادَة النّيل وَسُرْعَة هُبُوطه وَعدم الْعِنَايَة بِعَمَل الجسور فَكَانَ هَذَا من جميل صنع الله تَعَالَى وخفي لطفه إِن الله بِالنَّاسِ لرءوف رَحِيم. وَفِي تَاسِع عشره: رسم بِعرْض المماليك على السُّلْطَان بِآلَة الْحَرْب فَأخذُوا فِي الاستعداد لذَلِك وَطلب الأسلحة بعد كسادها مُدَّة وبوار أَرْبَابهَا وصناعها فنفقت سوقها وربحت تِجَارَتهمْ واشتغل بعملها صناعهم. وَفِيه ركب السُّلْطَان بِثِيَاب جُلُوسه وشق الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وَخرج من بَاب النَّصْر عَائِدًا إِلَى القلعة وَنظر فِي مَمَره وقف الشهابي بِخَط بَاب الزهومة ليؤخذ لَهُ وَهُوَ من جملَة الْأَوْقَاف الَّتِي ينْصَرف فِيهَا القَاضِي الشَّافِعِي ويصرفها على مَا يرَاهُ من وُجُوه الْبر إِلَّا أَنه تشعث وَاحْتَاجَ إِلَى الْعِمَارَة فَإِنَّهُ قدم عَهده مَعَ كَثْرَة مساكنه وضاق الْحَال عَن إِصْلَاحه فوجدوا ارتفاعه فِي الشَّهْر عَن الفندق الَّذِي يعرف بخان الْحجر وعلوه وَمَا جاوره من الحوانيت وعلوها فِي الشَّهْر ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم فُلُوسًا عَنْهَا نَحْو أَرْبَعَة عشر دِينَارا أشرفية فقومت أنقاضه كلهَا بألفي دِينَار وَصَارَت للسُّلْطَان بالطريقة الَّتِي صَار يعْمل بهَا وَلم يقبض الْمبلغ الْمَذْكُور للمتولي بل وعد أَنه إِذا عمر هَذَا الْوَقْف للسُّلْطَان جعل مِنْهُ فِي كل شهر ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم لجِهَة الْأَوْقَاف الجكمية فَمشى الْحَال على ذَلِك. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامة الْحجَّاج ورخاء الأسعار بِمَكَّة وَأَنه قرئَ مرسوم السُّلْطَان بِمَكَّة بِمَنْع الباعة من بسط البضائع أَيَّام المواسم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَمن ضرب النَّاس الْخيام بِالْمَسْجِدِ على مصاطبه وأمامها وَمن تَحْويل الْمِنْبَر من مَكَانَهُ إِلَى جَانب الْكَعْبَة لِأَنَّهُ عِنْد جَرّه على عجلاته يزعج الْكَعْبَة إِذا أسْند إِلَيْهَا فَأمر أَن يتْرك مَكَانَهُ مسامتا لمقام إِبْرَاهِيم عليه السلام ويخطب الْخَطِيب عَلَيْهِ
هُنَاكَ وَأَن تسد أَبْوَاب الْمَسْجِد بعد انْقِضَاء الْمَوْسِم إِلَّا أَرْبَعَة أَبْوَاب من كل جِهَة بَاب وَاحِد وَأَن تسد الْأَبْوَاب الشارعة من الْبيُوت إِلَى سطح الْمَسْجِد فامتثل ذَلِك وأشبه هَذَا قَول عبد الله بن عمر رضي الله عنه وَقد سَأَلَهُ رجل عَن دم البراغيث فَقَالَ: عجبا لكم يَا أهل الْعرَاق تقتلون الْحُسَيْن بن عَليّ وتسألون عَن دم البراغيث. وَذَلِكَ أَن مَكَّة اسْتَقَرَّتْ دَار مكس حَتَّى أَنه يَوْم عَرَفَة قَامَ المشاعلي وَالنَّاس بذلك الْموقف الْعَظِيم يسْأَلُون الله مغْفرَة ذنوبهم فَنَادَى معاشر النَّاس كَافَّة من اشْترى بضَاعَة وسافر بهَا إِلَى غير الْقَاهِرَة حل دَمه وَمَاله للسُّلْطَان فَأخر التُّجَّار القادمون من الأقطار حَتَّى سَارُوا مَعَ الركب الْمصْرِيّ على مَا جرت بِهِ هَذِه الْعَادة المستجدة مُنْذُ سِنِين لتؤخذ مِنْهُم مكوس بضائعهم ثمَّ إِذا سَارُوا من الْقَاهِرَة إِلَى بِلَادهمْ من الْبَصْرَة والكوفة وَالْعراق أَخذ مِنْهُم المكس بِبِلَاد الشَّام وَغَيرهَا. وَهَذَا لينكر وَتلك الْأُمُور يعتني بإنكارها وَيسْعَى أهل الْبِلَاد فِي إِزَالَتهَا فيا نفس جدي إِن دهرك هازل. وَلَقَد كَانَ السَّبَب فِي كِتَابَة هَذَا المرسوم أَن رجلا من الْعَجم يظْهر للنَّاس النّسك ولأمراء الدولة فِيهِ اعْتِقَاد أَمرهم بذلك فأتمروا. وَقد أذكرني هَذَا مَا كتب بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه لما ولي الْخلَافَة: أما بعد فَإِنَّكُم بَلغْتُمْ بالإقتداء والإتباع فَلَا تلفتنكم الدُّنْيَا عَن أَمركُم فَإِن أَمر هَذِه الْأمة صائر إِلَى الابتداع بعد اجْتِمَاع ثَلَاث فِيكُم تَكَامل النعم وبلوغ أَوْلَادكُم من السبايا وَقِرَاءَة الْأَعَاجِم والأعراب الْقُرْآن. فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْكفْر فِي العجمة فَإِذا استعجم عَلَيْهِم أَمر تكلفوا وابتدعوا. وَلم يعرف قطّ أَن أَبْوَاب الْمَسْجِد الْحَرَام أغلقت إِلَّا فِي هَذِه الْحَادِثَة فَإِنَّهَا أَقَامَت مُدَّة أشهر مغلقة ضج النَّاس وفتحوا جَمِيع أَبْوَاب الْمَسْجِد على عَادَتهَا وَاسْتمرّ الْمَنْع فِي بَقِيَّة مَا رسم وَقدم من الْهِنْد إِلَى مَكَّة رسولان أَحدهمَا من صَاحب كلبرجه واسْمه مَحْمُود وَاسم رَسُوله شمس الدّين الغالي بغا وصحبته هَدِيَّة لأمير مَكَّة وهدية السُّلْطَان ومبلغ سِتَّة آلَاف دِينَار ليَشْتَرِي بِهِ دَارا عَن الصَّفَا وتعمر مدرسة وَالرَّسُول الآخر من صَاحب بنكالة بهدية للسُّلْطَان وهدية للخليفة.
وَوصل من الْعرَاق أَحْمد وَعلي ولدا الشريف حسن بن عجلَان. وَكَانَ لَهما مُدَّة بهَا وصحبتهما مَال جزيل فنهب جَمِيعه فِي الركب الْعقيلِيّ قريب مَكَّة ونهبت أَمْوَال كَثِيرَة مِنْهَا لتاجر وَاحِد مائَة جمل محملة بضائع مَا بَين شاشات وأرز وبهار وَغير ذَلِك. وَفِي رَابِع عشرينه: قبض بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة على أميرها الشريف خشرم بن دوغان بن جَعْفَر بن هبة الله بن جماز بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة فَإِنَّهُ لم يقم بالمبلغ الَّذِي وعد بِهِ وَقرر عوضه الشريف مَانع بن عَليّ بن عَطِيَّة بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة بن هَاشم بن قَاسم بن مهنا بن حُسَيْن بن مهنا بن دَاوُد بن قَاسم بن عبد الله بن طَاهِر بن يحيى بن الْحُسَيْن بن جَعْفَر بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الْأَمِير قشتمر الَّذِي تولى نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة ثمَّ أخرج إِلَى حلب فَقتل فِي وقْعَة التركمان فِي الْمحرم ومستراح مِنْهُ. وَتُوفِّي بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد القرقشندي الشَّافِعِي أَمِين الحكم فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشْرين الْمحرم. ومولده أول الْمحرم سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَكَانَ فَقِيها فَاضلا نَاب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ سِنِين وبرع فِي الْحساب والفرائض وَعمي قبل مَوته. وَتُوفِّي زاهد الْوَقْت الشَّيْخ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد اليمني الْمَعْرُوف بِابْن عرب
فارغه
فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَانِي ربيع الأول وَحمل من الْغَد حَتَّى صلى عَلَيْهِ تَحت القلعة بمصلى المرمني. وَنزل السُّلْطَان للصَّلَاة عَلَيْهِ فَتقدم قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين مَحْمُود العنتابي الْحَنَفِيّ فصلى عَلَيْهِ بِمن حضر وَكَانَ الْجمع موفوراً ثمَّ أُعِيد إِلَى خانكاه شيخو بالصليبة خَارج الْقَاهِرَة فَدفن بهَا. وَهُنَاكَ كَانَ سكنه وَوجد لَهُ مبلغ أَلفَيْنِ وَسَبْعمائة دِرْهَم فُلُوسًا. وَمن خَبره أَن أَبَاهُ كَانَ من أهل الْيمن وَسكن مَدِينَة برصا من بِلَاد الرّوم وَتزَوج بهَا فولد أَحْمد هَذَا وَنَشَأ ببرصا ثمَّ قدم الْقَاهِرَة شَابًّا وَنزل خانكاه شيخو وَقَرَأَ على إِمَام الْخمس بهَا خير الدّين سُلَيْمَان بن عبد الله فَقِيرا مملقاً يتَصَدَّق عَلَيْهِ بِمَا عساه يُقيم رمقه ويسد من خلته وينسخ بِالْأُجْرَةِ ثمَّ نزل بعد مُدَّة فِي جملَة صوفيتها بمبلغ ثَلَاثِينَ درهما الشَّهْر فَقَط فتعفف عِنْد ذَلِك عَن أَخذ مَا كَانَ يتَصَدَّق بِهِ عَلَيْهِ وَانْقطع عَن مجالسة النَّاس فِي بَيت بالخانكاه وَترك مخالطتهم وَأعْرض عَن كل أحد وَاقْتصر على ملبس خشن حقير إِلَى الْغَايَة وتقنع بِيَسِير الْقُوت وَصَارَ لَا ينزل من بَيته إِلَّا لَيْلًا ليَشْتَرِي قوته ثمَّ يطلع إِلَيْهِ فَإِذا حاباه أحد من الباعة فِيمَا يَشْتَرِيهِ من قوته تَركه وَمَا حاباه بِهِ. فَلَمَّا عرف بذلك تبرك الباعة بِهِ ووقفوا عِنْد مَا يُشِير لَهُم بِهِ ثمَّ صَار لَا ينزل من بَيته إِلَّا كل ثَلَاث لَيَال مرّة بعد عشَاء الْآخِرَة فيشتري قوته وَيعود إِلَى منزله وَلَا يقبل من أحد شَيْئا بِحَيْثُ أَن رجلا دس فِي قفته قَلِيل موز وَهُوَ لَا يشْعر فَلَمَّا رَآهُ عِنْد طلوعه إِلَى منزله لم يزل يفحص عَنهُ حَتَّى عرفه فَألْقى إِلَيْهِ موزه وَلم يزرأ مِنْهُ شَيْء وَكَانَ يغْتَسل بِالْمَاءِ الْبَارِد شتاء وصيفاً فِي كل يَوْم جُمُعَة ويمضي إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة من أول النَّهَار ويظل يُصَلِّي حَتَّى تُقَام الصَّلَاة فَيكون قِيَامه فِي تركعه هَذَا بِنَحْوِ ربع الْقُرْآن من غير أَن تسمع لَهُ قِرَاءَة إِلَّا أَنه يطلّ قِيَامه حَتَّى يجوز أَنه يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بحزبين. وَمَعَ محبَّة النَّاس لَهُ وَكَثْرَة تعظيمهم لَهُ صانه الله من إقبالهم إِلَيْهِ فَكَانَ يمر إِلَى الْجُمُعَة وَلَا يرى نَهَارا إِلَّا إِذا رَاح إِلَى الْجُمُعَة وَلَا يرى لَيْلًا إِلَّا كل ثَلَاث ليَالِي إِذا نزل لشراء مَا يتقوت بِهِ وَلَا يَجْسُر أحد أَن يدنو مِنْهُ فَإِن دنا مِنْهُ أحد وَكَلمه لَا يجِيبه أَقَامَ على ذَلِك نَحْو الثَّلَاثِينَ سنة وَفِي أثْنَاء ذَلِك ترك النّسخ بِالْأُجْرَةِ وَاقْتصر على الثَّلَاثِينَ درهما فُلُوسًا فِي كل شهر وَأفضل مِنْهَا مَا وجد بعد مَوته وَكَانَ يرى فِي اللَّيْل وَقد قَامَ على قَدَمَيْهِ وَقَرَأَ ربع الْقُرْآن وَكَانَ يعرف الْقرَاءَات ورؤى مرّة بسطح الخانكاه وَقد مد يَده وفيهَا فتات الْخبز والطيور تَأْكُل مِمَّا فِي يَده وَكَانَ إِذا احْتَاجَ إِلَى خياطَة خيشة ليلبسها أَو إِعَانَة أحد عِنْد عَجزه فِي آخر عمره عَن حمل الجرة المَاء الَّتِي يتَوَضَّأ مِنْهَا أعطَاهُ من الْفُلُوس شَيْئا وَيَقُول: هَذَا أجرتك. وَكَانَت تمر بِهِ الأعوام الْكَثِيرَة لَا يتَلَفَّظ بِكَلِمَة سوى قِرَاءَة الْقُرْآن وَذكر الله. وَفِي كل شهر خَادِم
الخانكاه يحمل إِلَيْهِ الثَّلَاثِينَ دِرْهَم فَلَا يَأْخُذهَا إِلَّا عددا لَا وزنا فَإِن. الْمُعَامَلَة بالفلوس وزنا حدثت بعد انْقِطَاعه وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا نعلم أحدا على قدمه فِي هَذَا الزَّمَان. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن مُوسَى بن نصير المتبولي الْمَالِكِي موقع الحكم فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي شهر ربيع الأول عَن خمس وَثَمَانِينَ سنة. وَقد حدث عَن مُحَمَّد بن أزبك وَعمر بن أميلة وزغلس وست الْعَرَب وَجَمَاعَة وناب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ. وَتُوفِّي شهَاب الدّين أَحْمد بن يُوسُف بن مُحَمَّد الزعيفريني الدِّمَشْقِي الشَّاعِر فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي شهر ربيع الأول. وَكَانَ يَقُول الشّعْر وَيكْتب خطا حسنا وَيَزْعُم علم الْحَرْف ويستخرج من الْقُرْآن الْكَرِيم مَا يُرِيد مَعْرفَته من الْأَخْبَار بالمغيبات وخدع بذلك طَائِفَة من المماليك فِي أَيَّام الْفِتَن لأوائل دولة النَّاصِر فرج فَتحَرك لَهُ حَظّ راج بِهِ مديدة ثمَّ ركدت رِيحه وامتحن فِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَثَمَانمِائَة فَإِنَّهُ عثر على أَبْيَات
بِخَطِّهِ قد نظمها للأمير جمال الدّين يُوسُف الأستادار يُوهِمهُ أَنَّهَا ملحمة فِيهَا أَنه سيملك مصر وَيملك بعده ابْنه فَقطع النَّاصِر لِسَانه وعقدتين من أَصَابِعه ورفق بِهِ عِنْد الْقطع فَلم يمنعهُ ذَلِك من النُّطْق وَلزِمَ دَاره وَأظْهر الخرس مُدَّة أَيَّام النَّاصِر ثمَّ تكلم بعد ذَلِك وَأخذ فِي الظُّهُور أَيَّام الْمُؤَيد شيخ فَلم يبرح بهرجه فَانْقَطع حَتَّى مَاتَ كمداً. وَهلك بطرك النَّصَارَى اليعاقبة غبريال فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي شهر ربيع الأول. وَكَانَ أَولا من جملَة الْكتاب ثمَّ ترقى حَتَّى ولي البطركية. وَكَانَت أَيَّامه شَرّ أَيَّام مرت بالنصارى. وَلَقي هُوَ شَدَائِد وأهين مرَارًا وَصَارَ يمشي فِي الطرقات على قَدَمَيْهِ وَإِذا دخل إِلَى مجْلِس السُّلْطَان أَو الْأُمَرَاء يقف وَقلت ذَات يَده وَخرج إِلَى الْقرى مرَارًا يستجدي النَّصَارَى فَلم يظفر مِنْهُم بطائل لما نزل بهم من الْقلَّة والفاقة وَكَانَت للبطاركة عوائد على الحطي ملك الْحَبَشَة يحمل إِلَيْهِم مِنْهُ الْأَمْوَال الْعَظِيمَة فَانْقَطَعت فِي أَيَّام غبريال هَذَا لاحتقارهم لَهُ وَقلة اكتراثهم بِهِ وطعنهم فِيهِ بِأَنَّهُ كَانَ كَاتبا وذمته مَشْغُولَة بمظالم الْعباد. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا أدركنا بطركاً أخمل مِنْهُ حَرَكَة وَلَا أقل مِنْهُ بركَة. وَمَات الْأَمِير الطواشي كافور الصرغتمشي شبْل الدولة زِمَام الدَّار وَقد قَارب الثَّمَانِينَ سنة فِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشْرين شهر ربيع الآخر وَكَانَ من عُتَقَاء الْأَمِير منكلي بغا الشمسي وخدم دهراً عِنْد زَوجته خوند الأشرفية أُخْت الْأَشْرَف شعْبَان ابْن حُسَيْن مُدَّة ثمَّ خدم فِي بَيت السُّلْطَان فولاه النَّاصِر فرج زِمَام الدَّار وعزل مِنْهَا بعد موت الْمُؤَيد شيخ ثمَّ أُعِيد وَكَانَ قَلِيل الشَّرّ. أنشأ بحارة الديلم جَامعا وَأَنْشَأَ بالصحراء خانكاه وَله عدَّة مَوَاضِع أَنْشَأَهَا بِالْقَاهِرَةِ مَا بَين رباع غَيرهَا. وَخلف مَالا مثيراً. وَضرب عنق نَصْرَانِيّ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشْرين شهر ربيع الآخر على أَنه سَاحر وَقد حكم بعض نواب الحكم الْمَالِكِيَّة بقتْله واتهم أَنه قَتله لغَرَض وَللَّه الْعلم. وَتُوفِّي الشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد البشتكي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة. وجد فِي حَوْض الْحمام مَيتا ومولده فِي أحد الربيعين من سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة. وَكَانَ أحد أَفْرَاد الزَّمَان فِي كَثْرَة الْكِتَابَة ينْسَخ فِي الْيَوْم خمس كراريس فَإِذا تَعب اضْطجع على جنبه وَكتب كَمَا يكْتب وَهُوَ جَالس. فَكتب مَا لَا
يدْخل تَحت حصر وَمن النّسخ كَانَت معيشته مَعَ نزاهة النَّفس وحدة المزاج والإقتداء بِالسنةِ والتمذهب لِابْنِ حزم الظَّاهِرِيّ وَكَانَ يَقُول الشّعْر ويذاكر بِمَا شِئْت من أَنْوَاع الْعُلُوم فَالله يرحمه. وَلَقَد أوحشنا فَقده وَلم يخلف مثله بعده. وَمَات نجم الدّين عمر بن حجي بن مُوسَى بن أَحْمد بن سعد السَّعْدِيّ الحسباني الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق وَكَاتب السِّرّ بديار مصر فِي لَيْلَة الْأَحَد مستهل ذِي الْقعدَة عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة وَقد نقب عَلَيْهِ بستانه بالنيرب خَارج دمشق وَدخل عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِم عدَّة رجال فَقَتَلُوهُ وَخَرجُوا من غير أَن يَأْخُذُوا لَهُ شَيْئا فَلم يرع زَوجته إِلَّا بِهِ وَهُوَ يضطرب. وَكَانَ أَبوهُ من فُقَهَاء دمشق وَنَشَأ بهَا وَولي قضاءها بعد الخراب فِي وَاقعَة تمرلك. وعزل وأعيد مرَارًا ثمَّ ولي كِتَابَة السِّرّ فَلم ينجح وَخرج مِنْهَا بِأَسْوَأ حَال ثمَّ أُعِيد إِلَى قَضَاء دمشق فَمَاتَ وَهُوَ قَاض. وَكَانَ يسير غير سيرة الْقُضَاة وَيَرْمِي بعظائم وَلم يُوصف بدين قطّ. وَمَات بعدن من بِلَاد الْيمن التَّاجِر شهَاب الدّين بركوت بن عبد الله المكيني مولى الْحَاج سعيد مولى المكين فِي سادس ذِي الْحجَّة. وَقد سكن الْقَاهِرَة سِنِين. وَتُوفِّي تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن الزكي عبد الْوَاحِد بن الْعِمَاد مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين أَحْمد الأخناي الْمَالِكِي أحد نواب الحكم بِالْقَاهِرَةِ عَن الْمَالِكِيَّة وَهُوَ بِمَكَّة فِي ثَالِث ذِي الْحجَّة عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة. وَكَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سواهُ مشكوراً. وَمَات متملك الْيمن الْملك الْمَنْصُور عبد الله بن النَّاصِر أَحْمد بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن الْأَفْضَل عَبَّاس بن الْمُجَاهِد عَليّ بن الْمُؤَيد دَاوُد بن المظفر يحيى بن الْمَنْصُور عمر بن عَليّ بن رَسُول فِي جُمَادَى الأولى وأقيم من بعده أَخُوهُ الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل ثمَّ خلع بعده وأقيم بدله الْملك الظاهرهزبر الدّين يحيى بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل فِي ثَالِث شهر رَجَب.
فارغه