الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة)
أهلت هَذِه السّنة ومعظم عَسَاكِر مصر وَالشَّام فِي التجريدة وبقيتهم بِالْقَاهِرَةِ وظواهرها فِي إختلاف. شهر الله الْمحرم أَوله الثُّلَاثَاء فِيهِ رجل الْعَسْكَر الْمُجَرّد عَن مَدِينَة أرزنكان عَائِدًا إِلَى حلب. وَفِي رابعه: توجه الْأَمِير تغرى بردى المؤذى على عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة إِلَى الْبحيرَة بِسَبَب قرب لبيد عرب برقة من الْبِلَاد. وَفِيه خلع على جكم الخاصكى خَال السُّلْطَان وإستقر خازندارً عوضا عَن على بيه. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سابعه: قدم مبشرو الْحَاج. وَفِي ثامنه: خلع على شهَاب الدّين أَحْمد بن شمس الدّين مُحَمَّد الْمَعْرُوف بإبن النُّسْخَة شَاهد الْقيمَة. وإستقر فِي وكَالَة بَيت المَال وَكَانَت شاغرة مُنْذُ وَفَاة نور الدّين على بن مُفْلِح. وخلع على نظام الدّين بن مُفْلِح الدمشقى الْوَاعِظ وأعيد إِلَى قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق عوضا عَن عز الدّين عبد الْعَزِيز البغدادى. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشره: إستدعى الشَّيْخ سعد الدّين سعد ابْن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الديرى المقدسى شيخ الْجَامِع المؤيدى. وخلع عَلَيْهِ. وَقد فوض إِلَيْهِ قَضَاء الْحَنَفِيَّة بديار مصر عوضا عَن بدر الدّين مَحْمُود العينى بَعْدَمَا سُئِلَ بذلك مرَارًا وَهُوَ يمْتَنع ثمَّ أجَاب وَشرط على الْأُمَرَاء أَنه لَا يقبل رِسَالَة أحد مِنْهُم وَأَن لَا يتجوه عَلَيْهِ فِي شىء. وَفِيه أنعم على سَبْعَة من المماليك بأمريات عشرَة وهم قانبك الساقى وقانم التتاجر وجانم الدوادار وجانبك الساقى وجكم الْمَجْنُون وجكم خَال السُّلْطَان وجرباش رَأس نوبَة الجمدارية. وَفِي خَامِس عشره: أُعِيد مُرَاد بك قَاصد الْأَمِير حَمْزَة بن قرايلك صَاحب ماردين
وآمد وَالْقَاضِي شمس الدّين القطماوى موقع الدست بحلب. وجهز صحبتهما مبارك شاه البريدى وعَلى يَده جَوَاب كتاب الْأَمِير حمزه بشكره وَالثنَاء عَلَيْهِ وتشريف لَهُ بنيابة السلطنة وَفرس بقماش ذهب وهدية مَا بَين ثِيَاب سكندرى وَغَيره وَسلَاح ونسخة يَمِين ليحلف بهَا على طَاعَة السُّلْطَان ومناصحته. وَأجِيب الْأُمَرَاء المجردون أَيْضا عَن كتبهمْ وَأَن يسارعوا بالحضور. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشره: خلع على أزبك خجا المؤيدى رَأس نوبَة وَعين لتقليد الْأَمِير الجكمى نَائِب الشَّام وإستقراره على عَادَته. وخلع على قانصوه الخاصكى وَعين لتقليد الْأَمِير تغرى برمش نَائِب حلب وإستقراره على عَادَته. وَعين لتقليد الْأَمِير جلبان نَائِب طرابلس الْأَمِير أينال الخاصكى وَعين دولات باى الخاصكى لتقليد الْأَمِير قانياى الحمزاوى نَائِب حماة ولتقليد على بن طغرق بن دلغادر التركمانى نَائِب حمص. وَعين يشبك الخاصكى لتقليد الْأَمِير أيناْل الأجرود نَائِب صفد. وخلع عَلَيْهِم. هَذَا والنواب الْمَذْكُورين فِي التجريدة. وَكتب إِلَيْهِم جَمِيعًا بِسُرْعَة قدومهم. وَفِيه حل بالقاضى زين الدّين عبد الباسط حَالَة غير مرضية من بعض المماليك فِي وَقت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بَعْدَمَا نزل بِهِ من المماليك فِي هَذِه الْأَيَّام أَنْوَاع من المكاره مَا بَين تهديد وإساءة إحتاج من أجل ذَلِك إِلَى بذل الْأَمْوَال لَهُم ليكفوا من شرهم عَنهُ. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ عشرينه: قدم المماليك المجردون فِي السّنة الْمَاضِيَة إِلَى مَكَّة وَقد مَاتَ أَمِيرهمْ بهَا. وَكثر شرهم بِمَكَّة وإفسادهم وإستخفافهم بِحرْمَة الْكَعْبَة. وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الركب الأول من الْحجَّاج وَقدم الْمحمل فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرينه بِبَقِيَّة الْحجَّاج بَعْدَمَا نزل بالحاج بلَاء عَظِيم وَهُوَ أَن ركب الغزاويين وَمن إنضم إِلَيْهِم من أهل الرملة وَمن أهل الْقُدس وبلاد السَّاحِل وَأهل يَنْبع لما نزلُوا فِي عودهم من مَكَّة بوادى عنتر قريب من أزلم خرج عَلَيْهِم من عرب بلَى نَحْو أَرْبَعِينَ فَارِسًا وَمِائَة وَعشْرين رَاجِلا يطْلبُونَ مِنْهُم مَالا فَأَما الينابعة فَإِنَّهُم جبوا لَهُم مبلغا من الذَّهَب دفعوه إِلَيْهِم فكفوا عَنْهُم وتركوهم فَلَحقُوا الركب وَأما الغزاويون فإستعد مقدمهم وَرمى الْعَرَب بالنشاب وَقتل مِنْهُم ثَلَاثَة فحملوا عَلَيْهِ حَملَة مُنكرَة أَخَذُوهُ فِيهَا ومالوا على الركب يقتلُون وَيَأْسِرُونَ وينهبون فَمَا عفوا وَلَا كفوا فَيَقُول المكثر إِنَّهُم أخذُوا ثَلَاثَة آلَاف جمل بأحمالها وَعَلَيْهَا من المَال مَا بَين ذهب وَفِضة وبضائع وأزودة الْحَاج مَا لَا يقدر قدره كَثْرَة. وخلص من تفلت من الركب
وهم عُرَاة حُفَاة يُرِيدُونَ اللحاق بالمحمل فَمَاتَ مِنْهُم عدَّة وَلحق بالمحمل عدَّة وَتَأَخر بالبرية مِنْهُم عدَّة. قدم مِنْهُم إِلَى الْقَاهِرَة من تَأَخَّرت منيته فِيمَا بعد من الْبر وَالْبَحْر بِأَسْوَأ حَال وفقد النَّاس من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان وَالْبَنَات عددا كَبِيرا فَكَانَت هَذِه الْحَادِثَة من شنائع مَا أدركناه. وَلم يمتعض لَهَا أحد لإهمال أهل الدولة الْأُمُور وإعراضهم عَن عمل الْمصَالح. وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. ولى يَوْم السبت خَامِس عشرينه: خلع على الطواشى شاهين الساقي وإستقر فِي مشيخة الخدام بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ عوضا عَن ولى الدّين مُحَمَّد بن قَاسم الْمحلى مضحك السُّلْطَان. وفى يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشرنيه: قدم مماليك نواب الشَّام وعَلى أَيْديهم المطالعات تَتَضَمَّن أَنهم ملكوا مَدِينَة أرزكنان على مَا تقدم ذكره وَمن الْعجب أَن مَدِينَة أقشهر وقلاعها ومدينة أرزنكان أخذت للسُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف برسباى وَبَاعه وَهُوَ ميت وسطوته ومهابته فِي قُلُوب أهل تِلْكَ الْبِلَاد مَعَ بعْدهَا عَنهُ وأوامره نَافِذَة فِي تِلْكَ الرعايا وَلَو علمُوا أَنه قد مَاتَ لما أمكن الْعَسْكَر السُّلْطَانِيَّة فعل شىء من ذَلِك وَلَكِن الله يفعل مَا يُرِيد وَإِذا أَرَادَ الله بِقوم سوءا فَلَا مرد لَهُ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: بعد رحيل العساكر السُّلْطَانِيَّة عَن أرزنكان سَار الْأَمِير حَمْزَة ابْن قرايلك من ماردين لأخذ أرزنكان. وَقد تنكر على أَخِيه يَعْقُوب من أجل أَنه سَالم العساكر السُّلْطَانِيَّة حَتَّى دخلُوا الْمَدِينَة فَخرج إِلَيْهِ جهان كير إِبْنِ أَخِيه وَأقَام
جَعْفَر إِبْنِ أَخِيه يَعْقُوب بِمَدِينَة أرزنكان فعندما التقى الْجَمْعَانِ خامر أَكثر من مَعَ حَمْزَة وصاروا إِلَى جهان كرّ فإنهزم بعد وقْعَة كَانَت بَينهمَا وَقد جرح. شهر صفر أَوله الْخَمِيس: فِيهِ تجمع عدَّة من الممالك على القَاضِي زين الدّين عبد الباسط عِنْد نُزُوله من القلعة. وهموا بِهِ فولى يُرِيد القلعة وهم فِي طلبه حَتَّى إمتَنع مِنْهُم بِدُخُولِهِ القلعة وَقد حماه جمَاعَة فَأَقَامَ يَوْمه وَبَات بهَا وَهُوَ يطْلب الإعفاء من نظر الْجَيْش والأستادارية. فَلَمَّا أصبح يَوْم الْجُمُعَة طلع الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك جقمق وَجَمِيع أهل الدولة وَخرج السُّلْطَان إِلَى الحوش فإستدعى بِالْقَاضِي عبد الباسط. وَجَرت بَينه وَبَين الْأَمِير الْكَبِير مخاطبات فِي إستمراره على محادته وَهُوَ يطْلب الإعفاء من الْمُبَاشرَة إِلَى أَن خلع عَلَيْهِ وعَلى مَمْلُوكه الْأَمِير جَانِبك أستادار. وَنزلا من القلعة على فرسين أخرجَا لَهما من الاصطبل بقماش ذهب وَقد ركب مَعَه إِلَى دَاره عُظَمَاء الدولة. وَفِي يَوْم الْأَحَد رابعه: وَردت مطالعة الْأَمِير أينال الجمكى نَائِب الشَّام بقدومه حلب هُوَ والعساكر الْمُجَرَّدَة فِي الْعشْرين من الْمحرم إِلَّا الْأَمِير تغرى برمش نَائِب حلب فَإِنَّهُ لما بلغه وَفَاة السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف عزم أَن يكبس الْأُمَرَاء المصريين فَبَلغهُمْ ذَلِك فإستعدوا لَهُ حَتَّى دخلُوا حلب فَبَلغهُمْ أَنه كتب إِلَى نَائِب الْغَيْبَة أَلا يُمكنهُم من الْمَدِينَة هَذَا وَقد جمع عَلَيْهِ عدَّة من طوائف التركمان وَأَن الْأَمِير أينال نَائِب الشَّام أَخذ فِي تخذيلهم عَنهُ وَأرْسل إِلَيْهِ يعتبه على إنفراده عَنْهُم فَاعْتَذر بتخوفه من الْأُمَرَاء المصريين. وَفِي يَوْم السبت عاشره: رسم أَن يقْتَصر فِي حُضُور الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة على أَرْبَعَة
أَيَّام فِي الْأُسْبُوع وَأَن تكون الْخدمَة بِالْقصرِ فَقَط. ويتوفر حُضُور أهل الدولة إِلَى القلعة فِي يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الْأَرْبَعَاء وَيَوْم الْجُمُعَة وهى الْأَيَّام الَّتِي عمل فِيهَا الْخدمَة بالحوش. ثمَّ إنتقض ذَلِك بعد قَلِيل. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشره: قدم مَمْلُوك الْأَمِير تغرى برمش نَائِب حلب بكتابه يتَضَمَّن رحيل الْأُمَرَاء ونائب الشَّام جَمِيعًا عَن حلب إِلَى جِهَة دمشق فِي سادس عشْرين الْمحرم وَأَنه قدم بعدهمْ إِلَى حلب فِي ثامن عشرينه. وَفِي ثَانِي عشره: تجمع المماليك الأشرفية بالقلعة يُرِيدُونَ قتل خشداشيهم الْأَمِير أينال الدوادار ففر مِنْهُم بحماية بَعضهم لَهُ وَنزل إِلَى دَاره فوقفوا خَارج الْقصر وسألوا الْأَمِير الْكَبِير جقمق أَن يكون هُوَ المستبد بالحكم وَأَن تكف يَد أينال وَغَيره عَن الحكم وَالتَّصَرُّف فَوَعَدَهُمْ ذَلِك فإنفضوا ووقف من الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء جمَاعَة مِنْهُم تَحت القلعة بِغَيْر سلَاح فَكَانَت بَينهم وَبَين جمَاعَة الْأَمِير أينال وقْعَة بالدبابيس. ثمَّ عَادوا بكرَة يَوْم الْأَرْبَعَاء إِلَى مواقفهم تَحت القلعة وَقد صَار الْعَسْكَر قسمَيْنِ: إِحْدَاهمَا مَعَ الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك جقمق وَيُقَال لَهُم القرانصة وهم الْأُمَرَاء والمماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق والناصرية فرج بن برقوق والمؤيدية والنوروزية والجكمية وَمَعَهُمْ طَائِفَة من الأشرفية قد فارقوا إِخْوَتهم وصاروا مَعَ هَؤُلَاءِ. وكل من الْأَمِير الْكَبِير وَمِمَّنْ مَعَه يظْهر أَنه فِي طَاعَة السُّلْطَان وَإِنَّمَا يُرِيد أَن تنزل طَائِفَة من الأشرفية سموهم إِلَى عِنْد الْأَمِير الْكَبِير جقمق فَإِنَّهُم هم الَّذين يثيرون الْفِتْنَة. وَالْقسم الآخر المماليك الأشرفية وهم بالقلعة مَعَ السُّلْطَان وَعِنْدهم الْخَلِيفَة وبأيديهم فِي القلعة خَزَائِن الْأَمْوَال وحواصل السِّلَاح الْكثير إِلَّا أَنهم أغمار جهال لم يجربوا الْأُمُور وَلَا أدربتهم الْأَيَّام فَلَا ينقاد صَغِيرهمْ لكبيرهم. والقرانصة وَإِن كَانُوا أقل مَالا ورحالاً إِلَّا أَنهم أقعد من الأشرفية بأعمال الْحَرْب وَأعرف بتصاريف الْأُمُور وَقد إجتمعوا على الْأَمِير الْكَبِير جقمق وإنقادوا لَهُ وَأَجْمعُوا على الْحَرْب مَعَه. فَلَمَّا أَصْبحُوا يَوْم الْخَمِيس لم يصعد الْأَمِير الْكَبِير جقمق إِلَى القلعة وتحول من دَاره المطلة على بركَة الْفِيل وَنزل فِي بَيت قوصون تجاه بَاب السلسلة وَجمع عَلَيْهِ من وَافقه من القرانصة وَمن الزعر وأوغاد الْعَامَّة. وَقد وعدهم بِالنَّفَقَةِ فيهم. فإستعد الأشرفية فِي القلعة وَبَاتُوا على ذَلِك. وظلوا نَهَار الْجُمُعَة سادس عشره على تعبئتهم إِلَى بعد صَلَاة الْعَصْر. ثمَّ زحف أَتبَاع الْأَمِير جقمق على القلعة وَقد لبسوا أسلحتهم وهم فِيمَا يظْهر دون أهل القلعة فِي العَدد والعِدد فَرَمَاهُمْ الأشرفية بالنشاب حَتَّى أبعدوهم فمالوا نَحْو بَاب القرافة