الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة)
أهلت هَذِه السّنة وسلطان مصر وَالشَّام والحجاز الْملك الْأَشْرَف أَبُو الْعِزّ برسباي والأمير الْكَبِير الأتابك بيبغا المظفري. والدوادار الْكَبِير سودن بن عبد الرَّحْمَن. وأمير سلَاح قجق. وأمير مجْلِس أينال النوروزي. وأمير أخور جقمق. وَرَأس نوبَة أزبك. وحاجب الْحجاب جرباش قاشق. والوزير كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن عبد الرَّزَّاق بن مُحَمَّد ابْن كَاتب المناخ. وناظر الْخَاص بدر الدّين حسن بن نصر الله. وَكَاتب السِّرّ جمال الدّين يُوسُف بن الصفي الكركي. وأستادار نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي وَالِي الْقُدسِي. ونائب الشَّام تنبك البجاسي. ونائب حلب شارقطلوا. ونائب حماة جلبان ونائب طرابلس قصروه. ونائب صفد مقبل. ونائب الْإسْكَنْدَريَّة أقبغا التمرازي. وَالسُّلْطَان فِي قلق من جَانِبك الصُّوفِي وَهُوَ حثيث الطّلب لَهُ والفحص عَنهُ. وَالنَّاس فِي تخوف من ذَلِك فَمَا بَين الْوَاحِد وَبَين هَلَاكه إِلَّا أَن يَقُول عَدو لَهُ: جَانِبك الصُّوفِي عِنْد فلَان فَيُؤْخَذ ويعاقب حَتَّى يهْلك. وَمَعَ ذَلِك فَالنَّاس فِي ضيق من الْحجر على السكر والامتناع من بَيْعه إِلَّا للسُّلْطَان بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم القنطار وَلَا يَشْتَرِيهِ أحد إِلَّا من الحوانيت الَّتِي يُبَاع مِنْهَا سكر السُّلْطَان. فِي ثَانِيه: قدم الْأَمِير مقبل نَائِب صفد باستدعاء فَأكْرمه السُّلْطَان وخلع عَلَيْهِ
خلعة الِاسْتِمْرَار. وَفِي رابعه: ركب السُّلْطَان فِي طَائِفَة يسيرَة وَعبر من بَاب زويلة حَتَّى شَاهد عِمَارَته. وَمضى عَائِدًا إِلَى القلعة من بَاب النَّصْر وَهُوَ بِثِيَاب جُلُوسه كآحاد الأجناد من غير شعار المملكة. وَفِي ثامنه: قدم الْأَمِير قجق والأمير أركماس وَالْقَاضِي زين الدّين عبد الباسط من الْحجاز على الرَّوَاحِل فَخلع عَلَيْهِم. وَقدم مَعَهم الشريف مقبل أَمِير يَنْبع رَاغِبًا فِي الطَّاعَة فَخلع عَلَيْهِ وَفِي رَابِع عشره: توجه الْأَمِير مقبل عَائِدًا إِلَى صفد على عَادَته. وَفِي حادي عشرينه: قدم الركب الأولى من الْحجَّاج. وَقدم من الْغَد الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج. وَتَأَخر الْأَمِير قرقماس الدوادار فِي يَنْبع وَطلب عسكرًا لِيُقَاتل بِهِ الشريف حسن بن عجلَان ويستقر عوضه فِي إِمَارَة مَكَّة فَأُجِيب إِلَى! ذَلِك. وَنُودِيَ فِي الأجناد البطالين بِالْعرضِ كَمَا تقدم. وَعين مِنْهُم وَمن المماليك السُّلْطَانِيَّة جمَاعَة ليسافروا صُحْبَة حُسَيْن الْكرْدِي الكاشف. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على الْأَمِير سودن بن عبد الرَّحْمَن الدوادار وَاسْتقر نَائِب الشَّام عوضا عَن تنبك البجاسي وَنزل من القلعة سائراً إِلَى دمشق من غير أَن يدْخل دَاره فِي عدَّة وَفِي سادس عشرينه: قدمت رسل مُرَاد بن عُثْمَان صَاحب برصا بهدية. وَفِيه خلع على الشريف عَليّ بن عنان بن مغامس وَاسْتقر فِي إِمَارَة مَكَّة شَرِيكا للأمير قرقماس. وَفِي ثامن عشرينه: خلع على الشَّيْخ شهَاب الدّين أبي الْفضل أَحْمد بن عَليّ بن حجر مفتي دَار الْعدْل وَاسْتقر فِي قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح بن البُلْقِينِيّ. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثرت الأمطار بِالْقَاهِرَةِ وَالْوَجْه البحري كَثْرَة زَائِدَة. وَاشْتَدَّ الْبرد إِلَى غَايَة لم نعهد مثلهَا حَتَّى جمد المَاء فِي بعض الْأَوَانِي وتجلد الطل فِي الأسحار على
الأَرْض وعَلى الزروع. وَهَلَكت دَوَاب كَثِيرَة بالأرياف من الْبرد وَسَقَطت دور كَثِيرَة بهَا من الأمطار ورؤى الثَّلج على جبل المقطم. شهر صفر أَوله الثُّلَاثَاء: فِي عاشره: قدم شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ من الْقُدس متعرضاً بعودة إِلَى الْقَضَاء وَغير ذَلِك من المناصب. وَفِي رَابِع عشره: قدم الْخَبَر بِخُرُوج تنبك البجاسي عَن الطَّاعَة ومحاربته أُمَرَاء دمشق. وَسبب ذَلِك أَنه لما ولي سودن بن عبد الرَّحْمَن نِيَابَة الشَّام تقدّمت الملطفات السُّلْطَانِيَّة إِلَى أُمَرَاء دمشق بِالْقَبْضِ على تنبك البجاسي فَأتوا دَار السَّعَادَة فِي لَيْلَة الجعة رابعه واستدعوه ليقْرَأ عَلَيْهِ كتاب السُّلْطَان فارتاب من ذَلِك وَخرج من بَاب السِّرّ وَقد لبس السِّلَاح فِي جمع من مماليكه. فثار إِلَيْهِ الْأُمَرَاء واقتتلوا مَعَه حَتَّى مضى صدر نَهَار الْجُمُعَة فَانْهَزَمُوا مِنْهُ وتحصن طَائِفَة مِنْهُم بالقلعة وَمضى آخَرُونَ إِلَى سودن بن عبد الرَّحْمَن وَقد نزل على صفد. وَفِي تَاسِع عشره: خلع على نور الدّين السفطي - أحد مباشري دواوين الْأُمَرَاء - وَاسْتقر فِي وكَالَة بَيت المَال بعد موت شرف الدّين يَعْقُوب بن الْجلَال التباني. وَفِي ثَانِي عشرينه: نُودي بِأَن يُمكن النَّاس من طبخ السكر وَبيعه وشرائه وارتفع تحريكه وتضمين بَيْعه فسر النَّاس بذلك. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير سودن بن عبد الرَّحْمَن لما نزل على صفد تَلقاهُ الْأَمِير مقبل نائبها وَنزل مَعَه على جسر يَعْقُوب. خرج تنبك البجاسي من دمشق بَعْدَمَا تقدم ذكره من محاربة الْأُمَرَاء حَتَّى نزل على الجسر فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشره وَقد قطع سودن بن عبد الرَّحْمَن الجسر فَبَاتُوا يتحارسون وَأَصْبحُوا يَوْم السبت ثَانِي عشره يترامون نهارهم كُله حَتَّى حجز اللَّيْل بَينهم فَبَاتُوا لَيْلَة الْأَحَد على تعبيتهم. وَأصْبح تنبك يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشره راحلاً إِلَى جِهَة الصبيبة فِي انْتِظَار ابْن بِشَارَة أَن يَأْتِيهِ تَقْوِيَة لَهُ فَكتب سودن بذلك إِلَى السُّلْطَان وَركب بِمن مَعَه على جرائد الْخَيل وَترك الأثقال فِي موَاضعهَا مَعَ نَائِب الْقُدس. وسَاق حَتَّى دخل دمشق فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشره فَتمكن من القلعة. فللحال أدركهم تنبك وَقد بلغه مَسِيرهمْ فَلَقوهُ عِنْد بَاب الْجَابِيَة وقاتلوه فَثَبت لَهُم مَعَ كثرتهم وَقَاتلهمْ أَشد قتال وَالرَّمْي ينزل عَلَيْهِ من القلعة فتقنطر عَن فرسه لضربة أَصَابَت كتفه حَتَّى خلته فتكاثروا عَلَيْهِ وجروه إِلَى الْقلع وَمَعَهُ نَحْو عشْرين من أَصْحَابه. وَكتب بذلك للسُّلْطَان فَقدم الْكتاب الأول من
جسر يَعْقُوب فِي يَوْم الْأَحَد عشرينه فاضطرب النَّاس وَوَقع الشُّرُوع فِي السّفر وأحضرت خُيُول كَثِيرَة من مرابطها بِالربيعِ فَقدم الْخَبَر الثَّانِي بِأخذ تنبك البجاسي بِدِمَشْق فدقت البشائر وَكتب بقتل تنبك وَحمل رَأسه إِلَيّ مصر وتتبع من كَانَ مَعَه. وَبَطلَت حَرَكَة السّفر. وَفِيه ابتدئ بهدم المأذنة الَّتِي أَنْشَأَهَا الْملك الْمُؤَيد شيخ على بَاب الْجَامِع الْأَزْهَر من أجل أَنَّهَا مَالَتْ حَتَّى قرب سُقُوطهَا. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على الشَّيْخ سراج الدّين عمر بن عَليّ بن فَارس الخلاطي الْمَعْرُوف بقارئ الْهِدَايَة. وَاسْتقر فِي مشيخة خانقاه شيخو عوضا عَن شرف الدّين يَعْقُوب بن التباني. وَفِي سَابِع عشرينه: نُودي على جَانِبك الصُّوفِي ووعد من أحضرهُ بِأَلف دِينَار وَإِن كَانَ جندياً بإمرة عشرَة وهدد من أخفاه وَظهر عِنْده بإحراق الحارة الَّتِي هُوَ سَاكن بهَا وَحلف الْمُنَادِي على كل وَاحِدَة مِمَّا ذكر يَمِينا عَن السُّلْطَان. شهر ربيع الأول أَوله الْخَمِيس: فِيهِ خلع على ولي الدّين مُحَمَّد السفلي الشَّافِعِي وَاسْتقر فِي إِفْتَاء دَار الْعدْل لَا عَن أحد وَفِي ثَانِيه: نُودي بِالْخرُوجِ إِلَى حَرْب مَكَّة فاستشنع ذَلِك. وَكَانَ قد بَطل أَمر التجويده إِلَى مَكَّة شغلاً بِخَبَر تنبك البجاسي. فَلَمَّا تفرغ قلب السُّلْطَان اشْتغل بِأَمْر مَكَّة. وَفِي رابعه: أنْفق فِي المجردين مبلغ أَرْبَعِينَ دِينَارا لكل وَاحِد. وَفِي حادي عشره: قدم رَأس تنبك البجاسي وعلق على بَاب النَّصْر. وَفِي يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشره: رسم بِفَتْح كَنِيسَة قمامة بالقدس ففتحت. وَفِي سَابِع عشره: ركب السُّلْطَان حَتَّى عبر من بَاب زويلة وَشَاهد عِمَارَته وَمضى من بَاب النَّصْر إِلَى القلعة وَهُوَ بِثِيَاب جُلُوسه من غير شارة الْملك.
وَفِي ثامن عشره: خرجت التجريدة إِلَى مَكَّة صُحْبَة الشريف عَليّ بن عنان. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عشرينه: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الدايم الْبرمَاوِيّ وَاسْتقر فِي تدريس الْفِقْه للشَّافِعِيَّة بالجامع المؤيدي وَكَانَ بيد قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير أزبك رَأس نوبَة وَاسْتقر دواداراً كَبِيرا عوضا عَن. الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن نَائِب الشَّام وَكَانَت شاغرة هَذِه الْمدَّة. وخلع على الْأَمِير تغري بردي المحمودي وَاسْتقر رَأس نوبَة عوضا عَن الْأَمِير أزبك.
شهر ربيع الآخر أَوله الْجُمُعَة: فِي ثَانِيه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر وأعيد إِلَى تدريس الْجَامِع المؤيدي. وخلع على الْبرمَاوِيّ وَاسْتقر نَائِبا عَن حفيد قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أبي زرْعَة بن الْعِرَاقِيّ فِيمَا باسمه من وظائف جده حَتَّى يتأهل لمباشرتها. وَفِي تاسعه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ وَاسْتقر فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن الْجمال يُوسُف بن الصفي. وَنزل فِي موكب جليل وَمَعَهُ عدَّة من الْأُمَرَاء والأعيان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تحرّك سعر الغلال وأبيع الْقَمْح بِمِائَتي دِرْهَم الأردب بعد مائَة وَأَرْبَعين. وَقل وجوده. وَفِي سَابِع عشره: ختن السُّلْطَان وَلَده الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد وَعمل لختانه مهما حَضَره الْأُمَرَاء ثمَّ خلع عَلَيْهِم وأركبهم خيولاً بقماش ذهب وَمَا مِنْهُم إِلَّا من نقط عِنْد الْخِتَان بمبلغ ذهب فَجمع النقوط وَصرف للمزين مِنْهُ مائَة دِينَار وَحمل الْبَقِيَّة إِلَى الخزانة. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: عثر بعض النَّاس بِجَمَاعَة قد خزنوا من رمم بني أَدَم شَيْئا كثيرا فحملوا إِلَى الْوَالِي فَمَا زَالَ بهم حَتَّى أقرُّوا أَنهم ينبشون الْأَمْوَات من قُبُورهم ثمَّ يغلون الْمَيِّت فِي المَاء بِنَار شَدِيدَة حَتَّى ينهري لَحْمه ويجمعون مَا يَعْلُو المَاء من الدّهن ثمَّ يبيعونه للفرنج بِخَمْسَة وَعشْرين دِينَار القنطار فحبسوا وَنسي خبرهم بعد مَا شَاهد النَّاس رمم الْمَوْتَى عِنْدهم والأواني الَّتِي بهَا الدّهن وحملت إِلَى السُّلْطَان حَتَّى رَآهَا وشق بهَا الْقَاهِرَة. وَفِي خَامِس عشرينه: حضر السُّلْطَان نَفَقَة جامكية المماليك وَقطع عدَّة مِمَّن لَهُ إقطاع بالحلقة. شهر جُمَادَى الأول أَوله السبت: فِي ثالثه: خلع على زين الدّين عبد الرَّحِيم الْحَمَوِيّ الْوَاعِظ وَاسْتقر خَطِيبًا بالجامع الأشرفي. وَفِي رابعه: نُودي من نزل عَن وَظِيفَة تصوف بخانكاة أَو غير تصوف ضرب بالمقارع. وَسبب ذَلِك أَن جمَاعَة مِمَّن لَهُ تصوف بخانكاة سعيد السُّعَدَاء وخانكاة
بيبرس والظاهرية المستجدة بَين القصرين وبخانكاة شيخو وبالجامع المؤيدي أخذُوا فِي النُّزُول عَمَّا باسمهم من التصوف بِمَال حَتَّى يتشفعوا بِمن لَهُ جاه ويستقروا فِي عمَارَة السُّلْطَان من جملَة صوفيتها كَمَا فعل جمَاعَة عِنْد مَا أنشأ الْملك الْمُؤَيد شيخ الْجَامِع بجوار بَاب زويلة وَجعل فِيهِ صوفية فوشى بذلك للسُّلْطَان وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سابعه: أُقِيمَت الْخطْبَة بالجامع الأشرفي وَلم يكمل مِنْهُ سوى الإيوان القبلي. وَفِي خَامِس عشره: قدم قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين عمر بن حجي من دمشقي وَقد طب الْحُضُور. وَفِي ثامن عشره: خلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الْعَطَّار الْحَمَوِيّ الَّذِي كَانَ نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وَاسْتقر نَاظر الْقُدس والخليل عليه السلام عوضا عَن الْأَمِير حسام الدّين حسن نَائِب الْقُدس. وَفِي هَذَا الشَّهْر: صودر أَعْيَان دمشق وَهِي ثَالِث مصادرة. وَفِي تَاسِع عشرينه: قبض على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي وَالِي أستادار وعَلى نَاظر الدِّيوَان الْمُفْرد كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن سعد الدّين بركَة الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب حكم وعوقاً بالقلعة. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: خلع على الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وأعيد أستاداراً عوضا عَن ابْن أبي وَالِي وأضيف إِلَيْهِ كشف الْوَجْه البحري فَنزل فِي موكب جليل وَمَعَهُ أَكثر الْأُمَرَاء الأكابر وَعَامة الْأَعْيَان. وَفِيه قدم الْخَبَر بوصول الشريف عَليّ بن عنان إِلَى يَنْبع بِمن مَعَه من المماليك المجردين. وَتوجه الْأَمِير قرقماس مَعَه إِلَى مَكَّة فَدَخَلُوهَا يَوْم الْخَمِيس سادس جُمَادَى الأولى بِغَيْر حَرْب. وَأَن الشريف حسن بن عجلَان سَار إِلَى حلي بنى يَعْقُوب من بِلَاد الْيمن. وَأَن الوباء. بِمَكَّة ابْتَدَأَ من نصف ذِي الْحجَّة وَاسْتمرّ إِلَى آخر شهر ربيع الآخر فَمَاتَ بهَا نَحْو ثَلَاثَة آلَاف نفس. وَأَنه كَانَ يَمُوت فِي الْيَوْم خَمْسُونَ إنْسَانا عدَّة أَيَّام وَأَن الوباء تناقص من أَوَائِل جُمَادَى الأولى. وَأَنه جَاءَ فِي ثَالِث جُمَادَى الأولى سيل عَظِيم حَتَّى صَار الْمَسْجِد الْحَرَام بحراً وَوصل المَاء إِلَى قريب من الْحجر الْأسود وَصَارَ
فِي الْمَسْجِد أوساخ وخرق كَثِيرَة جَاءَ بهَا السَّيْل وَأَن الْخطْبَة أُعِيدَت بِمَكَّة لصَاحب الْيمن فِي سَابِع جُمَادَى الأولى بعد مَا ترك اسْمه وَالدُّعَاء لَهُ من أَيَّام الْمَوْسِم. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رابعه: جمع الْقُضَاة وَأهل الْعلم وَقد رسم بِأخذ زكوات أَمْوَال النَّاس للسُّلْطَان فاتفقوا على أَنه لَيْسَ لَهُ أَخذهَا فِي هَذَا الزَّمَان فَإِن النُّقُود من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالنَّاس مأمونون فِيهَا على إِخْرَاج زَكَاتهَا. وَأما الْعرُوض من القماش وَنَحْوه مِمَّا هُوَ بأيدي التُّجَّار فَإِن المكوس أخذت مِنْهُم فِي الأَصْل على أَنَّهَا زَكَاة ثمَّ تضاعفت المكوس الْمَأْخُوذَة مِنْهُم حَتَّى جرى فِيهَا مَا جرى. وَأما الْبَهَائِم من الْإِبِل وَالْغنم فَإِن أَرض مصر لَا ترعى فِيهَا سائماً وَإِنَّمَا هِيَ تعلف بِالْمَالِ فَلَا زَكَاة فِيهَا. وَأما الخضروات والزروع فَإِن الفلاحين فِي حَال من المغارم وَفِي ثَانِي عشره: خلع على الْوَزير الصاحب كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن كَاتب المناخ وأضيف إِلَيْهِ نظر الدِّيوَان الْمُفْرد رَفِيقًا للأمير صَلَاح الدّين أستادار عوضا عَن كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن كَاتب جكم وَاسْتقر ابْن كَاتب جكم على مَا بِيَدِهِ من أستادار ابْن السُّلْطَان. وَفِي تَاسِع عشره: توجه قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن الكشك عَائِدًا إِلَى دمشق على قَضَاء الْحَنَفِيَّة بهَا بعد مَا أَخذ مِنْهُ نَحْو عشرَة آلَاف دِينَار. وَفِيه قدم الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عَلَاء الدّين عَليّ بن برهَان الدّين إِبْرَاهِيم نقيب الْأَشْرَاف بِدِمَشْق وَقد طلب الْحُضُور. وَفِيه اتّفقت نادرة وَهِي أَن زَوْجَة السُّلْطَان لما مَاتَت عمل لَهَا ختم عِنْد قبرها فِي الْجَامِع الأشرفي وَنزل ابْنهَا الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد من القلعة لحضور الْخَتْم وَقد ركب فِي خدمته الْملك الصَّالح مُحَمَّد بن ططر فشق الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وَهُوَ فِي خدمَة ابْن السُّلْطَان بعد مَا كَانَ فِي الأمس سُلْطَانا. وَصَارَ جَالِسا بجانبه فِي ذَلِك الْجَامِع وَقَائِمًا فِي خدمته إِذا قَامَ فَكَانَ فِي ذَلِك موعظة لمن اتعظ. وَفِي يَوْم السبت الْمُبَارك حادي عشرينه: خلع على قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين عمر ابْن حجي وَاسْتقر كَاتب السِّرّ عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ. وَنزل على فرس بسرج ذهب وكنبوش زركش فِي موكب جليل إِلَى الْغَايَة فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَقد ظهر نقص الْهَرَوِيّ وعجزه فَإِنَّهُ بَاشر بتعاظم زَائِد مَعَ طمع شَدِيد وَجَهل. مِمَّا وسد إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ لَا يحسن قِرَاءَة الْقَصَص وَلَا الْكتب الْوَارِدَة فَتَوَلّى قِرَاءَة ذَلِك بدر الدّين
مُحَمَّد بن مزهر نَائِب كَاتب السِّرّ وَصَارَ يحضر الْخدمَة وَيقف على قَدَمَيْهِ وَابْن مزهر هُوَ الَّذِي يتَوَلَّى الْقِرَاءَة على السُّلْطَان. وَفِي رَابِع عشرينه: ابتدئ بهدم ربع الحلزون تجاه قبو الخرنفش. وَكَانَ وَقفا على فكاك الأسرى بِبِلَاد الفرنج وعَلى الْحَرَمَيْنِ. وَقد خلق من قدم السنين فعوض بدله مسمط تجاه مصبغة الْأَزْرَق وَصَارَ من حَملَة الْأَمْلَاك السُّلْطَانِيَّة. وَفِي سلخه: خلع على الشريف شهَاب الدّين أَحْمد نقيب الْأَشْرَاف بِدِمَشْق وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن القَاضِي نجم الدّين عمر بن حجي كَاتب السِّرّ على مَال كَبِير. شهر رَجَب أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي رابعه: خلع على شخص قدم من بِلَاد الرّوم عَن قرب يُقَال لَهُ عَلَاء الدّين عَليّ وَاسْتقر فِي مشيخة التصوف وتدريس الْفِقْه على مَذْهَب الْحَنَفِيَّة بالجامع الأشرفي. وَقدم الْخَيْر بِأخذ الفرنج مركبين قَرِيبا من دمياط فِيهَا بضائع كَثِيرَة وعدة أنَاس يزِيدُونَ على مائَة رجل فَكتب بإيقاع الحوطة على أَمْوَال التُّجَّار الَّتِي بِبِلَاد الشَّام والإسكندرية ودمياط وَفِي عشرينه: توجه قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الديري - شيخ المؤيدية لزيارة الْقُدس. وَفِي يَوْم الْأَحَد حادي عشرينه: نزل السُّلْطَان إِلَى الْجَامِع الَّذِي أنشأه وَجلسَ بِهِ قَلِيلا. ثمَّ ركب عَائِدًا إِلَى القلعة. وَفِيه قدم الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْجَزرِي الدِّمَشْقِي وَقد غَابَ عَن
مصر وَالشَّام نَحوا من ثَلَاثِينَ سنة فَإِنَّهُ فر من ضائقة نزلت بِهِ إِلَى مَدِينَة برصا فَأكْرمه أَبُو يزِيد بن عُثْمَان ونوه بِهِ حَتَّى حاربه تيمورلنك وأسره فتحول ابْن الْجَزرِي من بِلَاد الرّوم إِلَى سَمَرْقَنْد فِي خدمَة تيمور وَأقَام ببلادهم حَتَّى قدم فِي هَذِه الْأَيَّام. وَفِي رَابِع عشرينه: نُودي على النّيل وَقد جَاءَت الْقَاعِدَة سِتَّة أَذْرع وَعشْرين إصبعاً. شهر شعْبَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِيهِ تتبعت البغايا وألزمن بالزواج وَأَن لَا يُزَاد فِي مهورهن على أَرْبَعمِائَة دِرْهَم من الْفُلُوس تعجل مِنْهَا مِائَتَان وتؤجل مِائَتَان. وَنُودِيَ بذلك فَلم يتم مِنْهُ شَيْء. وَفِيه ابتدئ بِقِرَاءَة صَحِيح البُخَارِيّ بَين يَدي السُّلْطَان وحضرة الْقُضَاة ومشايخ الْعلم والهروي وَابْن الْجَزرِي وَكَاتب السِّرّ نجم الدّين بن حجي ونائبه بدر الدّين مُحَمَّد بن مزهر وزين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش وَالْفُقَهَاء الَّذين رتبهم الْمُؤَيد. فاستجد فِي هَذِه السّنة حُضُور كَاتب السِّرّ ونائبه وَحُضُور نَاظر الْجَيْش. وَكَانَت الْعَادة من أَيَّام الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن أَن يبْدَأ بِقِرَاءَة البُخَارِيّ أول يَوْم من شهر رَمَضَان ويحضر قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي وَالشَّيْخ سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وَطَائِفَة قَليلَة الْعدَد لسَمَاع الحَدِيث فَقَط. وَيخْتم فِي سَابِع عشرينه ويخلع على قَاضِي الْقُضَاة ويركب بغلة رائعة بزناري تخرج لَهُ من الاصطبل السلطاني وَلم يزل الْأَمر على هَذَا حَتَّى لسلطن الْمُؤَيد شيخ فابتدأ الْقِرَاءَة من أول شهر شعْبَان إِلَى سَابِع عشْرين شهر رَمَضَان. وَطلب قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع ومشايخ الْعلم وَقرر عدَّة من الطّلبَة يحْضرُون أَيْضا فَكَانَت تقع بَينهم بحوث يسيء بَعضهم على بعض فِيهَا إساءات مُنكرَة فَجرى السُّلْطَان الْأَشْرَف برسباي على هَذَا واستجد كَمَا ذكرنَا حُضُور المباشرين وَكثر الْجمع. وَصَارَ الْمجْلس جَمِيعه صياحاً ومخاصمات يسخر مِنْهَا الْأُمَرَاء وأتباعهم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر الوباء بدمياط فَمَاتَ عدد كثير. شهر رَمَضَان أَوله الْخَمِيس: وَفِي رابعه: أخرج الْأَمِير أرغون شاه أستادار والأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أبي وافي من الْقَاهِرَة إِلَى دمشق بطالين. وَفِي تاسعه: سَار غائبان من سَاحل بولاق خَارج الْقَاهِرَة وَقد قدما مُنْذُ أَيَّام أَحدهمَا من الْإسْكَنْدَريَّة وَالْآخر من دمياط وأشحنا بالمقاتلة والأسلحة. وَأنزل فيهمَا ثَمَانُون مَمْلُوكا وَأمرُوا أَن يشيروا فِي بَحر الْملح من جِهَة طرابلس ويأخذوا من سواحل الشَّام عدَّة أغربة عَسى أَن يَجدوا من يتجرم فِي الْبَحْر من الفرنج.
وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشره: نُودي على النّيل بِزِيَادَة إِصْبَعَيْنِ لتتمة خَمْسَة عشر ذِرَاعا وَأَرْبَعَة عشر لإصبعاً ثن نقص من آخر النَّهَار نَحْو أَرْبَعَة أَصَابِع فَأصْبح النَّاس فِي قلق وطلبوا الْقَمْح لِيَشْتَرُوهُ فَأمْسك من عِنْده شَيْء مِنْهُ يَده عَن البيع وضن بِهِ فَاشْتَدَّ طلبه إِلَّا أَن الله فرج وَزَاد فِي آخر يَوْم الْأَحَد. وَنُودِيَ عَلَيْهِ يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشره برد مَا نقص وَزِيَادَة إِصْبَع. واستمرت الزِّيَادَة حَتَّى كَانَ الْوَفَاء فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْمُبَارك حادي عشرينه وَهُوَ ثَالِث عشر من مسرى فَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: سَار مقَاتل فِي بَحر القلزم إِلَى مَكَّة المشرفة. شهر شَوَّال أَوله السبت: فِي رابعه: ابتدئ بِحَفر صهريج بوسط الْجَامِع الْأَزْهَر فَوجدت فِيهِ أثار فسقية قديمَة فَلَمَّا أزيلت وجد - بعد مَا حفر - عدَّة أموات. وَفِيه قدم الْخَيْر بِأَن أَبَا فَارس عبد الْعَزِيز بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد - صَاحب تونس وبلاد إفريقية - جهز ابْنه الْمُعْتَمد أَبَا عبد الله مُحَمَّدًا من بجاية فِي عَسْكَر إِلَى مَدِينَة تلمسان فحارب ملكهَا أَبَا عبد الله عبد الْوَاحِد بن أبي مُحَمَّد عبد الله بن أبي حمو مُوسَى حروباً كَثِيرَة حَتَّى ملكهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة وخطب لنَفسِهِ ولأبيه فَزَالَتْ دولة بني عبد الواد من تلمسان بعد مَا ملكت مائَة وَثَمَانِينَ سنة. وانتهت زِيَادَة النّيل إِلَى سَبْعَة عشر ذِرَاعا واثني عشر إصبعاً. ووقفت الزِّيَادَة خامسه وَنقص إِلَى يَوْم الْأَحَد تاسعه زَاد إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَانِي عشره فَبلغ سَبْعَة عشر إصبعاً من ثَمَانِيَة عشر إصبعاً من ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا. وَنقص فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشره وَكَانَ قد تَأَخّر فتح سد بَحر أبي المنجا عَن عَادَته هُوَ وَغَيره مِمَّا يفتح فِي يَوْم النوروز لتأخر وَفَاء النّيل. فَلَمَّا فتحت نقص المَاء وقلق النَّاس من ذَلِك وطلبوا الْقَمْح لِيَشْتَرُوهُ فَزَاد سعر الأردب عشرَة دَرَاهِم. وَفِي خَامِس عشره: ابتدئ بهدم الرّبع الْمَعْرُوف بوقف الشهباني تجاه الْجَامِع الأشرفي بِرَأْس الخراطين. وَقد استبدل بِهِ لتشعث بنائِهِ وَخَوف سُقُوطه. وَفِي عشرينه: خرج محمل الْحَاج إِلَى جِهَة بركَة الْحجَّاج صُحْبَة الْأَمِير قرا سنقر
كاشف الجيزة. ورحل الركب الأول فِي ثَانِي عشرينه وَتَبعهُ الْمحمل بِبَقِيَّة الْحجَّاج فِي ثَالِث عشرينه. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشرينه: حضر الْأُمَرَاء الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة على الْعَادة ونزلوا إِلَى دُورهمْ فاستدعى السُّلْطَان جمَاعَة مِنْهُم لطعام عمله مِنْهُم الْأَمِير الْكَبِير بيبغا المظفري فَلَمَّا صَار بالقلعة قبض عَلَيْهِ وَقيد وَأنزل فِي النّيل حَتَّى سجن بالإسكندرية. وَقد كَانَت الإشاعة مُنْذُ أَيَّام بتنكر مَا بَينه وَبَين السُّلْطَان وَأَنه صَار لَهُ حزب. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كَانَ أَوَان جذاذ النّخل فَلم يُثمر كَبِير شَيْء وأمحل النّخل أَيْضا بِبِلَاد الصَّعِيد حَتَّى عز وجود التَّمْر هُنَاكَ. وَتلف الموز فِي هَذِه السّنة بدمياط وَقل وجوده بأسواق الْقَاهِرَة أَو فقد. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي رابعه: خلع الْأَمِير قجق أَمِير سلَاح. وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا عوضا عَن بيبغا المظفري. وخلع على الْأَمِير إينال النوروزي أَمِير مجْلِس وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن قجق. وأنعم بإقطاع بيبغا المظفري - ومتحصله فِي السّنة مبلغ سِتِّينَ ألف دِينَار - على تغري برمش نَائِب القلعة وعَلى أينال الجكمي وَهُوَ بطال بالقدس وَكتب بإحضاره. وتغري برمش هَذَا من جملَة تركمان بهسني اسْمه حُسَيْن خدم بحلب فِي الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة برقوق بِبَاب نائبها الْأَمِير تغري برمش. وتنقل فِي الخدم حَتَّى صَار فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ دوادار الْأَمِير جقمق الدوادار. فَلَمَّا تسلطن الْملك الْأَشْرَف برسباي اخْتصَّ بِهِ وَجعله من جملَة الْأُمَرَاء. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه: خلع على شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة عوضا عَن الشَّيْخ الْحَافِظ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر فَغير زيه. وَهَذِه الْمرة الرَّابِعَة فِي تَغْيِير زيه فَإِنَّهُ كَانَ أَولا يتزيا بزِي الْعَجم فيلبس عِمَامَة عوجاء بعذبة عَن يسَاره. فَلَمَّا ولي قَضَاء الْقُضَاة لبس الْجُبَّة وَجعل الْعِمَامَة كَبِيرَة وأرخى العذبة من بَين كَتفيهِ. فَلَمَّا ولي كِتَابَة السِّرّ تزيا بزِي الْكتاب وَترك زِيّ الْقُضَاة فضيق كمه وَجعل عمَامَته صَغِيرَة مُدَوَّرَة ذَات أضلاع وَترك العذبة وَصَارَ على عُنُقه طوق وَلبس الذَّهَب الْحَرِير وَلم يخْش الله وَلَا استخفى من النَّاس. فَلَمَّا أُعِيد إِلَى الْقَضَاء ثَانِيًا خلع زِيّ الْكتاب وتزيا - بزِي الْقُضَاة وَكَانَ ضخماً بطيناً ألحي فَأشبه فِي حالاته هَذِه الصفاعتة من المخايلين الَّذين يَضْحَكُونَ أهل المجانة والهزو وماذا بِمصْر من المضحكات {} .
وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ: قدم الْأَمِير أينال الجكمي من الْقُدس فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن أينال النوروزي. وَهَذَا الجكمي من جملَة مماليك الْأَمِير جكم وانتقل إِلَى الْأَمِير سودن بقجة. ثمَّ صَار إِلَى الْأَمِير شيخ المحمودي. فَلَمَّا تسلطن عمله من جملَة المماليك الخاصكية. ثمَّ غضب عَلَيْهِ ونفاه ثمَّ أَعَادَهُ من النَّفْي لبراءته مِمَّا رمى بِهِ فرقاه ططر حَتَّى صَار من الْأُمَرَاء المقدمين. ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَنفي حَتَّى أَعَادَهُ السُّلْطَان فِي يَوْم تَارِيخه إِلَى الإمرة. وَفِي يَوْم السبت عشرينه: وصل الغرابان بالأسرى وَالْغنيمَة. وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لما مرا بدمياط تبعهما قوم من المطوعة فِي سلورة حَتَّى مروا بطرابلس سَار مَعَهم غربان إِلَيّ الماغوصة فأضافهم متملكها فَلم يتَعَرَّضُوا لبلاده ومضوا عَنهُ إِلَى بِلَاد يُقَال لَهَا اللمسون من جَزِيرَة قبرس وَقد استعد أَهلهَا وأبعدوا عِيَالهمْ وَخَرجُوا فِي سبعين فَارِسًا وثلاثمائة راجل فَقَاتلهُمْ الْمُسلمُونَ وهزموهم وَقتلُوا مِنْهُم فَارِسًا وَاحِدًا وعدة رجال وحرقوا ثَلَاثَة أغربة وغرقوا ثَلَاثَة أغربة وعاثوا فِيمَا وجدوه من ظروف الْعَسَل وَالسمن وَغير ذَلِك. وأسروا ثَلَاثَة وَعشْرين رجلا وغنموا جوخاً كثيرا رفع للسُّلْطَان مِنْهُ مائَة وَثَلَاث قطع طرحت على التُّجَّار وَلم يُعْط المجاهدون مِنْهَا شَيْئا. وَفِي تَاسِع عشرينه: نُودي بِخُرُوج أهل الرِّيف من الْقَاهِرَة ومصر إِلَى بِلَادهمْ فَلم عمل بذلك. وَفِي هَذَا الشَّهْر: هَبَط مَاء النّيل وشرق أَكثر النواحي بالصعيد وَالْوَجْه البحري. وَمَعَ ذَلِك فالأسعار رخيصة الْقَمْح بِمِائَة وَثَمَانِينَ درهما الأردب وَالشعِير بِخَمْسَة وَثَمَانِينَ الأردب والفول بِثَمَانِينَ درهما الأردب. وَفِيه كثرت الْفِتَن وتعددت بِالْوَجْهِ القبلي والبحري. وَفِيه فتحت كَنِيسَة قمامة بالقدس وَكَانَ قد تَأَخّر فتحهَا بعد مَا رسم بِهِ. فِي يَوْم النَّحْر رمى بعض المماليك من أعلا الطباق بِالْحِجَارَةِ وَالسُّلْطَان يذبح الْأَضَاحِي والمماليك تنهب لحومها بِخِلَاف الْعَادة فأصيب بعض الْأُمَرَاء بِحجر. وَدخل السُّلْطَان دَاخل الدّور وَكثر الْكَلَام. وَسبب ذَلِك أَنه لم يفرق الْأَضَاحِي فِي
المماليك وَأعْطى كل وَاحِد مِنْهُم دِينَارا فَلم يرضهم هَذَا وَلم يكن مِنْهُم سوى مَا ذكر. وَسكن أَمرهم. وَفِي ثَالِث عشره: قبض على الْأَمِير كمشبغا الفيسي أحد أُمَرَاء النَّاصِر فرج. وَفِي ثامن عشره: خلع على سعد الدّين سعد ابْن قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الديري وَاسْتقر فِي مشيخة الْجَامِع المؤيدي بعد موت أَبِيه بالقدس. وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر شرف الدّين يَعْقُوب بن الْجلَال رَسُولا بن أَحْمد بن يُوسُف التباني الْحَنَفِيّ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشر صفر. وَكَانَ يعرف الْفِقْه والعربية وَله همة وَمَكَارِم ووصلة كَبِيرَة بالأمراء واختص بالمؤيد شيخ اختصاصاً كَبِيرا. وَأفْتى ودرس وَولي نظر الْكسْوَة ووكالة بَيت المَال ومشيخة خانكاة شيخو. وَقتل بِدِمَشْق الْأَمِير تنبك البجاسي فِي أول ربيع الأول وَهُوَ أحد المماليك الَّذين مروا من النَّاصِر فرج وَلحق بشيخ المحمودي فرقاه فِي سلطته وَولي نِيَابَة حماة وحلب ودمشق وشكرت سيرته لتنزهه عَن قاذورات الْمعاصِي كَالْخمرِ وَالزِّنَا مَعَ إِظْهَار الْعدْل وَفعل الْخَيْر. وَمَات الْوَزير الصاحب تَاج الدّين عبد الرازق بن شمس الدّين عبد الله ابْن كَاتب المناخ فِي يَوْم الْجُمُعَة حادي عشْرين جُمَادَى الأول وَهُوَ متعطل وَابْنه كريم الدّين عبد الْكَرِيم يَلِي الوزارة. وباشر جده أَو جد أَبِيه النَّصْرَانِيَّة وترقى فِي الخدم بِالْكِتَابَةِ وأثرى مِنْهَا حَتَّى ولي الوزارة. وَكَانَ سيوسا لينًا ضابطا همه بَطْنه وفرجه. واستجد مكس الْفَاكِهَة بعد إِبْطَاله فَمَا تهني بِهِ وَصرف عَن الوزارة فَكَانَ كَمَا يُقَال حَتَّى وَصلهَا غَيْرِي وحملت عارها. وَمَات الْأَمِير سودن الْأَشْقَر - بِدِمَشْق فِي جُمَادَى الأولى وَهُوَ أحد المماليك الَّذين أنشأهم النَّاصِر فرج. وَكَانَ عَيْبا كُله. لشدَّة بخله وَكَثْرَة فسقه وظلمه. وَتُوفِّي بِمَكَّة قاضيها محب الدّين أَحْمد ابْن قاضيها جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن
ظهيرة الشَّافِعِي فِي ثامن عشر ربيع الآخر. وَكَانَ مشكوراً فِي عمله وَسيرَته لَهُ معرفَة جَيِّدَة بالفقه والفرائض والحساب ومشاركة فِي غير ذَلِك. وَتُوفِّي خطيب مَكَّة جمال الدّين أَبُو الْفضل ابْن قَاضِي مَكَّة محب الدّين أَحْمد بن قَاضِي مَكَّة أبي الْفضل مُحَمَّد النوبري الشَّافِعِي فِي ربيع الأول. وَتُوفِّي إِمَام مقَام الْمَالِكِيَّة بِمَكَّة شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ النوبري. فِي ربيع الآخر. وَمَاتَتْ خوند زَوْجَة السُّلْطَان وَأم ابْنه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد فِي خَامِس عشر جُمَادَى الْآخِرَة. ودفنت بالقبة من الْجَامِع الأشرفي. وَكَانَ لَهَا تحكم وَتصرف فِي الْأُمُور وَمَات الْملك النَّاصِر أَحْمد بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن الْأَفْضَل عَبَّاس بن الْمُجَاهِد عَليّ بن الْمُؤَيد دَاوُد بن المظفر يحيى بن الْمَنْصُور عمر بن عَليّ بن مُحَمَّد بن رَسُول متملك زبيد وعدن وتعز وجبلة وحرض والمهجم والمحالب والمنصورة والدملوة والجوه والشحر وقوارير من بِلَاد الْيمن فِي سادس عشر
جُمَادَى الْآخِرَة بصاعقة سَقَطت على حصنة قَوَارِير خَارج مَدِينَة زبيد فارتاع وَأقَام أَيَّام لما بِهِ. وأقيم من بعده فِي مملكة الْيمن ابْنه الْمَنْصُور عبد الله وَكَانَ من شرار مُلُوك الأَرْض فسقاً وظلماً وَطَمَعًا. وَمَات ملك الْمغرب صَاحب فاس السُّلْطَان الْمُنْتَصر أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي سَالم إِبْرَاهِيم بن أبي إِسْحَق المريني فِي شهر رَجَب. وأقيم بعده ابْن أَخِيه أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن. وَتُوفِّي الشَّيْخ الْملك أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بالعطار فِي ثامن عشْرين الْمحرم بِمَدِينَة النحريرية وَهُوَ آخر من بَقِي من أَصْحَاب الشَّيْخ يُوسُف العجمي. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن سعد الْعَبْسِي الْقُدسِي الديري الْحَنَفِيّ بالقدس. وَقد توجه إِلَيْهِ زَائِرًا فِي يَوْم عرفه. ومولده سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة تخميناً. وَله معرفَة بالفقه وَالْأُصُول وَالتَّفْسِير والعربية وَفِيه شهامة وَقُوَّة. نَشأ بالقدس وَولي قَضَاء الْحَنَفِيَّة بديار مصر فَاشْتَدَّ فِيهِ وأجرى أُمُوره على السداد بِحَسب الْوَقْت. ثمَّ نقل من الْقَضَاء إِلَى مشيخة الْجَامِع المؤيدي رحمه الله. وَتُوفِّي زاهد الْوَقْت أبي بكر بن عمر بن مُحَمَّد الطريني الْفَقِيه الْمَالِكِي فِي يَوْم النَّحْر بِمَدِينَة الْمحلة. وَكَانَ قد ترك أكل اللَّحْم مُدَّة أَعْوَام تورعاً لما حدث من نهب الْبِلَاد وغارتها وقنع بِمَا يُقيم بِهِ أوده من أَرض يَزْرَعهَا فَكَانَ يقْتَصر فِي قوته وملبسه على مَا لَا يطيقه سواهُ. وَلَو قبل من النَّاس مَا يحبوه بِهِ لكنز قناطير مقنطرة من الذَّهَب وَالْفِضَّة لكنه أعرض عَن زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا ولذاتها حَتَّى لَعَلَّه مَاتَ من قلَّة الْغذَاء مَعَ مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك من آثَار جميلَة وأيادي مشكورة وَعلم وَعمل مرضِي رفع الله درجاته فِي عليين.
وَمَات صَاحب حصن كيفا الْملك الْعَادِل فَخر الدّين أَبُو المفاخر سُلَيْمَان بن الْكَامِل شهَاب الدّين غَازِي بن الْعَادِل مجير الدّين مُحَمَّد بن الْكَامِل سيف الدّين أبي بكر بن شادي. وَقتل مُحَمَّد بن الموحد تَقِيّ الدّين عبد الله بن الْمُعظم غياث الدّين تورانشاه بن السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن مُحَمَّد الْكَامِل بن أبي بكر الْعَادِل بن نجم الدّين أَيُّوب بن شادي وأقيم بعده ابْنه الْأَشْرَف أَحْمد.
فارغه