الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة أَرْبَعِينَ وَثَمَانمِائَة)
أهلت وَخَلِيفَة الْوَقْت وَالزَّمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد بن المتَوَكل على الله أَبى عبد الله مُحَمَّد وسلطان الْإِسْلَام بديار مصر وبلاد الشَّام وأراضى الْحجاز مَكَّة وَالْمَدينَة وينبع وجزيرة قبرس السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف سيف الدّين أَبُو النَّصْر برسباى الدقماقى. والأمير الْكَبِير أتابك العساكر جقمق السيفى رَأس الميمنة. وَالْمقَام الجمالى يُوسُف ولد السُّلْطَان رَأس الميسرة. وأمير سلَاح الْأَمِير قرقْماس الشعبانى. وأمير مجْلِس أقبغا التمرازى. والدوادار الْأَمِير أَرْكُماس الظاهرى. وَرَأس نوبَة النوب الْأَمِير تمراز القَرْمِشى. وحاجب الْحجاب الْأَمِير يشبَك. وأمير آخور جاثم أَخُو السُّلْطَان. وَبَقِيَّة المقدمين الْأَمِير تغرى بردى البكلمشى المؤذْى وخُجا سودن وقراقُجا الْحسنى وأينال الأجرود نَائِب الرها والأمير تنبك فهم ثَلَاثَة عشر بَعْدَمَا كَانُوا أَرْبَعَة وَعشْرين مقدما. ونواب السلطنة بالممالك الْأَمِير أينال الجمكى نَائِب الشَّام. والأمير تغرى برمش الجقمقى نَائِب حلب والأمير قانباى الحمزاوى نَائِب حماة. والأمير جلبَان المؤيدى
نَائِب طرابلس والأمير تمراز المؤيدى نَائِب صفد والأمير يونسْ نَائِب غَزَّة والأمير عمر شاه نَائِب الكرك والأمير أقباى البْشبَكى نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة. والأمير أَسَنْدمر الأسعردى نَائِب الْوَجْه القبلى والأمير حسن بيك الدكرى التركمانى نَائِب الْوَجْه البحرى وَلم يعد فِي الدول الْمَاضِيَة أَن يسْتَقرّ أحد من النواب تركمانيا إِلَّا فِيمَا بعد عَن بِلَاد حلب فاستجد فِي هَذِه الدولة الأشرفية ولَايَة عدَّة من التركمان ولايات ونيابات وإمريات. بِمصْر وَالشَّام. وأمير مَكَّة المشرفة الشريف زين الدّين أَبُو زُهَيْر بَرَكَات بن حسن بن عجلَان
الْحسنى. وبالمدينة النَّبَوِيَّة الشَّرِيفَة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام الشريف وميان ابْن مَانع بن على بن عطة بن مَنْصُور بن جَازَ بن شيحة الحسينى وبالينبع الشريف عقيل بن وبير بن نخبار بن مقبل بن مُحَمَّد بن رَاجِح بن إِدْرِيس بن حسن بن أَبى عَزِيز قتاده الْحسنى. وَهَؤُلَاء الْأَشْرَاف الثَّلَاثَة نواب عَن السُّلْطَان. وَفِي بَقِيَّة ممالك الدُّنْيَا القان معِين الدّين شاه رخ سُلْطَان ابْن الْأَمِير تيمور كوركان صَاحب ممالك مَا وَرَاء النَّهر وخراسان وخوارزم وجرجان وعراق الْعَجم ومازندران وقندهار ودله من بِلَاد الْهِنْد وكرمان وَجَمِيع بِلَاد الْعَجم إِلَى حُدُود أذربيجان الَّتِي مِنْهَا مَدِينَة تبريز ومتملك تبريز إسكندر بن قرايوسف بن قرا مُحَمَّد وَهُوَ مشرد عَنْهَا خوفًا من القان شاه رخ. وحاكم بَغْدَاد أَخُو أَصْبَهَان بن قرايوسف وَقد خرجت بَغْدَاد وَلم يبْق بهَا جُمُعَة وَلَا جمَاعَة وَلَا أَذَان وَلَا أسواق. وجف مُعظم نخلها وإنقطع أَكثر أنهارها بِحَيْثُ لَا يُطلق عَلَيْهَا اسْم مَدِينَة بَعْدَمَا كَانَت سوق الْعلم. وعَلى حصن كيفا الْملك الْكَامِل خَلِيل بن الْأَشْرَف أَحْمد بن الْعَادِل سُلَيْمَان بن الْمُجَاهِد غازى بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أَبى بكر بن الموحد عبد الله ابْن السُّلْطَان الْملك الْمُعظم توران شاه ابْن السُّلْطَان الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب بن الْكَامِل مُحَمَّد بن الْعَادِل أَبى بكر بن أَيُّوب بن شادى وعَلى بِلَاد قرمان من بِلَاد الرّوم إِبْرَاهِيم بن قرمان. وَملك الْإِسْلَام بِبِلَاد الرّوم خوندكار مُرَاد بن مُحَمَّد بن كُرْشجى بن بايزيد يلدَريم بن مُرَاد بن أُرخان بن أرِدن على
ابْن عُثْمَان بن سُلَيْمَان بن عُثْمَان صَاحب برصا وكالى بولى. وبجانب من بِلَاد الرّوم أسفنديار بن أَبى يزِيد وعَلى ممالك إفريقية من بِلَاد الْمغرب أَبُو عَمْرو عثمانين أَبى عبد الله مُحَمَّد بن أَبى فَارس عبد الْعَزِيز الحفصى صَاحب تونس وبجاية وَسَائِر إفريقية. وعَلى مدينْة تلمسادْ وَالْمغْرب الْأَوْسَط أَبُو يحيى بن أَبى حمو وبمملكة فاس ثَلَاثَة مُلُوك أَجلهم صَاحب مَدِينَة فاس وَهُوَ أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق بن عُثْمَان بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان أَبى الْحسن المرينى وَلَيْسَ لَهُ أَمر وَلَا نهى وَلَا تصرف فِي دِرْهَم فَمَا فَوْقه. والقائم بِالْأَمر دونه أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن أَبى جميل زيان الوِطَاسى وَبعد صَاحب فاس صَاحب مكناسة الزَّيْتُون على نَحْو نصف يَوْم من فاس. وَالْآخر بأصِيلا على نَحْو خَمْسَة أَيَّام من فاس وهما أَيْضا تَحت الْحجر مِمَّن تغلب عَلَيْهِمَا. وَقد ضْعفت مملكة بنى مرين هَذِه وَيَزْعُم أهل الْحدثَان أَن الشاوية تَملكهَا وَقد ظَهرت إمارات صدق ذَلِك. وبالأندلس أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْأَيْسَر ابْن الْأَمِير نصر ابْن السُّلْطَان أَبى عبد الله بن نصر الْمَعْرُوف بِابْن الْأَحْمَر صَاحب أغرناطة. وببلاد الْيمن الْملك الظَّاهِر يحيى بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل صَاحب تعز وزبيد وعدن. وعَلى صنعاء وصعدة الإِمَام على بن صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن على الزينى. وبممالك الْهِنْد الإسلامية عدَّة مُلُوك. ومماليك الفرنج بهَا أَيْضا نَحْو سَبْعَة عشر ملكا يطول علينا إيرادهم. وببلاد الْحَبَشَة الحطى الْكَافِر ويحاربه ملك الْمُسلمين شهَاب الدّين أَحْمد بدلاى ابْن سعد الدّين أَبى البركات مُحَمَّد بن أَحْمد بن على بن صَبر الدّين مُحَمَّد بن ولخوى بن مَنْصُور بن عمر بن ولَسْمَع الجبرتى.
وأرباب المناصب بِالْقَاهِرَةِ الْأَمِير جَانِبك أستادار. وَالْقَاضِي محب الدّين مُحَمَّد بن الْأَشْقَر كَاتب السِّرّ. وناظر الْجَيْش عَظِيم الدولة زين الدّين عبد الباسط وَلَا يبرم أَمر وَلَا يحل وَلَا يُولى أحد وَلَا يعْزل إِلَّا بمشورته. وناظر الْخَاص سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن كَاتب حكم. وقاضى الْقُضَاة الشَّافِعِي الْحَافِظ شهَاب الدّين أَبُو الْفضل أَحْمد بن على ابْن حجر وَإِلَيْهِ الْمرجع فِي عَامَّة الْأُمُور الشَّرْعِيَّة لسعة علمه وَكَثْرَة إطلاعه لاسيما علم الحَدِيث وَمَعْرِفَة السّنَن والْآثَار فَإِنَّهُ أعرف النَّاس بهَا فِيمَا نعلم. وقاضى الْقُضَاة الْحَنَفِيّ بدر الدّين مَحْمُود الْعَيْنِيّ. وقاضى الْقُضَاة الْمَالِكِي شمس الدّين مُحَمَّد الْبِسَاطِيّ. وقاضي الْقُضَاة الْحَنْبَلِيّ محب الدّين أَحْمد بن نصر الله البغدادى. والمحتسب الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد ابْن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر اللة. ووالى الْقَاهِرَة عمر الشويكى. شهر الله الْمحرم وأوله يَوْم الِاثْنَيْنِ: فِي عاشره: وصل الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى مَدِينَة حلب ونزلها. وَفِي رَابِع عشرينه: قدم الْمحمل الْحَاج مَعَ الْأَمِير طوخ مازى أحد أُمَرَاء الطبلخاناه وَأحد رُؤُوس النوب وكنتُ صُحْبَة الْحَاج فَسَاءَتْ سيرته فِي الْحَاج وَفِي ذَات نَفسه. وَفِي ثامن عشرينه: جمعت أجناد الْحلقَة الماً خوذ مِنْهُم المَال كَمَا تقدم ذكره فى بَيت الْأَمِير تَمِرْباى الدوادار وأعيد لَهُم مَا كَانَ أُخذ مِنْهُم من المَال من أجل أَن التجريدة بطلت. وَللَّه الْحَمد. وَفِيه قبض على الصاحب تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن الخطير أستادار الْمقَام الجمالى يُوسُف ولد السُّلْطَان ثمَّ أُفرج عَنهُ. وخُلع من الْغَد على الصاحب جمال الدّين يُوسُف ابْن كريم الدّين بن عبد الْكَرِيم بن سعد الدّين بركَة الْمَعْرُوف وَالِده بِابْن كَاتب جكم. وَاسْتقر عوضه فِي الأستادارية. وفى يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشرينه الْمُوَافق لتاسع عشر مسرى: نودى على النّيل بِزِيَادَة عشر أَصَابِع فوفى سِتَّة عشر ذِرَاعا وَأَرْبَعَة أَصَابِع وَركب الْمقَام الجمالى يُوسُف ولد السُّلْطَان حَتَّى خُلق المقياس وَفتح الخليج بينيديه على الْعَادة. وَقدم الْخَبَر. بمسير الْعَسْكَر الْمُجَرّد من حلب فى عشرينه إِلَى جِهَة الأبلستين. وَأَنه فِي حادى عشرينه: طرق ميناء بوقير خَارج مَدِينَة الْإسْكَنْدَريَّة ثلَاثه أغربة من الفرنج الكيتلان وَأخذُوا مركبين للْمُسلمين فَخرج إِلَيْهِم أقباى اليشبكى
الدوادار نَائِب الثغر وَرَمَاهُمْ حَتَّى أَخذ مِنْهُم أحد المركبنِ وأحرق الفرنج الْمركب الآخر وَسَارُوا. وَأَن فِي ثَانِي عشرينه: غَد هَذِه الْوَقْعَة طرق ميناء الْإسْكَنْدَريَّة مركب آخر للكيتلان وَكَانَ بهَا مركب للجنوية فتَحاربا وأعان الْمُسلمُونَ الجنوية حَتَّى إنهزم الكيتلان. وَفِي هَذَا الشَّهْر: خرج من مَدِينَة بجاية بإفريقية أَبُو الْحسن على ابْن السُّلْطَان أَبى فَارس عبد الْعَزِيز حَتَّى نزل على قسنطينة وحصرها. شهرصفر أَوله يَوْم الثُّلَاثَاء: فِي رابعه: قدم قَاصد نَائِب حلب بِرَأْس الْأَمِير قَرْمش الْأَعْوَر. وَكَانَ من خَبره أَنه من جملَة المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق وترقى فى الخدم حَتَّى صَار من الْأُمَرَاء وأُخرج إِلَى الشَّام. فَلَمَّا خامر الْأَمِير تَنْبَك البجاسى على السُّلْطَان كَانَ مَعَه ثمَّ هرب بعد قَتله فَلم يعرف خَبره إِلَى أَن ظهر الْأَمِير جَانِبك الصوفى إنضم عَلَيْهِ. فَلَمَّا قدم الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى حلب وَمن جملَته الْأَمِير خجا سودن نزل. مِمَّن مَعَه على عنتاب فطرقه قَرْمش الْمَذْكُور وَهُوَ فِي مُقَدّمَة جَانِبك الصوفى فَكَانَت بَينهمَا وقعهْ أُخذ فِيهَا قَرْمش وكمُشبغا من أُمَرَاء حلب المخامر إِلَى جَانِبك الصوفى فى جمَاعَة فَقطعت رَأس قرمش وكمشبغا وجهزتا إِلَى السُّلْطَان ووسط الْجَمَاعَة فشهرت الرأسان بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ أُلقيتا فى سراب مَمْلُوء بالأقذار والغدرة. وَفِي خامسه: اسْتَقر خُشكَلْدى أحد الخاصكية فى نِيَابَة صهيون عوضا عَن الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل الهذْبانى بِحكم وَفَاته. ثمَّ عزل بعد يَوْمَيْنِ بأخى المنوفى. وَفِي ثامن عشرينه: قدم الصاحب كريم الدّين بن كَاتب المناخ من جدة وصحبته الْأَمِير يلخجا والمماليك المركزة بِمَكَّة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: سَار أَبُو عَمْرو عُثْمَان بن أَبى عبد الله مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان أَبى فَارس عبد الْعَزِيز من مَدِينَة تونس يُرِيد قسنطينه لقِتَال عَمه أَبى الْحسن على. شهر ربيع الأول أَوله يَوْم الْخَمِيس: فِيهِ عَاد الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى أبلستين بَعْدَمَا وصلوا إِلَى مَدِينَة سيواس فى طلب
جَانِبك الصوفى وَابْن دلغادر حَتَّى بَلغهُمْ لحاقهما. بِمن مَعَهُمَا بِبِلَاد الرّوم والإنتماء إِلَى ابْن عُثْمَان صَاحب برصا فنهبوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ وعادوا. وَفِيه رسم بعزل الْأَمِير تمراز المؤيدى عَن نِيَابَة صفد واستقراره فى نِيَابَة غَزَّة عوضا عَن الْأَمِير يُونُس الْأَعْوَر واستقرار يُونُس فى نِيَابَة صفد وَتوجه بذلك دولت بيه أحد رُؤُوس النوب. وَفِيه قدم الصاحب كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ تقدمة قدومه من حِدة فَخلع عَلَيْهِ فى يَوْم السبت ثالثه وَنزل إِلَى دَاره فَسَأَلَ فى يَوْم الْأَحَد رابعه القاضى زين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش وَالسُّلْطَان فى إستقرار الصاحب كريم الدّين الْمَذْكُور فى الوزارة على عَادَته. وَكَانَ السُّؤَال على لِسَان الْأَمِير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار فَأُجِيب باً ن هَذَا الْأَمر مُتَعَلق بك فَإِن شِئْت إستمريت على مباشرتك للوزارة وَإِن شِئْت تعين من تُرِيدُ. فَتكلم من الْغَد يَوْم الْإِثْنَيْنِ مَعَ السُّلْطَان مشافهة فِي ذَلِك فتوقف السُّلْطَان خشيهْ أَلا يسد لقُصُور يَده. فمازال بالسلطان حَتَّى أجَاب إِلَى ولَايَته وَنزل إِلَى دَاره فاستدعى الصاحب كريم الدّين وَقرر مَعَه مَا يعْمل. وأسعفه باً ن عين لَهُ جِهَات يسد مِنْهَا كلفة شَهْرَيْن. وأنعم لَهُ بألفى رَأس من الْغنم وَأذن لَهُ أَن يوزع على مباشرى الدولة كلفة شَهْرَيْن آخَرين. فَلَمَّا كَانَ الْغَد يَوْم الثُّلَاثَاء سادسه: خلع على الصاحب كريم الدّين وَاسْتقر فِي الوزارهْ على عَادَته وَنزل إِلَى دَاره فى موكب جليل. وسر النَّاس بِهِ فصَّرف الْأُمُور وَنفذ الْأَحْوَال. وخلع مَعَه على الصاحب أَمِين الدّين إِبْرَاهِيم بن الهيصم نَاظر الدولة خلعة اسْتِمْرَار فَنزل فِي خدمته وَجلسَ بَين يَدَيْهِ كَمَا كَانَ أَولا وَكَانَت الوزارة مُنْذُ عزل الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل عَنْهَا فِي شَوَّال سنة تسع وَثَلَاثِينَ لم يسْتَقرّ فِيهَا أحد وَإِنَّمَا كَانَ القاضى زين الدّين عبد الباسط ينفذ أُمُور الوزارة وقررها على تَرْتِيب عمله وَهُوَ أَنه أحَال مَصْرُوف كل جِهَة من جِهَات المصروف على متحصل جِهَة من جِهَات المتحصل فَإِن لم تف تِلْكَ الْجِهَة. مِمَّا أُحِيل بِهِ عَلَيْهَا قَامَ بالعوز من مَاله. وَندب للمباشرة عَنهُ الصاحب أَمِين الدّين بن الهيصم وَهُوَ يلى نظر الدولة فتمشت أَحْوَال الدولة فى هَذِه الْمدَّة على هَذَا. وَفِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ خامسه: فقد سُلَيْمَان بن أَرْخُن بك بن مُحَمَّد كُرشجى بن عُثْمَان وَأُخْته شاه زَاده وجاعته وَكَانُوا يسكنون بقلعة الْجَبَل وتمشى سُلَيْمَان هَذَا فى خدمَة
الْمقَام الجمالى ولد السُّلْطَان. وَمن خَبره أَن مُرَاد بن كُرشحى صَاحب برصا ويخرها من بِلَاد الرّوم قبض على أَخِيه أَرْخُن بك وكحله وسجنه مُدَّة فَكَانَ يقوم بخدمته وَهُوَ فى السجْن مَمْلُوك من مماليكه يُقَال لَهُ طوغان. فَأدْخل إِلَيْهِ جَارِيَة إِلَى السجْن وهى مُتَنَكِّرَة فاشتملت من أَرْخن على هَذَا الْوَلَد وَغَيره. ومملوكه هَذَا يخفى أَمرهم حَتَّى مَاتَ أرخُن فى سجنه. ففر الْمَمْلُوك بِهَذَيْنِ الْوَلَدَيْنِ وهما سُلَيْمَان وَأُخْته شاه زَاده وأمهما إِلَى مَدِينَة حلب وَأَقَامُوا بهَا حَتَّى قدم السُّلْطَان حلب فى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وقف بهما إِلَيْهِ فاً كرمهم وأنزلهم بقلعة حلب ثمَّ سيرهم إِلَى الْقَاهِرَة وأسكنهم فى الدَّار الَّتِى كَانَت قلعة الصاحب من قلعة الْجَبَل وكساهم ورتب لَهُم فى كل شهر إثنين وَعشْرين ألف دِرْهَم من مُعَاملَة الْقَاهِرَة وَلم يحْجر عَلَيْهِم فى النُّزُول إِلَى الْقَاهِرَة. وأضاف هَذَا الصبى سُلَيْمَان بن أرخُن إِلَى خدمَة وَلَده الْمقَام الجمالى فَكَانَ يركب مَعَه إِذا ركب ويظل بَين يَدَيْهِ ويبيت إِذا شَاءَ عِنْده إِلَى أَن فقدوا. وَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ: الْمَذْكُور قُتل جاسوس مَعَه كتب من جَانِبك الصوفى. وَفِي اليلة الْجُمُعَة عاشره: عُمل المولد النبوى بَين يدى السُّلْطَان على الْعَادة فى كل سنة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: الْمَذْكُور عدا رجل من الهنود على رجلَيْنِ فَقَتَلَهُمَا بعد صَلَاة الْجُمُعَة تجاه شبابيك الْمدرسَة الصالحية بَين القصرين. بمشهد من ذَلِك الْجمع الْكثير. فَأخذ وَقطعت يَده ثمَّ قُتل فَكَانَت حَادِثَة شنعة. وَفِي يَوْم السبت حادى عشرَة: توجه الْأَمِير قُرْقماس أَمِير سلَاح والأمير جانم أَمِير أخور فِي جمَاعَة إِلَى الْوَجْه البحرى من أجل أَن أَوْلَاد بكار بن رحاب وعمهم عِيسَى من أهل الْبحيرَة وَفِي ثَالِث عشرَة: وصل الأروام الهاربون وعدتهم خَمْسَة وَسِتُّونَ شخصا مِنْهُم ثمانيهْ من مماليك السُّلْطَان فوسطوا الثَّمَانِية تَحت المقعد السلطانى بالإصطبل من القلعة بَين يدى السُّلْطَان. ووسط طوغان لالا سُلَيْمَان بن أرخن وَرجل آحْر لتتمة عشرَة. وَقطعت أيدى سَبْعَة وَأَرْبَعين رجلا وَضرب رجل بالمقارع. فَكَانَت حَادِثَة شنعة. وَكَانَ من خبرهم أَن طوغان الْمَذْكُور قصد أَن يفر. بمُوسَى إِلَى بِلَاد الرّوم. وَنزل فى غراب قدم فى الْبَحْر وَمَعَهُ جمَاعَة مِنْهُم المماليك الثَّمَانِية وعدة من الأروام. ورافقهم فى الْمركب
جمَاعَة من النَّاس لَيْسُوا مِمَّا هم فِيهِ فِي شىء إِنَّمَا هم مَا بَين تَاجر وَصَاحب معيشة ومسافر لغَرَض من الْأَغْرَاض. وانحدروا فى النّيل لَيْلًا يُرِيدُونَ عبور الْبَحْر فأدركهم الطّلب من السُّلْطَان وَقد قاربوا رشيد. وَكَانَت بَينهم محاربة فِي المراكب على ظهر النّيل قتل فِيهَا عدَّة. وتخلصوا حَتَّى عبروا بغرابهم من النّيل إِلَى بَحر الْملح فَخرجت عَلَيْهِم ريح ردتهم حَتَّى نزلُوا على وحلة فَلم يقدروا أَن يحركوا غرابهم من شدَّة الوحل فأدركهم الطّلب وهم كَذَلِك فَقَاتلُوا ليدافعوا عَن أنفسهم وَقد جَاءَهُم نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة فِي جمع موفور. فمازالوا يُقَاتلُون حَتَّى غلبوا وَأخذُوا فسيقوا فِي الْحَدِيد إِلَى أَن نزل من الْبلَاء مَا نزل. وسجن سُلَيْمَان بن أرخن مُدَّة ثمَّ أفرج عَنهُ ونودى فِي الشوارع بِخُرُوج الهنود من الْقَاهِرَة فَلم يخرج أحد. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادس عشرَة: رَحل الْعَسْكَر من أبلستين بعد أَن أَقَامُوا بهَا عشرَة أَيَّام وهم ينهبون أَعمالهَا ويخربون ويحرقرن فمازالوا سائرين حَتَّى نزلُوا تجاه مَدِينَة سيواس وَقد رَحل الْعَدو الْمَطْلُوب إِلَى جبل آق طاغ وَمَعْنَاهُ الْجَبَل الْأَبْيَض ثمَّ مضوا مِنْهُ إِلَى أنكورية. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشرَة: نودى أَلا يلبس أحد زمط أَحْمَر ثمَّ نودى من الْغَد لَا يحمل أحد سِلَاحا. وَفِي رَابِع عشرينه: خلع على سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة وإستقر فى نظر جدة على عَادَته من قبل. وَفِي سَابِع عشرينه: خلع على الْأَمِير جَانِبك الناصرى رَأس نوبَة الْأَمِير إِبْرَاهِيم ابْن الْمُؤَيد وحاجب ميسرَة. وإستقر أَمِير المجردين إِلَى مَكَّة ويتحدث مَعَ إِبْنِ الْمرة فِي أَمر جدة وَتعين مَعَه مائَة وَعشرَة مماليك السبتوى ثَلَاثِينَ مَمْلُوكا فِي خدمته. وأنعم عَلَيْهِ بِأَلف دِينَار أشرفية وقطارى جمال وَخمْس عشرَة ألف فردة نشاب وَأَرْبَعَة أَفْرَاس. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامن عشرينه: أُعِيد يُونُس خازندار نَائِب حلب الْوَارِد بِعُود
الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى أبلستين. وجهز على يَده لنائب حلب فرس بقماش ذهب وقباء فوقانى وَخَمْسَة آلَاف دِينَار أشرفية. وأنعم على الْأَمِير الْكَبِير جقمق الأتابك بِأَلف دِينَار. وعَلى كل من أُمَرَاء الألوف المجردين وعدتهم سِتَّة أُمَرَاء خَمْسمِائَة دِينَار. وعَلى أُمَرَاء حلب المقدمين الَّذين خَرجُوا فِي التجريدة بِأَلف وَخَمْسمِائة دِينَار وعدتهم ثَلَاثَة أُمَرَاء وعَلى أَمِير من طبلخاناه حلب. بمائتى دِينَار. وعَلى سَبْعَة من أُمَرَاء الْعشْرين بحلب لكل أَمِير مِنْهُم. بِمِائَة وَخَمْسَة وَعشْرين دِينَارا جُمْلَتهَا ثَمَانمِائَة وَخَمْسَة وَسبعين دِينَارا وأنعم على سِتَّة عشر من أُمَرَاء العربان بحلب بِأَلف وسِتمِائَة دِينَار. وأنعم على خَمْسَة عشر من أُمَرَاء الْجِهَات لكل أَمِير خمسين دِينَارا. وأنعم على أُمَرَاء التركمان ونواب القلاع مِمَّن كَانَ فى التجريدة بِخَمْسَة أُلَّاف دِينَار. وَبَلغت جملَة هَذِه الإنعامات تِسْعَة عشر ألف دِينَار وَمِائَة دِينَار وَخَمْسَة وَسبعين دِينَارا سوى ثَلَاثِينَ قرطية وَثَلَاثِينَ ثوب صوف وَعشرَة أقبية سنجاب كل قبَاء خمس شقات. وفْيه نودى فِي النَّاس بِالْإِذْنِ فِي السّفر إِلَى مَكَّة صُحْبَة المجردين. شهر ربيع الآخر أَوله الْجُمُعَة: فِي سادس عشرَة: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وشق الْقَاهِرَة وَخرج من بَاب القنطرة للصَّيْد. وَهَذِه أول ركبة ركبهَا فى هَذِه السّنة للصَّيْد. وَفِيه جمع الْأَمِير جَوْهَر الخازندار الجزارين وَأشْهد عَلَيْهِم أَلا يشتروا اللَّحْم إِلَّا من أَغْنَام السُّلْطَان الَّتِي تذبح. وَصَارَ يذبح لَهُم من الأغنام مَا يبيعوا لَحْمه للنَّاس وَلم يسمع بِمثل ذَلِك. شهر جُمَادَى الأولى أَوله السبت: فِيهِ قدمت رسل مُرَاد بن مُحَمَّد كرشجى بن بايزيد بن عُثْمَان ملك الرّوم بهدية. وَفِي سادسه: برز الْأَمِير جَانِبك وإبن الْمرة إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة وتلاحق بهما جمَاعَة إِلَى أَن إستقلوا بِالْمَسِيرِ إِلَى مَكَّة فِي عاشرة. وفى ثَالِث عشرَة: خلع على دمرداش وأعيد إِلَى نِيَابَة الْوَجْه البحرى عوضا عَن حسن بيك التركمانى.
وَفِي سَابِع عشرَة: قدم الْأُمَرَاء المجردون لقِتَال جَانِبك الصوفى وناصر الدّين مُحَمَّد إِبْنِ دلغادر. وهم الْأَمِير الْكَبِير جقمق العلاى والأمير أركماس الظاهرى الدوادار وأمير يشبك الظاهرى ططر حَاجِب الْحجاب والأمير قراخجا الْحسنى والأمير تنبك السيفى والأمير تغرى بردى البكلمشى الْمَعْرُوف بالمؤذى ومثلوا بَين يدى السُّلْطَان وقبلوا الأَرْض فَخلع على الْأَمِير الْكَبِير متمر وَمن فَوْقه قبَاء فوقانى. وخلع على كل من بَقِيَّة الْأُمَرَاء الْمَذْكُورين فوقانى بطرز ذهب. وأركبوا جَمِيعهم خيولا سلطانية بقماش ذهب. وَتَأَخر من الْأُمَرَاء الْأَمِير خجا سودن لبطئه فِي الْمسير. وَفِيه أَيْضا قدم الْأَمِير قرقماس الشعبانى أَمِير سلَاح والأمير جانم أَمِير أخور والأمير قراجا شاد الشرابخاناه والأمير تمرباى الدوادار الثانى من تجريدة الْبحيرَة وصحبتهم الْأَمِير حسن بك بن سَالم الدكرى التركمانى وَقد عزل وَمُحَمّد بن بكار إِبْنِ رحاب وَقد دخل فى الطَّاعَة. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر ركُوب السُّلْطَان للصَّيْد. وَفِيه رفعت يَد قاضى الْقُضَاة بدر الدّين مَحْمُود العينى الحنفى عَن وَقت الطرحاء من الْأَمْوَات وفوض إِلَى الْأَمِير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار ورسم لَهُ أَن يسترفع حِسَاب الْوَقْف فْيما مضى ثمَّ نقصْ ذَلِك وإستمر بيد قاضى الْقُضَاة على الْعَادة. وَفِي سَابِع عشرينه: نودى بِأَن من كَانَت لَهُ ظلامة فَعَلَيهِ بِالْوُقُوفِ إِلَى السُّلْطَان. ورسم أَن تَجْتَمِع قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع. بِمَجْلِس السُّلْطَان للْحكم فِي يومي الثُّلَاثَاء والسبت. ثمَّ إنتقض ذَلِك وَلم يعْمل بِهِ. وَجلسَ السُّلْطَان للْحكم فِي يَوْم السبت تَاسِع عشرينه. وحضروا عِنْده. ثمَّ بَطل وإستمر على عَادَته من غير حُضُور الْقُضَاة. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله يَوْم الْإِثْنَيْنِ: فِي ثالثه: ركب الْأَمِير تمرباى الدوادار النّيل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة حَتَّى يَبِيع الفلفل الْمَحْمُول من جدة على الفرنج الواردين الثغر ببضائعهم بَعْدَمَا عين لذَلِك القاضى زين الدّين عبد الباسط ثمَّ أعفى مِنْهُ. وَفِي ثَانِي عشرَة: ورد كتاب الْأَمِير إِبْرَاهِيم بن قرمان يتَضَمَّن أَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن دلغادر وجانبك الصوفى نزلا بعد توجه الْعَسْكَر قَرِيبا من أنكوريه.
وجهز الْأَمِير سُلَيْمَان بن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر إِلَى مُرَاد بن عُثْمَان فَلَقِيَهُ على مَدِينَة كالى بولى وترامى عَلَيْهِ. وَكَانَ ابْن قرمان الْمَذْكُور قد قَاتل حَاكم مَدِينَة أماية فَقتله فَغَضب ابْن عُثْمَان وتحركت كوا من الْعَدَاوَة الَّتِى بَين القرمانية والعثمانية وعزم على الْمسير إِلَى أَخذ ابْن قرمان. وبرز من كالى بولى يُرِيد مَدِينَة برصا فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ سُلَيْمَان بن دلغادر جهز مَعَه عسكراً وأنعم عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَالسِّلَاح وَندب مَعَه حَاكم مَدِينَة توقاته لمحاصرة مَدِينَة قيصرية وَأَخذهَا من ابْن قرمان. وجهز أَيْضا الْأَمِير عِيسَى أَخا إِبْرَاهِيم بن قرقمان على عَسْكَر آخر وَبَعثه إِلَى بِلَاد قرمان ليسير هُوَ من وَرَاء العسكرين فأهم السُّلْطَان هَذَا الْخَبَر وجهز إِلَى كل من عنتاب وملطية وكختا وكركر المَال وَالسِّلَاح وَكتب إِلَى تركمان الطَّاعَة. بمعاونة إِبْرَاهِيم بن قرقمان على عدوه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: رسم أَن يشترى من الغلال ثَلَاثُونَ ألف أردب ليخزن فَأخذ النَّاس فِي شِرَاء الْغلَّة من الْقَمْح وَالشعِير والفول خوفًا من غلاء السّعر. وَفِي ثامن عشرَة: قدم الْأَمِير تمرباى الدوادار من الْإسْكَنْدَريَّة بَعْدَمَا بَاعَ بهَا ألف حمل من وَفِي تَاسِع عشرَة: قدم القاضى شرف الدّين أَبُو بكر الْأَشْقَر الْمَعْرُوف بِابْن العجمى كَاتب سر حلب وَقدم من الْغَد السُّلْطَان تقدمة جليلة مَا بَين ثِيَاب حَرِير ووبر وخيل وبغال. وَفِي عشرينيه: رسم للأًمير يشبك حَاجِب الْحجاب والأمير أينال الأجرود الْوَارِد من الرها بالتوجه لحفر خليج الْإسْكَنْدَريَّة. وَتوجه القاضى زين الدّين عبد الباسط ليرتب الْأَحْوَال فِي ذَلِك ثمَّ يعود. فَتوجه فِي رَابِع عشرينه وَسَار الْوَزير الصاحب كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ أَيْضا للنَّظَر فِي أَمر الحفير. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اتّفقت نادرة لم نر وَلَا سمعنَا بِمِثْلِهَا وهى إستقرار الْأَمِير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار فى قَضَاء دمياط وَكَانَت الْعَادة أَن يُفَوض قاضى الْقُضَاة الشافعى قَضَاء دمياط لمن يَقع اخْتِيَاره عَلَيْهِ من الْفُقَهَاء فَلَمَّا إتصل ولى الدّين مُحَمَّد بن قَاسم المحلاوى بالسلطان شَره فِي المَال وَأخذ قَضَاء عدَّة بِلَاد مِنْهَا دمياط. وَقرر
على من أَقَامَهُ فى قَضَاء الْبِلَاد الَّتِى وَليهَا مَالا يحملهُ على سَبِيل الْفَرِيضَة فِي كل شهر أَو كل سنة كَمَا هى ضَرَائِب المكوس سوى مَا يتبع ذَلِك من هَدَايَا الرِّيف. وَكَانَ الجاه عريضا فَمَا عفت نوابه وَلَا كفت فَلَمَّا ذهب إِلَى الْحجاز نزل عَن قَضَاء دمياط للقاضى جلال الدّين عمر والقاضى كَمَال الدّين مُحَمَّد بن البارزى كَاتب السِّرّ. بمبلغ خمسين ألف دِرْهَم مصرية. فَجرى على عَادَة ابْن قَاسم فِي ذَلِك إِلَى أَن عين السُّلْطَان القاضى كَمَال الدّين لقَضَاء دمشق سَأَلَهُ الْأَمِير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار أَن ينزل لَهُ عَن قَضَاء دمياط فَلم يجد بدا من إجَابَته وَنزل لَهُ عَن ذَلِك. فَأمْضى قاضى الْقُضَاة النُّزُول رغمًا وَصَارَ أحد نواب الحكم الْعَزِيز بدمياط فإستناب عَنهُ على الْعَادة فِي هَذَا وإستمر. وَصَارَ يكْتب فِي مُكَاتبَته إِلَى نَائِبه بدمياط الداعى جَوْهَر الحنفى كَمَا كَانَ قاضى الْقُضَاة يكْتب. وَحمد أهل الْبَلَد سيرته بِالنِّسْبَةِ لمن كَانَ قد ابْتَدَأَ ذَلِك. وَلم يعْهَد فى مثل ذَلِك نزُول وَلَا مَا يُشبههُ فَللَّه الْأَمر. شهر رَجَب أهل بِيَوْم الثُّلَاثَاء: وَفِيه خلع على القاضى كَمَال الدّين مُحَمَّد ابْن القاضى نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن البارزى. وأعيد إِلَى قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق عوضا عَن سراج الدّين عمر الحمصى بِغَيْر مَال يحملهُ وَلَا سعى مِنْهُ. وَإِنَّمَا كثرت القالة السَّيئَة فِي الحمصى فعين السُّلْطَان عوضه القاضى كَمَال الدّين ثمَّ ولاه. وَفِي ثالثه: أدير محمل الْحَاج بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَلم نعهد فِيمَا تقدم أَنه أدير قبل النّصْف من شهر رحب إِلَّا فى هَذِه الدولة الأشرفية فَإِنَّهُ أدير غير مرّة قبل النّصْف مِنْهُ. ونْزل بِالنَّاسِ فِي لَيْلَة إدارته من المماليك السُّلْطَانِيَّة بلَاء كثير من صفع أقفية الْمَارَّة فِي الشَّارِع وَمن حرق لحاهم بالنَّار وخطف عمائمهم إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا نستجيز ذكره. وَفِي يَوْم السبت خامسه: توجه القَاضِي زين الدّين عبد الباسط لكشف قناطر اللاهون من عمل الفيوم وَقد خربَتْ. وَفِي سادسه: قدم الْأَمِير يشبك الْحَاجِب والصاحب كريم الدّين والأمير أينال الأجرود وَقد قاسوا خليج الْإسْكَنْدَريَّة فَإِذا عرضه عاشرة قصبات فى طول ثَلَاث وَعشْرين ألف قَصَبَة مِنْهَا سِتَّة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة قَصَبَة تحْتَاج إِلَى أَن تحفر وبقيتها تحْتَاج إِلَى الْإِصْلَاح.
وَفِي سابعه: توجه جكم خازندار الْمقَام الجمالى وخاله إِلَى طرابلس بإنتقال الْأَمِير الْكَبِير بهَا. وَهُوَ تمربغا المحمودى إِلَى الحجوبية الْكُبْرَى بهَا. وإنتقال الْأَمِير آق قجا العلاى من الحجوبية إِلَى الإمرة الْكُبْرَى. وَأَن يقوم تمربغا بأَرْبعَة آلَاف دِينَار وللمسفر الْمَذْكُور بِأَلف دِينَار. ورسم لجكم الْمَذْكُور أَن يكون مُسْفِر قاضى الْقُضَاة كَمَال الدّين ابْن البارزى فَبعد جهد حَتَّى أَخذ مِنْهُ فِي يَوْمه ثَلَاثمِائَة دِينَار. وَلم تجر الْعَادة بِمثل ذَلِك. وَفِي عاشرة: خلع على الْأَمِير أينال العلاى الأجرود وإستقر فِي نْيابة صفد عوضا عَن الْأَمِير يُونُس ورسم ليونس أَن يُقيم بالقدس بطالا وخلع على الْأَمِير طوخ بن بازق الجكمى رَأس نوبَة ليخرج مُسْفِر الْأَمِير أينال إِلَى صفد. وَفِي رَابِع عشرَة: أنعم بإقطاع الْأَمِير أينال الأجرود وإمرته على الْأَمِير قراجا شاد الشرابخاناه. وإستقر أينال الخازندار أحد الْأُمَرَاء الطبلخاناه شادا عوضا عَن قراجا وإستقر على باى الأشرفى الساقى الخاصكى خازندارا عوضا عَن أينال. وخلع على الْأَمِير أقبغت التمرازى ليلى حفر خليج الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي تَاسِع عشرَة: خلع على حسن بيك بن سَالم الدكرى التركمانى وأعيد إِلَى كشف الْبحيرَة عوضا عَن دمرداش. وَفِي سَابِع عشرينه: ركب الْأَمِير جَانِبك أستادار إِلَى نَاحيَة شبْرًا الْخيام من ضواحى الْقَاهِرَة وَهدم كَنِيسَة النَّصَارَى بهَا ونهبت حواصلها وأحرقت عِظَام رمم كَانَت بهَا يَزْعمُونَ أَنَّهَا رمم شُهَدَاء مِنْهُم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: جبى مَا فرض على نواحى الغربية والمنوفية والبحيرة برسم حفر خليج الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ عَن عِبْرَة كل ألف دِينَار نصف راجل يُؤْخَذ عَنهُ مبلغ أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة دِرْهَم من مُعَاملَة الْقَاهِرَة. وَندب للحفر ثَلَاثمِائَة رجل تصرف أُجُورهم من هَذَا المتحصل وَعمل بالميدان تَحت القلعة بَين يدى السُّلْطَان من الجراريف والمقلقلات مِائَتي قِطْعَة وَعشر قطع. وَعين من الْبَقر ستمائهْ وَعشْرين رَأْسا. وجهز ذَلِك لحفر الخليج الْمَذْكُور.
شهر شعْبَان أهل بِيَوْم الْخَمِيس: فِي ثَانِيه: توجه قَاضِي الْقُضَاة كَمَال الدّين مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ إِلَى مَحل ولَايَته بِدِمَشْق. وَفِي ثالثه: خلع على القاضى معِين الدّين عبد اللطف أحد موقعى الدست وَشَيخ خانكاة قوصون. وإستقر فِي كِتَابَة السِّرّ بحلب عوضا عَن وَالِده القاضى شرف الدّين أَبى بكر الْأَشْقَر الْمَعْرُوف بإبن العجمى الحلبى وخلع على القاضى شرف الدّين الْمَذْكُور ليَكُون نَائِب كَاتب السِّرّ على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل إنتقاله إِلَى كِتَابَة السِّرّ بحلب. وأنعم على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن منجك بتقدمة أرغون شاه وإقطاعه بِدِمَشْق. وأضيف إِلَى الْأَمِير طوغان العثمانى نَائِب الْقُدس أستادارية الشَّام والتحدث فِي الأغوار عوضا عَن أرغون شاه. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشرَة: نودى بإحتماع الْجَمَاعَة الَّتِى قطعت أَيْديهم عِنْدَمَا أخذُوا من الْغُرَاب ليفرق فيهم السُّلْطَان مَالا. فَلَمَّا إجتمعوا جىء بهم ليأخذوا صدقَات السُّلْطَان حَتَّى صَارُوا بقلعة الْجَبَل قبض عَلَيْهِم وساقهم أعوان الظلمَة بِأَسْوَأ حَال. وأنزلوا فِي مركب ليسيروا إِلَى بِلَاد الرّوم وَقد جعل كل إثنين مِنْهُم فِي قرمة خشب فَكَانَ هَذَا من شنيع الْحَوَادِث وَلَو شَاءَ رَبك مَا فَعَلُوهُ. شهر رَمَضَان أهل بِيَوْم الْجُمُعَة: فِي عاشرة: عقد السُّلْطَان المشور. وَقد ورد الْخَبَر بِأَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن دلغادر ونزيله جَانِبك الصوفى زْحفا. بِمن مَعَهُمَا على بِلَاد قرمان فقوى الْعَزْم على السّفر إِلَى بِلَاد الشَّام وَأخذ الْأُمَرَاء فِي أهبة السّفر ثمَّ إنتقض ذَلِك فى ثامن عشرَة. وَكتب بمسير نواب الشَّام إِلَى نَحْو بِلَاد قرمان نجدة لإِبْرَاهِيم بن قرمان فَإِن الْقَوْم أخذُوا مَدِينَة أقشهر ونازلوا قلاعًا أخر. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر عبثالمماليك السُّلْطَانِيَّة بِالنَّاسِ فِي اللَّيْل. شهر شَوَّال أَوله الْأَحَد: فِي خامسه: خلع على قاضى الْقُضَاة علم الدّين صَالح ابْن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البلقينى وأعيد إِلَى قُضَاة الْقُضَاة عوضا عَن الْحَافِظ شهَاب أَحْمد بن حجر.
وَفِي سادسه: خلع على القاضى نور الدّين عمر بن مُفْلِح نَاظر المارستان وإستقر وَكيل بَيت المَال عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن صَالح الحلاوى بعد مَوته. وَفِي تَاسِع عشرَة: خرج محمل الْحَاج صُحْبَة الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل. ورحل من بركَة الْحَاج فِي ثَالِث عشرينه بَعْدَمَا رَحل الركب الأول فِي أمسه صُحْبَة الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ولد الْأَمِير أركماس. وَفِي هَذَا الشَّهْر: نزلت صاعمّة بجدة بندر مَكَّة فأتلفت شَيْئا كثيرا وَهلك نَحْو الْمِائَة نفس. وَفِيه كَانَت بجدة أَيْضا وقْعَة بَين القواد والأمير جَانِبك قتل فِيهَا وجرح عدَّة. ثمَّ قدم الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان فساس الْأَمر حَتَّى سكنت الْفِتْنَة. فِيهِ قدم سيف الْأَمِير تمرباى الدوادار بحلب وَسيف الْأَمِير أقباى نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة وَقد مَاتَا. فتقررت ولَايَة زين الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن كَاتب السِّرّ علم الدّين دَاوُد بن الكويز أحد دوادارية السُّلْطَان نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وخلع عَلَيْهِ فِي ثَانِيه. وَفِي عشرينه: قدم نَائِب حلب إِلَيْهَا وَكَانَ قد سَار عِنْدَمَا ورد الْخَبَر. بمشى مُرَاد بن عُثْمَان ملك الرّوم على بِلَاد ابْن قرمان فَلَمَّا تقرر الصُّلْح بَينه وَبَين إِبْرَاهِيم بن قرمان عَاد نَائِب حلب من مرعش. وَقدم الْخَبَر بِأَن أَصْبَهَان بن قرايوسف متملك بَغْدَاد جمع لِحَرْب حَمْزَة بن قرايلك حَاكم ماردين فَجمع لَهُ حَمْزَة وحاربه فَهزمَ أصفهان بَعْدَمَا قتل عدَّة من أمرائه وجنده وَأَن من بقى مَعَه أَرَادوا قَتله فإمتنع مِنْهُم بقلعة فولاد. شهر ذى الْحجَّة أَوله الْخَمِيس: فِي حادى عشرَة الْمُوَافق لَهُ سَابِع عشْرين بوؤنة: نودى على النّيل بِزِيَادَة ثَلَاثَة أَصَابِع وإستقر المَاء الْقَدِيم على خَمْسَة أَذْرع وإثنين وَعشْرين أصبعا وتسميها النَّاس الْيَوْم الْقَاعِدَة. وإستمرت زِيَادَة النّيل وَللَّه الْحَمد. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه: خلع على الْأَمِير صَلَاح الدّين مُحَمَّد ابْن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله وإستقر كَاتب السِّرّ عوضا عَن شيخ الشُّيُوخ محب الدّين مُحَمَّد بن شرف الدّين الْأَشْقَر مُضَافا لما بِيَدِهِ من حسبَة الْقَاهِرَة وَنظر دَار الضَّرْب وَنظر
الْأَوْقَاف ومنادمة السُّلْطَان فَنزل فِي موكب حليل وَقد لبس الْعِمَامَة المدورة والفرجية هَيْئَة أَرْبَاب الأقلام فسر النَّاس بِهِ وَكَانَ من خَبره أَنه نشاً من صغره بزى الأجناد وبرع فِي الْحساب وَكتب الْخط الْمَنْسُوب وَصَارَ أحد الْحجاب فِي الْأَيَّام الناصرية فرج بن برقوق. وتقلب مَعَ وَالِده فِي مُبَاشرَة نظر الْجَيْش وَنظر الْخَاص والوزارة. وشكرت مُبَاشَرَته لذَلِك. مِمَّا طبع عَلَيْهِ من لين الْجَانِب وَطيب الْكَلَام وبشاشة الْوَجْه وَحسن السياسة فَصَارَ فِي الْأَيَّام المؤيدية شيخ من جلة الْأُمَرَاء وَولى أستادارية السُّلْطَان فى الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة ططر وَملك الْأُمَرَاء. ثمَّ عزل عَن ذَلِك وأعيد إِلَيْهِ فِي الْأَيَّام الأشرفية برسباى وَكَانَ مَا كَانَ من مصادرته ومصادرة وَالِده الصاحب بدر الدّين على مَال كَبِير أَخذ مِنْهُمَا حَتَّى ذهب مَالهمَا إِلَّا أَنه لم يمسهما بِحَمْد الله سوء وَلَا أهينا فلزما دارهما عدَّة سِنِين. ثمَّ شَبه لَهما الإقبال فولى الْحِسْبَة ومازال يترقى حَتَّى عينه السُّلْطَان لمنادمته بعد ابْن قَاسم بن المحلاوى وَصَارَ يبيت عِنْده وشكرت خصاله وَلم يسْلك من الطمع وَأخذ الْأَمْوَال من النَّاس مَا سلكه غَيره بل عف وكف وَأفضل وَزَاد فِي الأفضال إِلَى أَن سعى بعض النَّاس فِي كِتَابَة السِّرّ بِمَال كَبِير جدا وأرجف بولايته فَاقْتضى رأى السُّلْطَان ولَايَة الْأَمِير صَلَاح الدّين وَعرض عَلَيْهِ ذَلِك لَيْلًا وَهُوَ مُقيم عِنْده على عَادَته فاستعفى من ذَلِك فَلم يعفه وصمم عَلَيْهِ ورسم بتجهيز التشريف لَهُ ثمَّ أصبح فَخلع عَلَيْهِ وَأقرهُ على مَا بِيَدِهِ. وإستمر بِهِ فِي منادمته وَالْمَبِيت عِنْده فضبط أمره وَصَارَ يكْتب الْمُهِمَّات السُّلْطَانِيَّة بِخَطِّهِ بَين يدى السُّلْطَان لما هُوَ عَلَيْهِ من قُوَّة الْكِتَابَة وجودتها وَمَعْرِفَة المصطلح والدربة بمعاشرة الْمُلُوك وتدبير الدول ومقالبة الْأَحْوَال. فتميز بذلك عَمَّن تقدمه من كتاب السِّرّ بعد ابْن فضل الله فَإِنَّهُم مُنْذُ عهد فتح الله صَارَت الْمُهِمَّات السُّلْطَانِيَّة إِنَّمَا يتَوَلَّى كتَابَتهَا الموقعونْ بإملاء كَاتب السِّرّ حَتَّى بَاشر هُوَ فاستبد بِالْكِتَابَةِ وحجب كل أحد عَن الِاطِّلَاع على أَحْوَال المملكة بِحسن سياسته وَتَمام مَعْرفَته. . وَفِي ثامن عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج. وَفِي هَذِه السّنة: شنع الْموَات بصعدة وَصَنْعَاء من بِلَاد الْيمن بِحَيْثُ ورد إِلَى مَكَّة كتاب موثوق بِهِ أَنه مَاتَ بصعدة وَصَنْعَاء وأعمالهما زِيَادَة على ثَمَانِينَ ألف إِنْسَان. وفيهَا أَيْضا وَقع الوباء بنواحى ديار بكر وآمد وَملك الديار فَمَاتَ مِنْهَا بشر كثير. وفيهَا كَانَت حروب بِبِلَاد الرّوم وديار بكر وَمَا يَليهَا وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور.
وَمَات فِيهَا مِمَّن لَهُ ذكر زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْخَرَّاط المروزى الأَصْل ثمَّ الحموى الأديب الشَّاعِر أحد موقعى السُّلْطَان فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ أول الْمحرم عَن نَحْو سِتِّينَ سنة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن من الْغَد. وَمَات الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن أَبى بكر بن إِسْمَاعِيل بن سليم بن قايماز بن عُثْمَان بن عمر الكنانى. شهَاب الدّين البوصيرى الشافعى أحد مَشَايِخ الحَدِيث فِي لَيْلَة الْأَحَد ثامن عشْرين الْمحرم. وَمَات الْأَمِير قرمش الْأَعْوَر أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق ترقى فِي الخدم حَتَّى صَار أحد الْأُمَرَاء وَأخرج بعد قتل النَّاصِر فرج بن برقوق إِلَى الشَّام. فَلَمَّا خرج الْأَمِير تنبك البجاسى على السُّلْطَان ثار مَعَه حَتَّى قتل تنبك ففر وتشتت مُدَّة حَتَّى ظهر الْأَمِير جَانِبك الصوفى إنضم إِلَيْهِ فقوى بِهِ وَسَار فِي جمَاعَة يُرِيد عنتاب وَبهَا من أُمَرَاء السُّلْطَان الْأَمِير خجا سودن فقاتله بِمن مَعَه وَأَخذه وَأخذ مَعَه من أُمَرَاء حلب المخامرين كمشبغا فِي طَائِفَة مِمَّن مَعَهم. وَحمل هُوَ وكمشبغا إِلَى حلب فقتلا بهَا. وحملت رؤوسهما إِلَى قلعة الْجَبَل فألقتا فِي قناة بعد إشهارهما. وَكَانَ قَتلهمَا فِي الْمحرم. وَمَات بِدِمَشْق قاضى الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد ابْن قاضى الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد ابْن مَحْمُود الْمَعْرُوف بِابْن الكشك الحنفى بِدِمَشْق فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر شهر ربيع الأول عَن وَمَات قاضى الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن صَلَاح الْمَعْرُوف بِابْن المحمرة الشافعى بالقدس فِي لَيْلَة السبت سادس عشر شهر ربيع الآخر. ومولده فِي صفر سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة خَارج الْقَاهِرَة. وَقد نَاب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ وَولى مشيخة خانكاة سعيد السُّعَدَاء وَقَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق ثمَّ مشيخة الصلاحية بالقدس حَتَّى مَاتَ بهَا.
وَمَات الْأَمِير بردى بك الإسماعيلى أحد العشرات فِي سَابِع عشر جُمَادَى الأولى بقلعة الْجَبَل وَهُوَ مسجون. وَمَات مقتولًا الْأَمِير حَمْزَة بك بن على بك بن دلغادر فِي لَيْلَة الْخَمِيس سَابِع عشْرين جُمَادَى الأولى بقلعة الْجَبَل وَهُوَ مسجون. وَمَات الْأَمِير أرغون شاه بِدِمَشْق فِي حادى عشْرين رَجَب. وَكَانَ قد ولى الوزارة والأستادارية بديار مصر ثمَّ أخرج إِلَى الشَّام على إمرة وباشر بهَا للسُّلْطَان. وَكَانَ ظلوما غشوما. وَهُوَ من مماليك الْأَمِير نوروز الحافظي. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن يُوسُف بن صَالح الحلاوى الدمشقى وَكيل بَيت المَال فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس شَوَّال. ومولده فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة بِدِمَشْق. وَمَات أَمِير الْمَلأ قرقماس بن عذرا بن نعير بن حيار بن مهنا. وَمَاتَتْ الْمَرْأَة الفاضلة أم عبد الله عَائِشَة بنت قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق عَلَاء الدّين أَبى الْحسن على بن مُحَمَّد بن على بن عبد الله بن أَبى الْفَتْح العسقلانى الحنبلى فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سادس عشْرين ذى الْقعدَة. ومولدها سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة حدثت عَن غير وَاحِد فَسمع عَلَيْهَا جمَاعَة. وهى من بَيت علم ورياسة. وَذكرت مِنْهُم فِي هَذَا الْكتاب وَغَيره أَبَاهَا وأخاه جمال الدّين عبد الله وزْوجها قاضى الْقُضَاة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن نصر اللة الحنبلى وَوَلدهَا عز الدّين أَحْمد ابْن قاضى الْقُضَاة برهَان الدّين. وَمَات صَاحب صنعاء الْيمن الإِمَام الْمَنْصُور نجاح الدّين أَبُو الْحسن على ابْن الإِمَام صَلَاح الدّين أَبى عبد الله مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد بن على بن مَنْصُور بن حجاج بن
يُوسُف من ولد يحيى بن النَّاصِر أَحْمد بن الهادى يحيى بن الْقَاسِم الرسى بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن الْحسن بن على بن أَبى طَالب رضى الله عَنْهُم فِي سَابِع صفر بَعْدَمَا أَقَامَ فِي الْإِمَامَة بعد أَبِيه سِتا وَأَرْبَعين سنة وَثَلَاثَة أشهر وأضاف إِلَى صنعاء وصعدة عدَّة من حصون الإسماعيلية أَخذهَا مِنْهُم بعد حروب وحصار فَقَامَ من بعده إبنه الإِمَام النَّاصِر صَلَاح الدّين مُحَمَّد بعهده إِلَيْهِ وبيعة الْجَمَاعَة لَهُ. فَمَاتَ بعد ثَمَانِيَة وَعشْرين يَوْمًا فِي خَامِس عشْرين شهر ربيع الأول فأجمع الزيدية بعده على رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ صَلَاح بن على بن مُحَمَّد بن أَبى الْقَاسِم وَبَايَعُوهُ ولقبوه بالمهدى. وَهُوَ من بنى عَم الإِمَام الْمَنْصُور. وَقَامَ بأَمْره أبن سنقر على أَن يكون الحكم لَهُ فعارضه الإِمَام وَصَارَ يحكم بِمَا يُؤدى إِلَيْهِ إجتهاده وَلَا يلْتَفت إِلَى ابْن سنقر فثار عَلَيْهِ بعد سِتَّة أشهر رجل يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الساودى. وأعانه قَاسم ابْن سنقر وقبضا عَلَيْهِ وسجناه فِي قصر صنعاء. ووكل بِهِ مُحَمَّد بن أَسد الأسدى. وَقَامَ قَاسم بِالْأَمر. فدبرت زَوْجَة الإِمَام المهدى فِي خلاصه وَدفعت إِلَى الأسدى الْمُوكل بِهِ ثَلَاثَة آلَاف أُوقِيَّة فأفرج عَنهُ وَخرج بِهِ من الْقصر. وَسَار إِلَى معقل يُسمى ظفار وَفِيه زَوْجَة المهدى. وَمضى الأسدى إِلَى معقل يُسمى دمر وَهُوَ من أعظم معاقل الإسماعيلية الَّتِى إنتزعها الإِمَام الْمَنْصُور على بن صَلَاح. وَأقَام المهدى مَعَ زَوجته بظفار. ثمَّ جمع النَّاس ويسار إِلَى صنعاء فَوَقع بَينه وَبَين ابْن سنقر وقْعَة إنكسر فِيهَا الإِمَام وتحصن بقلعة يُقَال لَهَا تلى فَلَمَّا بلغ ذَلِك زَوجته ملكت صعدة وأطاعها من بهَا من النَّاس فاضطرب أَمر قَاسم. وَكَانَ النَّاس مخالفين عَلَيْهِ فَأَقَامَ ولدا صَغِيرا وَهُوَ ابْن بنت الإِمَام الْمَنْصُور على وَأَبوهُ من الْأَشْرَاف الرسية فازداد النَّاس نفورا عَنهُ وَإِنْكَارا عَلَيْهِ. وإستدعوا الإِمَام المهدى إِلَى صعدة فَقَدمهَا وَبَايَعَهُ الْأَشْرَاف بيعَة ثَانِيَة حَتَّى تمّ أمره. وَبعث إِلَى أهل الْحُصُون يَدعُوهُم إِلَى طَاعَته فَأَجَابُوهُ وإنفرد قَاسم بِصَنْعَاء وَحدهَا على كره من أَهلهَا وبغض لَهُ.
سنة إِحْدَى وَأَرْبع وَثَمَانمِائَة شهر الْمحرم أَوله يَوْم السبت: فِي لَيْلَة الْأَحَد تاسعه: بلغ القاضى زين عبد الباسط والوزير كريم الدّين وَسعد الدّين نَاظر الْخَاص أَن المماليك السُّلْطَانِيَّة على عزم نهب دُورهمْ فوزعوا مَا عِنْدهم واختفوا. ثمَّ صعدوا إِلَى الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة على تخوف وعادوا إِلَى دُورهمْ والإرجاف مُسْتَمر إِلَى يَوْم الْأَحَد سادس عشرَة فَنزل عدَّة من المماليك فاقتحموا دَار عبد الباسط وَدَار الْأَمِير جَانِبك أستادار وَدَار الْوَزير ونهبوا مَا وجدوا فِيهَا. وَفِي ثانى عشرينه: قدم الركب الأول من الْحجَّاج. وَقدم من الْغَد الْمحمل بِبَقِيَّة الْحَاج. وَقدم الْخَبَر بِأَن نَائِب دوركى توجه فِي خَامِس عشرَة فِي عدَّة من نواب تِلْكَ الْجِهَات وَغَيرهم وعدتهم نَحْو الألفى فَارس حَتَّى طرقوا بيُوت الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن دلغادره وَقد نزل هُوَ والأمير جَانِبك الصوفى على نَحْو يَوْمَيْنِ من مرعش فنهبوا مَا هُنَالك وحرقوا. ففر ابْن دلغادر وجانبك الصوفى فِي نفر قَلِيل. وَذَلِكَ أَن جموعهما كَانَت مَعَ الْأَمِير سُلَيْمَان بن نَاصِر الدّين بن دلغادر على حِصَار قيصرية الرّوم. فِيهِ توجه الْأَمِير أينال الجكمى نَائِب الشَّام من دمشق يُرِيد حلب. وَقد سَارَتْ نواب الشَّام حَتَّى يوافوا قيصرية مدَدا لإبن قرمان على سُلَيْمَان بن دلغادر. وَفِي رَابِعَة الْمُوَافق لَهُ رَابِع عشرى مسرى: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَركب الْمقَام الجمالى يُوسُف ابْن السُّلْطَان حَتَّى خلق عَمُود المقياس بَين يَدَيْهِ ثمَّ فتح خليج الْقَاهِرَة على الْعَادة وَعَاد إِلَى القلعة. وَفِي سابعه: قدمت تقدمة الْأَمِير أينال الجكمى نَائِب الشَّام وهى ذهب عشرَة آلَاف دِينَار وخيول مِائَتَا فرس مِنْهَا ثَلَاثَة أرؤس بسروج ذهب وكنابيش ذهب
وسمور عشرَة أبدان ووشق عشرَة أبدان وقاقم عشرَة أبدان وسنجاب مائَة بدن وَثيَاب بعلبكى خَمْسمِائَة ثوب وأقواس حَلقَة مائَة قَوس وجمال بخاتى ثَلَاث قطر وجمال عراب ثَلَاثمِائَة جمل وصوف مربع مائَة ثوب ذَات ألوان. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشرَة: خلع على جلال الدّين أَبى السعادات مُحَمَّد بن ظهيرة قاضى مَكَّة خلعة الإستمرار. وَكَانَ قد قدم من مَكَّة صُحْبَة الْحَاج بِطَلَب. وأرجف بعزله فَقَامَ بأَمْره القاضى صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن نصر الله كَاتب السِّرّ حَتَّى رضى عَنهُ السُّلْطَان وَأقرهُ على قَضَاء مَكَّة على مَال قَامَ بِهِ للسُّلْطَان وَهُوَ نَحْو خَمْسمِائَة دِينَار فَكَانَ ذَلِك من الْمُنْكَرَات الَّتِى وَفِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشرينه: كَانَ نوروز القبط. بِمصْر وَهُوَ أول توت رَأس سنتهمْ مْنودى على النّيل بِزِيَادَة أصبعين لتتمة تِسْعَة عشر ذِرَاعا وأصبع من عشْرين ذِرَاعا. وَهَذَا فِي زِيَادَة النّيل مِمَّا ينْدر وُقُوعه وَللَّه الْحَمد. وَفِي هَذَا الشَّهْر: والذى قبله كثر الوباء بحلب وأعمالها حَتَّى تجاوزت عدَّة الْأَمْوَات. بِمَدِينَة حلب فِي الْيَوْم مائَة. شهر ربيع الأول أَوله يَوْم الثُّلَاثَاء: فِيهِ إستقر القاضى بدر الدّين مُحَمَّد ابْن قاضى الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام شهَاب الدّين أبي الْفضل أَحْمد بن حجر فِي نظر الْجَامِع الطولونى وَنظر الْمدرسَة بَين القصرين نِيَابَة عَن قاضى الْقُضَاة علم الدّين صَالح بن البلقينى بسؤال القاضى زين الدّين عبد الباسط لَهُ فِي ذَلِك فَأذن لَهُ حَتَّى إستنابه عَنهُ. وَفِي خامسه: خلع الْأَمِير غرس الدّين خَلِيل الذى ولى الوزارة بعد نْيابة الْإسْكَنْدَريَّة وإستقر فِي نِيَابَة الكرك وَسَار بِطَلَبِهِ وأثقاله من سَاعَته. وَفِيه توجه قاضى مَكَّة الْجلَال أَبُو السعادات يُرِيد مَكَّة. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشرَة: وَهُوَ يَوْم عيد الصَّلِيب عِنْد قبط مصر نودى على النّيل بِزِيَادَة أصبعين لتتمة عشْرين ذِرَاعا وَثَمَانِية أَصَابِع. هَذَا وَقد فتحت السدود الصليبية فِي يَوْم الْجُمُعَة أمسه. وَكَانَ هَذَا أَيْضا من نَوَادِر زيادات النّيل. ومازال يزِيد حَتَّى إنتهت زِيَادَته فِي سادس عشرَة الْمُوَافق لَهُ حادى عشْرين بَابه إِلَى عشْرين ذِرَاعا وَثَلَاثَة عشر أصبعًا.
وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشرَة: خلع على الصاحب جمال الدّين يُوسُف بن كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن بركَة الْمَعْرُوف بإبن كَاتب حكم وإستقر فِي نظر الْخَاص بعد موت أَخِيه سعد الدّين إِبْرَاهِيم. وَفِي سادس عشرينه وَهُوَ أول بابة: بلغ مَاء النّيل عشْرين ذِرَاعا وَخَمْسَة عشر أصبعًا شهر ربيع الآخر أَوله يَوْم الْأَرْبَعَاء: فِي هَذَا الشَّهْر: ثَبت مَاء النّيل إِلَى نَحْو النّصْف من شهر بابة فكمل رى الأراضى وَالْحَمْد لله. ثمَّ إنحط فضرع النَّاس فِي الزَّرْع. وَفِيه كملت عمَارَة الْجَامِع الذى أنشأه السُّلْطَان بِنَاحِيَة خانكاة سرياقوس على الدَّرْب المسلوك وذرعه خَمْسُونَ ذِرَاعا فِي خمسين ذِرَاعا. ورتب فِيهِ إِمَامًا للصلوات الْخمس وخطيبًا وقراء يتناوبون الْقِرَاءَة فِي مصاحف. وَفِي هَذَا الشَّهْر: والذى قبله فْشا الْمَوْت فِي النَّاس. بِمَدِينَة حماة وأعمالها حَتَّى تجَاوز عدَّة من يَمُوت فِي كل يَوْم مائَة وَخمسين إنْسَانا. وَقدم الْخَبَر بِأَن عدن من بِلَاد الْيمن إحترقت بأًجمعها وأحرقت دَار الْملك بزبيد مَعَ جَانب من الْمَدِينَة وَأَن الْملك الظَّاهِر يحيى ملك الْيمن كَانَت بَينه وَبَين المعازبة من عرب الْيمن وقْعَة وَقتل فِيهَا عدَّة من عسكره وَنَجَا بِنَفسِهِ إِلَى تعز. وَأَن الْعَرَب اليمانية إنتقضت عَلَيْهِ من بَاب عدن إِلَى الشحر وَأَنه قبض على كَبِير دولته الْأَمِير سيف الدّين برقوق وسلبه مَاله وسجنه ثمَّ أفرج عَنهُ. وَفِيه أَيْضا كَانَت بَين الْمُسلمين وَبَين ملك البرتغال وقْعَة على مَدِينَة طنجة من أَعمال الْمغرب. شهر جُمَادَى الأولى أَوله يَوْم الْخَمِيس: فِي ثالثه: ركب السُّلْطَان من قلعة الْجَبَل وشق الْقَاهِرَة من بَاب زويلة وَخرج من
بَاب القنطرة فَمضى إِلَى القليوبية لصيد الكراكى وَهَذِه أول ركبة ركبهَا فِي هَذِه السّنة للصَّيْد. وَفِيه قدم الْأَمِير تمراز المؤيدى نَائِب غَزَّة. وَفِي خامسه: قدم السُّلْطَان من الصَّيْد وَعبر من بَاب القنطرة وشق الْقَاهِرَة حَتَّى خرج من بَاب زويلة إِلَى القلعة وَلم يَقع لَهُ صيد أَلْبَتَّة. وَفِي سادسه: قبض على الْأَمِير تمراز نَائِب غَزَّة وَحمل مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وإستدعى الْأَمِير جرباش قاشق من دمياط وَهُوَ مسجون بهَا ليلى نِيَابَة غَزَّة فَلم يتم لَهُ ذَلِك. وَرجع إِلَى دمياط. وَفِي ثامنه: ركب السُّلْطَان ليصطاد من بركَة الْحجَّاج وَمضى إِلَى جَامعه بخانكاة سرياقوس وَعَاد من يَوْمه. ثمَّ ركب فِي لَيْلَة السبت عاشرة يُرِيد أطفيح. فاصطاد وَعَاد فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثانى عشرَة. وَفِي سَابِع عشرَة: خلع على الْأَمِير آقبردى القجماسى وإستقر فِي نِيَابَة غَزَّة. وَفِيه قدم مَمْلُوك نَائِب حلب بِرَأْس الْأَمِير جَانِبك الصوفى وَيَده فطيف بِالرَّأْسِ على رمح شَارِع الْقَاهِرَة ثمَّ ألقيت فِي قناة وَكَانَ من خَبره أَنه لما كبسه نَائِب دوركى فِي شهر الله الْمحرم كَمَا تقدم ذكره فر هُوَ وَابْن دلغادر فَمضى ابْن دلغادر على وَجهه يُرِيد بِلَاد الرّوم وَقصد الْأَمِير جَانِبك الصوفى أَوْلَاد قرايلك وَنزل على مُحَمَّد ومحمود ابنى قرايلك وَأقَام عِنْدهم فَأخذ الْأَمِير تغرى برمش نَائِب حلب فِي إستمالة مُحَمَّد ومحمود حَتَّى مَالا إِلَيْهِ وواعداه أَن يقبضا على جَانِبك على أَن يحمل إِلَيْهِمَا
خَمْسَة آلَاف دِينَار فَنقل ذَلِك لجانبك فبادر وَخرج وَمَعَهُ بضعَة وَعِشْرُونَ فَارِسًا لينجو بِنَفسِهِ فأدركوه وقاتلوه فَأَصَابَهُ سهم سقط مِنْهُ عَن فرسه فَأَخَذُوهُ وسجنوه عِنْدهم. وَذَلِكَ فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشْرين شهر ربيع الآخر. فَمَاتَ من الْغَد فَقطع رَأسه وَحمل إِلَى السُّلْطَان فكاد يطير فَرحا وَظن أَنه قد أَمن فَأجرى الله على الْأَلْسِنَة أَنه قد إنقضت أَيَّامه وزالت دولته. فَكَانَ كَذَلِك كَمَا سيأتى هَذَا. وَقد قَابل نعْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ فِي كِفَايَة عدوه بِأَن تزايد عتوه وَكثر ظلمه وَسَاءَتْ سيرته فَأَخذه الله أخذا وبيلا وعاجله بنقمته وَلم يهنيه. وَفِي تَاسِع عشرَة: ركب السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد بالقليوبية وَعَاد من الْغَد. وَفِيه ورد كتاب الحطى ملك الْحَبَشَة وَهُوَ النَّاصِر يَعْقُوب بن دَاوُد ابْن سيف أرعد وَمَعَهُ هَدِيَّة مَا بَين ذهب وَزَباد وَغير ذَلِك فتضمن كِتَابه السَّلَام والتودد وَالْوَصِيَّة بالنصارى وكنائسهم. وَفِي هَذَا الشَّهْر: شنع الوباء بحماة حَتَّى تجاوزت عدَّة الْأَمْوَات عِنْدهم فِي كل يَوْم ثَلَاثمِائَة إِنْسَان وَلم يعهدوا مثل ذَلِك فِي هَذِه الْأَزْمِنَة. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ رسم بِنَقْل جمال الدّين يُوسُف بن الصفى الكركى كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق إِلَى نظر الْجَيْش بهَا عوضا عَن بهاء الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين عمر بن حجى على أَن يحمل أَرْبَعَة آلَاف دِينَار. وَأَن يسْتَقرّ بن حجى فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن ابْن الصفى على أَن يحمل ألف دِينَار. وَفِي ثَانِيه: توجه السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد فِي بركَة الْحجَّاج. وَقدم الْخَبَر بِوُقُوع الوباء فِي مَدِينَة طرابلس الشَّام. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر ركُوب السُّلْطَان إِلَى الصَّيْد. وَفِيه وَقع الوباء بِدِمَشْق وفْشا الْمَوْت بالطاعون الوحى. وَقدم الْخَبَر بِأَن إسكندر بن قرايوسف نزل قَرِيبا من مَدِينَة تبريز فبرز إِلَيْهِ أَخُوهُ جهان شاه الْمُقِيم بهَا من قبل القان معِين الدّين شاه رخ بن تيمور لنك ملك الْمشرق
فَكَانَت بَينهمَا وقْعَة إنهزم فِيهَا إسكندر إِلَى قلعة يلنجا من عمل تبريز فنازله جهان شاه وحصره بهَا. وَأَن الْأَمِير حَمْزَة بن قرايلك متملك ماردين وأرزنكان أخرج أَخَاهُ نَاصِر الدّين على باك من مَدِينَة آمد وملكها مِنْهُ. فقلق السُّلْطَان من ذَلِك. وعزم على أَن يُسَافر بِنَفسِهِ إِلَى بِلَاد الشَّام وَكتب بتجهيز الإقامات بِالشَّام ثمَّ أبطل ذَلِك. شهر رَجَب أَوله الْأَحَد: فِي خامسه: أدير محمل الْحَاج. وَقد تقدم أَنه إِنَّمَا كادْ يدار بعد النّصْف من شهر رَجَب وَأَنه أدير فِي هَذِه الدولة قبل النّصْف فجرت فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ وَيَوْم الْإِثْنَيْنِ خامسه شنائع. وَذَلِكَ أَن مماليك السُّلْطَان سكان الطباق بالقلعة نشأوا على مقت السُّلْطَان لرعيته مَعَ مَا عِنْدهم من بغض النَّاس فَنزل كثير مِنْهُم فِي أول اللَّيْل وَأخذُوا فِي نهب النَّاس وخطف النِّسَاء وَالصبيان للْفَسَاد. وإجتمع عدد كثير من العبيد السود وقاتلوا المماليك فَقتل من العبيد خَمْسَة نفر وجرح عدَّة من المماليك وخطف من العمائم وَأخذ من الْأَمْتِعَة شىء كثير فَكَانَ ذَلِك من أقبح مَا سمعنَا بِهِ. وفْيه قْدم ولد مَحْمُود بن قرايلك بسيفْ الْأَمِير جَانِبك الصوفْي الذى قتل. وَفِي يَوْم السبت سابعه: رسم بِخُرُوج تجريدة إِلَى بِلَاد الشَّام وَعين من الْأُمَرَاء المقدمين ثَمَانِيَة وهم الْأَمِير قرقماس الشعبانى أَمِير سلَاح والأمير أقبغا التمرازى أَمِير مجْلِس والأمير أركماس الظاهرى الدوادار والأمير تمراز الدقماقى رَأس نْوبة النوب والأمير يشبك حَاجِب الْحجاب والأمير جانم أَمِير أخور والأمير خجا سودنْ والأمير قراجا الأشرفي. وَفِي تاسعه: نودى بألا يحمل أحد من العبيد السِّلَاح وَلَا سَيْفا وَلَا عصى وَلَا يمشي بعد الْمغرب. وَأَن المماليك لَا تتعرض لأحد من العبيد. وَذَلِكَ أَنه لما وَقع بَين المماليك وَالْعَبِيد فِي لَيْلَة الْمحمل مَا وَقع أَخذ المماليك فِي تتبع العبيد فَقتلُوا مِنْهُم جمَاعَة ففر كثير مِنْهُم من الْقَاهِرَة وإختفى كثير مِنْهُم. فَلَمَّا نودى بذلك سكن ذَلِك الشَّرّ وَأمن النَّاس على عبيدهم بعد خوف شَدِيد.
وَفِيه رسم. بِمَنْع المماليك من النُّزُول من طباقهم بالقلعة إِلَى الْقَاهِرَة وَذَلِكَ أَنهم صَارُوا ينزلون طوائف طوائف إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِى يجْتَمع بهَا الْعَامَّة للنزهة ويتفننوا فِي الْعَبَث وَالْفساد من أَخذ عمائهم الرِّجَال وإغتصاب النِّسَاء وَالصبيان وَتَنَاول معايش الباعة وَغير ذَلِك فَلم يتم مَنعهم ونزلوا على عَادَتهم السَّيئَة. وَفِي عاشرة: حمل إِلَى الْأُمَرَاء الثَّمَانِية نَفَقَة السّفر وهى لكل أَمِير ألفا دِينَار أشرفية. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشرَة: ركب السُّلْطَان إِلَى خليج الزَّعْفَرَان من الريدانية خَارج الْقَاهِرَة وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع الوباء بِبِلَاد الصَّعِيد من أَرض مصر وَكثر بِدِمَشْق وشنع بحلب وأعمالها فأظهر أَهلهَا التَّوْبَة وَأَغْلقُوا حانات الخمارين وَمنعُوا البغايا الواقفات للبغاء والشباب المرصدين لعمل الْفَاحِشَة بضرائب تحمل لنائب حلب وَغَيره من أَرْبَاب الدولة فتناقص الْمَوْت وخف الوباء حَتَّى كَاد يرْتَفع. ففرح أهل حلب بذلك وَجعلُوا شكر هَذِه النِّعْمَة أَن فتحُوا الخمارات وأوقفوا البغايا والأحداث للْفَسَاد بالضرائب المقررة عَلَيْهِم فَأَصْبحُوا وَقد مَاتَ من النَّاس ثَمَانمِائَة إِنْسَان. وإستمر الوباء الشنيع وَالْمَوْت الذريع فيهم رَجَب وَشَعْبَان وَمَا بعده. شهر شعْبَان أَوله يَوْم الْإِثْنَيْنِ: أهل هَذَا الشَّهْر وَالسُّلْطَان مَرِيض وَقد أخرج مَالا فرق فِي جمَاعَة من النَّاس على سَبِيل الْبر وَالصَّدَََقَة فمازال إِلَى يَوْم الثُّلَاثَاء تاسعه فَخلع فِيهِ على الْأَطِبَّاء لعافية السُّلْطَان. وَركب من الْغَد فزار القرافة وَفرق مَالا فِي الْفُقَرَاء وَعَاد وَالْمَرَض بَين فِي وَجهه. وَفِي هَذَا الْيَوْم: أعنى يَوْم الْأَرْبَعَاء عاشره حدثت ريح شَدِيدَة فِي مُعَاملَة طرابلس واللاذقية وحماة وحلب وحمص وأعمالها وإستمرت عدَّة أَيَّام فَأَلْقَت من الْأَشْجَار مَا لَا يدْخل تَحت حصر.
وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشرَة: برز سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن الْمرة إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة ليسير إِلَى الطّور ويركب الْبَحْر إِلَى حِدة وَكَانَ قدم من مَكَّة وصادره السُّلْطَان على مَال حمله ثمَّ خلع عَلَيْهِ وإستقر فِي نظرالخاص بجدة على عَادَته. وخلع مَعَه على التَّاجِر بدر الدّين حُسَيْن بن شمس الدّين مُحَمَّد بن المزلق الدمشقى ليَكُون عوضا عَن الْأَمِير الْمُجَرّد إِلَى جدة. وَفِيه ركب السُّلْطَان إِلَى خَارج الْقَاهِرَة وَعبر من بَاب النَّصْر ثمَّ نزل بالجامع الحاكمى وَقد ذكر لَهُ أَن بِهَذَا الْجَامِع دعامة قد ملئت ذَهَبا فشره لذَلِك وطمع فِي أَخذه. فَقيل لَهُ. إِنَّك تحْتَاج إِلَى هدم جَمِيع هَذِه الدعائم حَتَّى تظفر بهَا ثمَّ لابد لَك من إِعَادَة عمارتها. فَعلم عَجزه عَن ذَلِك وَخرج فَركب عَائِدًا إِلَى القلعة. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَن الرباء شنع بِدِمَشْق وَأَنه مَاتَ من الغرباء الَّذين قدمُوا من بَغْدَاد وتبريز والحلة والمشهد وَتلك الديار فِرَارًا من الْجور وَالظُّلم الذى هُنَالك وَسَكنُوا حلب وحماة ودمشق عَالم عَظِيم لَا يحصرهم الْعَاد لكثرتهم. وَفِي سَابِع عشرَة: خلع على الْأَمِير أركماس الجاموس أَمِير شكار وأعيد إِلَى كشف الْوَجْه القبلى وإستقر ملك الْأُمَرَاء ليحكم من الجيزة إِلَى أسوان. وَفِيه أَيْضا حدثت بِالْقَاهِرَةِ زَلْزَلَة عِنْد أَذَان الْعَصْر إهتز بى الْبَيْت مرَّتَيْنِ إِلَّا أَنَّهَا كَانَت خَفِيفَة جدا وَللَّه الْحَمد. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشرَة: هبت بِدِمَشْق ريح شَدِيدَة فِي غَايَة من الْقُوَّة. وإستمرت يَوْم الْجُمُعَة وَيَوْم السبت فاقتلعت من شجر الْجَوْز الْكِبَار مَا لَا يُمكن حصره لكثرته. وَأَلْقَتْ أعالى دور عديدة وَأَلْقَتْ بعض المنارة الشرقية بالجامع الأموى فَكَانَ أمرا مهولا وعمت هَذِه الرّيح بِلَاد صفد والغور وأتلفت شَيْئا كثيرا. وَفِي عشرينه: إستقل ابْن المزلق وَابْن الْمرة بِالْمَسِيرِ إِلَى الطّور ليركبوا الْبَحْر من هُنَاكَ إِلَى جدة. وَبعث السُّلْطَان على يَد ابْن المزلق خَمْسَة آلَاف دِينَار بِسَبَب عمَارَة عين عَرَفَة. وَفِي يَوْم الْخَمِيس: خرج الْأَمِير قرقماس أَمِير سلَاح مقدم الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى
الشَّام وصحبته الْأُمَرَاء من غير أَن يرافقهم فِي سفرهم أحد من الممالك السُّلْطَانِيَّة لسوء سيرتهم. فنزلوا بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة إِلَى أَن إستقلوا بِالْمَسِيرِ فِي يَوْم السبت سَابِع عشرينه. وَكتب لنائب الشَّام الْأَمِير أينال الجكمى أَن يتَوَجَّه. مِمَّن مَعَه صُحْبَة الْأُمَرَاء إِلَى حلب ويستدعوا حَمْزَة باك ابْن قرايلك صَاحب ماردين وأرزن كَانَ فَإِن قدم إِلَيْهِم خلع عَلَيْهِ بنيابة السلطة فِيمَا يَلِيهِ وَإِلَّا مَشوا بأجمعهم عَلَيْهِ وقاتلوه وأخذوه. وَقدم الْخَبَر بأنْ مُحَمَّد بن قرايلك توجه إِلَى أَخِيه حَمْزَة بالك باستدعائه وَقد حقد عَلَيْهِ قَتله جَانِبك الصُّوفِي فَإِنَّهُ لما بلغه نزُول جَانِبك على أَخَوَيْهِ مُحَمَّد ومحمود كتب إِلَى أَخِيه مُحَمَّد بِأَن يبْعَث بِهِ إِلَيْهِ ليرهب بِهِ السُّلْطَان فَمَال مُحَمَّد إِلَى مَا وعده بِهِ نَائِب حلب من المَال وَقتل جَانِبك فمازال حَمْزَة يعد أَخَاهُ ويمنيه حَتَّى سَار إِلَيْهِ وَفِي ظَنّه أَنه يوليه بعض بِلَاده فَمَا هُوَ إِلَّا أَن صَار فِي قَبضته قَتله وَظهر عَاجل عُقُوبَة الله لَهُ على بغْيه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع فِي كثير من الأبقار دَاء طرحت مِنْهُ الْحَوَامِل عجولاً وفيهَا الطَّاعُون وَهلك كثير من العجاجيل بالطاعون أَيْضا. شهر رَمَضَان أَوله يَوْم الثُّلَاثَاء: وَفِيه كَانَت عدَّة الْأَمْوَات الَّتِى رفعت بهَا أوراق مباشرى ديوَان الْمَوَارِيث بِالْقَاهِرَةِ ثَمَانِيَة عشر إنْسَانا وتزايدت عدتهمْ فِي كل يَوْم حَتَّى فَشَا فِي النَّاس الْمَوْت بالطاعون فِي الْقَاهِرَة ومصر لاسيما فِي الْأَطْفَال وَالْإِمَاء وَالْعَبِيد فَإِنَّهُم أَكثر من يَمُوت موتا وَحيا سَرِيعا. هَذَا وَقد عَم الوباء بالطاعون بِلَاد حلب وحماة وطرابلس وحمص ودمشق وصفد والغور والرملة وغزة وَمَا بَين ذَلِك
حَتَّى شنعت الْأَخْبَار بِكَثْرَة من يَمُوت وَسُرْعَة مَوْتهمْ. وشناعة الموتان أَيْضا بِبِلَاد الواحات من أَرض مصر ووقوعه قَلِيلا بصعيد مصر. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشرينه: ختمت قِرَاءَة صَحِيح البخارى بَين يدى السُّلْطَان بقلعة الْجَبَل وَقد حضر قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع وعدة من مَشَايِخ الْعلم وَجَمَاعَة من الطّلبَة كَمَا جرت الْعَادة من الْأَيَّام المؤيدية شيخ. وَهُوَ مُنكر فِي صُورَة مَعْرُوف ومعصية فِي زى طَاعَة. وَذَلِكَ أَنه يتَصَدَّى للْقِرَاءَة من لَا عهد لَهُ بمارسة الْعلم لكنه يصحح مَا يقرأه فيكثر مَعَ ذَلِك لحنه وَتَصْحِيفه وخطاه وتحريفه. هَذَا وَمن حضر لَا ينصتون لماعه بل دَائِما دأبهم أَن يَأْخُذُوا فِي الْبَحْث عَن مسأله يطول صِيَاحهمْ فِيهَا حَتَّى يمْضى بهم الْحَال إِلَى الإساءات الَّتِى تؤول أَشد العداوات. وَرُبمَا كفر بَعضهم بَعْضًا وصاروا ضحكة لمن عساه يحضرهم من الْأُمَرَاء والمماليك. وإتفق فِي يَوْم هَذَا الْخَتْم أَن السُّلْطَان لما كثر الوباء قلق من مداخلة الْوَهم لَهُ فَسَأَلَ من حضر من الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء عَن الذُّنُوب الَّتِى إِذا إرتكبها النَّاس عاقبهم الله بالطاعون فَقَالَ لَهُ بعض الْجَمَاعَة: إِن الزِّنَا إِذا فَشَا فِي النَّاس ظهر فيهم الطَّاعُون وَأَن النِّسَاء يتزين ويمشين فِي الطرقات لَيْلًا وَنَهَارًا فِي الْأَسْوَاق. فَأَشَارَ آخر أَن الْمصلحَة منع النِّسَاء من المشى فِي الْأَسْوَاق. ونازعه آخر فَقَالَ لَا يمْنَع إِلَّا المتبرجات وَأما الْعَجَائِز وَمن لَيْسَ لَهَا من يقوم بأمرها لَا تمنع من تعاطى حَاجَتهَا. وجروا فِي ذَلِك على عَادَتهم فِي مُعَارضَة بَعضهم بَعْضًا فَمَال السُّلْطَان إِلَى مَنعهنَّ من الْخُرُوج إِلَى الطرقات مُطلقًا ظنا مِنْهُ أَن بمنعهن يرْتَفع الوباء. وَأمر بإجتماعهم عِنْده من الْغَد فَاجْتمعُوا فِي يَوْم الْخَمِيس وإتفقوا على مَا مَال إِلَيْهِ السُّلْطَان. فْنودى بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظْواهرهما. بِمَنْع جَمِيع النِّسَاء بأسرهن من الْخُرُوج من بُيُوتهنَّ وَألا تمر إمرأة فِي شَارِع وَلَا سوق أَلْبَتَّة وتهدد من خرجت من بَيتهَا بِالْقَتْلِ فَامْتنعَ عَامَّة النِّسَاء فتياتهن وعجائزهن وإمائهن من الْخُرُوج إِلَى الطرقات. وَأخذ والى الْقَاهِرَة وَبَعض الْحجاب فِي تتبع الطرقات وَضرب من وجدوا من النِّسَاء وأكدوا من الْغَد يَوْم الْجُمُعَة فِي مَنعهنَّ وتشددوا فِي الردع والتهديد فَلم تَرَ إمرأة فِي شىء من الطرقات. فَنزل بعدة من الأرامل وربات الصَّنَائِع وَمن لَا قيم لَهَا يقوم بشأنها وَمن تَطوف على الْأَبْوَاب تسْأَل النَّاس ضيق وضرر شَدِيد. وَمَعَ ذَلِك فتعطل بيع كثير من البضائع وَالثيَاب والعطر فإزداد النَّاس وقُوف حَال وكساد معايش وتعطل أسواق وَقلة مكاسب.
وَفِي يَوْم السبت سادس عشرينه: أَمر السُّلْطَان بِإِخْرَاج أهل السجون من أَرْبَاب الجرائم وَمن عَلَيْهِ دين فاً خَرجُوا بأجمعهم وأطلقوا بأسرهم. ورسم بغلق السجون كلهَا وَألا يسجن أحد فأغلقت السجون بِالْقَاهِرَةِ ومصر. وأنتشرت السراق والمفسدون فِي الْبَلَد. وإمتنع من لَهُ مَال على أخر أَن يُطَالِبهُ بِهِ. وَفِي سَابِع عشرينه: عزم السُّلْطَان على ولَايَة الْحِسْبَة لرجل ناهض فَذكر لَهُ جمَاعَة فَلم يرضهم. ثمَّ قَالَ: عندى وَاحِد لَيْسَ بِمُسلم وَلَا يخَاف الله وَأمر فأحضر إِلَيْهِ الْأَمِير دولت خجا فَخلع عَلَيْهِ وإستقر بِهِ محتسب الْقَاهِرَة عوضا عَن الْمقر الصلاحى مُحَمَّد ابْن الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله رَغْبَة من السُّلْطَان فِي جبروته وقسوته وَشدَّة عُقُوبَته وَقلة رَحمته وَفِيه نودى بِخُرُوج الْإِمَاء لشراء حوائج مواليهن من الْأَسْوَاق وَألا تنتقب وَاحِدَة مِنْهُنَّ بل يكن سافرات عَن وجوههن وَأَن تخرج الْعَجَائِز لقَضَاء أشغالهن وَأَن تخرج النِّسَاء إِلَى الحمامات وَلَا يقمن بهَا إِلَى اللَّيْل فَكَانَ فِي ذَلِك نوع من أَنْوَاع الْفرج. وَفِيه قدم الْأُمَرَاء المجردون إِلَى الْبحيرَة بِغَيْر طائل وَقد أتلفوا كثيرا من زروع النواحي. وَفِيه إبتدأ إنتشار الْجَرَاد الْكثير بِالْقَاهِرَةِ وضواحيها وإستمر عدَّة أَيَّام. وَفِيه أقيم بعض سفلَة الْعَامَّة الأشرار فِي التحدث على مَوَارِيث الْيَهُود وَالنَّصَارَى وخلع عَلَيْهِ وَكَانَت الْعَادة أَن بطرك النَّصَارَى وَرَئِيس الْيَهُود يتَوَلَّى كل مِنْهُمَا أَمر مَوَارِيث طائفته فتوصل هَذَا السفلة إِلَى السُّلْطَان وَالْتزم لَهُ أَن يحصل من هَذِه الطَّائِفَتَيْنِ مَالا كَبِيرا فَجرى السُّلْطَان على عَادَته فِي الشره فِي جمع المَال وولاه. وَفِيه كشف عَن بيُوت الْيَهُود وَالنَّصَارَى وأحضروا مَا فِيهَا من جرار الْخمر لتراق. وَفِي هَذَا الشَّهْر: هدم لِلنَّصَارَى دير المغطس عِنْد الملاحات قريب من بحيرة البرلس وَكَانَت نَصَارَى الإقليم قبليا وبحريا تحج إِلَى هَذَا الدَّيْر كَمَا يحجون إِلَى كَنِيسَة الْقِيَامَة بالقدس وَذَلِكَ فِي عيده من شهر بشنس ويسمونه عيد الظُّهُور وَقد
بسطت الْكَلَام على هَذَا عِنْد ذكر الْكَنَائِس والديارات من كتاب المواعظ والإعتبار بِذكر الخطط والْآثَار. وَفِي هَذَا الشَّهْر: شنع الْمَوْت بالطاعون فِي بلد عانة من بِلَاد الْعرَاق بِحَيْثُ لم يبْق بهَا أحد. وإستولى أَمِير الملا عاذر بن نعير على موجودهم جَمِيعه. وشنع الْمَوْت أَيْضا فِي أهل الرحبة حَتَّى عجزوا عَن مواراة الْأَمْوَات وألقوا مِنْهُم عددا كثيرا فِي الْفُرَات. وشنع الْمَوْت أَيْضا فِي أزواق التركمان وبيوت العربان بنواحي بِلَاد الْفُرَات حَتَّى صَار الْفَرِيق من الْعَرَب أَو الزوق من التركمان لَيْسَ بِهِ إِنْسَان. ودوابهم مُهْملَة لَا رَاعى لَهَا. وأحصى من مَاتَ بِمَدِينَة غَزَّة فِي هَذَا الشَّهْر فبلغوا إثني عشر ألفا ونيف ووردت الْأَخْبَار بخلو عدَّة مدن بِبِلَاد الْمشرق لمَوْت أَهلهَا وبكثرة الوباء بِبِلَاد الفرنج. شهر شَوَّال أهل بِيَوْم الْخَمِيس: وَقد كل النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر من الْقَبْض والأنكاد مَا لَا يُوصف وَذَلِكَ من تزايد عدَّة الْأَمْوَات فِي كل يَوْم فَكَانَت عدَّة من رفع ذكره من ديوَان الْمَوَارِيث فِي هَذَا الْيَوْم وَهُوَ يَوْم الْعِيد من الْقَاهِرَة مائَة إِنْسَان وَمن مصر إثنان وَعِشْرُونَ. هَذَا وَقد تعطل بيع كثير من البضائع وأمتعة النِّسَاء لإمتناعهن من الْمَشْي فِي الطرقات وإستوحش نسَاء الْأُمَرَاء المجردين وَأَوْلَادهمْ لغيبتهم عَنْهُم وقلق النَّاس من عسف متولى الْحِسْبَة وَشدَّة بطشه وَمن كَثْرَة مَا دَاخل النَّاس من الْوَهم خوفًا على أَوْلَادهم وخدمهم من الْمَوْت الوحى السَّرِيع بالطاعون وَمن نزُول أَنْوَاع المكاره بِالذِّمةِ من الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِحَيْثُ أَنى لم أدْرك فِي طول عمرى عيدًا كَانَ أنكد على النَّاس من هَذَا وَفِي لَيْلَة هَذَا الْعِيد: إشتد برد الشتَاء فِي بِلَاد الشَّام فَأصْبح النَّاس من صفد إِلَى دمشق وحماة وحلب وديار بكر إِلَى أرزن كَانَ وَقد صقعت أَشْجَارهم بِحَيْثُ لم يبْق عَلَيْهَا ورقة خضراء إِلَّا إسودت مَا عدا شجر الصفصاف والجوز فَتلفت الباقلاء المزروعة وَالشعِير والبيقياء والهليون وَعَامة الخضروات فَزَادَهُم ذَلِك بلَاء على بلائهم بِكَثْرَة الموتان الفاشى فِي النَّاس وهبت مَعَ ذَلِك بصفد ريح بَارِدَة هلك بعْدهَا من النَّاس وَالدَّوَاب مَا شَاءَ الله. وَتَلفت بهَا الزروع وَالْأَشْجَار.
وإتفق أَيْضا فِي لَيْلَة عيد الْفطر أَن هجم على مَدِينَة فاس من بِلَاد الْمغرب الْأَقْصَى سيل عَظِيم جدا فَأخذ خلائق وَهدم عدَّة مسَاكِن فَكَانَ أمرا مهولاً وحادثًا شنيعًا. وَفِي رابعه: قدم الْأُمَرَاء المجردون إِلَى حلب. وَفِيه خلع السُّلْطَان على الْأُمُور أسنبغا الطيارى وإستقر حَاجِب ميسرَة عوضا عَن جَانِبك الناصرى الْمُتَوفَّى بِمَكَّة فأراق الْخُمُور من دور النَّصَارَى وَغَيرهم. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادسه: خلع على الإِمَام الْحَافِظ شهَاب الدّين أَبى الْفضل أَسد ابْن على بن حجر وأعيد إِلَى قَضَاء الشَّافِعِيَّة بديار مصر عوضا عَن قاضى الْقُضَاة علم الدّين صَاع البلقينى. وألزم أَن يقوم لعلم الدّين صَالح بِمَا حمله إِلَى الخزانة. هَذَا وَقد أظهر السُّلْطَان أَنه لَا يُولى أحدا من الْقُضَاة بِمَال فَإِنَّهُ دَاخله وهم عَظِيم من كَثْرَة تزايد الْمَوْت الوحى السَّرِيع فِي النَّاس وَمَوْت كثر من المماليك السُّلْطَانِيَّة سكان الطباق من القلعة وَمَوْت الْكثير من خدام السُّلْطَان الطواشية وَمن جواريه وحظاياه وَأَوْلَاده فَحمل إِلَى البلقينى من مَال شهَاب الدّين بن حجر لَا من مَال السُّلْطَان. وَفِيه ركب السُّلْطَان من القلعة وَأقَام يَوْمه بخليج الزَّعْفَرَان خَارج الْقَاهِرَة. وَعَاد من آخِره بعد أَن فرق مَالا فِي الْفُقَرَاء فتكاثروا على متولى تَفْرِقَة ذَلِك حَتَّى سقط عَن فرسه فَغَضب السُّلْطَان من ذَلِك وَطلب سُلْطَان الحرافيش وَشَيخ الطوائف وألزمهما بِمَنْع الجعيدية أَجْمَعِينَ من السُّؤَال فِي الطرقات وإلزامهم بالتكسب وَأَن من شحذ مِنْهُم يقبض الوالى عَلَيْهِ وَأخرج ليعْمَل فِي الحفير. فإمتنعوا من الشحاذة وخلت الطرقات مِنْهُم وَلم يبْق من السُّؤَال إِلَّا العميان والزمناء وأرباب العاهات وَلم نسْمع بِمثل ذَلِك. فَعم الضّيق كل أحد وإنطلقت الْأَلْسِنَة بِالدُّعَاءِ على السُّلْطَان وَتمنى زَوَاله فَأصْبح فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سابعه مَرِيضا قد إنتكس وَلزِمَ الْفراش. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: إشتد الْبلَاء بِأَهْل الذِّمَّة من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وألزمهم الذى ولى أَمر مواريثهم أَن يعملوا لَهُ حِسَاب من مَاتَ مِنْهُم من أول هَذِه الدولة الأشرفية وَإِلَى يَوْم ولَايَته. وأخرق بهم وأهانهم. وألزمهم أَيْضا أَن يوقفوه على مستنداتهم فِي الْأَمْلَاك الَّتِى بِأَيْدِيهِم فكثرت الشناعة عَلَيْهِ وَسَاءَتْ القالة فِي الدولة. وإتفق مَعَ ذَلِك كُله حوادث مؤلمة مِنْهَا أَن امْرَأَة مَاتَ وَلَدهَا بالطاعون وَلم يكن لَهَا سواهُ فَلَمَّا غسل وكفن وَأخرج بِهِ ليوضع فِي التابوت ليدفن فِي الصَّحرَاء أَرَادَت أمه
أَن تخرج وَرَاء جنَازَته فمنعت من ذَلِك لِأَن السُّلْطَان رسم أَلا تخرج امْرَأَة من منزلهَا. فشق عَلَيْهَا منعهَا من تشنيع جَنَازَة وَلَدهَا وَأَلْقَتْ نَفسهَا من أَعلَى الدَّار إِلَى الأَرْض فَمَاتَتْ. وَخرجت امْرَأَة أُخْرَى من دارها لأمر مُهِمّ طَرَأَ لَهَا فصدفها دولت خجا متولى الْحِسْبَة فصاح بأعوانه بِأَن يأتوه بهَا ليضربها فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قبضوا عَلَيْهَا إِذْ ذهب عقلهَا وَسَقَطت مغشيًا عَلَيْهَا من شدَّة الْخَوْف فشفع فِيهَا بعض من حضر أَلا يُعَاقِبهَا فَتَركهَا وَانْصَرف عَنْهَا. فَحملت إِلَى دارها وَقد إختلت وَفَسَد عقلهَا فمرضت مَعَ ذَلِك مدهْ. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تاسعه: إتفقت حادثه لم ندرك مثلهَا وَهُوَ أَن الْخَطِيب بالجامع الْأَزْهَر رقي الْمِنْبَر فَخَطب وأسمع النَّاس الْخطْبَة وَأَنا فيهم حَتَّى أتمهَا على الْعَادة. وَجلسَ للإستراحة بَين الْخطْبَتَيْنِ فَلم يقم حَتَّى طَال جُلُوسه. ثمَّ قَامَ وَجلسَ سَرِيعا وإستند إِلَى جَانب الْمِنْبَر سَاعَة قدر مَا يقْرَأ القارىء ربع حزب من الْقُرْآن وَالنَّاس فِي إنتظار قِيَامه وَإِذا بِرَجُل من الْحَاضِرين يَقُول: مَاتَ الْخَطِيب. فإرتج الْجَامِع وضج النَّاس وضربوا أَيْديهم بَعْضهَا على بعض أسفا وحزلًا وأخذنى الْبكاء وَقد إختلت الصُّفُوف وَقَامَ كثير من النَّاس يُرِيدُونَ الْمِنْبَر فَقَامَ الْخطب على قَدَمَيْهِ وَنزل عَن الْمِنْبَر فَدخل الْمِحْرَاب وَصلى من غير أَن يجْهر بِالْقِرَاءَةِ وأوجز فِي صلَاته حَتَّى أتم الرَّكْعَتَيْنِ وقدمت عدَّة جنائز فَلم أدر من صلى بِنَا عَلَيْهَا. وَإِذا بِالنَّاسِ فِي حَرَكَة وإضطراب وعدة مِنْهُم يجهرون بِأَن الْجُمُعَة مَا صحت. وَتقدم رجل فَأَقَامَ وَصلى الظّهْر أَرْبعا وَجَمَاعَة يأتمون بِهِ. فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قضي هَؤُلَاءِ صلَاتهم إِذا بِجَمَاعَة أخر قد وَثبُوا وَأمرُوا فَأذن المؤذنين على سدة المؤذنين بَين يدى الْمِنْبَر ورقي رجل الْمِنْبَر فَخَطب خطبتين وَنزل ليصلى فمنعوه من التَّقَدُّم إِلَى الْمِحْرَاب وَأتوا بِإِمَام الْخمس فقدموه حَتَّى صلى بِالنَّاسِ جُمُعَة ثَانِيَة. فَلَمَّا إنقضت صلَاته بِالنَّاسِ ثار آخَرُونَ وصاحوا بِأَن هَذِه الْجُمُعَة الثَّانِيَة لم تصح وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَصلى بهم رجل صَلَاة الظّهْر أَربع رَكْعَات وَكَانَ فِي هَذَا الْيَوْم بالجامع الْأَزْهَر إِقَامَة خطبتين وَصَلَاة الْجُمُعَة مرَّتَيْنِ وَصَلَاة الظّهْر مرَّتَيْنِ وإنصرف النَّاس وكل طَائِفَة تخطىء الْأُخْرَى وَتَطير كثير مِنْهُم على السُّلْطَان بزواله من أجل إِقَامَة خطتين فِي مَوضِع وَاحِد هَذَا وَقد كَانَ النَّاس عِنْدَمَا قيل: مَاتَ الْخَطِيب قد ملكهم الْوَهم فأرعد بَعضهم وَبكى جمَاعَة مِنْهُم ودهش آخَرُونَ. وهبت عِنْد ذَلِك ريح بَارِدَة فظنوا أَنهم جَمِيعًا ميتون حَتَّى أَنه لَو قدر الله موت الْخَطِيب على الْمِنْبَر لهلك جمَاعَة من الْوَهم. وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: تزايد بالسلطان مَرضه. ومنذ إبتدأ بِهِ الْمَرَض وَهُوَ أَخذ فِي
التزايد إِلَّا أَنه يتجلد وَيظْهر أَنه عوفي. ويخلع على الْأَطِبَّاء ويركب وسحنته متغيرة ولونه مصفراً إِلَى أَن عجز عَن الْقيام من لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سابعه. هَذَا وَقد شنع الْمَوْت بالدور السُّلْطَانِيَّة فِي أَوْلَاد السُّلْطَان الذُّكُور وَالْإِنَاث وَفِي حظاياه وجواريه وجوارى نِسَائِهِ وَفِي الخدام الطواشية وَفِي المماليك السُّلْطَانِيَّة سكان الطباق بالقلعة. وشنع الْمَوْت أَيْضا فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَمَا بَينهمَا وَفِي سكان قلعة الْجَبَل سوى من ذكرنَا وَفِي بِلَاد الواحات والفيوم وَبَعض بِلَاد الصَّعِيد وَبَعض الحوف بالشرقية. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشرَة: خرج محمل الْحَاج مَعَ الْأَمِير أقبغا الناصرى أحد الطبلخاناه وَنزل بركَة الْحجَّاج على الْعَادة فَمَاتَ عدَّة مِمَّن خرج بالطاعون مِنْهُم ابْن أَمِير الْحَاج وَأَبِيهِ فِي هَذَا الْيَوْم وَمن الْغَد بعده. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ثار عشير بِلَاد الشَّام قيسها ونميها وتحاربوا فِي سادسه فَقتل من الْفَرِيقَيْنِ جماعات يَقُول المكثر زِيَادَة على ألف وَيَقُول الْمقل دون ذَلِك فَنزل بِأَهْل الشَّام الْخَوْف الشَّديد مَعَ مَا بهم من الْبلَاء الْعَظِيم بِكَثْرَة الموتان عِنْدهم حَتَّى لَا يكَاد يُوجد بهَا إِلَّا حَزِين على ميت. وَمَعَ مَا أَصَابَهُم من تلاف فواكههم عَن آخرهَا. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادى عشرينه: رفعت أوراق ديوَان الْمَوَارِيث بعدة من مَاتَ فِي هَذَا الْيَوْم بِالْقَاهِرَةِ فَكَانُوا ثَلَاثمِائَة وأربعًا وَأَرْبَعين مَيتا. وضبطت عدَّة من صلى من الْأَمْوَات فِي الْمُصَليَات فبلغوا مَا ينيف على ألف ميت. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشرينه:. خلع على الْأَطِبَّاء لعافية السُّلْطَان. وَفِي ثَالِث عشرينه: إستقل الْحَاج من الْبركَة بِالْمَسِيرِ. وَفِي يَوْم السبت رَابِع عشرينه: وسط السُّلْطَان طبيبيه اللَّذين خلع عَلَيْهِمَا بالْأَمْس وهما الْعَفِيف وزين خضر وَذَلِكَ أَنه حرص على الْحَيَاة وَصَارَ يستعجل فِي طلب الْعَافِيَة فَلَمَّا لم تحصل لَهُ الْعَافِيَة ساءت أخلاقه وتوهم أَن الْأَطِبَّاء مقصرون فِي مداواته وَأَنَّهُمْ أخطأوا التَّدْبِير فِي علاجه فَطلب عمر بن سَيْفا والى الْقَاهِرَة فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ وَهُوَ جَالس وَبَين يَدَيْهِ جمَاعَة من خواصه مِنْهُم صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن نصر الله كَاتب السِّرّ والأمير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار فِي خرف وَفِيهِمْ الْعَفِيف وخضر أمره أَن يَأْخُذ الْعَفِيف ويوسطه بالقلعة. فأقامه ليمضي فِيهِ مَا أَمر بِهِ وَإِذا الْخضر فَأمره أَن يوسط خضر أَيْضا فَأخذ الآخر وَهُوَ يَصِيح. فَقَامَ أهل الْمجْلس
يقبلُونَ الأَرْض وَمِنْهُم من يقبل رجل السُّلْطَان ويضرعون إِلَيْهِ فِي الْعَفو فَلم يقبل وَبعث وَاحِدًا بعد أخر يستعجل الوالى فِي توسيطهما وَهُوَ يتباطاً رَجَاء أَن يَقع الْعَفو عَنْهُمَا. فَلَمَّا طَال الْأَمر بعث السُّلْطَان من أَشد أعوانه من يحضر توسيطهما فَخرج وَأَغْلظ للوالى فِي القَوْل. فَقدم لعفيف فاستسلم وَثَبت حَتَّى وسط قطعتين بِالسَّيْفِ. وَقدم خضر فجزع جزعا شَدِيدا ودافع عَن نَفسه وَصَاح فتكاثروا عَلَيْهِ فوسطوه توسيطًا شنيعا لتلويه وإضطرابه. ثمَّ حملا إِلَى أهليهما بِالْقَاهِرَةِ. فسَاء النَّاس ذَلِك ونفرت قُلُوبهم من السُّلْطَان وَكَثُرت قالتهم فَكَانَت حَادِثَة لم ندرك مثلهَا. وَمن حِينَئِذٍ تزايد الْبلَاء بالسلطان إِلَى يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشرينه فاستدعى السُّلْطَان الْأَمِير الْكَبِير جقمق العلاى الأتابك وَمن تَأَخّر من الْأُمَرَاء المقدميِن وَقَالَ لَهُم: انْظُرُوا فِي أَمركُم وخوفهم مِمَّا جرى بعد الْمُؤَيد شيخ من الإختلاف وإ تلاف أمرائه فطال الْكَلَام وإنفضوا عَنهُ على غير شىء عقدوه وَلَا أمرا أبرموه. شهر ذى الْقعدَة أهل بِيَوْم السبت: وَالنَّاس فِي أَنْوَاع من الْبلَاء الذى لم نعهد مثله مجتمعًا وَهُوَ أَن السُّلْطَان تزايدت أمراضه وأرجف بِمَوْتِهِ غير مرّة وشنع الْمَوْت فِي مماليكه سكان الطباق حَتَّى لقد مَاتَ مِنْهُم فِي هَذَا الوباء نَحْو آلَاف. وَمَات من الخدام الخصيان مائَة وَسِتُّونَ طواشي وَمَات من الجوارى بدار السُّلْطَان زياده على مائَة وَسِتِّينَ جَارِيَة سوى سبع عشرَة حظية وَسَبْعَة عشر ولدا ذُكُورا وإناثًا. وَشَمل عَامَّة دور الْقَاهِرَة ومصر وَمَا بَينهمَا الْمَوْت أَو الْمَرَض وَكَذَلِكَ جَمِيع بِلَاد الشَّام من الْفُرَات إِلَى غَزَّة حَتَّى أَن قفلًا توجه من الْقَاهِرَة يُرِيد دمشق فَمَا نزل بالعريش حَتَّى مَاتَ مِمَّن كَانَ سائرًا فِيهِ زِيَادَة على سبعين إنْسَانا مِنْهُم عدَّة من معارفنا. وَمَعَ هَذَا كساد المبيعات وتعطل الْأَسْوَاق إِلَّا من بيع الأكفان وَمَا لابد للموتى مِنْهُ كالقطن وَنَحْوه إِلَّا أَنه مُنْذُ أهل هَذَا الشَّهْر أخذت عدَّة الْأَمْوَات تتناقص فِي كل يَوْم. وَفِي أَوله: وصل الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى مَدِينَة أبلستين. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رابعه: عهد السُّلْطَان إِلَى وَلَده الْمقَام الجمالى يُوسُف وَذَلِكَ أَنه لما تزايد بِهِ الْمَرَض حدث عَظِيم الدولة القاضى زين الدّين عبد الباسط الْأَمِير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار فِي أَمر الْمقَام الجمالى وَأَشَارَ لَهُ أَن يفاوض السُّلْطَان فِي وَقت خلوته بِهِ أَن يعْهَد إِلَيْهِ بالسلطة من بعد وَفَاته وَيحسن لَهُ ذَلِك فإتفق أَن السُّلْطَان أَمر الْأَمِير
جَوْهَر أَن يحرر لَهُ جملَة مَا يتَحَصَّل من أوقافه على أَوْلَاده فَلَمَّا أوقفهُ على ذَلِك وجد السَّبِيل إِلَى الْكَلَام فَأعلمهُ. بِمَا أَشَارَ بِهِ القاضى زين الدّين عبد الباسط من الْعَهْد إِلَى الْمقَام الجمالى فأعجبه ذَلِك وَأمر بإستدعائه هـ فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ سَأَلَهُ عَمَّا ذكر لَهُ جَوْهَر عَنهُ فَأخذ يحسن ذَلِك وَيَقُول: فِي هَذَا إجتماع الْكَلِمَة وسد بَاب الْفِتَن وَعمارَة بَيت السُّلْطَان ومصلحة الْعباد وَعمارَة الْبِلَاد وَنَحْو ذَلِك من القَوْل. فَأجَاب السُّلْطَان إِلَى ذَلِك ورسم لَهُ باستدعاء الْخَلِيفَة والقضاة والأمراء والمماليك وَأهل الدولهْ وحضورهم فِي غَد فَمضى عَنهُ القاضى زين الدّين وَنزل إِلَى دَاره بِالْقَاهِرَةِ وَبعث إِلَى الْمَذْكُورين أَن يحضروا غَدا بَين يدى السُّلْطَان بكرَة النَّهَار وَتقدم إِلَى القاضى شرف الدّين أَبى بكر الْأَشْقَر نَائِب كَاتب السِّرّ بِكِتَابَة عهد الْمقَام الجمالى وَذَلِكَ أَن القاضى صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن نصر الله كَاتب السِّرّ من حِين وسط الْعَفِيف وخضر تغير مزاجه وإشتد جزعه إِلَى أَن حم فِي لَيْلَة الْجُمُعَة وَنزل من القلعة وَلزِمَ الْفراش ومرضه يتزايد وَقد ظهر بِهِ الطَّاعُون فِي مَوَاضِع من بدنه فبادر القاضى شرف الدّين وَكتب الْعَهْد لَيْلًا. وَأصْبح الْجَمَاعَة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء رابعه وهم بالقلعة فَأخْرج السُّلْطَان إِلَى مَوضِع يشرف على الحوش وَقد وقف بِهِ الْأَمِير خشقدم الطواشى مقدم المماليك وَمَعَهُ جَمِيع من بقى من المماليك السُّلْطَانِيَّة سكان الطباق بالقلعة وَجَمِيع من هُوَ أَسْفَل القلعة من المشتروات والمستخدمين. وَجلسَ الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد وقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع على مَرَاتِبهمْ والأمير الْكَبِير جقمق العلاى أتابك العساكر وَمن تَأَخّر من أُمَرَاء الألوف والمباشرون ماعدا كَاتب السِّرّ فَإِنَّهُ شَدِيد الْمَرَض. ثمَّ قَامَ القاضى زين الدّين عبد الباسط وَفتح بَاب الْكَلَام فِي عهد السُّلْطَان من بعد وَفَاته لإبنه الْمقَام الجمالى بالسلطنة وَقد حضر أَيْضا مَعَ أَبِيه فَاسْتحْسن الْخَلِيفَة ذَلِك وَأَشَارَ بِهِ. فَتقدم القاضى شرف الدّين الْأَشْقَر بالعهد إِلَى بَين يدى السُّلْطَان فَأشْهد السُّلْطَان على نَفسه بِأَنَّهُ عهد إِلَى وَلَده الْملك الْعَزِيز جمال الدّين أَبى المحاسن يُوسُف من بعد وَفَاته بالسلطة فَأمْضى الْخَلِيفَة الْعَهْد وَشهد بذلك الْقُضَاة. ثمَّ إِن السُّلْطَان الْتفت إِلَى مقدم المماليك وَكَلمه بالتركية والمماليك تسمعه كلَاما طَويلا ليبلغه عَنهُ إِلَى المماليك حَاصله أَنه إشتراهم ورباهم وَأَنَّهُمْ أفسدوا فَسَادًا كَبِيرا عدد فِيهِ ذنويهم وَأَنه تغير من ذَلِك عَلَيْهِم ومازال يَدْعُو الله عَلَيْهِم حَتَّى هلك مِنْهُم من هلك فِي طاعون سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ ثمَّ إِنَّه إشترى بعدهمْ طوائف ورباهم فشرعوا أَيْضا فِي الْفساد كَمَا فعل أُولَئِكَ الهالكون بدعائه: وَأَنه قد وَقع فِيكُم الطَّاعُون فَمَاتَ مِنْكُم من مَاتَ وَقد عَفَوْت عَنْكُم وَأَنا ذَاهِب إِلَى الله وتارك ولدى هَذَا وَهُوَ وديعتي
عنْدكُمْ وَقد إستخلفته عَلَيْكُم فإدعوا لَهُ وأطيعوه وَلَا تختلفوا فَيدْخل بَيْنكُم غَيْركُمْ فَتَهْلكُوا. وأوصاهم أَلا يُغيرُوا على أحد من الْأُمَرَاء وَأَن يبقوا الْأُمَرَاء المجردين على أمرياتهم وَلَا يُغيرُوا نواب الممالك. فإشتد عِنْد ذَلِك بكاؤهم وَبكى الْحَاضِرُونَ أَيْضا ثمَّ أقسم السُّلْطَان وأعيد إِلَى فرَاشه وَقد كتب الْخَلِيفَة بإمضاء عهد السُّلْطَان وَشهد عَلَيْهِ فِيهِ الْقُضَاة بذلك ثمَّ كتب القاضى شرف الدّين الْأَشْقَر إشهادًا على السُّلْطَان بِأَنَّهُ جعل الْأَمِير الْكَبِير جقمق العلاى قَائِما بتدبير أُمُور الْملك الْعَزِيز وَأخذ فِيهِ خطّ الْخَلِيفَة بالإمضاء وَشَهَادَة الْقُضَاة عَلَيْهِ بذلك فألصقه بالعهد وإنفضوا جَمِيعهم. وَفِي هَذَا الْيَوْم: أنْفق فِي المماليك السُّلْطَانِيَّة كل وَاحِد مبلغ ثَلَاثِينَ دِينَارا فَكَانَت جُمْلَتهَا مائَة وَعِشْرُونَ ألف دِينَار. وَفِيه خلع على تغرى بردى أحد أَتبَاع التَّاج الشويكى وإستقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن عمر بن سَيْفا أخى التَّاج فَإِنَّهُ مرض بالطاعون من آخر نَهَار الْجُمُعَة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سادسه: إستدعى الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله إِلَى القلعة. فَلَمَّا مثل بَين يدى مَوْلَانَا السُّلْطَان أَمر بِهِ فَخلع عَلَيْهِ وإستقر بِهِ فِي كِتَابَة السِّرّ عوضا عَن وَلَده صَلَاح الدّين مُحَمَّد وَقد توفّي. فَنزل فِي موكب جليل على فرس رائع بقماش ذهب أخرج لَهُ من الاصطبل السلطانى. وخلع مَعَه أَيْضا على نور الدّين على بن السويفي وإستقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن دولت خجا وَقد مَاتَ فِي أول الشَّهْر وَفِي هَذَا الشَّهْر: أتلف الْجَرَاد بضواحى الْقَاهِرَة كثيرا من المقاتى كالخيار والبطيخ والقثاء والقرع. وَوَقع الطَّاعُون فِي الْغنم وَالدَّوَاب. وَوجد فِي النّيل سمك كثير طَاف قد مَاتَ من الطَّاعُون. وَأما الطَّاعُون فَإِنَّهُ كَمَا تقدم إبتدأ بِالْقَاهِرَةِ من أول شهر رَمَضَان وَكثر فِي شَوَّال حَتَّى تجَاوز عدَّة من يصلى عَلَيْهِ فِي مصلى بَاب النَّصْر كل يَوْم أَرْبَعمِائَة ميت سوى بَقِيَّة الْمُصَليَات وعدتها بضع عشرَة مصلى. وَمَعَ ذَلِك فَلم تبلغ عدَّة من يرفع فِي أوراق ديوَان الْمَوَارِيث قطّ أَرْبَعمِائَة. وَسَببه أَن النَّاس أعدُّوا توابيت للسبيل ومعظم من يَمُوت إِنَّمَا هم الْأَطْفَال وَالْإِمَاء فَلَا يحْتَاج أهلهم إِلَى إطلافهم من الدِّيوَان.
وَمن أعجب مَا وَقع فِي هَذِه الْأَيَّام أَن رجلا نَادَى على قبَاء فِي عدَّة أسواق فَلم يجد من يَشْتَرِيهِ لكساد الْأَسْوَاق. وَكَانَ سوق الرَّقِيق قد أغلق وتعطل بيع الرَّقِيق فِيهِ لِكَثْرَة من يَمُوت مِنْهُم فإحتاج رجل إِلَى بيع عبد لَهُ فَأَخذه بِيَدِهِ وَصَارَ يُنَادى عَلَيْهِ فِي شَارِع الْقَاهِرَة: من يشترى هَذَا العَبْد فَلم يجبهُ أحد مَعَ كَثْرَة النَّاس بالشارع وَإِنَّمَا تركُوا شِرَاءَهُ خوفًا من سرعَة مَوته بالطاعون. وَفِي حادى عشرَة: رَحل الْأُمَرَاء المجردون من أبلستين وَمَعَهُمْ نواب الشَّام وعساكرها من غَزَّة إِلَى الْفُرَات وَجَمِيع تركمان الطَّاعَة وتوجهوا فِي جمع كَبِير يُرِيدُونَ مَدِينَة آقشهر حَتَّى نزلُوا عَلَيْهَا وحصروها. وَمن يَوْم السبت خَامِس عشرَة: إشتد مرض السُّلْطَان ثمَّ حجب عَن النَّاس فَلم يدْخل إِلَيْهِ أحد من الْأُمَرَاء والمباشرين عدَّة أَيَّام سوى الْأَمِير أينال شاد الشربخاناه والأمير على بيه والأمير صفى الدّين جَوْهَر الخازندار والأمير جَوْهَر الزِّمَام. فَإِذا صعد القاضى زين الدّين عبد الباسط والمباشرون إِلَى القلعة أعلمهم هَؤُلَاءِ بِحَال السُّلْطَان. هَذَا والإرجاف يقوى والأمراء والمماليك السُّلْطَانِيَّة فِي حَرَكَة وَقد صَارُوا فرقا مُخْتَلفَة الآراء. وَالنَّاس على تخوف من وُقُوع الْحَرْب وَقد وزعوا فِي دُورهمْ وأخفى أهل الدولة أَوْلَادهم ونساءهم خوفًا من النهب وَأهل النواحى بالصعيد وَالْوَجْه البحرى قد نجم النِّفَاق فيهم وخيفت السبل شامًا ومصراً. وَقد تناقصت عدَّة الْأَمْوَات بِالْقَاهِرَةِ ومصر مُنْذُ أهل هَذَا الشَّهْر كَمَا تقدم. وَفِي أخريات هَذَا الشَّهْر: هجم على الْمَسْجِد على الْحَرَام بِمَكَّة سيل عَظِيم مَلأ الْحرم من غير تقدم مطر بِمَكَّة. شهر ذى الْحجَّة أهل بِيَوْم الْإِثْنَيْنِ:. وَالنَّاس بديار مصر من قلَّة الخدم فِي عناء وَجهد فَإِنَّهُ مَاتَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَمَا بَينهمَا فِي مُدَّة شهر رَمَضَان وشوال وذى الْقعدَة زِيَادَة على مائَة ألف إِنْسَان معظمهم الْأَطْفَال وَأكْثر الْأَطْفَال الْبَنَات ويلي الْأَطْفَال فِي كَثْرَة من مَاتَ الرَّقِيق وَأكْثر من مَاتَ من الرَّقِيق الْإِمَاء بِحَيْثُ كَادَت الدّور أَن تَخْلُو من الْأَطْفَال وَالْإِمَاء وَالْعَبِيد. وَكَذَلِكَ جَمِيع بِلَاد الشَّام بأسرها. وَأما السُّلْطَان فَحدث لَهُ مَعَ سُقُوط شَهْوَة الغدْاء مُدَّة أشهر وَمَعَ إنحطاط قواه مَا ليخوليا فَكثر هذيانه وتخليطه وَلَوْلَا أَن الله تَعَالَى أَضْعَف قوته لما كَانَ يُؤمن مَعَ ذَلِك من إِفْسَاد شىء كثير بِيَدِهِ إِلَّا أَنه فِي أَكثر الْأَوْقَات غَائِب فَإِذا أَفَاق هذى وخلط.
وصِار الْعَسْكَر فِي الْجُمْلَة قسمَيْنِ: قسم يُقَال عَنْهُم أَنهم قرانصة وهم الظَّاهِرِيَّة والناصرية والمؤيدية وكلمتهم متفقة على طَاعَة الْملك الْعَزِيز وَأَن يكون الْأَمِير الْكَبِير جقمق العلاى نظام الْملك كَمَا قَرَّرَهُ السُّلْطَان وَأَنَّهُمْ لَا يصعدون إِلَى القلعة خوفًا على أنفسهم من المماليك الأشرفية. وَالْقسم الآخر المماليك الأشرفية سكان الطباق بالقلعة ورأيهم أَن يكون الْملك الْعَزِيز مستبدًا بِالْأَمر وَحده وأعيانهم الْأَمِير أينال شاد الشرابخاناه والأمير يخضى باى أَمِير أخور ثَانِي والأمير على بيه الخازندار والأمير مغلباى الجقمقى أستادار الصُّحْبَة والأمير قرقماس قريب السُّلْطَان. وَهَذِه الطَّائِفَة الأشرفية مُخْتَلفَة بَعْضهَا على بعض. فَلَمَّا إشتهر أَمر هذَيْن الطَّائِفَتَيْنِ وشنعت القالة عَنْهُمَا قَامَ عَظِيم الدولة القَاضِي زين الدّين عبد الباسط فِي لم هَذَا الشعث وإخماد نَار الْفِتْنَة ليصلح بَين الْفَرِيقَيْنِ. وَوَافَقَهُ على ذَلِك الْأَمِير أينال الشاد فإستدعى سكان الطباق من الممالك إِلَى جَامع القلعة وَأرْسل إِلَى الْقُضَاة. فَلَمَّا تَكَامل الْجمع مازال بهم حَتَّى أذعنوا إِلَى الْحلف فتوفى تحليفهم القَاضِي شرف الدّين الْأَشْقَر نَائِب كَاتب السِّرّ على الْإِقَامَة على طَاعَة الْملك الْعَزِيز والإتفاق مَعَ الْأَمِير الْكَبِير جقمق وَألا يتَعَرَّض أحد مِنْهُم لشر وَلَا فتْنَة وَلَا يتَعَرَّضُوا لأحد من الْأُمَرَاء المقيمين بديار مصر وَلَا إِلَى الْأُمَرَاء المجردين وَلَا إِلَى كفلاء ممالك الشَّام فِي نفس وَلَا مَال وَلَا رزق. فَلَمَّا حلف الْأَمِير أينال والأمير على بيه والأمير تمرباى الدوادار وَعَامة المماليك حلف القَاضِي زين الدّين عبد الباسط أَن يكون مَعَ الْفَرِيقَيْنِ وَلَا يباطن طَائِفَة على الْأُخْرَى ثمَّ قَامَ الْجَمِيع وَقصد القَاضِي زين الدّين دَار الْأَمِير الْكِير جقمق وَمَعَهُ عدَّة من أَعْيَان الأشرفية حَتَّى حلفه وَحلف بعده من بقى بديار مصر من الْأُمَرَاء. ثمَّ نزل بعد ذَلِك الْأَمِير أينال ثمَّ الْأَمِير على بيه إِلَى الْأَمِير الْكَبِير جقمق وَقبل كل مِنْهُمَا يَده فإبتهج بهما وَبَالغ فِي إكرامهما. وسكنت تِلْكَ الثائرة. وَللَّه الْحَمد. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عاشره: وَهُوَ يَوْم عيد النَّحْر خرج الْملك الْعَزِيز فصلى صَلَاة الْعِيد بِجَامِع القلعة وَقد صعد إِلَى خدمته بالجامع الْأَمِير الْكَبِير جقمق وَمن عداهُ من الْأُمَرَاء. ثمَّ مَشوا فِي الْخدمَة بعد الصَّلَاة حَتَّى جلس على بَاب الستارة. وخلع على الْأَمِير الْكَبِير وعَلى من جرت عَادَته بِالْخلْعِ فِي يَوْم عيد النَّحْر. ونزلوا إِلَى دُورهمْ. فَقَامَ الْملك الْعَزِيز وَدخل وَذبح وَنحر الضَّحَايَا بالحوش هَذَا وَقد توالت على السُّلْطَان نوب الصرع مرَارًا وتخلت قواه حَتَّى صَار كَمَا قيل.
وَلم يبْق إِلَّا نفس خَافت ومقلة إنسانها باهت يرثى لَهُ الشامت مِمَّا بِهِ ياويح من يرثى لَهُ الشامت. حَتَّى مَاتَ عصر يَوْم السبت ثَالِث عشره. تغمده الله برحمته وَأَسْكَنَهُ فسيح جنته. السُّلْطَان الْملك الْعَزِيز جمال الدّين أقيم فِي الْملك بعد أَبِيه وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان برسباى لما مَاتَ بَادر القَاضِي زين الدّين عبد الباسط والأمير أينال الشاد والأمير على بيه والأمير تمرباى الدوادار وَقد اجْتَمعُوا بالقلعة وبعثوا فِي الْحَال القَاضِي شرف الدّين الْأَشْقَر فِي إستدعاء الْخَلِيفَة وَبعث القَاضِي زين الدّين بعض غلمانه فِي طلب الْقُضَاة فَأتوا جَمِيعًا. وَدخل الْأَمِير جَوْهَر الزِّمَام فَأخْرج بِالْملكِ الْعَزِيز إِلَى بَاب الستارة وأجلس هُنَاكَ وَطلب الْأَمِير الْكَبِير جقمق وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء وَنزل الممالك من الطباق. فَلَمَّا تَكَامل جمعهم وَحضر الْوَزير وَكَاتب السِّرّ وناظر الْخَاص فوض الْخَلِيفَة السلطة للْملك الْعَزِيز وأفاض عَلَيْهِ التشريف الخليفتى وقلده السَّيْف وَقد بَقِي لغروب الشَّمْس نَحْو سَاعَة. وَعمر السُّلْطَان يَوْمئِذٍ أَربع عشرَة سنة وَسَبْعَة أشهر فَقَامَ من بَاب الستارة وَركب فرسه وَرفعت الْقبَّة وَالطير على رَأسه وَقد حملهَا الْأَمِير الْكَبِير وَسَار وَالْكل مشَاة فِي ركابه حَتَّى عبر إِلَى الْقصر فَجَلَسَ على تخت الْملك وسرير السلطنة وَقبل الْأُمَرَاء وَغَيرهم الأَرْض لَهُ. وَقَرَأَ الْعَهْد بالسلطنة الصاحب بدر الدّين حسن بن نصر الله كَاتب السِّرّ فَخلع على الْخَلِيفَة وعَلى الْأَمِير الْكَبِير وعَلى كَاتب السِّرّ. وَخَرجُوا من الْقصر وَقد غسل السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف برسباى وكفن وَأخرج بالجنازة من الدّور إِلَى بَاب الْقلَّة فَوضعت هُنَالك. وَتقدم قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَبُو الْفضل أَحْمد بن حجر الشافعى فصلى بِالنَّاسِ عَلَيْهَا قبيل الْغُرُوب وشيع الْأُمَرَاء والمماليك وَغَيرهم الْجِنَازَة حَتَّى دفنت بالتربة الَّتِى أَنْشَأَهَا رحمه الله خَارج بَاب المحروق بالصحراء تَحت الْقبَّة. وَقد إجتمع من النَّاس مَا لَا يحصيهم إِلَّا خالقهم سُبْحَانَهُ. وَالنَّاس بِالْقَاهِرَةِ فِي بيعهم وشرائهم بالأسواق فِي أَمن ودعة وَسُكُون. ونودى فِي الْقَاهِرَة بالأمان والإطمئنان وَالْبيع وَالشِّرَاء وَأَن يترحموا على الْملك الْأَشْرَف وَالدُّعَاء للسُّلْطَان الْملك الْعَزِيز جمال الدّين
أَبى المحاسن. وَأَن النَّفَقَة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ مائَة دِينَار لكل وَاحِد من المماليك فإزداد النَّاس طمأنينة. وَلم يكن شىء مِمَّا كَانَ يتَوَقَّع من الشَّرّ وَالْحَمْد للة. وَفِي يَوْم الْأَحَد رَابِع عشره: إجتمع أهل الدولة للصبحة عِنْد قبر السُّلْطَان. وَقد بَات الْقُرَّاء يتناوبون الْقِرَاءَة عِنْد قَبره ليلتهم فختموا الْقُرْآن الْكَرِيم ودعوا ثمَّ إنفض الْجمع. وَأقَام الْقُرَّاء للْقِرَاءَة عِنْد الْقَبْر سَبْعَة أَيَّام. وَفِيه عملت الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بِالْقصرِ وَحضر الْأَمِير الْكَبِير وَسَائِر أهل الدولة على الْعَادة فَزَاد السُّلْطَان الْخَلِيفَة جَزِيرَة الصابونى زِيَادَة على مَا بِيَدِهِ. وَفِيه كتبت البشائر إِلَى الْبِلَاد الشامية وأعمال مصر بسلطة الْملك الْعَزِيز. وفى يَوْم الْإِثْنَيْنِ خَامِس عشره: جلس السُّلْطَان بالحوش من القلعة وَعِنْده الْأُمَرَاء والمباشرون وابتدئ فِي النَّفَقَة على المماليك فأنفق فيهم مائَة دِينَار لكل وَاحِد. وَفِيه توجه الْأَمِير أينال الأحمدى الْمَعْرُوف بالفقيه بالبشارة إِلَى الْبِلَاد الشامية وعَلى يَده مَعَ الْكتب للنواب الْكتب وَفِي سادس عشره: أنْفق فِيمَن بقى من المماليك. وَفِيه قدم مُرَاد بك رَسُول الْأَمِير حمزه بن قرايلك صَاحب ماردين وأرزن كَانَ وصحبته شمس الدّين القطماوى ومعهما هَدِيَّة وَكتاب يتَضَمَّن دُخُوله فِي طَاعَة السُّلْطَان وَأَنه أَقَامَ الخطة وَضرب السِّكَّة بإسم السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف وجهز الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم بالسكة السُّلْطَانِيَّة. وعَلى يَد شمس الدّين القطماوى كتب الْأُمَرَاء المجردين. وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن الْأُمَرَاء لما قدمت حلب كاتبوا حَمْزَة الْمَذْكُور يَدعُوهُ إِلَى طَاعَة السُّلْطَان وقدومه إِلَيْهِم فَأجَاب بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَأقَام الخطة وَضرب السِّكَّة بإسم السُّلْطَان وجهز هديته وَمَا ضربه من المَال فَلم يتَّفق قدوم ذَلِك إِلَّا بعد موت السُّلْطَان فَأكْرم الرسولان وأنزلا ثمَّ أعيدا بِالْجَوَابِ ومعهما هَدِيَّة وتشريف للأمير حَمْزَة. وَفِيه خلع على الْأَمِير طوخ مازى وإستقر فِي نِيَابَة غَزَّة وَكَانَت شاغرة مُنْذُ مَاتَ نائبها. وَفِي يَوْم السبت عشرينه: وَقع بَين حكم الخاصكى خَال السُّلْطَان وَبَين الْأَمِير
أينال مُفَاوَضَة آلت إِلَى شَرّ وَسبب ذَلِك أَن الْكَلَام والتحدث فى أُمُور المملكة صَار بَين ثَلَاثَة الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك جقمق وَالْقَاضِي زين الدّين عبد الباسط والأمير أينال. وَلزِمَ السُّلْطَان السُّكُوت فَلَا يتَكَلَّم فَأنْكر جكم على أينال أمره وَنَهْيه فِيمَا يتَعَلَّق بِأَمْر الدولة وَكَونه أَقَامَ بالقلعة وَصَارَ يبيت بهَا فَغَضب مِنْهُ أينال وَنزل من القلعة إِلَى دَاره فَكَانَ هَذَا ابْتِدَاء وقرع الْخلف الذى آل إِلَى مَا وَفِيه تجمع كثير من المماليك تَحت القلعة وَأَرَادُوا أَن يفتكوا بِالْقَاضِي زين الدّين عبد الباسط فَلَمَّا نزل من القلعة أحاطوا بِهِ وَجَرت بَينهم وَبَينه مقاولات أغلظوا فِيهَا عَلَيْهِ وَلم يقدروا على غير ذَلِك وخلص مِنْهُم إِلَى بَيته. وَفِي هَذَا الشَّهْر: والذى قبله فَشَا الْمَوْت بالطاعون فِي الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط وفوه ودمنهور وَمَا حول تِلْكَ الْأَعْمَال فَمَاتَ بهَا عَالم كَبِير. وتجاوزت عدَّة من يَمُوت بالإسكندرية فِي كل يَوْم مائَة إِنْسَان. وَفِي يَوْم السبت سَابِع عشرينه: إبتدىء بالنداء على النّيل فَزَاد خَمْسَة أَصَابِع. وَجَاءَت الْقَاعِدَة خَمْسَة أَذْرع وَثَلَاثَة وَعشْرين أصبعًا وإستمرت الزِّيَادَة فِي كل يَوْم. وللة الحمده. وَفِيه أنعم بإقطاع السُّلْطَان على الْأَمِير نظام الْملك جقمق بَعْدَمَا سُئِلَ السُّلْطَان فِي ذَلِك فَأبى ثمَّ غلب عَلَيْهِ حَتَّى أخرجه لَهُ. وأنعم بإقطاع الْأَمِير جقمق على الْأَمِير تمراز القرمشى ي أس نوبه أحد المجردين. وأنعم بإقطاع الْأَمِير تمرار على الْأَمِير تمرباى الدوادار وأنعم بإقطاع الْأَمِير تمرباى على الْأَمِير على بيه. وأنعم بإقطاع الْأَمِير طوخ مازى نَائِب غَزَّة على الْأَمِير يخْشَى بيه أَمِير أخور ثَانِي وأنعم بإقطاع يخْشَى بيه على يل خجا الساقي رَأس نوبَة وأنعم بإقطاع يل خجا وإمرته وهى إمرة عشرَة على قانبيه الجركسى وخلع على الْأَمِير أينال وإستقر دوادارًا عوضا وَفِي يَوْم الْأَحَد ثامن عشرينه: خلع على على بيه وإستقر شاد الشرابخاناه عوضا عَن الْأَمِير أينال الدوادار. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشرينه: خلع على سيف الدّين دمرداش أحد المماليك الأشرفية وإستقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن تغرى بردى التاجى. وَفِيه تجمع كثير من المماليك تَحت القلعة وَأَحَاطُوا بالأمير الْكَبِير نظام الْملك عِنْد
نُزُوله من الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بالقلعة إِلَى جِهَة بَيته ليوقعوا بِهِ فتخلص مِنْهُم من غير سوء هَذَا والقاضى زين الدّين عبد الباسط من المماليك فِي عناء شَدِيد. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْعَسْكَر الْمُجَرّد لما قصد مَدِينَة آقشهر تلقاهم سُلْطَان أَحْمد بن قليج أرسلان صَاحب تلى صَار وَقد رغب فِي الطَّاعَة السُّلْطَانِيَّة وَسَار مَعَهم حَتَّى نازلوا مَدِينَة أقشهر فِي أول ذى الْحجَّة فهرب متملكها حسن الأيتاقى فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثَانِيه إِلَى قلعة برداش فَملك الْعَسْكَر الْمَدِينَة وقلعتها وقبضوا على عدَّة من أعيانها وبعثوا بسُلْطَان أَحْمد بن قليج أرسلان على عَسْكَر فَملك قلعتي فَارس وتمشلى فأقروه على نِيَابَة السلطة بهما. وَسَارُوا لمحاصرة حسن بقلعة برداش ففر مِنْهَا إِلَى قلعة بزطلش فَنزل من الْعَسْكَر عَلَيْهَا حَتَّى أَخذهَا فِي ثامن عشره الْأَمِير قرقماس أَمِير سلَاح بعد أَن قَاتل أَهلهَا بضعَة عشر يَوْمًا. ثمَّ هدمها حَتَّى سوى بهَا الأَرْض وَقد فر مِنْهَا حسن أيتافى. ثمَّ سَار الْأَمِير قرقماس. مِمَّن مَعَه مَعَ بَقِيَّة العساكر يُرِيدُونَ أرزنكان فَقدم عَلَيْهِم الْأَمِير مرزا إِبْنِ الْأَمِير يَعْقُوب ابْن الْأَمِير قرايلك رَسُولا من أَبِيه يَعْقُوب صَاحب أرزنكان وكماخ وَقد خرج عَن أرزنكان وَنزل كماخ وَقدم مَعَ مرزا زَوْجَة أَبِيه وعدة من الْقُضَاة والأعيان بأرزنكان يسْأَلُون الْعَفو عَن الْأَمِير يَعْقُوب وإعفائه من قدومه إِلَيْهِم وَأَن يُجهز لنيابة السلطنة بأرزنكان الْأَمِير جهان كير ابْن الْأَمِير نَاصِر الدّين على باك بن قرايلوك فأجيبوا إِلَى ذَلِك كُله وخلع على الْأَمِير مرزا وَدفع إِلَيْهِ خلعة لِأَبِيهِ الْأَمِير يَعْقُوب وَفرس بقماش ذهب. وأعيد وصحبته الْأَمِير جهان كير وَقد خلع عَلَيْهِ بنيابة أرزنكان. وَسَارُوا وَقد جهز إِلَى أرزنكان بالأمير سودون النوروزى دوادار نَائِب حلب وَمَعَهُ نَائِب دوركى ونائب بهنسنى فتسلموا أرزنكان بِلَا مَانع وَأَقَامُوا بهَا. ثمَّ توجه القَاضِي معِين الدّين عبد اللطف ابْن القَاضِي شمسْ الدّين الْأَشْقَر كَاتب السِّرّ بحلب حَتَّى حلف أهل أرزنكان بِالْإِقَامَةِ على طَاعَة السُّلْطَان ثمَّ سَارَتْ العساكر من أقشنهر فِي ثَانِي عشرينه حَتَّى نزلت على أرزنكان وعسكروا هُنَاكَ فَخرج إِلَيْهِم أَهلهَا وَبَاعُوا عَلَيْهِم مَا أَرَادوا مِنْهُم وَفتحت أَبْوَاب الْمَدِينَة والعساكر يدْخل مِنْهَا الْمَدِينَة من أَرَادَ ذَلِك من غير ضَرَر وَلَا نهب وإستمروا على ذَلِك إِلَى آخر الشَّهْر.
وَقدم الْخَبَر بِأَن ملك البرتغال صَاحب مَدِينَة شلب من الأندلس سَار يُرِيد مَدِينَة طنجة فَنزل على سبتة فِي الْمحرم وَمضى مِنْهُمَا وهى بِيَدِهِ فِي الْبر وَالْبَحْر وَمَعَهُ فِيمَا يُقَال ثَمَانِيَة عشر ألف رام وَسِتَّة آلَاف فَارس حَتَّى نزل على طنجة فحصرها مُدَّة شهر إِلَى أَن أَتَتْهُ جموع الْمُسلمين من فاس ومكناسة وَأَصِيلا فِي شهر ربيع الآخر فَكَانَت بَينهم وَبَين البرتغال من النَّصَارَى حروب عَظِيمَة نصر الله فِيهَا الْمُسلمين وَقتل نَحْو الثُّلثَيْنِ من النَّصَارَى. والتجأ باقيهم إِلَى محلتهم فضايقهم الْمُسلمُونَ حَتَّى طلبُوا الْأمان على أَن يسلمُوا الْمُسلمين مَدِينَة سبتة ويفرجوا عَن سَبْعمِائة أَسِير من الْمُسلمين ويدفعوا مَا بِأَيْدِيهِم من آلَات الْحَرْب للْمُسلمين فأمنوهم وبعثوا برهائنهم على ذَلِك فَصَارَ الْمُسلمُونَ يَأْخُذُونَ النَّصَارَى ويوصلونهم إِلَى أسطولهم بالبحر. فحسد أَحْمد اللحيانى الْقَائِم بتدبير مكناسة الْأَزْرَق وَهُوَ أَبُو زَكَرِيَّا حى بن زيان بن عمر الوطاسى الْقَائِم بتدبير مَدِينَة فاس وَقتل عدَّة من النَّصَارَى ورحل فحنق النَّصَارَى من ذَلِك وحطموا على الْمُسلمين حطمة قتل فِيهَا جمَاعَة وخلصوا إِلَى أصطولهم وبقى ابْن ملكهم فِي يَد الْمُسلمين فَلَمَّا وصلوا إِلَى بِلَادهمْ لم يرض أكابرهم بِتَسْلِيم سبتة للْمُسلمين وبعثوا فِي فدَاء ابْن الْملك بِمَال فَلم يَقع بَينهم وَبَين الرَّسُول إتفاف وسجنوه مَعَ ابْن الْملك الْمُرْتَهن عِنْد صَالح بن صَالح بن حمو بطنجة فَيَقُول المكثر أَن الذى قتل من النَّصَارَى فِي هَذِه الْوَاقِعَة خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا وغنم الْمُسلمُونَ مِنْهُم أَمْوَالًا كَثِيرَة. وَللَّه الحمده بالطاعون وَفِي الْحَرْب عَالم عَظِيم جدا من أهل الأَرْض فَمِمَّنْ لَهُ ذكر وشهرة: سعد الدّين إِبْرَاهِيم بن كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن سعد الدّين بركَة الْمَعْرُوف بإبن كَاتب جكم نَاظر الْخَاص ابْن نَاظر الْخَاص فِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر شهر ربيع الأول عَن نَحْو ثَلَاثِينَ سنة. وَكَانَ من المترفين المنهمكين فِي اللَّذَّات المنغمسين فِي الشَّهَوَات وَنزل السُّلْطَان فصلى عَلَيْهِ تَحت القلعة وَدفن عِنْد أَبِيه بالقرافة.
وَمَات الْأَمِير تمراز المؤيدى خنقا بالإسكندرية فِي ثَالِث عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة وَهُوَ أحد المماليك المريدية شيخ رباه صَغِيرا إِلَى أَن تغير عَلَيْهِ وضربه ونفاه إِلَى طرابلس فتنقل بعد موت المريد إِلَى أَن ركب مَعَ الْأَمِير قانباى فَقبض عَلَيْهِ وسجن بقلعة الرّوم مُدَّة. ثمَّ أفرج عَنهُ وأنعم عَلَيْهِ بإمرة عشرَة بحلب ثمَّ نقل بعد مُدَّة على إمرة بِدِمَشْق ثمَّ ولى نِيَابَة صفد وَنقل مِنْهَا لنيابة غَزَّة ثمَّ قبض عَلَيْهِ لما قدم على السُّلْطَان وسجن بالإسكندرية وَبهَا قتل وَلم يكن مشكورا. وَمَات الْأَمِير جَانِبك الصُّوفِي فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر شهر ربيع الآخر وَهُوَ أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق. ترقى فِي الخدم وَصَارَ من أُمَرَاء الألوف وتنقلت بِهِ الْأَحْوَال حَتَّى قبض عَلَيْهِ الْأَشْرَف برسباى وسجنه ففر من سجنه بالإسكندرية وأعيا السُّلْطَان تطلبه وإمتحن جمَاعَة بِسَبَبِهِ إِلَى أَن ظهر عِنْد ابْن دلغادر وحاول مَا لم يقدر عَلَيْهِ فَهَلَك دون بُلُوغ مُرَاده. وَحمل رَأسه إِلَى السُّلْطَان كَمَا مر ذكره مشروحًا. وَكَانَ ظَالِما عاتيًا جبارًا لم يعرف بدين وَلَا كرم. وَمَات شمس الدبن مُحَمَّد بن الْخضر بن دَاوُد بن يَعْقُوب المصرى شهرة الحلبى الشافعى فِي يَوْم الْأَحَد النّصْف من شهر رَجَب وَكَانَ خيرا دينا كثير التِّلَاوَة لِلْقُرْآنِ فَاضلا حسن المحاضرة وَتصرف فِي الْكِتَابَة بديوان الْإِنْشَاء مُدَّة. ثمَّ توجه إِلَى الْقُدس بَعْدَمَا أَقَامَ بِالْقَاهِرَةِ سِنِين فَمَاتَ هُنَاكَ. رَحمَه اللة. وَمَات بِمَكَّة شرفها الله الْأَمِير جَانِبك الْحَاجِب الْمُجَرّد على المماليك إِلَى مَكَّة فِي حادى عشر شعْبَان. ومستراح مِنْهُ. وَمَات بِدِمَشْق الشَّيْخ عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد البخارى الحنفى فِي خَامِس شهر رَمَضَان. وَكَانَ ورعًا بارعًا فِي عُلُوم من عَرَبِيَّة وَمَعَان وَبَيَان وَغير ذَلِك وَله فِي الدولة مكانة. سكن بِلَاد الْهِنْد وَعظم عِنْد ملكهَا ثمَّ قدم الْقَاهِرَة وتصدر لإِفَادَة الْعلم فَقَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة وَعظم قدره. ثمَّ سكن دمشق حَتَّى مَاتَ بهَا.
وَمَات بِالْقَاهِرَةِ الشَّيْخ عَلَاء الدّين على بن مُوسَى بن إبراهين الرومى الحنفى فِي يَوْم الْأَحَد عشْرين شهر رَمَضَان وَكَانَ قدم من بِلَاد الرّوم وَولى تدريس الْمدرسَة الأشرفية برسباى ومشيخة التصوف بهَا مُدَّة ثمَّ عزل عَنْهَا وَكَانَ فَاضلا فِي عدَّة عُلُوم مَعَ طيش وخفة وجرأة بِلِسَانِهِ على مَا لَا يَلِيق وفحش فِي مخاطبته عِنْد الْبَحْث مَعَه. عَفا الله عَنهُ. وَمَات الْأَمِير آق بردى نَائِب غَزَّة فأراح الله بِمَوْتِهِ من جوره وطمعه. وَمَات نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بدر الدّين حسن بن سعد الدّين مُحَمَّد الفاقوسى موقع الدست فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ تَاسِع عشر شَوَّال عَن بضع وَسبعين سنة. وَكَانَ حشمًا رَئِيسا لَهُ مُرُوءَة وَفِيه أفضال وبر وصدقات. رحمه الله. وَمَات الْأَمِير دولات خجا أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة. ولى ولَايَة الْقَاهِرَة ثمَّ حسبتها. وَكَانَ عسوفًا جبارًا كثير الشَّرّ يصفه من يعرفهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسلم وَأَنه لَا يخَاف الله وَكَانَ مَوته يَوْم السبت أول ذى الْقعدَة وَقد شاخ. وَمَات الْأَمِير القَاضِي صَلَاح الدّين مُحَمَّد ابْن الصاحب الْأَمِير الْوَزير بدر الدّين حسن بن نصر الله فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء خَامِس ذى الْقعدَة وَقد أناف على الْخمسين وَكَانَ جميل الصُّورَة عَاقِلا رزينًا يكْتب الْخط الْمَنْسُوب وَيعرف الْحساب معرفَة جَيِّدَة. ولى الحجوبية من صغره مُدَّة ثمَّ بَاشر أستادارية السُّلْطَان مرَّتَيْنِ وَولى حسبَة الْقَاهِرَة ثمَّ صَار جليس السُّلْطَان وسميره. وولاه مَعَ مُجَالَسَته كِتَابَة السِّرّ مسئولًا بهَا فباشرها مَعَ الْحِسْبَة وَنظر دَار الضَّرْب وَنظر الْأَوْقَاف وَغير ذَلِك حَتَّى مَاتَ. رَحمَه اللة. فَلَقَد أحزننا فَقده. ومولده فِي رَمَضَان سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَسَبْعمائة. وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد ابْن الْأَمِير عَلَاء الدّين على ابْن الْأَمِير سيف الدّين قرطاى الْمَعْرُوف بِابْن بنت الْأَمِير بكتمر الساقى سبى جده قرطاى من بِلَاد الرّوم وجىء بِهِ إِلَى الديار المصرية فترقى فِي الخدم حَتَّى صَار من جملَة الْأُمَرَاء. وَولى ابْنه
على بن قرطاى نقابة الْجَيْش وَتزَوج بإبنة الْأَمِير نَاصِر الدّين عمد ابْن الْأَمِير بكتمر الساقى فولد لَهُ مِنْهَا أَحْمد فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشْرين شعْبَان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة. وَنَشَأ فِي عز وترف وحشمة ورياسة وسعة دنيا. فَمَال إِلَى الْفَضَائِل وَكتب على شَيخنَا عَلَاء الدّين عُصْفُور فبرع فِي الْكِتَابَة وفنونها حَتَّى فاق فِي كِتَابَة الْمَنْسُوب أَبنَاء عصره. ونظم الشّعْر الْمليح وأتقن صنائع عديدة. وَنظر فِي عدَّة عُلُوم حَتَّى مَاتَ فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ عَاشر ذى الْقعدَة. وَكَانَ مجموعًا حسنا ذَا فَضَائِل جمة وَوجه جميل وشكل مليح وَخلق رَضِي وَنَفس سَمْحَة وذكاء وَحسن تصور وثراء وَاسع وحشمة وافرة. رحمه الله فَلَقَد كَانَ لى بِهِ أنس وَمِنْه نفع. كتب إِلَى وَقد قدمت من الْحجاز من شعره: أيا مولاى دم أبدا بِخَير وعزمًا جرت شمس النَّهَار لرؤيتك السّنيَّة مت شوقًا وَقد دنت الديار من الديار وَمَات الْأَمِير سليمن بن أورخان بك بن مُحَمَّد كرشجى بن عُثْمَان. ملك جدة مُحَمَّد كرشجى بِلَاد الرّوم وَقبض عَمه مُرَاد بن مُحَمَّد كرشجى ملك الرّوم على أَبِيه أورخن بك وسجنه حَتَّى مَاتَ وَقد ولد سُلَيْمَان ففر بِهِ مَمْلُوك أَبِيه حَتَّى قدم على السُّلْطَان الْأَشْرَف برسباى فَأكْرمه ورباه. ثمَّ فر بِهِ مَمْلُوك أَبِيه يُرِيد بِلَاد الرّوم فَقبض عَلَيْهِ برسباى وسجنه ثمَّ أفرج عَنهُ وَتزَوج السُّلْطَان بأخته شاه زَاده. وَمَات إسكندر بن قرايوسف ملك تبريز بَعْدَمَا تشَتت مُدَّة ثمَّ إنهزمٍ الى قلعة يلنجا فذبحه إبنه شاه قوماط فِي شهر ذى الْقعدَة. وَكَانَ شجاعًا مقدامًا جريئًا أهوج لَا يرجع إِلَى دين وَلَا عقل بل خرب الْبِلَاد وَأكْثر فِي الأَرْض الْفساد. وَمَات نور الدّين على بن مُفْلِح وَكيل بَيت المَال وناظر المارستان فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر ذى الحجه. كَانَ أَبوهُ عبدا أسود للطواشى كافور الهندى فَأعْتقهُ وَقَرَأَ إبنه على الْقُرْآن وخدم عدَّة من أهل الدولة حَتَّى تقرر يقرىء الممليك فِي الطباق السُّلْطَانِيَّة بالقلعة. وَأكْثر من مداخلتهم إِلَى أَن تردد إِلَى القَاضِي زين الدّين عبد الباسط فإرتفع بِهِ قدره وَولى الْوكَالَة وَنظر المارستان. وعد من رُؤَسَاء النَّاس وَكَانَت لَهُ مروة وَفِيه عصبية وتقعير فِي كَلَامه من غير إِعْرَاب وَلَا علم إِنَّمَا هُوَ الْحَظ لَا غَيره.
وَمَات السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف برسباى الدقماقى الظاهرى فِي يَوْم السبت ثَالِث عَاشر ذى الْحجَّة وَقد أناف على السِّتين. كَانَ أَبوهُ من أوضع أهل بِلَاده قدرا وأشدهم فقرا فَأسلم إبنه هَذَا لحداد فَكَانَ ينْفخ عِنْده بالكير ثمَّ مَاتَ فَتزوّجت إمرأته بِرَجُل فَبَاعَ برسباى هَذَا وَهُوَ صَغِير من رَحل يهودى إسمه صَادِق. فخدمه مُدَّة وتلقن أخلاقه وتطبع بطباعه حَتَّى جلبه إِلَى ديار مصر فإبتاعه الْأَمِير دقماق. ثمَّ بعث بِهِ فِي جملَة تقدمه لما إستقر فِي نِيَابَة ملطية. فأنزله السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر برقوق فِي جملَة مماليك الطباق. ثمَّ أخرج لَهُ قبل مَوته خيلًا وأنزله من الطباق وَقد أعْتقهُ. فَلَمَّا كَانَت الْأَيَّام الناصرية فرج خرج فِيمَن خرج إِلَى الشَّام وإنتمى إِلَى الْأَمِير نوروز ثمَّ إِلَى الْأَمِير شيخ فَلَمَّا قدم الْأَمِير شيخ بعد قتل النَّاصِر إِلَى مصر كَانَ فِيمَن قدم مَعَه فرقاه وَصَارَ من جملَة أُمَرَاء الألوف وَعمل كشف التُّرَاب. ثمَّ ولاه نِيَابَة طرابلس وعزله وسجنه بقلعة المرقب. ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بإمرة فِي دمشق. فَلَمَّا مَاتَ الْمُؤَيد شيخ قبض عَلَيْهِ الْأَمِير جقمق نَائِب الشَّام وسجنه. ثمَّ أفرج عَنهُ الْأَمِير ططر لما توجه بإبن الْمُؤَيد إِلَى الشَّام. ثمَّ أنعم عَلَيْهِ بإمرة ألف وَعَمله دوادار السُّلْطَان لما تسلطن وَقدم بِهِ إِلَى الْقَاهِرَة فَلَمَّا مَاتَ الظَّاهِر ططر قَامَ بِأَمْر وَلَده ثمَّ خلعه وتسلطن فدانت لَهُ الْبِلَاد وَأَهْلهَا وخدمته السُّعُود حَتَّى مَاتَ. وَكَانَت أَيَّامه هدوء وَسُكُون إِلَّا أَنه كَانَ لَهُ فِي الشُّح وَالْبخل والطمع مَعَ الْجُبْن والجور وَسُوء الظَّن ومقت الرّعية وَكَثْرَة التلون وَسُرْعَة التقلب فِي الْأُمُور وَقلة الثَّبَات أَخْبَار لم نسْمع بِمِثْلِهَا وَشَمل بِلَاد مصر وَالشَّام فِي أَيَّامه الخراب وَقلة الْأَمْوَال بهَا. وإفتقر النَّاس وَسَاءَتْ سير الْحُكَّام والولاة مَعَ بُلُوغه آماله ونيله أغراضه وقه أعدائه وقتلهم بيد غَيره لِتَعْلَمُوا أَن الله على كل شىء قدير. وَمَات الْأَمِير سودون بن عبد الرَّحْمَن وَهُوَ مسجون بثغر دمياط فِي يَوْم السبت الْعشْرين من ذى الْحجَّة. وَهُوَ من جملَة المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق. ترقي فِي الخدم حَتَّى صَار نَائِب الشَّام ثمَّ عزل وسجن حَتَّى مَاتَ وَكَانَ مصرا على مَا لَا تبيحه الشَّرِيعَة من شهواته الخسيسة وأحدث فِي دمشق أَيَّام نيابته بهَا عدَّة أَمَاكِن لبيع الْخمر ووقوف البغايا والأحداث وضمنها. بِمَال فِي كل شهر فإستمرت من بعده. وإقتدى بِهِ فِي ذَلِك غير وَاحِد فعملوا فِي دمشق خمارات مضمنة بأموال من غير أَن يُنكر عَلَيْهِ أحد ذَلِك ليقضى الله أمرا كَانَ مَفْعُولا.
فارغه