الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة تسع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة)
أهلت وَخَلِيفَة الزَّمَان المعتضد بِاللَّه أَبُو الْفَتْح دَاوُد بن المتَوَكل على الله أَبُو عبد الله مُحَمَّد وسلطان الْإِسْلَام الْملك الْأَشْرَف أَبُو الْعِزّ برسباي الدقماقي وأتابك العساكر الْأَمِير الْكَبِير قجق وأمير مجْلِس الْأَمِير أينال الجكمي وأمير سلَاح الْأَمِير أينال النوروزي وأمير أخور الْأَمِير جقمق والدوادار الْأَمِير أزبك وَرَأس نوبَة تغري بردي المحمودي وحاجب الْحجاب الْأَمِير جرباش قاشق وأستادار الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر ابْن الْأَمِير الْوَزير فَخر الدّين عبد الْغَنِيّ ابْن الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أبي الْفرج والوزير كريم الدّين عبد الْكَرِيم ابْن الْوَزير الصاحب تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن شمس الدّين عبد الله بن كَاتب المناخ وناظر الْخَاص كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن سعد الدّين بركَة بن كَاتب جكم وَكَاتب السِّرّ بدر الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مزهر وناظر الْجَيْش زين الدّين عبد الباسط بن خَلِيل وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِي الْحَافِظ شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر وقاضي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني وقاضي الْقُضَاة الْمَالِكِي شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْبِسَاطِيّ وقاضي الْقُضَاة الْحَنْبَلِيّ محب الدّين أَحْمد بن نصر الله الْبَغْدَادِيّ ونائب الشَّام الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن ونائب شارقطوا ونائب حماة الْأَمِير جلبان أَمِير أخور ونائب طرابلس الْأَمِير قصروه ونائب صفد الْأَمِير مقبل الداوادار ونائب الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير أقبغا التمرازي وأمير مَكَّة الشريف حسن بن عجلَان وأمير الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة عجلَان بن نعير. وأسعار المبيعات بِالْقَاهِرَةِ مَعَ عَامَّة الأقوات قَليلَة سِيمَا اللَّحْم وَاللَّبن والجبن لم نعهد مثل قلتهم فِي هَذَا الْوَقْت وَقد انحل سعر الغلال وأبيع الْأرز بِأَلف دِرْهَم الأردب. وَالدِّينَار الأفرنتي. بمائتين وَخَمْسَة وَعشْرين درهما من الْفُلُوس والفلوس بِاثْنَيْ عشر درهما الرطل وأحوال النَّاس بديار مصر وبلاد الشَّام واقفة لقلَّة مكاسبهم وَقد شَمل إقليم مصر - مدينتها وأريافها - الخراب لَا سِيمَا الْوَجْه القبلي فَمن شدَّة فقر أَهله وفاقتهم وَسُوء أَحْوَالهم لَا يتبايعون إِلَّا بالغلال لعدم الذَّهَب وَالْفِضَّة بعد مَا كَانَ مَا كَانُوا فِيهِ من الْغنى وَالسعَة فِي غَايَة. شهر الله الْمحرم أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي لَيْلَة الْخَامِس عشر: خسف جرم الْقَمَر بأجمعه وَمكث جَمِيع جرمه منخسفا نَحْو ثَمَانِي عشر دَرَجَة.
وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ: هَذَا خلع على الْأَمِير أينال الششماني وَاسْتقر فِي حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن بدر الدّين مَحْمُود العينتابي. وَفِي تَاسِع عشره: قدم الشريف رميثة بن مُحَمَّد بن عجلَان وَقد أفرج عَنهُ من سجنه بالإسكندرية. وَفِي عشرينه: منع قُضَاة الْقُضَاة الْأَرْبَع من الْإِكْثَار من نواب الحكم بِالْقَاهِرَةِ ومصر وَأَن لَا يزِيد الشَّافِعِي على عشرَة نواب وَلَا يزِيد الْحَنَفِيّ على ثَمَانِيَة وَلَا الْمَالِك على سِتَّة وَلَا الْحَنْبَلِيّ على أَرْبَعَة فَعمل بذلك مُدَّة أَيَّام وعادوا لما نهوا من الاستكثار مِنْهُم وَلَو كَانَ ذَلِك من الْخَيْر لنَقص. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الركب الأول من الْحجَّاج وتتابع قدومهم حَتَّى قدم الْأَمِير تغري بردي المحمودي رَأس نوبَة بالمحمل وَتَبعهُ ساقة الْحَاج وهم فِي ضرّ وبؤس شَدِيد من غلاء الأسعار وَقدم مَعَه أَيْضا الْأَمِير قرقماس الْمُقِيم هَذِه الْمدَّة بِمَكَّة وَقدم الشريف حسن بن عجلَان فَأكْرم ثمَّ خلع عَلَيْهِ سَابِع عشرينه وَاسْتقر فِي إِمَارَة مَكَّة على عَادَته وألزم بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار فَبعث قاصده إِلَى مَكَّة حَتَّى يحصرها وَأقَام هُوَ بِالْقَاهِرَةِ رهينة وَلم يَقع فِي الدولة الإسلامية مثل هَذَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر موت الجاموس وَلذَلِك قلت الألبان والأجبان. وَفِيه تَجَدَّدَتْ على الْحجَّاج مظْلمَة لم تعهد من قبل وَذَلِكَ أَنه منع التُّجَّار أَيَّام الْمَوْسِم أَن يتوجهوا من مَكَّة إِلَى بِلَاد الشَّام. مِمَّا ابتاعوه من أَصْنَاف تِجَارَات الْهِنْد وألزموا أَن يَسِيرُوا مَعَ الركب إِلَى مصر حَتَّى يُؤْخَذ مِنْهُم مكوس مَا مَعَهم فَلَمَّا نزل الْحجَّاج بركَة الْحَاج وَخرج مباشرو الْحَاج وأعوانهم واشتدوا على جَمِيع القادمين من التُّجَّار وَالْحجاج واستقصوا تفتيش محايرهم وأحمالهم وأخرجوا سَائِر مَا مَعَهم من الْهَدِيَّة وَأخذُوا مكسها حَتَّى أخذُوا من الْمَرْأَة الفقيرة مكس النطع الصَّغِير عشرَة دَرَاهِم فُلُوسًا وَأما التُّجَّار فَإِنَّهُ كَانَ أخرج إِلَيْهِم فِي السّنة الخالية بعض مسالمة الأقباط من الْقَاهِرَة - كَمَا تقدم ذكره - فوصل إِلَى مَكَّة وَمضى إِلَى جدة بأعوانه فضبط مَا وصل فِي المراكب من بِلَاد الْهِنْد وهرمز من أَصْنَاف المتجر وَأخذ مِنْهَا العشور فَقدم فِي المراكب الْهِنْدِيَّة إِلَى جدة فِي هَذِه السّنة زِيَادَة على أَرْبَعِينَ مركبا تحمل أَصْنَاف البضائع وَذَلِكَ أَن التُّجَّار وجدوا رَاحَة بجدة بِخِلَاف مَا كَانُوا يَجدونَ بعدن فتركوا بندر عدن واستجدوا بندر جدة عوضه فاستمر بندر جدة عَظِيما وتلاشى أَمر عدن من أجل
هَذَا وَضعف حَال متملك الْيمن وَصَارَ نظر جدة وَظِيفَة سلطانية يخلع على متوليها وَيتَوَجَّهُ فِي كل سنة إِلَى مَكَّة فِي أَوَان وُرُود مراكب الْهِنْد إِلَى جدة وَيَأْخُذ مَا على التُّجَّار ويحضر إِلَى الْقَاهِرَة بِهِ وَبلغ مَا حمل إِلَى الخزانة من ذَلِك زِيَادَة على سبعين ألف دِينَار سوى مَا لم يحمل فجَاء للنَّاس مَا لَا عهد لَهُم بِمثلِهِ فَإِن الْعَادة لم تزل من قديم الدَّهْر فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام أَن الْمُلُوك تحمل الْأَمْوَال الجزيلة إِلَى مَكَّة لتفرق فِي أَشْرَافهَا ومجاوريها فانعكست الْحَقَائِق وَصَارَ المَال يحمل من مَكَّة وَيلْزم أَشْرَافهَا بِحمْلِهِ وَمَعَ ذَلِك فَمنع التُّجَّار أَن يَسِيرُوا فِي الأَرْض يَبْتَغُونَ من فضل الله وكلفوا أَن يَأْتُوا إِلَى الْقَاهِرَة حَتَّى تُؤْخَذ مِنْهُم المكوس على أَمْوَالهم وَأَنِّي لأذكر أَن الْملك الْمُؤَيد شَيخا نظره مرّة فِي أَيَّام قدوم الْحَاج فَرَأى من أَعلَى قلعة الْجَبَل خياماً مَضْرُوبَة بالريدانية خَارج الْقَاهِرَة فَسَأَلَ عَنْهَا فَقيل عَنْهَا فَقيل لَهُ إِن الْعَادة أَن ينصب نَاظر الْخَاص عِنْد قدوم الْحَاج خياماً هُنَاكَ ليجلس فِيهَا مباشرو الْخَاص وأعوانه حَتَّى يَأْخُذُوا مكس مَا مَعَهم من البضائع فَقَالَ: وَالله إِنَّه لقبيح أَن يُعَامل الْحَاج عِنْد قدومه بِهَذَا واستدعى بعض أَعْيَان الخاصكية وَأمره أَن يركب ويسوق حَتَّى يَأْتِي تِلْكَ الْخيام ويهدمها على رُءُوس من فِيهَا ويضربهم حَتَّى يحملوها وينصرفوا فَفعل ذَلِك وَلم يتَعَرَّض أحد فِي تِلْكَ السّنة للحجاج وَكَانَ نَاظر الْخَاص إِذْ ذَاك الصاحب بدر الدّين حسن نصر الله ولعمري لقد سَمِعت عَجَائِز أهلنا وَأَنا صَغِير يقلن انه ليَأْتِي على النَّاس زمَان يترحمون فِيهِ على فِرْعَوْن فبرغمي إِن مضين وخلفت حَتَّى أدْركْت وُقُوع مَا أنذرنا بِهِ قبل وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. شهر صفر أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي نصفه: جع السُّلْطَان الْأُمَرَاء والقضاة وَكَثِيرًا من التُّجَّار وتحدث فِي إبِْطَال الْمُعَامَلَة بِالذَّهَب المشخص الَّذِي يُقَال لَهُ الأفرنتي وهومن ضروب الفرنج وَعَلِيهِ شعار كفرهم الَّذِي لَا تجيزه الشَّرِيعَة المحمدية. وَهَذَا الأفرنتي كَمَا تقدم ذكره قد غلب فِي زمننا من حُدُود سنة ثَمَانمِائَة على أَكثر مَدَائِن الدُّنْيَا من الْقَاهِرَة ومصر وَجَمِيع أرص الشَّام وَعَامة بِلَاد الرّوم والحجاز واليمن حَتَّى صدر النَّقْد الرابح فصوب من حضر رَأْي السُّلْطَان فِي إِبْطَاله وان يُعَاد سبكه بدار الضَّرْب ثمَّ يضْرب على السِّكَّة الإسلامية فَطلب من الْغَد صياغ دَار الضَّرْب وَشرع فِي سبك مَا عِنْده من الدَّنَانِير الإفريقية. وَفِي هَذَا الشَّهْر: عز وجود الْخبز فِي الْأَسْوَاق أَحْيَانًا مَعَ كَثْرَة الغلال وَقلة طالبيها. وفقد اللَّحْم أَيْضا عدَّة أَيَّام من قلَّة جلب الأغنام وَسبب ذَلِك أَن الْوَزير يحْتَاج فِي كل
يَوْم إِلَى اثْنَي عشر ألف رَطْل من اللَّحْم برسم المماليك السُّلْطَانِيَّة ومطبخ السُّلْطَان وحريمه فحجر على باعة اللَّحْم أَن يزِيدُوا فِي سعره حَتَّى لَا يزْدَاد عَلَيْهِ مَا يقوم بِهِ فِي ثمن اللَّحْم واقتني أغناماً كَثِيرَة وَصَارَ يَشْتَرِيهَا بِمَا يُرِيد فَلَا تصل أثمانها إِلَى بَائِعهَا إِلَّا وَقد بخسوا فِيهَا كَمَا هِيَ عَادَتهم فِي بخس النَّاس أشياءهم فنفر تجار الْغنم وجلابتها من الْحُضُور بهَا إِلَى أسواقها خوفًا من الخسارة وَكَانَت أَرَاضِي مصر فِي السّنة الخالية محلا من قلَّة مَاء النّيل فِي أَوَانه وَسُرْعَة هُبُوطه حَتَّى شَرقَتْ الْأَرَاضِي إِلَّا قَلِيلا فَقلت المراعي ثمَّ ارْتَفع سعر الفول وَالشعِير فشحت الْأَنْفس بعلف الْبَهَائِم والأنعام خُصُوصا الفلاحون فَإِن أَحْوَالهم ساءت فهزلت من أجل هَذَا بَهِيمَة الْأَنْعَام من الْغنم وَالْبَقر والجاموس وَتعذر من نصف شهر رَمَضَان الْمَاضِي وجود لحم الضَّأْن وارتفع سعره من سَبْعَة دَرَاهِم للرطل إِلَى عشرَة دَرَاهِم وَنصف وَقلت الألبان والأجبان وَالسمن وَبَلغت أثماناً لم نعهد مثله فِي زمن الرّبيع وَاتفقَ مَعَ هَذَا كُله الْمَوْت الذريع فِي الجاموس حَتَّى فني معظمه وَوَقع الفناء أَيْضا فِي الأبقار وَمَاتَتْ أَيْضا الأغنام وحمير وخيل عير كَثِيرَة الْعدَد. وَفِي سادس عشرينه: نُودي بِإِبْطَال الْمُعَامَلَة بِالدَّنَانِيرِ الأفرنتية وَأَن يتعامل النَّاس بِالدَّنَانِيرِ الأشرفية وزنة الدِّينَار مِنْهُ زنة الدِّينَار الأفرنتي وألزم النَّاس بِحمْل مَا عِنْدهم من الأفرنتية إِلَى دَار الضَّرْب حَتَّى تسبك وتعمل دَنَانِير أشرفية وخلع على شرف الدّين أبي الطِّبّ مُحَمَّد بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله وَاسْتقر فِي نظر دَار الضَّرْب وَقد كَانَ بَاشر نظر وقف الْأَشْرَاف وَنظر كسْوَة الْكَعْبَة أحسن مُبَاشرَة بعفة وَأَمَانَة ونهضة. وَفِي نصف هَذَا الشَّهْر: ارْتَفع سعر الْقَمْح وَتجَاوز الأردب ثَلَاثمِائَة دِرْهَم وَقل وجود الدَّقِيق فِي الطواحين وَوُجُود الْخبز بالأسواق وشنع الْأَمر فِي تَاسِع عشرينه وازدحم النَّاس بالأفران فِي طلب الْخبز وتكالبوا على ابتياع الْقَمْح فشحت نفوس الْخزَّان بِهِ وأبيع الْقدح الفول بأَرْبعَة دَرَاهِم وَلِهَذَا أَسبَاب: أَحدهَا أَن الْبَدْر مَحْمُود العنتابي كَانَ أَيَّام حسبته يلين للباعة حَتَّى كَأَنَّهُ لَا حجر عَلَيْهِم فِيمَا يفعلوه وَلَا مَا يبيعوا بضائعهم بِهِ من الْأَثْمَان فَلَمَّا ولي الششماني أرهب الباعة وردعهم بِالضَّرْبِ المبرح فكادوه وَترك عدَّة مِنْهُم مَا كَانَ يعانيه من البيع وَاتفقَ فِي هَذِه الْأَيَّام هلك كثير من الجاموس وَالْبَقر بِحَيْثُ أَن رجلا كَانَ عِنْده مائَة وَخَمْسُونَ جاموسة فَهَلَكت بأجمعها وَلم يبْق مِنْهَا سوى أَربع جاموسات وَمَا نَدْرِي مَا يتَّفق لَهَا فَقلت الألبان والأجبان وَالسمن. ثمَّ هبت فِي نصف هَذَا الشَّهْر ريَاح مريسية وتوالت أَيَّامًا تزيد على عشرَة لم تستطع المراكب
السّفر فِي النّيل فانكشف السَّاحِل من الْغلَّة وَجَاء الْخَبَر بغلاء الأسعار فِي بِلَاد غَزَّة والرملة ونابلس والساحل ودمشق وحوران وحماة حَتَّى تجَاوز سعر الأردب الْمصْرِيّ عِنْدهم ألف دِرْهَم فُلُوسًا إِذا عمل حسابه. وَقدم الْخَبَر بغلاء بِلَاد الصَّعِيد وَأَنَّهَا بأسرها لَا يكَاد يُوجد بهَا قَمح وَلَا خبز بر وَمَعَ هَذِه الرزايا كلهَا شح الْأَعْيَان وطمعهم فَإِن بعض أُمَرَاء الألوف لما بلغ الْقَمْح مِائَتَيْنِ وَخمسين درهما الأردب قَالَ: لَا أبيع قمحي إِلَّا بثلاثمائة دِرْهَم الأردب. وَمنع السُّلْطَان أَن يُبَاع من حواصله قَمح لقلَّة مَا عِنْده فَظن النَّاس الظنون وجاعت أنفسهم وقوى الْحِرْص وتزايد الشُّح فَأمْسك خزان الْقَمْح مَا عِنْدهم مِنْهُ ضناً بِهِ وأملوا أَن يبيعوا الْبر بالدر. هَذَا ومتولي الْحِسْبَة بعيد عَن مَعْرفَتهَا فآل الْأَمر إِلَى مَا قيل: تجمعت الْبلوى عَليّ وتحد فَرد. وَفِيه انحط سعر اللَّحْم من عشرَة دَرَاهِم وَنصف الرطل إِلَى ثَمَانِيَة وَنصف وَهُوَ هزيل لقلَّة علف شهر ربيع الأول أَوله الْجُمُعَة: أهل هَذَا الشَّهْر والأردب الْقَمْح بثلاثمائة سوى كلفه وهى مبلغ عشْرين درهما والدقيق كل بطة زنة خمسين رطلا بِمِائَة وَعشْرين درهما وهما قَلِيل وَقد خسر النَّاس فِي تفَاوت سعر الدِّينَار الأفرنتي وَالدِّينَار الأشرفي جملَة مَال فَإِن الأفرنتي كَانَ يصرف بمائتين وَخَمْسَة وَعشْرين درهما وَفِي علم السُّلْطَان أَنه إِنَّمَا يصرف بمائتين وَعشْرين ومشي النَّاس أَيْضا فِيمَا بَينهم نَقصه زنة قمحة فَلَمَّا نُودي أَن لَا يتعامل أحد بالأفرنتي وَضرب السُّلْطَان الدَّنَانِير الأشرفية وأنفقها فِي جوامك المماليك بالديوان الْمُفْرد كثرت فِي أَيدي النَّاس فَصَارَ من عِنْده شَيْء من الأفرنتية يحْتَاج أَن يتعوض بدله من الصيارفة دَنَانِير أشرفية فيخسر فِي كل دِينَار أفرنتي سَبْعَة دَرَاهِم وَنصف إِن كَانَ نَقصه قمحة وَمَا زَاد على القمحة فبحسابه فَتلفت أَمْوَال النَّاس بِسَبَب ذَلِك وربحت الصيارفة أرباحاً كَثِيرَة بِحَيْثُ أَخْبرنِي من لَا أتهم أَنه خسر فِي دَنَانِير أفرنتية خَمْسَة آلَاف دِرْهَم. وَفِي يَوْم السبت ثَانِيه: تيَسّر وجود الْخبز فِي الْأَسْوَاق. وَفِيه ابْتَدَأَ السُّلْطَان بِعَمَل خبز يفرق فِي الْفُقَرَاء كل يَوْم. وَفِي رَابِع عشره: نُودي أَن يقطع كل أحد مَا تَحت حانوته من الأَرْض وَيَرْمِي بالكيمان وان تصلح الطرقات فِي سَائِر أَزِقَّة الْقَاهِرَة ومصر وظواهرهما وَفِي جَمِيع الحارات والخطط وهدد من لم يفعل ذَلِك فشرع كل أحد - من جليل وحقير - فِي طلب الفعلة وَقطع الْأَرَاضِي وَطلب الحمارة لنقل الأتربة ورميها فجاءتهم كلف
ومغارم مَعَ مَا هم فِيهِ من غلاء الأسعار والخسارة فِي الذَّهَب فلطف الله وَبَطل ذَلِك بعد يَوْمَيْنِ وَقد خسر فِيهِ من خسر جملَة. وَفِيه قدم الْأَمِير قصروه نَائِب طرابلس. وَفِي هَذَا الشَّهْر: ظهر رجلَانِ أبديا صنائع بديعة أَحدهمَا من مسلمة الفرنج الَّذين يتزيوا بزِي الأجناد فَإِنَّهُ نصب حبلاً أَعلَى مأذنة الْمدرسَة الناصرية حسن بسوق الْخَيل تَحت قلعة الْجَبَل ومده حَتَّى ربطه بِأَعْلَى الأشرفية من قلعة الْجَبَل ومسافة ذَلِك رمية سهم أَو أَزِيد فِي ارْتِفَاع مَا ينيف على مائَة ذِرَاع فِي السَّمَاء ثمَّ إِنَّه برز من رَأس المأذنة وَمَشى على هَذَا الْحَبل حَتَّى وصل إِلَى الأشرفية وَهُوَ يُبْدِي فِي مَشْيه أنواعاً من اللّعب وَقد جلس السُّلْطَان لرُؤْيَته وَحشر النَّاس من أقطار الْمَدِينَة فعد فعله من النَّوَادِر الَّتِي لَو لم تشاهد لما صدقت ثمَّ خلع عَلَيْهِ السُّلْطَان وَبَعثه إِلَى الْأُمَرَاء فَمَا مِنْهُم إِلَّا أنعم عَلَيْهِ فَانْتدبَ بعد ذَلِك بِقَلِيل شَاب من أهل الْبَلَد لمحاكاة الْمَذْكُور فِي فعله وَنصب حبلاً عِنْده فِي دَاره وَمَشى عَلَيْهِ فَلَمَّا علم من نَفسه الْقُدْرَة على ذَلِك صعد إِلَى رَأس نَخْلَة وَمد مِنْهَا حبلاً إِلَى نَخْلَة أُخْرَى وَمَشى عَلَيْهِ فأقدم عِنْد ذَلِك وَأظْهر نَفسه وَنصب حبلاً من رَأس مأذنة الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة برقوق إِلَى رَأس مأذنة الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين بِالْقَاهِرَةِ وأرخي من وسط هَذَا الْحَبل الممتد حبلاً وواعد النَّاس حَتَّى ينْظرُوا مَا يَفْعَله مِمَّا لم يقدر ذَلِك الرجل على فعله فَجَاءُوا من كل جِهَة وَخرج من رَأس المأذنة الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة وَمَشى قَائِما على قَدَمَيْهِ وقامته منتصبة حَتَّى وصل رَأس مأذنة الْمدرسَة المنصورية ومسافة مَا بَينهمَا نَحْو الْمِائَة ذِرَاع فِي ارْتِفَاع أَكثر من ذَلِك ثمَّ إِنَّه نَام على الْحَبل وتمدد ثمَّ قَامَ وَمَشى حَتَّى وقف على الْحَبل الَّذِي أرخاه فِي وسط الْحَبل الَّذِي هُوَ قَائِم عَلَيْهِ وَنزل فِيهِ إِلَى آخِره ثمَّ صعد فِيهِ وَهُوَ يُبْدِي فِي أثْنَاء ذَلِك فنوناً تذهل رؤيتها لَوْلَا ضَرُورَة الْحس لما صدقت وتلاشى بِمَا فعله فعل ذَلِك الرجل ثمَّ إِنَّه نصب حبلاً من مأذنة حسن إِلَى الأشرفية بالقلعة كَمَا نصب الرجل الأول وَجلسَ السُّلْطَان لمشاهدته وَأَقْبل النَّاس فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشرينه وَقد هبت ريَاح كَادَت تقتلع الْأَشْجَار وتلقي الدّور فَخرج هَذَا الشَّاب وَتلك الرِّيَاح فِي شدَّة هبوبها فَمشى على قَدَمَيْهِ حَتَّى وصل إِلَى حَبل قد أرخاه فِي الْوسط وأدلى رَأسه وَنزل فِيهِ منكوساً رَأسه أَسْفَل وَرجلَاهُ أَعْلَاهُ إِلَى آخِره ثمَّ صعد على الْحَبل الممتد وَمَشى قَائِما عَلَيْهِ حَتَّى وصل إِلَى قبَّة الْمدرسَة فَنزل من الْحَبل وَصعد الْقبَّة وَهُوَ يجْرِي فِي صُعُوده جَريا قَوِيا فَوق شكل كرْسِي من رصاص أملس حَتَّى وقف بِأَعْلَاهَا والرياح عماله فِي طول ذَلِك بِحَيْثُ لَا يثبت لَهَا طير السَّمَاء وَلَا يقدر على الْمُرُور لشدَّة هبوبها وَهَذَا
الشَّاب يروح وَيَجِيء شاقاً لَهَا وماراً فِيهَا كَأَنَّمَا خلق من الرّيح فَكَانَ شَيْئا عجبا لَا سِيمَا وَلم يتَقَدَّم لَهُ إدمان فِي ذَلِك وَلَا دربه فِيهِ معلم وَإِنَّمَا تاقت إِلَيْهِ نَفسه فامتحنها فَإِذا هِيَ متأتية لَهُ فِيمَا أَرَادَ فبرز وَأبْدى مَا يعجز عَنهُ سواهُ. وَمن نصف هَذَا الشَّهْر: انحل سعر الشّعير حَتَّى أبيع الأردب بِدِينَار أشرفي وانحل سعر الفول حَتَّى أبيع الأردب بثلاثمائة دِرْهَم بعد مَا بلغ أَرْبَعمِائَة وَوجد الْقَمْح وَكثر وَللَّه الْحَمد. وَفِيه قدم الْأَمِير أرنبغا المتوجه فِي الْبَحْر إِلَى مَكَّة وَكَانَ مَعَه هَدِيَّة لصَاحب الْيمن فَمضى بهَا فِي الْبَحْر من جدة وَمَعَهُ شخص يُقَال لَهُ ألطنبغا فرنجي - ولي دمياط مرَارًا - ومعهما من المماليك السُّلْطَانِيَّة خَمْسُونَ نَفرا وَقد حسن للسُّلْطَان شخص أَخا الْيمن بِهَذِهِ الْعدة فَتَأَخر فرنجي فِي مركب على سَاحل حلي بني يَعْقُوب بالمماليك وَتوجه أرنبغا وَمَعَهُ مِنْهُم خَمْسَة نفر بالهدية وَالْكتاب وَهُوَ يتَضَمَّن طلب مَال للإعانة على جِهَاد الفرنج فَأخذ متملك الْيمن فِي تجهيز الْهَدِيَّة فَأَتَاهُ الْخَبَر بِأَن فرنجي نهب بعض الضّيَاع وَقتل أَرْبَعَة رجال فَأنْكر صَاحب الْيمن أَمرهم وتنبه لَهُم وَقَالَ لأرنبغا: مَا هَذَا خبر خير فَإِن الْعَادة أَن يقدم فِي الرسَالَة وَاحِد فقدمتم فِي خمسين رجلا ويحضر إِلَيّ مِنْكُم إِلَّا أَنْت فِي خَمْسَة نفر وَتَأَخر باقيكم وَقتلُوا من رجالي أَرْبَعَة وطرده عَنهُ من غير أَن يُجهز هَدِيَّة وَلَا وَصله بِشَيْء فنجا وَمن مَعَه بِأَنْفسِهِم وعادوا جَمِيعًا إِلَى مَكَّة وَقدم أرنبغا مخفاً. شهر ربيع الآخر أول السبت: فِيهِ توجه الْأَمِير قصروه عَائِدًا إِلَى طرابلس على نيابته بهَا. وَفِي ثامنه: خلع على الْأَمِير يشبك الساقي الْأَعْرَج وَاسْتقر أَمِير سلَاح بعد موت أينال النوروزي. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشره: نصب تَاجر عجمي حبلاً فِيمَا بَين مأذنتي مدرسة حسن ليفعل كَمَا فعل من تقدم ذكرهمَا وَخرج من أَعلَى أحديهما وَمَشى على الْحَبل عدَّة خطوَات ثمَّ عَاد من حَيْثُ ابْتَدَأَ وَمَشى ثَانِيًا على قَدَمَيْهِ إِلَى آخِره وَأبْدى عجائب مِنْهَا أَنه جلس على الْحَبل وأرخى رجلَيْهِ وَتَنَاول وَهُوَ كَذَلِك قوساً كَانَت على كتفه وَأخرج من كِنَانَته سَهْمَيْنِ رمى بهما وَاحِد بعد آخر ثمَّ قَامَ وَدخل وَهُوَ قَائِم على الْحَبل فِي طارة كَانَت مَعَه وَخرج مِنْهَا وَكرر دُخُوله فِيهَا وَخُرُوجه مِنْهَا
مرَارًا فَتَارَة يدْخل رجلَيْهِ قبل إِدْخَاله يَدَيْهِ وَتارَة يدْخل يَدَيْهِ قبل رجلَيْهِ ثمَّ ينزل من الْحَبل الْمَمْدُود فِي حَبل قد أرخاه وَهُوَ حَال نُزُوله يتقلب بَطنا لظهر وظهراً لبطن حَتَّى نزل إِلَى أَسْفَله وَرَأسه منكوسة نَحْو الأَرْض وقامته ممتدة بِحَيْثُ صَارَت قدماه توازي السَّمَاء وَرمى وَهُوَ منكوس بِالْقَوْسِ ثَلَاثَة سِهَام وَاحِدًا بعد وَاحِد ثمَّ صعد من أَسْفَل الْحَبل المرخاة حَتَّى قَامَ على قَدَمَيْهِ فَوق الْحَبل الْمَمْدُود ثمَّ ألْقى نَفسه وَهُوَ قَائِم إِلَى جِهَة الأَرْض فَإِذا هُوَ قد تعلق بإبهامي قَدَمَيْهِ وَصَارَ رَأسه منكوساً ثمَّ انْقَلب وَهُوَ منكوس فَصَارَ رَأسه على الْحَبل الْمَمْدُود وَرجلَاهُ إِلَى السَّمَاء ثمَّ انْقَلب فَصَارَت قدماه على الْحَبل وَهُوَ قَائِم فَوْقه ثمَّ رفع إِحْدَى رجلَيْهِ ووقف فَوق الْحَبل على رجل وَاحِدَة وَهُوَ يرفع تِلْكَ الرجل حَتَّى ألصقها بفمه ثمَّ أرخاها ووقف عَلَيْهَا وَرفع الرجل الْأُخْرَى الَّتِي كَانَ قَائِما عَلَيْهَا حَتَّى ألصقها بفمه ثمَّ أرخاها ووقف على قَدَمَيْهِ منتصب الْقَامَة وخر سَاجِدا على الْحَبل حَتَّى صَار فَمه عَلَيْهِ يُشِير أَنه يقبل الأَرْض بن يَدي السُّلْطَان وَهُوَ مستقبله فأنست أَفعاله من تقدمه. وَفِي خَامِس عشرينه: اسْتَقر كَمَال الدّين مُحَمَّد بن همام الدّين مُحَمَّد السيواسي الْحَنَفِيّ فِي مشيخة التصوف وتدريس الْجَامِع الأشرفي عوضا عَن عَلَاء الدّين عَليّ الرُّومِي وَقد عزم على عودته إِلَى بِلَاده. وَلم يكن بالمشكور فِي علمه وَلَا عقله. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: خلع على بدر الدّين مَحْمُود العينتابي وَاسْتقر قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة عوضا عَن زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني. وخلع على التفهني وَاسْتقر فِي مشيخة خانكاه شيخو بعد وَفَاة سراج الدّين عمر قَارِئ الْهِدَايَة. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: أركب السُّلْطَان كثيرا من مماليكه ونزلوا فِي عدَّة من الْأُمَرَاء إِلَى الْقَاهِرَة متقلدي سيوفهم حَتَّى طرقوا الجودرية - إِحْدَى الحارات - وَأَحَاطُوا بهَا من جَمِيع جهاتها وفتشوا دورها وَقد وشى للسُّلْطَان بِأَن جَانِبك الصُّوفِي فِي دَار بهَا فَلم يعثروا عَلَيْهِ وَقبض على فَخر الدّين بن المرزوق وَضرب بالمقارع وَنفي لتَعلق بَينه وَبَين جَانِبك الصُّوفِي من جِهَة الْمُصَاهَرَة وَنُودِيَ من الْغَد بِأَن لَا يسكن أحد بالجودرية فأخليت عدَّة دور بهَا واستمرت زَمَانا خَالِيَة فَكَانَت حَادِثَة شنعة. وَفِي سلخه: قدم المماليك الَّذين كَانُوا مجردين بِمَكَّة. وَفِي هدا الشَّهْر: ارْتَفع سعر الغلال بعد انحطاطها وَبلغ الأردب الْقَمْح بِبِلَاد الصَّعِيد أَرْبَعَة دَنَانِير.
وَفِيه تحارب الفرنج القطرانيون والبنادقة فِي ميناء الْإسْكَنْدَريَّة فغلب القطرانيون وَأخذُوا مركب البنادقة بِمَا فِيهِ بعد مَا قتل بَينهم جمَاعَة ثمَّ أَسرُّوا طَائِفَة من الْمُسلمين كَانُوا بالميناء ومضوا فِي الْبَحْر. شهر جُمَادَى الأولى أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي سَابِع عشرينه: قدم رَسُول صَاحب اسطنبول - وَهِي القسطنطنية - بهدية وشفع فِي أهل وَفِي هَذَا الشَّهْر: ارْتَفع سعر الْقَمْح حَتَّى بلغ دينارين الأردب ثمَّ انحط فِي آخِره إِلَى دِينَار وانحطت البطة الدَّقِيق من مائَة وَخمسين درهما إِلَى ثَمَانِينَ درهما لِكَثْرَة وجود الْقَمْح. وَفِيه تبرع قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر. مِمَّا لَهُ من الْمَعْلُوم الْمُقَرّر على الْقَضَاء فِي أنظار الْأَوْقَاف وَنَحْوهَا لمُدَّة سنة فجبيت للسُّلْطَان وباشر بِغَيْر مَعْلُوم. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي ثَالِث عشره: قدم من عَسْكَر الشَّام عدَّة وَمن طوائف العشير جمَاعَة ليسيروا للْجِهَاد فأنزلوا بالميدان الْكَبِير. وَفِيه خلع على عز الدّين عبد الْعَزِيز بن عَليّ بن الْعِزّ الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ الَّذِي ولي قَضَاء الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق فِي الْأَيَّام المؤيدية وَاسْتقر قَاضِي قُضَاة الْحَنَابِلَة عوضا عَن محب الدّين أَحْمد بن نصر الله الْبَغْدَادِيّ بعد عَزله وَقد شنعت فِيهِ القالة لسوء سيرة أَخِيه وَابْنه. وَفِي ثَالِث عشرينه: جلس السُّلْطَان لعرض الْمُجَاهدين بالحوش من القلعة وَأنْفق فيهم فَكَانَ يَوْمًا جميلاً. شهر رَجَب أَوله الْخَمِيس: فِيهِ أدير محمل بِالْقَاهِرَةِ ومصر على الْعَادة فِي كل سنة وَعجل عَن وقته لتوجه الْمُجَاهدين للغزو. وَفِيه خلع على عبد الْعَظِيم بن صَدَقَة كَاتب إِبْرَاهِيم البرددار وَاسْتقر فِي نظر
الدِّيوَان الْمُفْرد وَكَانَ قد شعر عَن الْوَزير كريم الدّين ابْن كَاتب المناخ من حِين ولي الْأَمِير زين الدّين عبد الْقَادِر أستادار وَعبد الْعَظِيم من مسلمة النَّصَارَى الَّذين يفسدون فِي الأَرْض وَلَا يصلحون. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِيه: سَار أَرْبَعَة أُمَرَاء إِلَى الْجِهَاد وهم تغري بردي المحمودي رَأس نوبَة وَقد جعل مقدم عَسْكَر الْبر والأمير أينال الجكمي أَمِير مجْلِس وَجعل مقدم عَسْكَر الْبَحْر والأمير تغري برمش والأمير مُرَاد خجا وتبعهم الْمُجَاهدين وتوجهوا فِي النّيل أَرْسَالًا حَتَّى كَانَ أخرهم سفرا فِي يَوْم السبت حادي عشره. وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشره: نُودي بِمَنْع النَّاس من الْمُعَامَلَة بِالدَّنَانِيرِ الأفرنتية وَأَن تقص ويحضر بهَا مقصوصة إِلَى دَار الضَّرْب حَتَّى تسبك وهدد من خَالف ذَلِك وَكَانَ الْعَامَّة بعد النداء الأول قد تعاملوا بهَا كَمَا هِيَ عَادَتهم فِي الْمُخَالفَة لقلَّة ثبات الْوُلَاة على مَا يرسم بِهِ. وَفِي ثامن عشرينه: قدم الْخَبَر بِأَن الْغُزَاة مروا فِي سيرهم إِلَى رشيد وأقلعوا من هُنَاكَ يَوْم السبت رَابِع عشرينه وَسَارُوا إِلَى أَن كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشرينه انْكَسَرَ مِنْهُم أَرْبَعَة مراكب غرق فِيهَا نَحْو الْعشْرَة أنفس فانزعج السُّلْطَان لذَلِك وهم بِإِبْطَال الْغُزَاة ثمَّ بعث فِي يَوْم الْجُمُعَة آخِره الْأَمِير جرباش قاشق حَاجِب الْحجاب لكشف خبرهم وَالْعَمَل فِي مَسِيرهمْ أَو عودهم بِمَا شهر شعْبَان أَوله الْجُمُعَة: فِي خامسه: قدم الْخَبَر بِأَن طَائِفَة من الْغُزَاة لما سَارُوا من رشيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وجدوا فِي الْبَحْر أَربع قطع بهَا الفرنج وَهِي قاصدة نَحْو الثغر فَكَتَبُوا لمن فِي رشيد من بَقِيَّتهمْ بِسُرْعَة لحاقهم وتراموا هم والفرنج يومهم وَبَاتُوا يتحارسون واقتتلوا من الْغَد
فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قدمت بَقِيَّة الْغُزَاة من رشيد ولي الفرنج الأدبار بعد مَا اسْتشْهد من الْمُسلمين عشرَة. وَفِي رَابِع عشره: جَاءَ قاع النّيل أَرْبَعَة أَذْرع وَسَبْعَة أَصَابِع وابتدئ بالنداء بِزِيَادَة النّيل فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشره خَمْسَة أَصَابِع. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عشرينه: أقلع الْغُزَاة من ميناء الْإسْكَنْدَريَّة طَالِبين قبرس أَيّدهُم الله على أعدائه بنصره. شهر رَمَضَان أَوله الْأَحَد: فِي سابعه: قدم الْخَبَر بوصول الْغُزَاة فِي أخريات شعْبَان إِلَى قلعة اللمسون وَأَن صَاحب جَزِيرَة قبرس قد استعد وَأقَام بِمَدِينَة الأفقسية وعزم على اللِّقَاء. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره: أنعم بإقطاع الْأَمِير الْكَبِير قجق على الْأَمِير يشبك الساقي الْأَعْرَج أَمِير سلَاح وأنعم بتقديمه قرقماس وإقطاعه على الْأَمِير بردبك أَمِير أخور وأنعم بطبلخاناه بردبك وَفِي رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير يشبك الساقي وَاسْتقر أَمِيرا كَبِيرا أتابك العساكر عوضا عَن الْأَمِير قجق بعد مَوته. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشره - الْمُوَافق لَهُ أول يَوْم من مسرى -: كَانَ النّيل على ثَلَاث عشر ذِرَاعا وَأَرْبَعَة أَصَابِع وَهَذَا الْمِقْدَار مِمَّا ينْدر وُقُوعه فِي أول مسرى لكثرته. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه: قدم الْخَبَر فِي النّيل بِأخذ جَزِيرَة قبرس وَأسر ملكهَا. وَكَانَ من خبر ذَلِك أَن الْغُزَاة نازلوا قلعة اللمسون حَتَّى أخذوها عنْوَة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشْرين شعْبَان وهدموها وَقتلُوا كثيرا من الفرنج وغنموا. ثمَّ سَارُوا بعد إقامتهم عَلَيْهَا سِتَّة أَيَّام فِي يَوْم الْأَحَد أول شهر رَمَضَان وَقد صَارُوا فرْقَتَيْن فرقة فِي الْبر وَفرْقَة
فِي الْبَحْر حَتَّى كَانُوا فِيمَا بَين اللمسون والملاحة إِذا هم بجينوس بن جاك متملك قبرس قد أقبل فِي جموعه فَكَانَت بَينه وَبَين الْمُسلمين حَرْب شَدِيدَة انجلت عَن وُقُوعه فِي الْأسر بِأَمْر من عِنْد الله يتعجب مِنْهُ لِكَثْرَة من مَعَه وقوتهم وَقلة من لقِيه وَوَقع فِي الْأسر عدَّة من فرسانه فَأكْثر الْمُسلمُونَ من الْقَتْل والأسر وَانْهَزَمَ بَقِيَّة الفرنج وَوجد مَعَهم طَائِفَة من التركمان قد أمدهم بهم عَليّ بك بن قرمان فَقتل كثير مِنْهُم وَاجْتمعَ عَسَاكِر الْبر وَالْبَحْر من الْمُسلمين فِي الملاحة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِيه وَقد تسلم ملك قبرس الْأَمِير تغري بردي المحمودي وَكَثُرت الْغَنَائِم بأيدي الْغُزَاة ثمَّ سَارُوا من الملاحة يَوْم الْخَمِيس خامسه يُرِيدُونَ الأفقسية مَدِينَة الجزيرة وَدَار مملكتها فَأَتَاهُم الْخَبَر فِي مَسِيرهمْ أَن أَرْبَعَة عشر مركبا للفرنج قد أَتَت لقتالهم مِنْهَا سَبْعَة أغربة وَسَبْعَة مربعة القلاع فَأَقْبَلُوا نَحْوهَا وغنموا مِنْهَا مركبا مربعًا وَقتلُوا عدَّة كَثِيرَة من الفرنج حَتَّى لقد أَخْبرنِي من لَا أتهم من الْغُزَاة أَنه عد فِي الْموضع الَّذِي كَانَ فِيهِ ألفا وَخَمْسمِائة قَتِيل وَانْهَزَمَ بَقِيَّتهمْ وَتوجه الْغُزَاة إِلَى الأفقسية وهم يقتلُون وَيَأْسِرُونَ ويغنمون حَتَّى دخلوها فَأخذُوا قصر الْملك ونهبوا جانباً من الْمَدِينَة وعادوا إِلَى الملاحة بعد إقامتهم بالأفقسية يَوْمَيْنِ وَلَيْلَة. فأراحوا بالملاحة سَبْعَة أَيَّام وهم يُقِيمُونَ شَعَائِر الْإِسْلَام ثمَّ ركبُوا الْبَحْر عائدين بالأسرى وَالْغنيمَة فِي يَوْم الْخَمِيس ثَانِي عشره وَقد بعث أهل الماغوصة يطْلبُونَ الْأمان. وَلما قدم هَذَا الْخَبَر دقَّتْ البشائر بقلعة الْجَبَل وَنُودِيَ بزينة الْقَاهِرَة ومصر فزينتا وَقُرِئَ الْكتاب الْوَارِد على النَّاس بالجامع الأشرفي وَندب جمَاعَة من المماليك فَسَارُوا فِي النّيل لحفظ مراكب الْغُزَاة والمسير بهَا من دمياط وَقد قدمت بالغزاة وَمَا مَعَهم حَتَّى يوقفوها بميناء الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشرينه: قدم الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان من مَكَّة وَقد استدعى بعد موت أَبِيه فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر فِي إمرة مَكَّة على أَن يقوم بِمَا تَأَخّر على أَبِيه وَهُوَ مبلغ خَمْسَة وَعشْرين ألف دِينَار فَإِنَّهُ كَانَ قد حمل قبل مَوته من
الثَّلَاثِينَ الْألف الَّتِي الْتزم بهَا مبلغ خَمْسَة آلَاف دِينَار وألزم بَرَكَات أَيْضا بِحمْل عشرَة آلَاف دِينَار فِي كل سنة وَأَن لَا يتَعَرَّض لما يُؤْخَذ بجدة من عشور بضائع التُّجَّار الْوَاصِلَة من الْهِنْد وَغَيره. شهر شَوَّال أَوله الِاثْنَيْنِ: فِيهِ ابْتَدَأَ عبور الْغُزَاة فَقدم عدَّة مِنْهُم فِي الْبر وَفِي النّيل. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رابعه - الْمُوَافق لَهُ الْيَوْم الْخَامِس عشر من مسرى -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا فَفتح الخليج على الْعَادة. وَفِي يَوْم الْأَحَد سابعه: قدم الْأَمِير تغري بردي المحمودي والأمير أينال الجكمي - مقدما الْغُزَاة الْمُجَاهدين - بِمن مَعَهُمَا من الْعَسْكَر وصحبتهم جينوس بن جاك متملك قبرس وَعَاد وَمن أسروه وسبوه من الفرنج وَمَا غنموه. وجميعهم فِي مراكبهم الَّتِي غزوا قبرس فِيهَا فَمروا على سَاحل بولاق حَتَّى نزلُوا بالميدان الْكَبِير فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً لم ندرك مثله. وَأَصْبحُوا يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه سائرين بِملك قبرس والأسرى والغنائم وَقد اجْتمع لرؤيتهم من الرِّجَال وَالنِّسَاء خلائق لَا يُحْصى عَددهَا إِلَّا الله الَّذِي خلقهَا فَمروا من الميدان على ظهر أَرض اللوق حَتَّى خَرجُوا من الْمُقَدّس وعبروا من بَاب القنطرة إِلَى بَين القصرين وشقوا قَصَبَة الْقَاهِرَة إِلَى بَاب زويلة ومضوا إِلَى صليبة جَامع ابْن طولون وَأَقْبلُوا من سويقة منعم إِلَى الرميلة تَحت القلعة وطلعوا إِلَيْهَا من بَاب المدرج وَكَانُوا فِي مَسِيرهمْ هَذَا الَّذِي لَا يبعد أَن يُقَارب الْبَرِيد قد قدمُوا الفرسان من الْغُزَاة الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله أَمَام الْجَمِيع وَمن وَرَاء الفرسان طوائف الرجالة - من عشران الْبِلَاد الشامية وزعر الْقَاهِرَة ومطوعة الْبِلَاد - وَمن وَرَاء الرجالة الْغَنَائِم مَحْمُولَة على رُءُوس الرِّجَال وَظُهُور الْجمال وَالْبِغَال وَالْحمير وفيهَا تَاج الْملك وأعلامه ورايته منكسة وخيله تقاد وَمن وَرَاء الْغَنَائِم الأسرى من الرِّجَال والسبي من النِّسَاء وَالصبيان وهم زِيَادَة على ألف إِنْسَان وَمن وَرَاء الأسرى جينوس بن جاك الْملك وَقد أركب بعلاً وَقيد بِقَيْد من حَدِيد وأركب مَعَه اثْنَان من خاصته وَركب الأميران تغري بردي وأينال الجكمي عَن يَمِين جينوس بن جاك وشماله حَتَّى وصلا بِهِ بَاب القلعة أنزلاه عَن الْبَغْل فكشف رَأسه وخر على وَجهه إِلَى الأَرْض فقبلها ثمَّ
انتصب قَائِما وَدخل يرسف فِي قيوده حَتَّى مثل بَين يَدي السُّلْطَان قَائِما وَقد جلس السُّلْطَان بالمقعد وَفِي خدمته أهل الدولة من الْأُمَرَاء والمماليك والمباشرين وَحضر الشريف بَرَكَات بن عجلَان أَمِير مَكَّة ورسل ابْن عُثْمَان ملك الرّوم ورسل صَاحب تونس ورسل أُمَرَاء التركمان ورسل عذراء أَمِير الغرب ومماليك نواب الْبِلَاد الشامية فعرضت الْغَنَائِم ثمَّ الأسرى ثمَّ جِيءَ بجينوس فِي قيوده مَكْشُوف الرَّأْس فَخر على وَجهه يعفره فِي التُّرَاب وَيقبل الأَرْض ثمَّ قَامَ وَقد خارت قواه فَلم يَتَمَالَك نَفسه لهول مَا عاينه وَسقط مغشياً عَلَيْهِ ثمَّ أَفَاق من غشوته فَأمر بِهِ إِلَى منزل قد أعد لَهُ بالحوش من القلعة فَكَانَ يَوْمًا عَظِيما لم ندرك مثله أعز الله تَعَالَى فِيهِ دينه. وَفِيه نُودي بهدم الزِّينَة فهدمت وخلع على الْأُمَرَاء الْأَرْبَعَة القادمين من الْغُزَاة وأركبوا خيولا بقماش ذهب. وَفِي تاسعه: جمع التُّجَّار لشراء مَا حضر من الْغَنِيمَة وَهِي ثِيَاب وقماش وأثاث وأواني. وَأما جينوس فَإِنَّهُ لما اسْتَقر فِي منزله أَتَتْهُ قصاد السُّلْطَان لطلب المَال فأظهر جلدا وَقَالَ: مَا لي إِلَّا روحي وَهِي بيدكم فَغَضب السُّلْطَان من جَوَابه وَبعث إِلَيْهِ من الْغَد يهدده أَن لم يفد نَفسه مِنْهُ بِالْمَالِ مُثبت على التجلد وَقَالَ: أَلا لعنة الله على وَاحِد من النَّصَارَى. فَأمر السُّلْطَان بإحضاره فَأخْرج إِلَى الحوش وَقد جعلت الأسرى فِيهِ فَمَا هُوَ إِلَّا أَن شاهدوا جينوس ملكهم قد أخرج أَسِيرًا ذليلاً صرخوا بأجمعهم صرخة مهولة وحثوا بأكفهم التُّرَاب على رُءُوسهم وَالسُّلْطَان قد جلس بالمقعد وأوقف جينوس حَيْثُ أوقف أمس من تَحت المقعد وَقد وقف مَعَه جمَاعَة من قناصلة الفرنج فالتزموا عَنهُ بفدائه بِالْمَالِ من غير تعْيين شَيْء وأعيد إِلَى منزله وَدخل إِلَيْهِ قصاد الْملك لتقرير المَال. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء عاشره: رسم لَهُ ببدلتين من قماشه ورتب لَهُ عشرُون رَطْل لحم وَسِتَّة أطيار دَجَاج فِي كل يَوْم وفسح لَهُ فِي الإجتماع بِمن يختاره وَطَالَ الْكَلَام فِيمَا يفْدي بِهِ نَفسه وَطلب مِنْهُ خَمْسمِائَة ألف دِينَار فتقرر الصُّلْح على مِائَتي ألف دِينَار يقوم مِنْهَا مائَة ألف دِينَار فَإِذا عَاد إِلَى ملكه بعث بِمِائَة ألف دِينَار وَيقوم فِي كل سنة بِعشْرين ألف دِينَار وَاشْترط على السُّلْطَان أَن يكف عَنهُ الطَّائِفَة البندقية وَطَائِفَة الكيتلان. وَفِي حادي عشره: سَار الشريف بَرَكَات بن حسن بن عجلَان عَائِدًا إِلَى مَكَّة أَمِيرا بهَا.
وَفِي خَامِس عشره: خلع على الْأَمِير أينال الجكمي أَمِير مجْلِس وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن الْأَمِير يشبك وَكَانَت شاغرة فِي هَذِه الْأَيَّام وخلع على الْأَمِير جرباش قاشق حَاجِب الْحجاب وَاسْتقر أَمِير مجْلِس وخلع على الْأَمِير قرقماس - الَّذِي كَانَ بِمَكَّة - وَاسْتقر حَاجِب الْحجاب. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشره: قدم أَمِير الْمَلأ عذراء بن عَليّ بن نعير بن حيار بن مهنا فَأنْزل بالميدان الْكَبِير على عَادَة جده نعير وأجريت لَهُ الرَّوَاتِب وعذراء هَذَا أَقَامَهُ الظَّاهِر ططر بعد موت الْملك الْمُؤَيد شيخ عوضا عَن حَدِيثَة بن مَانع من آل فضل. وحديثة اسْتَقر بعد حُسَيْن بن نعير بن حيار بن مهنا وحسين اسْتَقر بعد قتل أَخِيه الْعجل ابْن نعير. والأمير الْمَلأ عدَّة سِنِين لم يقدم إِلَى مصر. وَفِي ثامن عشره: خلع على الشريف خشرم بن دوغان بن جَعْفَر الْحُسَيْنِي وَاسْتقر فِي إمرة الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة عوضا عَن الشريف عجلَان بن نعير بن مَنْصُور بن جماز بن شيحة على أَن يقوم بِخَمْسَة آلَاف دِينَار. وَفِي عشرينه: خرج محمل الْحَاج على الْعَادة إِلَى ظَاهر الْقَاهِرَة. وَفِي خَامِس عشرينه: توجه الْأَمِير عذراء عَائِدًا إِلَى بِلَاده على إمرة الْعَرَب بعد مَا خلع عَلَيْهِ. وَفِيه كَانَ نوروز القبط بِمصْر وَمَاء النّيل قد بلغ ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وإصبعاً وَاحِدًا. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: تعطلت أسواق القماش من البيع عدَّة أَيَّام لاشتغال التُّجَّار بشرَاء الْغَنَائِم. وفيهَا قل وجود اللَّحْم بالأسواق لقلَّة الأغنام. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي نصفه: قدم نجم الدّين عمر بن حجي من دمشق بسعيه فِي ذَلِك وَكَانَ مُنْذُ أخرج بعد عَزله من كِتَابَة السِّرّ مُقيما بِدِمَشْق. وَفِي ثامن عشرينه - وَهُوَ رَابِع بَابه -: انْتَهَت زِيَادَة النّيل إِلَى عشْرين ذِرَاعا وَخَمْسَة أَصَابِع وَثَبت. وَفِي هَذَا الشَّهْر: انحط سعر الغلال. وَفِيه كثر تتبع الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء فِيمَا تَحت أَيْديهم من الْأَوْقَاف وَانْطَلَقت الألسن بقالة السوء فيهم.
وَفِيه وَقع بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة حَادث شنيع وَهُوَ أَن خشرم بن درغان قدم الْمَدِينَة وَقد رَحل عَنْهَا عجلَان لما بلغه أَنه عزل فَلم يلبث غير لَيْلَة حَتَّى صبحه عجلَان فِي جمع من العربان وحصره ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ دخل عربه الْمَدِينَة ونهبوا دورها وشعثوها وخربوا مَوَاضِع من سورها وَأخذُوا مَا كَانَ للحجاج الشاميين من ودائع وقبضوا على خشرم ثمَّ خلوه لسبيله واستهانوا بِحرْمَة الْمَسْجِد وارتكبوا عظائم. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الْخَمِيس: وَفِي ثَانِي عشرينه: قدم الْأَمِير شارقطلوا نَائِب حلب خلع عَلَيْهِ وأتته تقادم الْأُمَرَاء. وَفِي هَذِه الْمدَّة انحط مَاء النّيل قَلِيلا بِحَيْثُ دخل شهر هتور فِي سادس عشرينه وَالْمَاء فِي تِسْعَة عشر ذِرَاعا. وَهَذَا ثبات جيد نَفعه إِن شَاءَ الله. وَفِيه قدم قَاضِي دمشق الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْحُسَيْنِي وَقدم مبشروا الْحَاج وأخبروا بسلامتهم. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: رسم السُّلْطَان بِمَنْع الْأُمَرَاء والأعيان من الحمايات ومحيت رنوكهم عَن الطواحين والحوانيت والمعاصر حَتَّى يتَمَكَّن مباشرو السُّلْطَان من رمي البضائع فرميت وَهِي مَا بَين سكر وأرز وَغير ذَلِك فَشَمَلَ الضَّرَر كثيرا من النَّاس لما فِي ذَلِك من الخسارة فِي أثمانها والمغرم وَمَات فِي هَذِه السّنة مِمَّن لَهُ ذكر الشَّيْخ المعتقد خَليفَة بن المغربي فِي حادي عشْرين الْمحرم من غير تقدم مرض بل عبر إِلَى الْحمام فَأَتَاهُ أَجله هُنَاكَ وَكَانَ قد انْقَطع بالجامع الْأَزْهَر نيفاً وَأَرْبَعين سنة وَصَارَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد وَترك مَالا وأثاثاً لَهُ قدر. وَمَات الْأَمِير سيف الدّين أينال النوروزي أَمِير سلَاح فِي أول شهر ربيع الآخر قد
أناف على الثَّلَاثِينَ سنة فَوجدَ لَهُ من الذَّهَب خَمْسُونَ ألف دِينَار وَكَانَ ظَالِما فَاسِقًا لَا يُوصف بِشَيْء من الْخَيْر. وَمَات تَاج الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ - الْمَعْرُوف بِابْن المكلله وبابن جمَاعَة - فِي ثامن شهر ربيع الآخر وَقد ولي حسبَة الْقَاهِرَة فَلم ينجب وخمل حَتَّى مَاتَ. وَتُوفِّي الشَّيْخ سراج الدّين عمر بن عَليّ بن فَارس الْمَعْرُوف بقارئ الْهِدَايَة. وَقد انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة الْحَنَفِيَّة لمعرفته بالأصول والعربية ومشاركته فِي فنون عديدة بعد مَا تصدى للإفتاء والتدريس عدَّة سِنِين وَصَارَ لَهُ ثراء وسعة من كَثْرَة وظائفه. وَآخر مَا ولي مشيخة خانكاه شيخو وَكَانَ مقتصداً فِي ملبسه يتعاطى شِرَاء حَوَائِجه من الْأَسْوَاق بِنَفسِهِ مَعَ جميل سيرته. وَتُوفِّي الشريف حسن بن عجلَان بن رميثة بن أبي نمي مُحَمَّد بن أبي سعد حسن بن عَليّ بن قَتَادَة بن إِدْرِيس بن مطاعن بن عبد الْكَرِيم بن عِيسَى بن حُسَيْن بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عبد الله بن الْحسن الْمثنى بن مُحَمَّد الْحسن السبط ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الْحسن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه فِي يَوْم الْخَمِيس سادس عشر جُمَادَى الْآخِرَة بِالْقَاهِرَةِ وَدفن خَارِجهَا وَقد أناف على السِّتين. ومولده ومرباته وَولي إمارتها فِي أَوَائِل سنة ثَمَان وَتِسْعين وَسَبْعمائة فحسنت سيرته ثمَّ كلفه السلاطين حمل المَال إِلَيْهِم فجار. وَولي سلطة الْحجاز كُله فِي شهر ربيع الأول سنه إِحْدَى عشرَة وَثَمَانمِائَة واستناب عَنهُ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وخطب لَهُ على منبرها وعارك خطوب الدَّهْر حَتَّى مضى لسبيله. وَالله يعْفُو عَنهُ بمنه. وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة جمال الدّين أَبُو المحاسن يُوسُف بن خَالِد بن نعيم بن مقدم بن مُحَمَّد بن حسن بن غَانِم بن مُحَمَّد بن عَليّ الطَّائِي الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عشْرين جُمَادَى الْآخِرَة عَن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة وَهُوَ مَصْرُوف وَكَانَ فَقِيها مشاركاً فِي فنون وَفِيه سياسة ودربة بِالْقضَاءِ. وَتُوفِّي شمس الدّين مُحَمَّد بن جمال الدّين عبد الله بن مُحَمَّد - الْمَعْرُوف بِابْن كَاتب السمسرة وبالعمري - عَن نَحْو سبعين سنة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْعشْرين من شعْبَان. وَقد كتب فِي الْإِنْشَاء وَمَات الْأَمِير الْكَبِير الأتابك سيف الدّين قجق الشَّعْبَانِي أحد المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق فِي تَاسِع شهر رَمَضَان وَكَانَ لَا معنى لَهُ فِي دين وَلَا دنيا.
وَمَات شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَكْنُون الشَّافِعِي قَاضِي دمياط لَيْلَة الْأَحَد ثَانِي عشْرين شهر رَمَضَان عَن سِتِّينَ سنة. وَقد قدم إِلَى الْقَاهِرَة. وَكَانَ فَاضلا يعرف الْفِقْه ويشارك فِي غَيره. وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن عَطاء الله بن مُحَمَّد بن مَحْمُود بن أَحْمد بن فضل الله بن مُحَمَّد الرَّازِيّ الْهَرَوِيّ الشَّافِعِي بالقدس فِي ثامن عشر ذِي الْحجَّة. ومولده بهراة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة. وَقد ولي قَضَاء الْقُضَاة وَكِتَابَة السِّرّ فَلم ينجب. وَكَانَ يقرئ مَذْهَب الشَّافِعِي وَمذهب أبي حنيفَة وَيعرف الْعَرَبيَّة وَعلم الْمعَانِي وَالْبَيَان ويذاكر بالأدب والتاريخ ويستحضر كثيرا من الْأَحَادِيث وَالنَّاس فِيهِ بَين عَال ومقصر وَأَرْجُو أَن يكون الصَّوَاب مَا ذكرته.