الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة)
أهلت وسلطان مصر وَالشَّام الْملك الصَّالح نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن الظَّاهِر ططر. والقائم بِأُمُور الدولة الْأَمِير الْكَبِير نظام الْملك برسباي الدقماقي. والأمير الْكَبِير الأتابك طرباي. والدوادار الْأَمِير سودن من عبد الرَّحْمَن. وأمير سلَاح بيبغا المظفري. وأمير مجْلِس الْأَمِير قجق. وأمير أخور الْأَمِير قصروه. وَرَأس نوبَة الْأَمِير أزبك. والوزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق ابْن كَاتب المناخ. وَكَاتب السِّرّ علم الدّين دَاوُد بن الكويز. وناظر الْخَاص بدر الدّين حسن بن نصر الله. وأستادار الْأَمِير أرغون شاه. وقاضي الْقُضَاة الشَّافِعِي ولي الدّين أَبُو زرْعَة أَحْمد بن الْعِرَاقِيّ. وباقيهم كَمَا تقدم فِي السّنة الخالية. وَكَاشف الْوَجْه القبلي الْأَمِير أقجا ونائب الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير فَارس. ونائب الشَّام الْأَمِير تنبك العلاي ميق. ونائب حلب الْأَمِير تغري بردي من قصروه وَقد أظهر الْخلاف. ونائب طرابلس الْأَمِير تنبك البجاسي ونائب حماه الْأَمِير شارقطلوا. ونائب صفد الْأَمِير أينال. وبلاد الصَّعِيد قد عاث بهَا العربان وَكثر فسادهم. شهر الله الْمحرم أَوله الْجُمُعَة. فِي ثَالِث عشره: قدم الْخَبَر بفرار الْأَمِير تغري بردي نَائِب حلب مِنْهَا بعد وقْعَة كَانَت بَينه وَبَين الْأَمِير تنبك البجاسي نَائِب طرابلس. وَقد كتب لَهُ باستقراره فِي نِيَابَة حلب ومحاربة الْمَذْكُور فَسَار إِلَيْهِ وحاربه فَانْهَزَمَ مِنْهُ وتسلم تنبك حلب فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل أَيَّامًا. وَفِي تَاسِع عشره: خلع على بلبان الجمالي وَاسْتقر كاشف الْوَجْه القبلي بعد موت أقجا. وَفِي ثَالِث عشرينه: قد الركب الأول من الْحجَّاج وَقدم الْمحمل ببفية الْحَاج فِي عده صُحْبَة الْأَمِير تمر بيه اليوسفي أحد الْأُمَرَاء الألوف. وَقد كثر ثَنَاء الْحجَّاج عَلَيْهِ لحسن سيرته فيهم فَقبض عَلَيْهِ فِي ثامن عشرينه. وَفِي هَذَا الشَّهْر: دخل شخص يعرف بالشيخ سعد لم يزل يعرف بالفقر وَيقبل من النَّاس صدقتهم ويقرئ الْأَطْفَال بِالْأُجْرَةِ إِلَى الْجَامِع الْأَزْهَر وَتصدق بمائتين وَسبعين دِينَارا إفرنتية وبستة وَعشْرين دِينَارا هرجة وبأربعة آلَاف وَخَمْسمِائة دِرْهَم مؤيدية. فعد هَذَا من نَوَادِر الزَّمَان.
وَفِيه قبض على الْأَمِير قرمش أحد الْأُمَرَاء الألوف وَأخرج هُوَ وتمربيه إِلَى دمياط. وأنعم على يشبك الساقي الْأَعْرَج بإقطاع قرمش وإمرته. وَفِيه وَقع برد بِنَاحِيَة قصر عفرا من بِلَاد حوران بِالشَّام فَكَانَ فِيهِ شبه خنافس وعقارب وضفادع. شهر صفر أَوله الْأَحَد: فِي ثَانِيه: قبض على الْأَمِير أيتمش الخضري، وَنفى بطالا إِلَى الْقُدس.
وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشره: جمعت الصيارف بالاصطبل للنَّظَر فِي الدَّرَاهِم المؤيدية فَإِنَّهُ كثر هرش الْجيد مِنْهَا. وَمعنى الهرش أَن يبرد من الدِّرْهَم حَتَّى يجِف وَزنه وَيصير نَحْو ربع دِرْهَم. فاستقرت الْمُعَامَلَة بهَا وزنا لَا عددا. ورسم أَن يكون كل دِرْهَم وزنا بِعشْرين درهما فُلُوسًا. وَأَن يكون الدِّينَار الإفرنتي بمائتين وَعشْرين فُلُوسًا وبأحد عشر درهما فضَّة وازنة عَنْهَا من المؤيدية اثْنَان وَعِشْرُونَ عددا زنة كل مؤيدي نصف دِرْهَم فَنزل بِالنَّاسِ من ذَلِك شدَّة لخسارتهم. وَذَلِكَ أَن المؤيدي الَّذِي كَانَ بسبعة دَرَاهِم فُلُوسًا صَار بِخَمْسَة دَرَاهِم وفيهَا مَا لَا يبلغ الْخَمْسَة. وَكثر مَعَ ذَلِك الِاخْتِلَاف فِي أسعار المبيعات وقيم الْأَعْمَال أجر المستأجرات فَذهب مُعظم مَال النَّاس. وَفِي هدا الشَّهْر: عز وجود لحم الضان فِي الْأَسْوَاق لقلَّة الأغنام. وَفِيه كثر فَسَاد لهانة وهوارة بِبِلَاد الصَّعِيد وقطعهم الطرقات على الْمُسَافِرين وشنهم الغارات على الْبِلَاد وإحراقهم عدَّة نواحي بِمَا فِيهَا. هَذَا مَعَ مَا بِبِلَاد الصَّعِيد من قلَّة وجود الْقَمْح عِنْدهم بِحَيْثُ صَار يحمل إِلَيْهِم من الْقَاهِرَة وَذَلِكَ لخراب بِلَاد الصَّعِيد ودثور أَكثر بلادها بِحَيْثُ الْعشْرَة أَيَّام بِبِلَاد الصَّعِيد لَا يُوجد فِيهَا أحد وَلَا تزع أراضيها فَقلت الأغنام عِنْدهم. وَصَارَ أَهلهَا إِلَى فقر وبؤس حَتَّى أَن غَالب قوت أَهلهَا إِنَّمَا هُوَ الذّرة. وَمَعَ ذَلِك كُله فجور وَفِيه تنكر الْحَال بَين الْأَمِير طرباي والأمير نظام الْملك برسباي. وَخرج طرباي إِلَى بر الجيزة فِي هَيْئَة متنزه والإرجاف يقوى حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْر. شهر ربيع الأول أَوله الِاثْنَيْنِ: فِي ثَانِيه: قدم الْأَمِير طرباي من بر الجيزة. وَفِي ثالثه: قبض الْأَمِير برسباي على الْأَمِير سودن الْحَمَوِيّ أحد أُمَرَاء الألوف وعَلى الْأَمِير قانصوه أحد أُمَرَاء الطبلخاناة وَكَانَا من أَصْحَاب الْأَمِير طرباي فكثرت
القالة وَبَات طرباي لَيْلَة الْخَمِيس وجماعته يحذرونه الطُّلُوع إِلَى القلعة وَهُوَ لَا يصغي لقَولهم وَفِي ظَنّه أَن الْأَمِير برسباي لَا يفاجئه بِسوء لِأَنَّهُ فِي ابْتِدَاء الْأَمر كَانَ طرباي متميزاً عَلَيْهِ مُنْذُ مَاتَ الظَّاهِر برقوق وَفِي أخر الْأَمر كَانَ هُوَ استمال المماليك للأمير برسباي وفخذهم عَن جَانِبك الصُّوفِي ثمَّ خدع جَانِبك حَتَّى نزل من الاصطبل ثمَّ قبض عَلَيْهِ فَكَانَ يرى أَنه هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْأَمِير برسباي فِيمَا هُوَ فِيهِ وَأصْبح يَوْم الْخَمِيس مركب طرباي إِلَى الْخدمَة بالقلعة مِمَّا هُوَ إِلَّا أَن اسْتَقر جُلُوسه أَشَارَ الْأَمِير برسباي بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فجذب سَيْفه ليدفع عَن نَفسه وَقَامَ فبدره الْجَمَاعَة وعاقوه عَن النهوض وغافصه الْأَمِير برسباي بِالسَّيْفِ وضربه ضَرْبَة جَاءَت فِي يَده كَادَت أَن تبينها. وَأخذ إِلَى السجْن وَقد تضمخ بدمه فَوَقَعت هجة بِالْقصرِ ثمَّ سكنت من ساعتها. وَلم يَتَحَرَّك أحد لنصرة طرباي. وَنُودِيَ بالأمان وَالْبيع وَالشِّرَاء وَأَن لَا يتحدث أحد فِيمَا لَا يعنيه. وَأخرج من الْغَد بطرباي مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ليسجن بهَا. فَكَانَ فِي هَذَا عِبْرَة لأولي الْأَبْصَار وَهُوَ أَن طرباي مكر بجانبك الصُّوفِي وخدعه حَتَّى أنزلهُ من الحراقة بِبَاب السلسله وَقبض عَلَيْهِ بحيلة دبرهَا وَحمله مُقَيّدا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة حَتَّى سجن بهَا وَظن أَنه قدم صفا لَهُ الْوَقْت فَأَتَاهُ الله من حَيْثُ لم يحْتَسب وخدعه الْأَمِير برسباي حَتَّى صعد إِلَيْهِ بعد مَا امْتنع ببر الجيزه أَيَّامًا والإرجاف قوي بِوُقُوع الْحَرْب إِلَى أَن مَشى لحتفه بقدميه حَتَّى قبض عَلَيْهِ وسجن بالإسكندرية لتجزي كل نفس مَا كسبت. وَفِيه أخرج الْأَمِير سودن الْحَمَوِيّ منفياً إِلَى دمياط وَتوجه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن منجك إِلَى دمشق ليحضر بالأمير تنبك ميق من الشَّام وَقد تحدث بِأَمْر سَيظْهر بمجيء نَائِب الشَّام. ورسم بإحضار أيتمش الخضري من الْقُدس. وَفِي خَامِس عشره: قبض على الطواشي مرجان الْهِنْدِيّ زِمَام الدَّار وَسلم للأمير أرغون شاه أستادار ليستخلص مِنْهُ مَالا. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على الطواشي كافور الشلبي وَاسْتقر زِمَام الدَّار على عَادَته. وَفِي ثَالِث عشرينه: قدم الْأَمِير أيتمش الخضري من الْقُدس فَلَزِمَ دَاره. شهر ربيع الآخر، أَوله الْأَرْبَعَاء:
فِي ثَانِيه: أفرج عَن الطواشي مرجان الْهِنْدِيّ بعد مَا أَخذ مِنْهُ عشرُون ألف دِينَار وَضَمنَهُ جمَاعَة فِي عشرَة آلَاف دِينَار أُخْرَى. وَفِي سادسه: قدم الْأَمِير تنبك العلاي ميق نَائِب الشَّام بعد مَا تَلقاهُ عَامَّة أهل الدولة فَخلع عَلَيْهِ وَاسْتقر على عَادَته فِي نِيَابَة الشَّام. وتحدث مَعَه فِي سلطنة الْأَمِير برسباي فَوَافَقَ على ذَلِك. وخلع الْملك الصَّالح فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامنه فَكَانَت مدَّته أَرْبَعَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام. السُّلْطَان أَبُو النَّصْر برسباي السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف سيف الدّين أَبُو النَّصْر برسباي الدقمقاي الظَّاهِرِيّ الجركسي. تقدم التَّعْرِيف بِهِ. ومازال قَائِما بتدبير أَمر الدولة. ثمَّ أحب أَن يُطلق عَلَيْهِ اسْم السُّلْطَان لما خلا لَهُ الجو فَأخذ طرباي وسجنه تمّ بموافقة نَائِب الشَّام على ذَلِك فاستدعى الْخَلِيفَة والقضاة وَقد جمع الْأُمَرَاء وأرباب الدولة فَبَايعهُ الْخَلِيفَة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن شهر ربيع الآخر سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة. ولقب بِالْملكِ الْأَشْرَف أبي الْعِزّ وَنُودِيَ بذلك فِي الْقَاهِرَة ومصر. وَكَانَ فِي هَذَا موعظة وذكرى لأولي الْأَلْبَاب فَإِن الْملك الْمُؤَيد أنشأ ططر وآواه بعد مَا كَانَ من أقل المماليك الناصرية الهاربين من الْملك النَّاصِر فرج. وَمَا زَالَ يرقية حَتَّى صَار من أكبر أُمَرَاء مصر وائتمنه على ملكه. فَقَامَ بعد موت الْمُؤَيد بكفالة وَلَده أَحْمد المظفر. وَمَا زَالَ يحكم الْأَمر لنَفسِهِ إِلَى أَن خلع ابْن الْمُؤَيد وتسلطن وأودع ابْن الْمُؤَيد وَأمه بِبَعْض دور القلعة فِي صُورَة معتقل. فَلَمَّا أشفي ططر على الْمَوْت عهد إِلَى ابْنه مُحَمَّد وَاسْتَأْمَنَ برسباي - لقرابة بَينهمَا - على وَلَده بعد مَا كَانَ برسباي مُقيما بِدِمَشْق من جملَة أمرائها وَجل مناه أَن يبْقى الْمُؤَيد عَلَيْهِ مهجته فآواه ططر وَجعله من أكبر أُمَرَاء مصر فَقَامَ بِأَمْر ابْنه الْملك الصَّالح قَلِيلا واقتدى بأَخيه ططر فِي أَخذ الْملك لنَفسِهِ. فَلَمَّا أَخذ طرباي كَمَا قبض ططر على الْأُمَرَاء بِدِمَشْق وَلم يبْق من يخشاه إِلَّا نَائِب الشَّام بعث يخيره بَين أَن يكون الْأَمِير الْكَبِير بديار مصر مَكَان طرباي وَبَين أَن يسْتَمر على نِيَابَة الشَّام فَرغب فِي السَّلامَة وأتى إِلَى بَين يَدَيْهِ فأمن برسباي عِنْد ذَلِك وتسلطن وأودع الصَّالح مُحَمَّد بن ططر وَأمه فِي دَار بالقلعة. من يعْمل سوءا يجز بِهِ.
وَفِي يَوْم الْخَمِيس تاسعه خلع على الْأَمِير بيبعا المظفري أَمِير سلَاح وَاسْتقر الْأَمِير الْكَبِير الأتابك عوضا عَن طرباي. وخلع على الْأَمِير قجق أَمِير مجْلِس وَاسْتقر أَمِير سلَاح عوضا عَن بيبغا المظفري. وخلع على الْأَمِير أقبغا التمرازي من مقدمي الألوف وَاسْتقر أَمِير مجْلِس عوضا عَن قجق. وخلع على حسن الْكرْدِي وَاسْتقر نَائِب الْوَجْه البحري على عَادَته. وَأَفْرج عَن جمَاعه كَانُوا مسجونين بالقلعة من أُمَرَاء العشرات قبض عَلَيْهِم فِيمَا تقدم. وَكَانَ أول مَا بَدَأَ بِهِ السُّلْطَان أَن منع النَّاس كَافَّة من تَقْبِيل الأَرْض لَهُ فامتنعوا. وَجَرت الْعَادة عِنْد مُلُوك مصر مُنْذُ قدم أَمِير الْمُؤمنِينَ الإِمَام الْمعز لدين الله أَبُو تَمِيم معد الفاطمي إِلَى مصر أَن كل من تمثل بَين يَدي الْخَلِيفَة ثمَّ بَين يَدي السُّلْطَان أَن يخر وَهُوَ قَائِم حَتَّى يقبل الأَرْض. فَلم يعف من ذَلِك أَمِير وَلَو بلغ الْغَايَة وَلَا مَمْلُوك وَلَا وَزِير وَلَا صَاحب قلم وَلَا رَسُول ملك من مُلُوك الأقطار إِذا قدم برسالة وَلَا أحد من سَائِر النَّاس على اخْتلَافهمْ إِلَّا قُضَاة الشَّرْع وَجَمِيع أهل الْعلم وَأهل الصّلاح وأشراف الْحجاز من بني حسن وَبني حُسَيْن فَإِن هَؤُلَاءِ أدركناهم وَلَا يقبل أحد مِنْهُم الأَرْض إجلالاً لَهُم عَن ذَلِك. وَكَذَلِكَ إِذا ورد مرسوم السُّلْطَان على نَائِب مملكة أَو وَالِي عمل فَإِنَّهُ يقوم عِنْد وُرُوده عَلَيْهِ وَيقبل الأَرْض. فَأبْطل السُّلْطَان برسباي ذَلِك كُله وَجعل بدله إِمَّا تَقْبِيل يَده لمن عظم قدره أَو يقف فَقَط. فَكَانَ هَذَا حسنا لَو دَامَ لكنه بَطل عَن قَلِيل وَعَاد الْأَمر كَمَا تقدم ذكره. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشره: خلع على الْأَمِير تنبك ميق نَائِب الشَّام قبَاء السّفر وَتوجه إِلَى دمشق فَخرج عُظَمَاء الدولة لوداعه بعد مَا قدمُوا لَهُ عدَّة تقادم مَا بَين خُيُول وقماش وَغير ذَلِك. وَفِي يَوْم السبت خَامِس عشرينه: توجه الْأَمِير سودن الْحَاجِب وَمَعَهُ مَال برسم حفر خليج سكندريه مِمَّا أجدي شَيْئا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: أجدبت أَرَاضِي بِلَاد حوران والكرك والقدس والرملة وغزة لعدم نزُول الْمَطَر فِي أَوَانه ونزح كثير من سكان هَذِه الْبِلَاد عَن أوطانهم وَقلت الْمِيَاه عِنْدهم. وَمَعَ هَذَا فَفِي بِلَاد حلب وحماة ودمشق وبلاد السَّاحِل كلهَا رخاء من كَثْرَة الأمطار الَّتِي عِنْدهم فسبحان الفعال لما يُرِيد. وَفِيه عظم الْخطب وَاشْتَدَّ الْبلَاء بِبِلَاد الصَّعِيد من كَثْرَة الْفِتَن وَنهب الْبِلَاد. وَفِيه قتل وَادي قوص تعذر أَخذ الْخراج.
وَفِيه عمل المارستان المؤيدي الَّذِي بالصوة تَحت القلعة جَامعا تُقَام بِهِ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة ورتب لَهُ إِمَام وخطيب ومؤذنون وبواب وقومة. وَجعل جِهَة مصرف ذَلِك من وقف الْجَامِع المؤيدي. وَأَن الْمُؤَيد قد جعل هَذَا الْموضع مارستان وَنزل بِهِ المرضى. فَلَمَّا مَاتَ لم يُوجد فِي كتاب الْوَقْف المؤيدي لَهُ جِهَة تصرف فأخرجت المرضى مِنْهُ وأغلق وَصَارَ منزلا للرسل الواردين من مُلُوك الشرق فَبَقيَ حانة خمار برسم شرب المسكرات وَشرب الطنابير وَعمل الْفَوَاحِش. وَمَعَ ذَلِك ترْبط بِهِ الْخُيُول. فَكَانَ هَذَا مُنْذُ مَاتَ الْمُؤَيد إِلَى هَذَا الْوَقْت فطهره الله من تِلْكَ وَفِيه وَقع الشُّرُوع فِي هدم المنظرة الَّتِي استجدها الْمُؤَيد فَوق الْخمس الْوُجُوه. ثمَّ انتفض ذَلِك فَبَقيَ بناؤها مشعثاً وسكنها بعض فُقَرَاء الْعَجم. شهر جُمَادَى الأول أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي سابعه: سارات تجريدة إِلَى بِلَاد الصَّعِيد. وَفِي ثامنه: نُودي أَن لَا يخْدم أحد من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي ديوَان من دواوين السُّلْطَان والأمراء فَلم يتم ذَلِك. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تاسعه: جددت خطْبَة بمدرسة شمس الدّين شَاكر بن البقري بالجوانية جددها علم الدّين دَاوُد بن الكويز كَاتب السِّرّ لقربها من دَاره الَّتِي يسكنهَا. وَفِيه قدم الْخَبَر بِكَثْرَة الوباء بِبِلَاد حلب وحماة وحمص فَهَلَكت خلائق. وَفِيه أُقِيمَت الْجُمُعَة بالمارستان المؤيدي يَوْم الْجُمُعَة سلخه. وَفِيه رسم أَن لَا تبَاع الثِّيَاب الَّتِي تجلب من بَغْدَاد أَو الْموصل وبلاد الشَّام والإسكندرية إِلَّا بِالنَّقْدِ. وَكَانَت الْعَادة إِذا ورد التَّاجِر بِشَيْء من القماش تسلمته السماسرة وباعته على التُّجَّار إِلَى أجل ثمَّ جبت الثّمن فِي مُدَّة أشهر فَمن أجل بيعهَا نَسِيئَة يزْدَاد ثمنهَا عَمَّا تبَاع فِي النداء الحراج زِيَادَة كَبِيرَة فَإِذا بَاعهَا التَّاجِر أَخذ ربحا آخر فتغبن النَّاس دَائِما فِيمَا يشتروه من التُّجَّار سيماإذا باعوا ذَلِك فِي النداء فَإِنَّهُ رُبمَا ثلث الثّمن. فَامْتنعَ التُّجَّار مُدَّة من الشِّرَاء نسيمة ثمَّ عَادوا لما نهوا عَنهُ. وَقدم الْخَبَر إِلَى الْعرَاق وَشدَّة الغلاء. وَسبب ذَلِك أَن شاه مُحَمَّد بن قرا يُوسُف متملك بَغْدَاد خَافَ من قدوم شاه رخ بن تيمورلنك فَمنع النَّاس من الزَّرْع وطرد
ضعفاء النَّاس فنزحوا عَن الْعرَاق وَقدم مِنْهُم كثير إِلَى بِلَاد الشَّام. وَجمع أهل الْقُوَّة عِنْده بِبَغْدَاد فَكَانَ الْقَحْط والغلاء عُقُوبَة من الله لَهُم مِمَّا هم عَلَيْهِ من الْقَبِيح. شهر جُمَادَى الْآخِرَة أَوله السبت: فِي تاسعه: توجه السَّيِّد الشريف شهَاب الدّين أَحْمد بن عَلَاء الدّين عَليّ بن الْبُرْهَان إِبْرَاهِيم بن عدنان الْحُسَيْنِي كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق ونقيب الْأَشْرَاف إِلَى بَلَده. وَكَانَ قد طلب من دمشق مقدم الْقَاهِرَة فِي ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى وسجن فِي بعض الْمدَارِس وألزم بِحمْل عشْرين ألف دِينَار. وَكتب باستقرار بعض مسالمة السمرَة - وَيُقَال لَهُ حُسَيْن عوضه - فِي كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق. وَكَانَ حُسَيْن هَذَا قد قدم إِلَى الْقَاهِرَة فِي الْأَيَّام الناصرية فرج وخدم من حَملَة كتاب الْأَمِير بكتمر شلق ثمَّ عَاد إِلَى دمشق. وَاتفقَ أَنه تزوج مَمْلُوك يُقَال لَهُ أزبك بابنة امْرَأَة حُسَيْن. وَكَانَ أزبك هَذَا مِمَّن أنشأه ططر وَصَارَ أَمِير مائَة مقدم ألف فَتحدث لحسين هَذَا فِي استقراره نَاظر الْجَيْش بِدِمَشْق فَأُجِيب إِلَى ذَلِك. وَاسْتقر حُسَيْن فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيَّة شهَاب الدّين أَحْمد من الكشك. ثمَّ أضيف إِلَيْهِ كِتَابَة السِّرّ مَعَ نظر الْجَيْش وَلم يتَّفق مثل ذَلِك فِي هَذِه الدول. وَمَا زَالَ السَّيِّد مَحْبُوسًا حَتَّى تقرر عَلَيْهِ عشرَة آلَاف دِينَار فَخلع عَلَيْهِ فِي رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة هَذَا وَتوجه إِلَى بَلَده لحمل مَا ألزم بِهِ. وَسبب ذَلِك تنكر السُّلْطَان عَلَيْهِ لأمور بَدَت مِنْهُ فِي حَقه وَهُوَ أَمِير بِدِمَشْق وَالسَّيِّد كَاتب السِّرّ. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشره: قدم قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين مُحَمَّد الْهَرَوِيّ من الْقُدس. وَفِي رَابِع عشره: نُودي بسفر النَّاس فِي رَجَب إِلَى مَكَّة فكثرت المسرات بذلك لبعد الْعَهْد بسفر الرجبية. ثمَّ انْتقض ذَلِك. وَنُودِيَ فِي سَابِع عشرينه لَا يُسَافر أحد الرجبية. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم الْخَبَر بغلاء مَدِينَة توريز وَأَن الْمَطَر تَأَخّر نُزُوله بِبِلَاد إفريقية. وَفِيه عزم تغري بردي الجكمي - الَّذِي قتل ابْن كبك - على الفتك بالأمير تنبك ميق نَائِب الشَّام فَفطن بِهِ وَقَتله.
وَفِيه جلس السُّلْطَان للْحكم بَين النَّاس كَمَا كَانَ الْمُؤَيد وَمن قبله وَصَارَ يحكم يومي الثُّلَاثَاء والسبت بالمقعد من الاصطبل السلطاني. فِيهِ نُودي على النّيل ثَلَاثَة أَصَابِع. وَقد جَاءَ القاع خَمْسَة أَذْرع وَسَبْعَة أَصَابِع. وَاسْتمرّ يزِيد فِي كل يَوْم عدَّة أَصَابِع بِحَيْثُ نُودي عَلَيْهِ فِي يَوْم خَمْسَة عشر إصبعاً. وَقل مَا عهد مثل هَذَا شهر أبيب. وَفِي خَامِس عشره: توجه الْهَرَوِيّ عَائِدًا إِلَى الْقُدس بعد مَا أهْدى للسُّلْطَان هَدِيَّة بِنَحْوِ خَمْسمِائَة دِينَار سوى مَا أهداه لِلْأُمَرَاءِ. وَكَانَ أَن يَلِي الْقَضَاء على أَنه يقوم فِي كل سنة بِثَمَانِينَ ألف دِينَار. وَيثبت فِي جِهَة جلال الدّين بن البُلْقِينِيّ زِيَادَة على ثَمَانِينَ ألف دِينَار. وَيحمل معجلا خَمْسَة آلَاف دِينَار فألزم أَن يكْتب خطة بذلك كُله فَأنْكر أَن يكون قَالَ شَيْئا من ذَلِك فانحل أمره ورده الله خائباً وَللَّه الْحَمد. وَفِيه زينت الْقَاهِرَة ومصر لإدارة محمل الْحَاج على الْعَادة فَمنع صدر الدّين أَحْمد بن العجمي الْمُحْتَسب النِّسَاء من الْجُلُوس على حوانيت الباعة وتشدد فِي ذَلِك فامتنعن. وَكَانَت الْعَادة أَن تجْلِس النِّسَاء صَدرا من النَّهَار ويبتن بالحوانيت حَتَّى ينظرن الْمحمل من الْغَد فيختلطن بِالرِّجَالِ فِي مده يَوْمَيْنِ وَلَيْلَة وَتَقَع أُمُور غير مرضية فعد مَنعهنَّ من جميل مَا صنع لكنه لم يتم وعدن فِيمَا بعد كَمَا كن لإهمال أمرهن. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشره: أدير محمل الْحَاج بِالْقَاهِرَةِ ومصر على مَا جرت بِهِ الْعَادة. وَقد كثر الاعتناء بأَمْره وعملت كسْوَة الْكَعْبَة فِي غَايَة الْحسن بِحَيْثُ لم يعْمل مثلهَا فِيمَا أدركناه. وَولي عَملهَا شرف الدّين أَبُو الطّيب مُحَمَّد بن تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب بن نصر الله نَاظر الْكسْوَة لحسن مُبَاشَرَته وعفته. وَفِي هَذَا الشَّهْر: نزل الْأَمِير تنبك البجاسي نَائِب حلب بعساكرها على مَدِينَة بهسني. وَحضر الْأَمِير تغري بردي بن قصروه. وَفِيه خرج الْأَمِير أينال الظَّاهِرِيّ نَائِب صفد عَن الطَّاعَة وَذَلِكَ أَنه كَانَ من جملَة
مماليك الظَّاهِر ططر رباه صَغِيرا ثمَّ ولاه نِيَابَة قلعة صفد لما خرج بالمظفر إِلَى دمشق لحفظ ذخيرة حملهَا إِلَى القلعة صفد. فَلَمَّا قَامَ السُّلْطَان برسباي بِالْأَمر بعد ططر ولي أينال نِيَابَة صفد فشق عَلَيْهِ خلع ابْن أستاذه من السلطة وَأخذ فِي تَدْبِير أمره حَتَّى أظهر ذَلِك وَأخرج من كَانَ مسجوناً بقلعة صفد وهم الْأَمِير يشبك أينالي استادار
والأمير أينال الجكمي نَائِب حلب والأمير جلبان أَمِير أخور. وَقبض على من خَالفه من أُمَرَاء صفد وأعيانها. فَكتب السُّلْطَان إِلَى الْأَمِير مقبل الحسامي المؤيدي حَاجِب دمشق باستقراره فِي نِيَابَة صفد وَأَن يسْتَمر إقطاع الحجوبية بِيَدِهِ حَتَّى يتسلم صفد وَكتب إِلَى الْأَمِير تنبك ميق نَائِب الشَّام أَن يخرج بالعسكر إِلَى قتال أينال بصفد. وَفِيه كَانَت وقْعَة بَين الْأَمِير يُونُس نَائِب غَزَّة وَبَين عرب جرم هزموه فِيهَا وَقتلُوا عدَّة من عسكره. وَفِيه كثرت الحروب والفتن والغارات والنهب والتخريب بِبِلَاد الصَّعِيد من عربانها. وَفِي خَامِس عشرينه: قدم كتاب نَائِب الشَّام بمجيء أينال الجكمي ويشبك أينالي وجلبان من صفد إِلَى دمشق طائعين فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم الْأَمِير فَارس نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة باستدعاء فَخلع عَلَيْهِ وأنعم عَلَيْهِ بإمرة مائَة وتقدمة ألفا. وخلع على الْأَمِير أسندمر النوري أحد مقدمي
الألوف وَاسْتقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة. وَفِي سلخه: نُودي من كَانَت لَهُ ظلامة فَعَلَيهِ بالاصطبل. وَكَانَ السُّلْطَان قد شرك جُلُوسه للْحكم مُنْذُ قدم خبر صفد معاد للجلوس للنَّظَر فِي محاكمات المتخاصمين على عَادَته. شهر شعْبَان أَوله الِاثْنَيْنِ. فِيهِ تكَرر النداء بجلوس السُّلْطَان للْحكم. وَفِي ثَانِيه: جلس للْحكم واستدعى مدرسي الْمدرسَة القمحية بِمصْر وأوقفهم بَين يَدَيْهِ وألزمهم بِعَمَل حِسَاب أوقافها وعمارتها مِمَّا تناولوه من ريعها فِيمَا سلف وَأخرج وَقفهَا - وَهُوَ ضيعتان بالفيوم يُقَال لَهما الْأَعْلَام والحنبوشية - لمملوكين من مماليكه ليأكلوها إقطاعاً بَينهمَا. وَندب الْأَمِير أزبك رَأس نوبَة للكشف عَن الْمدرسَة فَوجدَ الخراب قد أحَاط بهَا من جوانبها وَصَارَ مَا هُنَالك كيمان تُرَاب وَهِي قَائِمَة بمفردها لَيْسَ بجانبها عَامر وَلَا بهَا سَاكن سوى رجل يحرسها فَطلب السُّلْطَان مدرسيها الْخَمْسَة وأوقفهم بَين يَدَيْهِ بالاصطبل وألزمهم بِعَمَل حِسَابهَا وَالْقِيَام بِمَا استأدوه من الْعُلُوم فَخَرجُوا فِي الترسيم. وَفِيه نظر السُّلْطَان فِي أَمر جَامع عَمْرو بن الْعَاصِ وَأخذ النَّاس فِي تتبع عورات الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء لميل وُلَاة الشَّوْكَة إِلَى معرفَة ذَلِك فَإِن الأحدوثة عَنْهُم قبحت والقالة فيهم شنعت: وَكُنَّا نستطب إِذا مرضنا فجَاء الدَّاء من قبل الطَّبِيب وَفِي يَوْم الْخَمِيس رابعه - الْمُوَافق لَهُ تَاسِع عشْرين أبيب -: كَانَ وَفَاء النّيل سِتَّة عشر ذِرَاعا. وَهَذَا من النَّوَادِر مَعَ أَن زِيَادَته فِي هَذَا الْعَام كَانَت مِمَّا يتعجب لَهُ وَذَلِكَ أَن الْعَادة الَّتِي عهِدت أَن زِيَادَة النّيل فِي شهر أبيب تكود قَليلَة حَتَّى أَنه ليقال قَدِيما
فِي أبيب يدب المَاء دَبِيب. وَأما مسرى فأيام الزِّيَادَة الْكَثِيرَة وَيُقَال لَهَا عرس النّيل وَهِي مَظَنَّة الْوَفَاء حَتَّى يُقَال إِذا لم يوف النّيل فِي مسرى فانتظره فِي السّنة الْأُخْرَى هَذِه عَادَة الله الَّتِي أجراها بَين خلقه فِي أَمر نيل مصر وَرُبمَا وَقع الْأَمر فِي النّيل بِخِلَاف ذَلِك فيعد نَادرا. وَاتفقَ فِي هَذِه السّنة أَنه مُنْذُ ابتدأت الزِّيَادَة لم تزل زِيَادَته كَبِيرَة بِحَيْثُ نُودي عَلَيْهِ فِي يَوْم بِزِيَادَة خمسين إصبعاً فَكثر تعجب النَّاس لذَلِك ثمَّ ازدادوا تَعَجبا لوفائه قبل مسرى وَللَّه الْحَمد. وَتَوَلَّى تخليق المقياس وَفتح الخليج الْأَمِير الْكَبِير بيبغا المظفري. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشره: أخرج بالمظفر أَحْمد بن الْمُؤَيد شيح وأخيه من ظ قلمة الْجَبَل نَهَارا وحملا فِي النّيل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَكَانَت هَذِه موعظة فَإِن الْمُؤَيد أخرج بأولاد ابْن أستاذه الْملك النَّاصِر فرج إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فعومل بِمثل ذَلِك وَأخرج ابنيه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة كَمَا يدين الْفَتى يدان. وَفِي ثَانِي عشرينه: خلع على بدر الدّين مَحْمُود العينتابي نَاظر الأحباس وأعيد حسبَة الْقَاهِرَة عوضا عَن صدر الدّين أَحْمد بن العجمي. وَفِي هَذَا الشَّهْر: كثر عَبث الفرنج بالسواحل وهجم فِي اللَّيْل غرابان فيهمَا طَائِفَة من الفرنج على ميناء الْإسْكَنْدَريَّة فوجدوا فِيهَا مركبا للتجار فِيهِ بضائع بِنَحْوِ مائَة ألف دِينَار فَاقْتَتلُوا مَعَهم عَامَّة اللَّيْل فَخرج النَّاس من الْمَدِينَة فَلم يقدروا على الْوُصُول إِلَيْهِم لعدم المراكب الحربية عِنْدهم وَلَا وصلت سِهَامهمْ إِلَى الفرفج بل كَانَت تسْقط فِي الْبَحْر فَلَمَّا طَال الْحَرْب بَين الفرنج والتجار الْمُسلمين واحترقت مركب التُّجَّار نَجوا فِي القوارب إِلَى الْبر فَأَتَت نَار الفرنج على سَائِر مَا فِي الْمركب من البضائع حَتَّى تلف بأجمعها وَمضى الفرنج نَحْو برقة فَأخذُوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ ثمَّ عَادوا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ومضوا إِلَى نَحْو الشَّام. وَفِيه قدم رَسُول اسكندر بن قرا يُوسُف وَمَعَهُ رأسان زعم أَنَّهُمَا رَأس متملك السُّلْطَانِيَّة نِيَابَة عَن شاه رخ بن تيمور لنك وَرَأس نَائِبه بشيراز. شهر رَمَضَان أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي تاسعه: أُعِيد الآذان بمأذنتي مدرسة السُّلْطَان حسن بسوق الْخَيل. وَفِي حادي عشره: كَانَ نوروز القبط بِمصْر والنيل قد بلغ تِسْعَة عشر ذِرَاعا وَسِتَّة
أَصَابِع فَعم بِهِ النَّفْع عَامَّة أَرَاضِي مصر إِلَّا أَن الجسور لم يعتن بهَا لسوء سيرة متوليها فَقطع مَاء النّيل مِنْهَا عدَّة مقاطع أفسدت أَكثر الزراعات الصيفية كالسمسم والبطيخ وَنَحْوه فَكَانَ بُلُوغ النّيل هَذَا الْقدر فِي النوروز عجب آخر. وَفِيه اتضع سعر الغلال حَتَّى أبيع الأردب الْقَمْح بِمِائَة وَخمسين درهما من الْفُلُوس وعنها يَوْمئِذٍ سَبْعَة دَرَاهِم وَربع فضَّة أشرفية وأبيع الشّعير بِخَمْسَة وَثَمَانِينَ درهما الأردب عَنْهَا أَرْبَعَة دَرَاهِم وَربع فضَّة وأبيع الفول بِثَمَانِينَ درهما الأردب عَنْهَا أَرْبَعَة دَرَاهِم فضَّة. وَفِيه فتح بَاب مدرسة السُّلْطَان حسن الَّذِي سَده الظَّاهِر برقوق وَهدم دَرَجه. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ عشرينه: جلس السُّلْطَان بدار الْعدْل وَعمل بِهِ الْخدمَة وأحضرت رسل الفرنج الفرنسيس بهدية. وَهَذَا أول جُلُوس جلسه السُّلْطَان بدار الْعدْل. وَفِي حادي عشرينه: خلع على الْأَمِير أيتمش الخضري وَاسْتقر أستادار عوضا عَن الْأَمِير أرغون شاه. وَفِي ثَالِث عشرينه: خلع على صدر الدّين أَحْمد بن العجمي وَاسْتقر فِي نظر الجوالي. وَفِي سَابِع عشرينه: نُودي أَن السُّلْطَان رسم أَن لَا ينزل أحد من الْفُقَهَاء عَن وظيفته فِي وقف من الْأَوْقَاف وهددمن نزل مِنْهُم عَن وظيفته فامتنعوا عَن النُّزُول ثمَّ عَادوا كَمَا كَانُوا ينزل هَذَا عَن وظيفته من الطّلب فِي الدُّرُوس أَو التصوف فِي الخوانك أَو الْقِرَاءَة أَو الْمُبَاشرَة بِالْمَالِ فيلي الْوَظَائِف غير أَهلهَا ويحرمها مستحقوها فَإِن الْوَظَائِف الْمَذْكُورَة صَارَت بأيدي من هِيَ بِيَدِهِ ينزلها منزلَة الْأَمْوَال الْمَمْلُوكَة فيبيعها إِذا شَاءَ وَيُسمى بيعهَا نزولا عَنْهَا ويرثها من بعده صغَار وَلَده. وسرى ذَلِك حَتَّى فِي التداريس الجليلة والأنظار الْمُعْتَبرَة وَفِي ولَايَة الْقَضَاء بِالْأَعْمَالِ يَلِيهِ الصَّغِير من بعد موت أَبِيه ويستناب عَنهُ كَمَا يستناب فِي تدريس الْفِقْه والْحَدِيث النَّبَوِيّ وَفِي نظر الْجَوَامِع ومشيخة التصوف فيا نفس جدي إِن دهرك هازل {} . وَفِيه خلع على الْأَمِير أرغون شاه أحد أُمَرَاء دمشق وَاسْتقر كاشف الْوَجْه القبلي عوضا عَن وَفِيه أغلقت كَنِيسَة قمامة بالقدس عَن أَمر السُّلْطَان.
وَفِي سلخه: نُودي بِمَنْع النِّسَاء من الْخُرُوج إِلَى الترب فِي أَيَّام الْعِيد وهددن بالعقوبة إِن خرجن فَامْتنعَ كثير مِنْهُنَّ عَن الْخُرُوج إِلَيْهَا. وَفِيه ارْتَفع سعر الشيرج حَتَّى أبيع الرطل بِثمَانِيَة عشر درهما من الْفُلُوس وَلم يعْهَد مثل ذَلِك وَسَببه غرق السمسم فَقل وجوده. شهر شَوَّال أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ صلى السُّلْطَان صَلَاة الْعِيد بِجَامِع القلعة. وَفِي رابعه: رفعت يَد قَاضِي الْقُضَاة زين الدّين عبد الرَّحْمَن التفهني الْحَنَفِيّ عَن وقف الطرحاء ثمَّ أُعِيد إِلَيْهِ بعد أَيَّام وَكَانَ لما رفعت يَده عَنهُ نُودي من مَاتَ لَهُ ميت وَعجز عَن كَفنه فَعَلَيهِ بمصلى المؤمني تَحت القلعة. وَفِيه رفعت يَد قَاضِي الْقُضَاة ولي الدّين أَبُو زرْعَة أَحْمد بن الْعِرَاقِيّ الشَّافِعِي عَن وقف قراقوش وفوض السُّلْطَان أمره إِلَى التَّاج الشويكي وَالِي الْقَاهِرَة وَاسْتمرّ كَذَلِك فَلم يعد إِلَى الْقُضَاة فَكَانَ هَذَا مِمَّا يستشنع وَكَثُرت الشناعات بمقت السُّلْطَان للقضاة وَالْفُقَهَاء وَأَنه يُرِيد الْكَشْف عَمَّا بِأَيْدِيهِم من الْأَوْقَاف. وَفِيه انْتَهَت زِيَادَة مَاء النّيل إِلَى عشْرين ذِرَاعا وَنصف ذِرَاع وابتدأ نَقصه من الْغَد وَهُوَ رَابِع عشْرين توت. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: ابتدئ بِعَمَل الخربة - الَّتِي بِخَط الرُّكْن المخلق من الْقَاهِرَة - وكَالَة وَهَذِه الخربة موضعهَا الْآن دَاخل الدَّرْب الْأَصْفَر حَيْثُ كَانَ يعرف قَدِيما بالمنحر وبابها من وسط سوق الرُّكْن المخلق عملته خوند بركَة أم السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن قلاوون أَعْوَام بضع وَسبعين وَسَبْعمائة ليَكُون دَاخله قاعة بجوار القيسارية الَّتِي أنشأتها وعملت برسم بيع الْجُلُود فَمَاتَتْ قبل
عمارتها وَقد فرغت واجهة الْبَاب فَقَط فتعطلت دهرا إِلَى أَن أَخذ الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف - أستادار القيسارية الْمَذْكُورَة - من وقف أم السُّلْطَان على مدرستها بِخَط التبانة قَرِيبا من قلعة الْجَبَل وصيرها من جملَة أوقافه على مدرسته الَّتِي أَنْشَأَهَا بِخَط رحبة بَاب الْعِيد وضع يَده أَيْضا على هَذِه الخربة وَمَات قبل أَن يعْمل فِيهَا شَيْئا فَلم تزل معطلة حَتَّى وَقع اخْتِيَار السُّلْطَان فِي هَذَا الْوَقْت على عَملهَا وكَالَة فابتدئ بعملها. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع هَذَا الشَّهْر: رسم بِإِعَادَة مكس دَار التفاح الَّذِي أبْطلهُ الْملك الْمُؤَيد شيخ فأعيد بسفارة الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق ابْن كلاب المناخ وَطول سَعْيه فِيهِ عَامله الله بعدله فَإِنَّهُ جدد مظْلمَة يتْلف فِيهَا من أَمْوَال النَّاس بِنَهْب الظلمَة الْفُسَّاق مَا شَاءَ الله. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشره: برز محمل الْحَاج بكسوة الْكَعْبَة صُحْبَة الطواشي افتخار الدّين ياقوت - مقدم المماليك السُّلْطَانِيَّة - وَنزل خَارج الْقَاهِرَة ثمَّ توجه إِلَى بركَة الْحَاج على الْعَادة. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم من صفد ثَلَاثُونَ رجلا مِمَّن أسر من أَصْحَاب الْأَمِير أينال فَقطعت أَيدي الْجَمِيع إِلَّا وَاحِدًا فَإِنَّهُ وسط بِالسَّيْفِ نِصْفَيْنِ وَأخرج الَّذين قطعت أَيْديهم من يومهم إِلَى بِلَاد الشَّام فَمَاتَ عدَّة مِنْهُم بالرمل. وَكَانَ من خبر صفد أَن الْأَمِير مقبل لم يزل على حصارها إِلَى يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع شَوَّال هَذَا فَنزل إِلَيْهِ أينال بِمن مَعَه فتسلم أعوان السُّلْطَان القلعة وعندما نزل أينال أَمر أَن تفاض عَلَيْهِ خلعة السُّلْطَان ليتوجه أَمِيرا بطرابلس وَكَانَ قد وعد بذلك وترددت الرُّسُل بَينه وَبينهمْ مرَارًا حَتَّى اسْتَقر الْأَمر على أَن يكون من جملَة أُمَرَاء طرابلس وَكتب لَهُ السُّلْطَان أَمَانًا ونسخة يَمِين فانخدع البائس وَنزل من القلعة فَمَا هُوَ إِلَّا أَن قَامَ ليلبس الخلعة وَإِذا هم أحاطوا بِهِ وقيدوه وعاقبوه أَشد عُقُوبَة. ثمَّ قَتَلُوهُ وَقتلُوا مَعَه مائَة رجل مِمَّن كَانَ مَعَه بالقلعة وعلقوهم بِأَعْلَاهَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: تسلم الْأَمِير نلغري بردي بن قصروه قلعة بهسني وَنزل بِأَمَان فقيد وسجن بقلعة حلب فأمن السُّلْطَان بعد تخوفه من جِهَة صفد وتغري بردي. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَحَد:
فِي ثَانِيه: ركب السُّلْطَان من القلعة إِلَى مطعم الطير تجاه الريدانية خَارج الْقَاهِرَة وألبس الْأُمَرَاء الأقبية الصُّوف لملابس الشتَاء كَمَا كَانَ الْمُؤَيد يفعل ثمَّ عبر الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وَدخل عمارتها بِخَط الرُّكْن المخلق وَخرج من بَاب زويلة إِلَى القلعة ونثر عَلَيْهِ الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَهَذِه أول ركبة ركبهَا فِي سلطته وَفِي خامسه: عزل الْأَمِير أيتمش الخضري وأعيد الْأَمِير أرغون شاه أستادارا وَلم تشكر سيرة أيتمش لعتوه وَشدَّة ظلمه مَعَ عَجزه عَن الْقيام بِمَا وليه. وَفِي سابعه: ركب السُّلْطَان إِلَى جِهَة بركَة الْحجَّاج وَعَاد. شهر ذِي الْحجَّة أَوله الِاثْنَيْنِ. فِي رابعه: اختفي الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق ابْن كَاتب المناخ فَخلع على الْأَمِير أرغون شاه وأضيفت إِلَيْهِ الوزارة فَصَارَ وزيراً أستادار وَذَلِكَ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامنه فَظهر ابْن كلاب المناخ فِي عاشره وَصعد إِلَى القلعة فعفي عَنهُ وَلزِمَ بَيته بطالاً على حمل مَال قَامَ بِبَعْضِه. وَفِي يَوْم السبت سادسه: خلع على علم الدّين صَالح ابْن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ وفوض إِلَيْهِ قَضَاء الْقُضَاة عوضا عَن ولي الدّين أَبُو زرْعَة أَحْمد بن الْعِرَاقِيّ بِمَال كثير. وَفِي سَابِع عشرينه: نزل الْحَاج بينبع وَقد استعد من فيهم من المماليك السُّلْطَانِيَّة مَعَ الْأَمِير جَانِبك الخازندار أحد أُمَرَاء العشرات لِحَرْب الشريف مقبل مُتَوَلِّي يَنْبع
وَقد قدم عقيل بن وبير الحسني من الْقَاهِرَة صحبتهم بعد مَا خلع عَلَيْهِ بهَا فِي شَوَّال وَاسْتقر أَمِير يَنْبع شَرِيكا لِعَمِّهِ مقبل بِمَال الْتزم للدولة فَلَمَّا علم مقبل بذلك نزح عَن يَنْبع إِلَى وَاد بِالْقربِ مِنْهَا. وَدخل الْحَاج إِلَى يَنْبع فِي ذِي الْقعدَة فَبعث أُمَرَاء الْحَاج الثَّلَاثَة وهم افتخار الدّين ياقوت أَمِير الْمحمل وأسندمر الأسعردي من أُمَرَاء العشرات أَمِير الركب الأول وجانبك أَمِير الركب الثَّانِي إِلَى الشريف مقبل حَتَّى يحضر إِلَيْهِم فجرت أُمُور آخرهَا أَن يسْتَقرّ عقيل شَرِيكا لَهُ كَمَا كَانَ أَبوهُ وبير وَأَن يُكَاتب السُّلْطَان بذلك. وَمهما ورد المرسوم بِهِ اعْتَمدهُ. ورحل الْحَاج من يَنْبع إِلَى مَكَّة وَقد وجهوا نجابا إِلَى السُّلْطَان بكتبهم وَتركُوا عقيلاً بينبع فاقتتل هُوَ وَعَمه فظفر بِهِ عَمه وَقَيده وَأقَام بينبع حَتَّى عَاد الْحَاج إِلَيْهَا فاستعد الْأَمِير جَانِبك - كَمَا قُلْنَا - وَركب فِي جمع من المماليك وَغَيرهم لَيْلَة الْأَحَد ثامن عشْرين ذِي الْحجَّة هَذَا وطرق مقبل على حِين غَفلَة فَكَانَت بَينه وَبَين مقبل وقْعَة قتل فِيهَا جمَاعَة من الْأَشْرَاف بني حسن وجرح كثير من العربان وَالْعَبِيد وَانْهَزَمَ مقبل فمدت المماليك أيديها وانتهبت مَا قدرت عَلَيْهِ وسلبت النِّسَاء الشريفات مَا عَلَيْهِنَّ وَسَاقُوا خَمْسمِائَة وَخمسين رجلا وَثَلَاثِينَ فرسا وأمتعة كَثِيرَة ومالا جزيلا وعادوا من يومهم إِلَى يَنْبع وَمَعَهُمْ عقيل قد خلصوه من الْأسر ورحلوا وَقد أَقَامَ عقيل بينبع أَمِيرا فَلم يكن إِلَّا لَيَال حَتَّى عَاد مقبل واحترب مَعَ عقيل فَانْهَزَمَ مقبل وَقتل بَينهمَا جمَاعَة كل ذَلِك بِسوء الطَّبْع والطمع فِي الْقَلِيل. وَفِي سَابِع عشرينه: قدم مبشرو الْحَاج وأخبروا بسلامة الْحجَّاج. وَفِي هَذَا الشَّهْر: اتّفقت نادرة فِيهَا عِبْرَة لِذَوي النَّهْي والأبصار وَهُوَ أَن رجلا من فُقَرَاء النَّاس الَّذين لَا يكادون يَجدونَ الْقُوت لَهُ امْرَأَة وَبَنَات مِنْهَا يسكنون بخرابات الحسينية ظَاهر الْقَاهِرَة فَلَمَّا كَانَ يَوْم عيد النَّحْر ذبح أَرْبَاب الْيَسَار ضحاياهم واشتووا لحومها فهاجت شهوات بَنَات هَذَا الرجل لأكل اللَّحْم وطلبن مِنْهُ فَلم يجد سَبِيلا إِلَى قَضَاء شهواتهن وَأخذ يعللهن وَهن يتصايحن وينتحبن بالبكاء وَقَلبه يتقطع عَلَيْهِنَّ حسرات طول نَهَار الْعِيد حَتَّى جنَّة اللَّيْل ورقدن. فَكَانَ يسمع فِي اللَّيْل حَرَكَة تتوالى طول ليلته وَهُوَ وَأم أَوْلَاده لشدَّة الْحزن قد ذهب نومهما حَتَّى أصبحا فَإِذا