الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع الوباء بِالْوَجْهِ البحري من أَرض مصر وَقدم الْخَبَر أَن الوباء وَقع فِي فصل الصَّيف بِبِلَاد إفريقية كلهَا. شهر رَمَضَان أَوله الْأَحَد: وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء عاشره: خلع على من قدم من مَشَايِخ بلَى الَّذين أخذُوا الْحجَّاج وَقد سَأَلُوا الْعَفو والتزموا بِحِفْظ الْحَاج. وَفِيه قدم الطواشي خشقدم ونائبه فَيْرُوز الركني الرُّومِي من دمياط فَأمر بالتوجه إِلَى الْمَدِينَة صُحْبَة ركب الْحَاج وَالْإِقَامَة بهَا. وَفِي حادي عشره: قدم كتاب الْأَمِير قانبيه الحمزاوى نَائِب حماة يتَضَمَّن وُرُود الْأَمِير بردبك العجمى حَاجِب حلب وصحبته من أُمَرَاء حلب أميران إِلَى حماة وَذَلِكَ أَن الْأَمِير تغرى برمش نَائِب حلب أَرَادَ من الْأَمِير حطط نَائِب القلعة أَن يُمكنهُ مِنْهَا فَلم يُوَافقهُ وَرمى عَلَيْهِ من القلعة فَركب وَركب عَلَيْهِ الْأُمَرَاء واقتتلوا فإنهزم الْأَمِير بردبك بِمن مَعَه فِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن عشْرين شعْبَان. ودخلوا حماة فِي أخر يَوْم السبت سلخه فَكتب بإستقرار بردبك الْمَذْكُور فِي نِيَابَة حماة عوضا عَن الْأَمِير قانباى الحمزاوى وَأَن ينْتَقل قانباى إِلَى نِيَابَة طرابلس عوضا عَن الْأَمِير جلبان المؤيدى وَأَن ينْتَقل جلبان إِلَى نِيَابَة حلب عوضا عَن تغرى برمش لِخُرُوجِهِ عَن الطَّاعَة وَتوجه الْأَمِير على باى رَأس نوبَة لنقل الْأَمِير جلبان من طرابلس إِلَى حلب وَمَعَهُ تَقْلِيده وتشريفه وَتوجه لتقليد قانباى نِيَابَة طرابلس الْأَمِير جَانِبك المحمودى رَأس نوبَة وَكِلَاهُمَا من أُمَرَاء العشرات.
(وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سادس عشره)
ورد الْخَبَر من الْأَمِير طوخ مازى نَائِب غَزَّة بِأَن الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن منجك لما وصل من عِنْد السُّلْطَان بِمَا على يَده إِلَى جسر يَعْقُوب بعث ملك الْأُمَرَاء الْأَمِير أينال الجكمى نَائِب الشَّام ساعيًا بإستعجاله وأردفه بِأخر حَتَّى قدم يَوْم السبت سَابِع شهر رَمَضَان فَخرج إِلَى لِقَائِه وَلبس التشريف المجهز على يَده وَركب الْفرس الْمحْضر مَعَه وَقبل الأَرْض على الْعَادة وَدخل فِي الموكب جليل حَتَّى نزل دَار السَّعَادَة فإطمأن النَّاس بَعْدَمَا كَانَت الإشاعة قَوِيَّة بمخامرته.
فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ تاسعه: ركب ملك الْأُمَرَاء فِي الموكب على الْعَادة وَدخل دَار السَّعَادَة وَجَمِيع الْأُمَرَاء وَسَائِر المباشرين بَين يَدَيْهِ فَمَا هُوَ إِلَّا أَن إستقر فِي مَجْلِسه وَإِذا بِهِ قد قبض على الْأَمِير برسباى حَاجِب الْحجاب وأغلق الْبَاب وَقبض على الْأُمَرَاء والمباشرين بأجمعهم وَأَن جلبان وجانبك المتوجهين لتقليد نَائِب حلب ونائب طرابلس وصلا إِلَى غَزَّة وَأَقَامَا بهَا فاضطرب السُّلْطَان لهَذَا الْخَبَر وَكثر قلقه وَجمع الْأُمَرَاء فأشاروا بِسَفَرِهِ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشره: ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير قطج أتابك حلب قدم إِلَى حماة فَارًّا من تغرى برمش وَأَن تغرى برمش أَخذ عنتاب وقلعتها وَأَن عدَّة من قبض عَلَيْهِ أينال الجكمى بِدِمَشْق تِسْعَة عشر أَمِيرا وَقبض أَيْضا على جمال الدّين يُوسُف بن الصفى الكركى نَاظر الْجَيْش وعَلى بهاء الدّين مُحَمَّد بن حجى كَاتب السِّرّ وَأَن جَانِبك وجلبان توجها من غَزَّة إِلَى وَفِي يَوْم الْخَمِيس عشرينه: ورد كتاب الْأَمِير تغرى برمش مورخ بثاني شهر رَمَضَان يتَضَمَّن أَنه فِي يَوْم الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر شعْبَان لبس الْأَمِير حطط نَائِب قلعة حلب وَمن مَعَه بالقلعة السِّلَاح وَقَامُوا على سور القلعة ونصبوا المكاحل وَغَيرهَا وَأمرُوا من تَحت القلعة من أَرْبَاب المعايش وسكان الحوانيت بالنقلة من هُنَاكَ وَأَنه لما رأى ذَلِك بعث يسْأَل حطط عَن سَبَب هَذَا فَلم يجبهُ. إِلَى أَن كَانَ لَيْلَة التَّاسِع وَالْعِشْرين مِنْهُ ركب الْأَمِير قطج الأتابك والأمير بردبك الْحَاجِب فِي عدَّة من الْأُمَرَاء لابسين السِّلَاح ووقفوا تَحت القلعة فَبعث إِلَيْهِم جمَاعَة من عسكره فَكَانَت بَين الْفَرِيقَيْنِ وقْعَة إنهزم فِيهَا قطج وَأَنه بَاقٍ على طَاعَة السُّلْطَان. وَأَنه بعث يسْأَل نَائِب القلعة عَن سَبَب هَذِه الْحَرَكَة فَأجَاب بِأَن الْأَمِير بردبك الْحَاجِب ورد عَلَيْهِ مرسوم السُّلْطَان بالركوب عَلَيْك وأخذك وجهز أَيْضا محضرًا ثَابتا على قُضَاة حلب بِمَعْنى مَا ذكر وَأَنه بَاقٍ على طَاعَة السُّلْطَان وَلم يتَعَرَّض إِلَى القلعة فَلم يعول على ذَلِك لما تقرر من خُرُوجه عَن الطَّاعَة وَورد أَيْضا الْخَبَر من الْأَمِير فَارس نَائِب قلعة دمشق بِأَن الْأَمِير أينال الجكمى أَجْهَر النداء بِدِمَشْق وأعمالها بالأمان والإطمئنان وَالدُّعَاء للسُّلْطَان الْملك الْعَزِيز يُوسُف بن برسباى وَأَن تَقِيّ الدّين أَبَا بكر
ابْن قَاضِي شُهْبَة قَاضِي الْقُضَاة دَعَا للعزيز على مِنْبَر جَامع بنى أُميَّة فِي يَوْم الْجُمُعَة وَأَن الخطة بقلعة دمشق للسُّلْطَان الْملك الظَّاهِر جقمق. وَفِي يَوْم السبت حادي عشرينه: خلع على القَاضِي بدر الدّين مُحَمَّد ابْن شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة نَاصِر الدّين أَحْمد التنسى أحد خلفاء الحكم وإستقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة عوضا عَن شمس الدّين مُحَمَّد البساطى وَقد مَاتَ. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشرينه: نُودي بِعرْض المماليك على السُّلْطَان. وَفِيه عرضت الخاصكية على السُّلْطَان فعين مِنْهُم للسَّفر إِلَى الشَّام ثَلَاثمِائَة وَعشْرين خاصكيًا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَالِث عشرينه: خلع على الْأَمِير الْكَبِير الأتابك أقبغا التمرازى وإستقر فِي نِيَابَة الشَّام عوضا عَن أينال الجكمى لِخُرُوجِهِ عَن الطَّاعَة. وَفِيه قدم الْخَبَر من الْإسْكَنْدَريَّة بِأَن طَائِفَة القطلان عمروا إثني عشر غرابًا لتسير فِي الْبَحْر نَحْو سواحل الشَّام وسواحل الرّوم وَأَن مُرَاد بن عُثْمَان ملك الرّوم عمر مائَة غراب وَأَن متملك انكرس من الفرنج مَاتَ. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشرينه: عرض السُّلْطَان المماليك وَعين مِنْهُم للسَّفر إِلَى الشَّام ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثِينَ مَمْلُوكا لتتمة سِتّمائَة وَخَمْسَة وَخمسين. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشرينه. عين للسَّفر من الْأُمَرَاء الألوف قراقجا الْحسنى رَأس نوبَة النوب وتمر باى الظَّاهِرِيّ ططر وَمن الطبلخاناه طوخ التمرازى رَأس نوبَة ثَانِي وَمن أُمَرَاء العشرات عشرَة وهم أقطوه الموسوى وتنم بن عبد الرازق
الْمُحْتَسب بِالْقَاهِرَةِ وَرَأس نوبَة ثمَّ أعفى بعد ذَلِك من السّفر ويشبك بن أزوباى رَأس نوبَة وبايزير بن صفر خجا رَأس نوبَة وأقبردى الأشرفى أَمِير أخور ثَالِث وطوغان السيفى ألان وسودون قرقاش الأينالى رَأس نوبَة وسودون النوروزى السِّلَاح دَار رَأس نوبَة وجانبك السيفى نوروز رَأس نوبَة وخشكلدى الناصرى
وَفِيه كتب بإستقرار الْأَمِير مُوسَى بن مُحَمَّد بن حَدِيثَة فِي إمرة الملا عوضا عَن الغادر ابْن عذراء بن نعير وجهز لَهُ تشريف. وَقدم الْخَبَر من الْأَمِير طوغان نَائِب الْقُدس بِأَن أينال الجكمى أطلق الْأُمَرَاء الَّذين قبض عَلَيْهِم وحلفهم للعزيز فَعلم أهل الْمعرفَة أَن أَمر أينال هَذَا لَا يتم لتضييعه الحزم فِي ركونه وطمأنينته إِلَى الْأُمَرَاء بعد أَن أوحش مَا بَينه وَبينهمْ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِم. وَقد قيل: إِذا وترت أمرا فإحذر عداوته من يزرع الشوك لَا يحصد بِهِ عنبًا إِن الْعَدو وَإِن أبدى مسالمة إِذا رأى مِنْك يَوْمًا فرْصَة وثبًا وَكَانَ كَذَلِك. وَفِيه ورد الْخَبَر بِخُرُوج الْأَمِير أينال الأجرود نَاب صفد مِنْهَا وَأَنه نزل بالرملة فِي سَابِع عشره بَعْدَمَا دَعَاهُ أينال الجكمى إِلَى مُوَافَقَته وأعلمه أَنه مَا قَامَ فِي هَذَا الْأَمر حَتَّى وَافقه نواب الممالك وأركان الدولة بِمصْر فَلم يدْخل فِي طَاعَته وخشي أَن يكبس بصفد فَأنْزل حريمه بقلعة صفد وَنزل بالرملة مَعَ من بهَا من نَائِب الْقُدس وَغَيره. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشرينه: أنْفق فِي الْعَسْكَر الْمُجَرّد إِلَى الشَّام وعدتهم مَا بَين خاصكى ومملوك سِتّمائَة وإثنان وَخَمْسُونَ فَارِسًا. كل وَاحِد ثَمَانُون دِينَارا. وَقدم الْخَبَر من مَكَّة بِأَن الوباء شنع بِمَدِينَة صنعاء وصعدة من بِلَاد الْيمن حَتَّى خلت من كَبِير وحاكم لإنقطاع الْأَئِمَّة الزيدية مِنْهَا بالفناء فَبعث الْملك الظَّاهِر يحيى بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل صَاحب زبيد وتعز وعدن بعض أمرائه فَأخذ لَهُ صعدة بِغَيْر ممانع وإستولى على مَا فيهمَا من أَمْوَال من مَاتَ. وَقدم الْخَبَر بِأَن الْأَمِير جلبان المستقر فِي نِيَابَة حلب وصل إِلَى الرملة فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ
ثَالِث عشرينه وَسبب ذَلِك أَن تغرى برمش إستدعى جمَاعَة كَثِيرَة من التركمان إِلَى حلب فَأتوهُ وَعمل مكحلة عَظِيمَة من نُحَاس ليرمى بهَا على القلعة وإستمال من أهل القلعة جمَاعَة. بِمَال كيبر بذله لَهُم ليمكنوه مِنْهَا وَشرع فِي حِصَار القلعة وَأخذ ينقب مَوَاضِع من أَسْفَلهَا والقتال بَينه وَبَين من فِيهَا مُسْتَمر إِلَى أَن فطن الْأَمِير حطط الدقماقى نَائِب القلعة بِمن وَافق تغرى برمش من القلية فَقبض عَلَيْهِم وَرمى ببعضهم عَلَيْهِ فِي المنجنيق وَقتل جمَاعَة مِنْهُم وعلق رؤوسهم على القلعة ففات تغرى برمش قَصده وجد فِي النقب والحصار حَتَّى كَاد يشرف على أَخذ القلعة أَو أشرف فاتفق أَنه نَادَى فِي الْمَدِينَة بالأمان فَكَأَنَّمَا ألقِي فِي آذان النَّاس بالنهب فثارت الْعَامَّة عِنْد ذَلِك بأسلحتها وأحاطت بدار السَّعَادَة حَيْثُ سكن تغرى برمش فَلم يثبت وَخرج فَارًّا يُرِيد أَن يخرج من الْمَدِينَة حَتَّى وقف خَارج السُّور فِي نَحْو الْأَرْبَعين فَارِسًا وَقد نهبت الْعَامَّة جَمِيع مَا كَانَ بدار السَّعَادَة من المَال وَالسِّلَاح وَغير ذَلِك وإمتدت أَيْديهم إِلَى أَتبَاع تغرى برمش يَقْتُلُونَهُمْ أفحش قتل وينهبون مَا تصل أَيْديهم إِلَيْهِ وَذَلِكَ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء عَاشر رَمَضَان بَعْدَمَا حوصرت القلعة ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وتلاحق عدَّة من أَصْحَاب تغرى برمش بِهِ فَسَار يُرِيد طرابلس وإنضم إِلَيْهِ الْأَمِير طرعلى بن صقل سيز التركمانى فَلَمَّا قَارب مَدِينَة طرابلس لم يثبت الْأَمِير جلبان وَخرج مِنْهَا نَحْو الرملة وَقد جد فِي سيره حَتَّى دَخلهَا فِي سادس يَوْم فَدخل تغرى برمش طرابلس فِي عشرينه وَأخذ من أَهلهَا مَالا كَبِيرا وَأما جلبان فَإِنَّهُ إنضم إِلَى من بالرملة من الْأَمِير أينال الأجرود نَائِب صفد والأمير طوغان نَائِب الْقُدس والأمير طوخ مازى نَائِب غَزَّة وَكَتَبُوا يستدعون السُّلْطَان للمسير بِنَفسِهِ بعد تجهيز العساكر بَين يَدَيْهِ سَرِيعا. وَكَانَ الَّذِي قدم بِهَذَا الْخَبَر صرغتمش دوادار الْأَمِير جلبان فَخلع عَلَيْهِ فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشرينه وإستقر دوادارًا بحلب عوضا عَن الْأَمِير سودون النوروزى. وَفِيه قدم الْأَمِير جَانِبك المحمودى رَأس نوبَة المتوجه لتقليد قانباى الحمزاوى نِيَابَة طرابلس بعد أَن وصل إِلَى الرملة وَلم يتَمَكَّن من الْوُصُول إِلَى حماة فأثارعند قدومه شرورًا لَهَا مَا بعْدهَا فَإِنَّهُ زعم أَنه ظفر بكتب جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَغَيرهم إِلَى الثائرين بِبِلَاد الشَّام أوقف عَلَيْهَا السُّلْطَان. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سلخه: عملت الخدمهَ بِالْقصرِ على الْعَادة وَنزل النَّاس إِلَى دُورهمْ فَبلغ السُّلْطَان أَن الْملك الْعَزِيز فقد من دَاره بالقلعة فَاشْتَدَّ قلقه وتزايد إضطرابه وإستدعى الْأُمَرَاء والمباشرين وأعلمهم بذلك فماج النَّاس وَكَثُرت أقاويلهم وترقبوا وُقُوع فتْنَة كَبِيرَة وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن الْعَزِيز لما خلع أنزل فِي بعض دور القلعة من
دَاخل بَاب الستارة حَيْثُ سُكْنى الْحَرِيم السلطانى وأقرت عِنْده دادته الَّتِي ربته من صغره وَمَعَهَا عدَّة جوارى للعزيز مَا بَين سرارى لَهُ وخدم ومكنت مرضعته من التَّرَدُّد إِلَيْهِ وَالْإِقَامَة عِنْده مَا أَحبت وَكَانَ الْقَائِم بأَمْره فِي قبض مَا رتب لَهُ على السُّلْطَان من لحم ودجاج وأوز وحلوى فِي كل يَوْم وَمَا فرض لَهُ من أوقاف أَبِيه فِي كل شهر طواشي من عُتَقَاء أمه خوند جلبان هندي لم يبلغ الْعشْرين سنة اسْمه صندل فِيهِ يقظة وكيس فإحتوى على جَمِيع أَحْوَاله لإنفراده بخدمته وَكَانَ يشاع غير مرّة الإرجاف بكحل الْعَزِيز وبنقله إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ يخبر الْعَزِيز بذلك فيرتاع لَهُ إِلَى أَن إشتهر أَن بعض الْقُضَاة أفتى بِأَن فِي قتل الْعَزِيز حقن الدِّمَاء وصيانة الْأَمْوَال فَلم يطق صندل صبرا على كتمان ذَلِك وَأكْثر من إلقائه إِلَى الْعَزِيز وترويعه وتحسين الْفِرَار إِلَى أَن إنفعل لَهُ وَكَانَ للعزيز طباخ أَيَّام أَبِيه فداخله صندل فِي إِخْرَاج الْعَزِيز فوافقه على أَنه ينْهض بِإِخْرَاجِهِ وشرعت جوارى الْعَزِيز فِي نقب مَوضِع من الدَّار بمساعدة الطباخ من خَارج حَتَّى تهَيَّأ هَذَا وصندل يحدث جمَاعَة من الأشرفية فِي الْقيام مَعَه إِذا خرج وَذَلِكَ أقْصَى مُرَادهم وَغَايَة أملهم فاتعدوا لذَلِك حَتَّى كَانَ وَقت الْإِفْطَار فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ وَالنَّاس فِي شغل بأكلهم وقف الطباخ من خَارج النقب فَخرج الْعَزِيز عُريَانا مَكْشُوف الرَّأْس فألبسه الطباخ من خلقانه ثوبا مملوءًا بالدهن وَسَوَاد الْقُدُور وَجعل على رَأسه قدرا وَحمله على يَده وعَاء فِيهِ طَعَام بعد أَن غير محَاسِن وَجهه وَبَيَاض يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ بسواد الْقُدُور وَخرج وَهُوَ مَعَه كَأَنَّهُ من جملَة صبيان المطبخ فَلم يفْطن أحد لَهُ حَتَّى خرج من بَاب القلعة وَقد خرج الْأُمَرَاء من الْفطر من عِنْد السُّلْطَان فَضرب الطباخ الْعَزِيز ضَرْبَة مُنكرَة وصادى بِهِ ليرد بذلك الْوَهم فَمشى بَين الْأُمَرَاء على تِلْكَ الْهَيْئَة إِلَى أَن نزل من بَاب القلعة فَإِذا صندل وطوغان الزردكاش وأزدمر فِي آخَرين من المماليك غير كثير فقبلوا يَده ومضوا بِهِ إِلَى دَار بَعضهم. وَكَانَ فِي ظن الْعَزِيز ودادته وجواريه أَنه إِذا نزل من القلعة يجد مماليكه ومماليك أَبِيه مستعدين لَهُ فإمَّا يحارب بهم وَإِمَّا يتَوَجَّه إِلَى الشَّام فَلَمَّا لم ير مِنْهُم مَا كَانَ يؤمل أَرَادَ أَن يعود إِلَى مَوْضِعه وليته عَاد فَلم يمكنوه وَقَامَ طوغان فِي مَنعه من التَّوَجُّه إِلَى الشَّام وإلتزم أَنه يمْضِي إِلَى بِلَاد الصَّعِيد ويأتى بِمن هُنَاكَ من المماليك الأشرفية فِي التجريدة لقِتَال هوارة وهم سَبْعمِائة فَارس ومضي من ليلته فَكَانَ من أمره مَا سيأتى ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وإختفى الْعَزِيز هُوَ وطواشيه صندل الْهِنْدِيّ ومملوكه أزدمر وطباخه وَصَارَ ينْتَقل
من مَوضِع إِلَى مَوضِع وَالْقَوْم فِي طلبه فمرت بِهِ فِي مُدَّة إختفائه أهوال وشدائد حَتَّى قبض عَلَيْهِ كَمَا سنراه إِن شَاءَ الله تَعَالَى. شهر شَوَّال أَوله الثُّلَاثَاء: فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء: كَانَت بالقلعة حركات مزعجة خرج فِيهَا السُّلْطَان من الدّور إِلَى الْقصر وإجتمع مَعَه من ثقاته غير وَاحِد ومرج أَيْضا أَمر من كَانَ تَحت القلعة فصلى السُّلْطَان صَلَاة الْعِيد بِالْقصرِ وَهُوَ على تخوف وَقد وقف جمَاعَة بِالسِّلَاحِ مصليتا على رَأسه حَتَّى قضى صلَاته ثمَّ صعد قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر بَعْدَمَا صلى إِمَامًا على كرسى فَخَطب وأوجز فِي خطبَته كَمَا أسْرع فِي صلَاته فَمَا هُوَ إِلَّا أَن فوغ من الْخطْبَة إِذْ جَاءَ الْخَبَر بِأَن الْأَمِير أينال قد تسحب لَيْلًا فَعظم الْخطب وَجل الْأَمر وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن الطَّائِفَة المؤيدية لم يكن لَهَا فِي أَيَّام الْأَشْرَف برسباى كَبِير حَظّ مِنْهُ فَلَمَّا مَاتَ خَافت المؤيدية من الأشرفية وإنضموا إِذْ ذَاك على الْأَمِير نظام الْملك جقمق وَقَامُوا بأَمْره حَتَّى كَانَ من أمره مَا تقدم ذكره وَأخرج الأشرفية إِلَى السجْن بالإسكندرية وَإِلَى الْحجاز وَإِلَى الصَّعِيد فأهينوا بعد عزمهم وإتضع جانبهم بعد رفعتهم وَصَارَ المؤيدية هِيَ الْمشَار إيها وإليهم الْحل وَالْعقد فجدوا فِي الإغراء بالعزيز كي يستريحوا من الأشرفية فَإِنَّهُم غير آمِنين من ثورتهم وَإِقَامَة الْعَزِيز. فَلَمَّا قَامَ الْأَمِير أينال الجكمى بِدِمَشْق ودعا للعزيز وَحلف أُمَرَاء دمشق على طَاعَته وَكَانَ الْأَمِير تغرى برمش أيضاًَ مِمَّن يمِيل إِلَى الْعَزِيز شقّ ذَلِك على المؤيدية وَعَلمُوا أَنهم مقتولون شَرّ قتلة إِن كَانَت للعزيز دولة فَأخذُوا فِي التحريض على قَتله حَتَّى إشتهر أَنه إِذا فرغ شهر رَمَضَان أمضى فِيهِ مَا أرادوه ففر الْعَزِيز لما خامر قلبه من الْخَوْف الشَّديد وَخَافَ الْأَمِير أينال أَن يتهم بِهِ وإجتمع عِنْده فِي لَيْلَة الْعِيد عدَّة من الأشرفية فَلم ينْهض بِشَيْء لخوره وَضَعفه وتركهم وَخرج من جَانب دَاره على بغل فِي ظلام اللَّيْل ثمَّ نزل عَن الْبَغْل وَمضى على قَدَمَيْهِ فَلم يعلم خَبره فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان تسحبه أَمر فَنُوديَ بِالْقَاهِرَةِ أَلا يتَخَلَّف أحد من المماليك عَن الْخدمَة وهدد من تخلف بِالْقَتْلِ وَقبض على جمَاعَة من المماليك الأشرفية ثمَّ نُودي أَيْضا بإصلاح النَّاس الدروب وغلقهم أَبْوَاب دُورهمْ وَألا يخرج أحد إِلَى الشوارع بعد عشَاء الْآخِرَة وغلقت أَبْوَاب الْقَاهِرَة قبل عَادَة إغلاقها من اللَّيْل فَكَانَت لَيْلَة هَذَا الْعِيد ويومه من الْأَوْقَات النكدة حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بعيد.
وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثالثه: خلع على الْأَمِير تنبك بن تنبك وإستقر أَمِير الْحَاج عوضا عَن أينال وخلع على قراجا البواب وإستقر فِي ولَايَة الْقَاهِرَة عوضا عَن عَلَاء الدّين على بن مُحَمَّد بن الطبلاوى فباشر الْولَايَة بعسف وخلع على الْأَمِير ممجق وإستقر فِي نِيَابَة القلعة. وَفِيه قبض على عدَّة من الأشرفية. وَفِيه دقَّتْ البشائر عِنْد وُرُود كتاب الْأَمِير حطط نَائِب قلعة حلب بكسرة تغرى برمش وَخُرُوجه من حلب كَمَا تقدم ذكره. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة: رابعه سَار عَسْكَر من الْقَاهِرَة تزيد عدته على سبعين فارلسًا يُرِيدُونَ الْمحلة الغربية لمسك الْأَمِير قراجا الأشرفي. وَفِي يَوْم السبت خامسه: أخذت خُيُول الْأَمِير أركماس الظَّاهِرِيّ الدوادار وعزل من الدوادارية الْكُبْرَى وَأخذ إقطاعه وَأخرج من دَاره وَأخذت خُيُول الْأَمِير قراجا وإقطاعه وشون غلاله. وَفِيه قبض الْعَسْكَر المتوجه على الْأَمِير قراجا وَحمل فِي الْحَدِيد إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سابعه: نُودي بِأَن من وجد أحدا من غُرَمَاء السُّلْطَان وطلع بِهِ فَلهُ خَمْسمِائَة دِينَار وإقطاع وَمن غمز عَلَيْهِ أَنه أخْفى أحدا مِنْهُم حل مَاله وَدَمه هَذَا والمؤيدية قد تجردت للفحص عَن الْعَزِيز وَعَن أينال وَعَن المماليك الأشرفية فِي جَمِيع الْأَمَاكِن وَقبض على الغلمان حَتَّى دلوهم على أَمَاكِن بَعضهم. وصاروا يكبسون الدّور والترب وديارات النَّصَارَى والبساتين وضواحي الْقَاهِرَة ومصر ويرون بِاللَّيْلِ فِي الْأَزِقَّة متنكرين إِلَى غير ذَلِك من أَنْوَاع الفحص والتفتيش فَإِنَّهُم صَارُوا هم الدولة فِي هَذِه الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة وَللَّه در الْقَائِل: وَإِذا سخر الْإِلَه أُنَاسًا لسَعِيد فَإِنَّهُم سعداء وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثامنه: أنعم بإقطاع الْأَمِير قراجا على الْمقَام الناصري مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان وبإقطاع الْأَمِير أركماس الدوادار على الْأَمِير أسنبغا الطيارى وبإقطاع
الْأَمِير أينال على الْأَمِير جرباش قاشق من عبد الْكَرِيم أَمِير مجْلِس وأنعم بإقطاع جرباش هَذَا على الْأَمِير شادي بك الظَّاهِرِيّ ططر وبإقطاع شادي بك على الْأَمِير جرباش كرت المحمدي وبإقطاع أسنبغا الطيارى على الْأَمِير دولات باى الساقي الْمُؤَدِّي وَهُوَ جَمْرَة من جمراتهم.
وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تاسعه: دقَّتْ البشائر لوُرُود الْخَبَر من نَائِب غَزَّة بقدوم الْأَمِير برسباى الْحَاجِب بِدِمَشْق والأمير أينال الششمانى إِلَى الرملة مفارقين لأينال الجكمى. ثمَّ ظهر كذب هَذَا الْخَبَر. هَذَا والأشرفية يقبض عَلَيْهِم وتساق خيولهم وبغالهم إِلَى الإصطبل السلطاني وَيكْتب إِلَى وَفِي يَوْم الْخَمِيس عاشره: برز الْأَمِير أقبغا التمرازى نَائِب الشَّام بِمن مَعَه إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة. وَفِيه خلع على الْأَمِير تمراز أَمِير أخور وإستقر أَمِير سلَاح عوضا عَن الْأَمِير يشبك الْمُجَرّد إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وَأنزل من الاصطبل وَسكن بالحراقة مَكَانَهُ الْمقَام الناصري مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان وَكتب للأمير يشبك بإستقراره أَمِيرا كَبِيرا أتابك العساكر عوضا عَن الْأَمِير أقبغا التمرازى نَائِب الشَّام وخلع على الْأَمِير قراقجا الْحسنى رَأس نوبَة النوب وإستقر أَمِير أخور عوضا عَن الْأَمِير تمراز وخلع على الْأَمِير تمرباى نَائِب الْإسْكَنْدَريَّة كَانَ وإستقر رَأس نوبَة النوب عوضا عَن قراقجا الْحسنى وخلع على الْأَمِير تغرى بردى المؤذى حَاجِب الْحجاب وإستقر دوادارًا كَبِيرا عوضا عَن أركماس الظَّاهِرِيّ فباشر الدوادارية بتجبر وترفع زَائِد وخلع على الْأَمِير دولات باى المؤيدي الساقي أحد أُمَرَاء الطبلخاناه وأمير أخور ثَانِي وإستقر دوادارًا ثَانِيًا عوضا عَن أسنبغا الطياري وخلع على الْأَمِير جرباش كرت رَأس نوبَة وإستقر أَمِير أخور ثَانِي عوضا عَن دولات باى.
وَفِيه قدم الْأَمِير يُونُس المؤيدي من دمشق فَارًّا من أينال الجكمى فَأكْرم وأنعم عَلَيْهِ. وَفِي يَوْم السبت ثَانِي عشره: إستقل الْأَمِير أقبغا التمرازى نَائِب الشَّام بِالْمَسِيرِ من الريدانية. وَفِيه نفى نور الدّين على بن أَحْمد السويفى إِمَام الْأَشْرَف برسباى إِلَى دمياط. وَفِيه دقَّتْ وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشره: كَانَ مسير العساكر المخيمة بالرملة إِلَى جِهَة دمشق. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشره: إستقل الْأَمِير قراقجا الْحسنى أَمِير أخور ومقدم الْعَسْكَر بِالْمَسِيرِ من الريدانية بِمن مَعَه من الْأُمَرَاء والمماليك وعدتهم سِتّمائَة وَخَمْسُونَ فَارِسًا. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن أينال الجكمى برز مخيمه إِلَى ظَاهر مَدِينَة دمشق فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس ثَالِث شَوَّال هَذَا عزم على الْخُرُوج من الْمَدِينَة إِلَى المخيم ليسير نَحْو الْقَاهِرَة فَركب عَلَيْهِ من أُمَرَاء دمشق الْأَمِير برسباى الْحَاجِب والأمير قانباى البهلوان الأتابك فِي عدَّة أُمَرَاء وقاتلوه خَارج الْمَدِينَة فَقَاتلهُمْ وَهَزَمَهُمْ فوقفوا لحربه ثَانِيًا فَهَزَمَهُمْ بعد وقْعَة أُخْرَى فإمتنعوا بالقلعة وَقد جرح مِنْهُم جمَاعَة فَأخذ خيولهم وَأَمْوَالهمْ وَنزل بالميدان وأبطل الْحَرَكَة للسَّفر وَسبب هَذِه الْحَرَكَة أَنه كتبت ملطفات سلطانية إِلَى أُمَرَاء دمشق وجهزت إِلَى الْأَمِير خشكلدى نَائِب قلعة صفد فَبعث بهَا على يَد نَصْرَانِيّ إِلَى بهاء الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين عمر بن حجى كَاتب السِّرّ ففرقها فِي الْأُمَرَاء وإستمالهم حَتَّى وافقوا على الرّكُوب على أينال الجكمى وَأَخذه ثمَّ إختفي من ليلته فَرَكبُوا هم من الْغَد وَكَانَ من أَمرهم مَا ذكر. وَلما ورد هَذَا الْخَبَر تفرس من لَهُ بصر بالأمور وإطلاع على أَحْوَال الْوُجُود بِأَن أَمر أينال الجكمى لَا يتم فَإِنَّهُ أَخطَأ الرَّأْي أَولا فِي الْقَبْض على الْأُمَرَاء لظَنّه بهم السوء ثمَّ إِطْلَاقهم وَالرُّكُوب إِلَيْهِم حَتَّى إِذا أمكنتهم الفرصة وَثبُوا عَلَيْهِ ليقتلوه فَكَانَت لَهُ عَلَيْهِم وأنى يفلح ملك لَا توافقه أعوانه. هَيْهَات ثمَّ هَيْهَات لَا يكون ذَلِك أبدا. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن الْأَمِير يشبك المستقر أتابك العساكر إنتهى بِمن مَعَه من الْأُمَرَاء والمماليك فِي طلب هوارة إِلَى مَدِينَة إسنا فَلم يَقع بهم وَأَنه رَجَعَ بالعسكر إِلَى مَدِينَة
هُوَ فَقدم عَلَيْهِ عدَّة من الْمَشَايِخ الصلحاء وَمَعَهُمْ طَائِفَة من مَشَايِخ هوارة راغبين فِي الطَّاعَة وحلفوا على ذَلِك وَأَنه قدم على الْعَسْكَر فِي يَوْم الْأَحَد سادسه طوغان الزردكاش أحد الدوادارية ودعا الْعَسْكَر إِلَى طَاعَة الْملك الْعَزِيز وَالْقِيَام بنصرته فَإِنَّهُ أخرجه من حَيْثُ كَانَ مَحْبُوسًا وَنزل من القلعة وإجتمع عَلَيْهِ جمَاعَة من مماليكه فَلم يوافقوا على ذَلِك وحلفوا أَنهم مقيمون على طَاعَة السُّلْطَان. فدقت البشائر لذَلِك وخلع على الْوَاصِل بِهَذَا الْخَبَر وَأجِيب بِحمْل طوغان فِي الْحَدِيد وَكَانَ قد وصل الْخَبَر قبل ذَلِك بتوجه طوغان هَذَا إِلَى بِلَاد الصَّعِيد وَكتب بِحمْلِهِ. وَفِيه كتب توقيع بإسثقرار أَبى السعادات بن ظهيرة فِي خطابة الْحرم عوضا عَن أَبى الْيمن ابْن النويري قَاضِي مَكَّة وجهز إِلَيْهِ ثمَّ بَطل ذَلِك وَكتب بإستقرار أَبى الْيمن فِي الخطابة مَعَ وَظِيفَة الْقَضَاء. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشره: ورد الْخَبَر من الْأَمِير يشبك بِأَنَّهُ نَازل على مَدِينَة أسيوط وَأَن يُونُس الخاصكى ورد عَلَيْهِ بمرسوم شرِيف يتَضَمَّن الْقَبْض على طوغان قَاصد الْعَزِيز وَأَن المماليك لم يمكنوه من ذَلِك فَكثر القلق لوُرُود هَذَا الْخَبَر وخشي النَّاس وُقُوع الْفِتْنَة ظنا بالأشرفية أَنهم رجال وَإِذا هم أشبه بربات الحجال. وَفِيه قدم قَود الشريف بركان بن حسن بن عجلَان أَمِير مَكَّة شرفها الله وَهُوَ خَمْسَة أَفْرَاس وطواشيان وجاريتان وَمِائَتَا شاش وقطعتا ياقوت أَحْمَر زنتهما خَمْسَة عشر قيراطَا وَقطعَة مَاس زنتها تِسْعَة عشر قيراطًا وَنصف. وَفِيه قدم الشريف عقيل بن وبير بن نخبار أَمِير يَنْبع الْمَعْزُول بصحرة يسْعَى فِي الإمرة فوعد بِخَير. وَفِيه قبض على الْأَمِير أركماس الظَّاهِرِيّ الْمَعْزُول عَن الدوادارية الْكُبْرَى وَأخرج منفيًا إِلَى دمياط. وَفِي هَذَا الشَّهْر: وَقع فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ الْمَوْت بالطاعون وَبَلغت عدَّة من رفع اسْمه من ديوَان الْمَوَارِيث بِالْقَاهِرَةِ فِي هَذَا الْيَوْم أحد وَعِشْرُونَ إنْسَانا.
وَفِي يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشره: خلع على الْأَمِير تنبك بن تنبك أحد الْأُمَرَاء الألوف وإستقر حَاجِب الْحجاب عوضا عَن الْأَمِير تغرى بردى المؤذى الْمُنْتَقل إِلَى الدوادارية الْكُبْرَى. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: كبست عدَّة أَمَاكِن فِي طلب الْعَزِيز وَقبض على جمَاعَة من الأشرفية لِكَثْرَة الإرجاف بِخُرُوج من فِي بِلَاد الصَّعِيد من المماليك عَن الطَّاعَة وَأَنَّهُمْ عَادوا يُرِيدُونَ الْقَاهِرَة فمنعت المراكب من التَّعْدِيَة فِي النّيل بِكَثِير من النَّاس وَكثر الفحص والتفتيش حَتَّى كبست الْبَسَاتِين والترب وغلقت بعض أَبْوَاب الْقَاهِرَة نَهَارا وَأخذ أهل الدولة من الْأُمَرَاء وَمن بالقلعة فِي الاستعداد للحرب هَذَا مَعَ مَا فِي الْوَجْه البحري من الوباء الشنيع فِي سرعَة الموتان الْوَحْي السَّرِيع وَكَثْرَة عدَّة الْأَمْوَات لَا سِيمَا فِي الْأَطْفَال وَالْعَبِيد وَالْإِمَاء بِحَيْثُ مَاتَ من قَرْيَة وَاحِدَة مِائَتَا صَغِير من أَوْلَاد أَهلهَا وَحل بالتجار فِي الْإسْكَنْدَريَّة ضيق شَدِيد وبلاء عَظِيم بِسَبَب رمى الفلفل السلطاني عَلَيْهِم. وَنزل بِأَهْل الْقَاهِرَة ومصر خوف شَدِيد بِسَبَب إختفاء الأشرفية وتطلبهم فَإِذا طرقت جِهَة من الْجِهَات حل بِأَهْلِهَا من أَنْوَاع الْبلَاء مَا لَا يُوصف من النهب وَالْهدم والعقوبة والغرامة سَوَاء وجد الْمَطْلُوب أَو لم يُوجد فَمَا بقى أحد إِلَّا وخامر قلبه الْخَوْف خشيَة أَن يرميه عَدو لَهُ أَو حَاسِد لنعمته أَنه أخْفى أَحدًا من الأشرفية فَلَا تتروى المؤيدية فِي أمره وَلَا تتمهل بل تطرقه بَغْتَة وتنزل بِهِ فَجْأَة وَقد تبعها من غوغاء الْعَامَّة عدد كالجراد الْمُنْتَشِر وتهجم دَاره ودور من حوله فَيكون شَيْئا مهولاً وَكَثِيرًا مَا فعلوا ذَلِك فَلم يَجدوا أحدا وَكَانَ من الْبلَاء مَا كَانَ حَتَّى أَنه هجم بعض الْمدَارِس ونهبت وَكسر أَبْوَاب بيوتها ونبش قبر كَانَ بهَا فَلم يُوجد بهَا أحد وَمَعَ ذَلِك كُله فالغلال ترمى على النَّاس من الدِّيوَان فَلَا يقدر على ذِي الجاه وَيهْلك الضَّعِيف من كَثْرَة الغرامة. وَفِي يَوْم السبت تَاسِع عشره: برز الْمحمل إِلَى الريدانية خَارج الْقَاهِرَة صُحْبَة الْأَمِير تنبك المستقر حَاجِب الْحجاب فِي عدَّة من المماليك السُّلْطَانِيَّة ثمَّ تبعه الْحجَّاج شَيْئا بعد شَيْء. وَفِيه ورد الْخَبَر بِالْقَبْضِ على طوغان الزردكاش وَحمله فِي الْحَدِيد فَقدم فِي آخر النَّهَار وَكَانَ من خَبره أَن الأشرفية من حِين كَانَت وقْعَة قرقماس لم يزَالُوا فِي إدبار وَتَقَدَّمت المؤيدية عَلَيْهِم كَمَا تقدم ذكره فَأخذُوا فِي التَّدْبِير لأَنْفُسِهِمْ بِغَيْر معرفَة وَلَا حَظّ يسعدهم فأخرجوا الْعَزِيز من مَوْضِعه وأضاعوه ثمَّ قَامُوا مَعَ الْأَمِير أينال ليثوروا
لَيْلًا فَلَمَّا فطن بهم لعدم تحفظهم وَقلة دربتهم تسللوا من دَار أينال وَقد كَاد يدركهم الطّلب من السُّلْطَان فَلَمَّا وصل طوغان من عِنْد الْعَزِيز لم يحسن التَّصَرُّف فِيمَا إنتدب لَهُ فَإِنَّهُ إشتهر فِي مسيره ثمَّ لما وصل إِلَى من قصدهم أعلم المماليك بِأَن الْعَزِيز خرج من سجنه وَنزل من القلعة فإجتمع عَلَيْهِ الْقَوْم وَأَنه محاصر للقلعة فأدركوه فهيج هَذَا القَوْل مِنْهُ حفائظهم وحرك كوامنهم هَذَا وَقد ضيع نَفسه بشهرته فِي مُدَّة توجهه من عِنْد الْعَزِيز إِلَيّ أَن وصل إِلَى المماليك. وَقد بلغ السُّلْطَان خَبره ومروره بالبلاد الَّتِي نزل بهَا فِي سَفَره فَكتب بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فَلم يُدْرِكهُ الطّلب حَتَّى وصل وروج على أَصْحَابه بِمَا لَا حَقِيقَة لَهُ فبادر الْأَمِير يشبك بمطالعة السُّلْطَان بِخَبَر طوغان ثمَّ ترادفت كتب السُّلْطَان وأخبار الْمُسَافِرين بِمَا تبين بِهِ كذب طوغان وَأَن الْعَزِيز مخفي والمواضع تكبس عَلَيْهِ فإنحل مَا عقده طوغان فِي أنفس المماليك وَأثبت مَا كَانَ قد أوثقه بِأَيْدِيهِم هَذَا وَقد توجهوا من أسيوط يُرِيدُونَ الْقَاهِرَة ليدركوا الْعَزِيز بزعمهم فمازال الْأَمِير يشبك يستميلهم ويخوفهم حَتَّى أسلموه طوغان بعد إباء وإمتناع أفْضى بِهِ وبهم أَن جمع عَلَيْهِ الكاشف بِالْوَجْهِ القلبي وَعدد كَثِيرَة من عربان الطَّاعَة وهم بمحاربتهم فَلم تكن لَهُم طَاقَة. بمحاربته وَتبين لَهُم فَسَاد مَا بنوا عَلَيْهِ أَمرهم فأذعنوا عِنْد ذَلِك وقادوه برمتِهِ حَتَّى حمل فِي الْحَدِيد وَرَجَعُوا مَعَ الْأَمِير يشبك إِلَى نَاحيَة جرجا فَبَطل مَا كَانُوا يعلمُونَ وَالله لَا يصلح عمل المفسدين. وعندما وصل طوغان تولى عُقُوبَته المؤيدية فَمَا عفوا وَلَا كفوا بل أنزلوا بِهِ أَنْوَاع الْعَذَاب الْمُتْلف مَا بَين ضرب وعصر وَغير ذَلِك حَتَّى أشفى على الْمَوْت وعوقب مَعَه ثَلَاثَة نفر فأجتمع من إقرارهم أَن إِبْرَاهِيم الطباخ لما أخرج الْعَزِيز بعد الْمغرب نزل من مَوضِع بالمصنع تَحت القلعة وَقد إجتمع عَلَيْهِ عدَّة من المماليك ليسرروا بِهِ إِلَى الشَّام ثمَّ إنصرفوا عَن هَذَا الرَّأْي وَتوجه طوغان ليَأْتِي بالمماليك من الصَّعِيد. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشرينه: أخرج بطوغان مَحْمُولا لعَجزه عَن الْحَرَكَة من شدَّة الْعقُوبَة حَتَّى وسط عِنْد بَاب السلسلة. وَمن الْعجب أَن طوغان هَذَا مَاتَ الْأَشْرَف وَهُوَ من جملَة الزردكاشية فإستحال على خشداشيته وَصَارَ من جملَة الْأَمِير أينال وانتمى مَعَه إِلَيّ السُّلْطَان وَهُوَ إِذا ذَاك أَمِير وإختص بِهِ فعمله من جملَة الدوادارية ثمَّ إستحال على السُّلْطَان وَأخرج الْعَزِيز فَكَانَت منيته على يَده. هَذَا وَالْبَلَاء يشْتَد على النَّاس بِسَبَب الْعَزِيز فَقبض على جمَاعَة وسجن جمَاعَة وعوقب كثير من النَّاس. وَفِي هَذَا الْيَوْم: إستقل الركب الأول بِالْمَسِيرِ من بركَة الْحجَّاج بَعْدَمَا فتش ا
لحجاج. ثمَّ إستقل الْمحمل بِالْمَسِيرِ مَعَ أَمِير الْحجَّاج بِبَقِيَّة الْحجَّاج فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشرينه. وَفِيه قبض على سر النديم الحبشية دادة الْعَزِيز بَعْدَمَا كبس عَلَيْهَا عدَّة بيُوت وعوقب جمَاعَة ثمَّ قبض على الطواشي صندل الْهِنْدِيّ فتحقق مِنْهُمَا أَن الْعَزِيز وأينال لم يخرجَا من الْبَلَد وَأَن الَّذِي أشيع بَين النَّاس من توجههما إِلَى الشَّام كذب وَأَن الْعَزِيز لم يجْتَمع مَعَ أينال وَأَنه كَانَ هُوَ وصندل هَذَا وطباخه إِبْرَاهِيم ومملوكه أزدمر بِغَيْر زِيَادَة على هَؤُلَاءِ ينْتَقل وهم مَعَه من مَوضِع إِلَى مَوضِع وَأَن صندل فَارقه من أَرْبَعَة أَيَّام وَقد طرده أزدمر الْمَذْكُور فَدفع إِلَيْهِ الْعَزِيز خمسين دِينَارا فَانْصَرف عَنْهُم وَصَارَ يتَرَدَّد إِلَى بيُوت معارفه فِي زِيّ امْرَأَة فَلم يؤوه أحد حَتَّى دخل على بعض معارفه فِي اللَّيْل فأوته حَتَّى أصبح فَدلَّ زَوجهَا عَلَيْهِ حَتَّى أمسك وعوقب ثمَّ سجن. وَطلبت خوند مغل إبتة الْبَارِزِيّ دادة الْعَزِيز فَسلمت لَهَا من غير عُقُوبَة فأقامت عِنْدهَا وَقبض على مُرْضِعَة الْعَزِيز وعَلى زَوجهَا وَبَعض أقَارِب زَوجهَا وعَلى جماعات من الرِّجَال وَالنِّسَاء مِمَّن كَانَ من جواري الْأَشْرَف أَو من معارفهن وَمِمَّنْ آتهم بِأَنَّهُ معرفَة لإِبْرَاهِيم الطباخ وتعدى الْحَال إِلَى امْرَأَة مسكينة تزْعم أَن لَهَا تَابعا من الْجِنّ يخبرها مِمَّا يكون فتتكسب بذلك من النسوان وَمن فِي معناهن من ضعفة الرِّجَال مَا تقيم بِهِ بعض أودها: وَذَلِكَ أَنه وشي بهَا إِلَى أحد المؤيدية أَن بعض الطواشية كَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهَا فتخبره أَن الْعَزِيز يعود إِلَى ملكه فَقبض على هَذِه المسكينة وعَلى عدَّة من يلوذ بهَا وعوقبت وَكَانَ الطواشي الَّذِي قيل عَنهُ أَنه يَأْتِي إِلَيْهَا فتخبره بِعُود ملك الْعَزِيز إِلَيْهِ قد توجه لِلْحَجِّ مَعَ الركب فَكتب بضربه وَحمله إِلَى الْقَاهِرَة فَضرب ثمَّ شهر فِي الركب وَكَانَ قد كتب لإعفائه من الضَّرْب وَالْعود إِلَى الْقَاهِرَة فَلم يُدْرِكهُ القاصد الثَّانِي حَتَّى ضرب وَشهر فَتوجه بعد ذَلِك إِلَى الْحَج. وَفِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشرينه: وسط مَمْلُوك أخر من الأشرفية عِنْد بَاب السلسلة. وَفِيه عزل الْأَمِير فَيْرُوز الجركسي زِمَام الدَّار من أجل أَنه فرط فِي الْحِرْص على الْعَزِيز حَتَّى كَانَ من أمره مَا كَانَ. وَعين عوضه الْأَمِير صفي الدّين جَوْهَر الخازندار. وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة وَيَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرينه: كبست المؤيدية على مَوَاضِع مُتعَدِّدَة بِالْقَاهِرَةِ ومصر وظواهرهما وكبست دور الصاحب أَمِين الدّين بن الهيصم ودور جِيرَانه فِي طلب الْعَزِيز فَلم يُوجد وهرب الصاحب ثمَّ ظهر وخلع عَلَيْهِ بعد ذَلِك وَقد شَمل الْخَوْف كثيرا من النَّاس وكادت الْأَسْوَاق أَن تتعطل لِكَثْرَة الإرجاف بِأَن بيُوت النَّاس كَافَّة تكبس ويعاقبوا حَتَّى يظْهر الْعَزِيز.
وَفِيه قدم من الصَّعِيد بضعَة عشر رَأْسا علقت على بَاب النَّصْر وَذَلِكَ أَن الْأَمِير يشبك لما قبض على طوغان وَبعث بِهِ كَمَا تقدم ذكره رَجَعَ بِمن مَعَه من المماليك والأمراء لمحاربة هوارة فَلَقِيَهُمْ على نَاحيَة بوتيج فِي حادي عشرينه وَقَاتلهمْ وَهَزَمَهُمْ بَعْدَمَا قتل مِنْهُم مَائه وَسِتِّينَ رجلا وَأخذ لَهُم مائَة فرس فَجهز من رُؤُوس أعيانهم سِتَّة عشر رَأْسا هَذَا وَقد خربَتْ بِلَاد الصَّعِيد ورعيت زروعها مَعَ مَا فِي أراضيها من الشراقي وَأكل الفأر الْكثير جدا مُعظم الزَّرْع وَهدم الْعَرَب الدواليب. وَفِي يَوْم السبت سادس عشرينه: خلع على الْأَمِير صفي الدّين جَوْهَر الخازندار وإستقر زِمَام الآدر السُّلْطَانِيَّة عوضا عَن الطواشي فَيْرُوز مُضَافا للخازندارية. وَفِي لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشرينه: قبض على الْملك الْعَزِيز وَذَلِكَ أَنه ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَمَاكِن لِكَثْرَة مَا يكبس عَلَيْهِ وَهُوَ يتنقل من مَوضِع إِلَى مَوضِع آخر وَمَعَهُ أزدمر شاد شواب خاناته وصندل طواشيه وَإِبْرَاهِيم طباخه فطرد أزدمر صندل الطواشي ومازال بِهِ حَتَّى فارقهم من أَربع لَيَال ثمَّ طرد الطباخ وإنفرد هُوَ والعزيز فَيُقَال إِن الْعَزِيز بعث إِلَى خَاله أخي أمه وإسمه بيبرس ليختفي عِنْده فواعده على أَنه يَأْتِيهِ. وَخَافَ عَاقِبَة أمره فَأعْلم جَار لَهُ من المؤيدية يُقَال لَهُ يلبيه رَأس نوبَة بِأَمْر مَجِيء الْعَزِيز وَأَنه يقبح بِهِ أَن يكون مسكه على يَدَيْهِ وَلَكِن إفعل أَنْت ذَلِك. فترصده يلبيه حَتَّى مر بِهِ وَمَعَهُ أزدمر بعد عشَاء الْآخِرَه فِي خطّ زقاق حلب وهما فِي هَيْئَة مغربيين. فَوَثَبَ يلبيه بأزدمر ليقْبض عَلَيْهِ فإمتنع مِنْهُ فَضَربهُ أدْمى وَجهه وأعانه عَلَيْهِ أعوانه حَتَّى أوثقوه وَأخذُوا الْعَزِيز وَعَلِيهِ جُبَّة صوف وقادوه وأزدمر إِلَى بَاب السلسلة وصعدوا بهما إِلَى السُّلْطَان والعزيز حاف وَقد أَخذ رجل بأطواقه يسحبه وَجَمَاعَة مُحِيطَة بِهِ. فَأوقف بَين يَدي السُّلْطَان سَاعَة وَهُوَ يؤنبه ثمَّ سجن فِي مَوضِع حَتَّى أصبح وطلع الْأُمَرَاء وَغَيرهم إِلَى الْخدمَة فأعلموا بِخَبَر الْعَزِيز ثمَّ أدخلهُ السُّلْطَان إِلَى قاعة العواميد وأسلمه لزوجته خوند مغل بنت الْبَارِزِيّ وأمرها أَن تَجْعَلهُ فِي المخدع الْمعد لمبيت السُّلْطَان وَلَا تَبْرَح على بَابه وَأَن تتولى أَمر أكله وشربه وحاجاته بِنَفسِهَا فَأَقَامَ على ذَلِك حَتَّى نقل من المخدع كَمَا سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَأما أزدمر فَإِنَّهُ سجن بالبرج من القلعة حَيْثُ كَانَ صندل وَغَيره من الأشرفية وَلم يُوقف للطباخ على خبر وَيُقَال إِن الْعَزِيز دفع إِلَيْهِ مبلغ سِتّمائَة دِينَار وَدفع لصندل خمسين دِينَارا.
وَوجد مَعَ الْعَزِيز ثَمَانمِائَة دِينَار دفع السُّلْطَان مِنْهَا إِلَى يلبيه خَمْسمِائَة دِينَار ولمملوكه الَّذِي عاونه فِي الْقَبْض على أزدمر مائَة دِينَار وَفرق بَاقِي ذَلِك وَنزع عَن الْعَزِيز مَا كَانَ عَلَيْهِ من الثِّيَاب المغربية وألبس من ثِيَاب السلطنة مَا يَلِيق بِهِ ووعد يلبيه بإمرة طلبخاناه. وعندما صعد الْعَزِيز إِلَى القلعة دقَّتْ البشائر لَيْلًا وَمن الْغَد وَركب الْأَعْيَان لتهيئة السُّلْطَان فَإِنَّهُ وَأَتْبَاعه من أهل الدولة كَانُوا فِي قلق زَائِد وَخَوف شَدِيد لما داخلهم من عود دولة الْعَزِيز بِخُرُوج نائبي دمشق وحلب عَن طَاعَة السُّلْطَان وَقيام الأشرفية بِبِلَاد الصَّعِيد وَكلهمْ جَمِيعًا فِي طَاعَة الْعَزِيز وَالله يُؤَيّد بنصره من يَشَاء. وَفِي يَوْم الْأَحَد: هَذَا توجه جانم المؤيدي إِلَى الْبِلَاد الشامية وعَلى يَده عدَّة مثالات سلطانية بالبشارة بِالْقَبْضِ على الْعَزِيز. وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشرينه: أحضر بالأمير أينال البوبكري الأشرفي وَذَلِكَ
أَنه مازال مختفيًا حَتَّى ظهر الْعَزِيز فغرته الخدع الَّتِي خودع بهَا من الثَّنَاء عَلَيْهِ وَبسط عذره فِي إختفائه وَدخل عشَاء على الْأَمِير جرباش قاشق أَمِير مجْلِس وإستجار بِهِ فأجاره وَقد ظن أَن السُّلْطَان يقبل شَفَاعَته ثمَّ صعد بِهِ من الْغَد وَقد بعث يعلم السُّلْطَان بِهِ فعندما وَقع فِي قَبْضَة السُّلْطَان أَمر بِهِ فقيد وسجن حَتَّى يحمل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة والأمير جرباش يُكَرر تَقْبِيل يَد السُّلْطَان ورحله فِي أَن يشفعه فِيهِ فَلم يفعل وَأخرج فِي يَوْمه إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فسجن بهَا. وَفِي هَذَا الشَّهْر: قدم ركب التكرور برقيق كثير وتبر فَسَار أَكْثَرهم إِلَى الْحَج بَعْدَمَا باعوا الرَّقِيق فَهَلَك أَكْثَره عِنْد من إشتراهم. وَفِيه ظهر فِي السَّمَاء كَوْكَب لَهُ ذَنْب نَحْو الذراعين وَكَانَ يرى عشَاء بحذاء كواكب برج السرطان فَأَقَامَ أَيَّامًا. شهر ذِي الْقعدَة أَوله الْأَرْبَعَاء: فِي ثَانِيه: خلع على بهاء الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين عمر بن حجى كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق وإستقر فِي قَضَاء الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن تَقِيّ الدّين أَبى بكر بن قَاضِي شُهْبَة مَعَ مَا بِيَدِهِ من كِتَابَة السِّرّ وَذَلِكَ أَن الْأَمِير أينال الجكمى لما ثار بِدِمَشْق على ابْن حجى وَأخذ مِنْهُ مَالا فَكتب إِلَى ابْن حجى حَتَّى فرق الملطفات السُّلْطَانِيَّة فِي الْأُمَرَاء فَكَانَ من ركوبهم على النَّائِب مَا كَانَ وفر ابْن حجى وَقدم الْقَاهِرَة فجوزي على مَا كَانَ مِنْهُ بِإِضَافَة الْقَضَاء إِلَيْهِ بسفارة حميه الْمقر الكمالي مُحَمَّد بن الْبَارِزِيّ كَاتب السِّرّ وعناية عَظِيم الدولة زين الدّين عبد الباسط بِهِ. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامنه: دقَّتْ البشائر عِنْد وُرُود كتاب الْأَمِير ألابغا حَاجِب غَزَّة يتَضَمَّن قتال وَفِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء: الْمَذْكُور نقل الْعَزِيز من حَبسه بالمخدع من قاعة العواميد إِلَى سجن ضيق فِي الحوش تَحت الدهيشة بعد أَن سدت طاقاته ووكل بِهِ من يحفظه وَمنع من جَمِيع خدمه. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء: هَذَا أَخذ مَا كَانَ للعزيز بِالْقَاهِرَةِ من الحواصل الَّتِي تشْتَمل على
سروج وَثيَاب وحلي وفرش وأواني وَغير ذَلِك مِمَّا حمل على نَيف وَسبعين حمالاً وَلها قيمَة تزيد على خمسين ألف دِينَار سوى خَمْسَة آلَاف دِينَار وجدت لَهُ لتتمة سِتِّينَ ألف دِينَار وَسوى جَوَاهِر لَهَا قيمَة عَظِيمَة وَسوى حلي للنِّسَاء يجل وَصفه وَقِيمَته مِمَّا كَانَ للأمه. وَفِي يَوْم الْخَمِيس تاسعه: دقَّتْ البشائر لوُرُود الْخَبَر بمسك الْأَمِير أينال الجكمى وإنبثت قصاد السُّلْطَان فِي أهل الدولة يبشرونهم بذلك وَيَأْخُذُونَ مِمَّن يأتوه مَالا على هَذِه الْبُشْرَى فَمنهمْ من يُعْطي البشير أَرْبَعِينَ دِينَارا أَو أقل من ذَلِك أَو أَكثر وفعلوا مثل ذَلِك فِي اللَّيْلَة الَّتِي قبض على الْعَزِيز فِيهَا فكسبوا مَالا جزيلاً. وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عاشره: وَردت مطالعة الْأَمِير أقبغا التمرازي نَائِب الشَّام ومطالعات الْأُمَرَاء بِذكر وَاقعَة أينال الجكمى. وملخصها أَن العساكر المتوجهة من الْقَاهِرَة والمتجمعة بالرملة نزلُوا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء مستهله بِمَنْزِلَة الخربة وَقد قدمُوا بَين أَيْديهم جمَاعَة لكشف الْأَخْبَار فَجَاءَت الكشافة وأخبرت بِقرب أينال الجكمى مِنْهُم فَرَكبُوا وَقد عبوا جموعهم سِتَّة أطلاب وهم الْأَمِير أقبغا التمرازي نَائِب الشَّام والأمير جلبان نَائِب حلب والأمير أينال الأجرود نَائِب صفد والأمير طوخ مازي نَائِب غَزَّة والأمير طوغان نَائِب الْقُدس والأمير غرس الدّين خَلِيل المستقر فِي نِيَابَة ملطية وَسَارُوا بِمن مَعَهم من العربان والعشران جاليشاً حَتَّى وصلوا إِلَى مضيق قرن الْحرَّة وَإِذا بجاليش أينال الجكمى وَهُوَ الْأَمِير قانصوه النوروزي وَمَعَهُ نَائِب بعلبك وَكَاشف حوران وَمُحَمّد الْأسود بن القان وَشَيخ العشير وفرعلي الدكري أَمِير التركمان وخليل بن طور على بن سقل سيز التركماني وَكثير من العربان وَالْجمع نَحْو ألف فَارس فَكَانَت بَين الْفَرِيقَيْنِ وقْعَة كَبِيرَة إنهزمت فِيهَا الأطلاب السِّتَّة وَإِذا بالأمير أينال الجكمى قد أقبل فَركب أقفية الْقَوْم حَتَّى أوصلهم إِلَى السنجق السلطاني وَتَحْته الْأَمِير قراقجا الْحسنى أَمِير أخور والأمير تمرباى رَأس نوبَة النوب وَبَقِيَّة الْأُمَرَاء المصريين والمماليك السُّلْطَانِيَّة فثبتوا لَهُ وقاتلوه وَهُوَ يقاتلهم مِقْدَار سَاعَة فهزموه بعد أَن قتل جمَاعَة من الْفَرِيقَيْنِ يَقُول المكثر زِيَادَة على خَمْسمِائَة رجل مِنْهُم الْأَمِير صرغتمش
المستقر دوادار حلب وجرح خلق كثير وَقبض على مُحَمَّد بن الْأَمِير قانصوه وعَلى الْأَمِير تنم العلاى والأمير خاير بك القوامي والأمير يبرم صوفي فِي جمَاعَة وَقد حَال بَينهم اللَّيْل فَلَمَّا أَصْبحُوا يَوْم الْخَمِيس ورد الْخَبَر عَلَيْهِم من دمشق بِالْقَبْضِ على أينالً الجكمى من قَرْيَة حرستا وَقد إختفى بهَا فِي مزرعة وَمَعَهُ نفر يسير وَذَلِكَ أَن رجلا فطن بِهِ فَدلَّ عَلَيْهِ نَائِب القلعة فَبعث فِي طلبه جمَاعَة طرقوه فدافع عَن نَفسه حَتَّى طعن فِي جنبه وَدمِي فِي وَجهه فَأخذ وَجِيء بِهِ على فرسه وَقد وقف من العي فَلم يصل إِلَى القلعة إِلَّا بعد الْعَصْر وَالنَّاس فِي جموع كَثِيرَة لرُؤْيَته فسجن مُقَيّدا فِي القلعه وَدخل الْأَمِير أقبغا التمرازي نَائِب الشَّام إِلَى دمشق أَوَائِل نَهَار الْجُمُعَة ثالثه فِي العساكر وهم بسلاحهم فَنزل دَار السَّعَادَة بِغَيْر ممانع. وفى هَذَا الْيَوْم: قتل بِدِمَشْق مُحَمَّد الْمَعْرُوف ببلبان شيخ كرك نوح وَولده مُحَمَّد الخرباني وَكَانَ من خَبره أَنه قدم بجموعه نصْرَة لعساكر السُّلْطَان فَلم يصل حَتَّى إنقضت الْوَقْعَة فَدخل فِي خدمَة النَّائِب حَتَّى عبر دَار السَّعَادَة وتفرق الْأُمَرَاء وَغَيرهم فِي مَنَازِلهمْ فَتوجه بلبان فِيمَن توجه حَتَّى كَانَ عِنْد الْمصلى والعامة قد مَلَأت الطرقات فصاح بِهِ وبمن مَعَه من العشير جمَاعَة من أراذل عَامَّة دمشق قائلين أَبَا بكر أَبَا بكر يكررون ذَلِك مرَارًا يُرِيدُونَ نكاية بلبان وجماعته فَإِنَّهُم يرْمونَ بِأَنَّهُم رفضة. فَلَمَّا كثر ذَلِك من الْعَامَّة أَخذ بعض العشير يضْرب وَاحِدًا مِنْهُم فَوَثَبُوا بِهِ وألقوه عَن فرسه ليقتلوه فإجتمع أَصْحَابه ليخلصوه من الْعَامَّة وقاتلوهم فبادروا وذبحوا ذَلِك البائس وتناولوا الْحِجَارَة يرْمونَ بهَا بلبان وَقَومه وَوَضَعُوا أَيْديهم فَقتلُوا بلبان وإبنه وجماعته وهم خَمْسمِائَة أَو يزِيدُونَ بِغَيْر سَبَب وَلَا أَمر سُلْطَان وَلَا حَاكم فَلم ينتطح فِي قَتلهمْ عنزان وَلَا تحرّك لَهُم إثنان وَفِي هَذِه الْأَيَّام: رسم بعقوبة الْأَمِير جكم خَال الْعَزِيز فِي سجنه بالإسكندرية حَتَّى يعْتَرف. بمتحصل الْعَزِيز فِي أَيَّام أَبِيه من إقطاعه وَمن حماياته ومستأجراته وَمن الْهَدَايَا والتقادم الَّتِي كَانَت تَأتيه فأجابهم عَن ذَلِك ورسم بعقوبة الْأَمِير يخشي بك بالسجن أَيْضا وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ فِي التجريدة بِبِلَاد الصَّعِيد أَيَّام الْأَشْرَف ضبط عَلَيْهِ أَنه سبّ بعض من يَدعِي أَنه شريفًا فَلَمَّا مَاتَ الْأَشْرَف وَأنزل بالأشرفية من القلعة كَمَا تقدم أَرَادوا أَن يدعوا على يخشي بك عِنْد القَاضِي الْمَالِكِي بِأَنَّهُ سبّ أَبَا الشريف ليريق دَمه
فبادر حَتَّى حكم قَاضِي شَافِعِيّ بحقن دَمه فإطمأن لذَلِك فَلم يَتْرُكُوهُ بعد سجنه وَأَرَادُوا قَتله فأوصلوا الْقَضِيَّة بالمالكي وَسمع الْبَيِّنَة عَلَيْهِ فَلم يمض قَتله ثَنَاء على أَن هَذِه الدَّعْوَى هِيَ الَّتِي حكم فِيهَا بحقن دَمه ونازعه فِي ذَلِك قوم وَزَعَمُوا أَن الدَّعْوَى الَّتِي حكم فِيهَا بحقن دَمه يخر هَذِه وَكثر الإختلاف فِي ذَلِك وَعقد فِيهِ مجَالِس وَالْغَرَض قَتله وَالْحكم الشَّرْعِيّ بذلك فَلم يتَّجه وَتَمَادَى الْحَال فِي ذَلِك عدَّة أشهر ثمَّ تحركوا لقَتله وإستمالوا بعض من تمشيخ وتمصلح من الْمَالِكِيَّة حَتَّى أُفْتِي بقتْله وَأُرِيد من القَاضِي الْعَمَل بفتياه فَلم يتجاسر على الحكم بِالْقَتْلِ وَجَرت أُمُور آخرهَا أَن قيل يُفَوض الحكم لهَذَا الْمُفْتِي حَتَّى يحكم كَمَا أُفْتِي بقتْله فبكي لما قيل لَهُ ذَلِك وَلم يقدم عَلَيْهِ فَلَمَّا وَقع الْيَأْس من قَتله بيد قُضَاة الشَّرْع رسم بعقوبته حَتَّى يعْتَرف بِمَالِه من الْأَمْوَال فَعُوقِبَ أَشد عُقُوبَة بِحَيْثُ لم وَفِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشره: كتب بقتل أينال الجكمى بسجنه من قلعة دمشق بعد تَقْرِيره على أَمْوَاله وذخائره وبقتل جمَاعه مِمَّن قبض عَلَيْهِ فِي الْوَقْعَة. وَفِي ثَالِث عشره: خلع على الْأَمِير سودون المغربي وأعيد إِلَى ولَايَة دمياط عوضا عَن مُحَمَّد الصَّغِير. وَفِيه ورد الْخَبَر بِأَن الفأر مكثر بأراضي الزراعات وَأَن فِي نَاحيَة البهنسى كَانَت للفيران حَرْب شَهِدَهَا النَّاس وَقد إجتمع من الفيران عدد عَظِيم إقتتلوا قتالاً كَبِيرا ثمَّ تفَرقُوا فوجدوا فِي معتركهم من الفيران شَيْء كثير مَا بَين مقتول ومجروح ومقطوع بعض الْأَعْضَاء وَأَنه بَلغهُمْ أَن ذَلِك كَانَ بَين الفيران فِي مَوضِع آخر. وَعِنْدِي أَن هَذَا مُنْذر بحادث ينْتَظر. وَفِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشره: وصل مُحَمَّد بن الْأَمِير قنصوه فعفي عَنهُ بشفاعات وَقعت فِيهِ. وَقدم الْخَبَر بِأَن العساكر تَوَجَّهت من دمشق فِي حادي عشره إِلَى حلب بعد أَن عَاد الْأَمِير طوغان نَائِب الْقُدس إِلَيْهَا وَتَأَخر الْأَمِير أقبغا التَمرازي نَائِب الشَّام بِدِمَشْق وَأَن المتوجه إِلَى حلب الْأَمِير جلبان نَائِب حلب والأمير أينال نَائِب صفد والأمير طوخ نَائِب غَزَّة والأمير قراقجا الْحسنى والأمير تمرباي والمماليك السُّلْطَانِيَّة وَأَنه قبض بِدِمَشْق على الْأَمِير طرعلي الدكري وشنق بهَا وَأَن تغري برمش نزل على حلب وصحبته الْأَمِير طرعلي بن سقل سيز والأمير على بار بن أينال بجمائعهما من التركمان والأمير غادر بن نعير بعربه من آل مهنا والأمير فرج وأخيه إِبْرَاهِيم وَلَدي صوجي والأمير مَحْمُود بن الدكري بجمائعهم من التركمان وعدة الْجَمِيع نَحْو ثَلَاثَة
آلَاف فَارس فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشْرين شَوَّال وَأَن تغرى برمش خيم بالجوهري وَبعث عدَّة كَبِيرَة إِلَى خَارج بَاب الْمقَام فَخرج إِلَيْهِم الْأَمِير برد بك نَائِب حماة وَمَعَهُ جمَاعَة من أُمَرَاء حلب وَمن تركمان الطَّاعَة وَمن الْعَامَّة فَكَانَت بَينهم وقْعَة قتل فِيهَا وجرح جمَاعَة من الْفَرِيقَيْنِ وَعَاد كل مِنْهُمَا إِلَى مَوْضِعه ثمَّ إلتقي الْجَمْعَانِ فِي يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشرينه على بَاب النيرب وإقتتلوا يَوْمًا وَلَيْلَة قتالاً شَدِيدا قتل فِيهِ عدَّة من النَّاس وجرح نَائِب حماة وَطَائِفَة من أُمَرَاء حلب وَجمع كَبِير من الْعَامَّة وَرجع كل فريق إِلَى مَوْضِعه فَرَحل تغرى برمش فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشرينه من مَوْضِعه وَنزل بالميدان وَالْحَرب مستمرة والعامة تبذل جهدها فِي قِتَاله إِلَى أَن كَانَ يَوْم الْخَمِيس ثَانِي ذِي الْقعدَة أحضر تغرى برمش آلَات الْحَرْب فِي مكاحل النفط والجنويات والسلالم إِلَى خَارج بَاب الْفرج وَنصب صيوانه تجاه السُّور وزحف زحفًا قَوِيا. وَأهل حلب يدا وَاحِدَة على محاربته طول ذَلِك النَّهَار مَعَ لَيْلَة الْجُمُعَة بِطُولِهَا وَالنَّاس يَتَضَرَّعُونَ وَيدعونَ الله تَعَالَى فَرَحل تغرى برمش فِي يَوْم الْجُمُعَة وَعَاد إِلَى الميدان بَعْدَمَا كَانَت الْقُضَاة وشيوخ الْعلم وَالصَّلَاح وقوفًا بالمصاحف والربعات على رؤوسهم وهم ينادون من فَوق الأسوار الْغُزَاة معاشر النَّاس فِي الْعَدو فَإِنَّهُ من قتل مِنْكُم كَانَ فِي الْجنَّة وَمن قتل من الْعَدو صَار إِلَى النَّار فِي كَلَام كثير يحرضون بِهِ الْعَامَّة على الْقِتَال ويقوون عزائمهم على الثَّبَات إِلَى أَن رَحل تغرى برمش بِمن مَعَه من الميدان إِلَى الْجِهَة الشمالية فِي يَوْم الْأَحَد خامسه بَعْدَمَا رعت مَوَاشِيهمْ زروع النَّاس وبساتينهم وكرومهم وَقَطعُوا ونهبوا الْقرى الَّتِي حول الْمَدِينَة وخربوا غَالب العمارات الَّتِي هِيَ خَارج السُّور وَقَطعُوا الْقَنَاة الَّتِي تعبر الْمَدِينَة من ثَلَاثَة أَمَاكِن وَكَانَ أَشد النَّاس قتالاً أهل بانقوسا والحوارنة فَحرق الْعَدو أسواق بانقوسا وبيوتها وفتحوا جباب الغلال وَغَيرهَا ونهبوها فداخل النَّاس من الْخَوْف والرعب مَا لَا يُوصف وَطلب الْأَعْيَان بحرمهم وَأَمْوَالهمْ إِلَى القلعة وَقطع تغرى برمش أَيدي جمَاعَة كَثِيرَة من عَامَّة حلب وَبَالغ فِي الْإِضْرَار بِالنَّاسِ فَكَانَت هَذِه النّوبَة من شنائع الْحَوَادِث وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. وَفِي يَوْم الْخمس ثَالِث عشرينه: خلع على عَلَاء الدّين عَليّ بن يُوسُف الْمَعْرُوف بالناسخ قَاضِي الْمَالِكِيَّة بحلب وإستقر فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق عوضا عَن محيى الدّين
يحيى بن حسن بن مُحَمَّد الحيحاني المغربي بعد مَوته وإستقر شرف الدّين يَعْقُوب بن يُوسُف على المكناسي المغربي أحد نواب الحكم بِالْقَاهِرَةِ فِي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بحلب عوضا عَن عَلَاء الدّين النَّاسِخ. وَفِي يَوْم الْخَمِيس الْمُبَارك خَامِس عشرينه: دقَّتْ البشائر لوُرُود الْخَبَر بِأَن العساكر لما سَارَتْ من دمشق فِي حادي عشره كَمَا تقدم ذكره لَقِيَهُمْ تغرى برمش قَرِيبا من حماة فِي جموعه الَّتِي كَانَت مَعَه على حلب فَلَقوهُ فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشره وقاتلوه وَكَانَت بَينهم وقْعَة كَبِيرَة قتل فِيهَا وجرح خلق كثير فإنهزم بِمن مَعَه وحازت العساكر مِنْهُم غَنَائِم لَا تحصى مِنْهَا مِائَتي ألف رَأس من الْغنم سوى مَا تمزق وَهُوَ قريب من ذَلِك. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ سَابِع عشرينه: قدم النجاب بِرَأْس الْأَمِير أينال الجكمى فشهرت على رمح ثمَّ علقت على بَاب زويلة وَكَانَ قَتله فِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشرينه بَعْدَمَا قرر على أَمْوَاله وَنُودِيَ عَلَيْهِ هَذَا جَزَاء من حَارب الله وَرَسُوله وَقتل مَعَه بقلعة دمشق الْأَمِير تنم العلاي. وَفِي هَذِه الْأَيَّام: بعث السُّلْطَان إِلَى قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح ابْن شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين عمر البُلْقِينِيّ بِأَلف دِينَار ذَهَبا فَإِنَّهُ كَانَ قدم لَهُ كتبا وَغَيرهَا قبل ذَلِك. وفيهَا حكم بقتل الْأَمِير يخشي بك وَقد تَقدم أَنه أَدعِي عَلَيْهِ أَنه سبّ شريفاً وَلعن وَالِديهِ فالتجأ إِلَى قَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي فَحكم بعض نوابه بحقن دَمه وَسكن الْحَال مُدَّة أشهر ثمَّ تحركوا عَلَيْهِ بعد سجنه وراودوا القَاضِي الْمَالِكِي على قَتله فإحتج بِحكم الشَّافِعِي بحقن دَمه فعورض بِأَن الْمَطْلُوب الْآن من الدَّعْوَى عَلَيْهِ غير الْمَحْكُوم فِيهِ بحقن الدَّم فصمم على أَنَّهُمَا قَضِيَّة وَاحِدَة وَوَافَقَهُ غير وَاحِد من الْمَالِكِيَّة على ذَلِك فسكنت الثائرة مُدَّة ثمَّ تحركوا لإراقة دَمه وأفتي بقتْله بعض الْمَالِكِيَّة مِمَّن يظْهر للنَّاس نسكا على وَظِيفَة وعد بولايتها وَأَرَادُوا قَاضِي الْقُضَاة الْمَالِكِي أَن يحكم بِمُقْتَضى الْفَتْوَى فإمتنع فعرضت على غير وَاحِد من نواب الْمَالِكِي فَلم يقدم أحد على الحكم وَكَانَ مِنْهُم وَاحِد لم يوله القَاضِي نِيَابَة الحكم وَأقَام مُدَّة بطالاً فَأذن لَهُ السُّلْطَان فِي الحكم فأقدم على مَا أحجم عَنهُ غَيره وَحكم بقتل يخشي بك. وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخه: خلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الْأَمِير الْوَزير تَاج الدّين عبد الرَّزَّاق بن أَبى الْفرج وإستقر نقيب الْجَيْش عوضا عَن نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن أَمِير طبر.
شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام أَوله الْجُمُعَة: فِيهِ دقَّتْ البشائر بقلعة الْجَبَل لوُرُود خبر من غَزَّة بِأَن التركمان الصوجية قبضوا على تغرى برمش وعَلى طرعلي بن سقل سيز. وَفِي يَوْم الْأَحَد ثالثه: وَردت مطالعة الْأَمِير جلبان نَائِب حلب وقرينها مطالعات بَقِيَّة النواب وأمراء العساكر تَتَضَمَّن أَن تغرى برمش لما إنهزم على حماة مُضِيّ نَحْو الْجَبَل الْأَقْرَع وَقد فَارقه الغادر بن نعير فَقبض عَلَيْهِ أَحْمد وقاسم وَلَدي صوجي وقبضا مَعَه على دواداره كمشبغا وعَلى خازنداره يُونُس وعَلى الْأَمِير طرعلي بن سقل سيز والأمير صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن الهذباني نَائِب قلعة صهيون وَكَتَبُوا بذلك إِلَى نَائِب حلب فورد الْخَبَر على الْعَسْكَر وهم على خَان طومان فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ من ذِي الْقعدَة فَجهز الْأَمِير جلبان عِنْد ذَلِك الْأَمِير برد بك العجمي نَائِب حماة والأمير أينال الأجرود نَائِب صفد والأمير طوخ مازي نَائِب غَزَّة والأمير قطج أتابك حلب والأمير سودون النوروزي حَاجِب الْحجاب بحلب بإخطار الْمَذْكُورين ورحل بِمن بَقِي مَعَه يُرِيد حلب فَدَخلَهَا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشرينه وتسلم نَائِب حماة وَمن مَعَه من النواب تغرى برمش وَمن قبض عَلَيْهِ مَعَه وَأتوا بهم فسمر طرعلي بن سقل سيز تسمير سَلامَة وَسمر الهذباني ورفيقه تسمير العطب وَسَارُوا بهم وتغرى برمش رَاكب فِي الْحَدِيد حَتَّى دخلُوا مَدِينَة حلب وَهُوَ يُنَادي عَلَيْهِم فِي يَوْم الْخَمِيس ثَالِث عشرينه وَقد إجتمع من النَّاس عدد لَا ينْحَصر حَتَّى أوقفهم تَحت القلعة ثمَّ وسط الهذباني ورفيقه وتسلم نَائِب القلعة تغرى برمش وطرعلي بن سقل سيز وتسلم كمشبغا وَيُونُس الْأَمِير قراقجا الحسني فدقت البشائر بقلعة الْجَبَل لوُرُود هَذَا الْخَبَر وَكتب بقتل تغرى برمش وطرعلي. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء: جهز رجلَانِ من موقعي الحكم بِالْقَاهِرَةِ وعَلى يدَهما الحكم بقتل يخشي بك. وَدفع لَهما ثَلَاثُونَ دِينَارا فمضيا إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وأوصلا الحكم بقاضيها فاستدعي يخشي بك من السجْن وَضربت عُنُقه بعد صَلَاة الْجُمُعَة ثامنه فِي جمع عَظِيم وافر لرُؤْيَته وحسابه وحسابهم على الله الَّذِي يُوفي كل عَامل عمله. وَفِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشره: إبتدأ قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين صَالح فِي عمل الميعاد بَين يَدي السُّلْطَان.
وَفِيه قتل تغرى برمش بقلعة حلب بَعْدَمَا عُوقِبَ على أَمْوَاله فظفر مِنْهَا بِخَمْسِينَ ألف دِينَار عينا وَقتل مَعَه طرعلي بن سقل سيز. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء عشرينه: قبض على سودون المغربي مُتَوَلِّي دمياط وَحمل مُقَيّدا حَتَّى سجن بالإسكندرية. ورسم أَن يُعْطي المسفر بِهِ مائَة ألف دِرْهَم. وَفِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ رَابِع عشرينه: خلع على نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شهَاب الدّين أَحْمد ابْن سَلام وإستقر فِي ولَايَة دمياط عوضا عَن سودون المغربي. وَفِي يَوْم الْخَمِيس ثامن عشرينه: قبض على عَظِيم الدولة زين الدّين عبد الباسط نَاظر الْجَيْش وعَلى وَلَده أَبى بكر وعَلى زَوجته شكربيه وعَلى دواداره أرغرن وعَلى مباشره شرف الدّين مُوسَى بن الْبُرْهَان فِي عدَّة من ألزامه. وَقبض مَعَه على الْأَمِير جَانِبك أستادار وأحيط بدورهما. وَأخذت خيولهما فَكَانَت زِيَادَة على سبعين فرسا وَأخذت بغالهما وجمالهما وَكتب بإيقاع الحوطة على مَاله بِالشَّام والإسكندرية والحجاز من مَال والبضائع فَكَانَ بِسَبَب ذَلِك إنزعاج فِي النَّاس بِالْقَاهِرَةِ. وَفِي يَوْم السبت سلخه: خلع على شيخ الشُّيُوخ محب الدّين مُحَمَّد بن الْأَشْقَر وإستقر فِي نظر الْجَيْش عوضا عَن عبد الباسط وخلع على الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن أَبى الْفرج نقيب الْجَيْش وإستقر أستادازا عوضا عَن جَانِبك الزيني عبد الباسط. وَفِيه قدم رَأس تغرى برمش فطيف بِهِ على رمح ثمَّ علق بِبَاب زويلة فتوالى على السُّلْطَان فِي مُدَّة أَيَّام يسيرَة الظفر بِالْملكِ الْعَزِيز وبالمماليك الأشرفية الَّذين قَامُوا مَعَ
الْعَزِيز بالصعيد وبأينال الجكمى نَائِب الشَّام وبتغرى برمش نَائِب حلب وَهَذَا من النَّوَادِر الغريبة وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور. فَكَانَت هَذِه السّنة ذَات حوادث عَظِيمَة زَالَت فِيهَا نعم خلائق بِمصْر وَالشَّام فذلوا بعد عزهم وأهينوا بعد تعاظمهم جَزَاء بِمَا كسبت أَيْديهم ومَا رَبك بظَلامَ لِلْعَبِيد. وَوَقع فِي هَذِه السّنة بعدن وَغَيرهَا من بِلَاد الْيمن وباء هلك فِيهِ خلق كثير. وفيهَا جمع الإِمَام صَلَاح بن مُحَمَّد النَّاس بصعدة ليحارب قَاسم بن سنقر الْمُتَوَلِي على صنعاء فخافه ابْن سنقر وَكتب إِلَى الظَّاهِر عبد الله صَاحب زبيد وتعز يستنجده ليملكه صنعاء فَبعث إِلَيْهِ عسكرا وصل إِلَى ذمار على مرحلَتَيْنِ من صنعاء فَبَلغهُمْ أَن الظَّاهِر أشرف على الْمَوْت فعادوا فَإِذا هُوَ قد مَاتَ وَصَلَاح هَذَا يعرف بالهدوي نِسْبَة إِلَى الْهَادِي من أئمتهم. وَمَات فِي هَذِه السّنة من الْأَعْيَان مُحدث الشَّام شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَبى بكر بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُجَاهِد بن يُوسُف بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ الْمَعْرُوف بإبن نَاصِر الدّين الْقَيْسِي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي فِي ثامن عشْرين شهر ربيع الآخر بِدِمَشْق ومولده فِي الْمحرم سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة سمع على شَيخنَا أَبُو بكر بن الْمُحب وَغَيره وَطلب الحَدِيث فَصَارَ حَافظ بِلَاد الشَّام غير مُنَازع وصنف عدَّة مصنفات وَلم يخلف فِي الشَّام بعده مثله. وَمَات الطواشي صفي الدّين جَوْهَر الحبشي الزِّمَام. وَأَصله من خدام الْأَمِير بهادر المشرف قدم بِهِ من مَكَّة صَغِيرا وَأَعْطَاهُ لأخته زَوْجَة الْأَمِير جلبان الْحَاجِب فربى عِنْدهَا وأعتقته ثمَّ خدم الْأَمِير برسباي الدقماقي فِي أَيَّام الْمُؤَيد شيخ وَخرج مَعَه لما ولي نِيَابَة طرابلس وخدمه لما سجن بقلعة المرقب.
وَصَارَ يُكَاتب الطواشي جَوْهَر وَهُوَ إِذْ ذَاك فِي خدمَة علم الدّين داودَ بن الكويز نَاظر الْجَيْش فَيَقْضِي لَهُ حَوَائِجه إِلَى أَن خلص برسباى وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة صُحْبَة الظَّاهِر ططر ثمَّ تسلطن وتلقب بِالْملكِ الْأَشْرَف فَجعل جَوْهَر هَذَا لالا وَلَده فَعرف بجوهر اللالا مُدَّة وإشتهر ذكره لتمكنه من السُّلْطَان ورعي حق أَخِيه جَوْهَر فَتحدث لَهُ مَعَ السُّلْطَان حَتَّى عمله خازندارًا وتعاضدًا وتعاونًا ثمَّ ولاه السُّلْطَان زِمَام الدَّار فَصَارَ من جملَة الْأُمَرَاء الألوف حَتَّى مَاتَ فَعظم فِي أَيَّام وَلَده الْملك الْعَزِيز وَصَارَ هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ إِلَيّ أَن خلع وَقَامَ فِي السلطنة الْأَمِير الْكَبِير جقمق وتلقب بِالْملكِ الظَّاهِر قبض عَلَيْهِ وسجنه ثمَّ صادره على مَال كَبِير وَهُوَ مَرِيض حَتَّى مَاتَ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشْرين جمادي الأولي عَن سِتِّينَ سنة أَو نَحْوهَا وَكَانَ متدينا يحب أهل الْخَيْر وَيحسن إِلَيْهِم ويعتقدهم. وَمَات الْأَمِير قرقماس الشَّعْبَانِي وَأَصله من مماليك الظَّاهِر برقوق إشتراه صغرًا وَأَعْطَاهُ لوَلَده الْأَمِير فرج فَلَمَّا تسلطن بعد أَبِيه وتلفب بِالْملكِ النَّاصِر رقاه فِي خدمته ثمَّ خدم بعده الْمُؤَيد شيخ وَصَارَ دوادارا ثمَّ أَمِير مائَة فِي أَيَّام الْأَشْرَف وَعظم فِي إيامه وولاه حَاجِب الْحَاجِب ثمَّ ولاه نِيَابَة حلب مُدَّة وأقدمه مِنْهَا إِلَى ديار مصر وَعَمله أَمِير سلَاح وَأخرجه إِلَى التجريدة وَعَمله مقدم الْعَسْكَر فَسَار وَأخذ أرزنكان وَغَيرهَا فَمَاتَ الْأَشْرَف وَهُوَ فِي التجريدة فَقدم بعد مَوته وَبَالغ فِي خلع الْملك الْعَزِيز يُوسُف بن الْأَشْرَف برسباي فَلَمَّا خلع وتسلطن الْملك الظَّاهِر جقمق ركب عَلَيْهِ وقاتله فَلم يثبت وفر فَقبض عَلَيْهِ وسجن بالإسكندرية ثمَّ ضربت عُنُقه بهَا فِي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي شهر جمادي الْآخِرَة وَقد بلغ الْخمسين أَو تجاوزها وَكَانَ يُوصف بعفة عَن القاذورات الْمُحرمَة وبمعرفة وخبرة وفروسية وشجاعة إِلَّا أَنه أفسد أمره بزهوه وتعاظمه وفرط رقاعته وَشدَّة إعجابه بِنَفسِهِ وإحتقار النَّاس وَالْمُبَالغَة فِي الْعقُوبَة وَقلة وَمَات شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن عُثْمَان الْبِسَاطِيّ الْمَالِكِي. قدم من الرِّيف وَطلب الْعلم وَعرف بعلوم الْعَجم فِي الْمنطق وَنَحْوه. وعاش دهراً فِي بؤس وَقلة بِحَيْثُ أَخْبرنِي أَنه ينَام على قَشّ الْقصب ثمَّ تحرّك لَهُ الْحَظ فولاه الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف أستادار
تدريس الْمَالِكِيَّة بمدرسته ثمَّ ولى مشيخة التربة الناصرية فرج بالصحراء وإستنابه ابْن عَمه الْجمال يُوسُف الْبِسَاطِيّ فِي الحكم مُدَّة ثمَّ عَزله فَلَمَّا مَاتَ الْجمال عبد الله الأقفهسي قَاضِي الْمَالِكِيَّة ولي الْمُؤَيد شيخ الْبِسَاطِيّ صَاحب التَّرْجَمَة قَضَاء الْقُضَاة الْمَالِكِيَّة بديار مصر رَغْبَة فِي أَنه فَقير متعفف فباشر ذك نَحْو عشْرين سنة حَتَّى مَاتَ لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث عشر شهر رَمَضَان. ومولده فِي محرم سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة وَلم يخلف بعده فِي الْمَالِكِيَّة مثله فِيمَا نعلم. وَمَات علم الدّين أَحْمد بن تَاج الدّين مُحَمَّد بن علم الدّين عمد بن كَمَال الدّين مُحَمَّد ابْن قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين مُحَمَّد بن أَبى بكر بن عِيسَى بن بدران الأخناي الْمَالِكِي أحد نواب الحكم بِالْقَاهِرَةِ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشْرين شهر رَمَضَان. وَكَانَ فَقِيها حشمًا من بَيت علم ورياسة وَمَات الشريف أَحْمد بن حسن بن عجلَان وَقد فَارق أَخَاهُ أَمِير مَكَّة شرفها الله بَرَكَات بن حسن وَسَار إِلَى الْيمن فَمَاتَ بزبيد. وَمَات محيى الدّين يحيى بن حسن بن مُحَمَّد الحيحاني المغربي الْمَالِكِي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء حادي عشر ذِي الْقعدَة وَكَانَ عفيفًا فِي أَحْكَامه مهابًا. وَمَات أَبُو عبد الله ابْن الْفَقِيه على بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز بن الْقسم الْعقيلِيّ النويري الْمَكِّيّ الْمَالِكِي قَاضِي الْمَالِكِيَّة بِمَكَّة شرفها الله تَعَالَى فِي سَابِع عشر ذِي الْقعدَة بِمَكَّة ومولده سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة بِمَكَّة وَهُوَ من بَيت علم ورياسة وَكَانَ عفيفًا فِي قَضَائِهِ حشماً جميل الْهَيْئَة لَهُ مُرُوءَة وباشر حسبَة مَكَّة مُدَّة. وَمَات مُحَمَّد وَيعرف ببلبان شيخ كرك نوح قَتله عَامَّة دمشق وَولده فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث ذِي الْقعدَة وَقتلُوا مَعَه من قومه جمَاعَة كَبِيرَة بغيًا وعدوانًا وَكَانَ يتهم بِأَنَّهُ رَافِضِي وَلذَلِك قَتَلُوهُ وَكَانَ صَاحب همة عالية ومروءة غزيرة وأفضال وكرم من حَال وَاسِعَة وَمَال جم. وَمَات الْأَمِير أينال الجكمى وَأَصله من مماليك الْأَمِير جكم وإنتقل بعده إِلَى الْأَمِير شيخ المحمدي وَهُوَ صَغِير فربي عِنْده ورقاه فِي خدمته لما تسلطن وَعَمله شاد الشرابخاناه ثمَّ صَار بعد الْمُؤَيد شيخ من أُمَرَاء الألوف وولاه الْأَشْرَف برسباي نِيَابَة
الشَّام فَمَاتَ وَهُوَ على نيابتها فَلَمَّا خلع الْعَزِيز من برسباي خرج عَن طَاعَة السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر جقمق ودعا بِدِمَشْق للْملك الْعَزِيز فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان العساكر فحاربته وهزمته ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَقتل بقلعة دمشق فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ ثَانِي ذِي الْقعدَة وَكَانَ مَشْهُورا بالشجاعة مشكور السِّيرَة إِلَّا أَنه لم يسعده جده. وَمَات الْأَمِير يخشي بك أَصله من المماليك المؤيدية وَصَارَ من الأشرفية فرقاه الْأَشْرَف برسباى حَتَّى صَار من أُمَرَاء الطبلخاناه وَعَمله أَمِير أخور ثَانِيًا فَلَمَّا مَاتَ الْأَشْرَف قبض عَلَيْهِ وسجن بالإسكندرية ثمَّ ضرب عُنُقه فِي يَوْم الْجُمُعَة ثامن ذِي الْحجَّة بِحكم بعض نواب قَاضِي الْمَالِكِيَّة بقتْله من أجل أَنه سبّ وَالِدي بعض الْأَشْرَاف وَكَانَ جَبَّار ظَالِما شريرًا. وَمَات الْأَمِير تغرى برمش وَهُوَ من أهل مَدِينَة بهسني واسْمه حُسَيْن لم يمسهُ رق قطّ وَإِنَّمَا قدم الْقَاهِرَة وَهُوَ صبي فحافظ بِالْأُجْرَةِ فِي الْخط الْمَعْرُوف بالمصنع تَحت قلعة الْجَبَل عِنْد بعض الخياطين فِي حَانُوت وَتسَمى تغرى برمش ثمَّ خدم تبعا عِنْد قراسنقر من المماليك الظَّاهِرِيَّة برقوق مُدَّة طَوِيلَة وخدم بعده بعض الْأُمَرَاء وَصَارَ مَعَه إِلَى حلب ثمَّ خدم جقمق فَلَمَّا صَار دوادار الْمَزِيد شيخ عمله دواداره إِلَى أَن خرج لنيابة الشَّام خرج مَعَه فَلَمَّا مَاتَ الْمُؤَيد وَقبض جقمق على الْأَمِير برسباي الدقماقي وسجنه يُرِيد قَتله قَامَ تغرى برمش هَذَا فِي مدافعة جقمق عَنهُ وَمنعه من قَتله حَتَّى كَانَ من سلطنة الْأَمِير ططر مَا كَانَ وَقدم من دمشق وَقد عمل الْأَمِير برسباي دوادار السُّلْطَان رعى لتغرى برمش حق مدافعة جقمق عَن قَتله وقربه فَلَمَّا تسلطن رقاه وَجعله من جملَة أُمَرَاء مصر ثمَّ ولاه أَمِير أخور كَبِيرا ومكنه من التَّصَرُّف وإعتمد عَلَيْهِ ثمَّ ولاه نِيَابَة حلب فَمَاتَ الْأَشْرَف برسباي وتغرى برمش عَلَيْهَا وَخرج مَعَ العساكر فِي التجريدة إِلَى أرزنكان فإختلف مَعَ الْأُمَرَاء وَقدم حلب فَلَمَّا خلع الْعَزِيز بن برسباي خرج عَن طَاعَة السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر جقمق فَلم ينجح وقاتله أهل حلب وأخرجوه ثمَّ قَاتلته عَسَاكِر السُّلْطَان وهزمته ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَقتل بحلب فِي يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر ذِي الْحجَّة بعد عقوبات شَدِيدَة وَقد أخرب فِي حروبه هَذِه حلب وَمَا حولهَا وَأكْثر من الْفساد وَقتل الْعباد وَقتل مَعَه الْأَمِير طرعلي بن سقل سيز من أُمَرَاء التركمان. وَمَات بِالْقَاهِرَةِ الْأَمِير حسام الدّين حسن فِي يَوْم الْأَحَد ثَالِث عشْرين ذِي الْحجَّة
وَقد قدم من الْقُدس وَولى فِي الْأَيَّام الناصرية فرج وَمَا بعْدهَا عدَّة نيابات بغزة والقدس وَغَيرهمَا. وَمَات ملك الْيمن الْملك الظَّاهِر هزبر الدّين عبد الله بن الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل بن على ابْن دَاوُد بن يُوسُف بن عمر بن على بن رَسُول يَوْم الْخَمِيس سلخ شهر رَجَب وَله فِي الْملك نَحْو إثنتي عشر سنة وضعفت مملكة الْيمن فِي أَيَّامه لقلَّة مجابي أموالها وإستيلاء العربان على أَعمالهَا وأقيم بعده ابْنه الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل وَله من الْعُمر نَحْو الْعشْرين سنة فَأكْثر من سفك الدِّمَاء وَأخذ الْأَمْوَال وَغير ذَلِك من أَنْوَاع الْفساد فَقتل برقوق الْقَائِم بدولتهم فِي عدَّة من الأتراك. وَمَات بِالْيمن الرئيس شرف الدّين مُوسَى بن نور الدّين على بن جَمِيع الصَّنْعَانِيّ الأَصْل الْعَدنِي المولد والمنشأ وَقد جَاوز الْخمسين وَكَانَ قد إستقر فِي منصب أَخِيه وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن وَختم بِهِ بَيت ابْن جَمِيع. وَكَانَ حاذقًا عَارِفًا بالأمور كثير الإستحضار للنوادر حسن المعاشرة بعيد الْغَوْر. وَمَات بعدن أَيْضا قاضيها الْفَقِيه الْفَاضِل الشَّافِعِي جمال الدّين مُحَمَّد بن سعيد بن كبن الطَّبَرِيّ الأَصْل الْعَدنِي فِي سَابِع شهر رَمَضَان وَقد جَاوز السِّتين. وَكَانَ فَاضلا فِي الْفِقْه وغره حسن التأني لين الْجَانِب. وَمَات بزبيد الْفَقِيه الشَّافِعِي الْمُفْتِي موفق الدّين على بن مُحَمَّد بن فَخر فِي شَوَّال ومولده سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة وَقد إنتهت إِلَيْهِ رياسة الْعلم وَالْفَتْوَى بزبيد. وَمَات بزبيد الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْفَاضِل جمال الدّين مُحَمَّد بن على الْمَعْرُوف بالمطيب فِي عشر رَمَضَان. وَهُوَ فِي عشر السّبْعين. وَقد إنتهت إِلَيْهِ رياسة الحنيفية بزبيد.
فارغه