الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الدولة الأموية بالأندلس أنشئت دار في قرطبة لشورى القضاء أعضاؤها من جلة العلماء يرجع إليهم في تقرير الأحكام وكثيرًا ما يذكر في تراجم علماء الأندلس أن فلانًا كان مشاورًا. وطلب فلان إلى الشورى فأبى وذكر القرطبي هذه الشورى بقوله إن الشورى خالفت الإمام مالكًا في عدة أحكام أخذت الدولة العثمانية في وضع أساس لعلاج وقوف حركة التشريع الإسلامي فكونت من علماء الأمة وفقهائها جماعة سمتهم "جمعية المجلة" وانتخبوا من كتب مذهب أبي حنيفة "مجلة الأحكام العدلية" وقد كان مبدأ عملها قاصرًا على الترتيب وتهذيب الوضع والاختيار من كتب المذهب، ولو طال زمنها لتطور عملها إلى التشريع ومسايرة الزمن.
ب-
السلطة القضائية:
الذي يتولى هذه السلطة في الإسلام هم رجال القضاء. وقد روعي في الحكومات الدستورية الحاضرة أن يكون رجال القضاء غير رجال التشريع تطبيقًا لمبدأ الفصل بين السلطات ولكن في صدر الإسلام كانت السلطة التشريعية والقضائية تجتمع في يد واحدة لأن الخليفة كان يتولاها فإن وجد نصًا قضى به وإن لم يجد يستشير الفقهاء والمفتين من الصحابة بالقضاء: فكان رجال القضاء من المجتهدين الذين لهم السلطة التشريعية وكان قانونهم هو كتاب الله والسنة الصحيحة وما يستقر عليه رأي جماعة التشريع.
أخرج البغوي عن ميمون بن مهران قال: كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصوم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله في ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال: أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع عليه النفر كلهم يذكر عن رسول الله فيه قضاء فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا. فإن أعياه أن يجد فيه سنة عن رسول الله جمع رءوس الناس وخيارهم فاستشارهم فإن أجمع رأيهم على أمر قضى به. وكان عمر يفعل ذلك فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان فيه لأبي بكر قضاء فإن وجد أبا بكر قضى فيه بقضاء قضى به وإلا دعا رءوس المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر قضى به. وأول خليفة ولى السلطة القضائية نفرًا هو عمر بن الخطاب.
فقد ولى أبا الدرداء قضاء المدينة وولى شريحًا قضاء البصرة وولى أبا موسى الأشعري قضاء الكوفة وكان هؤلاء جميعًا يولون القضاء والتشريع مما يدل على ذلك ما ورد في كتب تعيين القضاة فقد جاء في رسالة عمر لأبي موسى الأشعري
…
"الفهم الفهم فيما ورد عليك مما ليس فيه نص في كتاب ولا سنة".
ولما دون الأئمة المجتهدون اجتهاداتهم واتخذها رجال القضاء مرجعًا لهم كان عمل القضاة لا يخرج عن تطبيق ما رآه غيرهم وكانوا يقلدون
المجتهدين والمفتين حتى وصل الأمر إلى أن قال علماء الحنفية: إن تقليد الجاهل القضاء صحيح عندنا ويحكم بفتوى غيره. ومن هذا أن القضاء في الحكومات الإسلامية كان له طوران:
الأول:
كان مرجع القضاة فيه إلى القانون الأساسي وكانت لهم مع السلطة القضائية سلطة التشريع.
والثاني:
كان مرجع القضاة فيه إلى اجتهاد الأئمة وما كان لهم إلا التطبيق بالتقليد.
وتعيين القضاء من حق الخليفة فتارة يتولى حقه بنفسه ويعين رجال القضاء وتارة يكل هذا التعيين إلى ولاة الأمصار. يدل على هذا ما جاء في عهد علي بن أبي طالب إلى الأشتر النخعي حين ولاه مصر إذ يقول له: "ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا يمحكه الخصوم
…
إلى آخر ما جاء فيه. وليس تعيين القضاة مانعًا الخليفة أن ينظر بنفسه في فصل بعض الخصومات لأنه هو صاحب السلطة القضائية وهؤلاء إنما يعملون بالنيابة عنه وهذه الإنابة لا تسلبه حقه.
وقد حالت فوضى التشريع دون أن يكون للقضاة في الحكومة الإسلامية قانون مفصل يرجعون إليه في أحكامهم بل كان المرجع إلى اجتهادهم في الدور الأول من القضاء الذي كان يرجع فيه إلى الأصول وإلى اجتهاد سائر المجتهدين والمفتين في الدور الثاني الذي كان فيه القضاة مقلدين يرجعون إلى مجتهدات غيرهم. ولذا كانت تضطرب الأحكام ولا يتقيد القضاة بقانون.
والأحكام يخالف بعضها في الولاية الواحدة والولايات المختلفة.
وأظهر فرق بين رجال السلطة القضائية في الحكومات الحاضرة ورجالها في الحكومة الإسلامية، أن القضاة في الحكومة الإسلامية لم يحد اختصاصهم بحد يمنع غيرهم من أرباب السلطة التنفيذية أن يعتدى على اختصاصهم ويتصرف فيما هو من حقهم. ولذلك سلب منهم النظر في المظالم والجرائم وإقامة الحدود. وكذلك لم يوضع نظام يبين علاقتهم برجال السلطة التنفيذية، بل ترك الأمر بين ضعفاء وأقوياء بدون قانون، فكان تنفيذ الأحكام إلى الولاة إن رضوا نفذوا وإن لم يرضوا عطلوا. ولا كذلك الحال في الحكومات الحاضرة فإن اختصاص القضاء مبين بالقانون وما يدخل من السلطة القضائية في اختصاص غير القضاء مبين بالقانون ولا سبيل إلى الاعتداء. وكذلك علاقة القضاء برجال السلطة التنفيذية التي يناط بها تنفيذ الحكم القضائي أن تنفذوه ولو بالقوة بحيث إذا وجدت هوادة في التنفيذ تكون مسئولية الجهة التنفيذية كبيرة بحكم القانون وليس في الإسلام ما يمنع وضع نظام للسلطة القضائية يحد اختصاصها ويكفل تنفيذ أحكامها ويضمن برجالها حريتهم في إقامة العدل بين الناس.