المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحرية الشخصية: المراد من الحرية الشخصية أن يكون الشخص قادرًا على - السياسة الشرعية في الشئون الدستورية والخارجية والمالية

[عبد الوهاب خلاف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌محتويات الكتاب:

- ‌تمهيد

- ‌التشريع الإسلامى والاجتهاد

- ‌الإسلام كفيل بالسياسة العادلة:

- ‌السياسة الشرعية الدستورية

- ‌أولا: شكل الحكومة الإسلامية ودعائمها

- ‌ثانيا: حقوق الأفراد

- ‌مدخل

- ‌الحرية الشخصية:

- ‌المساواة بين الأفراد في الحقوق المدنية والسياسية

- ‌ثالثا: السلطات في الإسلام مصدرها ومن يتولاها

- ‌السلطة التشريعية

- ‌ السلطة القضائية:

- ‌ السلطة التنفيذية:

- ‌رابعا: الخلافة، وجوبها وشروطها

- ‌مدخل

- ‌ وجوب نصب الخليفة:

- ‌ الشروط المعتبرة فيمن يولى الخلافة:

- ‌ مكانة الخلافة من الحكومة الإسلامية:

- ‌السياسة الشرعية الخارجية

- ‌مدخل

- ‌علاقة الدولة الإسلامية بالدول غير الإسلامية:

- ‌أحكام الإسلام الحربية مقارنة بالقانون الدولي:

- ‌أحكام الإسلام السلمية:

- ‌السياسة الشرعية المالية:

- ‌شروط عدلها:

- ‌أسس الموارد الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌شرائط الضريبة العادلة:

- ‌الموارد المالية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌الموارد الدورية:

- ‌الموارد المالية غير الدورية:

- ‌المصارف المالية الإسلامية:

- ‌جباية الإيراد وصرفه في مصارفه:

- ‌نبذة من تاريخ بيت مال المسلمين:

- ‌لمحة عن حياة المؤلف

الفصل: ‌ ‌الحرية الشخصية: المراد من الحرية الشخصية أن يكون الشخص قادرًا على

‌الحرية الشخصية:

المراد من الحرية الشخصية أن يكون الشخص قادرًا على التصرف في شئون نفسه وفي كل كل ما يتعلق بذاته، آمنًا من الاعتداء عليه في نفس أو عرض أو مال أو مأوى أو أي حق من حقوقه، على أن لا يكون في تصرفه عدوان على غيره. ومن هذا التعريف يتبين أن الحرية الشخصية تتحقق بتحقيق أمور؛ وأنها معنى مكون من حريات عدة وهي: حرية الذات، وحرية المأوى، وحرية الملك، وحرية الاعتقاد، وحرية الرأي، وحرية التعليم. ففي تأمين الفرد على هذه الحريات كفالة لحريته الشخصية، وهذا ما قرره الإسلام في شأن هذه الحريات.

الحرية الفردية أو حرية الذات:

في أحكام الإسلام ما يقرر هذه الحرية ويؤمن الفرد على ذاته من أي اعتداء: وذلك أن الإسلام حد حدودًا بأوامره ونواهيه، وشرع لمجاوزة هذه الحدود عقوبات، بعضها مقدرة وهي الحدود، وبعضها موكول تقديره إلى ولاة الأمر وهي التعازير. فلا جريمة إلا في تعدي حدود الله، ولا عقوبة إلا على وفق ما شرع الله. واتفقت كلمة علماء الإسلام على أن العقوبات مما لا تثبت بالرأي والقياس وأنها لا تثبت إلا بالنص، وجاء في القرآن الكريم قوله عز شأنه:{فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} 1، وقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} 2 ففي النهي عن العدوان إلا وعلى ظالم وفي الأمر بأن يكون الاعتداء على الظالم مماثلًا لاعتدائه لا يزيد، وفي قصر الجريمة على مخالفة حدود الله، ومنع تشريع العقوبات بالرأي والقياس كفالة للحرية الفردية وتأمين من الاعتداء على الذات. وجميع ما في كتاب الله وسنة رسوله، من النهي عن الظلم والإيذاء للمسلم والذمي، يؤيد حرية الذات وأمان الإنسان من أذى غيره.

1 البقرة: 193.

2 البقرة: 194.

ص: 38

حرية المأوى:

في أحكام الإسلام ما يكفل هذه الحرية فإن النفي والإبعاد عقوبة لم يذكرها القرآن الكريم إلا جزاء للذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا. قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 1.

وفي القرآن الكريم والسنة تقرير حرمة المسكن قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} 2. وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع".

حرية الملكية:

الإسلام أقر هذه الحرية وكفلها بأحكام عدة:

منه أن كل ما شرعه الله من التصرفات التي تفيد نقل ملكية العين أو منفعتها، من بيع وإجارة وقرض وغيره، جعل أساس صحته ونفاذه حرية المتصرف ورضاه واختياره. فالركن الأول لصحة المبادلات المالية التراضي والأصل في هذا قوله عز شأنه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} 3.

1 المائدة: 33.

2 النور: 27، 28.

3 النساء: 29.

ص: 39

ومنها النهي في مواضع عدة القرآن والسنة عن التعدي على مال الغير وأخذه من مالكه بغير حق، قال تعالى:{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1، وقال عز شأنه:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} 2.

وليس تقرير عقوبة السارق وتضمين الغاصب إلا ضمانًا لحرية الملكية. قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 3، وقال عليه السلام:"لا يحل لأحد أن يأخذ متاع أخيه لاعبًا ولا جادًا، فإن أخذه فليردده عليه" وقال: "على اليد ما أخذت حتى ترد".

ومما يؤيد حق الملكية في أحكام الإسلام قوله صلى الله عليه وسلم لمن كان يغبن في المبادلات: "إذا بايعت فقل: لا خلابة، ولي الخيار ثلاثة أيام" ونهيه عن بيع الغرر، فإن في تجويز شرط الخيار والنهي عن بيع الغرر ضمانة لتحقق أو خداع له. بل إن تقرير حق الشفعة إذا نظر إليه من ناحية أنه لدفع الضرر عن الجار أو الشريك يؤيد احترام الملكية وإحاطة المالك بما يدفع عنه الضرر ويحول بينه وبين الانتفاع بمكه.

حرية الاعتقاد 4:

الإسلام أقر هذه الحرية، وترك لكل فرد الحرية التامة في أن يكون

1 البقرة: 188.

2 النساء: 10.

3 المائدة: 38.

4 يجب توضيح وتقييد هذا المعنى بأن قصد المؤلف أنه لا يجوز إجبار أحد على الدخول في الإسلام، ولكن بالنسبة للذين أسلموا أي المسلمين بالفعل فإنه لا يجوز للمسلم أن يبدل دينه ويرتد عن الإسلام فهو ملتزم به أمام الله والشريعة، وحكم الشرع الحنيف أن جزاء المرتد عن الإسلام هو القتل إذا أصر على الردة بعد أن يستتاب، لأن الردة تعتبر خيانة كبرى للدين والمجتمع، فكلام المؤلف إذن ينبغي أن يفهم منه أنه خاص بغير المسلمين.

ص: 40

عقيدته بناء على ما يصل إليه عقله ونظره الصحيح، وذلك أن الإسلام جعل أساس التوحيد والإيمان البحث والنظر، لا القهر والإلجاء، ولا المحاكاة والتقليد. ففي كثير من آي الكتاب الكريم لفت الناس إلى النظر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء، ليهتدوا هم بهذا النظر إلى الإيمان الصحيح والدين الحق، كقوله تعالى:{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} 1، وقوله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 2، وفي كثير من الآي الكريمة نعى على من آمن بطريق التقليد لا بطريق البحث والنظر، كقوله تعالى:{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} 3، وفي كثير من الآي نفي للإيمان بطريق الإكراه والقسر كقوله تعالى:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} 4، وكقوله تعالى:{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} 5، وكقوله تعالى:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} 6.

1 الأعراف: 185.

2 البقرة: 164.

3 الزخرف: 22.

4 البقرة: 256.

5 يونس: 99.

6 الكافرون: 6.

ص: 41

فإذا كان أساس الاعتقاد في الإسلام النظر العقلي والبحث والتفكير في آيات الله ولا محاكاة، ولا تقليد، ولا إلجاء، ولا إكراه، فليس أضمن لحرية الاعتقاد من هذا. ويؤيده ما جاء في الكتاب الكريم من أنه لا سلطان للداعي غير سلطان التذكير والموعظة الحسنة، قال تعالى لرسوله:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} 1.

هذا ما يؤيد حرية الاعتقاد في الإسلام وأما ما يقرره حماية إقامة الشعائر، فإن الإسلام جعل لغير المسلمين الحرية التامة في أن يقيموا شعائر دينهم في كنائسهم ومعابدهم وجعل لهم أن يتبعوا أحكام دينهم في معاملاتهم وأحوالهم الشخصية. والأصل في هذا قوله صلى الله عليه وسلم في شأن الذميين:"لهم ما لنا وعليهم ما علينا" وجميع العهود التي كانت تعطى للمعاهدين كان يقرون فيها بالتأمين على الأنفس والأموال التأمين على العقائد وإقامة الشعائر، وفي عهد عمر لأهل إيليا ما نصه "أعطاهم الأمان لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسائر ملتهم، لا تسكن كنائسهم ولا ينقص منها ولا من خيرها ولا من صلبهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم". فالإسلام في تكوين العقيدة أطلق للعقل عنان النظر، وفسح له في مجال البحث والتفكير في الآيات والدلائل وفي حماية عقائد المسلمين أحاطها بما يكفلها ويحفظها وترك أرباب كل دين وما يدينون به.

1 الغاشية: 21-22.

ص: 42

حرية الرأي 1:

الإسلام في شأن هذا الحق نظر إلى موضوع الرأي: إما أن يكون أمرًا دينيًا، أو غير ديني.

فإن كان الأمر غير ديني، فلكل فرد أن يبدي رأيه فيه حسبما يراه، ويعرب عنه بالوسيلة الميسورة له، وقد حدث في صدر الإسلام وبعده عدة حوادث تدل على حرية الرأي وإقراره في هذه المواضع: من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار على المسلمين في بعض الغزوات أن ينزلوا موضعًا معينًا، فسأله أحد الصحابة: أهذا منزل أنزلكه الله؟ أو هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة".. قال الصحابي للرسول: ليس هذا بمنزل

وأشار بإنزال المسلمين منزلا آخر، وتحولوا. واختلاف أبي بكر وعمر في حكم الأسرى على مسمع من الرسول خبره مستفيض. وكذلك اختلاف كبار الصحابة في شأن الخلافة وكثير من الشئون.

وأما في الأمور الدينية فلكل واحد أن يجتهد فيها، ويرى الرأي الذي يوصله إليه اجتهاده، ما دام اجتهاده في غير موضع النص، ورأيه في حدود أصول الدين الكلية ونصوصه الصحيحة: وذلك أن الإسلام جعل القياس أحد أصوله، ومصدرًا من مصادر التشريع فيه، والقياس هو إلحاق الأشباه بالأشباه، والنظائر بالنظائر، لاستنباط الأحكام التي لم ينص عليها،

وفي هذا الإلحاق والاستنباط مجال فسيح للرأي،

1 يجب أن يقيد هذا الكلام أيضًا بأن قصد المؤلف أن حرية الرأي مكفولة بشرط عدم الخروج على المبادئ الأساسية في الإسلام.

ص: 43

ومتسع عظيم النظر، وفي جعله مصدرًا تشريعيًا اعتبار للرأي وتقرير لحقه.

وكذلك جاء في السنة، أن كل مجتهد مأجور: إن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران. فالمثوبة على الاجتهاد -سواء أدى إلى خطأ أو صواب- دليل على تقدير الإسلام للرأي، وإقراره هذا الحق.

ويؤيد هذا ما ورد في كثير من النصوص من ذم التقليد والنعي على المقلدين الذين يهملون عقولهم ولا يحررونها من أسر التقليد، وما جاء على ألسنة كثير من المجتهدين من التصريح بأنهم ما اجتهدوا ليقلدوا وإن آرائهم لأنفسهم وخطأهم عليها.

فليس في أصول الإسلام ونصوصه ما ينافي حرية الرأي بالمعنى الذي بيناه، بل فيها ما يؤيده ويقرره. وأما ما ورد عن ابن عباس من قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار"، وما ورد عن أبي بكر من قوله:"أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن قلت في كتاب الله برأيي؟ "

فهو محمول على الرأي الذي يستند إلى مجرد الهوى ولا يعتمد على مصلحة عامة ولا أصل ديني كلي.

وأما ما حدث في الإسلام من سد باب الاجتهاد وإيجاب التقليد لأئمة معينين، فإن هذا ليس مقتضى أصول الدين أو نصوصه وإنما هو علاج لجأ إليه المتأخرون سدًا لباب الفوضى، فهو من قبيل ارتكاب أخف الضررين وأهون الشرين، ولو وفق المسلمون إلى علاج تلك الفوضى ما كان في الإسلام مانع من الاجتهاد.

ص: 44

حرية التعليم:

الإسلام نص على أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ونفى أن يستوي الذين لا يعلمون، ولم ينص على أنواع معينة من العلوم وحظر ما عداها، فكل علم يوصل إلى مصلحة دنيوية أو دينية فهو مطلوب وهو حق مشاع بين أفراد الناس ذكورهم وإناثهم.

وليس في أصول الإسلام ما يدل على أنه يضيق بعلم أو يقف في سبيل تعليم بل إن في حوادث التاريخ دليلًا على أن المسلمين وسعت صدورهم وبلادهم مختلف العلوم وطبقات العلماء الذين ما وجدوا في غير الإسلام متسعًا لعلومهم ونظرياتهم. وإن ما نقل إلى العربية من علوم الفرس على يد ابن المقفع وأضرابه، وما عرب من علوم اليونان في عهد المنصور والرشيد والمأمون، وما كانت عليه حال العلم والتعليم في معاهد بغداد وقرطبة وسمرقند، دليل على تقدير الإسلام لحرية العلم وتأييده للتعليم.

وكيف لا يتفق الإسلام وحرية التعليم، وأول أسس الإسلام أن يكون الإيمان عماده البرهان والحجة والنظر في ملكوت السماوات والأرض!

وهذا النظر يحتاج إلى مختلف العلوم وتعرف كثير من النظريات!

وكيف يكلف المسلمون بقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} إذ كان في الإسلام ما يقيد حريتهم في إعداد القوة بحظر البحث في أنواع من العلوم أو الفنون التي تتطلبها حاجات الإعداد في مختلف العصور.

فالحقيقة الثابتة أن الإسلام يقرر حرية العلم، بل يجعل طلبه فريضة محكمة على كل مسلم ومسلمة، وما يرمي به المسلمون من اضطهاد أنواع من العلوم في بعض العصور، فليس سببه أمرًا في طبيعة الإسلام.

وفيما كتبه الأستاذ الإمام في كتابه "الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية" مقنع لمن في نفسه ريب.

ص: 45