الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرائط الضريبة العادلة:
جباية الضرائب من الأفراد فيها استيلاء على جزء من مالهم وحرمان لهم من التمتع به. وهذا الحرمان إنما رخص فيه لأن الضرورة قضت به إذ لا يمكن القيام بالمصالح العامة بدونه. وبما أن الضرورات تقدر بقدرها فيجب أن لا يتجاوز بالضريبة القدر الضروري وأن يراعى في تقديرها وطرائق تحصيلها ما يخفف وقعها، ولهذا ذكر علماء الاقتصاد أنه لا بد أن يتوفر في كل ضريبة شرائط أربعة:
الأول: العدل والمساواة بحيث تفرض الضرائب على جميع الأفراد بطريق واحدة تناسب مقدرتهم المالية.
الثاني: الاقتصاد بحيث لا يفرض إلا القدر الضروري.
الثالث: النظام المبين الذي يعلم به كل فرد ما يجب عليه أداؤه وموعده وطريقة أدائه.
الرابع: مراعاة مصلحة الأفراد في تعيين مواعيد الأداء وطرائقه.
وذكروا كذلك أنه لا يجوز فرض الضريبة إلا في مال نام متجدد حتى تكون الضريبة من ثمرة المال ولا تكون من عوامل نقص أصله حتى قال بعضهم: "ما يؤخذ من الثمرة ضريبة وما يؤخذ من الأصل نهب وسلب".
ولا يجوز أن تستنفذ الضريبة كل الثمرة حتى لا يشعر الفرد بأنه إنما يعمل لغيره فيذهب نشاطه.
والناظر في الضرائب الإسلامية يتبين أنها مشروطة بعدة شرائط اقتصادية مراعي فيها العدل والتوفيق بين مصالح الأفراد والمصالح العامة: فنماء المال الواجبة فيه الضريبة شرط مراعى في كل الموارد الإسلامية، ففي الزكاة لا تجب إلا في مال نام حال عليه الحول الذي هو مظنة إنتاجه وإثماره ومظنة لأن يكون أداء الزكاة من ثمرته لا من أصله. وفي الخراج لا يجبي إلا من أرض أمكن زرعها بل قال مالك بن أنس: لا يجبى إلا من أرض مزروعة وإنما شرط زرعها أو إمكان زرعها لتكون الضريبة من ثمرتها ونمائها. وفي العشر أو نصف العشر الواجب من نفس الثمرة ووجوبه مشروط بأن يكون الزرع قد بدا صلاحه. والمقصود من هذه الشرائط أن لا يرهق ذو المال وأن تكون الضريبة من ثمرة ماله لا من أصله.
وأما تناسب الضريبة الواجبة مع الحال المالية لمن تجب عليه فهو مراعى في الموارد الإسلامية كذلك ففي الزكاة والعشر ونصف العشر والعشور الواجب مقدار نسبي لا يفترق فيه مال عن مال ولا فرد عن فرد فما دون النصاب عفو. وما بلغ النصاب يؤخذ منه الواجب بنسبة معينة. وفي الجزية لا تؤخذ إلا من الغني القادر ولا يؤخذ من أحد إلا ما يناسب ماليته ودرجة يساره. وفي الخراج يجب أن يراعى ما تخرجه الأرض وما يطيقه أهلوها: روى القاضي أبو يوسف عن عمر بن ميمون قال: بعث عمر رضي الله عنه حذيفة بن اليمان على ما وراء دجلة وبعث عثمان بن حنيف على ما دونه، فأتياه فسألهما: كيف وضعتما على الأرض؟ لعلكما كلفتما أهل عملكما ما لا يطيقون. قال حذيفة: لقد تركت فضلا. وقال عثمان: لقد تركت الضعف ولو شئت لأخذته.
فقال عمر عند ذلك: أما والله لئن بقيت لأرامل أهل العراق لأدعنهم لا يفترقون إلى أمير بعدي.
وأما مقدار الواجب وموعد أدائه وطريقته فقد روعي فيها أيضا الاقتصاد والرفق بذوي الأموال من غير تفويت حق المصلحة العامة فجعل موعد أداء الواجب حين يحول الحول على المال وجعل الأداء موكولا إلى رب المال في الأموال الباطنة كالنقود لأن في عدها على صاحبها واستقصائها حرجا وإضرارا به فوكل إليه أداؤها بوازع من دينه وسائر الأموال جعل لولاة الأمور تحصيلها لصرفها في مصارفها على أن يراعوا في هذا التحصيل ما يقضي به الرفق والعدل. قال القاضي أبو يوسف في خطابه إلى أمير المؤمنين الرشيد في كتاب الخراج وتقدم إلى من وليت أن لا يكون عسوفا لأهل عمله. ولا محتقرا لهم. ولا مستخفا بهم. ولكن يلبس لهم جلبابا من اللين يشوبه بطرف من الشدة والاستقصاء من غير أن يظلموا أو يحملوا ما لا يجب عليهم.
وقد كان العدل في الضرائب الإسلامية وإحاطتها بالشرائط الاقتصادية من أقوى الأسباب التي ساعدت المسلمين على فتح البلدان وثبتت أقدامهم فيما فتحوه؛ لأن الفرس والرومان كانوا قد أرهقوا الناس بالضرائب الفادحة وحملوهم فوق ما يطيقون ولم ينصفوا مالكا ولا زارعا. وفيما دار بين أبي عبيدة وأهل الشام لما أمر أن يرد عليهم ما جبي منهم دليل على ما كانت تكنه صدورهم وما كانت ترهقهم به الإمبراطورية الرومانية.