المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المصارف المالية الإسلامية: - السياسة الشرعية في الشئون الدستورية والخارجية والمالية

[عبد الوهاب خلاف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌محتويات الكتاب:

- ‌تمهيد

- ‌التشريع الإسلامى والاجتهاد

- ‌الإسلام كفيل بالسياسة العادلة:

- ‌السياسة الشرعية الدستورية

- ‌أولا: شكل الحكومة الإسلامية ودعائمها

- ‌ثانيا: حقوق الأفراد

- ‌مدخل

- ‌الحرية الشخصية:

- ‌المساواة بين الأفراد في الحقوق المدنية والسياسية

- ‌ثالثا: السلطات في الإسلام مصدرها ومن يتولاها

- ‌السلطة التشريعية

- ‌ السلطة القضائية:

- ‌ السلطة التنفيذية:

- ‌رابعا: الخلافة، وجوبها وشروطها

- ‌مدخل

- ‌ وجوب نصب الخليفة:

- ‌ الشروط المعتبرة فيمن يولى الخلافة:

- ‌ مكانة الخلافة من الحكومة الإسلامية:

- ‌السياسة الشرعية الخارجية

- ‌مدخل

- ‌علاقة الدولة الإسلامية بالدول غير الإسلامية:

- ‌أحكام الإسلام الحربية مقارنة بالقانون الدولي:

- ‌أحكام الإسلام السلمية:

- ‌السياسة الشرعية المالية:

- ‌شروط عدلها:

- ‌أسس الموارد الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌شرائط الضريبة العادلة:

- ‌الموارد المالية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌الموارد الدورية:

- ‌الموارد المالية غير الدورية:

- ‌المصارف المالية الإسلامية:

- ‌جباية الإيراد وصرفه في مصارفه:

- ‌نبذة من تاريخ بيت مال المسلمين:

- ‌لمحة عن حياة المؤلف

الفصل: ‌المصارف المالية الإسلامية:

‌المصارف المالية الإسلامية:

من القواعد المقررة أن كل ما يرد من موارد الدولة المالية فهو حق للأمة لا يصرف إلا في مصالحها العامة.

وعلى هذا الأساس رتبت المصارف التي ينفق فيها إيراد الدولة الإسلامية، وقد قدمنا أن أبواب الإيراد في الإسلام هي: الزكاة بأنواعها، والخراج، والجزية، والعشور، وخمس الغنائم، وخمس المعادن، وتركة من لا وارث له، ومال اللقطة، وكل مال لم يعرف له مستحق.

وقد بين الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم مصارف بابين من تلك الأبواب وهما الزكاة وخمس الغنائم وسكت عن بيان مصارف باقي الأبواب ليكون ولاة الأمور في سعة من صرفها في سائر مصالح الدولة العامة حسبما يلائم حالهم، وليس ما سماه جل شأنه من المصارف لإيراد هذين البابين خارجا عن حدود المصلحة العامة للأمة، وإنما هي من المصالح العامة التي خصها جلت حكمته بالنص عليها تنبيها على رعايتها وعدم التفريط فيها:

فالزكاة بسائر أنواعها بين الله مصارفها بقوله عز شأنه في سورة التوبة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} 1.

1 التوبة: 60.

ص: 134

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله من الصدقة، فأجابه بقوله:"إن الله لم يرض في الصدقة بقسم نبي ولا غيره ولكن جزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك".

فسهم من هذه الصدقات للفقراء والمساكين وسواء كان الفقير أسوأ حالا من المسكين أم كان المسكين أسوأ حالا من الفقير فإنهما يجمعهما معنى الحاجة إلى الكفاية فيكون من هذا السهم سد حاجاتهم رفقا بهم ووقاية للأمة من أضغانهم.

وسهم منها للعاملين عليها الذين يقومون بشئونها من إحصاء وتدوين وجباية وحفظ وكل ما تتطلبه من عمل ليعطلوا منه جزءا عملهم على قدر كفايتهم من غير سرف ولا تقتير حتى لا يقصروا في واجبهم ولا يطمعوا في غير حقهم مما بأيديهم.

وسهم منها للمؤلفة قلوبهم الذي يرى من مصلحة الإسلام تألفهم رجاء تأييدهم أو اتقاء كيدهم فينفق من هذا السهم على وسائل الترغيب في الإسلام ومقاومة الدعاية ضده.

وسهم في الرقاب أي في سبيل فكها وتخليصها من قيد الرق فمن هذا السهم يعان الأرقاء على رفع نير الرق عنهم وإعادة نعمة الحرية إليهم، فمنه تفتدى الأسرى، ومنه يؤدى بدل الكتابة للمكاتبين، ومنه تشتري العبيد لتعتق.

وسهم للغارمين الذين لزمتهم ديون من طرق المعاملات المشروعة وعجزوا عن الوفاء بها فمن هذا السهم يقضى الدين عن المدين العاجز

ص: 135

عن أدائه حتى لا تضيع الثقة بين المتداينين ويبقى التعاون بين الأفراد.

وسهم في سبيل الله يعطى منه المجاهدون على قدر كفايتهم وإعداد عدتهم ويعاون منه الحجاج الذين يطرأ عليهم ما يعجزهم عن إتمام فريضتهم.

وسهم لابن السبيل الذي انقطع به الطريق فمن هذا السهم يحمل ويعان على الوصول.

هذه هي المصارف التي وجه الله فيها أموال الزكاة، ومنها يتبين أنها من المصالح العامة لأن مرجعها إلى أمور ثلاثة: سد حاجة ذوي الحاجات من الفقراء والمساكين والأرقاء والغارمين وأبناء السبيل وتأييد الدين وإعزازه بالجهاد في سبيله وتأليف القلوب إليه، ومجازاة العامل بجزء من عمله صونا لما في يده من أطماع نفسه، وهذه الثلاثة من أحق المصالح العامة بالرعاية لأن ذوي الحاجات إذا لم تدبر شئونهم وتركوا تحت عبء حاجاتهم خسرتهم الأمة وكانوا خطرا على أمنها، وفي بعض الدول الآن يترتب في الميزانية أموال لصرفها مساعدة للعمال العاطلين سدا لحاجتهم واتقاء لأخطارهم، وكذلك تأييد دين الدولة وإعزازه من أهم مصالحها العامة، ومكافأة العاملين على ما عملوا فيها تحقيق مصالح الأعمال والعمال.

وقد ألحق بأموال الزكاة عشور الأرض العشرية وما يؤخذ من تجار المسلمين على صادراتهم ووارداتهم فمصرفها الوجوه الثمانية التي تصرف فيها أموال الزكاة لأن هذه كلها أموال تجبى من المسلمين وفيها معنى

ص: 136

القربة فتصرف في مصرف الصدقة، قال القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج: "فإذا جمعت الصدقات جمع إليها ما يؤخذ من المسلمين من العشور وعشور الأموال وما يمر به على العاشر من متاع وغيره ولأن موضع ذلك كله موضع الصدقة فيقسم ذلك أجمع لمن سمى الله تبارك وتعالى في كتابه قال الله تعالى في كتابه فيما أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} .

وأما خمس الغنائم فقد بين الله سبحانه مصرفه بقوله في سورة الأنفال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 1.

فسهم الله تعالى مرود على من سماهم وسهم الرسول وذوي القربى سقط بوفاته صلى الله عليه وسلم وآل الخمس كله إلى اليتامى والمساكين وأبناء السبيل، وبهذا يكون مصرف خمس الغنائم بعض مصارف الصدقات، وبعبارة أخرى يكون بعض ذوي الحاجات ينفق عليهم من أموال الصدقات وما ألحق بها ومن خمس الغنائم، فمصرفه إذًا مصلحة عامة. قال القاضي أبو يوسف: "وأما الخمس الذي يخرج من الغنيمة فإن محمد بن السائب الكلبي حدثني عن أبي صالح عن عبد الله بن عباس أن الخمس كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم: لله

1 الأنفال: 41.

ص: 137

وللرسول سهم، ولذي القربى سهم ولليتامى، والمساكين، وابن السبيل ثلاثة أسهم، ثم قسمه أبو بكر وعمر وعثمان -ضي الله عنهم-على ثلاثة أسهم وسقط سهم الرسول وسهم ذوي القربى وقسم على الثلاثة الباقي ثم قسمه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه على ما قسمه عليه أبو بكر وعثمان -ضي الله عنهم-.

وقد ألحق بخمس الغنائم خمس المعادن والركاز، فمصرفهما واحد، وهو ما بينه الله في آية سورة الأنفال.

قال القاضي أبو يوسف: في كل ما أصيب من المعادن من قليل أو كثير الخمس، ليس هذا على موضع الزكاة إنما هو على موضع الغنائم، وقال: وأما الركاز فهو الذهب والفضة الذي خلقه الله عز وجل في الأرض يوم خلقت، فيه أيضا الخمس، فمن أصاب كنز عاديا في غير ملك أحد فيه ذهب أو فضة أو جوهر أو ثياب فإن في ذلك الخمس وأربعة أخماسه للذي أصابه وهو بمنزلة الغنيمة يغنمها القوم فتخمس وما بقي فلهم.

وأما سائر أبواب الإيراد من الخراج والجزية وما يؤخذ من تجار غير المسلمين على صادراتهم ووارداتهم فكل ما يرد منها يسمى الفيء، ومصرفه سائر المصالح العامة للدولة، ويلحق به تركة من لا وارث له، ومال اللقطة، وكل مال لم يعلم مستحقه فيصرف ذلك في المصالح العامة، وذلك لأن عمر رضي الله عنه لما رأى وضع الخراج على أرض السواد بيّن مصرفه بقوله: "وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها وأضع عليهم فيها الخراج وفي رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئا للمسلمين المقاتلة

ص: 138

والذرية ولمن يأتي بعدهم، أرأيتم هذه الثغور لا بد لها من رجال يلزمونها، أرأيتم هذه المدن العظام -كالشام والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر- لا بد لها أن تشحن بالجيوش وإدرار العطاء عليهم". إني وجدت حجة في كتاب الله وتلا آيات الفيء في سورة الحشر.

وألحق بالخراج الجزية وكل إيراد لم يسم له مصرف معين فيكون مصرفه مصالح الدولة العامة.

قال القاضي أبو يوسف في الجزية: "ويحملها ولاة الخراج مع الخراج إلى بيت المال لأنه فيء للمسلمين، وكل ما أخذ من أهل الذمة من أموالهم التي يختلفون بها في التجارات، وممن دخل إلينا بأمان، وما أخذ من أهل الذمة من أرض العشر التي صارت في أيديهم فإن سبيل ذلك أجمع كسبيل الخراج يقسم فيه الخراج، وليس هذا كموضع الصدقة ولا كمواضع الخمس، قد حكم الله عز وجل في الصدقة حكما قسمها عليه فهي على ذلك وقسم الخمس قسما بقي عليه فليس للناس أن يتعدوا ذلك ولا يخالفوه".

وجملة ما فصلناه أن موارد الدولة الإسلامية من حيث ما يصرفه فيه إيرادها ثلاثة أقسام:

قسم يضرب إيراده في مصارف الصدقات الثمانية المبينة في آية سورة التوبة وهو: الزكاة وعشور الأرض العشرية التي تؤخذ من المسلمين وما يؤخذ من تجار المسلمين إذا مروا بالعاشر وقسم يصرف إيراده في

ص: 139

مصارف خمس الغنيمة المبينة في آية سورة الأنفال وهو خمس الغنائم وخمس المعادن والركاز.

وقسم يصرف في سائر مصالح الدولة العامة وهو إيراد سائر مواردها المالية.

وقد ترتب على هذا التقسيم وتخصيص كل نوع من الإيراد بوجوه معينة من المصارف أنهم منعوا أن يوجه إيراد نوع إلى غير مصرفه ومنعوا أن يجمع بين إيراد نوع وإيراد نوع آخر، بل منعوا أن يولى عمال الخراج العمل في الصدقات وكأنهم اعتبروا ميزانية الدولة العامة مجموع ميزانيات ثلاث لكل واحدة أبواب إيراد وأبواب صرف.

قال لقاضي أبو يوسف في كتاب الخراج: "ومر يا أمير المؤمنين باختيار رجل أمين، ثقة، عفيف، ناصح، مأمون عليك وعلى رعيتك فوله جميع الصدقات في البلدان، ومره فليوجه فيها أقواما يرتضيهم ويسأل عن مذاهبهم وطرائفهم وأماناتهم يجمعون إليه صدقات البلدان فإذا جمعت إليه أمرته فيها بما أمر الله جل ثناؤه به فانفذه، ولا تولها عمال الخراج فإن مال الصدقة لا ينبغي أن يدخل في مال الخراج، وقد بلغني أن عمال الخراج يبعثون رجالا من قبلهم في الصدقات فيظلمون ويعسفون ويأتون ما لا يحل ولا يسع، وإنما ينبغي أن يتخير للصدقة أهل العفاف والصلاح فإذا وليها رجلا ووجه من قبله من يوثق بدينه وأمانته أجريت عليهم من الرزق بقدر ما ترى ولا تجر عليهم ما يستغرق أكثر

ص: 140

الصدقة، ولا ينبغي أن يجمع مال الخراج إلى مال الصدقات والعشور لأن الخراج فيء لجميع المسلمين والصدقات لمن سمى الله عز وجل في كتابه.

وعلى هذا الأساس قال صاحب البدائع:

"أما ما يوضع في بيت المال من الأموال فأربعة أنواع:

أحدها: زكاة السوائم والعشور، وما أخذه العشار من تجار المسلمين إذا مروا عليهم.

والثاني: خمس الغنائم والمعادن والركاز.

والثالث: خراج الأرض، وجزية الرءوس، وما صولح عليه بنو نجران من الحلل، وبنو تغلب من الصدقة المضاعفة، وما أخذه العشار من تجار أهل الذمة والمستأمنين من أهل الحرب.

والرابع: ما أخذ من تركة الميت الذي مات ولم يترك وارثا أصلا أو ترك زوجا أو زوجة.

فأما مصرف النوع الأول: فقد ذكرناه وهو الذي بينه الله تعالى في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} 1 الآية.

وأما النوع الثاني: وهو خمس الغنائم والمعادن فنذكر مصرفه في كتاب السير وهو الذي بينه الله تعالى في قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} 2 الآية.

1 التوبة: 60.

2 الأنفال: 41.

ص: 141

وأما مصرف النوع الثالث من الخراج وأخواته: فعمارة الدين وإصلاح مصالح المسلمين من رزق الولاة والقضاة وأهل الفتوى من العلماء والمقاتلة ورصد الطرق وعمارة المساجد والرباطات والقناطر والجسور وسد الثغور وإصلاح الأنهار التي لا ملك لأحد فيها.

وأما النوع الرابع: فيصرف إلى دواء الفقراء والمرضى وعلاجهم وإلى أكفان الموتى الذين لا مال لهم، وإلى نفقة اللقيط وعقل جنايته، وإلى نفقة من هو عاجز عن الكسب وليس له من تجب عليه ونحو ذلك، وعلى الإمام صرف هذه الحقوق إلى مستحقيها.

هذا ما قرره العلماء في تقسيم المصارف وتوجيه الإيراد فيها ولنا فيما قرروه بحث جدير بالنظر.

وذلك أن الله سبحانه لما بين مصارف الصدقات في آية التوبة ذكر فيها {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} ولما بين مصارف خمس الغنائم في سورة الأنفال بدأها بقوله {فَإِنَّ لِلَّهِ} ولما بين مصارف الفيء في سورة الحشر قال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ} 1، فالمواضع الثلاثة التي ذكرت فيها وجوه الصرف في القرآن ذكر فيها {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، {فَإِنَّ لِلَّهِ} ، {فَلِلَّهِ} فالذي يؤخذ من هذا الصدقات وخمس الغنائم والفيء تشترك في أنها يصرف منها في سبيل الله، ولله، والمراد من الصرف لله وفي سبيل الله الصرف للمصلحة العامة التي لعدم اختصاص فرد بها نسبت إلى الله فتكون جميع الموارد مشتركة في أن يصرف منها للمصلحة العامة، غير أن كل آية من آيات المصارف لما نصت على المصلحة العامة خصت بالذكر بعض أفراد هذه المصالح لفتا للنظر إليها وتنبيها على رعايتها.

1 الحشر: 7.

ص: 142

وعلى هذا لا أرى تباينا بين المصارف المالية التي ذكرت في القرآن للصدقات وخمس الغنائم والفيء، ولا أرى في النصوص ما يمنع الجمع بين إيراد هذه الموارد وتوجيهه في مصالح الدولة العامة مع مراعاة البدء بالأهم منها وعدم التفريط في نوع مما خصه الله سبحانه بالنص عليها في الآيات، ولا أرى موجبا لأن نقصر المراد من سبيل الله على خصوص الجهاد أو ما يشمل الجهاد والحج فإن كل ما يصرف في المنافع العامة وفيما تقتضيه حاجات الأمة هو في سبيل الله، ألا يرى أن علماء الأصول لما قسموا الحدود الشرعية إلى ما هو حق الله والعبد قالوا: إن المراد بما هو حق الله ما كان حقا للمصلحة العامة ولمنفعة المجتمع مثل حد الزنا وحد السرقة، ولذلك ما أجازوا للمجني عليه فيها العفو ولا أباحوا الشفاعة فيها وجعلوا حق إقامتها للإمام أو نائبه، فحق الله يرادف حق المجتمع، وكذلك {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يرادف في سبيل المجتمع والمصلحة العامة، فمن هذا الوجه تشترك الموارد المالية في المصرف.

ص: 143