الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الديانة المسيحية
وأما الديانة المسيحية فإن المسيح عليه الصلاة والسلام
مبعوث إلى اليهود، وقد حدد هو نفسه رسالته ومن بعث
إليهم، فهو عبراني مبعوث إلى اليهود دون غيرهم.
ولا شك أن المسيح من خير البشر خُلُقاً، وندر فيهم
مثله، ونحن المسلمين لا نقول: إنه يهودي، وإن كان رسولاً
إلى اليهود، وقد أخرجه الله منهم برسالته.
ومنذ بدأت العقيدة اليهودية وهي عقيدة خاصة كما
تقول التوراة وكل أسفار اليهود المقدسة، فهي وقف على
العبرانيين محصورة فيهم وحدهم، وأخذت على مر السنين
تضيق بمن أرسلت إليهم حتى انحصرت في داود الذي لم
يستطع مؤلفو قاموس الكتاب المقدس - إخفاء ما في
ضمائرهم فذكروا في شيء من الخجل قصته مع امرأة
أوريا الحثي.
وفي أسفار اليهود المقدسة أن المخلِّص الذي سيكون
على يديه خلاص اليهود سيكون من نسل داود، وما يزال
اليهود حتى هذا اليوم يحلمون بما كان آباؤهم منذ ألفي
سنة يحلمون به، فقد جاء في خاتمة بروتوكولات مشيخة
صهيون وهو البروتوكول الرابع والعشرين: " هأنذا مفصح
لكم اليوم عن الأسلوب الذي نغرس فيه أصول سلالة
الملك داود لتستمر إلى آخر الدهر".
ومنذ ألفي سنة كان اليهود ينتظرون المخلِّص من نسل
داود، بل كان اليهود ينتظرونه قبل الميلاد بقرون، ولما
ظهر لهم من نسل داود المخلص يسوع دعاهم إلى الحق فلم
يؤمنوا به.
وتختلف الديانات الثلاث في تحديد شخصية المسيح،
فاليهودية تكفر به، وتعده خارجاً عليها، والمسيحية الأولى
كان قوامها تصحيح اليهودية حتى تطورت المسيحية تطوراً
خطيراً بعد بولس، ثم أخذ التطور أو التغير حتى صار
المسيح الله الابن، وافترقتْ فرقاً.
أما الإسلام فيعترف بأن المسيح رسول الله حقا، وأمه
صدّيقة عذراء، ودعوته توحيد محض، وليس في البشر
وغيرهم من الخلق - وإن كان رسولاً أو ملَكاً - شيء من
الألوهية، لأن التفرقة بين الخالق والمخلوق في كل شيء
أمر طبيعي، فلا المخلوق يصعد إلى عرش الخالق ليكون
شريكه، ولا الخالق العظيم بنازل إلى درجة المخلوق، لأن
ذلك غير متفق مع كمال الله المطلق.
فالله جل جلاله وتباركت أسماؤه واحد أحد صمد، لم
يلد ولم يولد، ولم يكن له كفُوا أحد.
فعيسى في الإسلام عبد الله ورسوله، واختيار الله إياه
بالرسالة جعله من ذوي العصمة.
هذا قول الإسلام في عيسى، وهو قول يتفرد به عن
اليهودية والمسيحية.
وبعثة المسيح تأتي في إبّانها، فقد قضت اليهودية على
ديانة موسى بالجمود والجحود، وصار المسئولون عنها من
الكهان غرقى في المادة، فبعث الله عيسى ليعيد إلى
اليهودية ما أفقده إياها حاخاموها، فهو مبعوث إلى
اليهود دون غيرهم، والبرهان على ذلك أن فلسطين في
عهده كانت تابعة للرومان، وفيها رومان وفلسطينيون،
وذوو ديانات مختلفة، فلم يتجه إليهم بالدعوة، وإنما قصرها
على اليهود، وهو نفسه عليه السلام قد حدد من أُرسل
إليهم.
ففى إنجيل متى 21/15 - 38: "ثم خرج يسوع من
هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيدا، وإذا امرأة
كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة:
ارحمني يا سيد، يا بن داود، ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها
بكلمة، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: اصرفها لأنها
تصيح وراءنا، فأجاب وقال: لم أرسل إلَاّ إلى خراف بيت
إسرائيل الضالة، فأتت وسجدت له قائلة: يا سيد، أعِنِّي،
فأجاب وقال: ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح
للكلاب، فقالت: نعم، يا سيد، والكلاب أيضاً تأكل من
الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها، حينئذٍ أجاب يسوع
وقال لها: يا امرأة، عظيمٌ إيمانك، ليكن لك كما تريدين،
فشُفيت ابنتها من تلك الساعة".
ففي هذه الفقرة يحدد المسيح رسالته، ولم يجب المرأة
المستغيثة، لأنها كنعانية، وهو لم يرسل إلى الكنعانيين،
ولما ألح تلامذته عليه واستغاثت المرأة امتنع عن إغاثتها،
وحدد من أرسل إليهم، واعتذر عن أن يجيبها إلى طلبها،
فلما أعادت سؤاله أعاد عليها امتناعه بجواب آخر حيث
ضرب لها المثل بخبز البنين لا يصح أن يعطيه غيرهم،
وشبههم بالكلاب، فردت عليه رداً أرضته به عندما
ذكرت له أن للكلاب نصيباً في الفتات الساقط من الخبز
من أربابها، فأعجبه ردها، وأثنى على عظيمِ إيمانها،
وأجابها وشفى لها ابنتها.
وفي إنجيلي متى 10/ 5 - 6: "هؤلاء الاثنا عشر
أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً: إلى طريق أمم لا تمضوا،
وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى
خراف بيت إسرائيل الضالة ".
فالمسيح يحدد من يدعوهم، ويمنع تلامذته من دعوة غير
اليهود، وليس استجابة المسيح للكنعانية بناقضة رسالته
الخاصة، لأنه ليس من الحتم ألا تصيب الكلابُ من
الفتات، ولم يدع الكنعانية إلى اتباعه بعد أن رأت
المعجزة وشفيت ابنتها، ولو دعاها لأجابته، ولكنه لم
يدعها، لأنه يعرف أن رسالته خاصة باليهود.
وظن بعض الباحثين أن مثل المسيح الذي ضربه
بوليمة العرس التي لم يلبها المدعوون، وأمر الداعي عبيده
بجمع من يجدوهم في الطريق من غير أولئك الداعين برهان
على شمول الدعوة غير اليهود، لأن حضور الوليمة كانوا
من غيرهم.
والمثل الذي ضربه المسيح لم يكن لرسالته ولا ينطبق
عليها، وقد جاء المثل في إنجيل متى 22/ 1 - 14:
"وجعل يسوع يكلمهم أيضاً بأمثال قائلاً: يشبه ملكوت
السماوات إنساناً ملكاً صنع عرساً لابنه، وأرسل عبيده
ليدعوا المدعويين إلى العرس فلم يريدوا أن يأتوا، فأرسل
أيضاٌ عبيداً آخرين قائلاً: هو ذا غدائي أعددته، ثيراني
ومسمناتي قد ذبحت، وكل شيء مُعَدٌّ، تعالوا إلى العرس،
ولكنهم تهاونوا ومضوا، واحد إلى حقله، وآخر إلى
تجارته، والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم، فلما
سمع الملك غضب وأرسل جنوده وأهلَكَ أولئك القاتلين
وأحرق مدينتهم، ثم قال لعبيده: أما العرس فمستعد،
وأما المدعوون فلم يكونوا مستحقين، فاذهبوا إلى مفارق
الطرق، وكل من وجدتموه فادعوه إلى العرس، فخرج
أولئك العبيد إلى الطرق، وجعوا كل الذين وجدوهم
أشراراً وصالحين، فامتلأ العرس، الخ ".
وليس في هذا المثل الذي ضربه المسيح برهان على أن
المسيح نفسه هو المرسل إلى غير اليهود، فالمقصود بالملك
الداعي هو الله الذي أرسل عبيده - أي رسله - فلم
يستجب المدعوون للدعوة، فأعاد بعث عبيد غير الأولين
فقتلهم المدعوون، فأرسل جنوده وهم غير العبيد،
ينتقمون للقتلى، وبعد ذلك أرسل عبيده إلى مفارق
الطرق فجمعوا الناس وامتلأ بهم العرس.
فهو من المرسلين في الدفعة الثانية، فقتلهم المدعوون،
وقد قتل اليهود المسيح - كما زعموا هم والمسيحيون في
أسفارهم المقدسة - فانتقم الله بقتلهم.
وقد انتهت رسالة المسيح ومن أرسل إليهم بقتلهم
وإحراق مدينتهم جزاءً وفاقاً على قتلهم الرسل.
ولن يترك الله الناس بدون رسل فأرسل رسوله محمداً
عليه الصلاة والسلام إلى الأمم، وليس لأمة خاصة، ودليل
ذلك جَمْعُ من في مفارق الطرق، وهم من مختلف الأمم.
وسواء أكان المسيح رسولاً إلى اليهود أم إليهم وإلى
غيرهم فإن شيئاً من فقدان صلاح المسيحية لأن تكون دين
الإنسانية عقيدة وشريعة لن يتغير.
فالمسيح لم يبعث ليغيّر شريعة قومه اليهود، بل جاءهم
ليكمل، وها هو ذا متى يقول في إنجيله (5/ 17 - 18) على
لسان المسيح: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو
الأنبياء، ما جئت لأنقض، بل لأكمل، فإني الحق أقول
لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو
نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل ".
وشريعة اليهود التي جاء المسيح لتأييدها وإكمالها لا
تصلح لأن تكون شريعة الإنسانية، كما أن عقيدتهم غير
صالحة لها، فاليهود احتكروا إلههم كما احتكرهم، فيهوه
إله اليهود الخاص لا يشركه فيه غيرهم، وكذلك شريعتهم
وقْف عليهم دون سواهم.
فالديانة اليهودية بعقيدتها وشريعتها لا تصلح لأن
تكون دين الإنسانية.
والمسيحية التي لم تأت لنقض ناموس موسى خالية من
الشريعة، لأنه لا شريعة لها، فشريعتها هي شريعة موسى،
وهذه - كما قلنا - غير صالحة للبشرية لا عقيدة ولا شريعة.
"**
لم يبقَ من كل الديانات غير دين الإسلام، فهل يصلح
لأن يكون دين الإنسانية عقيدة وشريعة؟
وإذا كان صالحاً فما برهان صلاحه؟.
يقول الله تبارك وتعالى في رسول الإسلام محمد عليه
الصلاة والسلام: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) .
ومعنى " خاتم النبيين ": آخرهم، وزعم بعض الناس
أن المقصود بخاتم النبيين زينتهم، وقصدوا نفي الختام
بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو افتراء على القرآن، لأن
من نزل عليه قال: " لا نييَّ بعدي" وفهم الصحابة من لغة