الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البراهيمية
وإذا عدنا إلى الوراء لنختار من الأديان ديناً وجدنا
في الهند (البراهمية". وغيرها من مئات الديانات، وقد
سبقت دياناتٌ الديانةَ البراهمية، مثل الفيدية التي سبقتها
ديانات، وكانت الديانات في الهند تتعايش فيما يشبه
السلام، ومن الديانات الكبيرة في القارة الهندية: البراهمية
التي ما تزال حتى اليوم، ولعل أتباعها يزيدون على ثلاثمائة
مليون.
والبراهمية منسوبة إلى براهما، وقد كان - كما تذكر
البراهمية - عدمٌ ولا وجود، ثم كان البدء بوجود ماء
وعماء، ثم طفت على سطح الماء بيضة ذهبية احتوت سر
الوجود، فخرج براهما من هذه البيضة، براهما الإله
الأعظم الذي خلق الكون، وعُمْر براهما
155.
520.000.000.000 سنة.
ومن معاني البراهما: الانقطاع عن الدنيا إلى العبادة
والفناء فيها، والصلاة، وهو أحد الثالوث المقدس المكون
من براهما نفسه ومن فشنو وسيفا.
وبراهما روح العالم غير المُحَسُّ به، وخالق الكون
ابتداء، وبدأت منه الآلهة، وإليه تعود، لأنه مُوجدها،
والروح الإنسانية شعلة من نيرانه المقدسة، وهو نفسه بدء
الخليقة.
ونسي القائلون بذلك أنما الماء سابق في الوجود لبراهما،
كما أن البيضة الذهبية سابقة على وجوده، أو ظاهرة على
خروجه منها، وعلى هذا نفَوْا عنه صفة القِدم كما نفَوْا عنه
صفة، (الأول" ونفوا عنه أيضاً صفة " الآخر " والخلود
السرمدي الأبدي الذي لا نهاية له، وزعموا أنه هو
" أجنا " إلهة النار المقدسة، لأنهم رأوه صاحب النيران
المقدسة.
وفشنو ثاني الثالوث الإلهي، وموصوف بأنه الباقي
والحافظ، ولئن كان يأتي بعد براهما فإن فشنو قد زاحمه
وانتزع منه صفة الخالق بعد أن سقطت هيبته التي انتهت
بانتهاء بدء الخلق الذي تمَّ على يديه، وانتقل منه إلى
فشنو "عملية " الخلق الثاني فالثالث وما بعد، وهو حافظ
الخلق ورازقه.
والإله سيفا ثالث الثالوث، وموصوف بأنه المبيد
المفني، وانتهى به الأمر أن صار موصوفاً بالإله العظيم.
وعندما انتقلت الديانة الهندية من الفيدية ذات
الثالوث إلى البراهمية ذات الثالوث أيضاً أصبحت قائمة
على المعرفة والفهم والبصيرة والإدراك والنطق، واقتضى
هذا التطور نشوء طبقة من الفقهاء والكهان تقاسموا
معرفة الأسرار وتفسير النصوص ورعاية آداب الديانة،
وطبيعي أن تكون هي وحدها الطبقة الأولى العليا، وفي
وقت متأخر عن نشوئها أطلق لفظ البراهما على كل فرد
فيها.
ويوصف براهما بأنه الإله الواحد، خالق الخلق، ولكن
هذه الوحدانية لفظ يعطل معناه وجود فشنو وسيفا،
أحدهما انتزع من براهما القدرة على الخلق الذي أعقب
بدء الخليقة وهو فشنو، والآخر سيفا موصوف بالخالق
الأعظم، وبذلك جرّد هذان الإلهان الإله الأول الأكبر من
أعظم صفاته ومزاياه.
ومن عقائد البراهمية التناسخ ووحدة الوجود، وكانت
هذه العقائد موجودة فيما سبق من الديانات مثل الفيدية،
ولهذا لا فناء للنفس أو الروح، لأنها عندما تكون مذنبة لا
تموت بموت صاحبها، بل تنتقل من جسد إلى جسد، وليس
حتما انتقالها إلى جسد آدمي، بل يجوز انتقالها إلى حيوان
أو نبات، وهذا هو عقاب الذنب، فإذا صَفَتْ الروح
سواء من أول مفارقتها صاحبها أو بعد التناسخ المتكرر
تندمج في الكل الذي لا يفنى، وهذا هو الثواب، وذلك
لاندماجه في " النرفانا " حيث تتساوى أرواح البشر
وأرواح الآلهة لتبقى في حالة الاندماج إلى ما لا نهاية.
وليس للنرفانا حقيقة ووجود إلا بالإسم، فهي أقرب
إلى أن تكون "لا شيء "
هذه البراهمية من ناحية العقيدة، ولم نُرد أن ندخل
بالقارئ في متاهاتها التي تنتهي بالسير إلى عالم الوهم غير
المحدود.
أما الشريعة في البراهمية فتتلخص في كلمات، إنها
انصراف عن الواقعِ وعزوف عن الدنيا.
وبدأ ظهور البراهمية في الفترة التي تقع بين القرن
الثامن والقرن السادس قبل الميلاد، وهناك ديانات
سبقتها بآلاف السنين، وأخذت الديانات البدائية تتدرج
حتى انتهت إلى الفيدية فالبراهمية فغيرها، وليس هذا
بالنسبة لكل الديانات البدائية، بل لما تطور منها، مع
بقاء كثير منها على ماكان عليه من البدائية.
ومع أن بضع مئات الملايين في القارة الهندية ما تزال
تدين بالبراهمية فإنها لا تصلح لأن تكون ديانة الإنسانية
لا من ناحية العقيدة التي تسيطر عليها الأساطير
والأوهام، ولا من ناحية الشريعة التى تمحو في النفس
الإنسانية دوافع العمل من أجل تعمير الأرض والتمتع
بطيبات الحياة، وتدفع بها إلى الإخلاد إلى الجمود
والخمول.
البراهمية لا تصلح للإنسانية شريعة، لأن أتباعها
أنفسهم قرّروا فقدان صلاحها قبل غيرهم، فاستبدلوا بها
قوانين الغرب وما وضع فقهاؤهم من قوانين.
والإنسان المتطور المتقدم حضارياً لا تطيب له ديانة
تُميت فيه دوافع العمل والكفاح، وتجعل عالم الغيب أو
الآخرة عالماً لا وجود له إلا في ضباب الأوهام.
وإذا كانت البراهمية غير صالحة لأن تكون دين
الإنسانية شريعة وعقيدة فإن بالقارة الهندية ديانات
أخرى مثل الجينية والبوذية نكتفي بهما عن سواهما، لأنهما
أكبر من غيرهما.
وخرج في الهند نفسها ومن أهلها على الفيدية
والبراهمية علماء وفقهاء كفروا بهما أشد الكفر، ونالوهما
بالنقد والتجريح، بل اتهموا الديانتين الكبيرتين حتى بلغ
بهم السخرية بالكهنة البراهميين أن شبهوهم بالكلاب،
يأخذ كل كلب بأسنانه ذيل أخيه في خط طويل هاتفاً:
لنأكل ولنشرب.
وفي بعض الأسفار إنكار لوجود الإله، وجحود بكل
ما في الديانة البراهمية، وإتهام لمؤلفي اليوبانيشاد بانهم
مرضى وحمقى ومهووسون.
وكان هناك فلاسفة ملحدون أعلنوا كفرهم
بالديانتين، وجاهروا بكفرهم وإلحادهم، وسخروا بهما أشد
السخرية، كما كان هناك فلاسفة مشّاءون يتنقلون من غابة
إلى غابة، ومن بلد إلى بلد وهم يعلنون الحرب على
الديانتين في عنف وضراوة، ووجدوا معجبين ومريدين
وتلامذة وأتباعاً وقفوا معهم على نقيض التزهيد
والتشاؤم، وأخذوا بالدعوة إلى انتهاب اللذات، وانتهاز
كل فرصة تتاح فيها المتعة واللذة، فما مضى لن يعود،
وليس هناك وحدة وجود، بل لا وجود لبراهما نفسه.
وبلغ الإلحاد والكفر بآلهة الديانتين حداً قصياً من
قبل هؤلاء الكافرين بها حتى قال بعضهم: لا فرق في