المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الإسلام ولم يبق من كل الديانات غير دين الإسلام، وسنبحث أمره كما - أصلح الأديان للإنسانية عقيدة وشريعة

[أحمد بن عبد الغفور عطار]

الفصل: ‌ ‌الإسلام ولم يبق من كل الديانات غير دين الإسلام، وسنبحث أمره كما

‌الإسلام

ولم يبق من كل الديانات غير دين الإسلام، وسنبحث

أمره كما فعلنا مع غيره لنرى أهو صالح لأن يكون دين

الإنسانية؟.

القرآن الكريم كتاب الإسلام المقدس يذكر أن دين

كل رسل الله الكرام عليهم - الصلاة والسلام هو الإسلام،

ولكن دين محمد هو الذي عرف به، فإذا أطلق الإسلام

عرف به دين محمد عليه الصلاة والسلام.

ووحي الله تبارك وتعالى يشمل القرآن الكريم

والحديث النبوي، والقرآن كلام الله الحق، نزل به الروح

الأمين جبريل عليه السلام على رسول الإسلام محمد صلى

الله عليه وسلم، وكل ما جاء في القرآن حق، والحديث

النبوي الشريف كلام محمد، وكله حق، مثله مثل القرآن،

لأن كل محمداً لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى كما

قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه.

وقد قال الله جل جلاله في محكم كتابه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)

وقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) .

وقد جاءت الآيات البينات المحكمات في كتاب الله

ص: 91

تشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، وأن الله وملائكته يصلون

عليه، والمؤمنون مأمورون بالصلاة على محمد، وأن محمدا

رسول الله إلى الناس كافة، وأنه رحمة للعالمين، وأنه بشر

يختلف عليه ما يختلف على بني الإنسان من صحة ومرض،

وشبع وجوع، وري وظمأ، ومسرة واكتئاب، ولكنه معصوم

عصمه الله، فلا يصدر منه ما لا يتفق مع العصمة، ولم

يصدر منه قط لا قبلَ النبوة ولا بعدها قول أو فعل غير

متفق مع العصمة.

والرسل الكبار المعروفون بأولي العزم خمسة هم: نوح،

وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، وتواريخ حياتهم غير

معروفة بالدقة والتفصيل إلا محمد، وقبورهم مجهولة إلا قبر

محمد، أما عيسى فقد توفاه الله ورفعه إليه.

وخير مصدر وأصدقه لسيَرهم ما جاء في كتاب الله

وسنة رسوله، والرسول المعروف كل سيرته وتاريخ حياته

بالدقة والتفصيل اللذين لم يُعرفا لبشر غير رسول الإسلام

وسيرته.

وقد كان لإبراهيم صحف، ولموسى التوراة، ولعيسى

الإنجيل، ولكن إنجيل عيسى قد فقد بعد حياته، وليس له

وجود منذ عصر المسيحية الأول، فقد ذكر رسولهم بولس

فقدانه، وتوراة موسى مفقودة، والتوراة الموجودة إنما

المراد وفاة النوم كما في قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ) .

وقوله (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) .

والله أعلم.

ص: 92

كتبت بعد موت موسى بثمانية قرون، فهو على التحقيق

ليست التوراة المنزلة من الله على موسى، وصحف إبراهيم

غير موجودة وغير معروفة بعد وفاته.

والكتاب الوحيد الباقي بنصه هو القرآن الكريم،

فقد استظهره كلّه بعضُ الصحابة في عصر رسول الله صلى

الله عليه وسلم، وتلقاه عنه صحابته الذين أورثوا تلقيه

من عاصرهم، وأخذ القرآن يتنقل من قبيل إلى قبيل

بالتلقي، فالتواتر ثابت، وكلما جاء جيل كثر حفاظه، وفي

عالمنا اليوم مئات الآلاف من المسلمين يستظهروه كله

استتظهاراً محكماً، وما من مسلمٍ على وجه الأرض إلا وهو

يستظهر بعض سوره، بل نجد من غير المسلمين من

يستظهرونه.

وبلغت الدقة القصوى والعناية البالغة بنص القرآن

إلى حد العامة الأميين بَلْهَ العالِمين، ولو أن قارئا غلط في

حرف أو كلمة من سورة من السور التي بحفظها كل مسلم

على وجه الأرض لرده العامة إلى الصواب.

فسورة الفانخة بحفظها كل مسلم، وكذلك سورة

الإخلاص، فإذا قرأ قارئ قول الله تعالى: (الْحَمدُ لِلَّهِ

رَبِّ الْعَالَمِينَ) بضم الباء من " رَبِّ " أو فتحها أو بكسر

اللام من " العالَمِين " لرده إلى الصواب آلاف العامة الأميين.

ص: 93

فإذا بلغت المحافظة على النص هذا - المبلغ فإن مما لا

ريب فيه أن يكون القرآن الكريم محروساً من قبل الله

الذي وعد بحفظه ثم من قبل المسلمين جميعاً.

فالكتاب الوحيد المحفوظ الباقي بنصه المنزل من الله

هو القرآن، أما غيره من الكتب السماوية الأخرى فقد

اختفت من الوجود لتخلي الأرض لكتاب الله الخالد الذي

ختمت به الكتب السماوية كما ختم بمحمد صلى الله عليه وسلم رسالات السماء،

وكما ختم بالإسلام دين الله، فلا كتاب بعد القرآن، ولا نبي

بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ولا دين غير الإسلام.

والقرآن موجود بين أيدي العالم، حوى كل العقيدة

الصحيحة التي لا مجال لإضافة جديدة تضاف إليها، وحوى

من الشريعة الأصول السليمة التي تصلح للإنسان في كل

زمان ومكان، مع ترك باب الاجتهاد مفتوحاً لإضافات

جديدة.

فما كان محرماً ممنوعاً جاء النص به واضحاً وصريحاً،

وما سوى الحرام حلال لا يحتاج كله إلا نص، لأن

الاستثناء هو الذي بحاجة إلى النص.

أما محمد رسول الإسلام فكإخوته رسل الله الكرام،

ص: 94

يتفق معهم في رسالة التوحيد، ويختلف عنهم في التشريع

اختلافاً كبيراً، فشرائع من سبقوه من الرسل كانت صالحة

لأقوامهم في تلك العصور الضيقة المحدودة، وليست صالحة

بمجموعها لغيرهم في عصورهم وفي غير عصورهم، ولهذا لم

يُبْعثْ رسول إلا إلى قومه دون غيرهم.

فعيسى عليه الصلاة والسلام بعث إلى قومه اليهود،

فبلَّغهم الرسالة ولم يتجاوزهم إلى غيرهم، مع أن غير

اليهود من رومان وعرب وغيرهم كانوا يقطنون معهم.

أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد ختم الله به الرسل

وختم بدينه - وهو الإسلام - كل الديانات،

كما ختم بالقرآن الذي أنزله على محمد الكتب،

فلا كتاب بعده أو معه، ولا رسول مع محمد ولا

بعده، ولا دين مع الإسلام أو بعده، ولن يقبل الله ديناً غير

الإسلام، ولا رسولاً غير محمد، ولا كتاباً غير القرآن.

فرسول الإسلام محمد رسول إلى كل البشر منذ بعثته

حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وبراهين عموم رسالته

أنها لم تتكرر، وهذا مصداق من مصادق نبوته، وأن محمداً

نفسه وجه الدعوة إلى كل البشر، وكتاب الله ذكر في غير

موضع هذا العموم بحيث لم تقتصر الرسالة على الإنس

وحدهم بل شملت الجن أيضاً، بل جعل الله رسالة محمد

ص: 95

رحمة للعالمين فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) .

وكانت بعثةمحمد صلى الله عليه وسلم ورسالته

رحمة للعالمين حقا وصدقاً، فمن أمارات هذه الرحمة

أن أمم الرسل السابقين تحدّوا رسلهم،

فذهبت كل أمة بعذاب، فقوم نوح أغرقهم

الطوفان، وقوم لوط دمرهم الله تدميرا بأن جعل عالي

أرضهم سافلها، وقوم صالح أخذتهم الرجفة فكانوا في

دارهم - جاثمين، وهكذا كان غيرهم من أقوام المرسلين.

وأقوام محمد كانوا أشد ممن سبقوا عتواً واستكباراً على

الحق، فما دعا على قوم منهم كما فعل نوح إذ استنزل من

الله العذابْ على قومه إلا المؤمنين، وكلما أسرف أقوام محمد

في الكفر والعناد والتحدي اتسع لهم قلبه بالرحمة فدعا لهم

بالهداية.

وهذا طبيعي من نبي الهدى والرحمة ورسول الإنسانية،

لأن كل من في الأرض من البشر أمته، وليس

بطبيعي أن يدعو عليهم فيبيد كلَّ من أرسل إليهم، ومحمد

مدرك أن الله لم يخلق الإنس والجن إلا لعبادته:

(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) .

فإذا لم يكن مبعثه رحمة لقضى عليهم،

ص: 96

وتقضي الرحمة بأن يدعو لهم بالهداية لا عليهم بالويل والثبور،

فتبقى الأرض عامرة بعباد الله.

ونخلص مما سبق أن القرآن للإنسانية عقيدة وشريعة،

ومحمد عليه الصلاة والسلام والإسلام للإنسانية عقيدة

وشريعة.

فالله في الإسلام غيره في الديانات الوثنية وفي اليهودية

وفي المسيحية، ففي الوثنية جعلوا الله جل جلاله وثناً،

وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

أما في اليهودية فجعلوا الله تبارك وتعالى " يهوه "

ووصفوه بصفات البشر، يأكل ويشرب، ويتشكل بأشكال

شتى، جعلوه يبدو في صورة الإنسان! وفي صورة سحابة،

وفي هيئة عمود دخان، وجعلوه يتصارع مع داود،

ومتعطشاً للدماء، ويبتهج لرائحة الشواء، وتعالى الله عن

كل ذلك علواً كبيراً.

و"يهوه" إله اليهود إله قبلي خاص باليهود، وهم

عباده، ويحرمون على ربهم أن يكون لغيرهم، وربهم لا يبرّ

غير أتباعه، فهو ليس برب الناس جميعاً.

والمسيحيون يؤمنون بأسفار العهد القديم وبكل ما جاء

فيها، وأضافوا إلى إيمانهم بتلك الأسفار إيمانهم بأسفار

ص: 97

العهد الجديد، مع أن اليهود لا يؤمنون بها، بل يكفرون

بها وبالمسيح أشد الكفر - كما مر الذكر بالتفصيل فيما سبق

من الصفحات - وأضاف المسيحيون إلى إيمانهم بالعهد

القديم والجديد إيمانهم بأن عيسى إله فزعموا الله الآب،

والله الابن - ويقصدون عيسى - والله روح المقدس،

وعبدوهم من دون الله.

والتثليث - كما مر الذكر - موجود في كثير من

الديانات الوثنية، وفي بعضها موجود بالتقسيم المسيحي

وبالأسماء الواردة فيه، وصفات الثالوث سبق المسيحية َ

ورودها في تلك الديانات.

فالله في المسيحية ثلاثة، وجعلوها ديانة مركبة معقدة،

وجعلوا في المسيح طبيعة الله وصفاته، وأضافوا إليه من

الوثنيات صفات حتى أغرقوا في الوثنية.

أما الله في الإسلام فهو واحد أحد، وليس بربِّ أمة

دون أمة، أو عصر دون عصر، بل هو رب العالمين، رب

الكون كله، رب كل شيء، كامل في صفاته وذاته،

وليس له شريك ولا ند ولا شبيه ولا زوجة ولا ولد، لأن

وجود هؤلاء يقضي على الكمال المطلق الذي تفرد به الله

جل جلاله، وتنزه عن النقص كله.

ص: 98

وقد مر بالقارئ في هذا الفصل مفهوم " الله " في كل

الديانات، وقد انحطوا بهذا المفهوم إلى الحضيض على

تفاوت لا يقضي على إجماعهم في هذا المفهوم الخاطئ، وإن

كانت تبعة هذا العصر المتقدم المتحضر الذي وصل إلى

آفاق جدِّ بعيدة أعظم من تبعة أولئك البدائيين.

وإذا كان عذر أولئك البدائيين الجهل المطبق الذي

ورثه من جاءوا بعدهم فما عذر أبناء هذا العصر الذين لم

يتقدموا خطوة عن أولئك البدائيين في العقيدة، بل

تجاوزوهم في الجهالة عندما أعطُوا الهدى فأبوه وطعنوه.

ونقرر ونحن على ثقة واطمئنان لا حدَّ لهما أن الإسلام

أصلح الديانات القائمة والمندثرة منذ كان للإنسان دين،

نعم، الإسلام أصلح الديانات للإنسانية كلها من ناحية

العقيدة التامة الكاملة المنزهة عن الشرك والوثنية.

أما من ناحية الشريعة فلا نريد أن نصدر للإسلام

الحكم قبل أن نفحص شريعته ونضعها في الميزان.

وما دمنا مؤمنين حق الإيمان بوحدانية الله وبأنه

خالق الكون كله، فإن من البديهي أن نؤمن بأن الله جل

جلاله أعلم بعباده وأعلم بما هو صالح لهم وبما هو غير صالح.

وما دمنا مؤمنين بذلك فطبيعي أن نؤمن بأن ما شرع

ص: 99

الله لعباده خير من شريعة البشر.

وكل ما كبر عقل الإنسان واتسعت آفاق علمه وثقافته

ازداد إيماناً بنقصه وجهله، وما يبلغ الغرور بإنسان إلى أن

يدعي الكمال لنفسه، فأصحاب أكبر العقول في العالم

وأعظم الناس ثقافة يعرفون أكثر من غيرهم أنهم ناقصون،

ومهما بلغوا من العلم فهم يعلمون أن ما علموا لا يذكر

بجانب ما لم يعلموا، فإذا فتح أمامهم باب من العلم أدركوا

أن ما أغلق من أبوابه كثير.

فهذا الإنسان الكبير بعلمه ومعرفته وإدراكه وعقله

ناقص، وهو مؤمن بذلك أشد الإيمان، وطبيعي أن يكون

ما يصدر عن الناقص موصوفاً بالنقص، واستدراك العلماء

بعضهم على بعض برهان النقص الذي يعترفون به.

فإذا شرع الإنسان الناقص شرعاً كان ناقصاً، وهذا ما

نشهده في كل شريعة يشرعها، وتبدل الشرائع الوضعية

بحسب الزمان والمكان وتقدم الإنسان وتأخره برهان على

أن الناقص يلد الناقص.

فشريعة البشر التي يضعونها شريعة ناقصة، ومنذ وضع

الإنسان الشرائع وهي خاضعة للتغيير الدائم المطرد.

أما شريعة الله فكاملة، لأن الله كامل، وإذا كانت

ص: 100

شريعة قوم نوح غير صالحة لقوم إبراهيم أو محمد فليس

لنقص في الشريعة التي شرعها الله، فإذا لم يصلح ثوب زيد

لعمرو فليس سببه نقص أو عيب في الثوب المفصل لزيد،

فهو تام بالنسبة له، وصالح له أتم الصلاح، لأنه مفصل على

قَدِّه، وكذلك شريعة قوم نوح صالحة لهم وحدهم، لأنها

مفصلة عليهم، فهي تامة لهم.

فإذا جاء قوم غير قوم نوح أعطاهم الله شرعاً يسعهم

ويصلح لهم، وهكذا الأمر بالنسبة للأقوام الآخرين.

فلما أراد الله أن يبعث إلى الناس كافة رسولاً أرسل

لهم معه شريعة من عنده، ولما كان هذا الرسول الكريم آخر

رسله زوده بشريعة كاملة غير قابلة في أصولها إلى إضافة

جديدة، لأن الكامل يأبى الإضافة، وإلا لما كان كاملاً.

ومن أظهر الفوارق البينة بين شريعة الله وشريعة

البشر أن شريعة الله هي التي تنشئُ مجتمعها، أما شريعة

البشر فإن مجتمع البشر هو الذي ينشئُ شريعته، وشتان

ما بينهما، وما أعظم الفارق بين الشرعين.

فشريعة الإسلام شرعها الله، فهي لا تتغير، لأن من

أبدعها لا يتغير، فهي ثابتة، وليس كل ثبات جموداً،

وثبات الشمس أو الأرض ليس بجمود، والثبات هنا بقاء

ص: 101

الشمس أو الأرض على حالها وطبيعتها.

ويدرك الإسلام أن جديداً كثيراً من الأحكام

والأشياء سيجدُّ على البشرية فوضع الأصول التي لا يعتريها

التغيير، ووضع لا يجدُّ قواعد وأصولاً، وجعل باب

الاجتهاد مفتوحاً على الدوام، فيضع الإنسان للجديد ما

يناسبه ويصلح له، دون أن يكون هذا الجديد الموضوع من

قبل الفكر الإنساني الطُّلعة العبقري إضافة إلى الأصول

الثابتة، بل هو فرع يصدر عنها، وموصول بها.

قد تحتاج المدينة إلى طريق تمهده، فتدعو الحاجة

عندما تتسع المدينة وتكبر إلى مدِّ الطريق، وقد يكون ما

يضاف إلى الطربق القديم أكثر طولاً وعرضاً، وما يسمى

هذا الجديد المضاف بديلاً عنه ولا نقصاً فيه، لأنه مدٌّ

اقتضته الحاجة، كذلك الجديد من الأحكام.

وأصول الشريعة الإسلامية تفتح الباب لاستقبال كل

جديد، وسيرى القارئ في الفصل المعقود بعنوان

" وفاء الفقه الإسلامي لهذا العصر وكل عصر "

مصداق ذلك.

وصلاح الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان أمر

أثبته الواقع، فقد صلُحت لحكم الحجاز وجزيرة العرب،

ولما اتسع الفتح الإسلامي ثبت صلاحها لأعظم الأقطار

ص: 102

حضارة وعلماً وثقافة، فقد طبقت في مصر والشام وبيزنطة

وفارس والهند والصين واندنوسيا وأفغانستان وشمال

أفريقيا وقبرص وأسبانيا تطبيقاً تاماً، وحققت العدالة في

هذا العالم، ورضي بها الناس، لأن مقصد الإسلام من

شريعته ضمان الأمن من كل مخافة، والعدل في الأحكام

والمعاملات.

وعدل الإسلام غير مقصور على المسلمين وحدهم، بل

يشمل غير المسلمين، وكل الناس في شرعه سواء، فيحرم

الإسلام ظلم أي أحد، يحرم أن يُظْلَم أبناء الديانات

الأخرى.

يقول رسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام: " مَنْ

آذى ذمِّياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة ".

ويقول صلى الله عليه وسلم:

"من أمَّنَ رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافراً".

وهذا الوعيد موجه إلى المسلم إذا قتل غير مسلم،

فرسول الله خصم المسلم إذا آذى أي أحد من أبناء

الديانات الأخرى، ويا ويل من كان محمد صلى الله عليه وسلم خصمه في يوم الحساب، فإذا أمَّنَ مسلم كافراً تم قتله فمحمد صلى الله عليه وسلم -

ص: 103

بريء من هذا القاتل المسلم، وإن جهنم مثوى مَنْ

برئ منه محمد صلى الله عليه وسلم.

وإنسانية الإسلام ليست وقفاً على المسلم وحده، ولا على

الإنسان أياً كان دينه وجنسه ولغته ووطنه وحسب، بل

اتسعت للحيوان أيضاً.

ومعروف عداء اليهود لرسول الإسلام، ومع هذا اتسع

قلبه بالرحمة حتى وسعهم، فقد مرت به صلى الله عليه وسلم

جنازة يهودي فوقف لها، فظن صحابته أنه لا يعلم فقالوا

له: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي، فأجابهم: " أوليس

نفساً"؟.

وهذه الإنسانية نفتقدها في جميع الديانات دون

استثناء، فما أثر عن أحد يحترم احتراماً صادقاً أعداء

دينه ونفسه، ولكن الإسلام في شخص رسوله صلى الله عليه وسلم وقف لجنازة يهودي.

بل بلغت الإنسانية في الإسلام أعلى مرتبة فيها، فقد

كان مشركو مكة شديدي الحقد على رسول الإسلام،

وأرادوا قتله، وحاولوا اغتياله، ولو ظفروا به لمزقوه إرْباً

إرْبا، وقد خططوا لاغتياله وتمزيقه، ولكن الله أنجاه.

قيل له: يا رسول الله، ادع على المشركين، فقال:

ص: 104

" إني لم أبعث لعَّاناً، وإنما بعثت رحمة ".

إن رسول الإسلام أبى أن يدعو على المشركين، لأنه

مبعوث رحمة لا عذاب، ومحمد نفسه رحمة، والرحمة لا تطرد

الرحمة، بل تجتذبها وتنميها، وكذلك كان.

وبلغت الرحمة في الإسلام ورسوله أعلى ذراها عندما

اتسعت للحيوان الأعجم، فقد ذكر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أن أمرأة مومساً دخلت الجنة في كلب، فقد رأت كلباً يلهث

من العطش، فنزعت خفها ودلّته في البئر ونزعت به الماء

وسقته، فغفر الله لها (1) .

وذكر رسول الإسلام في حديث له أن امرأة دخلت

النار في هرة حبستها، لم تطعمها هي ولم تَدَعْها تأكل من

خشاش الأرض فماتت، فأدخلها الله النار.

بل انتهى الإسلام ورسوله إلى الذروة العليا من

الإنسانية، فقد نهى عن سب الحيوان، وشدد النهي عن

لعنه، وزجر امرأة لعنت دابتها زجرا شديداً لأنها لعنت

دابتها، ومنعها عن ركوبها.

وقد أُثرت عن رسول الإسلام مئات الحوادث في هذا

السبيل، ويكفي أن الله جل جلاله قال في رسول الإسلام:

(1) نص الحديث في البخاري:

3074 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ قَالَ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ".

ص: 105

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) ويدخل في العالمين:

الحيوان، والنبات.

وأنَّى اتجه الإنسان وجد إنسانية الإسلام، وجدها في

كل دقيق وجليل منه، فقد ظهر الإسلام في بيئة قائمة على

العصبية والقومية، وكان لهما مطلق السلطان، وكان للدم

والنسب أعظم شأن، ومحمد نفسه من أعظم نسب، وبلغ

بالعرب التعصب إلى حد إطلاقه على كل أجناس البشر

العجم يقابل العرب، تقريراً منهم بهبوط غيرهم وعلوهم

وحدهم.

وكان بوسع رسول الإسلام أن ينتفع بهذه العصبية في

نصر دعوته، ولكنه لا يتخذ ما حُرِّم وسيلة إلى غايته، لأن

الغاية الشريفة تحتم أن تكون الوسيلة شريفة، ولهذا جابه

من أول دعوته العصبية والقومية، لأن الإسلام لم يكن

ديناً لقوم، بل دين الإنسانية كلها، وليس فيه فخر

بالأنساب، ولا مجد بالدم، بل الفخر كله للعمل الإنساني

الصالح الذي تلخصه كلمة التقوى، فقال الله في محكم

كتابه: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" ليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى".

ص: 106

وارتفع العِبِدَّى إلى أعلى ذروة في الإسلام بالتقوى،

وهبط السادة ذوو النسب الأرفع إلى الحضيض لبُعدهم عن

التقوى، فصعد بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب

الرومي إلى مكانة عليا حتى وضعهم رسول الإسلام في صفه

فقال: " السُّبَّاق في الإسلام أربعة: أنا سابق العرب، وبلال

سابق الحبشة، وسلمان سابق الفرس، وصهيب سابق الروم ".

والمساواة في الحقوق والواجبات مضمونة، فلا تمييز بين

الناس بسبب المال والجاه والنسب والعلم، فالتكاليف

واحدة، والحقوق واحدة، والتفضيل موجود، ولكنه ليس

بسبب المال، وإنما يفضل الغني إذا وسع بماله الفقراء،

ودرجة أهل العلم أعلى إذا نفعوا بعلمهم.

وإذا كانت المساواة مقررة في الإسلام فإن المفاضلة

معترف بها في رحابه، ولا تكون إلا بسبب الخير، فصاحب

الخير الأكثر أفضل من صاحب الخير الأقل.

والحرية حق طبيعي للإنسان، فلا يستعبدْ أحد أحدا،

والملك والسوقة سواء في الحرية والحقوق والواجبات، وإن

كان نصيب الملك والأعلياء من التبعة أكبر، لأنهم أقدر

على فعل الخير.

ص: 107

ورفع الإسلام شأن المرأة، فهي فيه شقيقة الرجل،

والرجل شقيق المرأة، وكرَّمها وعظمها، فهي ترث

وتورِّث، ومن حقها أن تملك مثل الرجل، والفروض

عليهما واحدة.

وعندما ننادي بصلاح الإسلام لأن يكون دين

الإنسانية كلها يفزع الملايين ومئات الملايين من تحكم

الإسلام، وبين مئات الملايين من الفزعين عشرات الملايين

من المسلمين، وسبب فزعهم أن الإسلام يحرِّم عليهم أموراً

استطابوها وتعودوها، فهم لا يوافقون على تحكيم الإسلام.

ومئات الملايين من غير المسلمين وعشرات الملايين من

المسلمين سواء في معارضة تحكيم الإسلام، وسواء في

الاحتيال على القوانين الوضعية مما يدل على عدم رضاهم

عنها.

وسنبسط القول بعض البسط في فصل

" انحسار تطبيق شريعة الإسلام في أقطار العرب والمسلمين ".

وأياً كان الأمر فالدين الوحيد الصالح لأن يكون دين

الإنسانية كلها هو الإسلام وحده دون سائر الأديان، لأنه

الدين الذي يحوي أصح عقيدة على الإطلاق، وأفضل

شريعة دون استثناء، والبراهين على ذلك كثيرة في هذا

الفصل وغيره من فصول الكتاب.

ص: 108

وقد صدق الله إذ قال: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) .

ولو ترك الإنسان لفطرته في اخنيار الدين الذي

يرتضيه من بين هذه الديانات لما اختار منها إلا الإسلام،

لأنه يحوي خير عقيدة تُنزِّه الله تنزيها مطلقاً، وتعترف

بوحدانيته، وتفرده بالعبادة كلها، وتنفي الشريك، وتؤمن

حق الإيمان به وبكتبه ورسله وبالبعت وبالقضاء خيره

وشره.

وإلى جانب العقيدة يحوي خير شريعة يتساوى بين

يديها كل الناس: الرسل والملوك والعلماء والسوقة، لا تمييز

لأحدٍ على أحد إلا بالتقوى التي تحوي كل معاني الخير

والصلاح.

وصرْحُ الإسلام يقوم على ثلات قواعد:

الأولى - الإيمان الحق بالله وجوداً، وصرف كل أنواع

العبادة له وحده، ليس كمثله شيء، ولا شريك له ولا ولد

ولا زوجة.

(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) .

ص: 109

(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) .

الثانية - الأمر بالمعروف، والمعروف كل ما هو خير

وصالح، وهو على أربعة ضروب:

أ - معروف فرض عين على كل إنسان ذكر أو أنثى،

كالصلاة والزكاة وحج بيت الله الحرام.

ب - معروف يُعْرَف بفرض الكفاية، وهو ما يكفي

القيام به من قبل طائفة من المسلمين، فإن لم يقوموا به

جميعاً ارتقى إلى فرض العين، مثل: تعلم العلوم والمهن

والصناعات، ويجب على المجتمع المسلم أن يتعلم كل العلوم،

فإذا خلا من علم أو مهنة أو صناعة صار وجودها

فرض عين، فإذا خلا المجتمع من علم الفيزياء كان المجتمع

ناقصاً، وإكمال هذا النقص فرض عليه، فإذا تعلمه واحد

أو أكثر سقط عن الآخرين.

ج - معروف يستحب عمله، وهو دون فرض العين

وإن كان بعض المستحب يدخل في فروض الكفاية مثل

ص: 110

إماطة الأذى عن الطريق، والنظافة، وتأمين مصالح

الناس.

أما المستحبُّ فيتمثل في الآداب العامة مثل إفشاء

السلام، وتلبية الدعوات، وعيادة المريض، وزيارة الأهل

والأحباب، ومساعدة المحتاج، وإقراض المعسر.

د - معروف مباح لا إكراه فيه، ومن القواعد الكلية

في شرعة الإسلام أن كل شيء مباح إلا ما استُثْنِيَ حظرُه

بنص صحيح صريح، وهو ما جاء الشر ع بتحريمه كالزنا

والربا والسرقة والظلم والأذى والاحتكار.

الثالثة - النهي عن المنكر، والمنكر كل قول أو فعل

تأباه النفس السليمة، فمن المنكر ما هو محرم فعله وقوله

تحريماً شديدا، فمن القول: القذف وشهادة الزور والهزء

والغيبة، ومن الفعل كل ما نهى الله عنه كالمحرمات.

وهناك منكر لا يرقى إلى درجة التحريم، وهو ما لا

يتفق مع أدب اللياقة مثل ترك نظافة الجسد واللبس

والظهر، والغلظة والفظاظة في مخاطبة الناس، واحترام

الكبير، والرحمة بالصغير وما أشبه هذه الخلائق من

الآداب المرعية.

وهذه القواعد الثلاث تدخل فيها كل أمور الحياة

ص: 111

الإنسانية دون استثناء، فما من خليقة طيبة فاضلة إلا

وشرع الله في الإسلام يقضي بوجودها، وما من خليقة

كريهة إلا ودين الإسلام يقضي بالتنزه عنها، لأن المفروض

في المجتمع المسلم أن يكون مجتمعا فاضلاً.

وليس هذا بمستحيل أو عسير، فقد رأينا مجتمع

الإسلام في عصر رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم

وصحابته الكرام فاضلاً كريما، كل من فيه إخوة

يحب بعضهم بعضاً، وتطهَّرَ من كل الموبقات والأحقاد

تطهراً تاماً، لم يحقد فيه المعسر على الموسر، ولا الفقير على الغني،

ولا المعدم الذي لا يجد قوت يومه على صاحب الملايين،

لأنه يعلم أن بر " المليونير " إن فاته وصل إلى غيره،

وليس فرضاً أن يسع الغني بماله كل الفقراء،

وإنما حسب المعدم أن مئات من أمثاله نعموا بمال الغني.

ورسول الإسلام نفسه كان يجوع وبين يديه أموال

أصحابه الأثرياء، لا يمد إليها أو إليهم يده، بل يصبر، ولو

أخذ منهم حُرَّ أموالهم أو أكثره أو كله لشعروا بالسعادة،

ومع هذا كفَّ عنهم يده ولسانه.

وقد فرض على الأغنياء في أموالهم حقاً للمحرومين

والسائلين، وقد أدَّوه على خير وجه، وأدَّوا أكثر منه

ص: 112

بالهبات والصدقات، وشاركوا بأموالهم في تجهيز الجيوش

وتأمين المصالح العامة.

والمجتمع الإسلامي كامل كمال الإسلام، وكل شيء فيه

موزون بميزان القسط لا خسران فيه ولا تطفيف، ولهذا

اختفى فيه من الآفات الاجتماعية ما كان سائداً في المجتمع

الجاهلي، اختفى منه الربا والزنا الرسمي والغش

والاحتكار وكل آفة كانت تجرح سلامة المجتمع الفاضل

وطبيعي أن يكون المجتمع المسلم إسلاماً صحيحاً مجتمعاً

فاضلاً، لأنه مبني على أسس الفضيلة والحق والخير

والصلاح والجمال.

وقُوامُ هذه الأسس دستور الإسلام وأصوله وإنسانيته

التي تفصح عنها هذه الأعمدة التي تعد دستور الإسلام

الذي نصَّ عليه القرآن الكريم والحديث النبوي، وهو

دستور صالح لهذا العصر وكل عصر ولكل المجتمعات

المتقدمة وغير المتقدمة، وها هو ذا دستور الإسلام مقتبس

من الكتاب والسنة:

* الإيمان بوجود الله ووحدانيته وبكتبه وبرسله

وباليوم الآخر وبالقضاء خيره وشره، وبرسالة محمد عليه

الصلاة والسلام.

ص: 113

الإيمان بأن الإسلام خاتم الأديان وناسخ ما سبقه

منها.

* التحرر من عبادة أيٍّ من خلق الله الذي لا شريك

* الإيمان بالفرائض الدينية وأداؤها كالصّوم والصّلاة.

* الحرية حق طبيعي للإنسان، وكذلك العلم والصحة

والعمل والعيش.

* البيعة ضرورة لتكون ولاية الحاكم صحيحة بدون

إكراه.

* وجوب كون الحاكم مثلاً عالياً في الصلاح وصحة

المَلَكات وحسن الأخلاق.

* طاعة ولي الأمر فرض، ونازعها خارج على الأمة.

* الحاكم مقيَّد في حكمه وسلوكه ومعاملة الناس بشرع الله.

* عزل الحاكم المجاهر بمعصية الله، فإذا أحل حراماً

صحب العزل تتويبه، فإذا أصر على إحلال الحرام صار

مرتداً، وحكمه القتل.

* لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

* العدل أساس الحكم.

* إن الله حرم الظلم على نفسه فهو حرام على الناس فيما بينهم.

ص: 114

* إعلان الحرب المقدسة وإقرار السِّلم وإجراء الصلح

من حق الأمة.

* الدولة مسئولة عن كفالة الأفراد والجماعات وضمان

الحريات والأمن والمعاش، وإقامة الحدود، وحماية المجتمع

وحراسته.

* مال الإنسان وعرضه ودمه حرام ومحمي ومضمون،

ولمنزله حرمة، ولما يملك عصمة.

* كل نشاط في سبيل الحق والخير والعدل والإنسانية

مطلق لا حجر عليه.

* تنفيذ الأحكام وإقامة الحدود من حق الحاكم ونوابه

وعماله، وذلك فرض لا يمكن إسقاطه أو تعطيله، وإذا دعا

سبب لوقف التنفيذ في الحدود لضرورة كوجود المسلمين في

ميدان حرب أو في أرض العدو أو لشبهة من الشبهات

فذلك ليس تعطيلاً، وإنما وقف للتنفيذ رعاية للمصلحة.

* وجوب وجود طائفة من الأمة للأمر بالمعروف

والنهي عن المنكر، والمسارعة في الخيرات.

* كل مَنْ في مجتمع الإسلام مسئول بحسب مكانته

وقدرته، فالحاكم مسئول، والمحكوم مسئول، والرجل

مسئول، والمرأة مسئولة.

* تحريم الاحتكار وجعل الثروة دولة بين الأغنياء،

وتحريم الربح والبيع والشراء بغير شروط الحق والعدل

ص: 115

التي تحفظ للحلال قدسيته، فلا غرر ولا غش ولا خداع ولا

تدليس ولا رشوة ولا ربا.

* للمجتمع حق في مال الغني وقدرة القادر.

* الميراث حق لا يجوز حرمان صاحب حق منه.

* الملكية الخاصة حق بشرط الحق وهو أن يكون التملك صحيحاً مشروعاً.

* من حق أولياء الأمر فرض "الضرائب " لمصلحة

الأمة، ويحرم فرضها للمصلحة الشخصية أو إلحاق الضرر.

* كل ما كان عدلاً في ظاهرة وباطنه ووسيلته وغايته

وعواقبه ونتائجه فهو من الإسلام، لأن الله عز وجل يأمر

به وقد قال في كتابه العزيز: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)

والعدل: كل ما كان فيه الخير والصلاح.

* الثواب والعقاب حق وواجب.

* الناس سواء في الحقوق والواجبات والحدود والفرائض.

* لا رهبانية في الإسلام ولا كهنوت، فكل مسلم رجل دين

* باب الاجتهاد مفتوح دائماً، ومقاصد الشريعة تبيح

كل جديد لم ينص عليه ما دام حقاً وعدلاً ومتفقاً مع هذه

المقاصد الحسنة.

هذا ملخص دستور الإسلام مصدره القرآن الكريم

ص: 116

والسنة الغراء، وليس بدعاً بين الدساتير التي يراد منها

صلاح المجتمع وحمايته وحراسته وبناؤه على أسس القيم

الرفيعة.

ومزية دستور الإسلام دون كل دساتير العالم أنه

نظيف وطاهر وإنساني في ظاهره وباطنه، وما يستطيع

أحدٌ أن يشكَّ في صلاحه لكل مجتمع في كلِّ عصر، فكل

هذه المبادئ بلغت في الإنسانية والكمال المرتبة التي لا

يصل إليها غيرها.

وليس من المستطاع إضافة أي جديد إلى نصوص

دستور الإسلام التي جاءت في الكتاب والسنة.

وهذا ينتقل بنا إلى تقرير حقيقة أخرى وهي أنه

ليس في المستطاع إضافة جديد إلى رسالة محمد عليه الصلاة

والسلام سواء في مجال العقيدة أم في مجال الشريعة.

ومن هنا يثبت أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم

خاتمة الرسالات، وأن كل محمداً خاتم الرسل جميعاً،

وأن الإسلام خاتم الأديان.

وما دام الإسلام ديناً كاملاً عفيدة وشريعة فالكمال

يقتضي أن يكون الختام لا يعقبه ما هو خير منه، لأنه لا

وجود لخير من الكامل، ولا مثله؛ لأنه تكرار لا حاجة

إليه، ولا أقل منه، لأن الناقص حينئذ يكون عبثاً،

ص: 117

وتعالى الله عن العبث.

وما دام كمال الإسلام أمراً واقعاً مشهوداً فمن البديهي

أنه لا يمكن الاستدراك عليه أو إضافة جديد إلى أصوله،

أما الفروع فلا حجر في الإسلام على الوضع والإضافة من

قبل المجتهدين الصالحين المتبحِّرين في العلم الموصوفين

بالنزاهة والعدالة والتدين والصلاح الذين هم صفوة الأمة.

وترك الإسلام باب الاجتهاد مفتوحاً وأبواب الفروع

مفتحة لأنه مدرك أن التقدم البشري يقضي بذلك، ولا

تثريب ولا ضير على الأصول أن تنبت منه الفروع جديدة.

ومن تمام بحثنا ختمه ببعض الآيات والأحاديث التي

تثبت للإسلام إنسانيته الخالدة التي نفتقدها في جميع

الأديان، ومن هذه الآيات قول الله تبارك وتعالى:

(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)

ص: 118

وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) .

وأما الأحاديث التي تكلم بها رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم -

ص: 119

فهذه طائفة منها:

" مثَل المؤمن كمثل النخلة إن أكلتْ أكلت طيباً، وإن

وضعت وضعت طيباً، وإن وقعت على عود نَخِر لم تكسره ".

و" ليس المؤمن بالطعَّان ولا الفاحش ولا البذيء ".

و" رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس ".

و"رأس العقل بعد الإيمان بالله الحياءُ وحسنُ الخلق".

و"مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسنْ إلى

جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرمْ ضيفه،

ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقلْ خيراً أو ليسكتْ ".

و"مثَل المؤمن مثل السبيكة الذهب، إن نفحْت عليها احمرَّت،

وإن وُزِنتْ لم تنقص ".

و"ملعونٌ من ضارَّ مؤمناً أو مكر به".

و" مِنْ أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن ".

و"مِنْ سعادة المرء حسن الخلق، ومن شقاوته سوء الخلق ".

ص: 120

و " مَنْ آذى مسلماً فقد آذاني، ومَن آذاني فقد آذى الله ".

و"مَنْ آذى ذمياً فأنا خصمه، ومَنْ كنت خصمه خصمتُه يوم القيامة ".

و"مَن أمَّن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتولُ كافراً".

و"مَن أتاه أخوه متنصِّلاً فليقبل ذلك منه محقاً أو مبطلاً،

فإن لم يفعل لم يَردْ عليّ الحوضَ ".

و"مَنْ أخاف مؤمنأ كان حقاً على الله ألا يؤمّنه من إفزاع يوم القيامة ".

و" مَنْ أرضى سلطاناً بما يسخط الله خرج من دين الله ".

و"مَنْ بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه ".

و"إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم

فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، ولْيحدَّ

أحدكم شفرته، ولْيُرحْ ذبيحته ".

و"دَخلتْ امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم

تدَعْها تأكل من خَشاش الأرض ".

ص: 121

و"غُفِر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس رَكِيٍّ

يلهث كاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها

فنزعت له من الماء فغُفر لها بذلك".

و"أيها الناس، ألا إن ربكم لواحد، وإن أباكم

واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأحمر على

أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى ".

هذه الآيات والأحاديث توجز الإسلام عقيدة وشريعة

وآداباً وسلوكاً واجتماعاً، وما من إنسان سليم الفطرة أياً

كان دينه وجنسه إلا وهو يقرر معنا أن الدين الذي يحوي

كل ذلك هو دين الإنسانية، وأن المجتمع الذي يبنيه هذا

الدين هو المجتمع الأفضل الأمثل دون مراء أو خلاف.

وليس هذا المجتمع حلماً يطيف بالذهن أو طوبى من

طوبيات الخيال، فقد عرف العالم في عهد رسول الإسلام

وصحابته الكرام هذا المجتمع.

وما دام الواقع قد أثبت وجوده بحيث تم تطبيق المثال

على الواقع، والواجب على الممكن فقد صار الخيال

واقعاً عاشه الملايين، وما يزال يعيشه أفراد من البشر في

عصرنا الذي تيسرت فيه أسباب التحقيق والتطبيق

والإمكان إِذا اتُّبع الإسلام حق الاتباع.

ص: 122