الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحقيقة بين فشنو وأي كلب من الكلاب.
وتقوَّضت دولة الإيمان بالديانتين وآلهتهما في نفوس
ملايين من المؤمنين، وكثر عدد من كفروا بهم، وبلغَ الملايين،
وانتصر الملاحدة انتصاراً مؤزَّراً في مجال الفكر والمنطق
والمادية حتى أن الديانتين اللتين جاءتا بعد الديانتين
السابقتين قد خلتا من الإله ومن الطقوس الدينية التي
ابتدعها الكهان.
وهاتان الديانتان الملحدتان هما
الجينية
والبوذية
اللتان كانتا من ثمار الحرب التي شنها الملاحدة على
الديانتين السابقتين.
***
الجينية
وتنتسب الجينية إلى جينا بمعنى القهار، وسميت
الديانةُ " الجينية " لأن مؤسسها الأول قهر نفسه فأطلق
عليها ذلك الاسم، واسم المؤسس فارذامانا
"المعروف بلقب ماهافيرا " بمعنى البطل العظيم،
وهو الاسم الذي خلعه عليه أتباعه المخلصون.
وعاش ماهافيرا ما بين 599 - 527 قبل الميلاد،
وقيل: ما بين سنة 549 - 477 ق. م، وعاش منعماً مترفاً
في ثراء أبيه ومجده حتى فجع في والديه اللذين آثرا
الانتحار جوعاً، إذ كانا ينتميان إلى عقيدة تحبب
الانتحار الذي يحسب فيها نعمة لا تعد لها الحياة التي هي
لعنة في معتقدهم.
وخرج الابن حاقدا على المجد والثراء والنعيم والمسرة
إذ رأى غاية والديه الأليمة فتنكر للحياة نفسها، وارتدى
القشف والجوع والحرمان، وأخذ يتجول في إقليم البنغال
ينشد تطهير النفس وصفاء الروح ثلاث عشرة سنة حتى
انتهى إلى قهر نوازع نفسه، وسلطان شهواته وغرائزه.
وأعجب به الناس، ورأوْا (جينا" أي القهار بين
أيديهم يُبعث من جديد لينقذ الهند التي غرقت في أوحال
اللذات والآثام، واعتقدوا أنه "الماهافيرا" المنتظر بُعث
لينقذ الغرقى ويهدي الضالين، فالتفَّت الجماهير حوله
واتخذوه زعيمهم ورمزهم، وأطلقوا على مبادئه " الجينية "
نسبة إلى "جينا" بمعنى القهار.
بل ليست "الجينية " مبادئ وإنما ديانة، ولهذا رضي
أتباع ماهافيرا أن يحيَوْا حياة غاية في القَشَف والقسوة
والحرمان وتعذيب الجسمم والروح إلى حد لم يعرف في أي
دين.
فالجينية تحرم كل متعة ولذة وسرور، فأكل اللحم
حرام، وقتل كل ذي روح حرام، وكما الحرام إيذاء أي
كائن، سواء أكان إنساناً أم حيواناً أم نباتاً أم جماداً،
والزواج حرام، لأنه متعة، والمتعة محرمة، والإعجاب
بالجمال أو حبه حرام.
وأسرف أتباع الديانة الجينية في الزهد وحرمان
النفس من كل شيء يبعث اللذة أو الراحة النفسية أو
البدنية، ويجب على الجيني أن يكون أكبر من الألم
والضيق، فلا يتبرَّم بألم الجوع والظمأ والبرد والحر، وألا
يضيق أو يتضايق بلذع الحشرات، وألا يشعر بالخزي أو
العار أو الخجل من العري، ولا يتبرم من النوم على
الأرض دون فراش، فحرام النوم على فراش.
ومن الفرائض ألا يشعر بالأسى على نعيم فقده، لأنه لا
أسف ولا حزن على حرام متروك.
ويأخذ الجيني نفسه بالقسوة التي لا قسوة بعدها، فعلى
الجيني أن يضع على لهب سراجه حاجزاً يمنع اقتحام فراش
أو حشرة لئلا تحترق، ومن الفرائض ألا تدخل في فمه أو
أنفه حشرة، فهو - لهذا - يحمل بيده مروحة يذود عنهما
الحشرات والهوامّ، ومن تلك الفرائض ألا يطأ حشرة عمداً
أو غير عمد، بل لا يجوز أن يدعسها وهو لا يعلم، ولهذا
يحمل بيده مكنسة حين يمشي يكنس ما بين يديه حتى لا
تقع قدمه على حشرة فيقتلها أو يؤذيها.
وفرض على الجيني ألا يبكي أو يشكو أو يتأوه إذا
أصيب بما يؤلمه، بل يجب ألا يشعر بضيق من أي أذى أو
مصاب.
ويجب أن يتخلّق بالأخلاق الحسنة، ويتنزه عن كل
الآثام صغيرها وكبيرها.
وعندما يستطيع الجيني أن يخضع لدينه اثني عشر عاماً
يتبع ما رَسَم فإنه يصل إلى الدرجة العليا التي تمكنه من
قتل نفسه، فإذا استطاع أن يتنعم بالانتحار جوعاً مثل
ما فعل والدا الماهافيرا فقد أدرك النعيم.
وقد فارق كثير من زعماء الجينية الحياة على هذا
النحو، وما يزالون حتى أيامنا هذه ينعمون بهذا الانتحار،
ويبلغ عدد الجينيين حوالى المليونين في القارة الهندية.
ولا وجود في الديانة الجينية لإله، فعى لاهوت بلا إله
ولعل فيما ذكرناه في الجينية يغني عن المزيد، لأن أي
إنسان في الوجود كله من غير هؤلاء ذوي الفجائع