الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مسألة)(وإذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمات)
أما الثيب فلا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن إذنها الكلام للخبر وإن اللسان هو المعبر عما في القلب وهو المعتبر في كل موضع يعتبر فيه الإذن غير أشياء يسيرة أقيم الصمت فيها مقامه لعارض، وأما البكر فاذنها صماتها في قول عامة أهل العلم منهم شريح والشعبي والنخعي والثوري والاوزاعي وابن شبرمة وابو حنيفة، ولا فرق بين كون الولي أبا أو غيره وقال أصحاب الشافعي في صمتها في حق غير الأب وجهان (أحدهما) لا يكون إذناً لأن الصمات عدم الاذن فلا يكون إذناً ولأنه محتمل للرضا وغيره فلا يكون إذناً كما في حق الثيب وإنما اكتفي به في حق الأب لأن رضاها غير معتبر، وهذا شذوذ عن أهل العلم وترك للسنة الصحيحة الصريحة يصان الشافعي عن إضافته إليه وجعله مذهباً له مع كونه من اتبع الناس لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرج منصف على هذا القول وقد تقدمت روايتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن " فقالوا يا رسول الله فكيف إذنها؟ قال " أن تسكت " وفي رواية عن عائشة أنها قالت يارسول الله إن
البكر تستحي قال " رضاؤها صمتها " متفق عليه، وفي رواية " تستأمر اليتيمة في نفهسا فإن سكتت فهو إذنها " وهذا صريح في غير ذات الأب والأخبار في هذا كثيرة ولأن الحياء عقلة على لسانها يمنعها النطق بالاذن ولا تستحي من آبائها وامتناعها فإذا سكتت غلب على الظن أنه كرضاها فاكتفي به وما ذكروه يفضي إلى أن لا يكون صمتها إذناً في حق الأب أيضاً لأنهم جعلوا وجوده كعدمه فيكون إذا رداً على النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية وإطراحاً للأخبار الصريحة الجلية وخرقاً لإجماع الأمة
(فصل) فإن اذنت بالنطق فهو وابلغ وأتم، وإن ضحكت أو بكت فهو بمنزلة سكوتها، وقال أبو يوسف ومحمد إن بكت فليس بإذن لأنه يدل على الكراهة وليس بصمت فيدخل في عموم الحديث.
ولنا ما روى أبو بكر باسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تستأمر
اليتيمة فإن بكت أو سكتت فهو رضاها وإن أبت فلا جواز عليها " ولأنها غير ناطقة بالامتناع مع سماعها للاستئذان فكان إذنا منها كالصمات والضحك والبكاء يدل على فرط الحياء لا على الكراهة ولو كرهت لامتنعت فإنها لا تستحي من الامتناع والحديث يدل بصريحه على أن الصمت إذن وبمعناه على ما في معناه من الضحك والبكاء ولذلك أقمنا الضحك مقامه (مسألة)(ولا فرق بين الثيوبة بوطئ مباح أو محرم) وجملته أن الثيب المعتبر نطقها هي الموطوءة في القبل سواء كان الوطئ مباحاً أو محرماً وهذا مذهب الشافعي وقال مالك وابو حنيفة في المصابة بالفجور حكمها حكم البكر في إذنها وتزويجها لأن علة الاكتفاء بصمات البكر الحياء من الشئ ولا يزول إلا مباشرته وهذه لم تباشر الاذن في النكاح فبقي حياؤها منه بحاله.
ولنا قوله عليه السلام " البكر تعرب عن نفسها " ولأن قوله عليه السلام " لا تنكح الأيم حتى تستأمر
ولا تنكح البكر حتى تستأذن وإذنها أن تسكت " يدل على أنه لابد من نطق الثيب لانه قسم النساء قسمين فجعل السكوت إذناً لأحدهما فوجب أن يكون الآخر بخلافه وهذه ثيب فإن الثيب الموطوءة في القبل وهذه كذلك ولأنه لو وصى لثيب النساء دخلت في الوصية ولو وصى للأبكار لم تدخل ولو شرطها في التزويج أو الشراء فوجدها مصابة بالزنا ملك الفسخ، ولأنها موطوءة في القبل اشبهت الموطوءة بشبهة والتعليل بالحياء لا يصح فإنه أمر خفي لا يمكن اعتباره بنفسه وإنما يعتبر بمظنته وهي البكارة ثم هذا التعليل يفضي إلى ابطال منطوق الحديث فيكون باطلا في نفسه، ولا فرق بين المكرهة والمطاوعة، وعلى هذا ليس لأبيها إجبارها إذا كانت بالغة، وفي تزويجها إن كانت صغيرة وجهان قولهم إنها لم تباشر الإذن قلنا يبطل
بالموطوءة بشبهة وبملك يمين والمزوجة وهي صغيرة.
(مسألة)(فأما زوال البكارة بأصبع أو وثبة فلا يغير صفة الاذن)
إذا ذهبت بكارتها بغير الوطئ كالوثبة أو شدة حيضة أو أصبع أو عود فحكمها حكم الإبكار ذكره ابن حامد لأنها لم يجر المقصود ولا وجد وطؤها في القبل فاشبهت من لم تزل عذرتها وكذلك لو وطئت في الدبر لأنها غير موطوءة في القبل.
(فصل) إذا اختلف الزوج والمرأة في إذنها قبل الدخول فالقول قولها في قول أكثر الفقهاء وقال زفر في الثيب كقول الجماعة وفي البكر القول قول الزوج لأن الأصل السكوت والكلام حادث والزوج يدعي الأصل والقول قوله.
ولنا أنها منكرة للاذن والقول قول المنكر ولأنه يدعي أنها استؤذنت وسمعت فصمتت والأصل عدم ذلك وهذا جواب عن قوله، وإن اختلفا بعد الدخول فقال القاضي قول الزوج لأن التمكين من الوطئ دليل على الإذن وصحة البكارة فكان الظاهر معه، وهل تستحلف المرأة إذا قلنا القول قولها؟ قال القاضي: قياس المذهب أنه لا يمين عليها كما لو ادعى زوجيتها فأنكرته وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأبو يوسف ومحمد تستحلف فإن نكلت فقال أبو يوسف ومحمد ثبت النكاح وقال الشافعي يستحلف الزوج ويثبت النكاح.
ولنا أنه اختلاف في زوجيته فلا يثبت بالنكول كما لو ادعى الزوج أصل التز ويج فأنكرته، فإن كانت المرأة ادعت أنها أذنت وأنكرته ورثة الزوج فالقول قولها لأنه اختلاف في أمر مختص بها صادر من جهتها فكان القول قولها فيه كما لو اختلفوا في نيتها فيما تعتبر فيه نيتها ولأنها تدعي صحة العقد وهم يدعون فساده فالظاهر معها (فصل) في المحجور عليه للسفه والكلام في نكاحه في ثلاثة أحوال:(أحدها) أن لوليه تزويجه إذا علم حاجته إلى النكاح لأنه نصب لمصالحه وهذا من مصالحه
لأنه يصون به دينه وعرضه ونفسه.
فإنه ربما تعرض بترك التزويج للاثم بالزنا الموجب الحد وهتك العرض، وسواء علم بحاجته بقوله أو بغير قوله وسواء كانت حاجته إلى الاستمتاع أو إلى الخدمة فيزوجه امرأة لتحل له لأنه يحتاج إلى الخلوة بها وإن لم يكن به حاجة إليه لم يجز تزويجه لأنه يلزمه بالنكاح حقوق من المهر والنفقة والعشرة والمبيت والسكنى فيكون تضييعاً لماله ونفسه في غير فائدة فلم يجز كتبذير ماله وإذا أراد تزويجه استأذنه في تزويجه فإن زوجه بغير إذنه فقال أصحابنا يصح لأنه عقد معاوضة فملكه الولي في حق المولي عليه كالبيع ولأنه محجور عليه أشبه
الصغير والمجنون، ويحتمل أن لا يملك تزويجه بغير اذنه لأنه يملك الطلاق فلم يجبر على النكاح كالرشيد والعبد الكبير وذلك لأن إجباره على النكاح مع ملك الطلاق مجرد اضرار فإنه يطلق فيلزمه الصداق مع فوات النكاح ولأنه قد يكون له غرض في امرأة ولا يكون له في أخرى فإذا أجبر على من يكرهها لم يحصل له المصلحة منها وفات عليه غرضه من الأخرى فيحصل مجرد ضرر مستغنى عنه وإنما جاز ذلك في حق المجنون والطفل لعدم إمكان الوصول إلى ذلك من قولهما ولا يتعذر ذلك ههنا فوجب أن لا يفوت ذلك عليه كالرشيد (الحال الثاني) أن للولي أن يأذن له في التزويج في الحال التي للولي تزويجه فيها وهي حالة الحاجة لأنه من أهل النكاح فإنه عاقل مكلف وكذلك يملك الطلاق والخلع فجاز أن يفوض إليه ذلك وهو مخير بين أن يعين له امرأة أو يأذن له مطلقاً أو قال بعض الشافعية يحتاج إلى التعيين له لئلا يتزوج شريفة يكثر مهرها ونفقتها فيتضرر بذلك ولنا أنه أذن في النكاح فجاز من غير تعيين كالإذن للعبد وبهذا يبطل ما ذكروه، ولا يتزوج إلا بمهر المثل فإن زاد على مهر المثل بطلت الزيادة لأنها محاباة بماله وهو لا يملكها وإن نقص عن مهر المثل جاز لأنه تزوج من غير خسران (الحال الثالث) إذا تزوج بغير إذن فقال أبو بكر يصح النكاح
أومأ إليه أحمد قال القاضي يعني إذا كان محتاجاً فإن عدمت الحاجة لم يجز لأنه إتلاف لماله في غير فائدة وقال أصحاب الشافعي إن أمكنه استئذان وليه لم يصح إلا بإذنه لأنه محجور عليه فلم يصح منه التصرف
بغير إذنه كالعبد وإن طلب منه النكاح فأبى أن يزوجه ففيه وجهان ولنا أنه إذا احتاج إلى النكاح فحقه متعين فيه فصح استيفاؤه بنفسه كما لو استوفى دينه الحال عند امتناع وليه من استيفائه، فأما ان تزوج من غير حاجة لم يصح وإن وطئ فعليه مهر المثل للزوجة لأنه أتلف بضعها بشبهة فلزم عوض ما أتلف كإتلاف مالها (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (الثالث الولي فلا نكاح إلا بولي) فإن زوجت المرأة نفسها أو غيرها لم يصح ولا تملك توكيل غير وليها فإن فعلت لم يصح روي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم وإليه ذهب سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد الثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك وعبيد الله العنبري واسحاق وأبو عبيد، وروي عن ابن سيرين والقاسم بن محمد والحسن بن صالح وأبي يوسف لا يجوز لها ذلك بغير إذن الولي فإن فعلت كان موقوفاً على إجازته وقال أبو حنيفة لها أن تزوج نفسها وغيرها وتوكل في الإنكاح لأن الله تعالى قال (ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) أضاف
النكاح إليهن ونهى عن منعهن ولأنه خالص حقها وهي من أهل المباشرة فصح منها كبيع أمتها ولأنها إذا ملكت بيع أمتها وهو تصرف في رتبتها وسائر منافعها ففي النكاح الذي هو عقد على بعض نفعها أولى.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا نكاح إلا بولي " روته عائشة وأبو موسى وابن عباس قال المروذي سألت أحمد ويحيى عن حديث " لا نكاح إلا بولي " فقالا صحيح وروي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن أصابها فله المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لاولي له " رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما فإن قيل فإن الزهري رواه وقد أنكره قال ابن جريح سألت الزهري عنه فلم يعرفه قلنا لم ينقل هذا عن ابن جريج غير ابن علية كذلك قال الامام أحمد ويحيى ولو لم يثبت هذا لم يكن فيه حجة لأنه قد نقله ثقاة عنه فلو نسيه الزهري لم يضره لأن النسيان لم يعصم منه إنسان قال النبي
صلى الله عليه وسلم " نسي آدم فنسيت ذريته " ولأنها مولى عليها في النكاح فلا تليه كالصغيرة فأما