المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثانيحياته العلمية - الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في تو ضيح العقيدة

[عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]

الفصل: ‌الفصل الثانيحياته العلمية

‌الفصل الثاني

حياته العلمية

أولا: طلبه للعلم وحرصه عليه.

ثانيا: شيوخه.

ثالثا: عنايته بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم وتأثره بهما.

رابعا: جلوسه للتدريس، وطريقته فيه.

خامسا: تلاميذه.

سادسا: عقيدته وتنوع ثقافته.

سابعا: مؤلفاته.

ثامنا: ثناء العلماء عليه.

ص: 24

أولا: طلبه للعلم وحرصه عليه:

كان ابن سعدي رحمه الله قد استرعى أنظار الناس منذ حداثة سنه بذكائه القوي، ورغبته الشديدة في طلب العلم وتحصيله، فأوقف لذلك حياته في طلب العلم، فكان لا يشغله عنه شاغل ولا يصرفه عنه صارف، فكان همه في حياته الاستفادة العلمية وحفظ الأوقات في ذلك1.

لقد أجمع أمره على أن يقف حياته على طلب العلم، وأن يعطي نفسه أمناً وطمأنينة وسكينة خاصة، تصل برباطها الوثيق بينه وبين الأمر الذي أوقف حياته عليه.

فتراه إذ ذاك في وادٍ، وأغلب ناشئة عصره من زملائه وأترابه في واد آخر. إنه ارتضى العلم والمعرفة خدينا وأليفا، ولم يرق في نظره من رجال زمنه سوى طبقة العلماء. فلازمهم ملازمة الظل. وأكب على الاغتراف من معين علمهم وفضلهم وأخلاقهم، فتغذى أطيب غذاء، وروى أكرم ري2.

وأول ما قام به من طلب العلم، مبادرته لحفظ كتاب الله، فبدأ بحفظ القرآن من سن مبكرة، حتى أتقنه وأتمه وحفظه عن ظهر قلب في الحادية عشرة من عمره، في مدرسة الشيخ سليمان بن دامغ لتحفيظ القرآن بأم خمار، ثم شرع بعد ذلك في تحصيل سائر العلوم الشرعية3

فأخذ في طلب العلم وتحصيله وتلقيه عن علماء بلده وغيرهم ممن قدم إليه، وشغل أوقاته في ذلك، ورحل إلى العلماء المجاورين لبلده، وانقطع للعلم وتحصيله حفظاً وفهماً ودراسة ومراجعة واستذكاراً وتطبيقاً.

وكان يواظب على دروس العلماء، وعلى من يشعر أنه له منه أدنى فائدة طارحاً التحيز والترفع، وواصل وثابر، وبذل جهده في سبيل ذلك حتى نال في صباه ما لا يناله غيره في زمن طويل، من علوم كثيرة وفنون مختلفة4.

1 مقدمة الرياض الناضرة لأحد تلاميذ الشيخ/4.

2 سيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي، جمع الفقي، بقلم أحد تلاميذ الشيخ/7.

3 روضة الناظرين للقاضي 1/220، وسيرة الشيخ السعدي جمع الفقي، بقلم عبد الله السعدي (ابن المترجم له) /18.

4 علماء نجد للبسام 2/423، ومقدمة الرياض الناضر بقلم أحد تلاميذ الشيخ /4، وآخر المختارات الجلية طبعة المدني بقلم السناني /أ.

ص: 25

ولم يقتصر في طلبه للعلم على فن واحد، بل قرأ في فنون كثيرة فقرأ في الحديث والتفسير والعقائد والفقه والأصول والمصطلح وعلوم اللغة وغيرها وهذا سيظهر لنا عند ذكر شيوخه، وما تلقاه عنهم.

ثانيا: شيوخه:

لقد تلقى الشيخ أنواع العلوم على كثير من العلماء، بعضهم من عنيزة وبعضهم من الوافدين إليها، وبعضهم ذهب إليهم في بلادهم.

وذكرهم جميعهم يصعب، ولكن فيما يلي أذكر جملة منهم مع إعطاء نبذة بسيطة عنهم1، وعن نوع استفادته من كل واحد منهم، وتجدر الإشارة إلى أنه كان رحمه الله محل إعجاب مشائخه كلهم بفرط ذكائه ونبله واستقامته2.

فمن شيوخه:

1ـ الشيخ إبراهيم بن حمد بن جاسر، ولد في بريدة سنة 1241هـ، وتوفي في الكويت سنة 1342هـ3.

وهو أول من قرأ عليه الشيخ وأخذ عنه التفسير والحديث وأصولهما4. وكان ابن سعدي يصف شيخه بحفظ الحديث والورع والزهد ومحبة الفقراء ومواساتهم5.

2ـ والشيخ محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم بن صالح الشبل. ولد في عنيزة سنة: 1257هـ، وتوفي سنة 1343هـ6، وأخذ عنه الفقه وأصوله وعلوم اللغة العربية7.

1 ومن رغب الاستزادة في معرفة هؤلاء الأعلام فليراجع المصادر المحال إليها في الحاشية عند كل علم مترجم له.

2 روضة الناظرين للقاضي 1/220.

3 علماء نجد للبسام 1/102، روضة الناظرين للقاضي 1/41، وعلماء آل سليم للعمري 2/203.

4 علماء نجد للبسام 2/425، ومشاهير علماء نجد لآل الشيخ/ 392.

5 مقدمة الرياض الناضرة لأحد تلاميذ الشيخ/5.

6 علماء نجد للبسام 3/843، وروضة الناظرين للقاضي 2/227، وعلماء آل سليم للعمري 2/469.

7 علماء نجد للبسام 2/435.

ص: 26

3ـ والشيخ عبد الله بن عائض العريضي الحربي، ولد في عنيزة سنة: 1249هـ، وتوفي سنة 1375هـ1.

وأخذ عنه الفقه وأصوله وعلوم اللغة2.

4ـ والشيخ صالح بن عثمان بن حمد بن إبراهيم القاضي، ولد في عنيزة سنة: 1282هـ. وتوفي سنة: 1351هـ3.

أخذ عنه التوحيد والتفسير والفقه أصوله وفروعه وعلوم العربية، وهو أكثر من قرأ عليه الشيخ ولازمه ملازمة تامة حتى توفاه الله4.

وكان هو الذي يقرأ على الشيخ في الدرس والشيخ يقرر على قراءته، بدأ القراءة على الشيخ بعد وفاة عبد العزيز الغرير، الذي كان يقرأ على الشيخ، وكان ابن سعدي له صوت حسن رخيم لا يمله سامعه5.

5ـ والشيخ محمد بن عبد الله بن حمد بن محمد بن سليم، ولد في بريدة، سنة: 1240هـ وتوفي فيها سنة 1323هـ6.

رحل له الشيخ في بريدة وأخذ عنه التوحيد وغيره7.

6ـ والشيخ علي بن ناصر بن محمد أبو وادي، ولد في عنيزة سنة: 1273هـ، وتوفي سنة: 1361هـ8.

أخذ عنه الحديث، الأمهات الست وغيرها، وأجازه في ذلك. وأخذ عنه التفسير وأصوله، وأصول الحديث9.

1 علماء نجد للبسام 2/435، ومقدمة الرياض الناضرة بقلم أحد تلاميذ الشيخ/ 5.

2 علماء نجد للبسام 2/425، وروضة الناظرين للقاضي 1/220.

3 علماء نجد للبسام 2/367، وروضة الناظرين للقاضي 1/152، وعلما آل سليم للعمري 2/265، ومشاهير علماء نجد لآل الشيخ/ 331.

4 سيرة عبد الرحمن السعدي جمع الفقي بقلم ابن الشيخ/19، وملحق النعت الأكمل للعامري /428.

5 روضة الناظرين للقاضي 1/220.

6 علماء نجد للبسام 3/872، وروضة الناظرين للقاضي 2/211.

7 علماء نجد للبسام 2/235، وعلماء آل سليم وتلاميذهم للعمري 2/295.

8 علماء نجد للبسام 3/738، وروضة الناظرين للقاضي 2/114، وعلماء آل سليم للعمري 2/419.

9 علماء نجد للبسام 2/425، وسيرة عبد الرحمن السعدي جمع الفقي بقلم ابن الشيخ /19، ومقدمة الرياض الناضرة لأحد تلاميذ الشيخ/6.

ص: 27

7ـ والشيخ إبراهيم بن صالح بن إبراهيم بن محمد بن عيسى القحطاني ولد في عنيزة سنة: 1270هـ وتوفي بالرياض سنة: 1343هـ1.

أخذ عنه أصول الدين2.

8 ـ والشيخ محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الله بن مانع.

ولد في عنيزة سنة: 1300هـ، وتوفي في بيروت سنة: 1385هـ ونقل جثمانه إلى قطر وصلى عليه ودفن فيها3.

وأخذ عنه علوم اللغة العربية4.

9ـ والشيخ صعب بن عبد الله بن صعب التويجري، ولد في بريدة سنة: 1253هـ، وتوفي سنة: 1339هـ5.

أخذ عنه الفقه وأصوله6، عندما رحل من بريدة إلى عنيزة وجلس فيها للتدريس7.

10ـ والشيخ علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد السناني، ولد في عنيزة سنة: 1266هـ، وتوفي سنة: 1339هـ8.

وأخذ عنه أصول الدين9.

11ـ والشيخ محمد الأمين محمود الشنقيطي، ولد في مدينة شنقيط في موريتانيا سنة: 1289هـ، وتوفي في الزبير في صباح الجمعة 14 جمادى الثانية، سنة: 1351هـ10.

1 علماء نجد للبسام 1/117، وروضة الناظرين 1/44، مشاهير علماء نجد لآل الشيخ /285.

2 روضة الناظرين للقاضي 1/220.

3 علماء نجد للبسام 3/827، وعلماء آل سليم للعمري 2/459.

4 علماء نجد للبسام 2/425، وروضة الناظرين للقاضي 1/220.

5 علماء نجد للبسام 2/379، وروضة الناظرين للقاضي 1/150، وعلماء آل سليم للعمري 2/276.

6 علماء نجد للبسام 2/425.

7 علماء آل سليم للعمري 2/295.

8 علماء نجد للبسام 3/733، وروضة الناظرين للقاضي 2/109، وعلماء آل سليم للعمري 2/404.

9 علماء نجد للبسام 2/425، وروضة الناظرين للقاضي 1/220.

10 انظر ترجمته في كتاب "من أعلام الفكر الإسلامي في البصرة، الشيخ محمد أمين الشنقيطي) لعبد اللطيف التليشي الخالدي، ط ـ مؤسسة المطبوعات العربية، بيروت.

ص: 28

قرأ عليه الشيخ ابن سعدي لما قدم إلى عنيزة وجلس فيها للتدريس سنة: 1330هـ. وأخذ عنه التفسير والحديث ومصطلح الحديث وعلوم العربية كالنحو والصرف وغيرهما1. وأخذ عنه إجازة بالرواية2.

ثالثا: عنايته بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وتأثره بهما:

لقد عني الشيخ ابن سعدي بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وكتب تلميذه ابن القيم عناية بالغة، فأكب عليها مطالعة واستذكاراً وحفظاً وفهماً وتلخيصاً وشرحاً.. وكان أعظم اشتغاله بها، ولازمها ملازمة تامة طيلة حياته، فتتلمذ بذلك على كتبهما، وحصل له بسبب ذلك انتفاعٌ كبيرٌ، وخيرٌ عظيمٌ.

ولكي يبرز لنا مقصود هذا البحث أقول: إن تأثر الشيخ ابن سعدي بشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يظهر من نواح متعددة:

أـ أجمع كل من ترجم له من تلاميذه وغيرهم على عنايته بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وحثه الدائم لتلاميذه بالعناية بها.

يقول الشيخ محمد بن عثمان القاضي: "ولقد أكب بالمطالعة على كتب الفقه والحديث طيلة حياته خصوصا على كتب الشيخين، فقد كانت له صبوحا وغبوقاً"3.

ويقول ابن الشيخ المترجم له عبد الله: "وكان أعظم اشتغاله وانتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وحصل له خير كثير بسببها في علم الأصول والتوحيد والتفسير والفقه وغيرها من العلوم النافعة"4.

ويقول أحد تلاميذ الشيخ: "وكان يتعلم ويقضي أوقاته في ذلك، وفي الإكباب على مطالعة مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية ومؤلفات تلميذه ابن القيم بتمعن وتفهم فانتفع بهذه المؤلفات غاية الانتفاع"5 والنقول في ذلك كثيرة.

1 مقدمة الرياض الناضرة لأحد تلاميذ الشيخ/6، ومشاهير علماء نجد لآل الشيخ/329

2 آخر المختارات الجلية ـ طبعة المدني، بقلم السناني/ب.

3 روضة الناظرين للقاضي 1/220.

4 سيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي، جمع محمد الفقي بقلم عبد الله بن ناصر السعدي/ 21، وانظر مقدمة الرياض الناضرة لأحد تلاميذ الشيخ/7.

5 آخر المختارات الجلية طبعة السعيدية بقلم أحد تلاميذ الشيخ/411، ومشاهير علماء نجد لآل الشيخ 393، وانظر أيضا آخر المختارات الجلية طبعة المدني بقلم السناني/ج، وسيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي جمع الفقي. بقلم تلاميذ الشيخ/10.

ص: 29

ب ـ ثناؤه الدائم عليهما وعلى مؤلفاتهما في كتبه:

قال رحمه الله في كتابه طريق الوصول: "إن كتب الإمام الكبير شيخ الإسلام والمسلمين: تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية، قدس الله روحه، جمعت فأوعت: جميع الفنون النافعة والعلوم الصحيحة، وجمعت علم الأصول والفروع وعلوم النقل والعقل، وعلوم الأخلاق والآداب الظاهرة والباطنة، وجمعت بين المقاصد والوسائل، وبين المسائل والدلائل، وبين الأحكام وبين حكمها وأسرارها، وبين تقرير المذهب الحق، والرد على جميع المطبلين، وامتازت على جميع الكتب المصنفة بغزارة علمها وكثرته وقوته، وجودته وتحقيقه، بحيث يجزم من له اطلاع عليها وعلى غيرها أنها لا يوجد لها نظير يساويها أو يقاربها"1.

وقال في الكتاب نفسه: "وقد سلك شمس الدين ابن قيم الجوزية مسلك شيخه، بالتحقيق للعلوم الأصولية والفروعية والظاهرة والباطنة. وكان أعظم من انتفع بشيخ الإسلام، وأقومهم بعلومه وأوسعهم في العلوم النقلية والعقلية"2.

وقال في المواهب الربانية: "....ولا يخفى لطف الباري في وجود شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أثناء قرون هذه الأمة، وتبيين الله به وبتلامذته من الخير الكثير والعلم الغزير، وجهاد أهل البدع، والتعطيل والكفر، ثم انتشار كتبه في هذه الأوقات، فلا شك أن هذا من لطف الله لمن انتفع بها، وأنه يتوقف خير كثير على وجودها فلله الحمد والمنة والفضل"3.

وللشيخ ابن سعدي قصيدة نونية تتكون من ثلاثين بيتاً نظمها في مدح شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومؤلفاتهما منها:

يا طالبا لعلوم الشرع مجتهدا

يبغي انكشاف الحق والعرفان

احرص على كتب الإمامين اللذيـ

ـن هما المحك لهذه الأزمان

العالمين العاملين الحافظيـ

ـن المعرضين عن الحطام الفاني

عاشا زمانا داعيين إلى الهدى

من زائغ ومقلد حيران

أعني به شيخ الورى وإمامهم

يعزي إلى تيمية الحران

والآخر المدعو بابن القيم

بحر العلوم العالم الرباني1 طريق الوصول/3.

2 المصدر السابق/303 بتصرف.

3 المواهب الربانية/73.

ص: 30

فهما اللذان قد أودعا في كتبهم

غرر العلوم كثيرة الألوان

فيها الفوائد والمسائل جمعت

من كل فاكهة بها زوجان

إن رمت معرفة الإله وماله

من وصفه وكماله الرباني

أو رمت تفسير الكتاب وما حوى

من كثرة الأسرار والتبيان

أو رمت معرفة الرسول حقيقة

وجلالة المبعوث بالفرقان

أو رمت فقه الدين مرتبطاً به

أصل الدليل أدلة الإتقان

أو رمت معرفة القصائد كلها

للمبطلين وردها ببيان

أو رمت معرفة الفنون جميعها

من نحوها والطب للأبدان

تلق الجميع مقرراً وموضحا

قد بيناها أحسن التبيان1

إلى آخر هذه القصيدة، وهي دقيقة في وصف هذين العالمين وغزارة علمهما وتنوعه.

جـ ـ تأثره بهما في أسلوبه في الكتابة وفي تقريره للمسائل، وتأصيله للقواعد، وردوده على المنحرفين، وكثرة نقله واقتباسه من أقوالهما كما سيظهر جلياً عند عرض جهوده في العقيدة، إذ سيتبين للقارئ أن معظم كلامه في الرد على المخالفين أو في تأصيل القواعد مستفاد من كلام شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وذلك لشدة عناية الشيخ بمؤلفتهما القيمة النافعة.

د ـ عنايته بالتأليف حول كتب شيخ الإسلام، وكتب تلميذه ابن القيم فله عدة مؤلفات تدور حول كتب هذين العالمين إما شرحاً وتوضيحاً أو نثراً أو تلخيصاً، منها:

1ـ كتاب توضيح الكافية الشافية، نثر فيه نونية ابن القيم.

2ـ الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية، وهو أيضا حول نونية ابن القيم حيث شرح الأبيات المتعلقة بتوحيد الأنبياء والمرسلين من النونية.

3ـ الدرة البهية في شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية وكما يظهر من عنوانه فهو شرح لتائية ابن تيمية في الرد على القدرية.

4 ـ التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنفية علق فيه على العقيدة الواسطية لابن تيمية.

5 ـ طريق الوصول إلى المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول، وهذا الكتاب

1 الفتاوى السعدية/673، 674، 675.

ص: 31

من أبرز كتبه الدالة على شدة عنايته بكتب ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وهذا يظهر لنا من ناحيتين.

الناحية الأولى: سبب تأليف الكتاب، إذ أنه ألفه رحمه الله ليكون بديلاً لأحد كتب ابن تيمية، بحث عنه كثيراً فلم يجده، يقول في مقدمة الكتاب مبيناً سبب تأليفه له:"ولشيخ الإسلام كتاب يقال له "قواعد الاستقامة" طالما بحثنا عنه لتحصيله من مظانه، فلم يتيسر، لكثرة فوائده.

وإني لأرجو أن يكون ما جمعته في هذا المجموع من كلامه في الأصول والقواعد مغنيا عن ذلك الكتاب، ومتضمناً زيادات كثيرة لا توجد فيه ولا في غيره......"1.

الناحية الثانية: مادة هذا الكتاب، فهو عبارة عن أكثر من ألف قاعدة، وأصل، وضابط، وتعريف استخرجها من أكثر من ستين كتاباً من كتب شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، بعد قراءة متأنية في هذه الكتب قال رحمه الله في آخر الكتاب:

"....وجملة ذلك: أن هذا المجموع قد انتقيته بعد التروي الكثير وكثرة التأمل والتفكير من جميع الكتب الموجودة من كتب الشيخين فتضمن صفوتها، احتوى على جواهرها وغررها، والحمد لله والفضل لله"2 ولا أدل وأوضح من ذلك على عنايته بكتبهما.

هذا وإن المقصود من كل ما تقدم إبراز عناية الشيخ ابن سعدي بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، وقد بان المقصود، وحصل بحمد الله المنشود.

رابعا: جلوسه للتدريس، وطريقته فيه:

لقد بذل ابن سعدي أكثر جهده، ومعظم وقته في طلب العلم وتحصيله، فلازم العلماء وأكب على كتب العلم، فلا يصرفه عن حلق الذكر ومجالس العلم وقراءة الكتب صارف، ولا يرده عنها راد، حتى أناله الله من العلم حظاً وفيراً، وقدراً كبيراً، فعلا

1 طريق الوصول/4. فائدة: وقد طبع الكتاب قريباً بتحقيق محمد رشاد سالم بمطبعة جامعة الإمام محمد بن سعود، وهو ليس كما فهم الشيخ ابن سعدي من عنوانه من أنه عبارة عن سرد لقواعد وأصول تحصل بها الاستقامة، فقد تأملت الكتاب بعد طبعه فوجدته يدور حول الحث على اتباع السنة والتحذير من البدعة والرد على المبتدعة، وليس فيه سرد للقواعد والضوابط والأصول.

2 طريق الوصول / 435.

ص: 32

قدره، وعظم شأنه، وظهر تفوقه، وذاع صيته.

فأقبل عليه طلاب العلم من عنيزة وما جاورها من المدن، ورغبوا في دروسه وحرصوا على الاستفادة منه1.

حتى إن زملاءه في الدارسة لما رأوا تفوقه عليهم ونبوغه، تتلمذوا عليه وصاروا يأخذون عنه العلم وهو في سن مبكر، فصار وهو في شبابه معلماً ومتعلماً2.

وقد كان أول جلوسه للتعليم في الثالثة والعشرين من عمره، ففي هذه السن جلس في حلقة التدريس يعطي الدروس للطلاب، وجد في تعليمهم واجتهد، يعلم زملاءه ومن يريد العلم ويطلبه، وكان يحرص على التعليم كحرصه على التعلم.

فجمع بذلك بين طلب العلم والتعليم، ورتب أوقاته في ذلك، فكان يقضي بعض أوقاته في القراءة على العلماء، بعضها يجلس للتلاميذ يعلمهم، وبعضها في مراجعة الكتب والبحث فيها، ولا يفوّت من أوقاته شيئاً إلا وقد رتبه3.

فبلغ الذروة في علوم الحديث والفقه والتفسير، حتى إنه منذ عام 1350هـ صار مرجع التدريس ومرجع الإفتاء في بلده وما حولها من القرى وأصبح المعول لدى جميع الطلاب في أخذ العلوم4.

أما عن تنظيمه لأوقاته في التعليم؛ فقد كان يجلس أربع جلسات في اليوم الواحد، فكان إذا صلى الفجر بالناس جالس لأداء الدرس حتى تطلع الشمس، ثم يذهب بعد ذلك إلى بيته حتى الضحوة الكبرى فيعود إلى المسجد يعلم أبناءه الطلاب الفقه والتفسير والحديث والعقيدة والنحو والصرف في دروس منتظمة، ويستمر معهم حتى صلاة الظهر، فيصلي بالناس ويعود إلى بيته يستريح فيه إلى صلاة العصر، ثم يذهب إلى المسجد فيصلي العصر بالناس، ويعطيهم عقب الصلاة وهم جلوس بعض الأحكام الفقهية في دقائق لا تؤخرهم عن الانصراف سعيا وراء أرزاقهم، وعندما تغرب الشمس يصلي بالناس المغرب ويجلس للدرس حتى يصلي العشاء، ويتكرر ذلك يومياً5.

1 علماء نجد للبسام 2/423.

2 آخر كتاب المختارات الجلية، طبعة المدني بقلم السناني /ب، وانظر سيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي، جمع الفقي بقلم أحد تلاميذ الشيخ/10.

3 سيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي، جمع الفقي بقلم أحد تلاميذ الشيخ/10، وانظر مقدمة الرياض الناضرة لأحد تلاميذ الشيخ 4.

4 روضة الناظرين للقاضي 1/223.

5 مجلة الجامعة الإسلامية، س:11، ع:4، ص:205 بقلم الشيخ عبد الرحمن العدوي.

ص: 33

أما عن طريقته في التعليم وحرصه على نفع طلابه، فقد كان رحمه الله من أحسن الناس تعليماً وأبلغهم تفهيماً وأفضلهم تبييناً، وذلك؛ لأن طريقته في التعليم امتازت بصفات كثيرة هامة، جعلت طلابه يتلذذون بدرسه ويواظبون عليها.

ومن أبرز هذه الصفات:-

1ـ أنه يستشير تلاميذه في اختيار الكتاب الأنفع من كتب الدراسة، ويرجح ما عليه رغبة أكثرهم، وعند التساوي يكون هو الحكم في الترجيح1.

2ـ يخصص المكافآت لمن يحفظ المتون من طلابه، وتشجيعاً لهم، وحفزاً لزملائهم2.

3ـ يقيم المناظرات بين طلابه المحصلين لشحذ أفكارهم، وصقل أذهانهم، وتعويدهم إقامة الحجة والبرهان3.

4ـ يطرح المسائل على الطلاب ليختبر أذهانهم، ويعتمد أحياناً تغليط نفسه أمامهم ليرى من هو حاضر الذهن ممن هو شارده، وليعرف الفطن من غيره4.

5ـ عند ذكره للمسائل الخلافية، فإنه يقرر القول الراجح بأدلته، ثم يذكر القول الآخر بأدلته ثم يوسط نفسه حكماً في المسألة، وقد يستطرد بذكر نظائر المسألة، كل ذلك بفصاحة وبلاغة بديهية5.

6ـ يجمع الطلاب كلهم على كتابين واحد بعد آخر، وبعد انتهاء الجلسة يطلب من ثلاثة منهم إعادة ما يستحضره من التقرير، ويدور عليهم ليختبر قوة حفظهم وفهمهم6.

7ـ يناقشهم بعد يوم فيما مضى شرحه، مما كان يدفع الطلاب على الحرص على الاستذكار وتثبيت المعلومات7.

1 روضة الناظرين للقاضي 1/224، مقدمة الرياض الناضرة لأحد تلاميذ الشيخ/ 7.

2 روضة الناظرين للقاضي 1/222، وسيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي، جمع الفقي بقلم أحد تلاميذ الشيخ/12،

3 سيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي، جمع الفقي بقلم ابن الشيخ/ 20، وروضة الناظرين للقاضي 1/224.

4 روضة الناظرين للقاضي 1/222.

5 روضة الناظرين للقاضي 1/222-224.

6 روضة الناظرين للقاضي 1/222.

7 روضة الناظرين للقاضي 1/222.

ص: 34

8 ـ يحرص على طلابه حرصاً تاماً، ويتفقدهم عند غيابهم تفقداً دقيقاً مما كان يجعل تلاميذه يراعون المواظبة لملاحظته وعدم غفلته1.

9ـ ومع ذلك كله كان يلاطفهم ويداعبهم تحبيباً لهم في طلب العلم2

ولهذا فإنه قد انتفع بعلمه خلق كثير، وتخرج على يديه عدد كبير من طلبة العلم البارزين المحصلين، أجزل الله له المثوبة، ورحمه الرحمة الواسعة.

خامسا: تلاميذه:-

وقد أخذ عنه العلم خلق كثير يصعب حصرهم، ومنهم:-

1ـ الشيخ محمد بن صالح العثيمين. خلف شيخه في إمامة الجامع بعنيزة، وفي التدريس والوعظ والخطابة.

2ـ والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام. عضو هيئة التمييز بالمنطقة الغربية.

3ـ والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل. عضو الهيئة القضائية العليا في وزارة العدل.

4ـ والشيخ عبد الله بن محمد المطرودي ـ يقال إنه كان يحفظ صحيح البخاري بأسانيده.

5ـ والشيخ عبد العزيز بن محمد السلمان، درّس في معهد إمام الدعوة بالرياض، وسلك طريقة شيخه بالتأليف.

6ـ والشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع تولى القضاء في المجمعة وفي عنيزة وتوفي في 18/7/1387هـ.

7ـ والشيخ سليمان بن إبراهيم البسام، كان فقيهاً، درس في المعهد العلمي بعنيزة، وعين قاضياً فرفض وتوفي في 14/3/1377هـ.

8 ـ والشيخ محمد بن منصور الزامل، درس بمعهد عنيزة العلمي.

9ـ والشيخ عبد الله بن محمد الزامل، درس في معهد عنيزة العلمي، وهو من أبرز علماء نجد بالنحو.

10ـ والشيخ عبد الله بن حسن آل بريكان، درس في معهد عنيزة العلمي.

1 روضة الناظرين للقاضي 1/222.

2 آخر المختارات الجلية ـ طبعة المدني بقلم السناني/ج.

ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وكان أحيانا يلقي ما فيها الدعابة على طلابه الصغار، ومن ذلك أنه سأل مرة أحد الطلبة عن الشاة إذا لم يكن لها ثنايا من فوق حين كان يشرح في باب الأضحية على قول الفقهاء:"إن ما سقطت ثناياه لا يضحى به".

ص: 35

11ـ والشيخ عبد الله بن محمد العوهلي، درس بمعهد مكة العلمي.

12ـ والشيخ محمد بن صالح الخزيم. عين قاضياً في الرس ثم في المذنب ثم في عنيزة، وتوفي.

13ـ والشيخ عبد الرحمن بن محمد المقوشي، عين قاضياً بالرياض ثم بالقويعية ثم أحيل إلى التقاعد لرغبته. توفي.

14ـ والشيخ حمد بن محمد البسام درس بالمعهد العلمي بعنيزة ثم درس في جامعة الإمام محمد بن سعود فرع القصيم، وكان هو القارئ على الشيخ في الدرس.

15ـ والشيخ إبراهيم بن عبد العزيز الغرير إمام مسجد الجديدة بعنيزة، توفي.

16ـ والشيخ عبد الله بن عبد العزيز الخضيري عين قاضياً بعفيف ثم صار مدرساً بمعهد المدينة المنورة العلمي، توفي.

17ـ والشيخ حمد بن إبراهيم القاضي. صار مدير إحدى المدارس بعنيزة، توفي.

18ـ والشيخ عبد الله بن محمد الفهيد. إمام مسجد القاع في عنيزة. توفي.

19ـ والشيخ سليمان بن صالح البسام. من أعيان عنيزة. توفي.

20ـ والشيخ عبد الله بن محمد الصيخان. كان قوي الحفظ ـ كفيفاً. وتوفي شاباً.

21ـ والشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الزامل. كان له عناية بالتاريخ والأنساب ـ توفي.

22ـ والشيخ عبد العزيز بن محمد البسام. كان ينوب عن الشيخ في إمامة الجامع وفي الخطابة إذا سافر.

23ـ والشيخ عبد العزيز بن علي المساعد. إمام مسجد الصويطي بعنيزة.

24ـ والشيخ سليمان بن عبد الرحمن الدامغ. إمام مسجد الخريزة بعنيزة.

25ـ والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعدي. ابن الشيخ وكان ذا عناية بطبع مؤلفات والده، توفي.

26ـ والشيخ محمد بن صالح الفضيلي، كان قاضياً في تيماء، توفي.

27ـ والشيخ يوسف بن عبد العزيز الخرب. حفظ القرآن، وكان مشهوراً بكتابة الوثائق والمبايعات في عنيزة، وكان يقارئ الشيخ القرآن كل يوم طيلة حياته.

28ـ والشيخ علي بن محمد الصالحي. صاحب مطبعة النور، وكان الشيخ قد وكل إليه تدريس صغار الطلبة سنة: 1360هـ.

29ـ والشيخ إبراهيم بن محمد العمود. كان قاضياً في جيزان ثم في الرياض، والشيخ خاله. توفي.

ص: 36

31ـ والشيخ سليمان بن محمد الشبل، درس في المدرسة العزيزية الابتدائية في عنيزة ـ توفي.

32ـ والشيخ حمد بن محمد المرزوقي. درس في معهد النور.

33ـ والشيخ محمد بن عبد الرحمن الحنطي. كان قاضياً في الدرعية.

34ـ والشيخ محمد بن عثمان القاضي. إمام جامع في عنيزة وقيم مكتبة الصالحية في عنيزة.

35ـ والشيخ عبد الرحمن العقيل. كان قاضياً في جيزان ـ توفي.

36ـ والشيخ محمد بن سليمان البسام. درس في المسجد الحرام فترة وجيزة.

وغيرهم خلق كثير1.

سادسا: عقيدته وتنوع ثقافته:-

لقد نهج ابن سعدي في العقيدة منهج السلف الصالح، واقتفى آثارهم، وترسم خطاهم، وذلك بتلقي العقيدة وأخذها من منبعها الأصيل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفهم السلف الصالح، لا بالأهواء والتشهي، والبدع والظنون الفاسدة.

ومن تأمل كتبه وسبرها عرف شدة عنايته بهذه العقيدة، وحرصه على نشرها وتصديه لمخالفيها.

وقد ذكر رحمه الله في أول كتابه القول السديد في مقاصد التوحيد مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة وخلاصتها المستمدة من الكتاب والسنة.

ولِوِجَازة هذه المقدمة، وشمولها لمعظم مسائل العقيدة، ودقة عباراتها، ووضوحها وأهميتها أوردها بنصها.

قال رحمه الله في بيان خلاصة عقيدة السلف الصالح المستمدة من الكتاب والسنة: وهي "أنهم يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فيشهدون أن الله هو الرب الإله المعبود، والمتفرد بكل كمال فيعبدونه وحده مخلصلين له الدين، فيقولون إن الله هو الخالق البارئ المصور الرزاق المعطي المانع المدبر لجميع الأمور.

وأنه المألوه المعبود الموحد المقصود، وأنه الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي

1 راجع في تلاميذ الشيخ: علماء نجد للبسام 2/426، وروضة الناظرين للقاضي 1/221، وعلماء آل سليم للعمري 2/296، ومشاهير علماء نجد لآل الشيخ /393.

ص: 37

ليس بعده شيء، الظاهر الذي ليس فوقه شيء، الباطن الذي ليس دونه شيء. وأنه العلي الأعلى بكل معنى واعتبار، علو الذات وعلو القدر وعلو القهر، وأنه على العرش استوى، استواء يليق بعظمته وجلاله، ومع علوه المطلق وفوقيته، فعلمه محيط بالظواهر والبواطن والعالم العلوي والسفلي، وهو مع العباد بعلمه، يعلم جميع أحوالهم، وهو القريب المجيب.

وأنه الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، والكل إليه مفتقرون في إيجادهم وإيجاد ما يحتاجون إليه في جميع الأوقات. ولا غنى لأحد عنه طرفة عين، وهو الرؤوف الرحيم، الذي ما بالعباد من نعمة دينية ولا دنيوية ولا دفع نقمة إلا من الله، فهو الجالب للنعم، الدافع للنقم.

ومن رحمته أنه يننزل كل ليلة إلى السماء الدينا، يستعرض حاجات العباد حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: لا أسأل عن عبادي غيري، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر، فهو ينزل كما يشاء، ويفعل كما يريد، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

ويعتقدون أنه الحكيم الذي له الحكمة التامة في شرعه وقدره، فما خلق شيئاً عبثا، ولا شرع الشرائع إلا للمصالح والحكم.

وأنه التواب العفو الغفور، يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات، ويغفر الذنوب العظيمة للتائبين والمستغفرين والمنيبين، وهو الشكور الذي يشكر القليل من العمل ويزيد الشاكرين من فضله.

ويصفونه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من الصفات الذاتية، كالحياة الكاملة والسمع والبصر، وكمال القدرة العظيمة والكبرياء، والمجد والجلال والجمال، والحمد المطلق، ومن صفات الأفعال المتعلقة مبشيئته وقدرته كالرحمة والرضا والسخط والكلام، وإنه يتكلم بما يشاء كيف يشاء. وكلماته لا تنفد ولا تبيد، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.

وأنه لم يزل ولا يزال موصوفا بأنه يفعل ما يريد ويتكلم بما شاء، ويحكم على عباده بأحكامه القدرية، وأحكامه الشرعية وأحكامه الجزائية، فهو الحاكم المالك، ومن سواه مملوك محكوم عليه، فلا خروج للعباد عن ملكه ولا عن حكمه. يؤمنون بما جاء به الكتاب وتواترت به السنة أن المؤمنين يرون ربهم تعالى عيانا جهرة، وأن نعيم رؤيته والفوز برضوانه أكبر النعيم وألذه.

ص: 38

وأن من مات على غير الإيمان والتوحيد فهو مخلد في نار جهنم أبداً، وأن أرباب الكبائر إذا ماتوا على غير توبة ولا حصل لهم مكفر لذنوبهم ولا شفاعة فإنهم وإن دخلوا النار لا يخلدون فيها، ولا يبقى في النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان إلا خرج منها.

وأن الإيمان يشمل عقائد القلوب وأعمال الجوارح وأقوال اللسان، فمن قام بها على الوجه الأكمل فهو المؤمن حقاً الذي استحق الثواب وسلم من العقاب ومن انتقص منها نقص من إيمانه بقدر ذلك؛ ولذلك كان الإيمان يزيد بالطاعة وفعل الخير، وينقص بالمعصية والشر.

ومن أصولهم السعي والجد فيما ينفع من أمور الدين والدنيا، مع استعانة بالله، فهم حريصون على ما ينفعهم وستعينون بالله، وكذلك يحققون الإخلاص لله في جميع حركاتهم، ويتبعون رسول الله في الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول والنصيحة للمؤمنين أتباع طريقهم.

ويشهدون أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو خاتم النبيين، أرسل إلى الإنس والجن بشيراً ونذيراً، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيراً، أرسله الله بصلاح الدين وصلاح الدنيا، وليقوم الخلق بعبادة الله ويستعينوا برزقه على ذلك.

ويعلمون أنه أعلم الخلق وأصدقهم وأنصحهم وأعظمهم بيانا، فيعظمونه ويحبونه، ويقدمون محبته على محبة الخلق كلهم ويتبعونه في أصول دينهم وفروعه، يقدمون قوله وهديه على قول كل أحد وهديه.

ويعتقدون أن الله جمع له من الفضائل والخصائص والكمالات ما لم يجمعه لأحد، فهو أعلى الخلق مقاماً وأعظمهم جاهاً وأكملهم في كل فضيلة، لم يبق خير إلا دل أمته عليه، ولا شر إلا حذرهم عنه.

وكذلك يؤمنون بكل كتاب أنزله الله، وكل رسول أرسله الله، ولا يفرقون بين أحد من رسله.

ويؤمنون بالقدر كله، وأن جميع أعمال العباد خيرها وشرها، قد أحاط بها علم الله، وجرى بها قلمه، ونفذت فيها مشيئته، وتعلقت بها حكمته، حيث خلق للعباد قدرة وإرادة تقع بها أقوالهم وأفعالهم بحسب مشيئتهم، لم يجبرهم على شيء منها بل جعلهم مختارين له، وخص المؤمنين بأن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان بعدله وحكمته.

ومن أصول أهل السنة أنهم يدينون بالنصيحة لله ولكتابه ورسوله، ولأئمة

ص: 39

المسلمين وعامتهم، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، ويأمرون ببر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران والمماليك والمعاملين ومن له حق، وبالإحسان إلى الخلق أجمعين. يدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها، وينهون عن مساوئ الأخلاق وأرذلها.

ويعتقدون أن أكمل المؤمنين إيمانا ويقينا، أحسنهم أعمالا وأخلاقاً، وأصدقهم أقوالاً، وأهداهم إلى كل خير وفضيلة، وأبعدهم من كل رذيلة. ويأمرون بالقيام بشرائع الدين على ما جاء عن نبيهم فيها وفي صفاتها ومكملاتها، والتحذير عن مفسداتها ومنقصاتها.

ويرون الجهاد في سبيل الله ماضيا مع البر والفاجر، وأنه ذروة سنام الدين، جهاد العلم والحجة، وجهاد السلاح، وأنه فرض على كل مسلم أن يدافع عن الدين بكل ممكن ومستطاع.

ومن أصولهم الحث على جمع كلمة المسلمين، والسعي في تقريب قلوبهم وتأليفها، والتحذير من التفرق والتعادي والتباغض، والعمل بكل وسيلة توصل إلى هذا.

ومن أصولهم النهي عن أذية الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم والأمر بالعدل والإنصاف في جميع المعاملات والندب إلى الإحسان والفضل فيها.

ويؤمنون بأن أفضل الأمم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأفضلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصا الخلفاء الراشدون، والعشرة المشهود لهم بالجنة وأهل بدر، وبيعة الرضوان والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، فيحبون الصحابة ويدينون لله بذلك، وينشرون محاسنهم ويسكتون عما قيل عن مساوئهم.

ويدينون لله باحترام العلماء الهداة وأئمة العدل، ومن لهم المقامات العالية في الدين والفضل المتنوع على المسلمين، ويسألون الله أن يعيذهم من الشك والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وأن يثبتهم على دين نبيهم إلى الممات.

هذه الأصول الكلية بها يؤمنون ولها يعتقدون وإليها يدعون1 أ. هـ.

فهذه الأصول الكلية التي ذكرها الشيخ ابن سعدي، اشتملت على خلاصة العقيدة وصفوتها، وهي أصول المستفادة من الكتاب والسنة، فليس فيها أصل إلا وعليه عشرات الأدلة إما من القرآن أو من السنة، وهذه هي عقيدة السلف الصالح التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بها وسار على نهجه فيه صحبه الكرام وتابعوهم بإحسان.

1 مقدمة القول السديد /6-12.

ص: 40

أما عن ثقافته وتنوعها فكما تقدم أن الشيخ ابن سعدي قد أفنى عمره، وأمضى وقته في طلب العلوم وتحصيلها، ولم يقتصر على فن واحد منها بل رام تحصيل جميع العلوم الشرعية من فقه وتفسير وحديث وغيرها، فأناله الله علما واسعا، وألم بعلوم كثيرة من العلوم الشرعية وبرع فيها، ولكي تتبين لنا ثقافته وتنوعها وسعتها، أعرض لكل فن اشتغل به مع بيان تحصيله منه وإفادته فيه على وجه الاختصار.

العقيدة:

لقد أولى الشيخ ابن سعدي العقيدة الإسلامية عناية بالغة واهتماماً كبيراً، فدرس العقيدة وتلقاها على عدد كبير من العلماء كما سبق الإشارة إلى ذلك عند ذكر شيوخه، واعتنى بكتب المتقدمين من سلف هذه الأمة، كما عنى بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه شمس الدين ابن قيم الجوزية، فكان لذلك دور كبير في نبوغه وبروزه في عقيدة السلف الصالح.

ثم إنه رحمه الله اعتنى بعد ذلك بالعقيدة تدريساً وتأليفاً، فكان في دروسه التي يلقيها على الطلاب يعتني بتدريسهم العقيدة الإسلامية الصافية، المأخوذة من الكتاب والسنة، الخالية من شوائب الشرك والبدع والخرافات. وكان كذلك في مؤلفاته يعتني بأمر العقيدة، فأكثر فيها التأليف شرحاً وتوضيحاً وتقريراً وتأصيلاً ورداً على المخالفين، وغير ذلك من الجهود الكبيرة التي قام بها نصرة لهذه العقيدة، وسيأتي بيان ذلك مفصلاً في الباب الثاني من هذه الرسالة إن شاء الله.

الحديث:

تقدم في ذكر شيوخه أنه تلقى الحديث وعلومه على عدد من المشايخ، وأنه أخذ من بعضهم إجازة برواية الكتب الستة. وهذا يبين لنا مدى اهتمامه بالحديث منذ طلبه للعلم.

أما عن مؤلفاته في الحديث فلم أقف له إلا على مؤلف واحد جمع فيه تسعة وتسعين حديثاً من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، وأشار في مقدمته إلى أهمية الحديث فقال:"أما بعد: فليس بعد كلام الله أصدق ولا أنفع ولا أجمع لخير الدنيا والآخرة من كلام رسوله وخليله محمد صلى الله عليه وسلم، إذ هو أعلم الخلق، وأعظمهم نصحاً وإرشاداً وهداية، وأبغلهم بياناً وتأصيلاً، وأحسنهم تعليماً، وقد أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصاراً، بحيث كان يتكلم بالكلام القليل لفظه الكثيرة معانيه، مع كمال الوضوح والبيان الذي هو أعلى رتب البيان"1.

1 بهجة قلوب الأبرار، وقرة عيون الأخيار، في شرح جوامع الأخبار/5.

ص: 41

وقد كان في هذا المؤلف وغيره من مؤلفاته عند استشهاده بالحديث يهتم بالإشارة إلى بعض من خرجه في كتب الستة.

وكان يهتم في دروسه بتدريس الحديث فقد درس بلوغ المرام لابن حجر مراراً كثيرة. وكان يعود طلابه دائما في المسائل الخلافية على الأخذ بما وافق الدليل من الكتاب أو السنة الصحيحة.

الفقه:

كان رحمه الله ذا معرفة تامة بالفقه، وقد كان في بداية طلبه للعلم متمسكا بمذهب الإمام أحمد تبعاً لمشائخه، وحفظ بعض المتون في ذلك وكان له مؤلفات في الفقه على طريقة النظم للمسائل وهو يتكون من أربعمائة بيت على مذهب الإمام أحمد.

ثم مال إلى الترجيح وترك التقليد، ولا سيما بعد قراءته لكتب الشيخين، فقد كان يميل لاختياراتهما، ويرجح ما وافق الدليل.

ولهذا فقد أفرد مؤلفاً بين فيه اختياراته الفقهية، وأفرد آخر جعله مستدركاً على أحد كتب الفقه الحنبلي ليكون كالمستدرك على جميع كتب الحنابلة رجح فيه ما وافق الدليل.

وقد برع رحمه الله في الفقه، واعتنى به اعتناء كبيراً وأكثر فيه من التأليف، ومؤلفاته في الفقه تربو على عشرة مؤلفات وسيأتي ذكرها قريبا في مؤلفاته.

التفسير:

وأما التفسير فقد كان له اليد الطولى وبرع فيه وقد قرأ في طلبه للعلم تفسيرات متعددة.

وله كتب متعددة حول القرآن وتفسيره، فله تفسير كامل للقرآن ويقال إنه أملاه من الذاكرة من غير أن يكون عنده وقت التصنيف كتاب تفسير ولا غيره1.

وله خلاصة لهذا التفسير، وله مؤلف في فوائد استنبطها من قصة يوسف، وله مؤلف في الفوائد القرآنية التي عرضت له أثناء قراءته للقرآن، وله مؤلف في قواعد تفسير القرآن، وسيأتي ذكرها في مؤلفاته.

وكان يقرأ على طلابه القرآن. وفي أثناء القراءة يفسره لهم. ويبين لهم معانيه

1 مقدمة الرياض الناضرة لأحد تلاميذه/8، وسيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي جمع محمد حامد الفقي، 13.

ص: 42

ووجوه إعجازه ويستنبط لهم منه الفوائد، حتى إن السامع إليه وهو يفسر كلام الله يود أن لا يصمت، وأن يستمر دائماً في تفسيره.

اللغة والشعر:

لقد درس الشيخ ابن سعدي علوم اللغة العربية على عدد من المشايخ، وألف في النحو رسالة صغيرة علق فيها على نظم قواعد الإعراب وسيأتي ذكرها في مؤلفاته.

وأما الشعر فقد كان رحمه الله منذ صغره يقول الشعر، وله أشعار كثيرةٌ يخدم فيها علوم الشريعة.

فله منظومات متعددة في الفقه وفي قواعد الفقهية وفي الترغيب والترهيب وفي شرح بعض الأحاديث وفي الثناء على بعض علماء الإسلام وغير ذلك مما سيأتي بعضه في مؤلفاته1.

ومن لطائف شعره قوله في وصف السيارة أول ما ركبها مسافراً للحج:

يا راحلين إلى الحمى برواحلٍ

تطوي الفلا والبيد طيّ المسرعِ

ليست تبول ولا تروث وما لها

روحٌ تحن إلى الربيع الممرعِ

ما استولدت من نوقها بل صُنعها

من بعض تعليم اللطيف المبدعِ

كم أوصلت دارَ الحبيبِ وكم سرتْ

بحمولها نَحو الديارِ الشسعِ

سابعا: مؤلفاته:

كان الشيخ ابن سعدي رحمه الله ذا عناية بالغة بالتأليف، وله مؤلفات كثيرة في أنواع العلوم الشرعية، فألف في التوحيد والفقه والحديث والتفسير والأصول ومحاسن الدين وغيرها، وجميع مؤلفاته مطبوعة إلا اليسير منها؛ لأنه كان رحمه الله ذا عناية بطبع الكتاب فور انتهائه من تأليفه، إما على نفقته أو على نفقة بعض أهل الخير والإحسان.

وسأعرض فيما يلي جميع مؤلفاته المطبوع منها وغير المطبوع، مع دراسة موجزة أو نبذة مختصرة عن كل كتاب منها، وقد رتبتها على حروف المعجم، وجعلت لكل مؤلف رقما تسلسلياً، ليعلم بذلك عدد مجموع مؤلفاته، وإذا تكرر الكتاب بأن يكون طبع باسم آخر، أو استل من أحد مؤلفاته وهو قليل جداً فإني أهمل ترقيمه وأكتفي بوضع شرطة قبله هكذا (ـ) ، وما لم أنص على أنه مخطوط فهو مطبوع متداول، وفيما يلي أسماء مؤلفاته ونبذة عن كل منها:

1 وانظر آخر الفتاوى السعدية /668 وما بعدها. ففيه جملة كبيرة من أشعاره في المدح والرثاء وغير ذلك.

ص: 43

1ـ الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين.

وهي رسالة صغيرة تتكون من ثمانين صفحة اعتنى فيها الشيخ ابن سعدي بالرد على الملاحدة المنكرين لوجود الله عز وجل.

وكان أكثر عنايته في هذه الرسالة بنقض أصل فاسد أصّلَهُ معلمهم الأول "أرسطو".

وهو قوله: "إن من أراد الشروع في المعارف الإلهية فليمح من قلبه جميع العلوم والاعتقادات، وليسع في إزالتها من قلبه بحسب مقدوره، وليشك في الأشياء ثم ليكتف بعقله وخياله ورأيه وعليه أن لا يؤمن إلا بالأشياء المحسوسة".

وقد نقض الشيخ ابن سعدي هذا الأصل، وبين بطلانه من ثلاثة وثمانين وجها انتقى أكثرها من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب تلميذه ابن القيم.

وهذه الرسالة مع أنها صغيرة الحجم فإنها عظيمة النفع لما اشتملت عليه من ردود رصينة وقوية تكشف بطلان دعوى هؤلاء الملاحدة الكفرة. وقد فرغ الشيخ ابن سعدي من تأليف هذه الرسالة في 14 رجب سنة 1372هـ.

2ـ الإرشاد إلى معرفة الأحكام.

وهو مجلد لطيف ألفه الشيخ ابن سعدي على طريقة السؤال والجواب، وتناول فيه معظم المسائل الفقهية.

يقول في مقدمته: "أما بعد فهذا تأليف بديع المنزع سهل الألفاظ والمعاني حسن الترتيب يحتوي على مهمات مسائل الأحكام رتبته بصورة السؤال المحرر الجامع والجواب المفصل النافع يحتوي على أصول وضوابط وتقسيمات تقرب أشتات المسائل، وتضم النظائر والفوارق

".

وقد اشتمل هذا الكتاب على مائة سؤال جامع مع أجوبة موسعة مفصلة لهذه الأسئلة، وحوى أهم المهمات من مسائل الفقه في العبادات والمعاملات والمشاركات والتبرعات والمواريث والأنكحة والجنايات والأقضية وغيرها، وفرغ ابن سعدي من تأليف هذا الكتاب في 17 رمضان سنة 1358هـ.

ـ إرشاد أولى البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب بطريق مرتب على السؤال والجواب.

وهو الكتاب المتقدم نفسه طبع مرة أخرى بهذا الاسم، في مطبعة واحدة، وفي عام واحد!!

ص: 44

3ـ انتصار الحق:

وهي رسالة صغيرة عبارة عن محاورة دينية اجتماعية بين رجلين كانا متصاحبين رفيقين مسلمين يدينان بالدين الحق ويشتغلان في طلب العلم جميعاً فغاب أحدهما عن صاحبه مدة طويلة ثم التقيا فإذا هذا الغائب قد تغيرت أحواله وتبدلت أخلاقه، فسأله صاحبه عن ذلك فإذا هو قد تغلبت عليه دعاية الملحدين الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به المرسلون.

فدارت بينهما هذه المحاورة وانتهت بإقناع الناصح زميله بفساد ما ذهب إليه.

وهي محاورة هادفة نشرت في مجلة المنهل في عام 1367هـ، ثم أفردت في رسالة مستقلة.

4ـ بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار.

وهو مجلد لطيف يشتمل على تسعة وتسعين حديثاً من الأحاديث النبوية الجوامع في أصناف العلوم والمواضيع النافعة والعقائد الصحيحة والأخلاق الكريمة والفقه والآداب والإصلاحات الشاملة والفوائد العامة، مع شرحها وبيانها وإيضاحها.

قال في مقدمته: ".... وقد بدا لي أن أذكر جملة صالحة من الأحاديث الجوامع والمواضيع الكلية والجوامع في جنس أو نوع أو باب من أبواب العلم، مع التكلم على مقاصدها وما تدل عليه، وعلى وجه يحصل به الإيضاح والبيان مع الاختصار" فرغ من تأليفه في 10شعبان 1371هـ.

5ـ التعليق وكشف النقاب على نظم قواعد الإعراب1.

وهي رسالة صغيرة لم تطبع، تتكون من 22 صفحة شرح فيها منظومة في قواعد الإعراب قال في مقدمتها:"أما بعد فهذا تعليق على نظم قواعد الإعراب نقلته من شرح الشيخ خالد الأزهري على أصله، ذكرت منه ما يتعلق بهذا النظم وحذفت منه ما يستغنى عنه، ونقلت عباراته، إلا في شيء يسير، وأسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم".

وفرغ الشيخ ابن سعدي من هذه الرسالة في سنة 1334هـ. ويوجد منها أصل مخطوط عند الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام.

1 صاحب هذا النظم هو أبو محمد عبد الله بن يوسف الشهير بابن هشام النحوي المتوفى سنة 762هـ، وله شروح متعددة منها شرح الشيخ خالد بن عبد الله الأزهري النحوي المتوفى سنة 905هـ. كشف الظنون لحاجي خليفة 1/124.

ص: 45

6ـ توضيح الكافية الشافية.

وهذا الكتاب نثر فيه الشيخ ابن سعدي نونية ابن القيم رحمه الله المسماة بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية.

قال ابن سعدي في مقدمته: "....ولما كان النظم معناه بعيد المنال، ودلالته على المعنى المراد يكثر فيها الاشتباه والإشكال، أحببت أن أقربه للقارئين بحله إلى معناه المنثور فقط من غير زيادة على ما دل عليه، إلا إذا اقتضت الحال الزيادة أو كان المعنى يتوقف عليها....واعلم أن هذا التوضيح والتعليق على اختصاره قد حوى على جميع المقاصد والعقائد الدينية، وحصل به التوضيح التام للكافية الشافية

ومتى أردت معرفة مقداره فتأمل كل فصل من فصول الكافية، واستعن عليه بما يقابله من هذا التعليق يحصل لك المقصود، وتحظى بالمطلوب، واقتديت في عملي هذا بابن هشام في توضيحه للألفية ابن مالك رحمهم الله". وفرغ ابن سعدي من تأليفه في 10 جمادى الآخرة سنة 1367هـ.

7ـ التوضيح والبيان لشجرة الإيمان.

وهي رسالة صغيرة تشتمل على مباحث الإيمان تعريفه والأمور التي يستمد منها، وفوائده وثماره وغير ذلك من المباحث المتعلقة به.

قال في مقدمتها: "أما بعد: فهذا كتاب يحتوي على مباحث الإيمان التي هي أهم مباحث الدين، وأعظم أصول الحق واليقين، مستمداً ذلك من كتاب الله الكريم الكفيل بتحقيق هذه الأصول تحقيقاً لا مزيد عليه، ومن سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم التي توافق الكتاب وتفسره، وتعبر عن كثير من مجملاته، وتفصل كثيراً من مطلقاته، مبتدئاً بتفسيره، مثنياً بذكر أصوله ومقوماته ومن أي شيء يستمد مثلثاً بفوائده وثمراته، وما يتبع هذه الأصول".

وفرغ الشيخ ابن سعدي من تأليف هذه الرسالة في 8 ذي الحجة سنة 1374هـ.

8 ـ التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنفية.

وهي رسالة صغيرة علق فيها الشيخ ابن سعدي تعليقاً مختصراً على العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

قال في مقدمته: "أما بعد فهذا تعليق لطيف على عقيدة شيخ الإسلام ابن تيمية المسماة "بالواسطية" التي جمعت على اختصارها ووضوحها جميع ما يجب اعتقاده من أصول الإيمان وعقائده الصحيحة، وهي وإن كانت واضحة المعاني محكمة المباني، تحتاج إلى تعليق يزيد في توضيح بعض ما فيها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وتبيين

ص: 46

وجه دلالتها على المقصود وبيان وجه ارتباط بعض المسائل ببعض وجمع ما يحتاج إلى جمعه في موضع واحد والإشارة إلى بعض آثارها وفوائدها في القلوب والأخلاق، والتنبيه لكل ما يحتاج إلى التنبيه عليه". فرغ من تأليفها في 8 جمادى الأولى سنة 1369هـ.

9ـ تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله.

وهي رسالة صغيرة رد فيها ابن سعدي على عبد الله بن علي القصيمي الذي انتكس وألحد في آخر زمانه، فأصبح يعادي الإسلام وينابذ الدين ويدعو إلى الانحلال عنه من كل وجه، وألف في ذلك كتاباً أسماه "هاذي هي الأغلال" ويعني بالأغلال شرائع الإسلام وأوامره ونواهيه، وأخذ يدعو في كتابه هذا إلى الإلحاد وإنكار وجود الله، وسخر فيه من الرسل عليهم السلام ومن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة ومن علماء الإسلام وأنكر وجود الملائكة، إلى غير ذلك من الطامات والكفريات.

مما دفع الشيخ ابن سعدي إلى تأليف رسالته تنزيه الدين ليبين فيها ضلال هذا القصيمي وزيغه وانحلاله، قال ابن سعدي "....فكان هذا أكبر عداء ومهاجمة للدين فوجب على كل من عنده علم أن يبين ما يحتوي عليه كتابه من العظائم خشية اغترار من ليس له بصيرة بكلامه".

وفرغ ابن سعدي من تأليف هذه الرسالة في 3 ربيع الأول سنة 1366هـ.

10ـ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان1.

وهو تفسير كامل للقرآن يتكون من ثمانية أجزاء كل جزئين في مجلد واحد. وقد بين ابن سعدي سبب تأليفه لهذا التفسير فقال: "

وقد كثرت تفاسير الأئمة رحمهم الله لكتاب الله، فمن مطول خارج في أكثر بحوثه عن المقصود، ومن مقتصر يقتصر على حل بعض الألفاظ اللغوية بقطع النظر عن المراد، وكان الذي ينبغي في ذلك أن

1 تنبيه عندما أنقل من هذا التفسير في هذه الرسالة فإني أكتفي بكتابة كلمة "التفسير" اختصاراً.

تنبيه آخر: يوجد من هذا الكتاب نسخة خطية في مكتبة الفتح بالقاهرة، وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات آخرها طبعة المكتبة السعيدية بالرياض، وهي التي اعتمدت عليها في النقل. وهي طبعة جيدة في سبع مجلدات، جعل فيها النص القرآني مرقما في أعلى الصفحة، وتفسير الشيخ في أدناها، فهي جيدة من حيث الترتيب والتنسيق، إلا أنها مشتملة على أخطاء كثيرة مطبعية وعلمية، وقد أحصيت فيها من الأخطاء المطبعية الشيء الكثير، أما الأخطاء العلمية فمن المحقق حيث تعقب الشيخ ابن سعدي في أكثر من عشرة مواضع في تفسير الآيات، والصواب فيها مع الشيخ، وهي مدونة عندي بأرقام الصفحات ولا مجال لذكرها هنا.

ثم صُفت أحرف هذه الطبعة في طبعة أخرى، وجعلت في خمس مجلدات، إلا أن الأخطاء المشار إليها باقية، فلا يزال الكتاب بحاجة إلى عناية.

ص: 47

يجعل المعنى هو المقصود، واللفظ وسيلة إليه، فينظر في سياق الكلام وما سيق لأجله، ويقابل بينه وبين نظيره، في موضع آخر، ويعرف أنه سيق لهداية الخلق كلهم عالمهم وجاهلهم وحضريهم وبدويهم، فالنظر لسياق الآيات مع العلم بأحوال الرسول وسيرته مع أصحابه وأعدائه وقت نزوله من أعظم ما يعين على معرفته وفهم المراد منه، خصوصاً إذا انضم إلى ذلك معرفة علوم العربية على اختلاف أنواعها، فمن وفق لذلك لم يبق عليه إلا الإقبال على تدبره وتفهمه، وكثرة التفكر في ألفاظه ومعانيه ولوازمها وما تتضمنه وما تدل عليه منطوقاً ومفهوماً، فإذا بذل وسعه في ذلك فالرب أكرم من عبده فلا بد أن يفتح عليه من علومه أموراً لا تدخل تحت كسبه.

ولما منّ الباري عليّ وعلى إخواني بالاشتغال بكتابه العزيز بحسب الحال اللائقة بنا، أحببت أن أرسم من تفسير كتاب الله ما تيسر وما منّ به الله علينا؛ ليكون تذكرة للمحصلين، وآلة للمستبصرين، ومعونة للسالكين، ولأقيده خوف الضياع. ولم يكن قصدي في ذلك إلا أن يكون المعنى هو المقصود، ولم أشتغل في حل الألفاظ والعقود للمعنى الذي ذكرت؛ ولأن المفسرين قد كفوا من بعدهم فجزاهم الله عن المسلمين خيرا"1.

وقد نبه رحمه الله في مقدمة هذا التفسير على طريقته فيه فقال: " اعلم أن طريقتي في هذا التفسير أني أذكر عند كل آية ما يحضرني من معانيها، ولا أكتفي بذكري ما تعلق بالمواضع السابقة عن ذكر ما تعلق بالمواضع اللاحقة؛ لأن الله وصف هذا الكتاب ألأأنه "مثاني" تثني فيه الأخبار والقصص والأحكام وجميع المواضيع النافعة لحكم عظيمة، وأمر بتدبره جميعه لما في ذلك من زيادة العلوم والمعارف، وصلاح الظاهر والباطن، وإصلاح الأمور كلها"2.

وقد امتاز تفسير ابن سعدي عن غيره من التفاسير بميزات متعددة أذكر فيما يلي بعضها:

ـ سهولة ألفاظه وخلوه من التكلف والحشو، وذلك لأنه يقتصر فيه على توضيح الآيات وبيان معانيها.

ـ عنايته فيه بأمر العقيدة وشرحها وتوضيحها والرد على من خالفها من طوائف الضلال، فعند تفسيره للآيات يبين ما فيها من دلالات على مسائل العقيدة المختلفة ويبين ما فيها من ردود على شبه المخالفين، كل ذلك بأسلوب سهل واضح، وبقراءة هذا البحث يتبين مدى عناية الشيخ بذلك، من خلال النقول

1 التفسير 1/13.

2 مقدمة التفسير. وانظر أيضا 6/465.

ص: 48

الكثيرة التي أوردها عنه من تفسيره في بيان العقيدة وتوضيحها.

ـ لا يتعرض للمسائل الخلافية عند تفسيره لآيات الأحكام، وإنما يذكر القول الراجح بدليله.

ـ بعد تفسيره للآيات المشتملة على قصة نبي من الأنبياء، فإنه يذكر بعدها ما اشتملت عليه القصة من فوائد.

ـ لا يلتفت في تفسيره للإسرائيليات بل يعرض عنها، ويكثر من التحذير منها.

ـ عقد في مقدمة تفسيره فصولاً متعددة ذكر فيها جملة من الفوائد المتعلقة بتفسير القرآن اختار جملة منها من كتاب بدائع الفوائد لابن القيم.

ـ ذكر في آخر المجلد الخامس جملة من الأصول والكليات المتعلقة بتفسير القرآن، والتي لا يمكن أن يستغني عنها مفسر القرآن الكريم.

ـ وعقد أيضاً في آخر المجلد الخامس فصلاً شرح فيه أسماء الله الحسنى.

وكان رحمه الله أول ما نشر من هذا التفسير الجزء المتعلق بتفسير سورة الكهف إلى آخر سورة النمل، ثم بعد ذلك أتبعه بنشر التفسير كاملاً، وكان فراغه من تأليف هذا التفسير في 7 شعبان 1354هـ.

11ـ تفسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن1.

وهو خلاصة للتفسير المتقدم ألفه بعد فراغه من تأليف التفسير بأكثر من عشر سنوات.

يقول ابن سعدي في مقدمة هذه الخلاصة مبينا سبب تأليفها: "أما بعد: فقد كنت كتبت كتاباً في تفسير القرآن مبسوطاً مطولاً يمنع القراء من الاستمرار بقراءته، ويفتر العزم عن نشره، فأشار عليّ بعض العارفين الناصحين أن أكتب كتاباً غير مطول يحتوي على خلاصة ذلك التفسير، ونقتصر فيه على الكلام على بعض الآيات التي نختارها وننتقيها من جميع مواضيع علوم القرآن ومقاصده

فالوقوف على تفسير بعض القرآن يعين أعظم عون على معرفة باقية"

وكان فراغه من هذه الخلاصة في 3 شوال 1368هـ.

12ـ الجمع بين الإنصاف ونظم ابن عبد القوي.

وهذا الكتاب لم يطبع، ولم يكمله الشيخ ابن سعدي، وإنما وصل فيه إلى كتاب الحج، وهو عبارة عن جمع بين نظم ابن عبد القوي، وهو في الفقه، وبين الإنصاف

1 عندما أنقل من هذا الكتاب في هذه الرسالة فإني أكتفي بذكر كلمة "الخلاصة" اختصاراً.

ص: 49

للمرداوي، ويوجد منه نسخة خطية في مكتبة الجامع في عنيزة.

- حاشية على الفقه استدراكاً على جميع الكتب المشهورة في المذهب الحنبلي.

مخطوطة لم تطبع. ذكرها ابنه عبد الله في ترجمته لوالده1. والذي يبدو لي أنه ليس للشيخ ابن سعدي استدراك على جميع كتب الحنابلة وإنما له استدراك على كتاب شرح مختصر المقنع للشيخ منصور البهوتي وقد طبع باسم "المختارات الجلية" وسيأتي مزيد إيضاح ذلك عند الحديث عن هذا الكتاب وهو برقم "35".

13ـ الجهاد في سبيل الله أو واجب المسلمين وما فرضه الله عليهم في كتابه نحو دينهم وهيئتهم الاجتماعية.

وهي رسالة صغيرة غير مؤرخه وجدها أبناؤه بخطه بين أوراقه، بعد وفاته رحمه الله.

ومضمونها الحث على الترابط والتعاون والتآخي في الله. والحث على الجهاد في سبيل الله بسائر أنواعه سواء كان بالمال أو بالنفس أو بالدعوة إلى الله أو غير ذلك.

14ـ الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية.

وهو شرح مختصر للجزء المتعلق بتوحيد الأنبياء والمرسلين من نونية ابن القيم، وكان الشيخ ابن سعدي قد شرح هذا الجزء شرحاً موسعاً، ثم رأى تلخيصه في هذا الكتاب، كما أشار إلى ذلك في مقدمته فقال:"كنت وضعت شرحاً على توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية للمحقق شمس الدين بن القيم رحمه الله، أطلت فيه وأكثرت فيه من النقول عن كتب المؤلف فبدا لي أن ألخصه بشرح متوسط يأتي بأغراضه ومقاصده، ويحتوي على المهم من مسائله وفوائده".

وفرغ الشيخ ابن سعدي من تأليفه في 3 ربيع الآخر 1367هـ.

وعلى هذا يكون للشيخ ابن سعدي ثلاثة مؤلفات حول نونية ابن القيم. هذان الكتابان، وكتاب توضيح الكافية الشافية وقد تقدم ذكره.

15ـ حكم شرب الدخان.

وهي رسالة صغيرة عبارة عن فتوى في بيان تحريم شرب الدخان، والاتجار به، وذكر فيها أضرار الدخان الدينية والبدنية والمالية.

وطبعت بتقديم فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي، وفرغ الشيخ ابن سعدي من تأليفها في ربيع الأول سنة 1376هـ.

1 انظر سيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي، جمع حامد الفقي /22.

ص: 50

16ـ الخطب المنبرية على المناسبات.

وهو كتيب يشتمل على ثلاثين خطبة في جملة من المطالب الشرعية من فرائض ونوافل وآداب.

17ـ الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية.

ناظم القصيدة التائية هو شيخ الإسلام ابن تيمية، نظمها جواباً لسؤالٍ أورده عليه من قال إنه ذمي ليشبه على المسلمين، وليشككهم في القضاء والقدر.

وقد شرحها ابن سعدي في هذه الرسالة شرحاً متوسطاً أجلى فيه عن معانيها وكشف عن غوامضها، وأضاف إليها جليلة ذكر فيها أمثلة متنوعة تكشف مسألة القضاء والقدر وتبينها.

وفرغ الشيخ ابن سعدي من تأليفها في 30 ربيع الآخر سنة 1376هـ.

18ـ الدرة المختصرة في محاسن دين الإسلام.

وهي رسالة صغيرة ذكر فيها جملة من محاسن الدين الإسلامي ومزاياه. قال في مقدمتها: " وغرضي من هذا التعليق إبداء ما وصل إليه علمي من بيان أصول محاسن الدين العظيم، فإني وإن كان علمي ومعرفتي تقصر كل القصور عن إبداء بعض ما احتوى عليه هذا الدين من الجلال والجمال والكمال. وعبارتي تضعف عن شرحه على وجه الإجمال فضلا عن التفصيل في المقال، وكان مالا يدرك جميعه ولا يوصل إلى غايته ومعظمه، فلا ينبغي أن يترك منه ما يعرف الإنسان لعجزه عما لا يعرفه، وفي أصوله وفروعه، وفيما دل عليه من علوم الشرع والأحكام، وما دل عليه من علوم الكون والاجتماع، وليس القصد هنا استيعاب ذلك وتتبعه، فإنه يستدعي بسطاً كثيراً، وإنما الغرض ذكر أمثلة نافعة يستدل بها على سواها، وينفتح بها الباب لمن أراد الدخول، وهي أمثلة منتشرة في الأصول والفروع والعبادات والمعاملات".

ثم ذكر واحداً وعشرين مثلاً فيها بيان جملة من محاسن الدين. وفرغ من تأليفها في غرة جمادى الأولى سنة 1364هـ.

19ـ الدلائل القرآنية في أن العلوم النافعة العصرية داخلة في الدين الإسلامي.

وهي رسالة صغيرة تضمنت البراهين القواطع الدالة على أن الدين الإسلامي وعلومه وأعماله وتوجيهاته جمعت كل خير، وأن العلوم الكونية والفنون العصرية الصحيحة داخلة في ضمن علوم الدين وأعماله، وليست منافية لها كما يزعمه الجهلة الماديون.

ص: 51

وفرغ الشيخ من تأليفها في 10 محرم سنة 1375هـ.

20ـ الدين الصحيح يحل جميع المشاكل.

وهي رسالة صغيرة عرض فيها جملة من مشاكل الحياة المهمة، وبين حلولها السليمة المأخوذة من الكتاب والسنة.

وعرض في هذه الرسالة خمس مشاكل كأنموذج لغيرها من المشاكل وبين حلول الدين لها، والمشاكل التي ذكرها هي:

ـ مشكلة الدين والعقيدة.

ـ مشكلة العلم.

ـ مشكلة الغنى والفقر.

ـ مشكلة السياسة الداخلية.

ـ مشكلة السياسة الخارجية.

وفرغ من تأليفها في 5 ربيع الآخر سنة 1375هـ.

21ـ رسالة في القواعد الفقهية:

وهي رسالة مشتملة على منظومة تتكون من سبعة وأربعين بيتاً في أمهات قواعد الدين من نظم ابن سعدي مع شرحه لها.

يقول في مقدمتها: "أما بعد: فإني وضعت لي ولإخواني منظومة مشتملة على أمهات قواعد الدين، وهي وإن كانت قليلة الألفاظ فهي كثيرة المعاني لمن تأملها.

ولكنها تحتاج إلى تعليق يوضحها ويكشف بعض معانيها وأمثلتها تنبّه اللبيب الفطن على ما وراء ذلك، فوضعت عليها هذا الشرح اللطيف تيسيراً لفهمها".

وفرغ من تأليفها في 18 ذي القعدة سنة 1331هـ.

22ـ رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة:

وهي رسالة صغيرة من تسع صفحات، عقد فيها فصولاً متعددة عرف فيها أصول الفقه، وذكر الأحكام الخمسة التي يدور عليها الفقه، وذكر الأدلة التي يستمد منها الفقه، وذكر جملة من القواعد الأصولية وشرحها شرحاً موجزاً. قال في مقدمتها:"أما بعد: فهذه رسالة لطيفة في أصول الفقه، سهلة الألفاظ واضحة المعاني، معينة على تعلم الأحكام لكل متأمل معاني".

وفرغ من تأليفها في 25 جمادى الآخرة سنة 1373هـ.

23ـ الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة.

ص: 52

وهو مجلد واحد مشتمل على آداب متفرقة وفنون متنوعة وفوائد منثورة جعلها في اثنين وثلاثين فصلاً.

يقول في مقدمته: "أما بعد: فهذه كلمات طيبات نافعات، ومقالات متنوعة في المهم من أصول الدين وأخلاقه وآدابه. وهاك فصولاً منثورة، في مواضيع متعددة نافعة".

وكتب في آخره تم نقله من خط مؤلفه في 20 رجب سنة 1370هـ بخط عبد الله بن سليمان العبد الله السلمان.

24ـ سؤال وجواب في أهم المهمات.

وهي رسالة صغيرة في العقيدة ألفها على طريقة السؤال والجواب اشتملت على اثنين وعشرين سؤالا في جوانب متعددة من أمور العقيدة. قال في مقدمتها: "أما بعد فهذه رسالة مختصرة احتوت على أهم المهمات من أمور الدين وأصول الإيمان تدعو الحاجة والضرورة إلى معرفتها جعلتها على وجه السؤال والجواب، لأنه أقرب إلى الفهم والتفهيم وأوضح في التعلم والتعليم".

25ـ طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول.

وهو مجلد كبير اشتمل على خمس عشرة وألف ما بين قاعدة وأصل وضابط جامع وتعريف مهم وفائدة ضرورية وترغيب في كمال، وتحذير من نقص، وتوجيه إلى المنافع الظاهرة والباطنة وترهيب من المضار الدينية والدنيوية.

اختارها من أكثر من ستين كتاباً من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب تلميذه ابن القيم رحمهم الله.

وفرغ منه الشيخ سعدي في شهر شعبان سنة 1370هـ.

26ـ الفتاوى السعدية:

وهو مجلد كبير مشتمل على جملة كبيرة من الفتاوى التي أجاب بها الشيخ ابن سعدي على الأسئلة المتنوعة التي كانت ترد إليه من أماكن متفرقة، فكان يجيب عليها محررة، ثم يقوم بإرسالها إلى السائل.

وبعد وفاته جمعت جملة كبيرة من هذه الفتاوى المتنوعة في هذا المجلد وسميت بـ "الفتاوى السعدية".

27ـ فتح الرب الحميد في أصول العقائد والتوحيد.

وهذا الكتاب لم يطبع وقد بحثت عنه كثيراً فلم أجده وقد أشار إليه عدد من

ص: 53

الذين ترجموا للشيخ1 وأشار ابنه عبد الله في ترجمته لوالده أنه لم يطبع2.

ـ فوائد القرآنية.

وهي رسالة: استلت من كتابه "تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن" وأفردت بهذا العنوان.

28ـ فوائد مستنطبة من قصة يوسف.

وهذه الرسالة استنبط فيها الشيخ ابن سعدي جملة كبيرة من الفوائد العظيمة من قصة يوسف عليه السلام.

ويقول في مقدمتها: "أما بعد: فهذه فوائد مستنبطة من قصة يوسف صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنباء والمرسلين، فإن الله تعالى قصها علينا مبسوطة، وقال في آخرها "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب".

وفرغ الشيخ ابن سعدي من تأليفها في شهر صفر سنة 1375هـ.

29ـ الفواكه الشهية في الخطب المنبرية:

وهو مشتمل على إحدى وسبعين خطبة من خطب الشيخ ابن سعدي في مجالات متنوعة ومطالب متفرقة.

30ـ القواعد الحسان لتفسير القرآن.

وهذا الكتاب مشتمل على سبعين قاعدة، تعين قارئها ومتأملها على فهم القرآن الكريم.

ويقول الشيخ ابن سعدي في مقدمتها: "أما بعد: فهذه أصول وقواعد في تفسير القرآن الكريم، جليلة المقدار، عظيمة النفع، تعين على قارئها ومتأملها على فهم كلام الله، والاهتداء به، ومخبرها أجل من وصفها، فإنها تفتح للعبد من التفسير، ومنهاج الفهم عن الله، ما يغني عن كثير من التفاسير الخالية من هذه البحوث النافعة".

وفرغ الشيخ ابن سعدي من تأليفه في 6 شوال سنة 1365هـ.

31ـ القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة.

وقد قسم ابن السعدي هذا الكتاب إلى قسمين:

قسم: ذكر فيه جملة من الأصول الجامعة والقواعد المهمة مع شرحها.

قسم: ذكر فيه الفوارق بين المسائل المشتبهة والأحكام المتقاربة.

وذكر التقاسيم المهمة.

1 انظر مشاهير علماء نجد لآل الشيخ/394، وآخر كتاب المختارات الجلية، طبعة المدني بقلم السناني/ص و.

2 انظر سيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي، جمع محمد حامد الفقي/ 23

ص: 54

قال في مقدمته: "أما بعد: فإن معرفة جوامع الأحكام وفوارقها من أهم العلوم وأكثرها فائدة وأعظمها نفعاً؛ لهذا جمعت في رسالتي هذه ما تيسر من جوامع الأحكام وأصولها، ومما تفرق فيه الأحكام لافتراق حكمها وعللها".

وفرغ من تأليفه في 2 ربيع الآخرة سنة 1375هـ.

32ـ القول السديد في مقاصد التوحيد:

وهو تعليق مختصر على كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب. يبين فيه الشيخ ابن سعدي الأبواب التي عقدها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه ويبين مناسبتها للترجمة، وقد طبع هذا الكتاب بمفرده مرتين، وطبع في حاشية كتاب التوحيد مراراً.

قال الشيخ ابن سعدي في آخره: "..هذا آخر التعليق المختصر على كتاب التوحيد، وتوضيح مقاصده، وقد حوى من غرر مسائل التوحيد، ومن التقاسيم والتفصيلات النافعة ما لا يستغني عنه الراغبون في هذا الفن الذي هو أصل الأصول وبه تقوم العلوم كلها".

وقد بدأه الشيخ ابن سعدي بمقدمة مشتملة على صفوة عقيدة أهل السنة والجماعة وخلاصتها المستمدة من الكتاب والسنة1.

33ـ مجموع الخطب والمواضيع النافعة:

وهو مجموع كبير يشتمل على إحدى وستين ومائة خطبة في أهم الموضوعات الجامعة للعقائد والأخلاق والآداب الدينية والدنيوية بأسلوب سهل واضح وعبارة بينه.

وفرغ الشيخ ابن سعدي من تقييد هذا المجموع في 22 رجب سنة 1365هـ.

وعلى هذا فإنه يتبين لنا مما تقدم أن للشيخ ابن سعدي ثلاثة كتب في الخطب كلها مطبوعة.

34ـ مجموع الفوائد واقتناص الأوابد.

مخطوط لم يطبع، ذكره ابنه عبد الله في ترجمته لوالده2.

35ـ المختارات الجلية من المسائل الفقهية.

وهو مستدرك على كتاب شرح مختصر المقنع للشيخ منصور البهوتي. وقد جعل هذا التعليق كالاستدارك عليه، والتنبيه على ما ذكره ليكون تنبيهاً على غيره من كتب الأصحاب عموماً.

1 انظرها في (ص 37 وما بعدها) من هذه الرسالة.

2 انظر سيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي، جمع محمد حامد الفقي /23.

ص: 55

وأشار في مقدمته إلى عدم وجود الفرصة لديه لتتبع جميع كتب الأصحاب فاكتفى بالتعليق على كتاب البهوتي ليكون تنبيها على غيره من كتبهم.

وهذا يوضح لنا أن الشيخ ابن سعدي ليس له استدراك على جميع كتب الحنابلة كما سبق الإشارة إلى ذلك، والله أعلم.

وقد فرغ الشيخ ابن سعدي من تأليف هذا الكتاب في 3 صفر سنة 1355هـ.

ـ مختارات من الفتاوى.

طبعت هذه المختارات في آخر كتاب المختارات الجلية " طبعة السعيدية" وهي جملة مختارة من "الفتاوى السعيدية" المتقدمة.

36ـ المواهب الربانية من الآيات القرآنية.

وهي رسالة صغيرة مشتملة على فوائد متنوعة سجلها الشيخ ابن سعدي أثناء قراءته للقرآن الكريم في شهر رمضان المبارك.

وفرغ من تأليفها في 28 رمضان سنة 1347هـ.

37ـ منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين.

وهي رسالة صغيرة جامعة، اكتفى فيها الشيخ ابن سعدي بذكر القول الراجح بدليله، بدون تعرض للخلاف.

قال في مقدمتها: "أما بعد فهذا كتاب مختصر في الفقه، جمعت فيه بين المسائل والدلائل؛ لأن العلم معرفة الحق بدليله، والفقه معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بأدلتها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح. اقتصرت فيه على الأدلة المشهورة خوفاً من التطويل، وإذا كانت المسألة خلافية اقتصرت على القول الذي ترجح عندي تبعاً للأدلة الشرعية".

ـ منهج السالكين مختصر أصول الفقه.

ذكر هذا الكتاب صاحب مشاهير علماء نجد1 والذي يبدو أن الشيخ ابن سعدي ليس له كتاب بهذا الاسم، إذ أن اختصاره لأصول الفقه تقدم ذكره باسمه الذي وضعه مؤلفه وهو "رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة" برقم "21" فلعله التبس عليه اسم هذا الكتاب بالكتاب الذي قبله.

38ـ المناظرات الفقهية:

وهذا الكتاب جعله الشيخ على طريقة مناظرة بين رجلين سمى أحدهما المتوكل

1 مشاهير علماء نجد لآل الشيخ/395.

ص: 56

على الله والآخر المستعين بالله، فيدور بينهما حوار في المسائل الخلافية وكل واحد منهما يذكر الدليل على قوله، حتى يظهر في آخر المناظرة رجحان قول أحدهما لقوة أدلته، وهكذا في سائر المسائل الخلافية.

وقد سلك الشيخ ابن سعدي هذه الطريقة في هذا الكتاب لما يرى فيها من فوائد عظيمة ذكر جملة منها في مقدمة كتابه فقال:

"وأجعلها على صورة المناظرة بين: المستعين بالله؛ والمتوكل على الله، لأن في جعلها على هذه الصورة فوائد كثيرة:

منها: تيسير مأخذ القولين ووجودهما في محل واحد وذلك من مقربات العلم.

ومنها: التمرن على المناظرة والمباحثة، التي هي من أكبر الوسائل لإدراك العلم وثبوته وتنوعه.

ومنها: التمرن على الاستدلال، والرجوع إلى أصول المسائل ليصير للعبد ملكة تامة يحسن معها الاستدلال والمناظرة والنظر.

ومنها: أن يعود الإنسان نفسه سرعة قبول الحق إذا اتضح له صوابه وبان له رجحانه.

ومنها: أن يعلم أن الخلاف في مثل هذه المسائل بين أهل العلم لا يوجب القدح والعيب والذم".

وفرغ من تأليفه في 8 جمادى الآخرة سنة 1364هـ.

39 ـ منظومة في أحكام الفقه.

وهي منظومة طويلة تتكون من أكثر من أربعمائة بيت، نظمها الشيخ ابن سعدي على مذهب الإمام أحمد بن حبنل رحمه الله قال في مطلعها:

"وهذه منظومة قصدي بها

تيسير أحكام قد اعتنوا بها

في فقه أحكام تفيد المبتدي

من كتب أصحاب الإمام أحمد"

ونظم الشيخ ابن سعدي هذه المنظومة وهو في السادسة والعشرين من عمره، وفرغ منها في 26 شوال سنة 1333هـ.

40ـ منظومة في السير إلى الله والدار الآخرة.

وهي منظومة تتكون من ثمانية عشر بيتاً في الحث على عبادة الله ومحبته والإنابة إليه، وفي الحث على سلوك الطريق الموصل إلى دار السلام. وله تعليق على هذه المنظومة طبع معها، وفرغ منها في 3 شعبان سنة 1333هـ.

ص: 57

ـ واجب المسلمين.

تقدمت بعنوان الجهاد في سبيل الله، برقم "13".

41ـ وجوب التعاون بين المسلمين، وموضوع الجهاد الديني، وبيان كليات من براهين الدين.

وهي غير الرسالة المتقدمة برقم "13"، وإن كانت قريبة منها في الموضوع، إذ في هذه الرسالة أيضاً حث على التعاون والتآخي وحث على الجهاد في سبيل الله.

وفي هذه الرسالة إضافة بيان جملة من الكليات من براهين الدين الإسلامي.

قال الشيخ ابن سعدي في مقدمتها: "أما بعد فهذه رسالة تتضمن التنبيه على واجب المسلمين نحو دينهم، ووجوب التعاون بينهم في جميع المصالح والمنافع الكلية الدينية والدنيوية، وعلى موضوع الجهاد الشرعي، وعلى تفصيل الضوابط الكلية في هذه المواضيع، وعلى البراهين اليقينية في أن الدين عند الله هو دين الإسلام".

وفرغ من تأليفها في 20 رمضان سنة 1367هـ.

42ـ الوسائل المفيدة للحياة السعيدة.

وهي رسالة صغيرة الحجم عظيمة النفع، تحدث فيها الشيخ ابن سعدي عن أسباب السعادة وطرقها. وعن كيفية الحصول على راحة القلب وطمأنينته، وكيفية إزالة الهموم والغموم والأحزان.

وأخيراً فهذا ما استطعت الوقوف عليه من مؤلفاته رحمه الله، وتجدر الإشارة إلى أن له فوائد منثورة وفتاوى كثيرة، حيث كانت ترد إليه أسئلة شتى من أماكن متفرقة فكان يجيب عليها ويرسلها للسائل، وقد حصلت على بعضها واستفدت منها في هذا البحث.

وله أيضا تعليقات شتى في كثير مما يمر عليه من الكتب، وقد كانت الكتابة سهلة يسيرة عليه1.

ثامنا: ثناء العلماء عليه:

لقد أشاد كثير من العلماء بفضل الشيخ ابن سعدي، وعلمه، وحسن خلقه، وطيب معشره، وحبه للخير، بل كان محل إعجابهم وثنائهم، فوصفوه بحميد الأفعال، ونعتوه بطيب الخصال.

وفيما يلي ذكر جملة من أقوال العلماء فيه:

1 انظر مقدمة الرياض الناضرة لابن سعدي لأحد تلاميذه/10.

ص: 58

أـ قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ حفظه الله ـ:

"كان رحمه الله كثير الفقه والعناية بمعرفة الراجح من المسائل الخلافية بالدليل، وكان عظيم العناية بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم، وكان يرجح ما قام عليه الدليل.

وكان قليل الكلام إلا فيما تترتب عليه فائدة، جالسته غير مرة في مكة والرياض، وكان كلامه قليلاً إلا في مسائل العلم. وكان متواضعا حسن الخلق، ومن قرأ كتبه عرف فضله وعلمه وعنايته بالدليل فرحمه الله رحمة واسعة".

ب ـ وقال الشيخ عبد الرزاق عفيفي:

"إن من قرأ مصنفات الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله وتتبع مؤلفاته وخالطه، وسبر حاله أيام حياته، عرف منه الدأب في خدمة العلم اطلاعاً وتعليماً، ووقف منه على حسن السيرة وسماحة الخلق، واستقامة الحال، وإنصاف إخوانه وطلابه من نفسه، وطلب السلامة فيما يجر إلى شر أو يفضي إلى نزاع أو شقاق فرحمه الله رحمة واسعة"1.

جـ ـ وقال الشيخ محمد حامد الفقي:

"لقد عرفت الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي من أكثر من عشرين سنة فعرفت فيه العالم السلفي المحقق، الذي يبحث عن الدليل الصادق، وينقب عن البرهان الوثيق، فيمشى وراءه لا يلوي على شيء...... عرفت فيه العالم السلفي الذي فهم الإسلام الفهم الصادق، وعرف فيه دعوته القويمة الصادقة إلى الأخذ بكل أسباب الحياة العزيزة القوية الكريمة النقية

"2.

د ـ قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:

"إن الرجل قل أن يوجد مثله في عصره في عبادته وعلمه وأخلاقه، حيث كان يعامل كلا من الصغير والكبير بحسب ما يليق بحاله، ويتفقد الفقراء، فيوصل إليهم ما يسد حاجتهم بنفسه، وكان صبوراً على ما يلم به من أذى الناس. وكان يحب العذر ممن حصلت منه هفوة حيث يوجهها توجيها يحصل به عذر من هفا".

هـ ـ وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام:

"لقد كان للشيخ عبد الرحمن السعدي أثر كبير، ودور بارز، في تخريج أفواج كثيرة

1 مقدمة كتاب حكم شرب الدخان لابن سعدي.

2 سيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي، جمع محمد حامد الفقي /3.

ص: 59

من طلبة العلم، حيث جلس للتدريس وإفادة الطلاب أكثر من نصف قرن من الزمان.

وكان في زمانه هو مرجع أهل البلاد في التدريس والوعظ والتوجيه والخطابة والإمامة والفتاوى والمشاورات، وكان محرر الوثائق والمبايعات والتوثيقات والوصايا وغير ذلك. وكان يمتاز بكرم النفس وحسن الخلق والبشاشة والطلاقة. وكان محبوباً لدى الخاصة والعامة".

ز ـ وقال الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل:

"كان رحمه الله على جانب كبير من مكارم الأخلاق والتواضع، وكان يحترم جلساءه ويوقرهم، وكان كثير التسامح مع أصحابه وغيرهم ويلتمس العذر لأحدهم مهما كان.

وكان يخالط الناس ويصبر على أذاهم، ويجيب دعوة من دعاه، ويتكلم مع كل أحد بما يناسب حاله، ويحرص على نشر العلم بينهم في مجالسهم.

وكان حريصاً على نصح الناس من خلال خطبه المنبرية ومجالسه العلمية، حريصاً على إفتائهم وحل مشاكلهم الدينية والدنيوية، فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء".

حـ ـ وقال الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الزامل:

"دع عنك ذكر الهوى واذكر أخاً ثقة

يدعو إلى العلم لم يقعد به الضجر

شمس العلوم ومن بالفضل متصف

مفتاح خير إلى الطاعات مبتكر

بحر من العلم نال العلم في صغر

مع التقى حيث ذاك الفوز والظفر

نال العلا يافعا تعلو مراتبه

ففضله عند كل الناس مشتهر

بالفقه في الدين نال الخير أجمعه

والفقه في الدين غصن كله ثمر

وهي بعض أبيات من قصيدة طويلة في مدح الشيخ، نظمها في حياته1.

ط ـ وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز العثيمين:

"لقد كان رحمه الله على جانب كبير من الأخلاق الحسنة، متواضعاً للصغير والكبير، ذا عبادة وزهد وورع، وكان فقيها محدثاً، واعظاً خطيباً، لغويا أديبا، جامعاً لفنون عديدة"2.

1 علماء نجد للبسام 2/428، وروضة الناظرين للقاضي 1/225

2 سيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي، جمع محمد حامد الفقي /28.

ص: 60

ى ـ وقال الشيخ عبد الرحمن بن حمد الفوزان:

"كان مثال الورع والزهد الصحيح، فقد أتته الدنيا تطلب وده ضاحكة مبتسمة، لكنه رفضها وأباها، وكم من مرة عرضت عليه المناصب الرفيعة، والأعمال الغالية فأصبحت محاولاتها عبثاً، ولم يرض أن تفرض له المرتبات، ولا أن يجرى عليه المخصصات، بل كان قانعاً بما عنده من كفاف حتى إن مخصص إمامه الجامع الكبير ـ الذي تولى الصلاة فيه سنين عديدة ـ كان ينفقها في المصالح الخيرية وعلى الفقراء والمعوزين.

أما إفادة العلمية: فيكفيك أنه قد جلس للتدريس والإفتاء وهو في عقده الثالث حتى تخرج على يديه الكثير من القضاة والمدرسين.

ولست بحاجة إلى شاهد، فمؤلفاته المنتشرة في جميع الآفاق أكبر دليل على اتساع مداركه، وامتداد معارفه، إذ إنها لا تبحث في موضوع واحد وحسب، بل متعددة النواحي مختلفة الأهداف....."1.

وهذه نهاية الفصل الثاني من الباب الأول. وبالله التوفيق.

1 سيرة الشيخ عبد الرحمن السعدي، جمع محمد حامد الفقي/30.

ص: 61