الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المطلب الأول تكوينه العلمي في نجد والحجاز]
المبحث الثاني
تكوين الشيخ محمد بن عبد الوهاب العلمي في الرؤية الاستشراقية ونقدها وفيه مطلبان: المطلب الأول: تكوينه العلمي في نجد والحجاز. المطلب الثاني: تكوينه العلمي في العراق والأحساء.
المطلب الأول
تكوينه العلمي في نجد والحجاز يرى مارجليوث أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد تكوَّن علميًا من خلال دراسته في المدينة على يد سليمان الكردي ومحمد حياة السندي اللذين اكتشفا أو لاحظا عنده أمارات الهرطقة والابتداع (الإلحاد) طبقًا لكلام دحلان (1) .
وأشار صمويل زويمر إلى أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب تعلم في المدينة بتوسع من علماء المسلمين، وانتفع من كتب الحديث الستة الصحيحة (2) .
ورأى فيلبي أن عبد الوهاب (والد الشيخ) كان رجلا عالمًا، وهو الذي غرس في ابنه حب تعلم المذهب الحنبلي، وأن الشيخ محمد عبد الوهاب حفظ القرآن الكريم في سن العاشرة. أما فيما يتعلق بتعلمه في الحجاز فقد اختار مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم مركزًا لتعلمه، وأعجب بالشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي الذي عرف فيما بعد بالمدني (3) .
أما المستشرق توماس باتريك هيوس فذكر أن ابن عبد الوهاب عزم على زيادة معرفته وعلمه بواسطة زيارة المدارس في مكة، وبعد حديثه عن زيارات الشيخ إلى العراق ذكر أن كل المراكز السابقة توجد فيها مكتبات في متناول الطلاب الذين يحرصون
(1) Wahhabiya، D. Margolouth، P، 1086 And P. 618.
(2)
Arabia: The Cradle Of Islam، P. 192.
(3)
Arabia P. 8.
على دراسة الكتب الصحيحة الستة، بالإضافة إلى فرصة الاطلاع على عدد من المخطوطات في الفقه الإسلامي، ولقد ذهب الشيخ إلى المدينة، وجلس يتعلم على يد الشيخ عبد الله بن إبراهيم الذي تلقى عنه التفسير والفقه (1) .
وقال لاوست: إن هناك بضعة ممثلين للمذهب الحنبلي في نجد، وإن الشاب محمدًا يتبع للعائلة التي أنجبت عددًا من العلماء الحنابلة، وإن جده سليمان بن محمد كان قاضيا في نجد، أما والده عبد الوهاب فكان قاضيًا في العيينة في فترة إمارة عبد الله بن محمد بن معمر، ولقد درّس الحديث والفقه في مسجد البلدة، وترك عددًا من المؤلفات، ولقد بدأ تعليم الشيخ محمد بن عبد الوهاب تحت توجيهات والده، ولقد حفظ القرآن الكريم، ثم بدأ في تعلم المذهب الحنبلي من خلال مؤلف الشيخ موفق الدين ابن قدامة (ت 620 هـ 1223 م) ، وبالتحديد العمدة. وطبقًا لكلام ابن بشر يعد في تلك الفترة من المؤلفين المعتبرين في نجد.
ولقد ترك عالم العقيدة الشاب العيينة، ولكن لا يعرف لأي سبب بالضبط، فقد يكون تركها لأنه بدأ دعوته ضد التبرك بالأولياء والأعمال الجاهلية التي كانت سائدة لدى البدو، بالإضافة إلى أن الأمير لم يظهر إلا رغبة قليلة في اتباع الشيخ بن عبد الوهاب فيما يتعلق بمحاربة البدع، وقد يكون من المحتمل أنه ترك العيينة لأنها لم تقدم إلا قلة من المصادر الفكرية، ولذا رأى أنه يحتاج إلى الذهاب لإكمال تعليمه في مراكز أخرى.
(1) Dictionary Of Islam، P. 659.
لقد ذهب إلى مكة، ولكنه وجد التعلم غير مرض، ولكن جلوسه في المدينة كان حاسمًا في تشكيل أفكاره وآرائه، إذ قابل فيها عالم العقيدة الحنبلي الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي الذي أثر في الشيخ تأثيرًا بالغًا، ولقد كان الشيخ عبد الله من المؤيدين للشيخ الحنبلي ابن تيمية، ثم أنه كان تلميذًا للشيخ عبد الباقي الحنبلي (ت 1071 هـ 1661 م) من سكان بعلبك، الذي درس على البهوتي، وفي المدينة قابل الشيخ محمد بن عبد الوهاب من العلماء محمد حياة السندي (ت 1165 هـ / 1751 م) العالم الحنفي الذي يبدو أنه لم يكن له تأثير حاسم في الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما أنه قابل محمد بن سليمان الكردي (ت 1194هـ 1780 م)(1) .
وذكر صمويلي كلامًا عامًا، وأورد أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان محبًا لابن تيمية، مما جعله يكتب كتبه بيده ويحمل نفس الآراء التي حملها ابن تيمية (2) .
وأشار جورج رنتز إلى أن والد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجدَّه كانا قاضيين من قضاة الحنابلة، وأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب تلقى عن أبيه العلوم الشرعية واللغة العربية، وأنه حفظ القرآن الكريم قبل بلوغه العاشرة، ولزيادة تعليمه ذهب إلى المدينة، وأن أحد معلميه في المدينة كان من نجد، والذي أظهر له سلاحًا يقول إنه أعده لتخليص قلب الجزيرة، وهذا السلاح يتمثل
(1) Ibn Abd Al -Wahhab، H. Laoust، PP، 677 - 678.
(2)
The Wahhabis And Ibn Saud، m. f. Samalley، p. 230.
في بيت مملوء بالكتب (1) . وفي موضع آخر يقول رنتز: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ربي على أن يكون حنبليًّا، وبقي كذلك إلى مماته، وأنه كان ميالا إلى ترديد: الحمد لله أننا متبعون ولسنا مبتدعين، ولقد بدأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب تعلمه العقيدة في بلده وتابعه في المدينة (2) .
نقد الرؤية الإستتشراقية: يلحظ المطلع على الرؤية الاستشراقية فيما يتعلق بتكوين الشيخ محمد بن عبد الوهاب العلمي في نجد والحجاز الأمور التالية:
1 -
عدم منهجية مارجليوث حول ما ادعاه من أن العالمين سليمان الكردي ومحمد حياة السندي اكتشفا عند الشيخ أمارات الابتداع طبقًا لكلام دحلان. إذ إن مارجليوث لم يذكر المرجع لكلام دحلان، مما يبين أن هذا محض ادعاء، ولم تشر الكتابات التاريخية الموثوقة ولا غيرها من كتابات الغربيين إلى هذا الأمر لا من قريب أو بعيد، بالإضافة إلى أن دحلان يعد من أشد خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
2 -
كثرة المتحدثين من المستشرقين عن تكوينه في الحجاز، وإغفال عدد منهم تكوينه في نجد.
3 -
وفرة المعلومات فيما يتعلق بتكوين الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد لدى المستشرقين لاوست وجورج رنتز وفيلبي.
(1) The Arabian Peninsula Society And Politics. P. 55.
(2)
Religion In The Middle East، P. 270.
4 -
تميز لاوست من غيره في عرض معلومات موسعة عن تكوين الشيخ محمد بن عبد الوهاب العلمي، ولعل السبب يرجع إلى أن عنوان مقالة لاوست:" ابن عبد الوهاب "، بينما كتابات الآخرين عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي يطلقون عليها " الوهابية ".
5 -
توجد اختلافات واضحة لدى عدد من الكتاب الغربيين حول أهم الشخصيات المؤثرة في تكوين الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ إذ يرى لاوست أن أهم شخصية هي شخصية الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي، بينما يرى جون فول John Voll أن أهم شخصية هي شخصية الشيخ محمد حياة السندي الذي شجع الشيخ محمد بن عبد الوهاب على رفض التعصب المذهبي الذي عرف في القرون الوسطى، وعلى الاستفادة من الاجتهاد، كما أنه درّسه رفض الممارسات الدينية الخاطئة الشائعة في ذلك الوقت، والمتعلقة بالأولياء وقبورهم (البدع)(1) .
ووفقًا لرأي الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين، فإن للشخصيتين أثرًا كبيرًا في تكوينه العلمي واتجاهه الإصلاحي، وقد جاءت صلته بهما في مرحلة قابلة للتأثر والتوجيه، وإن كان تأثير محمد حياة السندي أعمق - فيما يبدو - من الشيخ عبد الله بن سيف (2) .
(1) Muhammad hayya AI -Sindi and Muhammad Ibn Abd AI -Wahhab: an analysis of an intellectual Group in Eighteenth - Century Medina، John Voll، Bulletin of the School of. 32. Oriental and African Studies، vol. xxx VIII، Part 1، P، 32.
(2)
الشيخ محمد بن عبد الوهاب: حياته وفكره: د. عبد الله الصالح العثيمين، ص 34، دار العلوم.
ومما أوردته المصادر التاريخية حول تكوين الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد والحجاز ما جاء في تاريخ ابن غنام، إذ يقول: " تلقى في طفولته العلم في بلدته العيينة، فحفظ القرآن قبل بلوغه العاشرة من عمره، وكان حاد الفهم، وقَّاد الذهن، سريع الحفظ، فصيحًا فطنًا، روى أخوه سليمان أن أباهما كان يتوسم فيه خيرًا كثيرًا، ويتعجب من فهمه وإدراكه مع صغر سنه، وكان يتحدث بذلك ويقول: إنه استفاد من ولده محمد فوائد من الأحكام، وكتب والده إلى بعض إخوانه رسالة نوه فيها بشأن ابنه محمد. . وكان والده آنذاك قاضي العيينة، فقرأ عليه في الفقه على مذهب الإمام أحمد، وكان رحمه الله على صغر سنه - كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام، وكان - لسرعة كتابته - يكتب في المجلس الواحد كراسًا من غير أن يتعب، فيحار من يراه لسرعة حفظه، وسرعة كتابته.
فشرح الله صدره بمعرفة التوحيد ومعرفة نواقضه التي تضل عن سبيله، فأخذ ينكر تلك البدع المستحدثة من الشرك الذي كان قد فشا في نجد، ومع أن بعض الناس كان يستحسن ما يقول، غير أنه رأى أن الأمر لن يتم له على ما كان يريد، فرحل في طلب العلم إلى ما يليه من الأمصار، حتى بلغ فيه شأوًا فاق فيه شيوخه.
فبدأ بحج بيت الله الحرام، ثم أقام في المدينة المنورة حينًا أخذ فيه العلم عن الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي، ثم المدني، وأجازه من طريقين، وهو والد إبراهيم بن عبد الله مصنف كتاب
" العذب الفائض في علم الفرائض "، وكذلك أخذ عن الشيخ محمد حياة السندي المدني " (1) .
ومما أورده ابن بشر: " فقرأ الشيخ على أبيه الفقه وكان - رحمه الله تعالى - في صغره كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام فشرح الله صدره في معرفة نواقضه المضلة عن طريقه. . فلما رأى أنه لا يغني القول، ولم يتلق الرؤساء الحق بالقبول، تجهز من بلد " العيينة " إلى حج بيت الله الحرام، فلما قضى حجه سار إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فلما وصلها وجد فيها الشيخ العالم عبد الله بن إبراهيم بن سيف من آل سيف رؤساء بلد " المجمعة " القرية المعروفة في ناحية (سدير) من نجد، وهو والد إبراهيم مصنف " العذب الفائض في علم الفرائض "، فأخذ الشيخ محمد عنه. قال الشيخ: كنت عنده يومًا فقال لي: تريد أن أريك سلاحًا أعددته للمجمعة؟ قلت: نعم. فأدخلني منزلا فيه كتب كثيرة، وقال هذا الذي أعددنا لها ثم أنه مضى به إلى الشيخ العلامة محمد حياة السندي المدني فأخبره بالشيخ محمد وعرفه به وبأهله فأقام عنده الشيخ وأخذ عنه "(2) .
(1) تاريخ نجد، جـ1، ص 75 - 76.
(2)
عنوان المجد في تاريخ نجد، جـ1، ص 6 - 7.