المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المطلب الثاني تصورات المستشرقين عن الدعوة] - الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته ودعوته في الرؤية الاستشراقية

[ناصر التويم]

فهرس الكتاب

- ‌[تقديم]

- ‌[المقدمة]

- ‌[الفصل الأول دراسة وصفية لأهم مصادر المستشرقين عن حياة الشيخ محمد]

- ‌[أولا الكتب باللغة العربية]

- ‌[ثانيا الكتب باللغة الإنجليزية]

- ‌[ثالثًا التقارير والوثائق الرسمية باللغة الإنجليزية]

- ‌[رابعًا الموسوعات والقواميس باللغة الإنجليزية]

- ‌[خامسًا المقالات المنشورة باللغة الإنجليزية في الكتب والمجلات العلمية]

- ‌[سادسا الرسائل العلمية باللغة الإنجليزية]

- ‌[الفصل الثاني حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتكوينه العلمي في الرؤية]

- ‌[المبحث الأول حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرؤية الاستشراقية]

- ‌[المطلب الأول ولادته ونسبه]

- ‌[المطلب الثاني رحلاته]

- ‌[المبحث الثاني تكوين الشيخ محمد بن عبد الوهاب العلمي في الرؤية الاستشراقية]

- ‌[المطلب الأول تكوينه العلمي في نجد والحجاز]

- ‌[المطلب الثاني تكوينه العلمي في العراق والأحساء]

- ‌[الفصل الثالث دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرؤية الاستشراقية]

- ‌[المبحث الأول مذهبية الدعوة في الرؤية الاستشراقية ونقدها]

- ‌[المطلب الأول التسمية بالوهابية]

- ‌[المطلب الثاني تصورات المستشرقين عن الدعوة]

- ‌[المبحث الثاني الجانبان التشريعي والسلوكي في الرؤية الاستشراقية ونقدها]

- ‌[المطلب الأول الجانب التشريعي]

- ‌[المطلب الثاني الجانب السلوكي]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[المراجع]

الفصل: ‌[المطلب الثاني تصورات المستشرقين عن الدعوة]

[المطلب الثاني تصورات المستشرقين عن الدعوة]

المطلب الثاني

تصورات المستشرقين عن الدعوة من خلال التتبع الدقيق لكتابات المستشرقين استطاع الباحث رصد مجموعة من التصورات السلبية والإيجابية لدى المستشرقين عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أما التصورات السلبية فأبرزها ما يأتي:

أولا: من التصورات السلبية المشهورة لدى عدد كبير من المستشرقين أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فرقة أو مذهب جديد أو دين. يقول المستشرق بوركهارت في إطار حديث له عن الدعوة الإصلاحية: " إن البدو من الطبقة العامة الذين اتبعوا العقيدة الجديدة "(1) ويقول أيضًا: " إن ديانة (الوهابيين) ديانة محمدية "(2) .

ويقول وليم جيفورد بلجريف: " كيف اعتنق الأمير الفرقة (الوهابية) (3) ويقول أيضًا: لقد ذكرت التاريخ المتقدم للفرقة الوهابية في المجلد الأول (4) . أما لويس بلي فعند حديثه عن العيينة، يقول: " إنها المكان الذي ولد فيه مؤسس الدعوة الإصلاحية السلفية

(1) مواد لتاريخ الوهابيين، للرحالة جوهان لودفيج بوركهارت، ترجمة الدكتور عبد الله الصالح العثيمين، ص9، جامعة الملك سعود، 1405 هـ 1985 م.

(2)

المرجع السابق.

(3)

Narrative A years Journey Through centeral and Eastern Arabia (1862 63) ، William Gifford palgrave، Vol ii، p، 39، Macmillan and co. 1865.

(4)

المرجع السابق ص 140.

ص: 93

" الدين الوهابي "(1) ويقول أيضًا: " وكان منشئ هذا المذهب "(2) .

ويقول صمويل زويمر: إن عبد الوهاب دعا إلى التجديد وادعى أنه قائد الفرقة الجديدة (3) ويقول فيلبي: " واشتهرت الدعوة خارج الحدود مما جعلهم يعتنقون الدين الجديد "(4) . ويقول توماس باتريك هيوس: " الوهابية فرقة مسلمة "(5) .

ثانيًا: ومن التصورات السلبية لدى عدد قليل من المستشرقين أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هدفها الغزو والغنم، وأن قصد أتباعهم إخضاع جيرانهم لحكمهم.

يقول المستشرق بوركهارت: " وتتبع تاريخ الوهابية ما هو إلا تسجيل لوقائع مشابهة لتلك التي تحدث يوميًا في الصحراء، قبيلة ذات حظ تصل إلى السلطة فتحصل على غنائم وتبسط نفوذها على جيرانها (6) .

أما برايدجس فيقول: " إن ملك فارس ينظر إلى (الوهابيين) نظرته نفسها إلى الحكومة البريطانية، إذ إنهم عدوانيون "(7) .

(1) رحلة إلى الرياض: الليفتنانت كولونيل لويس بلي، ترجمها وحققها وقدم لها: الدكتور عبد الرحمن عبد الله الشيخ والدكتور عويضة بن متيريك الجهني، ص69، جامعة الملك سعود، 1991م.

(2)

المرجع السابق ص 6.

(3)

Arabia: The Cradle of Islam، Samuel M. Zwemer، P. 193، Fleming H Revell company. Fourth editon.

(4)

Arabia، By، H. St، J. B. Philby، P. 13. London، Ernest Benn limited، 1930.

(5)

Dictionary Of Islam. p. 659.

(6)

مواد لتاريخ الوهابيين، ص12 - 13.

(7)

An Acount of the transactions of His Majesty {apos;s Mission to the court of persia in the year} apos;s 1807 - 11. To Which is appended A Breif History of the Wahauby. Sir Harford Jones Brydges، vol II p. 40، London James Bohn.

ص: 94

ويقول وليم جيفورد بلجريف: " لقد ذكرت التاريخ المتقدم للفرقة (الوهابية) في المجلد الأول الذي يبدو كافيًا للقارئ لإظهار العدوانية والغزو عند محمد بن عبد الوهاب وأتباعه وقائد آل سعود. وأن هذين الرجلين ومن بعدهم - وهم أشد حماسة - لديهم رؤية ليس لإيجاد فرقة، ولكن إمبراطورية، وليس لتحويل جيرانهم إلى معتقدهم، بل لإخضاعهم "(1) .

ويقول لويس بلي: " وقد وجد محمد بن عبد الوهاب المفعم حماسة في زعيم الرياض المجاور المسمى سعودًا أداة للغزو والغنم "(2) .

ثالثًا: ومن التصورات السلبية أيضًا لدى عدد قليل من المستشرقين أن الدعوة (الوهابية) متزمتة ومتعصبة وبدائية.

يقول بوركهارت: " إن ديانة (الوهابيين) ديانة محمدية متزمتة "(3) ويقول برايدجس: " إن ملك فارس ينظر إلى (الوهابيين) نفس النظرة للحكومة البريطانية؛ إذ إنهم أي (الوهابيين) عدوانيون ومتعصبون "(4) .

ويقول لويس بلي: " سمعت أخيرًا أن مبعوثين وشيوخًا قد أرسلوا من العاصمة إلى الأحساء للإنكار على الناس حياتهم المنحلة ولتطبيق المحافظة السلفية (الوهابية) المتعصبة "(5) .

(1) Narrative، A Year's Journey. P. 14.

(2)

رحلة إلى الرياض، ص6.

(3)

مواد لتاريخ الوهابيين، ص9.

(4)

An Acount Of The Transactions P. 40.

(5)

رحلة إلى الرياض، ص 103.

ص: 95

ويقول أيضًا: " باختصار، فإن السلفية (الوهابية) الخالصة تبدو وجهًا من وجوه الإسلام قاصرًا على الفقراء والمناطق النائية ". ورغم أن الأهداف العسكرية والسياسية قد تجعل السلفية " الوهابية " تستمر في الوجود بشكل مظهري بين المجتمعات الثرية إلا أنه عند الاحتكاك بالحضارة والتجارة، فإن طبيعة الأمور في مثل هذه المناطق تجعل السلفية " الوهابية " في نهاية الأمر مجرد اسم (1) .

ويقول لي ديفيد كوبر: " وعلى الرغم من انتماء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه إلى المذهب الحنبلي، فقد كانوا على وجه العموم أكثر تشددًا من الحنابلة في أداء المناسك "(2) .

رابعًا: ومن أخطر التصورات السلبية لدى عدد قليل من المستشرقين التفريق بين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأهل السنة، يقول صمويل زويمر: أن هذه الدعوة تتميز من نظام السنة Orthodox system بالنقاط الآتية، ومنها:

1 -

أن (الوهابيين) لا يقدمون الدعاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو الولي أو الصالح، ولا يزورون قبورهم من أجل الدعاء.

2 -

يقولون: إن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بشافع إلا في اليوم الآخر.

3 -

يحرمون على المرأة زيارة قبر الميت.

4 -

يقبلون بأربعة أعياد هي: الفطر والأضحى وعاشوراء وليلة المعراج Lailat Elmooarek.

(1) المرجع السابق، ص48.

(2)

الحركة الوهابية في عيون الرحالة، ص51.

ص: 96

5 -

لا يحتفلون بمولد محمد صلى الله عليه وسلم.

6 -

عندهم فكرة التجسيم الآتية من تفسيرهم الحرفي لنص القرآن حول يدي الله واستوائه وغير ذلك.

7 -

يؤمنون بالجهاد وأنه ليس بمنته وأنه ماضٍ.

8 -

يدينون المنارات وبناء المشاهد وكل شيء لم يستخدم خلال السنوات الأولى من الإسلام (1) .

ومن المهم الإشارة إلى أن عددًا من المستشرقين (2) تأثروا بما كتب في كتاب " لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب "، وما ذكر فيه من تفريق بين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأهل السنة والجماعة.

ويقول صمويلي: سوف أذكر هنا قائمة بمعتقدات (الوهابية) التي قبلت من عامة الناس في الشارع، وذكر صمويلي قائمة صمويل زويمر المذكورة سابقًا مع تغير يتمثل في النقطتين الآتيتين:

1 -

لا يعطون مجالا للعقل في الأسئلة الدينية، وذلك لأن عقل الإنسان عاجز عن إيجاد حل صحيح لمشاكل الحياة والدين، وإنما حلها عن طريق القرآن والسنة.

(1) Arabia: The Cradle Of Islam، P 193.

(2)

ومن هؤلاء مارجليوث الذي تبنى ونقل ما كتبه مؤلف " لمع الشهاب " في خاتمة كتابه حول ثماني مسائل في عقيدة الوهابيين كما يزعم. وقام الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ بالرد عليها في حاشية الكتاب. لمزيد من المعلومات انظر كتاب: " لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب "، ص 193 - 204، وانظر مقالة مارجليوث: الوهابية في دائرة المعارف الإسلامية المختصرة Shorter Encyclopedia of Islam، p 618.

ص: 97

2 -

يؤمنون ويعلمون الناس أن المسلمين الذين لا يؤمنون بمعتقد (الوهابية) مبتدعون (1) .

تلك هي أبرز التصورات السلبية عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لدى المستشرقين.

أما التصورات الإيجابية فهي كما يلي:

أولا: من التصورات الإيجابية لدى عدد كبير من المستشرقين أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوة تطهيرية وإصلاحية جاءت للرجوع بالناس إلى عصر السلف الصالح.

يقول بوركهارت: " لم تكن مبادئ محمد بن عبد الوهاب مبادئ ديانة جديدة، بل كانت جهودًا موجهة فقط لإصلاح المفاسد التي تفشت بين المسلمين، ونشر العقيدة الصافية بين البدو الذين كانوا مسلمين اسمًا، لكنهم جهلاء بالدين وغير مبالين بكل فروضه التي أوجبها، وكما هي الحال بالنسبة لكل المصلحين لم يفهم محمد بن عبد الوهاب من قبل أصدقائه ولا من قبل أعدائه "(2) .

وأشار مارجليوث إلى أن هدف الشيخ محمد بن عبد الوهاب العام هو إبعاد جميع البدع التي وجدت بعد القرن الثالث حيث يتسنى للجماعة أو المجتمع الاعتراف بالمذاهب الفقهية الأربعة وكتب الحديث الستة (3) .

(1) The Wahhabis and lbn Saud، M، F Samalley، The Muslim world، vol، XX II، p، 241.

(2)

مواد لتاريخ الوهابيين، ص13.

(3)

Wahhabya، D. Margliouth، P. 1086. and P. 618.

ص: 98

وذكر صمويل زويمر أن إصلاح الشيخ محمد بن عبد الوهاب يتمثل في الرجوع إلى الإسلام القديم (1) .

أما جورج رنتز فقد ذكر أن (الوهابية) تدعو إلى تنقية المجتمع، وذلك بالرجوع إلى طريقة الرسول والسلف الصالح، ولذا لا بد من الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية (2) .

أما ديفيد كوبر فقد قال: " ولم يكن في دعوة الشيخ جديد لأنه كان يرى علاج المشكلات جميعًا في العودة إلى سنة النبي محمد وأصحابه من السلف الصالح. وكان جل همه أن يخلص العالم من شرين عظيمين هما: الشرك والبدع. وهو ما قضى حياته هو وأتباعه يناضل في سبيل تحقيقه في حماس شديد "(3) .

ثانيًا: ومن التصورات الإيجابية لدى عدد قليل من المستشرقين وصفهم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنها قائمة على الكتاب والسنة، وأنه لا فرق بينه وبين أهل السنة خلافًا لبعض المستشرقين.

يقول بوركهارت: " ومبادئ (الوهابيين) الأساسية، كما سيتضح فيما بعد، تتفق مع تلك التي تدرس في المناطق الأخرى من الإمبراطورية الإسلامية (4) فالقرآن والسنة لديهم مصدران أساسيان مشتملان على كل الأحكام، وآراء المفسرين الأجلاء

(1) Arabia: The Cradle Of Islam، P. 193.

(2)

Religions In Middle East P. 272.

(3)

الحركة الوهابية في عيون الرحالة، ص48.

(4)

مصطلح الإمبراطورية مصطلح غير دقيق والأصح أن تسمى الخلافة الإسلامية.

ص: 99

للقرآن محترمة بالرغم من أنها ليست متبعة على إطلاقها، وفي محاولة لإيضاح الأعمال الأصيلة والمعتقدات الصافية للمؤسس الأول وأتباعه الأوائل، كما هو ثابت في تلك الأحكام، كان لا بد لهم من مهاجمة عدد من الآراء الخاطئة والمفاسد التي طرأت على الإسلام كما يدرس الآن، ولا بد لهم أيضًا، من الإشارة إلى الحالات الكثيرة التي يتصرف بها الأتراك على نقيض مباشر مع المبادئ التي يعترف هؤلاء أنفسهم بأنها أساسية " (1) .

وأشار بوركهارت في هذا الصدد إلى مجموعة من نقاط الاختلاف بين (الوهابيين) والأتراك (2) تتمثل في الآتي:

1 -

يلوم (الوهابيون) الأتراك إطراءهم للنبي صلى الله عليه وسلم، والوهابيون محقون في هذا الشأن؛ وذلك لأن الآيات توضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر.

3 -

أن الأولياء يخصون بالإطراء، ولذا يوجد في كل مدينة تركية عدد كثير من الأضرحة. والوهابيون يقولون: إن الناس سواسية عند الله، وإن التقي لا يشفع لأحد، ولذا قاموا بهدم قباب الأولياء وأضرحتهم. فظن الأتراك أنهم يقومون بهذا لاحتقارهم أولئك الذين بنيت عليهم القباب.

3 -

إهمال كثير من الأتراك بعض أحكام الدين (3) . فهو يقول عن

(1) مواد لتاريخ الوهابيين، ص18.

(2)

المقصود بكلمة الأتراك التي وردت في ثنايا هذا البحث الأتراك كشعب وليس المراد بها المسلمين عمومًا والتي قد تستخدم من بعض الكتاب الغربيين.

(3)

المرجع السابق، ص 18 - 21.

ص: 100

ذلك: " والخلاف بين فرقته وبين الأتراك السنة، مهما قيل عنه، هو أن (الوهابيين) يتبعون بدقة نفس الأحكام التي أهملها الآخرون أو توقفوا عن مزاولتها كلية "(1) .

أمّا لي ديفيد كوبر فقد قال: " ولم يكن في دعوة الشيخ جديد؛ لأنه كان يرى علاج المشكلات جميعًا في العودة إلى سنة النبي محمد وأصحابه من السلف الصالح "(2) .

وأشار إلى أن الفرق الرئيس بين (الوهابيين) وسواهم من المسلمين يتمثل في نهي (الوهابيين) عن تقديس الأولياء والتبرك بهم، ولذا قاموا بتحطيم القباب والأضرحة والقبور المزخرفة (3) .

تلك هي أهم الجوانب الإيجابية في التصور الاستشراقي عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وسأبين فيما يلي الأخطاء في الجوانب السلبية.

نقد الرؤية الاستشراقية: يتضح مما سبق أن الرؤية الاستشراقية عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تحمل جوانب إيجابية وأخرى سلبية، وقد يكون مرجع السلبي منها إلى الاستناد إلى مصادر غير موثقة أو إلى التصور الغربي للدين بعامة وللدعوة بصفة خاصة، انطلاقًا من الموقف الاستعماري من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

(1) المرجع السابق، ص 23.

(2)

الحركة الوهابية في عيون الرحالة، ص48.

(3)

المرجع السابق، ص94.

ص: 101

يلحظ الباحث المطلع على الرؤية الاستشراقية للتصورات لدى المستشرقين عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الأمور الآتية:

أولا: لم تكن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فرقة أو مذهبًا أو دينًا جديدًا، بل هي دعوة إصلاحية مباركة. وهذه التهمة وجهت للشيخ في وقته، فأجاب عنها بقوله في إحدى رسائله:

" وأخبرك أني - ولله الحمد - متبع ولست بمبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين به مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة "(1) .

ثانيًا: لا صحة لرأي بوركهارت وبرايدجس وبلجريف ولويس بلي من أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هدفها الغزو والغنم وإخضاع الآخرين، وذلك أن هدف دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هدف ديني محض يتمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في إحدى رسائله:" وأما القتال فلم نقاتل أحدًا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أتونا في ديارنا، ولا أبقوا ممكنًا، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] (سورة الشورى) ، وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرفه "(2) .

(1) تاريخ نجد: حسين بن غنام، حرره وحققه الدكتور ناصر الدين الأسد، ج2، ص155، الطبعة الثانية، 1402 هـ 1982 م، لمزيد من المعلومات حول معتقد الشيخ، انظر: في عقائد الإسلام من رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب ويليه جواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية: عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ص2، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1401 هـ 1981 م.

(2)

تاريخ نجد، جـ2، ص 158.

ص: 102

ثالثًا: عدم صحة وصف بعض المستشرقين من أمثال بوركهارت وبرايدجس ولويس بلي الدعوة (الوهابية) بأنها متزمتة ومتعصبة وبدائية، أي أنها لا تنتشر إلا في المناطق الفقيرة والنائية. وفساد هذا الرأي معلوم؛ وذلك أن الجزيرة العربية شهدت في ظل الدعوة السلفية الازدهار والتقدم والتطور التقني، كما أن الدعوة السلفية انتشرت في أماكن كثيرة خارج الجزيرة العربية (1) .

رابعًا: بطلان التفريق بين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأهل السنة، وهذه التهمة مما جوبه بها الشيخ في وقته، فأجاب عنها بقوله:" عقيدتي وديني الذي أدين به مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة "(2) . هذا فيما يتعلق بالتفريق العام بين عقيدة الشيخ وعقيدة أهل السنة، أما الجوانب الأخرى التي فصل فيها بعضهم كما فعل صمويل زويمر من التمييز بين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأهل السنة في مسائل معينة، كتحريم زيارة القبر على المرأة أو عدم قبول الاحتفال بالمولد النبوي أو إنكار بناء الشواهد على القبور، ونحوها، فذلك يدل على جهل بالشريعة الإسلامية، ففيما يتعلق بزيارة القبور للمرأة فقد اعتمد

(1) لمزيد من المعلومات حول انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، انظر كتاب:(انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب خارج الجزيرة العربية) : محمد كمال جمعة، مطبوعات دارة الملك عبد العزيز، الطبعة الثانية، الرياض، 1401 هـ 1981 م.

(2)

تاريخ نجد، جـ2، ص155.

ص: 103

الشيخ محمد بن عبد الوهاب على حديث: «أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» (1) . يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " والصحيح أن النساء لم يدخلن في الإذن في زيارة القبور "(2) .

أما الاحتفال بالمولد النبوي فدعوة الشيخ ترى أنه بدعة من البدع المحدثة، وذلك أن هذا الاحتفال لم يعرف في عصر الصحابة والتابعين. " وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها عملا بالأدلة المذكورة وغيرها، وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات كالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاختلاط النساء بالرجال، واستعمال آلات الملاهي وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر، وظنوا أنها من البدع الحسنة، والقاعدة الشرعية رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وقد رددنا هذه المسألة وهي الاحتفال بالموالد إلى كتاب الله سبحانه وتعالى فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، ليحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء

(1) رواه أبو داود رقم 3236 في كتاب الجنائز، والترمذي رقم 320 في كتاب الصلاة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.

(2)

كتاب الزيارة: شيخ الإسلام ابن تيمية، راجعه وعلق على حواشيه: سيف الدين الكاتب، ص132، مكتبة الحياة، بيروت، 1400 هـ 1980 م، لقد ذكر العلماء أن زيارة القبور تكون شرعية أو بدعية وشركية، انظر: كتاب الزيارة ص 38 - 39.

ص: 104

به الرسول صلى الله عليه وسلم (1) أما إنكار البناء على القبور فقد ورد في السنة النبوية في حديث جابر الذي قال فيه: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه» (2) .

خامسًا: ومما افتراه المستشرق صمويل زويمر أيضًا (3) أن (الوهابيين) يقبلون بأربعة أعياد. والصحيح أن الشيخ لا يقبل من الأعياد إلا ما جاء به الشرع، وهما عيدان فقط: عيد الفطر وعيد الأضحى. وهذه الفرية توضح المنهج الاستشراقي المتمثل في الحصول على معلومات من واقع الناس، وليس بالرجوع إلى مؤلفات العلماء، ويشير أحد المستشرقين إلى أن كثيرًا من الرحالة الغربيين " كانوا يفتقرون إلى الإلمام بالشريعة الإسلامية والحديث والقرآن، ولا ريب في أن أغلبهم لم يكن على بينة بالفروق القانونية بين المذاهب الإسلامية الأربعة "(4) .

سادسًا: عدم صحة ما ذكره صمويل زويمر من وجود فكرة التجسيم عند (الوهابية) وذلك أن الإيمان بصفات الله الواردة في كتابه العزيز والثابتة عن رسوله الأمين ليس تجسيمًا كما يزعم؛ وذلك أن أهل السنة والجماعة يقولون نؤمن بها من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وأن صفاته تليق بجلاله وعظمته،

(1) التحذير من البدع: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ص 4 - 5، مكتبة المعارف، الرياض، 1402 هـ 1982 م.

(2)

صحيح مسلم: كتاب الجنائز، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه.

(3)

انظر: Arabia، The Cradle of Islam P. 193.

(4)

الحركة الوهابية في عيون الرحالة، ص 102 - 103.

ص: 105

ولا تشبه صفات المخلوقين. قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11](سورة الشورى) . وهذا هو ما يذهب إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في كتابه " تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ": إن الإمام الشافعي رحمه الله قال: " لله أسماء وصفات لا يسع أحدًا ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه كفر، وأما ما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل، ونثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه "(1) .

وذكر في كتابه أيضًا ما ثبت عن سفيان بن عيينة رحمه الله أنه قال: " لما سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن: كيف الاستواء؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق. وقال ابن وهب: كنا عند مالك فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] (سورة طه) كيف استوى؟ فأطرق مالك رحمه الله وأخذته الرحضاء. وقال: الرحمن على العرش استوى، كما وصف نفسه. . . الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة "(2) .

(1) تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ص677، رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

(2)

المصدر السابق، ص 674.

ص: 106

سابعا: أما فيما يتعلق بما ذكره صمويل زويمر عن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في إحدى رسائله: " لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع وأرجو شفاعته. لكن الشفاعة كلها لله، كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44] (سورة الزمر) ولا تكون إلا من بعد إذن الله، كما قال عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] (سورة البقرة) ، ولا يشفع في أحد إلا بعد أن يأذن الله فيه، كما قال جل جلاله: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] (سورة الأنبياء) وهو لا يرضى إلا التوحيد "(1) .

ثامنا: أما ما ذكره صمويل زويمر من أن (الوهابيين) لا يقدمون الدعاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو الولي أو الصالح، ولا يزورون قبورهم من أجل الدعاء، فكلام مجمل يحتاج إلى تفصيل، فإن كان المقصود " أن السائل يطلب من الله ويجعل النبي أو الولي وسيلة إلى الله في استجابة دعوته وطلبه، كأن يقول: أسألك كذا بجاه نبيك أو وليك، فهذا بدعة، وحكمه الكراهية "(2) أما إن كان المقصود طلب التوسل من الرسول أو الولي أو الصالح بوصفه واسطة بينه وبين الله فهذا محرم منهي عنه وقد يصل إلى الشرك حسب

(1) تاريخ نجد، ج2 ص36.

(2)

كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب، لمؤلف مجهول، تحقيق وتعليق: الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، حاشية الكتاب ص 205، والدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع: عبد الرحمن بن قاسم العاصمي النجدي، جـ3، ص 290، دار العربية، الطبعة الثالثة، بيروت، 1398 هـ 1978 م.

ص: 107

اعتقاد الشخص، قال تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3](سورة الزمر) . أما زيارة قبر الميت فهو مشروع للرجال للدعاء للميت بالدعاء المشروع. أما إن كان المقصود الزيارة للتوسل بالميت، فهذا محرم منهي عنه وقد يصل إلى الشرك حسب اعتقاد الشخص، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" صار لفظ زيارة القبور في عرف كثير من المتأخرين يتناول (الزيارة البدعية، والزيارة الشرعية) ، وأكثرهم لا يستعملونها إلا بالمعنى البدعي لا الشرعي، فلهذا كره هذا الإطلاق. فأما الزيارة الشرعية فهي من جنس الصلاة على الميت: يقصد بها الدعاء للميت، كما يقصد بالصلاة عليه، كما قال الله في حق المنافقين: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] (سورة التوبة) فلما نهى عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم دلَّ ذلك بطريق مفهوم الخطاب، وعلة الحكم أن ذلك مشروع في حق المؤمنين. والقيام على قبره بعد الدفن هو من جنس الصلاة عليه قبل الدفن يراد به الدعاء له، وهذا هو الذي مضت به السنة واستحبه السلف عند زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وأما الزيارة البدعية فهي من جنس الشرك والذريعة إليه كما فعل اليهود والنصارى عند قبور الأنبياء والصالحين "(1) .

تاسعا: وأخيرًا ما ذكره صمويل زويمر حول إدانة (الوهابيين)

(1) كتاب الزيارة، ص 38 - 39.

ص: 108

للمنارات، فالمعروف أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه ضد زخرفة المساجد، حيث دلت أحاديث كثيرة على النهي عن زخرفة المساجد (1) أما فيما يتعلق بالمنارات التي يرفع فيها المؤذن الأذان، فعلماء الدعوة لا يرون مانعًا من إقامتها ويرون أنها علامة على المسجد.

عاشرًا: لا صحة لما ذكره المستشرق صمويلي من أن (الوهابيين) يؤمنون ويعلمون الناس بأن المسلمين الذين لا يؤمنون بمعتقد (الوهابية) مبتدعة.

إن هذا القول مبني على التفريق بين دعوة الشيخ ومذهب أهل السنة. فالشيخ يدعو لالتزام مذهب أهل السنة الذي هو مذهبه، ويرى أن من يخالف ذلك مبتدع، ليس لأنه خالف شخصه وإنما لأنه خالف المنهج المتبع الذي أمر المسلمون باتباعه.

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ذلك: " وأخبرك أني - ولله الحمد - متبع ولست مبتدعًا، عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة. لكني بيّنت للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين وغيرهم، وعن إشراكهم فيما يُعبد الله به، من الذبح، والنذر،

(1) لمزيد من المعلومات حول بدعة زخرفة المساجد، انظر كتاب: تحذير الراكع والساجد من بدعة زخرفة المساجد، السيد عبد المقصود عبد الرحيم، صححها وقدم لها: الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، دار الرضوان، 1410 هـ 1989 م.

ص: 109

والتوكل، والسجود، وغير ذلك مما هو حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل " (1) .

حادي عشر: لا صحة لعبارة صمويل زويمر " الإسلام القديم "، وذلك أن الإسلام واحد، ولكن هذه من عبارات المستشرقين الراغبة في تقسيم الإسلام إلى قديم وجديد لكونه في تصورهم من إنشاء البشر يتطور بتقدم الزمان، وفي هذا خلط بين الإسلام وبين واقع المسلمين المتغير.

(1) تاريخ نجد، ج2، ص155.

ص: 110