الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الثاني الجانبان التشريعي والسلوكي في الرؤية الاستشراقية ونقدها]
[المطلب الأول الجانب التشريعي]
المبحث الثاني
الجانبان التشريعي والسلوكي
في الرؤية الاستشراقية ونقدها وفيه مطلبان: المطلب الأول: الجانب التشريعي. المطلب الثاني: الجانب السلوكي.
المطلب الأول الجانب التشريعي اهتم المستشرقون بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من جوانب متعددة، ومنها ما يتعلق بالجانب التشريعي الذي هو محل اهتمامنا في هذا المطلب، وسوف أشير إلى ما سطره المستشرقون سواء أكان سلبًا أم إيجابًا. وتبرز رؤيتهم من خلال النقاط الآتية:
أولا: فيما يتعلق بمصادر التشريع يقول بوركهارت: " فقد اتخذ محمد بن عبد الوهاب القرآن والسنة دليله الوحيد "(1) . أما المستشرق صمويل زويمر فيرى أن (الوهابيين) يرفضون الإجماع أو إجماع المفسرين المتأخرين (2) ويشير المستشرق صمويلي إلى أن (الوهابيين) يرفضون الإجماع أو إجماع المفسرين المتأخرين (3) .
ثانيًا: فيما يتعلق بالزكاة يقول بوركهارت: " الضريبة، أو كما يسميها (الوهابيون) الزكاة، وإيتاء الزكاة ركن أساس من أركان الإسلام، وقد نظم محمد صلى الله عليه وسلم مقاديرها، وراعاها (الوهابيون) بدقة، والزكاة معترف بها لدى الأتراك أيضًا، لكن توزيعها متروك لضمير كل إنسان، في حين أن (الوهابيين) مجبرون على أدائها إلى زعيمهم لتوزيعها. وقد حدد الشرع الإسلامي بدقة أنصبة زكاة المال، ولم يحدث (الوهابيون) أي تغيير فيها "(4) .
(1) مواد لتاريخ الوهابيين، 23.
(2)
Arabia: The Cradle Of Islam، P. 193.
(3)
The Wahhabis and Ibn Saud، M. F. Samalley. P. 241.
(4)
مواد لتاريخ الوهابيين، ص58.
وأشار مارجليوث إلى أن الزكاة لدى (الوهابيين) تدفع من ربح المال السري مثل التجارة، على حين أن ابن حنبل يلزم بإخراجها من نتاج المال الظاهر (1) . أما لي ديفيد كوبر فيقول:" وكذلك تشددوا في جمع الزكاة فاعتبروها واجبة لا على الظاهر من الدخل فحسب، بل وعلى الخفي منه أيضًا كالربح في التجارة "(2) .
ثالثا: فيما يتعلق بالحج أشار بوركهارت إلى أن الكاتب روسو قد كتب عن (الوهابيين) رسالتين في بغداد وحلب حوالي عام 1808 م، وأكد أن (الوهابيين) أتوا بديانة جديدة، وأنهم مع اعترافهم بالقرآن قد أبطلوا الحج إلى مكة كلية، ومن المؤكد أن ذلك كان هو الرأي السائد حينذاك في حلب، لكن ربما كان من السهل الحصول على معلومات أكثر صحة من الحجاج الأذكياء، ومن البدو في تلك المدينة ذاتها، ومن المدهش حقًّا أن ذلك لم يحدث (3) .
أما برايدجس فقد أشار إلى أن الكاتب الفرنسي (روسو) في عام 1808 م ذكر أن (الوهابيين) أتوا بدين جديد، ومع اعترافهم بالقرآن منعوا الحج. وقام برايدجس بالرد على هذه الفرية، إذ ذكر أن محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود يأمران بالحج، ولكن طبقًا لما ورد في أداء هذه الشعيرة في القرآن الكريم.
(1) wahhabia، D. Margoliouth، p 1086، and p. 681.
(2)
الحركة الوهابية في عيون الرحالة، ص52.
(3)
مواد لتاريخ الوهابيين، ص 16 - 17.
وأنهما يحرمان الأعمال البدعية مثل تعظيم الصالحين (1) .
رابعًا: فيما يتعلق بنظام الميراث في الإسلام يشير المستشرق لويس بلي إلى أن نظام الوراثة عند (الوهابيين) مأخوذ من القرآن الكريم، فالرجل لا يستطيع أن يوصي بأكثر من النصف، ويأخذ علماء الدين ثلث التركة، أما الأرملة التي لا ولد لها فتحصل على الربع، وأما الأرملة التي لها أولاد فتأخذ ثمن التركة، على حين يحصل ذريتها على الثمن الآخر (2) .
خامسا: فيما يتعلق بتحقيق الأمن والنظام وتوحيد البلاد وتطبيق الحدود، يقول بوركهارت: " ولم يبسط عبد العزيز بن محمد ديانته على كل نجد إلا بعد كثير من الصراع الشديد، ولأنه لم يعد زعيم قبيلة بل رئيس منطقة، تولى السلطة العليا، وجعل حكمه مشابهًا لذلك الذي زاوله الأوائل من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم (3) .
كما أشار بوركهارت إلى أن مشايخ القبائل في الجزيرة العربية لم يعد مسموحًا لهم بالتحاكم إلى السلاح في أي خلاف بينهم، بل لا بد من الرجوع إلى المحكمة للنظر في جميع قضاياهم (4) .
كما أشار إلى الأمن الذي تحقق في فترة الإمام عبد العزيز
(1) An Account of the Transaction، pp. 112 - 113.
(2)
رحلة إلى الرياض، ص 52 - 53.
(3)
مواد لتاريخ الوهابيين، ص26.
(4)
المرجع السابق، ص28.
ابن محمد بقوله: " أصبح التاجر يستطيع أن يخترق وحده صحراء الجزيرة العربية بأمان تام، وأصبح البدو ينامون دون خوف أن تؤخذ دوابهم من قبل اللصوص الليليين "(1) .
كما أشار بوركهارت إلى تطبيق الحدود ووصفها بالقوانين (الوهابية) المأخوذة من القرآن الكريم وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ أشار إلى إنفاذ حد السرقة بالسارق، وحد القصاص بالقاتل المتعمد، أو دفع الدية إذا كان غير متعمد (2) .
وذكر برايدجس أن قائد (الوهابيين) قضى على ما يعرف بالثأر للدم، وأن من أهدافهم منع حدوث الجرائم (3) .
أما ولفرد بلنت فأشار إلى أن النظام والقانون ظهر تحت قيادة الحكومة المركزية، وأصدر أمير الدرعية بيانًا يَعدُ فيه بالحفاظ على الأنفس والممتلكات والتجارة في أرضه (4) .
وذكر جورج رنتز أن هدف الدولة (الوهابية) في نجد هدف حضاري يتمثل في تحقيق الأمن والنظام (5) .
نقد الرؤية الاستشراقية: يتبين مما سبق احتواء الرؤية الاستشراقية على حق وباطل في تصورها للجانب التشريعي وهي كالآتي:
(1) المرجع السابق، ص46.
(2)
المرجع السابق، ص51.
(3)
An Account Of The Transactions، pp. 115 - 116.
(4)
A Pilgrimage to Najd; Lady Anne Blunt، Vol. II، p. 255 Frank Cass and co Ltd، 1968.
(5)
The Arabian Peninsula. P 60.
أولا: ما يتعلق بالمصادر لم يكن الشيخ كما صورته الرؤية الاستشراقية يأخذ بالقرآن الكريم والسنة النبوية فقط، بل كان يأخذ من المصادر الأخرى، وقد أبان الشيخ عن موقفه من مصادر التشريع في إحدى رسائله. يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب:" وأنا أدعو من خالفني إلى أحد أربع: إما إلى كتاب الله، وإما إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما إلى إجماع أهل العلم. . "(1) فلقد اعتمد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته على القرآن الكريم والسنة النبوية وآثار السلف الصالح، ولهذا كان الشيخ يروي ويوثق أراءه بذلك.
ثانيًا: عدم صحة قول المستشرقين مارجليوث ولي ديفيد كوبر حول التشدد في أخذ الزكاة من المال غير الظاهر، وذلك لأن الزكاة تجب في الأموال الظاهرة والأموال غير الظاهرة كعروض التجارة، ولكن هَذَيْن المستشرقَيْن اعتمدا على مؤلف كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب، مما أوقعهما في هذا الخطأ. يقول الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ في تعليقه على كتاب لمع الشهاب: " وقوله وكان يوجب على الناس دفع زكاة أموالهم الباطنية إلخ. . ويأمر بالتجسس. الجواب: أن يقال كما قال أبو الحسن منصور بن إسماعيل بن عمر الجيزي أو محمد بن عبد الرحمن أبو بكر بن قريعة على رواية:
(1) تاريخ نجد، ج2، ص52.
لي حيلة في من ينم
…
وليس في الكذاب حيلة
من كان يخلف ما يقول
…
فحيلتي فيه قليلة
وعلى سبيل الافتراض والتنزل مع هذا المفتري فعلماء أهل السنة والجماعة ذكروا في جملة ما يعتقدونه أن الصدقات تدفع إلى الأمراء عدلوا فيها أو جاروا، ولم يفرقوا بين الأموال الظاهرة كالحبوب والثمار والسائمة ولا بين الأموال الباطنة كالذهب والفضة وعروض التجارة، وقد كانت زكاة الأموال الباطنة تحمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى الخلفاء الراشدين من بعده " (1) .
ثالثًا: وجود خلط فيما ذكره لويس بلي حول الميراث، فلا شك بأن دعوة الشيخ تستند في قسمة الميراث إلى الكتاب والسنة، ولكن التفصيل الذي ذكره لا صحة له من حيث زعمه أن الرجل لا يستطيع أن يوصي بأكثر من النصف، وأن رجال الدين يأخذون ثلث التركة، وكذا ما ذكره حول أخذ الذرية الثمن للأرملة التي لها أولاد. فالوصية لا تتجاوز الثلث كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وليست الوصية موقوفة على رجال الدين، فقد تصرف على من تخصص في دراسة العلم الشرعي أو غيره من المصارف التي يحددها صاحب الوصية بإرادته، وقسمة التركة على الورثة لا تتم إلا بعد إخراج الحقوق المتعلقة بها كالديون والوصايا. أما من يتوفى عنها زوجها فإن لم يكن له ولد فلها الربع، وإن كان له أولاد
(1) لمع الشهاب، ص216.
فلها الثمن. وأما باقي الثروة فيقسم على الورثة بحسب وضعهم إن كانوا من أصحاب الفروض أو العصبات. ولم يبتدع الشيخ في قسمة التركة شيئًا، وإنما يحصل الخطأ كما سبقت الإشارة بسبب المصادر أو الموقف المعادي.
رابعًا: موضوعية بعض المستشرقين من أمثال بوركهارت وبرايدجس وبلنت ورنتز فيما يتعلق بتحقيق الأمن والنظام، والرجوع إلى القاضي في حال الخصومة، واهتمام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بتطبيق الحدود.