الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الأول مذهبية الدعوة في الرؤية الاستشراقية ونقدها]
[المطلب الأول التسمية بالوهابية]
الفصل الثالث
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
في الرؤية الاستشراقية ونقدها وفيه مبحثان: المبحث الأول: مذهبية الدعوة في الرؤية الاستشراقية ونقدها. المبحث الثاني: الجانبان التشريعي والسلوكي في الرؤية الاستشراقية ونقدها.
المبحث الأول
مذهبية الدعوة " أيديولوجية الدعوة "
في الرؤية الاستشراقية ونقدها وفيه مطلبان: المطلب الأول: التسمية بالوهابية. المطلب الثاني: تصورات المستشرقين عن الدعوة.
المطلب الأول التسمية بالوهابية استخدم المستشرقون السابقون مصطلح (الوهابية) أو مصطلح (الوهابي) أو (الوهابيون) في مؤلفاتهم ومقالاتهم للدلالة على حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن انتمى إليها، بل إن بعضهم جعله في عنوان كتابه مثل: بوركهارت وبرايدجس وكوبر، أو في عنوان مقالته مثل: ولفرد بلنت، ومارجليوث، وصمويل زويمر، وتوماس باتريك هيوس، وصمويلي، وجورج رنتز، مع اعتراف بعضهم بأن هذه التسمية أطلقت عليها من أعدائها، وأن المصطلح ليس بمستخدم عند أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وفي ذلك يقول مارجليوث: إن التسمية بـ (الوهابية)" أطلقت من قبل المعارضين في فترة حياة مؤسسها، وقد استخدم الأوروبيون هذه التسمية، ولم تستعمل من قبل أتباعها في الجزيرة العربية، بل كانوا يسمون أنفسهم بالموحدين "(1) .
أما توماس باتريك هيوس فقد ذكر أن (الوهابية) فرقة إصلاحية مسلمة أسسها محمد بن عبد الوهاب، وأن أعداءهم لا يريدون تسميتهم بالمحمديين " Muhammadans "" المسلمين "، ولذا ميزوهم باسم أبي الشيخ، وسموهم بالوهابيين (2) .
(1) Wahhabiya، D. S. Margoliouth، vol، VIII، P. 1086، First Encyclopediaof Islam 1913 - 1963، Edited By M. Th. Houtsma، A. J. Wensinck. H. A. R. Gibb. W. Heffening And E. LevProvencal، E. J. Brill، Leiden، 1987. And Wahhabiya، D. S. Margoliouth. P. 618. Shorter Encyclopedia Of Islam. Edited By H. A. R. Gibb، And J. H. Kramers، E. . J. Brill، Leiden 1961.
(2)
Dictionary of Islam، by Thomas patrick Hughes، P. 659، premier Book House، Anarkali، Lahore، 1964.
أما جورج رنتز فيفصل في شرح المصطلح مشيرًا إلى من أطلقه، ودلالته، والموقف منه، وسبب استخدامه لهذا المصطلح، وذلك من خلال ما سطره في مقالتيه:" الوهابيون "، و " الوهابية والمملكة العربية السعودية ". يقول جورج رنتز: أن اسم (الوهابي) أطلق على أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب من قبل المسلمين المعارضين، وإن اسم (الوهابي) يفهم منه أنه اقتراح بأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أسس فرقة جديدة لا بد من مقاومة انتشارها وإيقاف معتقدها.
أما من أطلق عليهم هذا المصطلح فهم يعتقدون أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب سني، ولذا يرفضون هذا المصطلح، وأن دعوته تسمى الدعوة إلى التوحيد، وأن مصطلح الموحدين هو المصطلح الدقيق. أما بالنسبة إلى القراء الغربيين، فإنه مصطلح مضلل، وذلك لأن مصطلح الموحدين له معنى إضافي توحي به الكلمة، علاوة على معناها الأصلي، أما الكتاب الغربيون فأخذوا مصطلح (الوهابي) واستخدموه في الأغلب على أنه مصطلح ازدرائي. أما أنا فأستخدمه في البحث من أجل الإيضاح، ولكن المصطلح لا يحمل أي معنى عدائي (1) .
ويشير جورج رنتز في مقالة أخرى إلى أن مصطلح (الوهابية) اسم دعوة إصلاحية حديثة في الجزيرة العربية، وأنه
(1) Religion in the Middle East three religions in concord and conflict، Vol، 2، P. 270، General Editor A. J. Arberry، Cambridge Univ press، 1969.
مصطلح يتجنبه أتباع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ لأنهم يرونه مصطلحًا أطلقه أعداء الدعوة، للإيهام بأنها فرقة جديدة خارج حظيرة أهل السنة.
ومصطلح (الوهابية) شائع في الغرب، وأستخدمه هنا لغرض الملاءمة، ولكن من غير أن يتضمن مدلول الابتداع (1) .
نقد التسمية بالوهابية: يتضح مما سبق أن المستشرقين قد استخدموا مصطلح (الوهابية) على الرغم من وعيهم بالبعد الأيديولوجي للمصطلح وما يشي به من ذم لهذه الدعوة، اتجاهًا بالانحراف عن اتجاه أهل السنة والجماعة، وإن كانوا في استخدامهم على صنفين:
الصنف الأول: الذي استخدم الكلمة مع تبني ما تدل عليه من ازدراء للدعوة.
الصنف الثاني: الذين استخدموه لأنه قد بدا لهم أنه أكثر دقة من غيره، وبينوا أن استخدامهم للمصطلح لا يحمل معنى السخرية أو الازدراء.
وإذا كان الاتجاه الأيديولوجي واضحًا في استخدام الصنف الأول فإن الصنف الثاني وإن لم يُرد السخرية قد وقع في الخطأ أيضًا، ذلك أن المصطلح في ذاته يحمل دلالة الازدراء، لذا فمن المفترض بناءً على المنهج العلمي الموضوعي في البحث وضع
(1) The Arabian Peninsula، Society And Politics p. 54.
مصطلح دقيق لا يتضمن اتجاهًا مذهبيًا، وهذا أمر ممكن حتى لا يدخل المغرضون من هذا الباب كما هو شأنهم في استخدام العبارات الموهمة. ومن قبل سد الإسلام هذا الباب، ووجه إلى استعمال اللفظ المناسب للمعنى. ولذا جاء نهي المؤمنين عن استخدام كلمة راعنا وأمرهم باستخدام كلمة انظرنا، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104](سورة البقرة) . يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير هذه الآية: " كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول صلى الله عليه وسلم عند تعلمهم أمر الدين: " راعنا ". أي: راع أحوالنا، يقصدون بها معنى صحيحًا، وكان اليهود يريدون بها معنى فاسدًا، فانتهزوا الفرصة فصاروا يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، ويقصدون المعنى الفاسد، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة سدًا لهذا الباب. ففيه النهي عن الجائز، إذا كان وسيلة إلى محرم، وفيه الأدب واستعمال الألفاظ التي لا تحتمل إلا الحسن وعدم الفحش، وترك الألفاظ القبيحة، أو التي فيها نوع من التشوش واحتمال لأمر غير لائق. فأمرهم بلفظة لا تحتمل إلا الحسن فقال: " وقولوا انظرنا "، فإنها كافية يحصل بها المقصود من غير محذور "(1) .
ومن خلال شرح الشيخ السعدي لهذه الآية أرى ضرورة اجتناب استخدام مصطلح (الوهابية) لما يحمله من احتمالات
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ج1، ص 120 - 121، مركز صالح بن صالح الثقافي، عنيزة، 1407 هـ.
التشويش على الناس. أما ما يزعم من دقة المصطلح ودلالته فذلك منقوض تاريخيًا حيث سبق استخدام المصطلح للدلالة على فرقة من فرق الخوارج ظهرت في المغرب قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والتي ورد ذكرها في كتاب: " المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب " للمؤلف أحمد بن يحيى الوَنشَريسي (1) .
يقول الدكتور الشويعر: " لقد لفت نظري ما رأيت في ج 11 ص 168 تحت عنوان سؤال جاء بهذه العبارة: كيف يعامل معتنقو المذهب الوهابي؟ !! .
وهو سؤال ملفت للنظر، ومثير للانتباه، خاصة وأن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الإصلاحية التجديدية، المصححة لأمور العقيدة الإسلامية مما داخلها قد كادت لا تعرف إلا بهذا الاسم الذي أطلقه أعداؤها على هذه الدعوة " (2) .
ولقد بيّن الدكتور الشويعر بأنه لا صلة إطلاقًا بين (الوهابية) الرستمية ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إذ يقول: " وعند قراءتي لنص السؤال رأيته كما يلي: سئل اللخمي عن قوم من الوهابية سكنوا بين أظهر أهل السنة زمانًا، وأظهروا الآن
(1) انظر: المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى وعلماء إفريقية والأندلس والمغرب: أحمد الونشريسي: جـ 11، ص 168، دار الغرب الإسلامي - بيروت، 1401 هـ 1981 م.
(2)
تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية: دكتور محمد بن سعد الشويعر، ص. 2، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية، 1413 هـ 1993 م.
مذهبهم وبنوا مسجدًا إلى آخر ما جاء في السؤال. . رجعت لترجمة حياة اللخمي، علي بن محمد، وإذا هو قد توفي عام 478 هـ. . كما وجدت على غلاف كل جزء من أجزاء المعيار أن المؤلف أحمد بن يحيى الونشريسي قد توفي بفاس عام 914 هـ. ولما كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وهو صاحب الدعوة التجديدية السلفية في نجد لم يكن ولد بعد، حيث إن ولادته في عام 1115 هـ، بمعنى أن هذا الجواب قد سبق ولادته بأكثر من ستمائة عام بالنسبة لوفاة المجيب وهو اللخمي، وأكثر من مائتي سنة بالنسبة للمؤلف وهو الونشريسي " (1) . بناء على ما تقدم يتضح ما يلي:
أولا: خطأ استخدام مصطلح (الوهابية) ، وضرورة تجنب الكتاب المسلمين المدركين حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب استخدام مصطلح (الوهابية) ، وعدم التساهل في هذا الأمر.
ثانيًا: عدم صحة كلام المستشرق باتريك هيوس وعدم دقته حول تسمية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه (بالوهابية) لأجل تمييزهم، فهذا المصطلح يطلق كما تقدم على فرقة سابقة فتنتفي دعوى التميز، كما أنه بالإمكان الاستعاضة عنه بمصطلح أدق: كدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أو الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية، أو نحو ذلك.
(1) المجلة العربية، العدد 70.
ثالثا: تميّز كتابة جورج رنتز من كتابات غيره من المستشرقين فيما يتعلق بالمعلومات الصحيحة والدقيقة حول مفهوم مصطلح (الوهابية) لدى الغرب وإيحاءات هذا المصطلح، ولكنه من المؤسف أنه انخرط كغيره من المستشرقين في استخدامه، وإن صرح بأنه استخدمه كما يقول لغرض الملاءمة والإيضاح. ولقد انفرد جورج رنتز عن غيره من المستشرقين باستخدام مصطلح " الموحّد " في عنوان رسالته للدكتوراه بدلا من استخدام مصطلح (الوهابية) الشائع في الغرب (1) .
(1) انظر: الحركة الوهابية في عيون الرحالة الأجانب: لي ديفيد كوبر، جورج رنتز، ترجمة وتعليق: أ. د. عبد الله بن ناصر الوليعي، ص 140، مؤسسة الممتاز، 1417 هـ / 1997 م.