المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثانيعقيدة الشيعة في الدور الثاني من القرآن - الشيعة والقرآن

[إحسان إلهي ظهير]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولعقيدة الشيعة في الدّور الأوّل من القرآن

- ‌الباب الثانيعقيدة الشيعة في الدور الثاني من القرآن

- ‌الباب الثالثعقيدة الشيعة في الدور الثالث من القرآن

- ‌الباب الرابعألف حديث شيعي في إثبات التحريف في القرآنمن كتاب فصل الخطاب لمحدث شيعي النّوري الطبرسي

- ‌سورة الفاتحة

- ‌سورة البقرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سورة النساء

- ‌سورة المائدة

- ‌سورة الأنعام

- ‌سورة الأعراف

- ‌سورة الأنفال

- ‌سورة براءة

- ‌سورة يونس

- ‌سورة هود

- ‌سورة يوسف

- ‌سورة الرعد

- ‌سورة إبراهيم

- ‌سورة الحجر

- ‌سورة النحل

- ‌سورة الإسراء وبني إسرائيل

- ‌سورة الكهف

- ‌سورة مريم

- ‌سورة طه

- ‌سورة الأنبياء

- ‌سورة الحج

- ‌سورة المؤمنون

- ‌سورة النور

- ‌سورة الفرقان

- ‌سورة الشعراء

- ‌سورة النمل

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سورة الروم

- ‌سورة لقمان

- ‌سورة السجدة

- ‌سورة الأحزاب

- ‌سورة السباء

- ‌سورة يس

- ‌سورة الصافات

- ‌سورة زمر

- ‌سورة مؤمن

- ‌سورة السجدة

- ‌سورة حمعسق

- ‌سورة زخرف

- ‌سورة الدخان

- ‌سورة الجاثية

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة محمد

- ‌سورة الفتح

- ‌سورة الحجر

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذاريات

- ‌سورة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌الحشر

- ‌الصف

- ‌الجمعة

- ‌المنافقين

- ‌التغابن

- ‌الطلاق

- ‌التحريم

- ‌الملك

- ‌ن

- ‌المعارج

- ‌نوح

- ‌الجن

- ‌المزمل

- ‌المدثر

- ‌القيامة

- ‌الدهر

- ‌المرسلات

- ‌النبأ

- ‌العبس

- ‌الشمس

- ‌الانفطار

- ‌المطففين

- ‌البروج

- ‌الطارق

- ‌الأعلى

- ‌الغاشية

- ‌الفجر

- ‌الشمس

- ‌الليل

- ‌الضحى

- ‌الانشراح

- ‌التين

- ‌القدر

- ‌البينة

- ‌الزلزلة

- ‌العاديات

- ‌التكاثر

- ‌العصر

- ‌الفيل

- ‌الكوثر

- ‌الجحد

- ‌تبت

- ‌الإخلاص

- ‌خاتمة الكتاب

الفصل: ‌الباب الثانيعقيدة الشيعة في الدور الثاني من القرآن

‌الباب الثاني

عقيدة الشيعة في الدور الثاني من القرآن

نحن ذكرنا فيما مر أن الشيعة كانوا يعتقدون التحريف في القرآن في الدور الأول بما فيهم أئمة مذهبهم، وواضعوا شرعتهم حسب مروياتهم، ولم يثبت عن واحد منهم أنه كان يعتقد خلاف ذلك، لأنه بعد ما أسسوا مذهباً خاصاً بهم جعلوا من أصله وأساسه الإمامة والولاية، وقالوا:

إن الإسلام بني على خمس: الصلاة والزكاة الصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير" (1).

وقال البحراني نقلاً عن تفسير الإمام أنه قال:

إن تمام الإسلام باعتقاد ولاية علي عليه السلام، ولا ينفع الإقرار بالنبوة مع جحد إمامة علي كما لا ينفع الإقرار بالتوحيد من جحد بالنبوة" (2).

وكذب على علي رضي الله عنه أنه قال:

من لم يقر بولايتي لم ينفعه الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم " (3).

ونقل عن محمد بن الحسن الصفار في بصائره عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(1) الكافي في الأصول" كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام ج2 ص18، وللتفصيل راجع كتابنا "الشيعة والسنة" باب الشيعة والقرآن

(2)

"البرهان" مقدمة ص24

(3)

"البرهان" مقدمة ص24

ص: 51

ما بعث الله نبياً إلا وقد دعاه إلى ولايتك - أي علي - طائعاً أو كارهاً" (1).

فوجدوا أن الولاية والوصاية والإمامة التي اختلقوها واصطنعوها، ليس لها وجود في القرآن البتة، فكيف يثبتونها وقد وجد ذكر غير الأهم منها - حسب زعمهم - في القرآن بالتكرار والإصرار. فالتجئوا لدفع هذا الإيراد إلى القول بأن القرآن قد غير ونقص منه أشياء. ولقد غيره وحذف منه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة، وخلفاؤه ونوابه الذين خلفوه ونابوا عنه لقيادة هذه الأمة المجيدة المرحومة خاصة، لدفع علي وأهل بيته عن حقهم، ولايتهم وإمامتهم، فأسقطوا من القرآن كل ما كان يدل على إمامته ووصايتهم، وخلافتهم ونيابتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم حسب زعمهم كما رووا عن الطبرسي من كتابه (الاحتجاج) أن زنديقاً جاء إلى علي رضي الله عنه وقال له:

لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم:

- ثم طرح عليه أسئلة فأجابه بقوله -:

إن الكناية عن أسماء أصحاب الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى، وإنها من فعل المغيرين والمبدلين الذين جعلوا القرآن عضين، واعتاضوا الدنيا من الدين وقد بين الله تعالى قصص المغيرين بقوله:{الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً} وبقوله:

{وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب} وبقوله: {إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} بعد فقد الرسول مما يقيمون به أود باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من: تغيير التوراة والإنجيل، وتحريف الكلم عن مواضعه، وبقوله: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواهه ويأبى الله إلا أن يتم

(1)"البرهان" مقدمة ص25

ص: 52

نوره ولو كره المشركون} يعني: أنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليفة فأعمى الله قلوبهم حتى تركوا فيه ما دلّ على ما أحدثوه فيه، وبيّن عن إفكهم، وتلبيسهم، وكتمان ما عملوه منه، ولذلك قال لهم: لم تلبسون الحق بالباطل"، وضرب مثلهم بقوله:{فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن، فهو يضمحل، ويبطل ويتلاشى عند التحصيل، والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، والقلوب تقبله، والأرض في هذا الموضع فهي: محل العلم وقراره.

وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين، ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب، لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر، والملل المنحرفة عن قبلتنا، وإبطال هذا العالم الظاهر الذي قد استكان له الموافق والمخالف بوقوع الاصطلاح على الإيتمار لهم، والرضا بهم، ولأن أهل الباطل في القديم والحديث أكثر عدداً من أهل الحق، فلأن الصبر على ولاة الأمر مفروض لقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:{فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} وإيجابه مثل ذلك على أوليائه، وأهل طاعته بقوله:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} فحسبك من الجواب عن هذا الموضع ما سمعت، فإن شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه (1).

و"إنما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره، وغير أنبيائه وحججه في أرضه. لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدلون، من إسقاط أسماء حججه منه. وتلبيسهم ذلك على الأمة ليعينوهم على باطلهم، فإثبت به الرموز، وأعمى قلوبهم وأبصارهم لما عليهم في تركها وترك غيرها، من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه وجعل أهل الكتاب المقيمين به، والعالمين بظاهره وباطنه من:

(1)"الاحتجاج" للطبرسي ج1 ص370، 371 ط النجف

ص: 53

{شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها} ، أي: يظهر مثل هذا العلم لمحتمله في الوقت بعد الوقت، وجعل أعدائها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم، فأبى الله إلا أن يتم نوره، ولو علم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بينت لك تأويلها، لأسقطوها ما أسقطوا منه، ولكن الله تبارك اسمه وماضٍ حكمه بإيجاب الحجة على خلقه، كما قال الله تعالى: فلله الحجة البالغة" أغشى أبصارهم، وجعل على قلوبهم أكنة عن تأمل ذلك، فتركوا بحاله، وحجبوا عن تأكيد الملتبس بإبطاله، فالسعداء ينتبهون عليه، والأشقياء يعمون عنه، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

ثم إن الله جل ذكره لسعة رحمته، ورأفته بخلقه، وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه، قسم كلامه ثلاثة أقسام، فجعل قسماً منه يعرفه العالم والجاهل وقسماً، لا يعرفه إلا من صفي ذهنه، ولطف حسه، وصح تميزه، ممن شرح الله صدره للإسلام، وقسماً، لا يعرفه إلا الله، وإمناؤه، والراسخون في العلم، وإنما فعل الله ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المتسولين على ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم الكتاب ما لم يجعل الله لهم، وليقودهم الاضطرار إلى الإيتمار لمن ولاه أمره فاستكبروا عن طاعته، تعزراً وافتراء على الله عز وجل، واغتراراً بكثرة من ظاهرهم، وعاونهم، وعاند الله عز وجل ورسوله.

فأما ما علمه الجاهل والعالم، فمن فضل رسول الله في كتاب الله، فهو قول الله عز وجل:{من يطع الرسول فقد أطاع الله} وقوله: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً} ولهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قوله: "صلوا عليه" والباطن قوله: "وسلموا تسليماً" أي سلموا لمن وصاه واستخلفه، وفضله عليكم، وما عهد به إليه تسليماً، وهذا مما أخبرتك: نه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه، وصفي ذهنه، وصح تمييزه،

ص: 54

وكذلك قوله: سلام على آل ياسين" لأن الله سمى به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: {ياسين والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين} لعلمه بأنهم يسقطون قوله الله: سلام على آل محمد كما أسقطوا غيره، وما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم، ويقربهم، ويجلسهم عن يمينه وشماله، حتى أذن الله عز وجل في إبعادهم بقوله:{واهجرهم هجراً جميلاً} وبقوله: {فما للذين كفروا قبلك مهطعين * عن اليمين وعن الشمال عزين * أيطمع كل امرء منهم أن يدخل جنة نعيم * كلا إنا خلقناهم مما يعلمون} وكذلك قول الله عز وجل: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} ولم يسم بأسمائهم. وأسماء آبائهم وأمهاتهم.

وأما قوله: {كل شيء هالك إلا وجهه} أنزلت كل شيء هالك إلا دينه، لأنه من المحال أن يهلك منه كل شيء ويبقى الوجه، هو أجل وأكر وأعظم من ذلك، إنما يهلك من ليس منه، ألا ترى أنه قال:{كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} ففصل بين خلقه ووجهه.

وأما ظهورك على تناكر قوله {فإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء. ولا كل النساء أيتام، فهو: مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن، وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن، وهذا وما أشبهه مما ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل، ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة للإسلام مساغاً إلى القدح في القرآن، ولو شرحت لك كلما أسقط وحرف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناب الأولياء، ومثالب الأعداء" (1).

و"أما ما ذكرته من الخطاب الدال على تهجين النبي صلى الله عليه وسلم، والإرزاء به، والتأنيب له، مع ما أظهره الله تعالى في كتابه من تفضيله إياه على

(1)"الاحتجاج" ج1 ص376، 377، 378

ص: 55

سائر أنبيائه. فإن الله عز وجل جعل لكل نبي عدواً من المشركين. كما قال في كتابه، وبحسب جلالة منزلة نبيناً صلى الله عليه وسلم، كذلك عظم محنته لعدوه الذي عاد منه في شقاقه ونفاقه كل أذى ومشقة لدفع نبوته، وتكذيبه إياه، وسعيه في مكارهه، وقصده لنقض كل ما أبرمه، واجتهاده ومن والاه على كفره، وعناده، ونفاقه، وإلحاده في إبطال دعواه، وتغيير ملته، ومخالفته سنته، ولم ير شيئاً أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم عن موالاة وصيه، وإيحاشهم منه، وصدهم عنه، وإغرائهم بعداوته، والقصد لتغيير الكتاب الذي جاء به، وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل، وكفر ذوي الكفر، منه وممن وافقه على ظلمه، وبغيه، وشركه، ولقد علم الله ذلك منهم فقال:{إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا} وقال: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} ولقد أحضروا الكتاب كملاً مشتملاً على التأويل، والتنزيل، والمحكم، والمتشابه، والناسخ، والمنسوخ، لم يسقط منه: حرف ألف ولا لام: فلما وقفوا على ما بينه الله من: أسماء أهل الحق والباطل، وإن ذلك أن أظهر نقض ما عهدوه قالوا: لا حاجة لنا فيه، نحن مستغنون عنه بما عندنا، وكذلك قال:{فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون} .

دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عما لا يعلمون تأويله، إلى جمعه، وتأليفه، وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائهم كفرهم، فصرخ مناديهم: من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به، ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقه على معاداة أولياء الله، فألفه على اختيارهم، وما يدل للمتأمل له على اختلال تمييزهم، وافترائهم، وتركوا منه ما قدروا أنه لهم، وهو عليهم. وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره: وعلم الله أن ذلك يظهر ويبين، فقال:{ذلك مبلغهم من العلم} وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم، وافترائهم.

والذي بدا في الكتاب من الازدراء على النبي صلى الله عليه وسلم من فرقه

ص: 56

الملحدين ولذلك قال: {ويقولون منكراً من القول وزوراً} ويذكر جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم ما يحدثه عدوه في كتابه من بعده بقوله: {أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته} يعني: أنه ما من نبي تمنى مفارقة ما يعانيه من نفاق قومه، وعقوقهم، والانتقال عنهم إلى دار الإقامة، إلا ألقى الشيطان المعرض لعداوته عند فقده في الكتاب الذي أنزل عليه، ذمه، والقدح فيه، والطعن عليه، فينسخ الله ذلك من قلوب المؤمنين فلا تقبله، ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين، والجاهلين، ويحكم الله آياته بأن: يحمي أوليائه من الضلال والعدوان، ومشايعة أهل الكفر والطغيان، الذين لم يرض الله أن يجعلهم كالأنعام حتى قال:{بل هم أضل سبيلاً} (1).

وكما رووا رواية التي ذكرناها عن العياشي عن جعفر أنه قال:

لو قرء القرآن كما أنزل لألفينا فيه مسمين" (2).

ولقد صرح بذلك البحراني في مقدمة تفسيره بقوله:

اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات وأن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى ما جمعه علي عليه السلام وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم عليه السلام وهو اليوم عنده صلوات الله عليه ولهذا كما قد ورد صريحاً في حديث سنذكره لما أن كان الله عز وجل قد سبق في علمه الكامل صدور تلك الأفعال

(1)"الاحتجاج" للطبرسي ص382، 383، 384

(2)

"العياشي" ج1 ص13

ص: 57

الشنيعة من المفسدين في الدين وأنهم بحث كلما اطلعوا على تصريح بما يضرهم ويزيد في شأن علي عليه السلام وذريته الطاهرين حاولوا إسقاط ذلك رأساً أو تغييره محرفين وكان من مشيته الكاملة ومن الطاقة الشاملة محافظة أوامر الإمامة والولاية ومحارسة مظاهر فضائل النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة بحيث تسلم عن تغيير أهل التضييع والتحريف ويبقى لأهل الحق مفادها مع بقاء التكليف لم يكتف بما كان مصرحاً به منها في كتابه الشريف، بل جعل جل بيانها بحسب البطون وعلى نهج التأويل وفي ضمن بيان ما تدل عليه ظواهر التنزيل، وأشار إلى جمل من برهانها بطريق التجوز والتعرض والتعبير عنها بالرموز والتورية وسائر ما هو من هذا القبيل حتى تتم حججه على الخلائق جميعاً ولو بعد إسقاط المسقطين ما يدل عليها صريحاً بأحسن وجه وأجمل سبيل" (1).

وأكثر من ذلك أنه قال في مقام آخر بعد نقل هذه العقيدة من كبار القوم وذكر أسمائهم:

"وعندي في وضوح صحة هذا القول (أي القول بتحريف القرآن وتغييره) بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع (2)

(1)"البرهان" مقدمة، تحت عنوان "المقدمة الثانية في بيان ما يوضح وقوع بعض تغيير في القرآن، وإنه السر في جعل الإرشاد إلى أمر الولاية والإمامة والإشارة إلى فضائل أهل البيت وفرض طاعة الأئمة بحسب بطن القرآن وتأويله والإشعار بذلك على سبيل التجوز والرموز والتعريض في ظاهر القرآن وتنزيله" ص36

(2)

فماذا يقول السيد الصافي -"العالم الشيعي الجليل"- على هذا؟

فمن الصادق ومن الكاذب؟

نحن الذين لم نقل عن الشيعة إلا ما قاله الشيعة أنفسهم عنهم.

أم الصافي، وصاحب نقاب س - خ -. ومغنية، وعبد الحسين، والسيد محسن الأمين، الذين لم ينكروا هذه العقيدة إلا تقية وخداعاً للمسلمين؟

ثم ومع التصريحات من محدثي الشيعة ومفسريهم وأئمتهم كيف يجترئ السيد لطف الله الصافي أن يقول:

أنا أطلب من الجميع أن يجولوا في البلاد الشيعية في إيران، والعراق وسوريا، ولبنان واليمن، والبحرين، والكويت، وسائر إمارات الخليج، والهند وباكستان، والقطيف والإحساء، وأفغانستان، وسائر البلاد الإسلامية، ويسألوا ويفحصوا عن الشيعة، وعن شأن القرآن المجيد الموجود بين الدفتين عندهم، وعند جميع المسلمين، وعقيدتهم فيه، وعن كيفية معاملتهم له حتى يعرفوا عقيدة الشيعة في القرآن الكريم، وتقديسهم، وتعظيمهم له.

ولو أتى إحسان إلهي ظهير المتخرج من جامعة المدينة المنورة، بأضعاف ما أتى به من الأحاديث الضعاف، والمتشابهات مع تعمده كتم الأحاديث الصحيحة المتواترة في جوامع حديث الشيعة، وكتبهم المعتبرة المصرحة بأن الكتاب الذي نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو هذا الكتاب الموجود المطبوع المنتشر في أقطار الأرض يكذبه هذا الفحص، والتجوال.

ولو بالغ في نسبة التحريف إلى الشيعة فإن كتبهم، وتصريحاتهم المؤكدة تكذبه وتدفعه كما أن احتجاجهم بالقرآن في مختلف العلوم، والمسائل الإسلامية في الأصول والفروع، واستدلالهم بكل آية آية، وكلمة كلمة منه، واعتبارهم القرآن أول الحجج وأقوى الأدلة يظهر بطلان كل ما افتراه.

فيا علماء باكستان، ويا أساتذة جامعة المدينة المنورة ما الذي يريده إحسان إلهي ظهير، وموزع كتابه الشيخ محسن العباد نائب رئيس الجامعة من تسجيل القول بتحريف القرآن، على طائفة من المسلمين يزيد عدد نفوس أبنائهم عن مئة مليون نسمة، وفيهم من أعلام الفكر، والعلماء العباقرة، أقطاب تفتخر بهم العلوم الإسلامية.

وما فائدة الإصرار على ذلك إلا جعل الكتاب الكريم في معرض الشك والارتياب؟

ولماذا ينكران على الشيعة خواصهم، وعوامتهم، وسوقتهم قولهم الأكيد بصيانته من التحريف.

ولماذا يتركان الأحاديث الصحيحة المتواترة المروية بطرف الشيعة عن أئمة أهل البيت المصرحة بأن القرآن مصون بحفظ الله تعالى عن التحريف؟ " (صوت الحق للطف الله الصافي ص28، 29، 30).

فمعذرة أيها القراء عن نقل هذه العبارة الطويلة الخالية من الدليل والبرهان، ومن العقل والحجى، التي لم أنقلها إلا لبيان إصرار القوم في غلوائهم وتماديهم في أكاذيبهم وخداعهم للسذج من المسلمين.

ولأول مرة أدعو السيد الصافي ومن يؤيده ويسانده، ويتبعه ويصححه: إن قلتم ما قلتم ولم يكن عندكم الخبر والعلم بعقيدة الشيعة الأصلية وكتبهم وعباراتهم وأحاديثهم ورواياتهم المستفيضة المتواترة في تحريف القرآن، وقولهم إن هذا لمن لوازم مذهب الشيعة وضروريات معتقدهم، فارجعوا إلى الحق والصواب وتوبوا إلى الله توبة نصوحاً، وتبرؤوا من هذا الدين الشائن، الذي تقشعر جلودكم، وتخجل ضمائركم، وتذهل وتذوب قلوبكم عند ذكره وحقيقته.

توبوا إلى الله وتبرؤوا منه قبل أن يأتي يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، واتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة، ولا تأخذكم العزة بالإثم. فارجعوا إلى الله وإلى كتابه المنزل المحفوظ. فنكون خدمكم ومحبيكم، المخلصين لكم.

وإن كنتم عارفين عالمين، فاتركوا الجبن والنفاق والخديعة والعذر، واصرحوا بالحق، واجهروا بالقول كما جهر به النوري الطبرسي، والبحراني، والجزائري، والمجلسي، وغيرهم من المتأخرين، والقمي، والكليني، والصفار، والعياشي، والعامري، والطبرسي، وغيرهم من المتقدمين.

أيهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيي عن بينة وإن الله لسميع عليم.

فهل يسمح لي القراء أن أتمثل ههنا بقول شاعر عربي قديم:

وننكر إن شئنا على الناس قولهم

ولا ينكرون القول حين نقول

ص: 58

وإنه من أكبر مفاسد غصب الخلافة فتدبر" (1).

فهذا هو السبب والمحرض الذي جعلهم يقولون بذاك القول الباطل، ولكنهم لم يدركوا أنهم بإظهار هذه العقيدة أظهروا ما كانوا يريدون كتمانه من

(1)"البرهان" مقدمة ص49 الفصل الرابع

ص: 60

التظاهر بالإسلام. والتغلف بغلاف التقية، والتنقب بنقاب الخديعة لإضلال المسلمين بلبس ملابسهم. والصلاة بصلاتهم، والتوجه إلى قبلتهم، وأكل ذبيحتهم حيث انفصلوا عنهم انفصالاً كاملاً لإنكارهم ذلك الكتاب الإلهي السماوي الذي به اهتدى من اهتدى، وبنوره تنور من آمن به وتعليماته، إرشاداته وتوجيهاته، استقام من اعتصم به وتمسك، والرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه لم يكن مبلغاً إلا إياه. ولم يكن تالياً إلا آياته، ولم يكن معلماً إلا حكمه ومواعظه ولا مبيناً إلا أسراره وغوامضه. فمن أنكر هذا فبأي شيء آمن؟

وسهل على المسلمين معرفة القوم وحقيقتهم، فاضطرب عليهم أمرهم واجتمع عمداؤهم وكبراؤهم ففكروا وتدبروا كثيراً حتى يخفوا ما ظهر ويكتموا ما بدا وصدر فلبسوا لباس الخداع والتقية مرة أخرى، وأظهروا ما لم يكونوا يعتقدون لخداع المسلمين وعشهم. فأول من برز في الشيعة بالقول المخالف لهذه العقيدة العتيقة، الراسخة الثابتة كان ابن بابويه القمي أستاذ الفقيه "المفيد" الذي لقبوه بالصدوق المتوفى سنة 381هـلا سابق له في القوم كما أنه نفسه لم يستند لقوله إلى مستند شيعي ثابت من رواية مروية من واحد من الأئمة الاثنى عشر عكس مخالفيه. حيث أنهم لم يؤسسوا مذهبهم وعقيدتهم في القرآن إلا على الروايات التي تواترت وبلغت أكثر من ألفين رواية كما ذكرنا سابقاً من السيد نعمت الله الجزائري، وكما حاسبناها وعددناها أنفسنا من كتب القوم.

فانظر إليه ماذا يقول:

اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربعة عشر سورة، وعندنا أن "الضحى" و"ألم نشرح" سورة واحدة و"لإيلاف" و"ألم تر كيف" سورة واحدة، ومن نسب إلينا أنا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كاذب. وما روي من ثواب قراءة كل سورة من القرآن،

ص: 61

وثواب من ختم القرآن كله، وجواز قراءة سورتين في ركعة، والنهي عن القران بين سورتين في ركعة فريضة تصديق لما قلناه في أمر القرآن، وأن مبلغه ما في أيدي الناس. وكذلك ما روي في النهي عن قراءة القرآن كله في ليلة واحدة، وأنه لا يجوز أن يختم القرآن في أقل من ثلاثة أيام تصديق لما قلنا أيضاً" (1).

وتبعه في ذلك السيد المرتضى مؤلف نهج البلاغة ومرتبه المتوفى سنة 436هـكما ذكر أبو علي الطبرسي في مقدمة تفسيره (مجمع البيان) تحت الفن الخامس:

"ومن ذلك الكلام في نقصان القرآن وزيادته فإنه لا يليق بالتفسير، فأما الزيادة فيه فمجمع على بطلانه، وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً. والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى قدس الله روحه، واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات، وذكر في مواضع أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان، والحوادث الكبار، والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة فإن العناية اشتدت، والدواعي توفرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما ذكرناه، لأن القرآن معجزة النبوة، ومأخذ العلوم الشرعية، والأحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد. وقال أيضاً قدس الله روحه:

إن العلم بتفسير القرآن وأبعاضه في صحة نقله كالعلم بحملته. وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني. فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمونه من جملتهما حتى لو أن مدخلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً في النحو ليس من الكتاب لعرف، وميز، وعلم أنه

(1)"الاعتقادات" لابن بابويه القمي ط إيران 1224هـ

ص: 62

ملحق، وليس من أصل الكتاب، وكذلك القول في كتاب المزني:

ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وظبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء. وذكر أيضا (رضي الله عنه) أن القرآن كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان، حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له، وإنه كان يعرض على النبي (صلى الله عليه وسلم) ويتلى عليه. وإن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي (صلى الله عليه وسلم) عدة ختمات، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث. وكر أن من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم" (1).

وثالثهم أبو جعفر الطوسي تلميذ السيد المرتضى والشيخ المفيد المتوفى سنة 460هـفقد قال في تبيانه:

وأما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به أيضاً، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى ره، وهو الظاهر في الروايات - إلى أن قال - ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته، والتمسك بما فيه، ورد ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه، وعرضها عليه، فما وافقه عمل عليه، وما خالفه تجنب، ولم يلتفت إليه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية لا يدفعها أحد أنه قال: إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، وهذا يدل على أنه موجود في كل عصر لأنه لا يجوز أن يأمرنا بالتمسك بما لا

(1)"مجمع البيان" لأبي علي الطبرسي ج1، مقدمة ص15 ط دار إحياء التراث العربي بيروت، لبنان

ص: 63

يقدر على التمسك به، كما أن أهل البيت ومن يجب اتباع قوله حاصل في كل وقت، وإذا كان الموجود بيننا مجمعاً على صحته فينبغي أن نتشاغل بتفسيره، وبيان معانيه، وترك ما سواه" (1).

فهؤلاء الثلاثة الذين أظهروا الإنكار من التحريف في القرآن الكريم الموجود بأيدي الناس، لا رابع لهم طوال القرون الخمسة الأولى كما صرح بذلك علماء الشيعة ومحققوها، وكما ذكر محدث القوم وشيخ مشائخهم (2) النوري الطبرسي حيث يذكر مذهبين للقوم، فيقول بعد ذكر القائلين بالتحريف في القرآن وتغييره وذكر مقالاتهم:

"الثاني: عدم وقوع النقص والتغيير فيه، وإن جميع ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الموجود بأيدي الناس فيما بين الدفتين، وإليه ذهب الصدوق في عقائده، والسيد المرتضى، وشيخ الطائفة في (التبيان)، ولم يعرف من القدماء موافق لهم"(3).

ورابعهم الذي أخذ بقولهم، وانتهج منهجهم، وسلك مسلكهم لإظهار هذا القول هو الذي جاء بعدهم بقرن أبو علي الطبرسي صاحب تفسير (مجمع البيان) المتوفى سنة 548هـ.

فهؤلاء هم الأربعة في الدور الثاني.

يعني لا وجود لهذا القول إلى منتصف القرن الرابع في الدور الأول، حيث أن أئمة القوم كلهم، ورواتهم المتقدمين، ومحدثيهم، ومفسريهم المعتمدين

(1)"التبيان" ج1 ص3 ط النجف

(2)

كما يذكره بهذا اللقب محدثوا القوم، وفقهاؤهم، كتابهم، ورجاليوهم - انظر لذلك "الكنى والألقاب" للقمي، و"الذريعة" للطهراني

(3)

"فصل الخطاب" ص32

ص: 64

الموثوقين لم يقولوا، ولم يصرحوا إلا بعكس ذلك - حسب مرويات القوم ومزعوماتهم -.

وأما في الدور الثاني أي بعد منتصف القرن الرابع إلى القرن السادس في القرنين كلها صدر هذا القول أول مرة في الشيعة من هؤلاء الأربعة لا خامس لهم كما تتبعنا كتب القوم من الحديث والتفسير والاعتقادات، وبذلك قال النوري الطبرسي بعد ذكر الثلاثة الأول:

ومن صرح بهذا القول الشيخ أبو علي الطبرسي في (مجمع البيان) -إلى أن قال-:

وإلى طبقته لم يعرف الخلاف صريحاً إلا من هؤلاء المشايخ الأربعة" (1).

وهذا مع أن عقيدتهم التي أظهروها للناس لم تكن مستندة إلى قول من معصوميهم، ورواية عن أئمتهم الذين يعتقدون أنهم هم الذين وضعوا بذرة الشيعة وأسسوا قواعدها وإن مذهبهم ليس إلا مستقى من أقوالهم ومستمداً من إرشاداتهم، تعليماتهم وتوجيهاتهم، بل وبعكس ذلك هم أنفسهم رووا في كتبهم أخباراً وأحاديث من أئمتهم المعصومين تخالفهم وتناوئها كما سنبينه إن شاء الله.

فهذا كل ما عند القوم لخداع المسلمين عامة وأهل السنة خاصة. ولذلك ترى أنه كلما يظهر لهم عوارهم، ويبين لهم فسادهم، ويثبت انفصالهم عن المسلمين والشريعة السماوية الغراء التي لم تقم إلا على أساس القرآن إن لا يوجد لم توجد، التجئوا إلى هؤلاء الأربعة، وركنوا إليهم، ودخلوا في كنفهم، واستظلوا بظلهم، وتحصنوا وراء مقولاتهم كما فعل صاحبنا هذا" (2) وقبله مغنية وغيره.

(1)"فصل الخطاب" ص34

(2)

في كتابه "مع الخطيب في خطوطه العريضة" ص50 وما بعد

ص: 65

وقد فصلنا القول في هذا، وأوردنا عباراته الكاملة لكي لا يخفى خافية.

وقبل أن نحلل كلامهم، ونخبر عن السر الذي ألجأهم إلى الاكتناف بها القول والإظهار بهذه العقيدة نتريث لحظة، ونتوقف برهة، ونطالبهم جميعاً هل يستطيع أحد منهم أن يثبت أن في القوم أحداً من سبقهم إلى هذا القول؟ أولهم خامس أظهر هذه المقالة؟

كلا! لا، ولن يستطيع أحد أن يفعل ذلك ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً:

لقد أسمعت لو ناديت حياً

ولكن لا حياة لمن تنادي

وهؤلاء الأربعة لم يقولوا بتلك المقالة إلا خوفاً من بطش الحق ونفرة الناس، وتجنباً عن العار والفضيحة، واكتشاف الأمر الذي طالما حاولوا إخفاءه للالتباس على المسلمين، وكتمان نواياهم الأصلية ومقاصدهم الحقيقية. وإلا فهم أنفسهم في داخلهم كانوا يعتقدون تلك العقيدة التي رسخت فيهم، وتوارثوها جيلاً بعد جيل، والتي تفرد بها طائفتهم من أول يوم أسس مذهبهم وكونت شرعتهم ووضع منهاجهم، وكانت هذه العقيدة من لوازم مذهب التشيع كما ذكره البحراني وقد مر ذكره. ودليل الصدق على ذلك نفاق القوم، الذي أعطوه صبغة دينية وسموه "التقية".

فبالصراحة والوضوح إن هؤلاء الأربعة لم يقولوا بهذا القول إلا تقية ونفاقاً، كي ينخدع المسلمون، ويلتبس عليهم الأمر.

وقد نص على ذلك كبيرهم "السيد المعتمد الجليل الأواه نعمت الله بن الفاضل المنتجب الأصيل السيد عبد الله الحسيني الموسوي الجزائري".

"الذي كان من أعاظم علمائنا المتأخرين، وأفاخم فضلائنا المتبحرين، وواحد عصره في العربية والأدب والفقه والحديث، وأخذ حظه من المعارف الربانية بحثه

ص: 66

الأكيد وكده الحثيث، لم يعهد مثله في كثرة القراءة على أسانيد الفنون، ولا في كسبه الفضائل من أطراف الخزون بأصناف الشجون.

كان من مشرب الأخبارية كثير الاعتناء والاعتداد بأرباب الاجتهاد، وناصر مذهبهم في مقام المقالة منهم بأصحاب العناد وأعوان الفساد، صاحب قلب سليم ووجه وسيم وطبع مستقيم، ومؤلفات مليحة، ومستطرفات في السير والآداب والنصيحة، ونوادر غريبة في الغاية وجواهر من أساطير أهل الرواية، وأبسط تصانيفه شرحه الكبير على "تهذيب الحديث" في نحو إثني عشر مجلداً، وكتاب "أنواره النعمانية" المشتملة على ما كان من ثمر عمره جيداً" (1).

قال هذا المحدث الشيعي الكبير رداً على ما يقول بعدم التحريف في القرآن:

إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحّتها والتصديق بها. نعم! قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي، وحكموا بأن ما بين دفتي هذا المصحف هو هذا القرآن المنزّل لا غير، ولم يقع فيه تحريف ولا تبديل. ومن هنا ضبط شيخنا الطبرسي آيات القرآن وأجزاءه، فروى عن النبي أن جميع سور القرآن مائة وأربعة عشر سورة، وجميع آيات القرآن ستة آلاف آية ومائتا آية وستة وثلاثون آية، وجميع حروف القرآن ثلاث مائة ألف حرف وواحد وعشرون ألف حرف ومائتان وخمسون حرفاً.

والظاهر أن هذا القول إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة، منها سد باب الطعن عليهم بأنه ذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع

(1) نص ما ذكره الخوانساري في "روضات الجنات" ج8 ص150

ص: 67

جواز لحوق التحريف له. وسيأتي الجواب عن هذا" (1).

وسنذكر بقية كلامه حول هذه المسألة عند ذكر عبارات الآخرين وهذه هي النقاط على الحروف:

أولاً: إن ابن بابويه القمي الملقب بالصدق الذي أصدر هذا القول أول مرة في الشيعة أورد نفسه روايات كثيرة في كتبه التي ألفها والتي تدل على تغيير القرآن وتحريفه ونقصانه بدون أن يقدح فيها ويطعن، ما يدل على أن عقيدته الأصلية كانت طبق ما اعتقدها القوم فنورد ههنا روايات تسعة من الأحاديث الكثيرة التي أوردها في كتبه، وقد يأتي ذكر بعضها في الباب الرابع.

فأولها ما أوردها في كتابه (من لا يحضره الفقيه) الذي هو أحد الصحاح الأربعة الشيعية في كتاب النكاح تحت باب المتعة، فيقول:

أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة، ولم يحرمها حتى قبض - واستدل على ذلك بقوله - وقرأ ابن عباس {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة من الله} (2).

والمعروف أن "إلى أجل مسمى" ليس من القرآن، وكذلك "من الله" بعد "فريضة".

وثانيها ما أوردها في كتابه (الخصال):

"حدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي المعروف بالجعابي قال: حدثنا عبد الله بن بشير قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأجلح، عن أبي الزبير، عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: المصحف، والمسجد، والعترة.

يقول المصحف: يا رب حرفوني ومزقوني، ويقول المسجد: يا رب عطلوني

(1)"الأنوار النعمانية" لنعمت الله الجزائري ج2 ص357 ط جديد

(2)

"من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي الملقب بالصدوق" ج3 ص459

ص: 68

وضيعوني، وتقول العترة: يا رب قتلونا وطردونا وشردونا، فأجثوا للركبتين للخصومة، فيقول الله جل جلاله لي: أنا أولى بذلك" (1).

وثالثها ورابعها وخامسها ما أوردها في كتابه (معاني الأخبار):

"حدثنا علي بن عبد الله الوراق وعلي بن محمد بن الحسن المعروف بابن مقبرة القزويني قالا: حدثنا سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري قال: حدثنا أحمد بن أبي الصباح: قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، عن هشام بن سعد بن زيد بن أسلم، عن أبي يونس قال:

كتبت لعائشة مصحفاً، فقالت: إذا مررت بآية الصلاة فلا تكتبها حتى أمليها عليك، فلما مررت بها أملتها علي: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر".

و"حدثنا علي بن عبد الله الوراق وعلي بن محمد بن الحسن القزويني قالا حدثنا سعد بن عبد الله (قال: حدثنا أحمد) بن أبي خلف الأشعري قال حدثنا سعد بن داؤه عن أبي هر عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عمرو بن نافع، قال: كنت أكتب مصحفاً لحفصة زوجة النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالت: إذا بلغت هذه الآية فاكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر).

و"حدثنا علي بن عبد الله الوراق، وعلي بن محمد بن الحسن القزويني قالا حدثنا سعد بن عبد الله بن أبي خلف قال حدثنا أحمد بن أبي خلف الأشعري قال حدثنا سعد بن داؤد عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة زوجة النبي (صلى الله عليه وسلم) قال أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً وقالت: إذا بلغت هذه الآية فاكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر قوموا لله قانتين) ثم قالت عائشة: سمعتها والله من رسول الله صلى الله عليه وسلم "(2).

(1)"كتاب الخصال" ص174، 175. باب الثلاثة

(2)

"معاني الأخبار" لابن بابويه القمي ص313، 314 ط مكتبة الفريد

ص: 69

ثم قال بعد ذكر هذه الأخبار الثلاثة:

قال مصنف هذا الكتاب: فهذه الأخبار حجة لنا على المخالفين والصلاة الوسطى صلاة الظهر.

والرواية السادسة ما أوردها النوري في (فصل الخطاب) نقلاً عن (الأمالي) و (العيون) لابن بابويه:

"عن الرضا عليه السلام أن في قراءة أبي بن كعب: وأنذر عشيرتك الأقربن ورهطك منهم المخلصين"(1).

والرواية السابعة هي التي ذكرها النوري في (فصل الخطاب) أيضا نقلاً عن (الأمالي) لابن بابويه القمي:

"عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما أمر الله نبيه أن ينصب أمير المؤمنين (ع) للناس في قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي} (2).

والرواية الثامنة ما أوردها الطبرسي عنه في صدد الرد عليه بعد الاستدلال بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه جمع القرآن:

"فلما جاء به فقال: هذا كتاب ربكم كما أنزل على نبيكم لم يزد فيه حرف، ولم ينقص منه حرف، فقالوا: لا حاجة لنا فيه، عندنا مثل الذي عندك، فانصرف وهو يقول: فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون"(3).

والرواية التاسعة "أن أبا الحسن موسى عليه السلام الإمام السابع عند القوم - قال:

(1)"فصل الخطاب" ص145

(2)

"فصل الخطاب" ص282

(3)

"فصل الخطاب" ص32

ص: 70

ولا تلتمس دين من لي من شيعتك، ولا تحبن دينهم، فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله، وخانوا أماناتهم وتدري ما خانوا أماناتهم؟

ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه" (1).

هذه ومثلها فإنها لكثيرة، وإنها تدل دلالة صريحة على أن القوم لم يلتجئوا إلى القول بعدم التحريف إلا تقية.

وأما الطوسي فليس بمختلف عن ابن بابويه القمي، وهو قد ملأ كتابه بمثل هذه الروايات التي نقلنا عن متبوعه، وكذلك المرتضى والطبرسي.

ونود أن نذكر ههنا بعض العبارات من كبراء الشيعة الذين ردوا على هؤلاء الأربعة أقوالهم في عدم التحريف في القرآن وكل هؤلاء لهم شأن ومقام عند القوم: فنبدأ "بالعالم، الفاضل، الكامل، العارف، المحدث، المحقق، المدقق، الحكيم، المتأله محمد بن مرتضى المدعو بالمولى محسن الكاشاني صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة كالكافي والوافي والشافي إلى غير ذلك مما يقرب من مائة تصنيف المتوفى سنة 1091هـ"(2).

قال هذا في تفسيره بعد ما ذكر كلام الطبرسي والمرتضى أي أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث:

أقول: لقائل أن يقول:

كما أن الدواعي كانت متوفرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين، كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين المبدلين للوصية، المغيرين للخلافة لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم. والتغيير فيه. إن وقع فإنما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الآن والضبط الشديد إنما كان بعد ذلك فلا تنافي بينهما، بل لقائل أن يقول:

(1)"فصل الخطاب" ص244

(2)

"الكنى والألقاب" ج3 ص32، 33

ص: 71

إنه ما تغير في نفسه، وإنما التغيير في كتابتهم إياه، وتلفظهم به. فإنهم ما حرفوا إلا عند نسخهم من الأصل، وبقي الأصل على ما هو عليه عند أهله وهم العلماء به. فما هو عند العلماء به ليس بمحرف، وإنما المحرف ما أظهروه لأتباعهم.

وأما كونه مجموعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه الآن فلم يثبت وكيف كان مجموعاً وإنما كان ينزل نجوماً، وكان لا يتم إلا بتمام عمره. وأما درسه وختمه فإنما كانوا يدرسون ويختمون ما كان عندهم منه لا تمامه" (1).

ويقول رداً على كلام ابن بابويه القمي المذكور في أول المقال:

يكفي في وجوده في كل عصر وجوده جميعاً كما أنزله الله محفوظاً عند أهله ووجود ما احتجنا إليه منه عندنا وإن لم نقدر على الباقي كما أن الإمام عليه السلام كذلك، فإن الثقلين سيان في ذلك. ولعل هذا هو المراد من كلام الشيخ. وأما قوله: ومن يجب اتباع قوله فالمراد به البصير بكلامه، فإنه في زمان غيبتهم قائم مقامهم لقولهم عليهم السلام:

انظروا من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فاجعلوه بينكم حاكماً. فإني قد جعلته عليكم حاكماً. الحديث" (2).

كما رد على هؤلاء الأربعة "الفاضل، العالم، الماهر، المدقق، الفقيه، العارف بالتفسير والعربية والرجال، والمحدث الفاضل، والجامع المتتبع للأخبار بما لم يسبق إليه السابق سوى شيخنا المجلسي، صاحب كتاب تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني"(3).

(1)"الصافي" لفيض الكاشاني ج1 ص35، 36، المقدمة السادسة

(2)

"الصافي" ص36،37

(3)

"روضات الجنات" للخوانساري ج8 ص181

ص: 72

قال في مقدمة تفسيره في الفصل الرابع تحت عنوان "بيان خلاصة أقوال علمائنا في تفسير القرآن وعدمه، وتزييف استدلال من أنكر التحريف":

اعلم أن الذي يظهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه روى روايات كثيرة في هذا المعنى في كتاب الكافي الذي صرح في أوله بأنه كان يثق فيما رواه فيه ولم يتعرض لقدح فيها ولا ذكر معارض لها، وكذلك شيخه علي بن إبراهيم القمي ره فإن تفسيره مملوء منه وله غلو فيه قال رضي الله عنه في تفسيره: أما ما كان من القرآن خلاف ما أنزل الله فهو قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} فإن الصادق رضي الله عنه قال لقارئ هذه الآية خير أمة تقتلون علياً والحسين بن علي رضي الله عنه فقيل له فكيف نزلت؟ فقال إنما نزلت خير أئمة أخرجت للناس ألا ترى مدح الله لهم في آخر الآية: تأمرون بالمعروف الآية، ثم ذكر رحمه الله آيات عديدة من هذا القبيل ثم قال:

وأما ما هو محذوف عنه فهو قوله تعالى: لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي قال: كذا نزلت أنزله بعلمه والملائكة يشهدون، ثم ذكر أيضاً آيات من هذا القبيل ثم قال: وأما التقديم فإن آية عدة النساء الناسخة التي هي أربعة أشهر قدمت على المنسوخة التي هي سنة وكذا قوله تعالى: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة فإنما هو "ويتلوه شاهد منه إماماً ورحمة ومن قبله كتاب موسى" ثم ذكر أيضاً بعض آيات كذلك ثم قال وأما الآيات التي تمامها في سورة أخرى: فقال موسى أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم: وتمامها في سورة المائدة فقالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وأنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون: ونصف الآية في سورة البقرة ونصفها في سورة المائدة. ثم ذكر آيات أيضاً من هذا القبيل ولقد قال بهذا القول أيضاً

ص: 73

ووافق القمي والكليني ره جماعة من أصحابنا المفسرين كالعياشي والنعماني وفرات بن إبراهيم وغيرهم، وهو مذهب أكثر محققي محدثي المتأخرين، وقول الشيخ الأجل أحمد بن أبي طالب الطبرسي كما ينادي به كتابه الاحتجاج وقد نصره شيخنا العلامة باقر علوم أهل البيت عليه السلام وخادم أخبارهم عليه السلام في كتابه بحار الأنوار، وبسط الكلام فيه ما لا مزيد عليه.

وعندي في وضوح صحة ذا القول بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع، وإنه من أكبر مفاسد غصب الخلافة فتدبر حتى تعلم توهم الصدوق ره في هذا المقام حيث قال في اعتقاداته بعد أن قال: اعتقادنا أن القرآن الذي أنزل الله على نبيه هو ما بين الدفتين وما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك وأن من نسب إلينا أنا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كاذب: وتوجيه كون مراده علماء قم فاسد، إذ علي بن إبراهيم الغالي في هذا القول منهم، نعم قد بالغ في إنكار هذا الأمر السيد المرتضى ره في جواب المسائل الطرابلسبيات. وتبعه أبو علي الطبرسي في مجمع البيان حيث قال: أما الزيادة في القرآن فمجمع على بطلانه.

وأما النقصان فيه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى قدس روحه وكذا تبعه شيخ الطوسي في التبيان حيث قال: وأما الكلام في زيادته ونقصانه يعني القرآن فما لا يليق به لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانه وأما النقصان منه فالظاهر أيضاً من المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا: كما نصره المرتضى وهو الظاهر من الروايات غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة العامة والخامسة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع، لكن طريقها الآحاد التي لا توجب علماً

ص: 74

فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأنه يمكن تأويلها ولو صحت لما كان ذلك طعناً على ما هو موجود بين الدفتين فإن ذلك معلوم صحية لا يعترضه أحد من الأئمة ولا يدفعه، ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسك بما فيه ورد ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه وعرضها عليه فما وافقه عمل عليه وما يخالفه يجتنب ولا يلتفت إليه وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية لا يدفعها أحد أنه قال: إني مخلف فيكم الثقلين إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض وهذا يدل على أنه موجود في كل عصر لأنه لا يجوز أن يأمر الأمر بالتمسك بما لا تقدر على التمسك به، كما أن أهل البيت ومن يجب اتباع قوله حاصل في كل وقت وإذا كان الموجود بيننا مجمعاً على صحته فينبغي أن نتشاغل بتفسيره وبيان معانيه وترك ما سواه.

أقول: أما ادعائهم عدم الزيادة أي زيادة آية أو آيات مما لم يكن من القرآن فالحق كما قالوا إذا لم نجد في أخبارنا المعتبرة ما يدل على خلافه سوى ظاهر بعض فقرات خبر الزنديق في الفصل السابق وقد وجهناه بما يندفع عنه هذا الاحتمال، وقد مر في الفصل الأول وفي روايات العياشي أن الباقر عليه السلام قال أن القرآن قد طرح منه آي كثيرة ولم يزد فيه إلا حروف قد أخطأت بها الكتبة وتوهمها الرجال، وأما كلامهم في مطلق التغيير والنقصان فبطلانه بعد أن نبهنا عليه أوضح من أن يحتاج إلى بيان وليت شعري كيف يجوز لمثل الشيخ أن يدعي أن عدم النقصان ظاهر الروايات مع أنا لم نظفر على خبر واحد يدل عليه، نعم دلالتها على كون التغيير الذي وقع غير مخل بالمقصود كثيراً خلال كحذف اسم علي وآل محمد صلى الله عليه وسلم وحذف أسماء المنافقين وحذف بعض الآيات وكتمانه ونحو ذلك وأن ما بأيدينا كلام الله وحجة علينا كما ظهر من خبر طلحة السابق في الفصل الأول مسلمة، ولكن بينه وبين ما ادعاه بون بعيد وكذا

ص: 75

قوله رحمه الله وأن الأخبار الدالة على التغيير والنقصان من الأحاد التي لا توجب علماً، مما يبعد صدوره عن مثل الشيخ لظهور أن الآحاد التي احتج بها الشيخ في كتبه وأوجب العمل عليها في كثير من مسائله الخلافية ليست بأقوى من هذه الأخبار لا سنداً ولا دلالة على أنه من الواضحات البينة أن هذه الأخبار متواترة معنى، مقترنة بقرائن قوية موجبة للعلم العادي بوقوع التغيير ولو تمحل أحد للشيخ بأن مراده أن هذه الأخبار ليست بحد معارضة ما يدل على خلافها من أدلة المنكرين، فجوابه بعد الإغماض عن كونه تمحلاً سمحاً ما سنذكره من ضعف مستند المنكرين.

ومن الغرائب أيضاً أن الشيخ ادعى إمكان تأويل هذه الأخبار وقد أحطت خبراً بأن أكثرها مما ليس بقابل للتوجيه، وأما قوله ره ولو صحت الخ فمشتملة على أمور غير مضرة لنا بل بعضها لنا لا علينا إذ:

منها عدم استلزام صحة أخبار التغيير والنقص الطعن على ما في هذه المصاحف، بمعنى عدم منافاة بين وقوع هذا النوع من التغيير وبين التكليف بالتمسك بهذا المغير، والعمل على ما فيه لوجوه عديدة كرفع الحرج ودفع ترتب الفساد وعدم التغيير بذلك عن إفادة الأحكام ونحوها وهو أمر مسلم عندنا ولا مضرة فيه علينا بل به نجمع بين أخبار التغيير وما ورد في اختلاف الأخبار من عرضها على كتاب الله والأخذ بالموافق له.

ومنها استلزام الأمر بالتمسك بالثقلين ووجود القرآن في كل عصر ما دام التكليف، كما أن الإمام عليه السلام الذي قرينه كذلك ولا يخفى أنه أيضاً غير ضار لنا بل نافع إذ يكفي في وجوده في كل عصر وجوده جميعاً كما أنزل الله مخصوصاً عند أهله أي الإمام الذي قرينه ولا يفترق عنه، ووجود ما احتجنا إليه عندنا وإن لم نقدر على الباقي كما أن الإمام الذي هو الثقل الآخر أيضاً كذلك لا سيما في زمان الغيبة فإن الموجود عندنا حينئذ أخباره وعلماؤه القائمون مقامه، إذ من

ص: 76

الظواهر أن الثقلين سيان في ذلك، ثم ما ذكره السد المرتضى لنصرة ما ذهب إليه: أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت حداً لم تبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بالغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلفوا فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد.

وذكر أيضاً: أن العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمازني مثلاً فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفاصيلها ما يعلمونه من جملتها حتى لو أن مدخلاً أدخل في كتاب سيبويه مثلاً باباً في النحو ليس من الكتاب يعرف ويميز ويعلم أنه ليس من الكتاب إنما هو ملحق، ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء. وجوابه: إنا لا نسلم توفر الدواعي على ضبط القرآن في الصدر الأول وقبل جمعه كما ترى غفلتهم عن كثير من الأمور المتعلقة بالدين، ألا ترى اختلافهم في أفعال الصلاة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكررها معهم في كل يوم خمس مرات على طرفي النقيض؟ ألا تنظر إلى أمر الولاية وأمثالها؟ وبعد التسليم نقول أن الدواعي كما كانت متوفرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين المبدلين للوصية المغيرين للخلافة لتضمنه ما يضاد رأيهم وهو أهم، والتغيير فيه إنما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الآن والضبط الشديد إنما كان بعد ذلك فلأننا في بينهما.

وأيضاً أن القرآن الذي هو الأصل الموافق لما أنزل الله سبحانه لم يتغير ولم يحرف بل هو على ما هو عليه محفوظ عند أهله وهم العلماء به، فلا تحريف كما صرح به الإمام في حديث سليم الذي مر من كتاب الاحتجاج في الفصل الأول

ص: 77

من مقدمتنا هذه، وإنما التغيير في كتابه المغيرين إياه وتلفظهم به فإنهم ما غيروا إلا عند نسخهم القرآن فالمحرف إنما هو ما أظهروه لأتباعهم، والعجب من مثل السيد أن يتمسك بأمثال هذه الأشياء التي هي محض الاستبعاد بالتخيلات في مقابل متواتر الروايات فتدبر.

ومما ذكر أيضاً لنصرة مذهبه طاب ثراه: أن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين علي جماعة من الصحابة في حفظهم له وإن كان يعرض على النبي ويتلى، وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم عدة ختمات وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوت وذكر أن من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته.

وجوابه: أن القرآن كان مجموعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه الآن غير ثابت بل غير صحيح وكيف كان مجموعاً وإنما كان ينزل نجوماً وكان لا يتم إلا بتمام عمره، ولقد شاع وذاع وطرق الأسماع في جميع الأصقاع أن علياً عليه السلام قعد بعد وفات النبي صلى الله عليه وسلم في بيته أياماً مشتغلاً بجمع القرآن، وأما درسه وختمه فإنما كانوا يدرسون ويختمون ما كان عندهم منه لإتمامه، ومن أعجب الغرائب أن السيد ره حكم في مثل هذا الخيار الضعيف الظاهر خلافه بكونه مقطوع الصحة حيث أنه كان موافقاً لمطلوبه واستضعف الأخبار التي وصلت فوق الاستفاضة عندنا وعند مخالفينا بل كثرت حتى تجاوزت عن المائة مع موافقتها للآيات والأخبار التي ذكرناها في المقالة السابقة كما بينا في آخر الفصل الأول من مقدمتنا هذه،

ص: 78

ومع كونها مذكورة عندنا في الكتب المعتبرة المعتمدة كالكافي مثلاً بأسانيد معتبرة وكذا عندهم في صحاحهم كصحيحي البخاري ومسلم مثلاً اللذين هما عندهم كما صرحوا به تالي كتاب الله في الصحة والاعتماد بمحض أنها دالة على خلاف المقصود وهو أعرف بما قال والله أعلم.

ثم ما استدل به المنكرون بقوله: إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: وقوله سبحانه إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون: فجوابه بعد تسليم دلالتها على مقصودهم ظاهر مما بيناه من أن أصل القرآن بتمامه كما أنزل الله محفوظ عند الإمام ووراثه عن علي عليه السلام فتأمل والله الهادي" نص ما أورده السيد هاشم البحراني في مقدمة تفسيره (1).

كما رد عليهم فيمن رد محدث القوم السيد نعمت الله الجزائري في كتابه (الأنوار النعمانية في بيان معرفة النشأة الإنسانية)، الذي كتب في مقدمته:

"وقد التزمنا أن لا نذكر فيه إلا ما أخذنا عن أرباب العصمة الطاهرين عليهم السلام، وما صحّ عندنا من كتب الناقلين، فإن كتب التواريخ أكثرها. . . . قد نقله الجمهور من تواريخ اليهود، ولهذا كان أكثر فيها من الأكاذيب الفاسدة، والحكايات الباردة".

يقول في هذا الكتاب بعد ذكر القراءات وحيثيتها:

إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي وكون الكل قد نزر به الروح الأمين يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها، نعم قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي وحكموا بأن ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن المنزل لا غير ولم يقع فيه تحريف ولا تبديل ومن هنا ضبط شيخنا الطبرسي آيات القرآن وأجزاءه فروى عن النبي

(1)"البرهان" لهاشم البحراني المقدمة ص49، 50، 51 ط إيران

ص: 79

أن جميع سور القرآن مائة وأربعة عشر سورة وجميع آيات القرآن ستة آلاف آية ومائة آية وستة وثلاثون آية وجميع حروف القرآن ثلث مائة ألف حرف وإحدى وعشرون ألف حرف ومائتان وخمسون حرفاً.

والظاهر أن هذا القول إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة منها سد باب الطعن عليه بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف له، وسيأتي الجواب عن هذا كيف وهؤلاء الأعلام رووا في مؤلفاتهم أخباراً كثيرة تشتمل على وقوع تلك الأمور في القرآن وأن الآية هكذا ثم غيرت إلى هذا، الرابع أنه قد حكى شيخنا الشهيد طاب ثراه عن جماعة عن القراء أنهم قالوا ليس المراد بتواتر السبع أو العشر أن كل ما ورد من هذه القراءات متواتر بل المراد انحصار المتواتر الآن فيما نقل من هذه القراءة فإن بعض ما نقل عن السبعة شاذ فضلاً عن غيرهم، فإذا اعترف القراء بمثل هذا فكيف ساغ لنا الحكم على هذه القراءة كلها بالتواتر كما قاله العلامة طاب ثراه في كتاب المنتهى، وكيف ظهرت لنا القراءة المتواترة حتى نقرأ بها في الصلاة وكيف حكمنا بأن الكل قد نزر به الروح الأمين فإن هذا القول منهم رجوع عن التواتر، الخامس أنه قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين بوصية من النبي فبقي بعد موته ستة أشهر مشتغلاً بجمعه، فلما جمعه كما أنزل أتى به إلى المتخلفين بعد رسول الله فقال لهم هذا كتاب الله كما أنزل فقال له عمر بن الخطاب لا حاجة لنا إليك ولا إلى قرائتك عندنا قرآن جمعه وكتبه عثمان، فقال: لن تروه بعد هذا اليوم ولا يراه أحد حتى يظهر ولدي المهدي وفي ذلك القرآن زيادات كثيرة وهو خال عن التحريف، وذلك أن عثمان قد كان من كتاب الوحي لمصلحة رآها وهي أن لا يكذبوه في أمر القرآن بأن يقولوا أنه مفترى أو أنه لم ينزل به الروح الأمين كما قال أسلافهم بل قالوه هم أيضاً، وكذلك جعل معاوية من الكتاب قبل موته ستة أشهر لمثل هذه المصلحة أيضاً، وعثمان وأضرابه ما كانوا يحضرون

ص: 80

إلا في المسجد مع جماعة الناس فما كانوا يكتبون إلا ما نزل به جبرئيل بين الملأ وأما الذي كان يأتي به داخل بيته فلم يكن يكتبه إلا أمير المؤمنين لأن له المحرمية دخولاً وخروجاً فكان يتفرد بكتابة مثل هذا وهذا القرآن الموجود الآن في أيدي الناس هو خط عثمان وسموه الإمام وأحرقوا ما سواه وأخفوه وبعثوا به زمن تخلفهم إلى الأقطار والأمصار، ومن ثم ترى قواعد العربية مثل كتابة الألف بعد الواو المفردة وعدمها بعد واو الجمع وغير ذلك وسموه رسم الخط القرآني ولم يعلموا أنه من عدم اطلاع عثمان على قواعد العربية والخط، وقد أرسل عمر بن الخطاب زمن خلافته إلى علي بأن يبعث له القرآن الأصلي الذي هو ألفه وكان يعلم أنه إنما طلبه لأجل أن يحرفه كقرآن ابن مسعود أو يخفيه عنده حتى يقول الناس أن القرآن هو هذا الذي كتبه عثمان لا غير فلم يبعث به إليه، وهو الآن موجود عند مولانا المهدي مع الكتب السماوية ومواريث الأنبياء.

ولما جلس أمير المؤمنين على سرير الخلافة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن وأخفاه، هذا لما فيه من إظهار الشنعة على من سبقه، كما لم يقدر على النهي عن صلاة الضحى وكما لم يقدر على إجراء متعة النساء حتى قال لولا سبقني ابن الخطاب ما زنى إلا شقاء يعني إلا جماعة قليلة لإباحة المتعة، وكما لم يقدر على عزل شريح عن القضاء ومعاوية عن الإمارة، وقد بقي القرآن الذي كتبه عثمان حتى وقع إلى أيدي القراء فتصرفوا فيه بالمد والإدغام والتقاء الساكنين مثل ما تصرف فيه عثمان وأصحابه وقد تصرفوا في بعض الآيات تصرفاً فنفرت الطباع منه وحكم العقل بأنه ما نزل هكذا، وفي قريب هذه الأعصار ظهر رجل اسمه سجاوند أو نسبة إلى بلده فكتب هذه الرموز على كلمات القرآن وعلمه بعلامات أكثرها لا يوافق تفاسير الخاصة ولا تفاسير العامة، والظاهر أن هذا أيضاً إذا مضت عليه مدة مديدة يدعي فيه التواتر وأنه جزء القرآن فيجب كتابته واستعماله، والحاصل أن الغارة إذا وقعت اشترك فيه العدو والولي (1).

(1)"كتاب الأنوار" لنعمت الله الجزائري ج2 ص356 وما بعد ط جديد تبريز إيران

ص: 81

وأما النوري الطبرسي فلقد رد أيضاً على هؤلاء الأربعة بقوله:

الثاني عدم وقوع التغيير والنقصان فيه وأن جميع ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الموجود بأيدي الناس فيما بين الدفتين وإليه ذهب الصدوق في عقائده والسيد المرتضى وشيخ الطائفة في التبيان ولم يعرف من القدماء موافق لهم إلا ما حكاه المفيد عن جماعة من أهل الإمامة والظاهر أنه أراد منها الصدق واتباعه، ولا بأس بنقل عباراتهم. ففي العقائد، اعتقادنا أن القرآن الذي أنزل الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم هو ما بين الدفتين ليس بأكثر من ذلك قال: ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب، ثم استدل على ذلك بإطلاق لفظ القرآن على هذا الموجود في الأخبار ثم حمل ما ورد من الحذف والنقصان على أنه من الوحي الذي ليس بقرآن ثم ذكر بعض الأحاديث القدسية وقال: ومثل هذا كثير، كله وحي ليس بقرآن ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه، كما كان أمير المؤمنين عليه السلام جمعه فلما جاء به فقال: هذا كتاب ربكم كما أنزل على نبيكم لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف فقالوا: لا حاجة لنا فيه عندنا مثل الذي عندك فانصرف وهو يقول: فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون: انتهى، وظاهر قوله: اعتقادنا وقوله: نسب إلينا، وإن كان اعتقاد الإمامية والنسبة إليهم إلا أنه قد ذكر في هذا الكتاب ما لم يقل به أحد غيره، أو قال به قليل كعده مثله في الأمالي من دين الإمامية، وقد أشار المفيد في شرحه وطعن عليه بما لا مزيد عليه وربما يوجه أن مراده منهم علماء، ثم كما ذكر في موضع آخر أن علامة الغلاوة والمفوضة نسبتهم مشائخ قم وعلمائهم إلى التقصير، وفيه أن من مشائخ القميين علي بن إبراهيم الغالي في القول بالتغيير وكذا الصفار، والأولى توجيهه بما توجه به كلام السيد والشيخ، والخبر الذي استشهد به يدل على نقيض مطلوبه بل كلامه في معاني الأخبار مخالف لما ذكره، هذا ويأتي ذكره في الأخبار الخاصة، وقد ذكر، الثاني بعد

ص: 82

الاستدلال على مذهبه بتوفر الدواعي كما يأتي وجملة كلام تقدم ذكره، أن من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته انتهى.

قلت قد عد هو في الشافي والشيخ في تلخيصه من مطاعن عثمان ومن عظيم ما أقدم عليه جمع الناس على قراءة زيد وإحراقه المصاحف وإبطاله ما شك أنه من القرآن ولولا جواز كون بعض ما أبطله أو جميعه من القرآن لما كان ذلك طعناً، وقال الشيخ رحمه الله أما الكلام في زيادته ونقصانه يعني القرآن فمما لا يليق به لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانه والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا كما نصره المرتضى وهو الظاهر من الروايات غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة العامة والخاصة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع لكن طريقها الآحاد التي لا توجب علماً فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل لها لأنه يمكن تأويلها ولو صحت لما كان ذلك طعناً على ما هو موجود بين الدفتين فإن ذلك معلوم صحته لا يعترضه أحد من الأمة ولا يدفعه ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءة والتمسك بما فيه ورد ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه وعرضها عليه، فما وافقه عمل عليه وما يخالفه يجتنب ولم يلتفت إليه، وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية لا يدفعها أحد أنه قال: إني مخلف فيكم الثقلين إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، على أنه موجود في كل عصر لأنه لا يجوز أن يأمر الأمة بالتمسك بما لا تقدر على التمسك به كما أن أهل البيت ومن يجب اتباع قوله حاصل في كل وقت، وإذا كان الموجود بيننا مجمعاً على صحته فينبغي أن نتشاغل بتفسيره وبيان معانيه وترك ما سواه انتهى.

ويظهر للمتأمل فيه أن ميله إلى القول بعدم النقصان لعدم وجود دليل صالح

ص: 83

على النقصان لا لوجود دليل قاطع على العدم من توفر الدواعي على الحراسة وغيره بحيث يجب تأويل ما خالفه أو طرحه كما عليه السيد فالتقية في قوله وهو الأليق الخ إنما هي من حيث موافقة المذهب الصحيح من عدم جواز القول بشيء مخالف الأصل إلا بعد وجود دليل عليه يوجب العلم ولوجود هذه الموافقة في مورد ربما يدعي الشيخ والسيد إجماع الإمامية عليه وإن لم يظهر له قائل، وهذا هو المعتبر عند أصحابنا بالإجماع على القاعدة وبه صحح شيخنا الأنصاري تغمده الله برحمته الإجاعات المتعارضة من شخص واحد ومن معاصرين أو متقاربي العصر ورجوع المدعي عن الفتوى التي ادعى الإجماع فيها ودعوى الاجتماع في مسائل غي معنونة في كلام من يقدم على المدعى وفي مسائل قد اشتهر خلافها بعد المدعى بل في زمانه بل ما قبله، قال كل ذلك مبني على الاستناد في نسبة القول إلى العلماء على هذا الوجه انتهى.

لكنه لا يدفع الإيراد عن الإجماعات المتعارضة التي لا تبتني على القاعدة كدعوى السيد الإجماع على أن صلاة الوسطى هي صلاة العصر، ودعوى الشيخ الإجماع على أنها هي الظهر، وليس مراده بالصحيح من مذهبنا أي مذهبنا في هذه المسألة إذاً ليقية شيء بشيء تحتاج إلى المغائرة بينهما ولو من حيث الكلية والفردية، فظهر أنه ليس فيه حكاية إجماع عليه، بل قوله كما نصره المرتضى صريح في عدمه بل في قلة الذاهبين إليه وظهر أيضاً أنه لو كان هناك أخبار جامعة لشرائط الحجية عند الشيخ لا يجوز عده من أصحاب هذا القول، ثم لا يخفى على المتأمل في كتاب التبيان أن طريقته فيه على نهاية المدارة والمماشاة مع المخالفين فإنك تراه اقتصر في تفسير الآيات على نقل كلام الحسن وقتادة والضحاك والسدي وابن جريح والجبائي والزجاج وابن زيد وأمثالهم ولم ينقل عن أحد من مفسري الإمامية ولم يذكر خبراً عن أحد من الأئمة عليهم السلام إلا قليلاً في بعض المواضع لعله وافقه في نقله المخالفون بل عد الأولين في الطبقة الأولى من المفسرين الذين حمدت طرائقهم ومدحت مذاهبهم وهو بمكان من

ص: 84

الغرابة لو لم يكن على وجه المماشاة فمن المحتمل أن يكون هذا القول منه فيه على نحو ذلك ومما يؤيد كون وضع هذا الكتاب على التقية ما ذكره السيد الجليل علي بن طاؤس في سعد السعود وهذا لفظه: ونحن نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب التبيان وحمله التقية على الاقتصاد عليه من تفصيل المكي من المدني والخلاف في أوقاته إلخ.

وهو أعرف بما قال من وجوه لا يخفى على من اطلع على مقامه فتأمل. ويظهر من قوله وإذا كان الموجود بيننا الخ أن النزاع في قراءته ما روي بالآحاد لا في أصل وجود النقص ويومي إليه كلام السابق فإن أخباره بأن ما دل على النقصان روايات كثيرة يناقض قوله لكن طريقه الآحاد إلا أن يحمل على ما ذكرنا ويأتي إن شاء الله بيان سائر ما في كلماته في محله، وممن صرح بهذا القول الشيخ أبو علي الطبرسي في مجمع البيان قال رحمه الله: فأما الزيادة فيه فمجمع على بطلانه وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييراً أو نقصاناً والصحيح من مذهبنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى: ثم ساق كلامه هذا ولكنه اعتمد في سورة النساء على أخبار تضمنت نقصان كلمة إلى أجل مسمى من آية المتعة وإلى طبقته لم يعرف الخلاف صريحاً إلا من هذه المشائخ الأربعة" (1).

وقال أحد علماء الشيعة في الهند في كتابه (عماد الإسلام في علم الكلام)(2) رداً على المرتضى بعد ذكر اختلاف القراءات عن الشافي في الحديث:

أقول: وينقدح من ههنا أن مآل قول السيد المرتضى بعدم تطرق التغير والتحريف في القرآن أصلاً هو ما يكون بحسب الآية أو الآيتين، لا ما يشتمل

(1)"فصل الخطاب" ص33، 34، 35

(2)

"عماد الإسلام في علم الكلام" يقال له مرآة العقول لتاج العلماء دلدار علي بن محمد معين نصير آبادي المتوفى سنة 1235هـفي خمس مجلدات ضخام: الأول في التوحيد، الثاني في العدل، الثالث في النبوة، الرابع في الإمامة، وفي آخره المطاعن، والخامس في المعاد" (الذريعة ج15 ص330)

ص: 85

التغير بحسب مفردات الألفاظ أيضاً. وإلا فكلامه صريح ههنا في أن القرآن كان في زمان رسول الله مختلفة النسخ بحسب اختلاف القراءات" (1).

وابنه سلطان العلماء السيد محد دلدار علي يكتب في كتابه (ضربت حيدري (2) بعد ذكر كلام المرتضى:

فإن الحق أحق بالاتباع، ولم يكن السيد علم الهدى معصوماً حتى يجب أن يطاع. فلو ثبت أنه يقول بعدم النقيصة مطلقاً لم يلزمنا اتباعه، ولا ضير فيه" (3).

فهذا البعض من الكثير الذي ذكرناه من أهم كتب القوم (4) في الحديث والتفسير والعقائد.

(1) نقلاً عن "ضربت حيدرية" ج2 ص78

(2)

"الضربة الحيدرية لكسر الشوكة العمرية أو "ضربت حيدري" فارسية لسلطان العلماء السيد محمد ابن دلدار علي النصير آبادي المتولد 1199 كتبها في رد "الشوكة العمرية" التي صنفها رشيد الدين خان تلميذ عبد العزيز الدهلوي صاحب "التحفة الاثنى عشرية" زاعماً أنها جواب "البارقة الضيغمية" في مبحث المتعة، من تصانيف السيد محمد المذكور أيضاً. ولما فتح الرشيد في شوكته باب التأويل في الحجج المذكورة في البارقة حسب جهده وطاقته، صنف سلطان العلماء "الضربة الحيدرية" في رده. أولها (الحمد لله الذي هدانا. . .). وقد طبعت مجلدين في مطبعة مجمع العلوم بلكهنو 1296 في 431ص"(الذريعة ج15 ص116)

(3)

"ضربت حيدري" ج2 ص81

(4)

ولا ندري ماذا نقول للسيد لطف الله الصافي المسكين الذي كتب رداً علينا في كتابه الذي سماه (صوت الحق ودعوة الصدق)، وكان الأجدر أن يسميه (صوت الباطل ودعوة الكذب). يقول في كتابه هذا:

ولو أتى إحسان إلهي ظهير المتخرج من جامعة المدينة المنورة. بأضعاف ما أتى به من الأحاديث الضعاف والمتشابهات مع تعمده كتم الأحاديث الصحيحة المتواترة في جوامع حديث الشيعة وكتبهم المعتبرة المصرحة بأن الكتاب الذي نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو هذا الكتاب الموجود المطبوع المنتشر في أقطار الأرض يكذبه هذا الفحص، والتجوال.

ولو بالغ في نسبة التحريف إلى الشيعة فإن كتبهم، وتصريحاتهم المؤكدة تكذبه وتدفعه كما أن احتجاجهم بالقرآن في مختلف العلوم، والمسائل الإسلامية في الأصول والفروع، واستدلالهم بكل آية آية، وكلمة كلمة منه، واعتبارهم القرآن أول الحجج وأقوى الأدلة يظهر بطلان كل ما افتراه.

فيا علماء باكستان. ويا أساتذة جامعة المدينة المنورة ما الذي يريده إحسان إلهي ظهير. وموزع كتابه الشيخ محسن العباد. نائب رئيس الجامعة من تسجيل القول بتحريف القرآن، على طائفة من المسلمين يزيد عدد نفوس أبنائها عن مئة مليون نسمة. وفيهم من أعلام الفكر، والعلماء العباقرة أقطاب تفتخر بهم العلوم الإسلامية.

وما فائدة الإصرار على ذلك إلا جعل الكتاب الكريم في معرض الشك والارتياب؟

ولماذا ينكران على الشيعة خواصهم، وعوامتهم، وسوقتهم قولهم الأكيد بصيانته من التحريف.

ولماذا يتركان الأحاديث الصحيحة المتواترة المروية بطرق الشيعة عن أئمة أهل البيت، المصرحة بأن القرآن مصون بحفظ الله تعالى عن التحريف؟

ولماذا يقدحان في إجماع الشيعة وضرورة مذهبهم، واتفاق كلمات أكابرهم ورجالاتهم على صيانة القرآن الكريم من التحريف ("صوت الحق ودعوة الصدق" للطف الله الصافي ص29، 30).

ولا نريد أن نقول له أكثر من ذلك:

ولمن هذه الكتب أيها العجوز الطيب؟

ومن تريد خداعه؟

وقد نبهتك في كتابي "الشيعة والسنة" أن لا يغرنك أنه لا يوجد في السنة من يعرف خباياكم. فإن فيهم م يعرف خباياكم وخفاياكم، ومن لا يتكلم بكلام وإلا يثبته بالأدلة الصادقة والبراهين الصافية الجلية، وينقل النصوص من كتبكم أنتم.

أو بعد ذلك لا تنتهي من هذه الجرأة الكاذبة لخداع الآخرين، فهل أنتم منتهون؟.

ص: 86

وقد ثبت من هذه الردود كلها أن القوم قاطبة كانوا يعتقدون التحريف في القرآن في الصدر الأول بما فيه الزيادة والنقصان كما ذكرناه في الباب الأول مستنداً بالروايات ومؤيداً بالأحاديث المروية من معصوميهم حسب زعمهم.

ص: 87

ثانياً: أن الشيعة أجمعهم كانوا على نفس العقيدة في الدور الثاني اللهم إلا من تظاهر بخلاف ذلك من الأربعة. وحتى لم يوافقهم تلامذتهم وأساتذتهم الأجلاء في ذلك مثل علي بن إبراهيم، والصفار من مشائخ ابن بابويه، والمفيد من مشيخة الطوسي وتلامذة ابن بابويه وغيرهم الكثيرين الكثيرين الذين ذكر أسماؤهم فيما قبل.

ثالثاً: أن الأربعة هؤلاء أيضاً لم يسندوا عقيدتهم في القرآن إلى معصوم أي إلى واحد من أئمة الاثنى عشر حيث أن مذهب الشيعة (حسب زعمهم) مبني على أقوال المعصومين وتعليماتهم، ولم تحصل لهؤلاء الأربعة العصمة، ولا حق لهم بتكوين وتخليق المذهب، كما لا عبرة بهم، وهم ليسوا من بناته ومؤسسيه. بل كل ما لهم هو حق النشر والترويج.

رابعاً: أن واحداً منهم لم يدرك زمن الأئمة المعصومين خلاف غيرهم القائلين بالتحريف، فإنهم أدركوهم، ورووا منهم مباشرة.

خامساً: أن كتب هؤلاء، التي أدرجوا فيها هذه العقيدة لم تعرض على المعصومين، ولا على الغائب المزعوم منهم، خلاف الكتب الأخرى التي نصت على التحريف عرضت عليهم، واستحسنوها.

ص: 88

سادساً: أنهم في باطنهم كانوا يعتقدون نفس العقيدة التي يعتقدها الآخرون، والتي هي من لوازم مذهب الشيعة.

سابعاً: لم يقولوا بهذه المقالة إلا مماشاة ومداراة لهم مع المسلمين.

ثامناً: أو قالوها تقية وخداعاً للسنة.

تاسعاً: أو لمصالح أخرى، وسداً لباب المطاعن من قبل المسلمين.

عاشراً: أنهم أنفسهم خالفوا هذه العقيدة عملياً حيث أدرجوا تلك الروايات والأحاديث التي تنص على التغيير والتحريف في القرآن في كتبهم.

فتلك عشرة كاملة وإنها كافية لمن أراد التبصر ومعرفة الحق.

ص: 89