الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعَلى الْجُمْلَة فالرجل وَأهل نحلته يصرحون بِأَنَّهُم أَنْبيَاء تَصْرِيحًا لَا يشك فِيهِ بل لم يكتفوا بذلك حَتَّى جعلُوا أنفسهم أعظم من الْأَنْبِيَاء وَزَاد شرهم وترقى إِلَى أَن بلغ إِلَى الْحَط على الْأَنْبِيَاء بل الْوَضع من جَانب الْمَلَائِكَة إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون لَا جرم من تجارأ على الرب جل جلاله حَتَّى جعله نفس مَاهِيَّة القردة والخنازير وَسَائِر الأقذار فَكيف لَا يصنع بالأنبياء وَالرسل مَا صنع وَقد آن أَن نمسك عنان الْعلم عَن رقم كفريات هَذَا المخذول فَإنَّا كَمَا علم الله لم نكتبها إِلَّا على وَجل وَكَيف لَا نَخَاف من رقم مثل هَذِه الكفريات الَّتِي يتَوَقَّع عِنْد رقم مثلهَا الْخَسْف وَلَوْلَا محبَّة النصح ومداواة الْقُلُوب المرضى الَّتِي قد غَابَ فِيهَا نصل هَذَا الْبلَاء لما استجزت رقم حرف وَاحِد وَلَكِن الله تَعَالَى قد حكى فِي كِتَابه عَن مقالات الْكَفَرَة شَيْئا وَاسِعًا وَهَذَا هُوَ المشجع على ذَلِك
فَإِن بَقِي لَك أَيهَا المخدوع نصيب من دين أَو فهم أَو عقل فقد سقنا إِلَيْك مَا يقلعك عَن العكوف على هَذِه الضَّلَالَة ويردعك عَن اسْتِحْسَان هَذِه الْجَهَالَة وسنسمعك فِي آخر هَذِه الرسَالَة أَقْوَال أَئِمَّة الْإِسْلَام فِي هَؤُلَاءِ المغرورين إِن كنت لَا تنظر إِلَى الْمقَال بل إِلَى من قَالَ وَإِلَّا فَالْأَمْر أوضح من أَن يستشهد على بُطْلَانه بأقوال الرِّجَال
الْكَلَام على ابْن الغارض وإيراد بعض أَبْيَات من تائيته
وَإِذا قد تبين لَك حَال هَذَا الرجل فاسمع مَا قَالَه معاصره ابْن الفارض شَاعِر هَذِه الطَّائِفَة وأديبها ومقدمها فَإنَّك إِن تدبرته وجدته قد سلك فِي نظمه الطَّرِيقَة الَّتِي سلكها ابْن عَرَبِيّ حَذْو النَّعْل بالنعل
وَلِهَذَا حكى المقريزي فِي تَرْجَمَة ابْن الفارض أَن ابْن عَرَبِيّ بعث إِلَيْهِ يَسْتَأْذِنهُ فِي شرح التائية فَقَالَ لَهُ كتابك الْفتُوح شرح لَهَا فَمن ذَلِك قَوْله
(وشكري لَهُ وَالْبر مني وَاصل
…
إِلَيّ وَنَفْسِي باتحادي استبدت)
(وَلم أَله باللاهوت عَن حكم مظهري
…
وَلم أنس بالناسوت مظهر حكمتي)
(إِلَيّ رَسُولا كنت مني مُرْسلا
…
وذاتي بآياتي عَليّ استدلت)
(وَفَارق ضلال الْفرق فالجمع منتج
…
هدى فرقة بالاتحاد تحدت)
(وَجل فِي فنون الِاتِّحَاد وَلَا تحد
…
إِلَى فِئَة فِي غَيره الْعُمر أفنت)
(فمت بِمَعْنَاهُ وعش فِيهِ أَو فمت
…
مَعْنَاهُ وَاتبع أمة فِيهِ أمت)
(وَأَنت بِهَذَا الْمجد أَجْدَر من أخي
…
اجْتِهَاد بجد عَن رَجَاء وخيفة)
تدبر قَوْله وَفَارق ضلال الْفرق فَإِنَّهُ جعل الْفرق بَين الْمَخْلُوق والخالق ضلالا فضلل الشقي فِيهَا جَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة بل جَمِيع الْإِنْس وَالْجِنّ وَهَكَذَا فَلْيَكُن الْوَلِيّ المقرب
وَمن أبياته التائية
(مظَاهر لي فِيهَا بدوت وَلم أكن
…
عَليّ بخاف قبل موطن برزتي)
(فَلفظ وكل بِي لِسَان مُحدث
…
ولحظ وكل فِي عين لعبرة)
(وَسمع وكلي بالندا أسمع الندا
…
وكلي فِي رد الردى يَد قُوَّة)
(لأسْمع أفعالي بسمع بصيرتي
…
وَأشْهد أقوالي بِعَين سميعة)
وَمن ذَلِك قَوْله
(فَبِي مجْلِس الْأَذْكَار سمع مطالع
…
وَبِي حانة الْخمار عين طَلِيعَة)
(وَمَا عقد الزنار حكما سوى يَدي
…
وَإِن خل بِالْإِقْرَارِ بِي فَهِيَ حلت)
(وَإِن نَار بالتنزيل محراب مَسْجِد
…
فَمَا بار بالإنجيل هيكل بيعَة)
(وأسفار توراة الكليم لِقَوْمِهِ
…
يُنَاجِي بهَا الْأَحْبَار فِي كل لَيْلَة)
(وَإِن خر للأحجار فِي البد عاكف
…
فَلَا تغد بالإنكار للعصبية)
قَالَ الكبردومي فِي سيرته وَمعنى البد عِنْدهم شخص فِي هَذَا الْعَالم لم يُولد وَلَا ينْكح وَلَا يطعم وَلَا يشرب وَلَا يهرم وَلَا يَمُوت وَأول بُد ظهر فِي الْعَالم شارمن وَتَفْسِيره السَّيِّد الشريف وَمن وَقت ظُهُوره إِلَى وَقت الْهِجْرَة خَمْسَة آلَاف سنة وَزَعَمُوا أَن البددة أبوهم على عدد وظهروا فِي أَجنَاس وأشخاص شَتَّى وَلم يَكُونُوا يظهرون إِلَّا فِي بيُوت الْملك لشرف جواهرهم انْتهى
وَأَقُول قد سَمِعت أَن الْإِنْكَار على من خر للأحجار عصبية عِنْد هَذَا الْمنصف ومقدم طَائِفَة المنكرين الرُّسُل جَمِيعًا بِالْإِجْمَاع وَانْظُر مَا فِي كَلَام رَبك من النَّهْي عَن عبَادَة الْأَوْثَان تَجِد الْكثير الطّيب وعَلى الْجُمْلَة فقد حكم على الله وَرَسُوله وَمَلَائِكَته بالعصبية وَصوب عَبدة الْأَوْثَان أجمع فَإِن لم يكن هَذَا كفرا فَمَا فِي الدُّنْيَا كفر وَالسَّلَام وَلَا تغرك مغالطته بقوله بعد هَذَا الْبَيْت
(فقد عبد الدِّينَار معنى منزه
…
عَن الْعَار بالإشراك بالوثنية)
فَإِن المغالطة دأب الْقَوْم {يخادعون الله وَالَّذين آمنُوا وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبهم مرض فَزَادَهُم الله مَرضا وَلَهُم عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يكذبُون}