الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَانْظُر إِلَى أَيْن بلغ بِهِ افتخاره وَرَفعه لمقداره فِي هَذِه القصيدة حَيْثُ قَالَ
(نعم نشأتي فِي الْحبّ قبل آدم
…
وسري فِي الأكوان من قبل نشأتي)
(أَنا كنت فِي العلياء مَعَ نور أَحْمد
…
على الدرة الْبَيْضَاء فِي خلويتي)
(أَنا كنت فِي رُؤْيا الذَّبِيح فداءه
…
بلطف عنايات وَعين حَقِيقَة)
(أَنا كنت مَعَ عِيسَى على المهد ناطقا
…
وَأعْطِي دَاوُد حلاوة نغمتي)
(أَنا كنت مَعَ نوح فَمَا شهد الورى
…
بحارا وطوفانا على كف قدرتي)
(أَنا القطب شيخ الْوَقْت فِي كل حَالَة
…
أَنا العَبْد إِبْرَاهِيم شيخ الطَّرِيقَة)
لَيْسَ الْعجب من هَذَا وأقواله بل الْعجب الَّذِي تسكب عِنْده العبرات سكُوت أهل عصره بعد مسير الركْبَان عَنهُ بِمثل هَذِه الْأَقْوَال فِي حَيَاته إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَآخر بَيت ختم بِهِ تائيته
(وَمن فضل مَا أسأرت شرب معاصري
…
وَمن كَانَ قبلي فِي الْفَضَائِل فضلتي)
جعل الْأَنْبِيَاء فِي فضائلهم فضلَة فضائله فاسمع إِن كنت من الَّذين لم يخْتم على قُلُوبهم وَيجْعَل على أَبْصَارهم غشاوة وَفِي هَذَا الْمِقْدَار مَا يعرفك بِحَال هَذَا الْوَلِيّ المعتقد فاختر لنَفسك مَا يحلو
الْكَلَام على ابْن سبعين وَالنَّقْل من كِتَابه الْمَعْرُوف بلوح الْإِصَابَة
أما ابْن سبعين فيكفيك من تصريحه بالوحدة قَوْله فِي كِتَابه الْمَعْرُوف بلوح الْإِصَابَة مَا لَفظه الذَّات مَعَ الْعلم دَائِما وَهِي الْبَاطِنَة وَهِي الظَّاهِرَة بخلافك أَنْت الظَّاهِر وعلمك بَاطِن وَمَا فِي
الْوُجُود سواهُ مَعَك وَسوَاك بِهِ فَأَنت معِين صُورَة علمه وَعين معنى علمه وَهُوَ علمك فِيهِ ترى وتبصر وَتعلم وَبِك يرى ويبصر وَيعلم ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك إِن وَاجِب الْوُجُود كلي وممكنه جزئي وَلَا وجود للكلي إِلَّا فِي الجزئي وَلَا لجزئي إِلَّا فِي كلي
وعَلى الْجُمْلَة إِن ديدنه فِي هَذَا الْكتاب فِي غَالب أبحاثه فِي الْوحدَة وَالْمَشْي على طَريقَة ابْن عَرَبِيّ فَلَا نطيل فِي رسم كَلَامه وَلَا نَسْتَكْثِر من كتب هذيانه
قَالَ بَعضهم جَلَست عِنْد ابْن سبعين من الْغَدَاة إِلَى الْعشي فَجعل يتَكَلَّم بِكَلَام تعقل مفرداته وَلَا تعقل مركباته
الْكَلَام على ابْن التلمساني وَقَوله إِن الْقُرْآن كُله شرك
وَأما ابْن التلمساني فيكفيك من خذلانه وإصراره على هَذَا الْمَذْهَب الكفري مَا عرفناك سَابِقًا من رِوَايَة الإِمَام ابْن تَيْمِية عَنهُ أَنه قَالَ الْقُرْآن كُله شرك وَإِنَّمَا التَّوْحِيد مَذْهَبهم أَعنِي القَوْل بالاتحاد فقد أخْبرك عَن حَقِيقَة مَذْهَبهم وَهُوَ الْخَبِير أَنه مُخَالف لِلْقُرْآنِ فَإِن كَانَ معترفا بِأَنَّهُ كَلَام الله فَلَا أصرح من هَذِه الشَّهَادَة الَّتِي شهد بهَا على نَفسه وعَلى أهل مِلَّته فَكُن فِي أَي القبيلتين شِئْت وَالسَّلَام
(وَلَا تكن مثل من ألْقى رحالته
…
على الْحمار وخلى صهوة الْفرس)
الْكَلَام على الجيلي ومؤلفه الْإِنْسَان الْكَامِل
وَأما الجيلي فكتابه الْمُسَمّى الْإِنْسَان الْكَامِل كافل لَك بِبَيَان
حَاله أَي كافل لَا تَجِد فِي كتب الْقَوْم مثله فِي التَّصْرِيح بالاتحاد والإلحاد لِأَن الرجل أَمن من المخاوف الَّتِي كَانَ أَصْحَابه يخافونها لما رَآهُ من عدم قيام الْعلمَاء بِمَا أوجب الله عَلَيْهِم من نصر الشَّرِيعَة وَقطع دابر من رام تكديرها متفوها وتحققه من إطباق الْعَامَّة وَكثير من الْخَاصَّة على أَن الْقَوْم من الصفوة المصطفاة وإذعانهم لكل مشعبذ وَإِن كَانَ لَا يدْرِي من صناعَة الشعبذة إِذا قَامَ بعهدة النهيق قَائِلا هُوَ هِيَ تَارِكًا للواجبات منغمسا فِي الْمُحرمَات متمخلعا متوقحا متلوثا بالنجاسات غير متنزه عَن القاذورات كثير الْوُقُوف فِي الْمَزَابِل والرباطات مُشْتَمِلًا على جُبَّة قذرة كدرة فَهَذَا ولي الله المجاب الدعْوَة الَّذِي يرحم الله بِهِ الْعباد وَيُسْتَنْزَلُ بِهِ الْغَيْث إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
وَأَنت إِن بَقِي فِيك نصيب من الْعقل وحظ من التَّوْفِيق فزن أَحْوَال هَؤُلَاءِ بِحَال أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُم المعيار الَّذِي لَا تزِيغ عَنهُ إِلَّا ضال وَانْظُر مَا بَين الطَّائِفَتَيْنِ من التَّفَاوُت بل التقابل فِي جَمِيع الْأُمُور واختر لنَفسك فِي الْهوى من تصطفي والموعد الْقِيَامَة وستعلم لمن عُقبى الدَّار
فَمن تنفسات الجيلي فِي كِتَابه الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِع قَوْله فَأول رَحْمَة رحم الله بهَا الْوُجُود أَن أوجد الْعَالم من نَفسه قَالَ الله تَعَالَى {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ} وَلِهَذَا
سرى وجوده فِي الموجودات فَظهر كَمَاله فِي كل جُزْء وفرد من أَجزَاء الْعَالم وَلم يَتَعَدَّد بِتَعَدُّد مظاهره بل هُوَ وَاحِد فِي جَمِيع تِلْكَ الْمظَاهر وسر هَذَا السريان أَن خلق الْعَالم من نَفسه وَهُوَ لَا يتَجَزَّأ فَكل شَيْء من الْعَالم هُوَ بِكَمَالِهِ وَاسم الخليقة على ذَلِك الشَّيْء بِحكم الْعَارِية لَا كَمَا يزْعم من زعم أَن الْأَوْصَاف الإلهية هِيَ الَّتِي تكون بِحكم الْعَارِية إِلَى العَبْد وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله
(أعارته طرفا رَآهَا بِهِ
…
فَكَانَ الْبَصِير بهَا طرفها)
فَإِن الْعَارِية مَا هِيَ فِي الْأَشْيَاء إِلَّا نِسْبَة الْوُجُود الخلقي إِلَيْهَا فَإِن الْوُجُود الحقي لَهَا أصل فأعار الْحق خلقه اسْم الخليقة ليظْهر بذلك أسرار الإلهية ومقتضياتها من التضاد فَكَانَ الْحق هيولى الْعَالم
قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} فَمثل الْعَالم مثل الثَّلج وَالْحق سُبْحَانَهُ المَاء الَّذِي هُوَ أصل الثَّلج فاسم الثَّلج على ذَلِك المعتقد معار وَاسم المائية عَلَيْهِ حَقِيقَة وَقد نبهت على ذَلِك فِي القصيدة الْمُسَمَّاة بالبوادر العينية بِقَوْلِي
(وَمَا الْخلق فِي التمثال إِلَّا كثلجة
…
وَأَنت لَهَا المَاء الَّذِي هُوَ نابع)
(وَلَكِن بذوب الثَّلج يرفع حكمه
…
وَيُوضَع حكم المَاء وَالْأَمر وَاقع)
(تجمعت الأضداد فِي وَاحِد النهى
…
وَفِيه تلاشت فَهُوَ عَنْهُن صادع)
انْتهى