المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌حَرْفُ الْمِيمِ مَاءٌ: مَادَّةُ الْحَيَاةِ، وَسَيِّدُ الشَّرَابِ، وَأَحَدُ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، بَلْ - الطب النبوي لابن القيم

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المحقق]

- ‌فصول نافعة فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الطِّبِّ الَّذِي تَطَبَّبَ بِهِ وَوَصَفَهُ لِغَيْرِهِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذِكْرُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْعِلَاجُ بِالْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي عِلَاجِ الْحُمَّى

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي عِلَاجِ اسْتِطْلَاقِ الْبَطْنِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي الطَّاعُونِ، وَعِلَاجِهِ، وَالِاحْتِرَازِ مِنْهُ

- ‌ فَصْلِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي دَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ وَعِلَاجِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي عِلَاجِ الْجُرْحِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي الْعِلَاجِ بِشُرْبِ الْعَسَلِ، وَالْحِجَامَةِ، وَالْكَيِّ

- ‌فصل: [في الحجامة]

- ‌فصل: [في منافع الحجامة]

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل: [في منافع الحجامة تحت الذقن]

- ‌فصل فِي هَدْيِهِ فِي أَوْقَاتِ الْحِجَامَةِ

- ‌فصل [في وقت الحجامة]

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَطْعِ الْعُرُوقِ وَالْكَيِّ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الصَّرَعِ

- ‌فصل [في صرع الأخلاط]

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ عِرْقِ النَّسَا

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ يُبْسِ الطَّبْعِ، وَاحْتِيَاجِهِ إِلَى مَا يُمَشِّيهِ وَيُلَيِّنُهُ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ حِكَّةِ الْجِسْمِ وَمَا يُوَلِّدُ الْقَمْلَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ ذَاتِ الْجَنْبِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الصُّدَاعِ وَالشَّقِيقَةِ

- ‌فَصْلٌ [في سبب صداع الشقيقة]

- ‌فصل [في علاج صداع الشقيقة]

- ‌فصل [في الحناء]

- ‌فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مُعَالَجَةِ الْمَرْضَى بِتَرْكِ إِعْطَائِهِمْ مَا يَكْرَهُونَهُ مِنَ الطعام والشراب، وأنهم لا يكرهون على تناولها

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْعُذْرَةِ، وَفِي الْعِلَاجِ بِالسَّعُوطِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في علاج المفؤود

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي دَفْعِ ضَرَرِ الْأَغْذِيَةِ وَالْفَاكِهَةِ وَإِصْلَاحِهَا بِمَا يَدْفَعُ ضَرَرَهَا، وَيُقَوِّي نَفْعَهَا

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحِمْيَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الرَّمَدِ بِالسُّكُونِ، وَالدَّعَةِ، وَتَرْكِ الْحَرَكَةِ، وَالْحِمْيَةِ مِمَّا يَهِيجُ الرَّمَدَ

- ‌فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْخَدَرَانِ الْكُلِّيِّ الَّذِي يَجْمُدُ مَعَهُ الْبَدَنُ

- ‌فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي إِصْلَاحِ الطَّعَامِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الذُّبَابُ، وَإِرْشَادِهِ إِلَى دَفْعِ مَضَرَّاتِ السُّمُومِ بِأَضْدَادِهَا

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْبَثْرَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في علاج الأورام، والخراجات الَّتِي تَبْرَأُ بِالْبَطِّ وَالْبَزْلِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْمَرْضَى بِتَطْيِيبِ نُفُوسِهِمْ وَتَقْوِيَةِ قُلُوبِهِمْ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْأَبْدَانِ بِمَا اعْتَادَتْهُ مِنَ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ دُونَ مَا لَمْ تَعْتَدْهُ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَغْذِيَةِ الْمَرِيضِ بِأَلْطَفِ مَا اعْتَادَهُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ السُّمِّ الَّذِي أَصَابَهُ بِخَيْبَرَ مِنَ الْيَهُودِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ السِّحْرِ الَّذِي سَحَرَتْهُ الْيَهُودُ بِهِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الِاسْتِفْرَاغِ بِالْقَيْءِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْإِرْشَادِ إِلَى مُعَالَجَةِ أَحْذَقِ الطَّبِيبَيْنِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَضْمِينِ مَنْ طَبَّ النَّاسَ، وَهُوَ جَاهِلٌ بِالطِّبِّ

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌فَصْلٌ

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّحَرُّزِ مِنَ الْأَدْوَاءِ الْمُعْدِيَةِ بِطَبْعِهَا وَإِرْشَادِهِ الْأَصِحَّاءَ إِلَى مُجَانَبَةِ أَهْلِهَا

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنْعِ مِنَ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمَاتِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْقَمْلِ الَّذِي فِي الرَّأْسِ وَإِزَالَتِهِ

- ‌[القسم الثاني وهو] فُصُولٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِلَاجِ بِالْأَدْوِيَةِ الرُّوحَانِيَّةِ الْإِلَهِيَّةِ الْمُفْرَدَةِ، وَالْمُرَكَّبَةِ مِنْهَا، وَمِنَ الْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْمُصَابِ بِالْعَيْنِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي العلاج لكل شكوى بالرقية الإلية

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي رُقْيَةِ اللَّدِيغِ بِالْفَاتِحَةِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ لَدْغَةِ الْعَقْرَبِ بِالرُّقْيَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي رُقْيَةِ النَّمْلَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي رُقْيَةِ الْحَيَّةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي رُقْيَةِ الْقَرْحَةِ وَالْجُرْحِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْوَجَعِ بِالرُّقْيَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ حَرِّ الْمُصِيبَةِ وَحُزْنِهَا

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْكَرْبِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْحَزَنِ

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ جِهَةِ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْأَدْوِيَةِ فِي هَذِهِ الْأَمْرَاضِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْفَزَعِ وَالْأَرَقِ الْمَانِعِ مِنَ النَّوْمِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ دَاءِ الْحَرِيقِ وَإِطْفَائِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَيْئَةِ الْجُلُوسِ لِلْأَكْلِ

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي تَدْبِيرِهِ لِأَمْرِ الْمَلْبَسِ

- ‌فَصْلٌ فِي تَدْبِيرِهِ لِأَمْرِ الْمَسْكَنِ

- ‌فَصْلٌ فِي تَدْبِيرِهِ لِأَمْرِ النوم واليقظة

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فَصَلَ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْعِشْقِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ بِالطِّيبِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِفْظِ صِحَّةِ الْعَيْنِ

- ‌فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنَ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ الْمُفْرَدَةِ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى لِسَانِهِ صلى الله عليه وسلم مُرَتَّبَةً عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ

- ‌حَرْفُ الْهَمْزَةِ

- ‌حَرْفُ الْبَاءِ

- ‌حَرْفُ التَّاءِ

- ‌حَرْفُ الثَّاءِ

- ‌حَرْفُ الْجِيمِ

- ‌حرف الحاء

- ‌حَرْفُ الْخَاءِ

- ‌حَرْفُ الدَّالِ

- ‌حَرْفُ الذَّالِ

- ‌حَرْفُ الرَّاءِ

- ‌حَرْفُ الزَّايِ

- ‌حَرْفُ السِّينِ

- ‌حَرْفُ الشِّينِ

- ‌حَرْفُ الصَّادِ

- ‌حَرْفُ الضَّادِ

- ‌حَرْفُ الطَّاءِ

- ‌حَرْفُ الْعَيْنِ

- ‌حَرْفُ الْغَيْنِ

- ‌حَرْفُ الْفَاءِ

- ‌حَرْفُ الْقَافِ

- ‌حَرْفُ الْكَافِ

- ‌حَرْفُ اللَّامِ

- ‌حَرْفُ الْمِيمِ

- ‌حَرْفُ النُّونِ

- ‌حَرْفُ الْهَاءِ

- ‌حَرْفُ الْوَاوِ

- ‌حَرْفُ الْيَاءِ

- ‌فصل [في الحذر من أكل البيض والسمك معا]

- ‌فصل [في ما يمرض الجسم]

- ‌فصل [في الحمية المفرطة]

- ‌فَصْلٌ [في ما يهدم البدن:]

- ‌فَصْلٌ

الفصل: ‌ ‌حَرْفُ الْمِيمِ مَاءٌ: مَادَّةُ الْحَيَاةِ، وَسَيِّدُ الشَّرَابِ، وَأَحَدُ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، بَلْ

‌حَرْفُ الْمِيمِ

مَاءٌ: مَادَّةُ الْحَيَاةِ، وَسَيِّدُ الشَّرَابِ، وَأَحَدُ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، بَلْ رُكْنُهُ الْأَصْلِيُّ، فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ خُلِقَتْ مِنْ بُخَارِهِ، وَالْأَرْضَ مِنْ زَبَدِهِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ: هَلْ يَغْذُو، أَوْ يُنْفِذُ الْغِذَاءَ فَقَطْ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَا، وَذَكَرْنَا الْقَوْلَ الرَّاجِحَ وَدَلِيلَهُ.

وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ، يَقْمَعُ الْحَرَارَةَ، وَيَحْفَظُ عَلَى الْبَدَنِ رُطُوبَاتِهِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ بَدَلَ مَا تَحَلَّلَ مِنْهُ، وَيُرَقِّقُ الْغِذَاءَ وَيُنْفِذُهُ فِي الْعُرُوقِ.

وَتُعْتَبَرُ جَوْدَةُ الْمَاءِ مِنْ عَشَرَةِ طُرُقٍ:

أَحَدُهَا: مِنْ لَوْنِهِ بِأَنْ يَكُونَ صَافِيًا.

الثَّانِي: مِنْ رَائِحَتِهِ بِأَنْ لَا تَكُونَ لَهُ رَائِحَةٌ الْبَتَّةَ.

الثَّالِثُ: مِنْ طَعْمِهِ بِأَنْ يَكُونَ عَذْبَ الطَّعْمِ حُلْوَهُ، كَمَاءِ النِّيلِ وَالْفُرَاتِ.

الرَّابِعُ: مِنْ وَزْنِهِ بِأَنْ يَكُونَ خَفِيفًا رَقِيقَ الْقِوَامِ.

الْخَامِسُ: مِنْ مَجْرَاهُ، بِأَنْ يَكُونَ طَيِّبَ الْمَجْرَى والمسلك.

السادس: مَنْبَعِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَعِيدَ الْمَنْبَعِ.

السَّابِعُ: مِنْ بُرُوزِهِ لِلشَّمْسِ وَالرِّيحِ،! بِأَنْ لَا يَكُونَ مُخْتَفِيًا تَحْتَ الْأَرْضِ، فَلَا تَتَمَكَّنُ الشَّمْسُ وَالرِّيحُ مِنْ قُصَارَتِهِ

الثَّامِنُ: مِنْ حَرَكَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ سَرِيعَ الْجَرْيِ وَالْحَرَكَةِ.

التَّاسِعُ: مِنْ كَثْرَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ كَثْرَةٌ يَدْفَعُ الْفَضَلَاتِ الْمُخَالِطَةَ لَهُ.

الْعَاشِرُ: مِنْ مَصَبِّهِ بِأَنْ يَكُونَ آخِذًا مِنَ الشَّمَالِ إِلَى الْجَنُوبِ، أَوْ مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْمَشْرِقِ.

ص: 295

وَإِذَا اعْتَبَرْتَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ. لَمْ تَجِدْهَا بِكَمَالِهَا إِلَّا فِي الْأَنْهَارِ الْأَرْبَعَةِ:

النِّيلِ، وَالْفُرَاتِ، وَسَيْحُونَ، وَجَيْحُونَ.

وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» : مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ، وَالنِّيلُ، وَالْفُرَاتُ، كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» «1» .

وَتُعْتَبَرُ خِفَّةُ الْمَاءِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: سُرْعَةُ قَبُولِهِ لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ. قَالَ أبقراط: الْمَاءُ الَّذِي يَسْخُنُ سَرِيعًا، وَيَبْرُدُ سَرِيعًا أَخَفُّ الْمِيَاهِ. الثَّانِي: بِالْمِيزَانِ، الثَّالِثُ: أَنْ تُبَلَّ قُطْنَتَانِ مُتَسَاوِيَتَا الْوَزْنِ بِمَاءَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، ثُمَّ يُجَفَّفَا بَالِغًا، ثُمَّ تُوزَنَا، فَأَيَّتُهُمَا كَانَتْ أَخَفَّ، فَمَاؤُهَا كَذَلِكَ.

وَالْمَاءُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ بَارِدًا رَطْبًا، فَإِنَّ قُوَّتَهُ تَنْتَقِلُ وَتَتَغَيَّرُ لِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ تُوجِبُ انْتِقَالَهَا، فَإِنَّ الْمَاءَ الْمَكْشُوفَ لِلشِّمَالِ الْمَسْتُورَ عَنِ الْجِهَاتِ الْأُخَرِ يَكُونُ بَارِدًا، وَفِيهِ يُبْسٌ مُكْتَسَبٌ مِنْ رِيحِ الشَّمَالِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى سَائِرِ الْجِهَاتِ الْأُخَرِ.

وَالْمَاءُ الَّذِي يَنْبُعُ مِنَ الْمَعَادِنِ يَكُونُ عَلَى طَبِيعَةِ ذَلِكَ الْمَعْدِنِ، وَيُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ تَأْثِيرَهُ، وَالْمَاءُ الْعَذْبُ نَافِعٌ لِلْمَرْضَى وَالْأَصِحَّاءِ، وَالْبَارِدُ مِنْهُ أَنْفَعُ وَأَلَذُّ، وَلَا يَنْبَغِي شُرْبُهُ عَلَى الرِّيقِ، وَلَا عَقِيبَ الْجِمَاعِ، وَلَا الِانْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ، وَلَا عَقِيبَ الْحَمَّامِ، وَلَا عَقِيبَ أَكْلِ الْفَاكِهَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَمَّا عَلَى الطَّعَامِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ وَلَا يُكْثِرُ مِنْهُ، بَلْ يَتَمَصَّصُهُ مَصًّا، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ الْبَتَّةَ، بَلْ يُقَوِّي الْمَعِدَةَ، وَيُنْهِضُ الشَّهْوَةَ، وَيُزِيلُ الْعَطَشَ.

وَالْمَاءُ الْفَاتِرُ يَنْفُخُ وَيَفْعَلُ ضِدَّ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَبَائِتُهُ أَجْوَدُ مِنْ طَرِيِّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.

وَالْبَارِدُ يَنْفَعُ مِنْ دَاخِلٍ أَكْثَرَ مِنْ نَفْعِهِ مِنْ خَارِجٍ، وَالْحَارُّ بِالْعَكْسِ، وَيَنْفَعُ الْبَارِدُ مِنْ عُفُونَةِ الدَّمِ، وَصُعُودِ الْأَبْخِرَةِ إِلَى الرَّأْسِ، وَيَدْفَعُ الْعُفُونَاتِ، وَيُوَافِقُ الْأَمْزِجَةَ وَالْأَسْنَانَ وَالْأَزْمَانَ وَالْأَمَاكِنَ الْحَارَّةَ، وَيَضُرُّ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ تَحْتَاجُ إِلَى نُضْجٍ وتحليل،

(1) أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها، وليس في البخاري.

ص: 296

كَالزُّكَامِ وَالْأَوْرَامِ، وَالشَّدِيدُ الْبُرُودَةِ مِنْهُ يُؤْذِي الْأَسْنَانَ، وَالْإِدْمَانُ عَلَيْهِ يُحْدِثُ انْفِجَارَ الدَّمِ وَالنَّزَلَاتِ، وَأَوْجَاعَ الصَّدْرِ.

وَالْبَارِدُ وَالْحَارُّ بِإِفْرَاطٍ ضَارَّانِ لِلْعَصَبِ وَلِأَكْثَرِ الْأَعْضَاءِ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُحَلِّلٌ، وَالْآخَرُ مُكَثِّفٌ، وَالْمَاءُ الْحَارُّ يُسَكِّنُ لَذْعَ الْأَخْلَاطِ الْحَادَّةِ، وَيُحَلِّلُ وَيُنْضِجُ، وَيُخْرِجُ الْفُضُولَ، وَيُرَطِّبُ وَيُسَخِّنُ، وَيُفْسِدُ الْهَضْمَ شُرْبُهُ، ويطفوا الطعام إِلَى أَعْلَى الْمَعِدَةِ وَيُرْخِيهَا، وَلَا يُسْرِعُ فِي تسكين العطش، ويذبل البدن، ويؤذي إِلَى أَمْرَاضٍ رَدِيئَةٍ وَيَضُرُّ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرَاضِ عَلَى أَنَّهُ صَالِحٌ لِلشُّيُوخِ، وَأَصْحَابِ الصَّرْعِ، وَالصُّدَاعِ الْبَارِدِ وَالرَّمَدِ. وَأَنْفَعُ مَا اسْتُعْمِلَ مِنْ خَارِجٍ.

ولا ظيصحّ فِي الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ بِالشَّمْسِ حَدِيثٌ وَلَا أَثَرٌ، وَلَا كَرِهَهُ أَحَدٌ مِنْ قُدَمَاءِ الْأَطِبَّاءِ، وَلَا عَابُوهُ، وَالشَّدِيدُ السُّخُونَةِ يُذِيبُ شَحْمَ الْكُلَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَاءِ الْأَمْطَارِ فِي حَرْفِ الْعَيْنِ.

مَاءٌ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ: ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كان يدعو في الاستفتاح وغيره: «الّهمّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ.

الثَّلْجُ لَهُ فِي نَفْسِهِ كَيْفِيَّةٌ حَادَّةٌ دُخَّانِيَّةٌ، فَمَاؤُهُ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي طَلَبِ الْغَسْلِ مِنَ الْخَطَايَا بِمَائِهِ لِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْقَلْبُ مِنَ التَّبْرِيدِ وَالتَّصْلِيبِ وَالتَّقْوِيَةِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَصْلُ طِبِّ الْأَبْدَانِ وَالْقُلُوبِ، وَمُعَالَجَةِ أَدْوَائِهَا بِضِدِّهَا.

وَمَاءُ الْبَرَدِ أَلْطَفُ وَأَلَذُّ مِنْ مَاءِ الثَّلْجِ، وَأَمَّا مَاءُ الْجَمْدِ وَهُوَ الْجَلِيدُ، فَبِحَسَبِ أَصْلِهِ.

وَالثَّلْجُ يَكْتَسِبُ كَيْفِيَّةَ الْجِبَالِ وَالْأَرْضِ الَّتِي يَسْقُطُ عَلَيْهَا فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، وَيَنْبَغِي تَجَنُّبُ شُرْبِ الْمَاءِ الْمَثْلُوجِ عَقِيبَ الْحَمَّامِ وَالْجِمَاعِ، وَالرِّيَاضَةِ وَالطَّعَامِ الْحَارِّ، وَلِأَصْحَابِ السُّعَالِ وَوَجَعِ الصَّدْرِ، وَضَعْفِ الْكَبِدِ، وَأَصْحَابِ الْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ.

ماء الآبار والقني: مِيَاهُ الْآبَارِ قَلِيلَةُ اللَّطَافَةِ، وَمَاءُ الْقُنِيِّ الْمَدْفُونَةِ تحت الأرض

ص: 297

ثَقِيلٌ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُحْتَقِنٌ لَا يَخْلُو عَنْ تَعَفُّنٍ، وَالْآخَرَ مَحْجُوبٌ عَنِ الْهَوَاءِ، وَيَنْبَغِي أَلَّا يُشْرَبَ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى يُصْمَدَ لِلْهَوَاءِ وَتَأْتِيَ عَلَيْهِ لَيْلَةٌ، وَأَرْدَؤُهُ مَا كَانَتْ مَجَارِيهِ مِنْ رَصَاصٍ، أَوْ كَانَتْ بِئْرُهُ مُعَطَّلَةً، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ تُرْبَتُهَا رَدِيئَةً، فَهَذَا الْمَاءُ وَبِيءٌ وخيم.

ماء زمزم: سَيِّدُ الْمِيَاهِ وَأَشْرَفُهَا وَأَجَلُّهَا قَدْرًا، وَأَحَبُّهَا إِلَى النفوس وأغلاها تمنا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ النَّاسِ، وَهُوَ هَزْمَةُ جِبْرِيلَ وَسُقْيَا اللَّهِ إِسْمَاعِيلَ «1» .

وَثَبَتَ فِي «الصَّحِيحِ» : عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ لأبي ذر وَقَدْ أَقَامَ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا أَرْبَعِينَ مَا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لَيْسَ لَهُ طَعَامٌ غَيْرَهُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ «2» .. وَزَادَ غَيْرُ مسلم بِإِسْنَادِهِ: وَشِفَاءُ سُقْمٍ «3» .

وَفِي «سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ» . مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:

«مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» «4» . وَقَدْ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ طَائِفَةٌ بعبد الله بن المؤمل رَاوِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ لَمَّا حَجَّ، أَتَى زَمْزَمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ ابن أبي الموالي حَدَّثَنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جابر رضي الله عنه، عَنْ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» ، وَإِنِّي أَشْرَبَهُ لِظَمَأِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وابن أبي الموالي ثِقَةٌ، فَالْحَدِيثُ إِذًا حَسَنٌ وَقَدْ صَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مَوْضُوعًا، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ فِيهِ مُجَازَفَةٌ.

وَقَدْ جَرَّبْتُ أَنَا وَغَيْرِي مِنَ الِاسْتِشْفَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمَ أُمُورًا عَجِيبَةً، وَاسْتَشْفَيْتُ بِهِ مِنْ عِدَّةِ أَمْرَاضٍ، فَبَرَأْتُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَشَاهَدْتُ مَنْ يَتَغَذَّى بِهِ الْأَيَّامَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ الشَّهْرِ، أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا يَجِدُ جُوعًا، وَيَطُوفُ مَعَ النَّاسِ كَأَحَدِهِمْ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ رُبَّمَا بَقِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَكَانَ لَهُ قُوَّةً يُجَامِعُ بِهَا أَهْلَهُ، وَيَصُومُ ويطوف مرارا.

(1) أخرجه الدارقطني، والحاكم.

(2)

أخرجه مسلم في فضائل الصحابة.

(3)

أخرجه البزار والبيهقي والطيالسي.

(4)

أخرجه ابن ماجة وأحمد والبيهقي.

ص: 298

ماء النيل: أَحَدُ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ أَصْلُهُ مِنْ وَرَاءِ جِبَالِ الْقَمَرِ فِي أَقْصَى بِلَادِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَمْطَارٍ تَجْتَمِعُ هُنَاكَ، وَسُيُولٍ يَمُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَسُوقُهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ الَّتِي لَا نَبَاتَ لَهَا، فَيُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا، تَأْكُلُ مِنْهُ الْأَنْعَامُ وَالْأَنَامُ، وَلَمَّا كَانَتِ الْأَرْضُ الَّتِي يَسُوقُهُ إِلَيْهَا إِبْلِيزًا صُلْبَةً، إِنْ أُمْطِرَتْ مَطَرَ الْعَادَةِ، لَمْ تُرْوَ، وَلَمْ تَتَهَيَّأْ لِلنَّبَاتِ، وَإِنْ أُمْطِرَتْ فَوْقَ الْعَادَةِ، ضَرَّتِ الْمَسَاكِنَ وَالسَّاكِنَ، وَعَطَّلَتِ الْمَعَايِشَ وَالْمَصَالِحَ، فَأَمْطَرَ الْبِلَادَ الْبَعِيدَةَ، ثُمَّ سَاقَ تِلْكَ الْأَمْطَارَ إِلَى هَذِهِ الْأَرْضِ فِي نَهْرٍ عَظِيمٍ، وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ زِيَادَتَهُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى قَدْرِ رَيِّ الْبِلَادِ وَكِفَايَتِهَا، فَإِذَا أَرْوَى الْبِلَادَ وَعَمَّهَا، أَذِنَ سُبْحَانَهُ بِتَنَاقُصِهِ وَهُبُوطِهِ لِتَتِمَّ الْمَصْلَحَةُ بِالتَّمَكُّنِ مِنَ الزَّرْعِ، وَاجْتَمَعَ فِي هَذَا الْمَاءِ الْأُمُورُ الْعَشْرَةُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَكَانَ مِنْ أَلْطَفِ الْمِيَاهِ وَأَخَفِّهَا وَأَعْذَبِهَا وَأَحْلَاهَا.

مَاءُ الْبَحْرِ: ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» . وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِلْحًا أُجَاجًا مُرًّا زُعَاقًا لِتَمَامِ مَصَالِحِ مَنْ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.

مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ، فَإِنَّهُ دَائِمٌ رَاكِدٌ كَثِيرُ الْحَيَوَانِ، وَهُوَ يَمُوتُ فِيهِ كَثِيرًا وَلَا يُقْبَرُ، فَلَوْ كَانَ حُلْوًا لَأَنْتَنَ مِنْ إِقَامَتِهِ وَمَوْتِ حَيَوَانَاتِهِ فِيهِ وَأَجَافَ، وَكَانَ الْهَوَاءُ الْمُحِيطُ بِالْعَالَمِ يَكْتَسِبُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَيَنْتُنُ وَيُجِيفُ، فَيَفْسُدُ الْعَالَمُ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الرَّبِّ سبحانه وتعالى أَنْ جَعَلَهُ كَالْمَلَّاحَةِ الَّتِي لَوْ أُلْقِيَ فيه حيف الْعَالِمِ كُلُّهَا وَأَنْتَانُهُ وَأَمْوَاتُهُ لَمْ تُغَيِّرْهُ شَيْئًا، وَلَا يَتَغَيَّرُ عَلَى مُكْثِهِ مِنْ حِينِ خُلِقَ وَإِلَى أَنْ يَطْوِيَ اللَّهُ الْعَالَمَ، فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الْغَائِيُّ الْمُوجِبُ لِمُلُوحَتِهِ. وَأَمَّا الْفَاعِلِيُّ، فَكَوْنُ أرضه سبخة الحة.

وَبَعْدُ فَالِاغْتِسَالُ بِهِ نَافِعٌ مِنْ آفَاتٍ عَدِيدَةٍ فِي ظَاهِرِ الْجِلْدِ، وَشُرْبُهُ مُضِرٌّ بِدَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ، فَإِنَّهُ يُطْلِقُ الْبَطْنَ، وَيُهْزِلُ، وَيُحْدِثُ حَكَّةً وَجَرَبًا، وَنَفْخًا وَعَطَشًا، وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى شُرْبِهِ فَلَهُ طُرُقٌ مِنَ الْعِلَاجِ يَدْفَعُ بِهَا مَضَرَّتَهُ.

مِنْهَا: أَنْ يُجْعَلَ فِي قِدْرٍ، وَيُجْعَلَ فَوْقَ الْقِدْرِ قَصَبَاتٌ وَعَلَيْهَا صُوفٌ جَدِيدٌ مَنْفُوشٌ، وَيُوقَدَ تَحْتَ القدر حتى يرتفع بخارها إلى الصوفج فَإِذَا كَثُرَ عَصَرَهُ، وَلَا يَزَالُ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهُ مَا يُرِيدُ، فَيَحْصُلُ فِي الصُّوفِ مِنَ الْبُخَارِ مَا عَذُبَ وَيَبْقَى فِي القدر الزّعاق.

ص: 299

وَمِنْهَا: أَنْ يُحْفَرَ عَلَى شَاطِئِهِ حُفْرَةٌ وَاسِعَةٌ يُرَشَّحُ مَاؤُهُ، إِلَيْهَا، ثُمَّ إِلَى جَانِبِهَا قَرِيبًا مِنْهَا أُخْرَى تُرَشِّحُ هِيَ إِلَيْهَا، ثُمَّ ثَالِثَةٌ إِلَى أَنْ يَعْذُبَ الْمَاءُ. وَإِذَا أَلْجَأَتْهُ الضَّرُورَةُ إِلَى شُرْبِ الْمَاءِ الْكَدِرِ فَعِلَاجُهُ أَنْ يُلْقِيَ فِيهِ نَوَى الْمِشْمِشِ، أَوْ قِطْعَةً مِنْ خَشَبِ السَّاجِ، أَوْ جَمْرًا مُلْتَهِبًا يُطْفَأُ فِيهِ، أَوْ طِينًا أَرْمَنِيًّا، أَوْ سَوِيقَ حِنْطَةٍ فَإِنَّ كُدْرَتَهُ ترسب إلى أسفل.

مسك: ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مسلم، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«أَطْيَبُ الطِّيبِ الْمِسْكُ» «1» .

وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» : عَنْ عائشة رضي الله عنها: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ «2» .

الْمِسْكُ: مَلِكُ أَنْوَاعِ الطِّيبِ، وَأَشْرَفُهَا وَأَطْيَبُهَا، وَهُوَ الَّذِي تُضْرَبُ بِهِ الْأَمْثَالُ، وَيُشَبَّهُ بِهِ غَيْرُهُ، وَلَا يُشَبَّهُ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ كُثْبَانُ الْجَنَّةِ، وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ، يَسُرُّ النَّفْسَ وَيُقَوِّيهَا، وَيُقَوِّي الأعضاء الباطنة جميعها شربا وشمّا وَيُقَوِّي الْأَعْضَاءَ الْبَاطِنَةَ جَمِيعَهَا شُرْبًا وَشَمَّا وَالظَّاهِرَةَ إِذَا وُضِعَ عَلَيْهَا. نَافِعٌ لِلْمَشَايِخِ، وَالْمَبْرُودِينَ، لَا سِيَّمَا زَمَنَ الشِّتَاءِ جَيِّدٌ لِلْغَشْيِ وَالْخَفَقَانِ، وَضَعْفِ القوة بإنعاشه للحرارة الغريزية، ويجلو بيام العين، وينشف رطوبتها، وظيفشّ الرِّيَاحَ مِنْهَا وَمِنْ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، وَيُبْطِلُ عَمَلَ السمومج وينفع من نهش الأفاعي، ومنافعه كثيرة جداج وهو من أقوى المفرّحات.

مرزنجوش: وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ لَا نَعْلَمُ صِحَّتَهُ: «عَلَيْكُمْ بِالْمَرْزَنْجُوشِ، فَإِنَّهُ جَيِّدٌ لِلْخُشَامِ» «3» وَالْخُشَامُ: الزُّكَامُ.

وَهُوَ حَارٌّ فِي الثَّالِثَةِ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ، يَنْفَعُ شَمُّهُ مِنَ الصُّدَاعِ الْبَارِدِ وَالْكَائِنِ عَنِ الْبَلْغَمِ، وَالسَّوْدَاءِ وَالزُّكَامِ، وَالرِّيَاحِ الْغَلِيظَةِ، وَيَفْتَحُ السُّدَدَ الْحَادِثَةَ في الرأس

(1) أخرجه مسلم في الألفاظ.

(2)

أخرجه البخاري في الحج.

(3)

ذكره السيوطي في الجامع الصغير، ونسبه لابن السني وأبي نعيم في الطب.

ص: 300

وَالْمَنْخِرَيْنِ، وَيُحَلِّلُ أَكْثَرَ الْأَوْرَامِ الْبَارِدَةِ، فَيَنْفَعُ مِنْ أَكْثَرِ الْأَوْرَامِ وَالْأَوْجَاعِ الْبَارِدَةِ الرَّطْبَةِ، وَإِذَا احْتُمِلَ، أَدَرَّ الطَّمْثَ، وَأَعَانَ عَلَى الْحَبَلِ، وَإِذَا دُقَّ وَرَقُهُ الْيَابِسُ، وَكُمِدَ بِهِ، أَذْهَبَ آثَارَ الدَّمِ الْعَارِضِ تَحْتَ الْعَيْنِ، وَإِذَا ضُمِّدَ بِهِ مَعَ الْخَلِّ، نَفَعَ لَسْعَةَ الْعَقْرَبِ.

وَدُهْنُهُ نَافِعٌ لِوَجَعِ الظَّهْرِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَيُذْهِبُ بِالْإِعْيَاءِ، وَمَنْ أَدْمَنَ شَمَّهُ لَمْ يَنْزِلْ فِي عَيْنَيْهِ الْمَاءُ، وَإِذَا اسْتُعِطَ بِمَائِهِ مَعَ دُهْنِ اللَّوْزِ الْمُرِّ، فَتَحَ سُدَدَ الْمَنْخِرَيْنِ، وَنَفَعَ مِنَ الرِّيحِ الْعَارِضَةِ فِيهَا وَفِي الرأس.

ملح: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي «سُنَنِهِ» : مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ: «سَيِّدُ إِدَامِكُمُ الْمِلْحُ» «1» وَسَيِّدُ الشَّيْءِ: هُوَ الَّذِي يُصْلِحُهُ، وَيَقُومُ عَلَيْهِ، وَغَالِبُ الْإِدَامِ إِنَّمَا يَصْلُحُ بِالْمِلْحِ، وَفِي «مُسْنَدِ البزار» مَرْفُوعًا: سيوشك أن تكونوا في الناس مثل ال الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، «وَلَا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلَّا بِالْمِلْحِ» «2» .

وَذَكَرَ البغوي فِي «تَفْسِيرِهِ» : عَنْ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مَرْفُوعًا:

«إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ أَرْبَعَ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ: الْحَدِيدَ، وَالنَّارَ، وَالْمَاءَ، وَالْمِلْحَ» .. وَالْمَوْقُوفُ أَشْبَهُ.

الْمِلْحُ يُصْلِحُ أَجْسَامَ النَّاسِ وَأَطْعِمَتَهُمْ، وَيُصْلِحُ كُلَّ شَيْءٍ يُخَالِطُهُ حَتَّى الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّ فِيهِ قُوَّةً تَزِيدُ الذَّهَبَ صُفْرَةً، وَالْفِضَّةَ بَيَاضًا، وَفِيهِ جِلَاءٌ وَتَحْلِيلٌ، وَإِذْهَابٌ لِلرُّطُوبَاتِ الْغَلِيظَةِ، وَتَنْشِيفٌ لَهَا، وَتَقْوِيَةٌ لِلْأَبْدَانِ، وَمَنْعٌ مِنْ عُفُونَتِهَا وَفَسَادِهَا وَنَفْعٌ مِنَ الْجَرَبِ الْمُتَقَرِّحِ.

وَإِذَا اكْتُحِلَ بِهِ، قَلَعَ اللَّحْمَ الزَّائِدَ مِنَ الْعَيْنِ، وَمَحَقَ الظَّفَرَةَ وَالْأَنْدَرَانِيُّ أَبْلَغُ فِي ذَلِكَ، وَيَمْنَعُ الْقُرُوحَ الْخَبِيثَةَ مِنَ الِانْتِشَارِ، وَيُحْدِرُ الْبِرَازَ، وَإِذَا دُلِكَ به بطون

(1) أخرجه ابن ماجة في الأطعمة.

(2)

رواه البزار والطبراني.

ص: 301