المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السحر الذي سحرته اليهود به - الطب النبوي لابن القيم

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المحقق]

- ‌فصول نافعة فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الطِّبِّ الَّذِي تَطَبَّبَ بِهِ وَوَصَفَهُ لِغَيْرِهِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌ذِكْرُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْعِلَاجُ بِالْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي عِلَاجِ الْحُمَّى

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي عِلَاجِ اسْتِطْلَاقِ الْبَطْنِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي الطَّاعُونِ، وَعِلَاجِهِ، وَالِاحْتِرَازِ مِنْهُ

- ‌ فَصْلِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي دَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ وَعِلَاجِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي عِلَاجِ الْجُرْحِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي الْعِلَاجِ بِشُرْبِ الْعَسَلِ، وَالْحِجَامَةِ، وَالْكَيِّ

- ‌فصل: [في الحجامة]

- ‌فصل: [في منافع الحجامة]

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل: [في منافع الحجامة تحت الذقن]

- ‌فصل فِي هَدْيِهِ فِي أَوْقَاتِ الْحِجَامَةِ

- ‌فصل [في وقت الحجامة]

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَطْعِ الْعُرُوقِ وَالْكَيِّ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الصَّرَعِ

- ‌فصل [في صرع الأخلاط]

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ عِرْقِ النَّسَا

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ يُبْسِ الطَّبْعِ، وَاحْتِيَاجِهِ إِلَى مَا يُمَشِّيهِ وَيُلَيِّنُهُ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ حِكَّةِ الْجِسْمِ وَمَا يُوَلِّدُ الْقَمْلَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ ذَاتِ الْجَنْبِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الصُّدَاعِ وَالشَّقِيقَةِ

- ‌فَصْلٌ [في سبب صداع الشقيقة]

- ‌فصل [في علاج صداع الشقيقة]

- ‌فصل [في الحناء]

- ‌فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مُعَالَجَةِ الْمَرْضَى بِتَرْكِ إِعْطَائِهِمْ مَا يَكْرَهُونَهُ مِنَ الطعام والشراب، وأنهم لا يكرهون على تناولها

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْعُذْرَةِ، وَفِي الْعِلَاجِ بِالسَّعُوطِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في علاج المفؤود

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي دَفْعِ ضَرَرِ الْأَغْذِيَةِ وَالْفَاكِهَةِ وَإِصْلَاحِهَا بِمَا يَدْفَعُ ضَرَرَهَا، وَيُقَوِّي نَفْعَهَا

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحِمْيَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الرَّمَدِ بِالسُّكُونِ، وَالدَّعَةِ، وَتَرْكِ الْحَرَكَةِ، وَالْحِمْيَةِ مِمَّا يَهِيجُ الرَّمَدَ

- ‌فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْخَدَرَانِ الْكُلِّيِّ الَّذِي يَجْمُدُ مَعَهُ الْبَدَنُ

- ‌فصل فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي إِصْلَاحِ الطَّعَامِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الذُّبَابُ، وَإِرْشَادِهِ إِلَى دَفْعِ مَضَرَّاتِ السُّمُومِ بِأَضْدَادِهَا

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْبَثْرَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم في علاج الأورام، والخراجات الَّتِي تَبْرَأُ بِالْبَطِّ وَالْبَزْلِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْمَرْضَى بِتَطْيِيبِ نُفُوسِهِمْ وَتَقْوِيَةِ قُلُوبِهِمْ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْأَبْدَانِ بِمَا اعْتَادَتْهُ مِنَ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ دُونَ مَا لَمْ تَعْتَدْهُ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَغْذِيَةِ الْمَرِيضِ بِأَلْطَفِ مَا اعْتَادَهُ مِنَ الْأَغْذِيَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ السُّمِّ الَّذِي أَصَابَهُ بِخَيْبَرَ مِنَ الْيَهُودِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ السِّحْرِ الَّذِي سَحَرَتْهُ الْيَهُودُ بِهِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الِاسْتِفْرَاغِ بِالْقَيْءِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْإِرْشَادِ إِلَى مُعَالَجَةِ أَحْذَقِ الطَّبِيبَيْنِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَضْمِينِ مَنْ طَبَّ النَّاسَ، وَهُوَ جَاهِلٌ بِالطِّبِّ

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌فَصْلٌ

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّحَرُّزِ مِنَ الْأَدْوَاءِ الْمُعْدِيَةِ بِطَبْعِهَا وَإِرْشَادِهِ الْأَصِحَّاءَ إِلَى مُجَانَبَةِ أَهْلِهَا

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنْعِ مِنَ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمَاتِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْقَمْلِ الَّذِي فِي الرَّأْسِ وَإِزَالَتِهِ

- ‌[القسم الثاني وهو] فُصُولٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعِلَاجِ بِالْأَدْوِيَةِ الرُّوحَانِيَّةِ الْإِلَهِيَّةِ الْمُفْرَدَةِ، وَالْمُرَكَّبَةِ مِنْهَا، وَمِنَ الْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْمُصَابِ بِالْعَيْنِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي العلاج لكل شكوى بالرقية الإلية

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي رُقْيَةِ اللَّدِيغِ بِالْفَاتِحَةِ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ لَدْغَةِ الْعَقْرَبِ بِالرُّقْيَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي رُقْيَةِ النَّمْلَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي رُقْيَةِ الْحَيَّةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي رُقْيَةِ الْقَرْحَةِ وَالْجُرْحِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْوَجَعِ بِالرُّقْيَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ حَرِّ الْمُصِيبَةِ وَحُزْنِهَا

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْكَرْبِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْحَزَنِ

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ جِهَةِ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْأَدْوِيَةِ فِي هَذِهِ الْأَمْرَاضِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْفَزَعِ وَالْأَرَقِ الْمَانِعِ مِنَ النَّوْمِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ دَاءِ الْحَرِيقِ وَإِطْفَائِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَيْئَةِ الْجُلُوسِ لِلْأَكْلِ

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي تَدْبِيرِهِ لِأَمْرِ الْمَلْبَسِ

- ‌فَصْلٌ فِي تَدْبِيرِهِ لِأَمْرِ الْمَسْكَنِ

- ‌فَصْلٌ فِي تَدْبِيرِهِ لِأَمْرِ النوم واليقظة

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فَصَلَ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْعِشْقِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ بِالطِّيبِ

- ‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِفْظِ صِحَّةِ الْعَيْنِ

- ‌فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنَ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ الْمُفْرَدَةِ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى لِسَانِهِ صلى الله عليه وسلم مُرَتَّبَةً عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ

- ‌حَرْفُ الْهَمْزَةِ

- ‌حَرْفُ الْبَاءِ

- ‌حَرْفُ التَّاءِ

- ‌حَرْفُ الثَّاءِ

- ‌حَرْفُ الْجِيمِ

- ‌حرف الحاء

- ‌حَرْفُ الْخَاءِ

- ‌حَرْفُ الدَّالِ

- ‌حَرْفُ الذَّالِ

- ‌حَرْفُ الرَّاءِ

- ‌حَرْفُ الزَّايِ

- ‌حَرْفُ السِّينِ

- ‌حَرْفُ الشِّينِ

- ‌حَرْفُ الصَّادِ

- ‌حَرْفُ الضَّادِ

- ‌حَرْفُ الطَّاءِ

- ‌حَرْفُ الْعَيْنِ

- ‌حَرْفُ الْغَيْنِ

- ‌حَرْفُ الْفَاءِ

- ‌حَرْفُ الْقَافِ

- ‌حَرْفُ الْكَافِ

- ‌حَرْفُ اللَّامِ

- ‌حَرْفُ الْمِيمِ

- ‌حَرْفُ النُّونِ

- ‌حَرْفُ الْهَاءِ

- ‌حَرْفُ الْوَاوِ

- ‌حَرْفُ الْيَاءِ

- ‌فصل [في الحذر من أكل البيض والسمك معا]

- ‌فصل [في ما يمرض الجسم]

- ‌فصل [في الحمية المفرطة]

- ‌فَصْلٌ [في ما يهدم البدن:]

- ‌فَصْلٌ

الفصل: ‌فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السحر الذي سحرته اليهود به

مُعَالَجَةُ السُّمِّ تَكُونُ بِالِاسْتِفْرَاغَاتِ، وَبِالْأَدْوِيَةِ الَّتِي تُعَارِضُ فِعْلَ السُّمِّ وَتُبْطِلُهُ، إِمَّا بِكَيْفِيَّاتِهَا، وَإِمَّا بِخَوَاصِّهَا، فَمَنْ عَدِمَ الدَّوَاءَ، فَلْيُبَادِرْ إِلَى الِاسْتِفْرَاغِ الْكُلِّيِّ وَأَنْفَعُهُ الْحِجَامَةُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْبَلَدُ حَارًّا، وَالزَّمَانُ حَارًّا، فَإِنَّ الْقُوَّةَ السُّمِّيَّةَ تَسْرِي إِلَى الدَّمِ، فَتَنْبَعِثُ فِي الْعُرُوقِ وَالْمَجَارِي حَتَّى تَصِلَ إِلَى الْقَلْبِ، فَيَكُونُ الْهَلَاكُ، فَالدَّمُ هُوَ الْمَنْفَذُ الْمُوَصِّلُ لِلسُّمِّ إِلَى الْقَلْبِ وَالْأَعْضَاءِ، فَإِذَا بَادَرَ الْمَسْمُومُ، وَأَخْرَجَ الدَّمَ، خَرَجَتْ مَعَهُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ السُّمِّيَّةُ الَّتِي خَالَطَتْهُ، فَإِنْ كَانَ اسْتِفْرَاغًا تَامًّا لَمْ يَضُرَّهُ السُّمُّ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَذْهَبَ، وَإِمَّا أَنْ يَضْعُفَ فَتَقْوَى عَلَيْهِ الطَّبِيعَةُ، فَتُبْطِلُ فِعْلَهُ أَوْ تُضْعِفُهُ.

وَلَمَّا احْتَجَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، احْتَجَمَ فِي الْكَاهِلِ، وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْحِجَامَةُ إِلَى الْقَلْبِ، فَخَرَجَتِ الْمَادَّةُ السُّمِّيَّةُ مَعَ الدَّمِ لَا خُرُوجًا كُلِّيًّا، بَلْ بَقِيَ أَثَرُهَا مَعَ ضَعْفِهِ لِمَا يُرِيدُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ تَكْمِيلِ مَرَاتِبِ الْفَضْلِ كُلِّهَا لَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِكْرَامَهُ بِالشَّهَادَةِ، ظَهَرَ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْأَثَرِ الْكَامِنِ مِنَ السُّمِّ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا، وَظَهَرَ سِرُّ قَوْلِهِ تَعَالَى لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْيَهُودِ: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [الْبَقَرَةِ: 87] ، فَجَاءَ بِلَفْظِ كَذَّبْتُمْ بِالْمَاضِي الَّذِي قَدْ وَقَعَ مِنْهُ، وَتَحَقَّقَ، وَجَاءَ بِلَفْظِ:«تَقْتُلُونَ» بِالْمُسْتَقْبَلِ الذي يتوقعونه وينتظرونه، والله أعلم.

‌فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ السِّحْرِ الَّذِي سَحَرَتْهُ الْيَهُودُ بِهِ

قَدْ أَنْكَرَ هَذَا طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ هَذَا عَلَيْهِ، وَظَنُّوهُ نَقْصًا وَعَيْبًا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا، بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا كَانَ يَعْتَرِيهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَسْقَامِ وَالْأَوْجَاعِ، وَهُوَ مَرَضٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ، وَإِصَابَتُهُ بِهِ كَإِصَابَتِهِ بِالسُّمِّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ عائشة رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: سُحِرَ رَسُولُ

ص: 92

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي نِسَاءَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِنَّ، وَذَلِكَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ «1» .

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَالسِّحْرُ مَرَضٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ، وَعَارِضٌ مِنَ الْعِلَلِ يَجُوزُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم، كَأَنْوَاعِ الْأَمْرَاضِ مِمَّا لَا يُنْكَرُ، وَلَا يَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ، فَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُدْخِلُ عَلَيْهِ دَاخِلَةً فِي شَيْءٍ مِنْ صِدْقِهِ، لِقِيَامِ الدَّلِيلِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى عِصْمَتِهِ مِنْ هَذَا، وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَا يَجُوزُ طُرُوُّهُ عَلَيْهِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ لِسَبَبِهَا، وَلَا فُضِّلَ مِنْ أَجْلِهَا، وَهُوَ فِيهَا عُرْضَةٌ لِلْآفَاتِ كَسَائِرِ الْبَشَرِ، فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنَّهُ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِهَا مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، ثُمَّ يَنْجَلِي عَنْهُ كَمَا كَانَ.

وَالْمَقْصُودُ: ذِكْرُ هَدْيِهِ فِي عِلَاجِ هَذَا الْمَرَضِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِيهِ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا- وَهُوَ أَبْلَغُهُمَا-: اسْتِخْرَاجُهُ وَإِبْطَالُهُ، كَمَا صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَيْهِ، فَاسْتَخْرَجَهُ مِنْ بِئْرٍ، فَكَانَ فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ، فَلَمَّا اسْتَخْرَجَهُ، ذَهَبَ مَا بِهِ، حَتَّى كَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ مَا يُعَالَجُ بِهِ الْمَطْبُوبُ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ إِزَالَةِ الْمَادَّةِ الْخَبِيثَةِ وَقَلْعِهَا مِنَ الْجَسَدِ بِالِاسْتِفْرَاغِ.

وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الِاسْتِفْرَاغُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْهِ أَذَى السِّحْرِ، فَإِنَّ لِلسِّحْرِ تَأْثِيرًا فِي الطَّبِيعَةِ، وَهَيَجَانَ أَخْلَاطِهَا، وَتَشْوِيشَ مِزَاجِهَا، فَإِذَا ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي عُضْوٍ، وَأَمْكَنَ اسْتِفْرَاغُ الْمَادَّةِ الرَّدِيئَةِ مِنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ، نَفَعَ جِدًّا.

وَقَدْ ذَكَرَ أبو عبيد فِي كِتَابِ «غَرِيبِ الْحَدِيثِ» لَهُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ عَلَى رَأْسِهِ بِقَرْنٍ حِينَ طُبَّ «2» . قَالَ أبو عبيد: مَعْنَى طُبَّ: أَيْ سُحِرَ.

وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا عَلَى مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ، وَقَالَ: مَا لِلْحِجَامَةِ وَالسِّحْرِ، وَمَا الرَّابِطَةُ بَيْنَ هَذَا الدَّاءِ وَهَذَا الدَّوَاءِ، وَلَوْ وَجَدَ هَذَا الْقَائِلُ أبقراط، أَوِ ابْنَ سِينَا، أَوْ غَيْرَهُمَا قَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا الْعِلَاجِ، لَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ، وَقَالَ: قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ مَنْ لَا يُشَكَّ فِي مَعْرِفَتِهِ وَفَضْلِهِ.

(1) أخرجه البخاري في الطب، ومسلم في باب السحر.

(2)

هذا الحديث لا يصح

ص: 93